الخميس 11 جمادى الآخرة 1446 هـ :: 12 ديسمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

02- محاورة في أدلة الربوبية


عناصر المادة
خلق الله وإتقانه دلالة على وحدانيته
أسباب الإلحاد المعاصر وسبل الرد عليه
أهمية الإيمان بأسماء الله وصفاته وآثار ذلك
آثار الايمان بزيادة الايمان ونقصانه

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فقد مرّ معنا في قواعد التوحيد والإيمان ذكر توحيد الله تعالى بأفعاله، وتوحيد الله تعالى بأفعال العباد، فلا يصرفون نوعًا من العباد إلا له ، وتوحيد الأسماء والصفات.
وقلنا: إن أثر هذا التوحيد؛ توحيد الربوبية على النفس أنها لا يمكن أن تسكن وتطمئن إلا بالإيمان بربها وخالقها سبحانه، وأن الملاحدة عندهم اضطراب، وفوضى، وأنواع من الشقاء النفسي بسبب إلحادهم: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه: 124].
وقلنا: إنه تدور في هذا الزمان رحى معارك كثيرة مع الملاحدة، وأن سوق الإلحاد قد قام بأسباب، منها: الغرور العلمي بفعل هذه الاكتشافات، وهذه الاختراعات، وهذه الأجهزة والنظم التي توصل إليها البشر؛ فبدلاً من أن تقود إلى توحيد الله، وشكره على النعم التي أنعم بها من تعريف البشر بهذه الأشياء: عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ[العلق: 5]، وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ [النحل: 8].
أن هذا قد صار غرورًا علميًا، جعل الشيطان منه وسيلة إلى مزيد من الانتشار للإلحاد الآيات في كتاب الله .

خلق الله وإتقانه دلالة على وحدانيته

00:02:13

وحديث النبي ﷺ واضح فيها الأدلة والبراهين على وجوده تعالى، وأفعاله، وخلقه، وأمره، وكذلك إتقانه وإبداعه في خلقه، وأن آيات الكتاب العزيز حفلت ببراهين مثلما ناقشت الآيات الملاحدة في قوله تعالى مثلاً: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ۝ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ [الطور: 35-36].
فالمسألة فيها احتمالات أن يكونوا قد خلقوا من العدم.
ثانياً: أن يكونوا قد خلقوا أنفسهم، فإذا لم يكن هذا قد حدث، ولا هذا محال أن يكون هذا حدث، أو هذا فلم يبق إلا أن يوجد لهم خالق ورب أنشأهم من العدم.
وكذلك نجد -مثلاً- في القرآن ذكر الأطوار العجيبة التي يمر بها الإنسان المخلوق من تراب، إلى نطفة، إلى علقة، إلى مضغة، ثم إنسان سوي له روح وعقل يعمل، ويكد، ويجمع المال، ويحارب، ويغدو، ويجيء، وينام، ويقوم ،ويكبر، ويهرم، ويموت، وهكذا خلق زوجين من كل شيء في هذا الكون.
بسط الأرض للخلائق، وجعل هذه الأجرام السماوية بهذا الانتظام البديع: كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [الأنبياء: 33]، فلا تتضارب الأفلاك، ولا الكواكب، وأن هذه الأفلاك كالشمس والقمر ينتج منها، ومن دورانها اليوم والليلة، والشهر والسنة.
فالله جعل الشمس ضياء، والقمر نورًا، وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب.
وكذلك ما خلق الله من هذا الماء الذي يحمل هذه السفن العظيمة الموْقرة بالأحمال والبضائع.

وأيضاً، تسخير الرياح، ومن آياته اختلاف ألسنتكم وألوانكم، وخاصية النوم التي جعلها الله في الناس، وإحياء الأرض بعد أن تكون هامدة: فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ [الحج: 5]، آيات كثيرة تدل على وجوده تعالى.
وفيها الجواب لمن أراد التوصل إلى الحق، والملاحدة الأولين كان يكفي في الرد أن تذكر لهم هذه الأشياء، ويطالبون بالإجابة، حتى لو قلت: فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ [البقرة: 258]، رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ [البقرة : 258]،  أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [إبراهيم: 10].
ولما ناقش موسى فرعون، لما قال له: وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ۝ قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ۝ قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ ۝ قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ۝ قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ۝ قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ [الشعراء: 23-28].
كلما حاول فرعون أن يأتي بشيء لحرف النقاش عن مساره؛ لأن الحجة تقام عليه، واحدة تلو الأخرى، يعيده موسى مرة أخرى إلى المسار الأصلي للنقاش؛ وهو إقامة الأدلة على ربوبيته تعالى ووحدانيته.
وقلنا: إن كفار قريش ما كان عندهم مسألة الإلحاد بمعنى: نفي وجود الله ما كان موجودًا، لكن كان موحدو العرب يناقشونهم في قضية هذه الشاة خلقها الله، فلماذا تذبحون على غير اسمه؟ فيتوصلون من توحيد الربوبية إلى توحيد الألوهية، ومثلاً: قس بن ساعدة في كلامه، وتلك الأبيات التي قالها بعض شعراء الموحدين:

تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليك
عيون من لجين شاخصات بأحداق هي الذهب السبيك
على قضب الزبرجد شاهدات بأن الله ليس له شريك

[ديوان عبد الغني النابلسي: 1/1024].
وما كان يقوله الأعرابي إذا سئل: أرض ذات فجاج، سماء ذات أبراج.
والآن مرت على الأمة حتى في صدرها ظهور الدهرية، لما حصلت الفتوحات كان في بعض البلاد المفتوحة أناس عندهم أفكار إلحادية؛ مثل الدهرية الذين يقولون: لا إله، وأن الكون يعود كل ستة وثلاثين ألف سنة، وأن، وأن.
فكان الجواب كجواب أبي حنيفة -رحمه الله-: "أنتم تقولون أن هذا الكون ليس له خالق، ومدبر؟
ما رأيكم لو أني أخبرتكم بأن سفينة بدجلة أنها ترسوا وتقلع بدون ربّان، وترفع أشرعتها، وعلى حساب اتجاه الرياح، و تتحرك، وتنخفض، وترتفع بحسب هذه الرياح، وتمشي، وترسو في ميناء، وتجمل بضائع، وتنزل، وتصعد، ولا يوجد ربان قالوا: هذا لا يقوله عاقل، هذا كلام المجانين!.

قال: أنتم ما رضيتم أن تسير السفينة بدون مدبر، بدون ربان، فكيف بهذا الكون؟ كيف يسير؟ ومن الذي يدبره؟. كان ذلك كافيًا في أن يتوبوا إلى الله، ويسلموا، ولما كان الأئمة أيضاً يجيبون على مثل هذه الأسئلة.
مالك -رحمه الله- يستدل على وجود الله باختلاف الأصوات، اختلاف اللغات، اختلاف الألوان.
وكان  الشافعي -رحمه الله- يستدل ويقول مثلاً: ورق التوت يأكله الدود يخرج الإبريسم الحرير، يأكله النحل يخرج العسل، تأكله الشاة والبقر والأنعام، ويخرج اللبن، وتلقي بعرًا وروثًا.
وكان  أحمد -رحمه الله- مثلاً يستدل بخروج هذا الطائر من البيضة، وأن حصنًا أملس ليس له منفذ يخرج منه كائن له سمع وبصر وصوت وشكل حسن، ويخرج الحي من الميت، والميت من الحي.

أسباب الإلحاد المعاصر وسبل الرد عليه

00:09:07

لكن نحن الآن في زماننا؛ هذا الزمن الذي انتشر فيه الإلحاد، انتشر أيضاً بعض شباب وشابات المسلمين، لا بدّ أن يُناقش هذا الموضوع اليوم بشيء فيه أدلة أكثر تعقيدًا؛ مع أن الأدلة السابقة كافية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، من كان يبتغي الحق كافية، تدل على وجود الله، وعلى ربوبيته وحدانيته.
ومن أسباب الإلحاد الحاصل الآن أن هذه الإجابات صارت لا تكفي هؤلاء؛ ليس لأنها قاصرة لا، لأنهم هم بسبب الغرور العلمي الشيطان سول لهم إجابات عن مثل هذا، فيقولون مثلاً: الصدفة تفعل!.
تقول: اختلاف ألسنتكم وألوانكم؟ يقول: الصدفة تفعل هذا.
إذاً، كيف هذه الأفلاك تتحرك وتدور دوران بسرعة معينة، الشمس، والقمر، وميل محور الشمس، وهذا سبب اختلاف الليل والنهار، ودوران الأرض، والصيف، والشتاء، وقربه، وبعده من الشمس، كل هذا قد يوفقك فيه أثناء النقاش، ويقول: لا، الصدفة تفعل هذا أصلاً، مما جعل النقاش معهم يحتاج إلى نوع تطوير أكثر فيه النقاش من ذات النظريات التي يستدلون بها على الإلحاد.

وهذه النظريات يوردونها في قضية أن الصدفة تفعل هذا، ويقولون كلامًا علميًا، فأنت إذا قلت لهم مثلاً: هؤلاء الآن العلماء الجدد يقولون: أن هناك أربع قوى في العالم؛ هذه القوى فيها تناسب معين؛ لأن كل قوة بقدر معين، وأنها تضبط الحركة في الكون قوة الجاذبية، والقوى الكهرومغناطيسية، والقوى النووية الصغرية، والقوة النووية الكبرى.
وهم يعرفون مدلولات هذه الكلمات، وما هي أبعادها العلمية؟ ثم تقول الآن مثلاً: الجاذبية في مقدار معين مثلاً كذا، وكذا، الكهرومغناطيسية بنيوتن كذا وكذا، هذه القوة بالمعيار الفلاني كذا وكذا.
ما الذي جعلها تكون بهذا الرقم لا زيادة ولا نقصان؟ أيضاً الصدقة؟!
أنتم –مثلاً- تقولون: درجة تجمد المياه كذا، ما الذي جعل هذه الدرجة للتجمد؟ من الذي حدد هذه الأرقام؟ ليتوصل معهم النقاش في النهاية إلى أن الملاحدة يعطون الصدفة إمكانات عالية جداً، لكن في الأخير العاقل لا يمكن أن يقر بهذا، لا يمكن أن يصدق هذا، ولذلك عدد من الملاحدة صار عندهم تنازع وأن هذا الكلام غير معقول.
لأن هناك -أيها الإخوة- دليلان رئيسيان في موضوع وجود الله ، وإيجاده لهذا الكون:
الأول: الإحداث والإبعاد، يعني أنه أوجده من العدم، الإيجاد من العدم، الكينونة أنه صار ووقع.
والثاني: الإتقان.
فإذًا، الإحداث، يعني الإيجاد، والثاني: الإتقان؛ إتقان ما أوجده، أنه أوجد، وهو متقن.
وكل الأشياء السابقة تدور على هذين الأمرين، فيحتاج الشباب الذين تأثروا بموجه الإلحاد إلى مناقشتهم في هذه القضية أنه كيف وجد؟ يقولون: صدفة، فتقول: وهذه الأرقام وصدفة؟ وهذه القوانين وصدفة؟.
تعالوا نناقشكم، بعض الملاحدة الذين كتبوا هم أنفسهم استبعدوا بالأمثلة، يقولون: لو أن انفجارًا حدث في مطبعة ما هو احتمال أن يخرج نتيجة لذلك قصيدة لشكسبير! هبّت عاصفة على مكان تجمع خردوات، ما هو احتمال أن تكون النتيجة طائرة بوينك؟ واحد واقف في طرف الكون سدد سهمًا، ما هو احتمال أن يصيب هدفًا على بعد كذا مليار سنة؟ فهم أنفسهم أتوا بأمثلة معناها: أن الصدفة لا يمكن أن تفعل هذا.
إذا لم تقبل عقولهم أن انفجار في مطبعة يرص الحروف، وتخرج قصيدة لشكسبير، عاصفة على تجمع خردوات، لم يقبل العقل أن تكون نتيجتها طائرة بوينك.
إذًا، كيف تكون نتيجة هذه الصدفة كل هذا الكون بالمعادلات التي فيه؟ حتى في جسم الإنسان، نسب في الدم، يعني: لو زاد شيء، لو نقص شيء في التنفس الداخل في الخارج، ووظائف هذه الأجهزة.
وهذا هو الجواب الرئيسي، وهذا هو محور النقاش مع الشباب أو الملاحدة الجدد، أو من تأثر بهم الموجود في هذا الزمان.

أهمية الإيمان بأسماء الله وصفاته وآثار ذلك

00:14:58

أما توحيد الأسماء والصفات فإنه في غاية الأهمية؛ تربويًا، ودعويًا، ويمكن أن نأخذ منه أشياء كثيرة.
أما بالنسبة لأن لله أسماء سمّى بها نفسه، وعلمنا إياها، وأن هناك أسماء لا يعلمها إلا هو، أسألك بكل اسم هو لك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، وأنه في يوم من الشفاعة العظمى يعلم نبيه أسماء، ويفتح عليه بمحامد ما عرفها بشر من قبل، وأن أسماء الله توقيفية، وأن أسماء الله تعالى تدل على الصفات، وأنها مشتقة ليست بجامدة، وأن الله ليس له شبيه، ولا شريك، وأنه أحد، صمد، لم يلد، ولم يولد، وأن القول في الصفات كالقول في الذات، كما أن ذاته لا تشبهها شيء، ولا تشبهها ذات أخرى.
فكذلك صفاته لا تشبهها صفات أخرى لأحد من الخلق، فيده ليست كأيدينا، وسمعه ليس كسمعنا، وهكذا ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، والقول في الصفات كالقول في البعض الآخر.
وفيها رد على من أثبت سبع صفات، وأوّل الأخرى.
فيقال له: إذا كنت تؤمن بسمع لله، وبصره، وإرادة تليق بجلالة، فلا بدّ أن تؤمن بأن له وجهًا، ويدًا، وأنه يحب، ويبغض، كما يليق به ، لا يشبه المخلوقين في أفعالهم، وفي صفاتهم .
هذا من ناحية الآثار التربوية، أو الآثار النفسية كبير جداً؛ لأن الإنسان يحتاج في هذه الحياة مع وجوده المهددات؛ هناك مهددات في الرزق، ومهددات في الأمن، ومهددات في الصحة، لا إذا ما كان مؤمنًا بالله تعالى، وأسمائه وصفاته، سيعيش حياة شقاء إذا كان مؤمنًا بالله تعالى، وأسمائه، وصفاته سيعيش حياة طمأنينة هذه مهمة جداً العالم مليء بمهددات للصحة، والرزق، والأمن، وغيرها.

الإيمان بالله تعالى ينشئ توكلاً ينشئ طمأنينة ينشئ تسليماً، واعتمادًا، وتفويضًا يدخل الطمأنينة على الإنسان في صحته، في رزقه في أمنه، حتى لو اختلت الأشياء.
وأنت الآن لإيمانك باسم الله العليم تلجأ إليه في الاستخارة، أنت الآن لا  تعلم الغيب، وتريد اتخاذ قرار، وأنت خائف ألا يكون القرار صحيحًا، وأنت لا تعرف المستقبل، المستقبل مليء بالمفاجآت، ولا تظنه خيرًا، قد يكون شرًا عليك: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [البقرة: 216]،  فتلجأ إليه في الاستخارة، وتقول: "أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، فإنك تعلم ولا أعلم، وأنت علَّام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ودنياي، فاقدر لي، ويسره لي" إلى آخر هذا الدعاء. المفهوم هذا أو الروح هذه كيف يعني ما كانت لتكون لولا الإيمان بعلم الله الشامل الكامل المحيط الماضي، والحاضر، والمستقبل، ما لو كان كيف كان يكون، وهكذا.

وكذلك لما تعرف مثلاً: إن لله تسعة وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنة [رواه البخاري: 7392، ومسلم: 6986].
له من أسمائه الكثيرة تسعة وتسعين، يعني أسماءه المعروفة لنا أكثر من تسعة وتسعين، يوجد منها تسعة وتسعين من أحصاها دخل الجنة، حفظها، وعرف معناها، وعمل بمقتضاها، الرزاق يعني: لا نطلب الرزق إلا من الله، التواب: إذا أذنب يتوب إليه، وهكذا.
هذا العمل بالأسماء، وهذه المعرفة بالتسعة والتسعين يجعل الإنسان يتحفز نفسه، تتحفز إلى تحري التسعة والتسعين والاهتمام بها، وبمعانيها، وآثارها، والعمل بها، حتى يكون من أهل الجن من أحصاها دخل الجنة.
وأيضاً، فإن توحيد الأسماء والصفات ينشئ قوة ممانعة ومدافعة ضد الملاحدة؛ لأن الله قال: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ [الأعراف: 180].
فتتحفز النفس للدفاع عن ربها ضد الملاحدة في أسمائه ابتداء من إنكار وجوده إلى تشبيهه بخلقه إلى سبه وشتمه إلى إلصاق تهم النقص به؛ أنه يمرض، يتعب، كما قال اليهود تعب واستراح يوم السبت، تعالى الله عن قولهم: إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ [آل عمران: 181]، قالوا إن له ولدا وزوجة.

فهذا إذًا من آثار ما تنشئه آثار الأسماء والصفات، غيرة العبد على أسماء ربه، فيقوم بالدفاع عنها ضد المبتدعة، وما أكثرهم في مجال الأسماء والصفات فضلاً عما ينشئه مثلاً اسم: "المهيمن" في نفسك، اسم: "الرقيب" في ترك المعاصي، اسم: "العلي"، وهكذا في طلب الأمور منه، والفزع إليه ، "القوي" أنه على كل شيء قدير، "الحكيم" على سبيل المثال هذا مهم جداً في التعامل مع الواقع في غمرة الأحداث المؤلمة التي تدور في بلاد المسلمين؛ لأن السؤال يطرح من الملاحدة، ومن غيرهم: إذا كنتم تقولون: أن هناك ربًا رؤوفًا رحيمًا، فكيف يقدّر أن تحدث هذه المآسي والآلام والجراح، والقتل والمجاعات لما يكون؟
هناك نفس مؤمنة -مثلاً- توقن بأن الله يفعل ما يشاء: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ [الأنبياء: 23]، فما يطرح السؤال قضية لماذا فعل؟.
ثانياً: لو فعل فله الحق أن يفعل ما يشاء في خلقه؛ لأنه خلقهم.
ثالثاً: أن أفعاله صادرة عن حكمته فلا بدّ أن توجد حكمة سواء عرفناها أو ما عرفناها.
رابعاً: أن تلمس الحكم من خلال آيات الله المسطورة في القرآن، ومن خلال الواقع إعمال العقل في الواقع سيخرج نتائج باهرة، يعني: مثلاً حدثت غزوة أحد بكل آلامها، وقتل من المسلمين سبعون من خيارهم أيش نتج عنها من المآسي بالنسبة للأرامل والأيتام.
وكذلك العالة الذين صاروا بعد قتل أوليائهم الذين كانوا يعولونهم، لماذا؟ وما هي الحكمة من ذلك؟، ولماذا قدر الله هذا؟ فإذا وقفت مع آيات آل عمران، فإن هناك ستون آية في سورة آل عمران تتحدث عن غزوة أحد تحديدًا، وتذكر هذه الآيات مواساة الله للمؤمنين فيما حدث في غزة أحد، مثلاً لما يقول الله تعالى: وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا [آل عمران: 141]، لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ [الأنفال: 37]، وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ [آل عمران: 140].

وهذه لام التعليل؛ أنه فعل كذا لأجل كذا، هذا الكلام لا يؤدي إلى هذه الإجابات، لا تؤدي إلى زيادة الإيمان، وأن الواحد ينظر من خلال ذلك إلى الحكم العظيمة في أفعاله ، وحتى -سبحان الله- لما تستعرض المواساة التي في هذه الستين الآية المواساة الموجودة فيها، مثلاً: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ [آل عمران: 123].
فهذه المصيبة سبقها نصر عظيم، وهذه المصيبة قد أصبتم مثليها من الكفار لما قتلتم منهم سبعين في بدر، وأسرتم سبعين: وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران: 140]، نحن نعطيكم النصر تارة، ونديل عليكم، ويكون الغلبة لعدوكم تارة لاستخراج العُجب من النفوس، ومقابلة المعصية التي حصلت في أُحد بهذه الهزيمة حتى تأخذوا درسًا في المعصية، ممكن تؤدي إلى: وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ [آل عمران: 139]، حتى وإن قتلتم أو متم مغفرة من الله لكم، وليس ما حصل لكم يدل على دنو في المنهج، وإن غلبكم أعداؤكم في الظاهر بالقوة والسلاح، فأنتم الأعلى في الدين والتوحيد والعقيدة.
إذًا، نلاحظ أن المصيبة بآلامها كان لها حكم، ومن تأمل في غزوة أحد خرجت له حكم كثيرة جداً من وراء المصيبة المؤلمة التي حصلت، طبّق هذا على ما يحدث اليوم في الشام أو في غيرها، وتخرج بنتائج أن لله حكم فيما يدور، وأن المسألة ليست عبثية، ولا أن هذا مثلاً تقدير طيش وظلم مثلاً للعباد تعالى الله عن ذلك.

وأن ما عند الله خير وأبقى، وأن الذي يموت في هذه ما عند الله خير له مما يوجد في الأرض، حتى لو كان صحيحًا قويًا ما وقعت عليه مصيبة، ولا صار حرب، وأن في هذا سببًا عظيمًا لدفع الأمة للأخذ بأسباب النصر حتى تعود وتنتصر؛ لأنها طيلة ما هي مبتعدة عن منهج الله، فهذه هي النتائج، وينكشف أعداء، يعني: أن هناك حكم باهرة في الأمر ما كانوا لينكشفوا لولا وجود هذه الجرائم التي كشفتهم.
على أية حال، هذا من آثار توحيد الأسماء والصفات، ويقال: أنت يا مَن تقول: إن ما حدث أو يحدث اليوم من الإجرام في حق المسلمين ما الحكمة فيه؟، ولماذا؟ نقول: جهلك يقودك إلى اتهام الله!
الآن قصة موسى والخضر؛ موسى اعترض؛ لأنه ما كان عند بقية العلم اعترض على خرق السفينة، واعترض على قتل الغلام؛ لأنه بالنسبة له شر، لكن لو علم أنه لو ما خرقت السفينة  لغصب الملكُ المساكينَ مصدر رزقهم، وأخذ السفينة، فأيهما أحسن؛ أن تخرق السفينة، ثم تسد بوتد كما فعل الخضر؛ لأنه خرقها، وسد الخرق بوتد، ولذلك قال: فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا [الكهف: 79].
ما قال: فأردتُ أن أغرقها: وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا [الكهف: 79]، فإذا رآها معيبة تركها، فسلمت للمساكين سفينتهم، واستمروا في الصيد، ونقل الناس بالأجرة، لما صار عندنا علم ببقية المشهد زال الاستنكار، لماذا خرق السفينة؟ الكلام نفسه في الغلام، أخذ غلامًا، وأضجعه، وذبحه، موسى لم يتحمل: أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا [الكهف: 74].

لما عرف بقية المشهد، العلم لما انكشفت له بقية القصة: فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا [الكهف: 80].
أن الغلام طبع يوم طبع كافرًا، ولو كبر سيفتن أبويه، فلن يقتصر الكفر عليه هو فقط، لكن أبواه سيكفران، ما هو مما هو ما هو كخحح الأحسن؟ أن يموت من الآن، وهو صغير، أو يكبر، ويصبح كافرًا، ويكفر أبواه؟ أو يموت الآن، وهو صغير ويبقى أبواه مؤمنين؟ هذا الكلام نفسه يُقال اليوم في المصائب الدائرة في الشام وغيرها، لو كشف لنا عن علم الله في سبب ما يجري لما استنكرنا شيئًا البتّة، بل نقول: الحمد لله أن صار هذا، لكن الإنسان عجول جهول، ليس عنده علم، فقد يسرع بالاستنكار، عجول وجهول، ولكن الله ما أطلعه على الغيب: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ [آل عمران: 179] ، ولذلك من يتسرع باتهام الله سببه أنه عجول جهول، ولو كشف له عن علم الله بكل ما سبب وراءه هذا ما فعل إلا أنه حمد الله على هذا، وهذا ما يفعله المؤمن.
على أية حال، المسلم المستسلم الذي يوقن، ويعلم بأن من أسمائه الحكيم، وهكذا لولا علم المؤمن بأن الله يسمع ما دعاه: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [المجادلة: 1]، وكذلك إيمان العبد بأن الله هو الغني، فيطلب منه، أن خزائنه لا تنفد: مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ [النحل : 96]، عندما تؤمن بأن الله يتكلم، لك الشرف وأنت تشعر بالسعادة الغامرة العظمى، وتقف في الصلاة، وتقول: الحمد لله رب العالمين، وأنت تؤمن بأن الله يقول: حمدني عبدي، ومجّدني عبدي، وأثنى عليّ  عبدي، وهذا لعبدي ولعبدي ما سأل [رواه مسلم: 904]؛ بخلاف مَن يقول: أن الله  لا يتكلم، وأنه كلام يجعلونه كلامًا نفسيًا، وأن الله لا يخاطب العباد، ويؤلوا القرآن، ويقولون: أن كلام الله كلام نفسي، وينفون عنه صفة الكلام.

وأيضاً، فإن وجود الفرق هذه في العقيدة يجعل العبد يحذر، وهو يسمع حديث النبي ﷺ، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة [رواه أبو داود: 4598، والنسائي: 4598، وصححه الألباني: 4596]، أنه يخشى أن يكون من الثنتين والسبعين، فهو يحارب هذه الفرق، ويبغضها، ويريد أن يكون من الفرقة الناجية من النار، والمؤمن يتودد إلى ربه، يريد أن ينال المحبة والمودة من الله؛ لأن الله يود وهو يوقن، ويؤمن بالنزول الإلهي في الثلث الآخر: من يسألني، من يستغفرني [رواه البخاري: 1145].
وقل مثل ذلك، حتى في كثير من الأفعال والصفات التي أنكرها المبتدعة، وانظر ما هي آثارها النفسية والتربوية على المؤمن، مثلاً: مجيء الله يوم القيامة، نحن نؤمن أن الله يجيء مجيئًا حقيقيًا يليق بجلاله وعظمته يوم القيامة: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: 22]، ويوم: وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا [الفرقان: 25]، يأتي الله في ظلل من الغمام، والملائكة، فتنخلع قلوب الكفرة والمجرمين، وأما المؤمنون فإنهم يشتاقون إلى لقاء ربهم والنظر إليه، ولا يبقى واحد يسجد لله إلا سجد إذا جاء ورأوه يوم القيامة، يعرفون بالآية، وعندما ينكر المبتدع رؤية الله، ويؤمن بها السني المسلم أنه يرى الله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ [القيامة: 22]، وأن هذا يوم القيامة في الجنة مكافأة عظيمة، وأنه أعظم نعيم الجنة على الإطلاق.

وهناك أناس عن ربهم يومئذ لمحجوبون، فماذا سيكون لهذا من أثر في نفسه.
كان بعض السلف يقول: "اللهم إني أسألك الزيادة"؛ لأن الله قال: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس: 26]. والزيادة: النظر إلى وجه الله، وأنه إذا أعطي النظر إلى وجه الله في الجنة، دخل، فكان يقول: أسألك الزيادة؛ لأن الزيادة معناها أنه قد دخل الحسنى، وحصل عليها كم ينشئ من معاني الإيمان في النفس تجدد الإيمان، زيادة الإيمان وهو يتأمل في قوله: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص: 88]، كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ۝ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن: 26 - 27]، وأن كل ما ها هنا زائل إلا الله .
على أية حال، كل هذه من الأسماء والصفات لها آثار إيجابية في نفس المؤمن، وتجعله حذر من الملاحدة في التوحيد الجهمية الحلولية، تعالى الله يقولون، حلّ في خلقه، الاتحادية اتحدّ مع خلقه، وتجعل الواحد يبعض.
ونحن نسمع أن بعض الفرق كالصوفية، يقولون: كل ما ترى بعينك فهو الله، وأنه اتحد في الوجود، وحلّ في الوجود، حلّ في المخلوقات، تعالى الله عن قولهم، لا يؤمنون بأنه على السماوات على عرشه بائن من خلقه، منفصل عنهم، بل يقولون: حلّ فيهم، اتحد معهم، وهذه تجعل الواحد يدرك، عندما يُقال اليوم: الطاقة، والين، واليانج، وقوانين الجذب، وغيرها من الاختراعات من هذه الأشياء التي جعلها اليوم الفلاسفة العصريين، وما أخذوه من الهندوس ما أخذوه من فلاسفة الهند والصين، فيحذر، ويكون عنده حاجز تنقية، لا يمكن أن تتسلل إليه هذه الأباطيل.
عندما نرى -أيها الإخوة- بأن هذه العقيدة؛ عقيدة التوحيد من قواعد الإيمان والتوحيد توحيد الله بالعبادة، وأننا لا نصرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله، كما أننا لا نؤمن بغيره ربًا، فإننا نعرف بأن له حقًا في أن نعبده، ما دام هو الرب الذي خلقنا، وأنعم علينا، وأنه يفعل ما يشاء، ويحيي ويميت، ويرزق، ويشفي، وينزل المطر إلى آخره، إذاً، أليس لهذا الرب حق علينا وقد عرفنا بهذا الحق؟ فماذا سنفعل؟ سنعبده كما أمر ، ونصرف له أنواع العبادة؛ سواء كانت صلاة، دعاء، نذرًا، ذبحًا، كذلك الاستغاثة به ، والحج، والصيام له ؛ لأن بعض الملاحدة، وبعض الكفرة عندهم تأويلات لهذه العبادات سيصرفونها، فيقولون مثلاً: الصلوات الخمس: انطق الحسن، والحسن، والمحسن، وعلي، وفاطمة، هذه هي الصلوات الخمس، الصيام: حفظ أسرار الطريقة الحج: الذهاب إلى شيخ الطريقة.
إذًا، هنا من يفرغ العبادة من معانيها، هناك من يصرفها إلى غير الله، يعبد مع الله غيره، وبالتالي فإن المؤمن الذي يوحد يفقه ما هي العبادة، ويصرفها لله فقط، يعرف ما هي العبادة، ويصرفها لله فقط.
وعندما نقول: يعرف ما هي العبادة، هو حذر من البدعة؛ لأنه يتبع السنة لتكون العبادة منضبطة، لتكون العبادة صحيحة؛ لكي لا يكون فيها اختراعات، لتكون وفقًا لما  أمر الله به: من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد [رواه البخاري: 2697، ومسلم: 1718].

آثار الايمان بزيادة الايمان ونقصانه

00:37:52

وكذلك المؤمن الذي يعلم بأن الإيمان ويزيد وينقص، قول واعتقاد بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالجوارح، فإنه سيحرص أن يفعل ذلك كله، وأن يعزز الإيمان في قلبه، يعزز مثلاً: الخوف، الرجاء، المحبة، التوكل.
وكذلك أن يأتي بالعبادات اللسانية، ومنها التسبيح، والتهليل، والتكبير، وأن يقوم بالعبادات البدنية، ومنها الصلاة، والحج إلى آخره، وأن هذه العبادات الدائرة تارة على البدن، وتارة على المال، مثل الزكاة، وتارة في القلب، وتارة في اللسان، وتارة في الجوارح، هناك أشياء مشتركة، مثلاً: هذا الحج على سبيل المثال فيه عبادة بدنية، ومالية، وقلبية، وبالجوارح، وباللسان أيضاً، ولما يعلم العبد أن هذا الإيمان والتوحيد لا يتم إلا بشروط سيسعى في تحقيقها مثلاً العلم، واليقين، العلم المنافي للجهل، واليقين المنافي للشك، والانقياد المنافي للتمرد، القبول المنافي للرفض، والصدق المنافي للكذب، والإخلاص المنافي للرياء، والمحبة المنافية للبغض؛ سواء بغض الله أو بغض رسوله أو بغض ما أنزله أو بغض بعض ما أنزل؛ لأن بعض الناس يقول: هناك أحكام معينة لا تعجبني، لو كره بعض ما أنزل الله حبط عمله، ولما يعلم العبد أن المحبة مثلاً علاقة متبادلة بين العبد والرب، يعني يحبهم ويحبونه، يعني ليست فقط يحبونه، وإنما هو يحبهم أيضأً، وليس العجب من أن يحب  فقير غنيًا يحسن إليه، ولكن العجيب أن يحب الغني فقيرًا، لا يحتاج إليه، ومع ذلك الله قال: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة: 54]، ولما يعرف العبد أن للمحبة آية تدل على صدقه: إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران: 31]، سيحرص على اتباع محمد ﷺ.

ونحن عندما نحاور غيرنا، ونعرفهم معنى الإسلام ونقطع معهم مسافة في قضية إثبات وجود الله، وعبادة الله، لا بدّ أن تقول له: أشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، أنه لا يكفي أن تعترف بالله، أو تقر بوجوده، لا بدّ أن تؤمن بأنه يعبد وحده لا شريك له، تقوم بهذه العبادة، وأن مصدر العبادة في معرفتها النبي ﷺ الذي أرسله الله ليدل عليه، ويعرفنا كيف نعبده، وهذا  مقتضى الشهادتين، ولا يمكن النجاة إلا بذلك.
وعندما يؤمن العبد بأن الإيمان هذا مثل المفتاح له أسنان، والأعمال هي الأسنان، وإذا أتيت بمفتاح لا أسنان له لم يفتح لك، إذ لا بدّ من أسنان المفتاح، فلا بدّ أن يأتي بالأعمال، وأن الإيمان ليس مجرد ادعاء أنه في القلب، فإن هناك  ما يدل عليه على صدقه، وهو الأعمال، وما هو موقع الأعمال من الإيمان، وأن قضية الإيمان هذه تستلزم الرضوخ لحكم الله؛ لأن بعض الناس كأنه يقول: انظر العلمانية هذه جاءت بشرور عظيمة.
ومنها: إحداث التقسيمات فبعضهم ملاحدة لا يؤمنون بالله، وبعضهم يقولون: نقر به، لكن ليس له أكثر من الإقرار، فكأنهم يقولون: خلقنا، وتركنا خلق الخلق، وماله عليهم شيء، افعلوا ما شئتم، وبعضهم يقولون: له حقوق، لكن هذه هي العبادات الشخصية بيننا وبينهم، يعني صلاة، صيام، حج، ذكر، تلاوة، قرآن، نحن نقر بهذا، ويفعلونه، وبعضهم يصلي الفجر في المسجد، لكن لا يقر لله ابدًا أن له تشريعًا في الاقتصاد، أو الإعلام، أو السياسة، إلى آخره، مع أن الشريعة مليئة بالأحكام  في الاقتصاد مثلاً، والأحوال الشخصية النكاح مثلاً، والقضاء، والمنازعات، والحدود، والإقرار، والشهادات، والبينات التعزيرات هذا الجزء لا يقره بعض العلمانيين لله بأن له تدخلاً فيه، أو أحكام، فيقولون: مساجد، صلوات، صيام، حج، لكن: يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ [هود: 87]، هذا لا يمكن.

إذًا، لا يقرون أن لله حكمًا وطاعة في الأموال، فيقولون: الشرع ليس له شأن في الأموال، كيف تفصل حكم الله عن هذه الأحكام؛ أحكام البيع، والإجارة، والكفالة، والحوالة، أحكام الرهن، أحكام الزكاة، أحكام النفقات، أحكام الحياة، وأحكام الموت في المواريث، والتعزيرات المالية، والفيء، والغنيمة، كم لله من حكم مالي؟ الرهن، أليس هذا  من الأحكام الشرعية؟ قضية بيع وشراء، الذهب، وتحريم الجهالة، والغرر، تحريم القمار.
الآن هناك مسائل كثيرة جداً في الاقتصاد المعاصر لله فيها أحكام، وهناك أناس لا يدري، أن لو تذكر له تقول: يا أخي، تبيع وتشتري في الأسهم، أنت الآن تعرف أن بيع النقد بالنقد لا يجوز إلا مثلاً مثل، يدًا بيد، الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، مثلاً بمثل، يدًا بيد، سلم، واستلم، ليس هناك شيء اسمه بعد أربعين، وعشرين ساعة، وبعد ثمانية وأربعين ساعة، تسلم، وتستلم في مجلس العقد، الآن، وتحول تدخل في حسابه، ويحول، ويدخل في حسابك، وأنت جالس معه في مجلس إلكتروني، الشريعة تغطي كل الأوضاع، والأحوال، والأوقات، والمعاملات، هذا تقابض، فقط يدخل في حسابه ثمن الذهب، وغداً يدخل في حسابك، مثلاً: تعطيه دولار، ودولار بعد ثمانية وأربعين ساعة لا يجوز. الآن عندما تشتري سهم، أنت تعلم ما هو مقابل هذا السهم؟ أحيانًا يصير مقابله عقار، وأحيانًا آلات، وأحيانًا أشجار، حسب الشركة، هي زراعية، صناعية، عقارية، خدمات، صيانة، فأنت يجوز أن تشتري سهمًا، وتبيع سهمًا في شركة صناعية مثلاً شركة الاسمنت، ومقابل هذا السهم نصيب مشارع من عقاراتها، ومبانيها أرضًا، وبناء، وآلات مصنع، ونقلياتها، والنقد الذي للشركة في البنك، والنقد الذي للشركة، ديون عند العملاء.
فتبدأ المسألة، أنا لما أشتري السهم وأبيع السهم، والسهم فيه جزء منه نقدي، وجزء منه آلات، ومعدات، وعقارات، ونقليات، وسيارات، ومركبات، واسم الشركة، الآن أنا لما أبيع وأشتري في السهم، وفيه جزء نقدي، هذا ما هو؟ بيع مال بمال، نقد بنقد، كيف أفعل؟ سيقول مثلاً: ستأتي الفتاوى أن: إذا كان النقد شيء يسير، والسهم أكثره مقابله معدات مباني آليات إلى آخره؛ أن هذا جائز باعتبار أن النقد تابع، وليس هو الأصل في الموضوع.
والقاعدة تقول: التابع تابع، ويثبت تبعًا ما لا يثبت استقلالاً، فيجوز بيع السهم، وشراء السهم، وعلما أن هناك جزء من السهم نقد موجود في حساب الشركة، أو موجود ديون عند العملاء، فقط لأن الجزء الأكبر من السهم  ليس نقدًا، فهذا تبع، هذا ليس المقصود الأصلي في السهم، وإنما تبع.
بعد ذلك سيأتي سؤال آخر؛ وأسهم البنوك حتى الإسلامية ما هو مقابلها؟ أكثر أسهم المصارف ما مقابل السهم؟ نقد مسألة أنك تبيع وتشتري فيه وهو أكثره نقد؟ قليل عقارات، البنك، وأجهزة البنك، لكن مقابل سهم المصرف أكثره  نقد، فما هو الجزء الأكبر، ما هو الجزء الأصغر.
المقصود: أن المسائل الاقتصادية، ومسائل البيع والشراء، وحتى المسائل الحادثة، هذه الجديدة لله فيها أحكام، ونريد أن نعرف هل يجوز؟ لا يجوز؟ فلا بدّ أن نرجع ونستفتي.
وهذا نابع من قضية أن من أسماء الله: "الحكم"، من العقيدة أن له الحكم: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ [الأنعام: 57].
فإذًا، استفتاء المسلم في الحل، والإباحة في الأشياء منبعه عقدي، وليس فقهي؛ لأني أعتقد أن لله يحكم وله الحكم، والحق له تعالى في الحكم، والتحليل والتحريم له، وأن أولئك اليهود والنصارى كفروا، ومن أسباب كفرهم: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّه [التوبة: 31]، لأنهم يحلون لهم الحرام، ويحرمون عليهم الحلال، فيطيعونهم فكفروا بذلك، ومسألة أن هناك أحكام في الحياة، وهناك أحكام في الموت، انظر أحكام الجنائز مثلاً، كم حكم؟ أحكام المواريث، أحكام الوصية، وإذا أوصى إلى أولاده، والولاية على الأولاد، والولاية على البنات في التزويج، وبعد الموت إذا عين وصيًا عليها، وتزويجها إلى آخره، هناك أحكام في الحياة، وهناك أحكام في الموت، كل ذلك مرجعه في قضايا التوحيد والإيمان إلى الإيمان بأن الله هو الحكم، وله الحكم، يحكم ما يشاء، وعلينا الطاعة، .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.