الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

05- ما جاء في خضاب رسول الله ﷺ وكحله ولباسه


عناصر المادة
باب ما جاء في خضاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
ما جاء في لباس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فقد سبق الحديث في الدرس الماضي عن خاتم النبي ﷺ الذي في ظهره، وكيف أن بعض الصحابة أراد أن يعالجه؛ لظنه غُدّة أو سِلعة وعلّة، وأن النبي ﷺ قال:  طبيبها الذي خلقها ، وقال له: أنت رفيق، والله الطبيب  [رواه أحمد: 7109، وأبو داود: 4207، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 1537]. 

وكذلك فإن النبي ﷺ كان قد ظهر له شيب في آخر عمره، ولكنه لم يكن ليشينه، ما شانه الله تعالى بالشيب، يعني أنها لم تكن عيبًا، وليس معناه أنها لم تحدث، وقلنا بأن الصحابة قد عدوا نحوًا من عشرين شعرة في الشيب في لحية النبي ﷺ في العنفقة، وكذلك في الصِّدغين، ونبذ من الشعر.

باب ما جاء في خضاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

00:01:11

وندخل الآن في الباب الذي يليه وهو الخضاب، فنقول بعد الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله المبعوث رحمة للخلق، قال الإمام الترمذي -رحمه الله-: باب ما جاء في خضاب رسول الله ﷺ، وذكر فيه طرفًا من حديث أبي رمِثة السابق وفيه: "ورأيت الشيب أحمر"، أن شيبه كان لونه لما رآه أحمر، وكان ذلك من أثر الحناء التي خُضب بها، على ما قاله البعض.

وقال بعضهم: إنه من أثر الدهن، ولم يكن يخضب، وقد سئل أبو هريرة : هل خضب رسول الله ﷺ؟ قال: "نعم"، والحديث صحيح.

ولكن الصواب أنه من رواية أم سلمة وليس من رواية أبي هريرة، وفي البخاري وابن ماجه عن عثمان بن عبد الله بن موهب قال: "دخلتُ على أم سلمة فأخرجت إلينا شعرًا من شعر النبي ﷺ مخضوبًا" [رواه البخاري: 5897].

وفيه رواية للبخاري: "أن أم سلمة أرته شعر النبي ﷺ أحمر" [رواه البخاري: 5897].

ومعنى: "مخضوبًا" قلنا: بالحناء والكتم، والكتم نبت فيه حمرة يختضب به والحناء معروف.

وتقدّم في حديث ابن عمر : "أنه ﷺ خضب بالصُّفرة".

وكان ذلك في بعض الأحيان، وأما نفي أنس أنه ما كان يخضب فإنه يُحمل على الأكثر من أحوالهﷺ أنه ما كان يخضب، والأحاديث التي فيها إثبات الخضاب على الأقل؛ وهو أنه كان يخضب تارة بالحمرة، تارة بالحمرة الضاربة إلى السواد، أو السواد الضارب للحمرة، تارة بالصُّفرة ﷺ.

وقد أخرج مسلم وغيره من حديث جابر بن سمرة قال: "ما كان في رأس رسول الله ﷺ ولحيته من الشيب إلا شعرات كان إذا دهن واراهن الدُّهن" [رواه مسلم: 2344].

فيُحتمل أن يكون الذين أثبتوا الخضاب شاهدوا الشعر الأبيض، ثم لما واراه الدهن ظنوا أنه قد خضبه، فهذا جمع آخر؛ أنه ما خضب، لكن بالدهن ظنوه خضبه.

أما الإمام النووي - رحمه الله - فإنه قال: "والمختار أنه ﷺ خضب في وقت دلّ عليه حديث ابن عمر في الصحيحين، وتركه معظم الأوقات" [شرح النووي على مسلم: 15/95].

إذن، هذا قول المحققين منهم النووي - رحمه الله - أنه خضب، يعني صبغ، لكن ليس في أكثر الأوقات، قال: "وتركه في معظم الأوقات؛ فأخبر كل بما رأى وهو صادق"، يعني أنس عندما نفى كان صادقًا، ابن عمر لما أثبت كان صادقًا.

ثم قال: "باب ما جاء في كحل رسول الله ﷺ"؛ وهو الباب السابع، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي ﷺ قال: اكتحلوا بالإثمد؛ فإنه يجلو البصر، وينبت الشعر [رواه الترمذي: 1757، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 4056]. 

وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ:  عليكم بالإثمد عند النوم  يعني قبل أن تناموا استعملوه،  فإنه يجلو البصر، وينبت الشعر [رواه ابن ماجه: 3496، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 4054]. 

وعن ابن عباس قال: "قال رسول الله ﷺ: إن خير أكحالكم الإثمد؛ يجلو البصر، ويُنبت الشعر حديث صحيح. [رواه أبو داود: 3878، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 1236]. 

وعن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ:  عليكم بالإثمد؛ فإنه يجلو البصر، وينبت الشعر  [رواه ابن ماجه: 3495، وصححه الألباني في مختصر الشمائل: 45]. 

هذه الأحاديث التي ساقها المصنف الترمذي - رحمه الله - في بابه وهي أحاديث صحيحة.

 اكتحلوا بالإثمد : الإثمد حجر معروف؛ أسود يضرب إلى الحمرة، يكون في بلاد الحجاز، وأجوده كما قالوا ما يؤتى به من أصبهان، ويقال له: الكحل الأصفهاني، وهو ينشف الدمعة والقروح، ويحفظ صحة العين ويقوي غصنها لاسيما للشيوخ والصبيان، يعني الكبار والصغار، واختلف في الإثمد هذا هل هو اسم الحجر الذي يتخذ منه الكحل، أو هو نفس الكحل، الإثمد كلمة إثمد هل هو الكحل أو الحجر الذي يؤخذ منه الكحل؟ ذكره ابن سيده.

وقوله: فإنه يجلو البصر : الجلاء يعني تحسين النظر، حسن النظر، يزيد نور العين، وينظف الباصرة؛ لأنه يدفع المواد الرديئة التي ربما تنزل من الرأس، و يُنبت الشَّعَر : بفتحتين، ويجوز بإسكان العين: الشَّعْر، إذن، الشَّعَر والشَّعْر كلاهما صحيح، والمراد بالشعر هنا شعر ماذا؟ الأهداب؛ وهو الذي ينبت على أشفار العين.

وعند أبي عاصم والطبري من حديث علي بسند حسن: عليكم بالإثمد؛ فإنه منبتة للشعر، مذهبة للقذى، مصفاة للبصر ، وصححه الألباني في سلسلته الصحيحة. [رواه الطبراني في الأوسط: 665,، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 665].  

إذن، ذكر له ثلاث فوائد، قال: منبتة للشعر، مذهبة للقذى، مصفاة للبصر، وهذا الشعر الذي خلقه الله في العين وعلى العين حول العين مهم جدًا، يحمي العين له فوائد سواء كان شعر الحاجب أو الأهداب، ووقع النساء في هذا الشعر تلاعبًا وتغييرًا لخلق الله وعبثًا بخلق الله شيئًا عجيبًا، فعلًا فعلوا شيئًا عجيبًا، يعني تلاعب الشيطان بالنساء في الشعر هذا أخذًا وإضافة، فمنهن من حلقت الحاجب ورسمته، ومنهن من نمصت ونتفت وقصت، ومنهن من ركبت الرموش الاصطناعية، فيضعون شعرًا ويزيلون شعرًا ويتلاعبون بخلق الله ويقعون في الوصل، ولعن الله الواصلة والموصولة والمستوصلة [رواه البخاري: 5933].

ويقعن في النمص، ولعن الرسول ﷺ: "النامصات والمتنمصات" [رواه مسلم: 2125].

وكان النبي ﷺ يكتحل وأوصى بالإثمد؛ لأنه منبتة للشعر.

وقوله: عند النوم  فيه بيان للوقت الذي ينفع فيه كحل التطبيب؛ لأن الكحل نوعان: كحل تطبيب، وكحل زينة، فقوله في الحديث:  عند النوم  إرشاد لاستعمال الكحل للتطبيب، فإذا وضعه قبل النوم ونام أخذ مفعوله في العين.

قال السيوطي وروي أن الخليفة المتوكل قال لطبيبه -وكان أكثر الأطباء في ذلك الزمان يهود أو نصارى- أكثر الأطباء، وكانوا يتخذون الأطباء، وكان اليهود يغلبون على الطب، والنصارى يغلبون على الكتابة والحساب، ولذلك لما كتب خالد إلى عمر قال: إني أريد أن أستعمل غلامًا نصرانيًا أو رجلًا نصرانيًا على الحساب، فردّ عليه عمر: لا تستعمله، قال: لابد من استعماله، فردّ عليه عمر قال: "لا تستعمله"، فكتب إليه خالد: "لا أجد غيره وبدونه يضطرب الحساب"، فرد عليه عمر: "مات النصراني، والسلام"، اعتبره مات، وانتهى.

وروي أن المتوكل قال لطبيبه: ما تقول في الكحل في الليل؟ قال: "لا تقربه"، قال له: لم؟ قال: إن العين شحمة والكحل حجر، فإذا خلا الحجر بالشحمة أذابها"، فقال له بعض الحاضرين: يا أمير المؤمنين لا تقبل من هذا الكافر ما قال، إن سيدنا محمدًا ﷺ كان يكتحل بالليل، فقال له الطبيب: انظر ما قلتَه، انظر الوسيلة للتخلُّص، انظر ما قلت إن سيدكم ﷺ كان لا ينام بالليل بل يحييه صلاة وعبادة، فلذلك كان الكحل لا يضره، فمن أحبّ أن لا يضره الكحل فليفعل ما فعله النبي ﷺ".[شرح سنن ابن ماجه للسيوطي: 250].

قال القاري -رحمه الله-: "وتعليل الأمر بالاكتحال بالمنافع الدنيوية لا ينافي كون الأمر للسنية، لا سيما وقد وقعت مواظبته الفعلية، وترغيباته القولية ﷺ، وتلك المنافع وسيلة إلى الأمور الأخروية"، ثم قال: "نعم في التعليل إشارة لطيفة إلى أن المكتحل إذا أراد تحصيل السُّنة ينبغي أن يقصد بالاكتحال المعالجة والدواء، لا مجرد الزينة كالنساء" [جمع الوسائل في شرح الشمائل: 1/105]، ولهذا ذهب الإمام مالك إلى كراهة الاكتحال للرجال مطلقًا، إلا للتداوي، والله الهادي.

والذي يظهر أن تقييد تحصيل السنة بقصد التطبيب أيضًا محل نظر، فليست الزينة محرمة على الرجال مطلقًا، واستعمال النبي ﷺ للكحل وحثه عليه مما يدل على أن هذه الزينة من حيث الأصل ليست من خصائص النساء، ولعله لذلك قال ابن العربي -رحمه الله-: "الكحل يشتمل على منفعتين: إحداهما الزينة، فإذا استعمله بنيتها فهو مستثنى من التصنُّع المنهي عنه، والثاني: التطبُّب فإذا استعمل بنيته فهو يقوي البصر وينبت الشعر، على أنه ينبغي فيما يظهر مراعاة العُرف في ذلك وما يؤول إليه من ذلك من الشهرة أو عدمها، كما نصّ على مثله أهل العلم في مواطن كثيرة خاصة في أمر اللباس، والله أعلم. [المسالك في شرح موطأ مالك: 7/477].

إذن، قالوا إن هناك زينة لا تختص بالنساء، فمثلًا الفضة يستعملها النساء في الزينة؟ يستعملها الرجال في الزينة، نعم، إذن، هل الفضة خاصة بالنساء في الزينة؟ لا، أما الذهب خاص بالنساء.

والفصوص؟ الفصوص في الخواتم الياقوت والزبرجد إلى آخره، هل هذه الفصوص خاصة بالنساء في الزينة؟ لا، ممكن يستعملها الرجال في خواتيمهم؟ نعم، إذن، ليست خاصة بالنساء في الزينة، الحناء هل هو خاص بالنساء في الزينة؟ نعم، إلا التطبُّب، فقد ثبت أن النبي ﷺ استعمل الحناء في رجليه من وجع بهما.

فإذن، الحناء للزينة للرجال لا، والحناء في التطبيب للرجال، نعم.

الكحل، بعضهم قال: لا يضعه الرجل إلا بقصد التطبُّب.

وقال بعضهم: إن الكحل من نوع الزينة الذي ليس خاصًا بالنساء.

لكن هؤلاء قالوا أيضًا: لابد أن يُراعى العُرف، فإذا كان لو وضع الكحل صار شهرة، وصار يلفت الأنظار؛ فلا يستعمله في الزينة، أما في التطبب يستعمله، وأصلًا قبل النوم الإنسان لا يظهر للناس.

ثم إن هذا الإثمد له لون معين تعرفه، والكحل أنواع.

ثم قال الحافظ ابن حجر بعد أن ذكر الأحاديث التي فيها النص على الإثمد في الكحل، قال: "وفي هذه الأحاديث استحباب الاكتحال بالإثمد، ووقع الأمر بالاكتحال وترًا في حديث أبي هريرة في سنن أبي داود".[فتح الباري لابن حجر: 10/158].

ووقع في بعض الأحاديث كيفية الاكتحال، وحاصله -ملخص الأحاديث هذه- ثلاثًا في كل عين، فيكون الوتر في كل واحدة على حدة، أو اثنتين في كل عين وواحدة بينهما، أو في اليمين ثلاثًا وفي اليسرى اثنتين، فيكون الوتر بالنسبة لهما جميعًا، قال ابن حجر: "وأرجحهما الأول" [فتح الباري لابن حجر: 10/158]

يعني: ثلاثًا في كل عين.

إذا أردت تطبق السنة في الاكتحال بالإثمد في العين قبل النوم تضع ثلاثًا في كل عين.

ما جاء في لباس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

00:14:44

ثم قال الترمذي - رحمه الله - تعالى: ثامنًا: "باب ما جاء في لباس رسول الله ﷺ"

أي: بيان ما ورد في لباس رسول اللهﷺ من الأخبار، وأردف الأبواب السابقة الترجُّل والخضاب وغيرها بهذا الباب؛ لأنها جميعًا في الحلية الظاهرة، وهي أيضًا من أنواع الزينة كما قال الباجوري.

واللباس تعتريه الأحكام الخمسة، فيكون واجبًا: كاللباس الذي يستر العورة، ويكون مستحبًا: كالتجمُّل بالثياب للعيدين والجمعة ومجامع الناس، والثوب الأبيض، ويكون محرمًا: كلباس الحرير للرجال، ولباس الشهرة للجنسين حرام، ويكون مكروهًا: كلباس الخلِق للغني دائمًا، يعني شخص غني دائمًا يلبس ثوب مرقع! أين أثر نعمة الله عليك؟ ويكون الثوب مباحًا: فيما عدا ما تقدم.

قال: عن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: "كان أحب الثياب إلى النبي ﷺ القميص" حديث صحيح. [رواه البخاري: 5813].

ما هو وجه الحب هذا؟ وجه أحبية القميص إليه ﷺ أنه أستر للأعضاء من الإزار والرداء، ولأنه أقل مئونة، وأخف على البدن من الرداء والإزار اللذين يحتاجان كثيرًا إلى الربط والإمساك وغير ذلك، ولأن لبسه أكثر تواضعًا، كما قال صاحب المرقاة [مرقاة المفاتيح للقاري: 7/2772]، ونيل الأوطار [نيل الأوطار للشوكاني: 2/125].

ما هو القميص؟ هو الثوب أشبه شيء به الثوب الذي نلبسه اليوم، هذا هو القميص، قال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين -رحمه الله-: "كانوا في عهد رسول الله ﷺ يلبسون الإزار والرداء أحيانًا، وأحيانًا يلبسون القميص، وكان النبيﷺ يحب القميص؛ لأنه أستر؛ ولأنه قطعة واحدة يلبسها الإنسان مرة واحدة، فهي أسهل من أن يلبس الإزار أولًا، ثم الرداء ثانيًا، ولكن مع ذلك يقول الشيخ: لو كنتَ في بلد يعتادون لباس الأزر والأردية ولبست مثلهم فلا حرج، والمهم أن لا تخالف لباس أهل بلدك فتقع في الشهرة، وقد نهى النبي ﷺ عن لباس الشهرة".

قال: "وعن معاوية بن قرة عن أبيه قال: "أتيتُ رسول الله ﷺ في رهط من مزينة لنبايعه، وإن قميصه لمطلق غير مزرر، محلول الأزرار، أو قال: "زرّ قميصه مطلق، قال: "فأدخلت يدي في جيب قميصه فمسستُ الخاتم" خاتم النبوة. [رواه أبو داود: 4082، وصححه الألباني في المشكاة: 4336] 

"في رهط" أي: مع طائفة، و "في" تأتي بمعنى مع كما في قوله تعالى: ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ  [الأعراف: 38]، يعني مع أمم، والرهط: قوم الرجل وقبيلته، ويطلق في العدد من الثلاثة إلى العشرة، وقيل: إلى الأربعين، أتيت في رهط من مُزينة -قبيلة من مضر-، وإن قميصه لمطلق، غير مزرور، أدخل يده في جيب قميصه، ما هو الجيب؟ قلنا: القميص الآن مثل الثوب، ما هو الجيب؟ ما يقطع من الثوب لإخراج الرقبة والأعضاء، ما يقطع من الثوب لإخراج الرقبة واليدين يعتبر جيبًا يسمى جيبًا.

قال الحافظ - رحمه الله -: "أدخلتُ يدي إلى آخره يقتضي أن جيب قميصه كان في صدره؛ لما في صدر الحديث أنه رؤي مطلق القميص أي غير مزرور" [فتح الباري لابن حجر: 10/267].

إذن ستكون الفتحة في جهة الصدر، ونحن نعرف أن بعض الثياب ترى الفتحة جهة الصدر، والأزرار قد تكون على هذا الشكل مثلًا تُزرر، وتكون الأزرار لتوسيع الفتحة ثم تضيق الفتحة بعد اللُّبس، وقوله: "فأدخلت يدي"، ليتمكن من الوقوف على خاتم النبوة، قوله: "فمسستُ" أي لمست، الخاتم: خاتم النبوة، وفي زيادة لأبي داود قال عروة: "فما رأيت معاوية ولا ابنه قط إلا مطلقي أزرارهما في شتاء ولا حر، ولا يزرران أزرارهما أبدًا"، رواه أبو داود وهو حديث صحيح. [رواه أبو داود: 4082، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود: 4082].

فالآن السؤال: هل ترك تزرير القميص سنة؟

الجواب: لا؛ لأنه فعله للحاجة من حر ونحوه، فكك الأزرار، لكن أن يمشي الإنسان بين الناس والأزرار مفكوكة، لا، فيحمل فعل معاوية وابنه على شدة التأسي.

قال في عون المعبود شرح أبي داود: "وإنما ترك الزر لشدة اتباعهما لما كان ﷺ" [عون المعبود وحاشية ابن القيم: 11/92].

وكذلك كان ابن عمر، وابن عمر معروف في تدقيقه جدًا في التأسي، حتى ربما أنه فعل ما ليس التأسي به من السنة لمجرد التأسي، وفي الحديث ذكر بعض صفات رسول الله ﷺ ولباسه، وحرص السلف على التأسي به في الأقوال والأفعال، وينبغي مراعاة عادات الناس وأعراف الناس في اللباس؛ حتى لا يُفضي إلى الشهرة، هذا ضابط مهم، نجد العلماء يكررونه؛ أن في موضوع اللباس والزينة إلى آخره، يقولون: لا يخالف عُرف البلد، ولا لباس أهل بلده؛ حتى لا يؤدي ذلك إلى الشُّهرة.

وعن أنس بن مالك أن النبي ﷺ كان شاكيًا، فخرج وهو يتكئ على أسامة بن زيد عليه ثوب قطري قد توشح به فصلى بهم. حديث صحيح.

ومعنى شاكيًا: مريضًا، "يتكئ" يتوكأ بين أسامة بن زيد والفضل بن عباس، متى؟ في المرض الذي مات فيه، خرج من بيته يستند عليهما لضعفه من ذلك المرض، ومعنى ثوب قطري: نوع من الثياب اليمنية يُتخذ من قطن فيه حمرة وأعلام، يعني خطوط مع خشونة، "توشَّح به" وضعه على عاتقه واضطبع به كهيئة المحرم في طوافه أو خالف بين طرفيه وربطه بعنقه، إذن، لا يلزم أن الواحد دائمًا يدخل اللباس فيه، ممكن أحيانًا يتوشح به توشحًا.

قال عبد بن حميد قال محمد بن الفضل: "سألني يحيى بن معين عن هذا الحديث وأول ما جلس إلي، فقال: حدثنا حماد بن سلمة، فقال: لو كان من كتابك؟ يعني لو سمحت بدل ما تعطيني من حفظك أعطني من الكتاب، فقمتُ لأخرج كتابي فقبض على ثوبي، ثم قال: أملِه علي، فإني أخاف أن لا ألقاك، فأمليته عليه، ثم أخرجت كتابي فقرأت عليه، وفيه كمال التحريض على تحصيل العلم والتنفير من الأمل، لاسيما في الاشتياق إلى الخير، إذ لا اعتماد على الحياة.

يعني ربما الآن يذهب يأتي بالكتاب هذا يموت أو هذا يموت، وقال قبل ما تأتي بالكتاب أعطني من حفظك لعلي لا ألقاك، وسنتحدث إن شاء الله في الدرس القادم عن لباس الحبرة، وعن لباس الأحمر، وعن غير ذلك من الروايات التي جاءت في هذا الباب مثل: اللباس الأبيض للأحياء والأموات، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.