الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

11- الأربعون القلبية 11، شرح حديث (مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ مِنْ قَلْبِهِ صَادِقًا)


عناصر المادة
نص الحديث
شرح الحديث
المقصود بقوله: من سأل الله الشهادة بصدق
المقصود بقوله: بصدق
المقصود بقوله: وإن مات على فراشه
فضل الله على عباده
قاعدة شرعية عظيمة

نص الحديث

00:00:02

الحديث الحادي عشر:
عن سهل بن حنيف عن النبي ﷺ قال: من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه [رواه مسلم: 5039].
وفي رواية: من سأل الله الشهادة من قلبه صادقًا بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه[رواه الترمذي: 1653، وهو حديث صحيح].

شرح الحديث

00:00:23

عزم القلب على الخير:
في هذا الحديث فضل عزم القلب على الخير، فضل النية الصادقة للقلب على الشهادة في سبيل  الله، ومثلها في سائر أعمال البر، يعني هذا ليس خاصًا بعزم القلب على الشهادة في سبيل الله، لو عزم على إنفاق مال لله، عزم على طلب علم لله، عزم على بر والدين لله، عز م على أي فعل خير، واعتقد ذلك، فله أجر ما نواه، وإن عاقه عائق، وهذا تفضل من الله أن يعطي العبد على العزم ولو لم يفعل العبد.

المقصود بقوله: من سأل الله الشهادة بصدق

00:01:08

وقوله: من سأل الله الشهادة بصدقأي طلب من الله أن يقبضه شهيدًا في سبيله.
وفي الحديث: أن تمني الشهادة، وسؤال الله الشهادة، مرغب فيه شرعًا مطلوب.
وفي الحديث: أهمية إخلاص القلب -طبعًا- ليش الشهادة؟ لفضلها وأجرها وعظمها، ويغفر له عند أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويأمن الفتان، ويأمن فتنة القبر، أكيد يعني فيها مزايا عظيمة، عند ربهم يرزقون، أحياء فرحين بما آتاهم الله من فضله، أرواحهم في حواصل طير خضر تسرح في الجنة، تأوي إلى قناديل معلقة في العرش، يطلع عليهم ربهم: فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء [النساء: 69].

المقصود بقوله: بصدق

00:02:17

وفي الحديث: أهمية إخلاص القلب لقوله: بصدقيعني بإخلاص وحسن ظن، قيد السؤال بالصدق، يعني لا يسأل الله الشهادة عبد صادقًا؛ لأن ذلك معيار الأعمال، ومفتاح البركات، وبه يرجى الثواب، قال: بلغه الله منازل الشهداء مجازاة له على طلبه الذي كان صادقًا فيه، فإذا سأل الشهادة بصدق أعطي من ثواب الشهداء، وإن مات على فراشه، فلو قال العبد: اللهم ارزقني الشهادة في سبيلك، اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، كان ذلك حسنًا، اللهم ارزقنا شهادة في سبيلك.

المقصود بقوله: وإن مات على فراشه

00:03:15

 قوله: وإن مات على فراشه؛ لأن كلاً منهما نوى خيرًا، وفعل ما يقدر عليه، فاستويا في أصل الأجر، ولا يلزم من استوائهما فيه من هذه الجهة استواؤهما في كيفيته وتفاصيله، يعني لو واحد قال: شخص سأل الله الشهادة صادقًا وما قدر له أن يدخل في معركة ويموت ويقتل في سبيل الله، فمات على فراشه، ورجل ذهب فجاهد فقتل في سبيل الله، قتل في المعركة مع الكفار، حسب تعريف الشهيد، من قتل في المعركة مع الكفار، هل هما سواء أم بينهما فرق في الثواب في الأجر في المنزلة؟
هذا الجواب: في أصل الأجر يستويان، وهذا معنى حديث: بلغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه لكن لا يلزم من ذلك الاستواء في الكيفية والتفاصيل؛ لأن في عندنا أصل الأجر، وعندنا المضاعفات، فقد يستويان في أصل الأجر، ولا يستويان في المضاعفات، فيبقى لمن عانى ألم القتل ميزة، ويبقى لمن أريق دمه حقيقية ميزة، إذ الأجر على حسب العمل، ونيته، ويزيد العامل بعمله على الناوي على مجرد النية، فمن نوى الحج صادقًا ولا مال له يحج به يؤجر ، ولكن من باشر الحج وذهب وتعب وطاف وسعى، ونقل الأقدام، ووقف ورمى، ورأى المشاعر، وصار في الشمس والغبار والزحام والمشقة، ليس مثله، فإن استويا في أصل الأجر، فلا يستويان ضرورة في التفاصيل، وبقية المزايا، كالمضاعفة، يثاب دون ثواب من باشر العمل الأول.

ولا ريب أن الحاصل للمقتول، يقول في فيض القدير: "من ثواب الشهادة: تزيد كيفيته وصفاته على الحاصل للناوي الميت على فراشه، وإن بلغ منزلة الشهيد، فهما وإن استويا في الأجر، لكن الأعمال التي قام بها العامل تقتضي أثرًا زائدًا، وقربًا خاصًا، وهو فضل الله يؤتيه من يشاء" انتهى[فيض القدير: 6/186].

فضل الله على عباده

00:08:34

وفي هذا الحديث: بيان فضل الله على عباده، وأنه تعالى يعظم أجرهم، ويضاعف ثوابهم، وأن من عرف الله صدقه وإخلاصه، وماذا تبلغ نوياه، فإنه لا يضيع أجر هذا، وهنا نعرف أهمية أعمال القلوب.
من سأل الله الشهادة خالصًا من قلبهفكيف أن هذا العمل القلبي بلغ صاحبه مرتبة عظيمة، بل يفوق الذي يسأل الله الشهادة صادقاويموت على فراشه، فوق الذي يذهب للقتال، ويقاتل ويقتل حمية، عصبية، قال: قاتلت عن قومي عصيبة، قاتل رياء وسعة ليقال فلان جريء، فلان شجاع، فإن الأول مع أنه ما قتل ولا راح المعركة، بمنزلة الشهداء، والثاني راح للمعركة، وقتل فهو في النار؛ لأنه قال في الحديث: في أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة: رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت  ولكنك قاتلك لأن يقال: جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار [رواه مسلم: 5032].

قاعدة شرعية عظيمة

00:06:18

من فوائد الحديث: بيان قاعدة الشريعة العظيمة: "أن العزم التام إذا اقترن به ما يمكن من الفعل، أو مقدمات الفعل، نُزل صاحبه في الثواب والعقاب منزلة الفاعل التام" هذا كلام ابن القيم في [طريق الهجرتين: 1/532]: "قاعدة الشريعة: أن  العزم التام على الطاعة، وعلى المعصية، إذا اقترن به ما يمكن من الفعل، أو مقدمات الفعل، نُزل صاحبه في الثواب والعقاب منزلة الفاعل التام" يعني هب أن شخصًا لما اقترب الحج ذهب يبحث عن حملة، وتصريح، وأجرى اتصالات، ودخل على المواقع، وحاول، وما كتب له، يبلغه الله منزلة الحاج، لماذا؟ لأنه عنده عزم تام، وعنده مقدمات الفعل، وما أمكن من الفعل، التي هي هذه الاتصالات، وهذا البحث، وهذه المتابعة، الملاحقة، المراجعة، السؤال، إلحاح، ولو ما راح، ولو ما كتب الله، هذا معناها ذهب، هذا خلاص عمل.
نحن الآن نتكلم على واحد مات على فراشه، يعني ما أمكنه الذهاب، افرض انشغل ببر أمه، بوالديه، أو ما وجد مكانًا صحيحًا يجاهد فيه، حاول -مثلاً- أن يجد مكانًا، ما وجد، هذا مدخول، هذا كذا، هذا كذا، فهذا إذا كان صادقًا في العزم، خلاص، فلذلك الإمكان يتفاوت فيه الناس، يعني ما يمكنه هذا لا يمكن هذا، أحيانًا تكون الأمة ما تستطيع، ليست الآن على مستوى أنها تجاهد، -طيب- ماذا يفعلون؟ هم الآن لا بدّ أن يتقووا، لا بدّ أن يأخذوا بالأسباب: وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ[الأنفال: 60]، فهذا أخذ بالأسباب، فمات على فراشه، هذه الأسباب مقدمة الفعل. وقد يكون الأخذ بالأسباب أحيانًا تفقهًا في الحكم، يعني يتفقه في أحكام -مثلاً- الجهاد في سبيل الله؛ لأنه هذا الباب صار فيه خلط كثير، دخل في باب الجهاد في سبيل الله الآن الغلو! الفجور! البغي! استباحة الدماء! حب الدنيا!  المناصب! حب المغانم! يعني دخل فيه أشياء عظيمة!  المنافسات! أين الصدق فيه؟

سبحان الله العظيم! يعني حتى بذل الأرواح ابتلي فيه المسلمون! لاحظ الآن بذل الأرواح ابتلي فيه المسلمون! يعني ما هو الآن باب هنيء سائغ سهل واضح ميسر، هذا الباب الآن ما خلوه الأعداء! سبحان الله! أفسدوا على المسلمين جهادهم في أشياء كثيرة! وزرعوا فيه الفتن! وزرعوا فيه المنافقين! وزرعوا فيه المصائب العظيمة! وقام سوق الغلو! وحصل فيه الخلط! وحصل البغي! وصار قتال للدنيا والمغانم والتغلب والاستيلاء! وحب الرئاسة! ودخلت فيها المصائب العظيمة! واستباحة دماء مسلمين!
أنت تفكر يعني أن قضية الآن هذا الباب أنه باب سهل وميسور وواضح، وكل شيء؟! لا.
وصار فيه تعجلات وتخبطات! وضرب السياسة الشرعية بعرض الحائط! يعني قد يكون المصلحة أحيانًا قصر القتال على المكان الذي يغزى فيه المسلمون فقط! تلقى فيه خبط عشواء؟ استعداء الدنيا كلها، وقتال جميع الأطراف في العالم. وينك الأمة تطيق هذا؟ الأمة على هذا المستوى يعني فيها قدرة لهذا؟
ولذلك لا سياسة شرعية، ولا فقه، إلا من رحم الله.

لاحظوا -يا إخوان-: القضية ليست سهلة، النبيﷺ ثلاثة عشر سنة في مكة، وسنتين في المدينة، حتى بدأت معركة بدر، وكيف بدأت، وكيف يريدون القافلة في البداية، والتي بعدها أحد جاء المشركون، وحتى التي بعدها الخندق جاء المشركون، وبعد قال: الآن نغزوهم، ولا يغزوننا[رواه البخاري: 4110] وراح في الحديبية في العام السادس، وابتعد وراح إلى خيبر، وبعدها فتحت مكة، بعد ثلاثة سنوات من صلح الحديبية التي كان كلها دعوة، يعني صلح الحديبية اغتنم المسلمون ثلاث سنوات -من عام ستة إلى عام تسعة- تجوب قوافلهم الدعوية أرجاء الجزيرة، فكانوا في الحديبية ألف وستمائة، جيش فتح مكة عشرة آلاف، من أين طلع الفرق؟
من نتيجة ثلاث سنوات في الدعوة، نشاط.
تفكر فتح مكة شغلة سهلة؟ إخضاع العرب؟ القبائل؟

ففرق عظيم بين ما كان يحدث -مثلا- على عهد النبي ﷺ وأصحابه من الإعداد والفقه والمرحلية، وجهاد الدفع أولاً، ثم الطلب، والانتقال، وصبر ثلاثة عشر سنة في مكة، وسنتين في المدينة؛ خمسة عشر من الإعداد والصبر، ولذلك ليس بعجب أن ينجح أولئك، ويفشل كثير من المغامرين.
-طيب- بسط ابن القيم-رحمه الله تعالى- الكلام على قاعد: "أن العزم التام إذا اقترنت به مقدمات الفعل يُنزل من عزم منزلة الفاعل في الثواب والعقاب"، فقال: "دل عليها قوله ﷺ: إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار قالوا: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصًاحريصًاهذه تحتها خطين إنه كان حريصًا على قتل صاحبه[متفق عليه، البخاري: 6875، ومسلم: 7435].
وجاء في الترمذي ومسند أحمد من حديث أبي كبشة الأنماري عن النبي ﷺ أنه قال: إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزق الله مالاً وعلما، فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقًا، فهذا بأفضل المنازل عنده مال وعلم، يعرف كيف يخرج الزكاة، يعرف ما هي النفقات الواجبة عليه، يعرف ما هي مراتب الصدقة، يعرف ما هو الأحوج والأنفع والأشمل أثرًا، بالعلم، هذه الاعتبارات الثلاثة التي سبق ذكرها في الصدقة، هذه من نتيجة ماذا؟ العلم، في ناس عندهم أموال بس مساكين! ممكن ينفق ملايين في عمل ماله مصلحة كبيرة، ما عنده علم فقه، ولا رزق بواحد طالب علم يدله عبد رزقه الله مالاً وعلما فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقًا، فهذا بأفضل المنازلأبو بكر الصديق، عثمان بن عفان، عبد الرحمن بن عوف وعبد رزق الله علما، ولم يرزقه مالاً، فهو صادق النية -طبعًا- هذا محل الشاهد من الحديث بالنسبة لموضوعنا، يقول: لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلانبنيت المساجد، ودور الأيتام، وحججت المسلمين الفريضة، وأنفقت في سبيل الله، والأربطة، وأنفقت في نشر العلم والدعوة إلى الله وعبد رزقه الله علمًا، ولم يرزقه مالاً، فهو صادق النية، يقول: لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان، فهو بنيته، فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه عملاً، فهو يخبط في ماله بغير علم، لا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقًا، فهو بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علمًا، فهو يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان خلاص، رحت اشتريت طيارة خاصة، وفطرت ما أدري فين، واتغديت واتعشيت في مدينة كذا، ورحت الملاهي والبارات، واتخذت من العشيقات، وسويت كذا، وحطيت يخت في عرض البحر فيه خمر ونساء، يالله، سويت مثل فلان  من الفسقة الفجرة، أرباب الأموال، ورحت القمار، وعملت.. وعملت وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علمًا، فهو يقول: لوأن مالاً لعملت فيه بعمل فلان هذا المسرف المبذر، مرتكب المعاصي بالمال فهو بنيته، فوزرهما سواء[رواه الترمذي: 2325، وأحمد: 18060، وقال الألباني:"صحيح لغيره"؛ كما في صحيح الترغيب والترهيب: 16].

-طيب- هذا لا قامر ولا راح مع المومسات، ولا أنفق في الخمور الفاخرة يقولون، ولا لبس الحرير، وهو طبيعي وهو رجل، ولا فعل ولا فعل، ما عنده، مع ذلك قال: فوزرهما سواءهذا عمل القلب، فأخبر ﷺ أن وزر الفاعل والناوي الذي عزم سواء؛ لأنه أتى بنية ومقدوره التام.
من هذا الباب من كان له ورد يصلي من الليل فنام، ومن نيته أن يقوم إليه، فغلب عينه نوم، كتب له أجر ورده، وكان نومه صدقة عليه من ربه.
ومثله المريض والمسافر، إذا كان له عمل يعمله، متعودًا عليه، اعتاده فشغل عنه بالمرض أو السفر، كتب له مثل عمله، وهو صحيح مقيم.
ومثله هذا الحديث: من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه.
ونظائر هذا كثيرة: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى[رواه البخاري: 1].
من أعظم التجارات الرابحة مع الله: تجارة النيات، هذه تحتاج إلى فقه، يعني تجيب لك حسنات وأنت ما عملت -طبعًا- غير الأشياء التي تعملها، فيصير عندك مصدران: الأعمال الصالحة، والنوايا الصالحة، مصدران عظيمان للأجر.