الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبة أجمعين. أما بعد:
المقدمة
فقد تحدثنا في الدرس الماضي عن بعض الضوابط في موضوع التكفير، وقلنا: أن التكفير منه حق، ومنه باطل، وأن التكفير الحق مثل من كفره الله ورسوله، ويجب على كل مسلم أن يكفر من كفره الله ورسوله، كالنصارى الذين قالوا: إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ [المائدة: 73]. وأن هناك فرقا بين التكفير المطلق وتكفير المعين، وأن فعل الكفر لا يستلزم تكفير الفاعل، فقد يكون الفاعل عنده مانع يمنع من تكفيره كجهل، أو إكراه، أو شبهة، ونحو ذلك. وقلنا: أنه لا تكفير إلا بعد التحقق من انتفاء الموانع، وأن الموانع التي تمنع من تكفير شخص قال قولاً مكفراً، أو فعل فعلا كفريا أن هذه الموانع أربعة ماهي: الجهل، الإكراه، التأويل، والخطاء، ذكرنا أن الخطاء هو انتفاء القصد مثل سبق اللسان، وعدم الإرادة، والدليل قول الله : وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ [الأحزاب: 5]. وأن من الخطاء ما يكون سبق اللسان أو أغلق عليه الفهم، أو غلبت عليه الدهشة، واستدللنا بحديث اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطاء من شدة الفرح [مسلم: 2747]، وذكرنا كلام العلماء في هذا المانع. وتكلمنا عن مانع آخر وهو الإكراه، وذكرنا أن الإكراه حمل الغير على ما لا يرضاه من قول أو فعل، وأنه لو ترك وحده ما اختار ذلك، وقلنا: الإكراه أيضا هو إلزام الغير بما لا يريده، وأن من قواعد الشريعة المتفق عليها عند أهل العلم التجاوز عن المكره إكراها ملجئاً لا يستطيع التخلص منه بسبب ضعفه وقلة حيلته وجبروت خصمه، وأن هذا الإكراه يقبل حتى لو كان على الكفر وذكرنا الآية إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ [النحل: 106]، وأن المكره لا يكون آثما بحال، وذكرنا أدلة اعتبار هذا المانع، وكلام أهل العلم أن الإكراه حتى يكون عذرا معتبرا لا بد من توفر شروط فيه: منها: أن يكون فاعله -المكرِه- قادرا على إيقاع ما يهدد به حقيقة، وأن المكرَه لا يستطيع الدفاع ولا الفرار، وأن يغلب على ظنه أنه إذا امتنع فعلا المكرِه سوف يوقع به ذلك، وأن يكون ما هدده به فورياً، وأن لا يظهر من المأمور ما يدل على اختياره، وذكرنا أنه لا فرق بين الإكراه على القول والفعل عن الجمهور، ويستثنى من الفعل ما هو محرم على التأبيد كقتل النفس بغير حق، يعني: كقتل النفس المعصومة. ثم تكلمنا عن مانع التأويل، وهو أن يفعل الكفر اعتمادا على دليل أو شبهة، فيظنه صواباً وحقاً، وذكرنا أن هناك تأويلات مقبولة يعذر بها صاحبها لا أنها صحيحة، ليس معنى مقبولة أنها صحيحة، لكنها مقبولة في عدم تكفير صاحبها وهي في نفسها غير صحيحة، يعني: لا تصح ولا كانت حقاً، وأن هناك تأويلات غير مقبولة اطلاقا، مثل تأويلات الباطنية الذين يقصدون هدم الدين، وأن تأويلهم للصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، والجنة، والنار، والملائكة، أنهم أولوا تأويلات لا تقبل على الإطلاق اطلاقا،
لا تقبل وأنه يحكم عليهم بكفرهم بالرغم من تأويلهم؛ لأن التأويلات لا تحتملها اللغة أصلا هي واضح أنها فقط قد وضعت في المقدمة لأجل رد الحق، ليس إلا، وليس عند أصحابها في أنفسهم شيء يمكن أن يتعلق به.
المانع الثالث من موانع التكفير
سنكمل الكلام على مانع التأويل، ونستكمل المانع الرابع وهو الجهل، وذكرنا بعض الأدلة على عدم تكفير من وقع في الكفر بتأويل سائغ، ومن الأدلة أيضاً، شيء حدث على عهد الصحابة أنهم عذروا في عدم الحكم بالكفر، لم يحكموا بالكفر على الذين شربوا الخمر، بعض المسلمين الذي شربوا الخمر متأولين قول الله -تعالى-: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [المائدة: 93]. طبعاً الخمر استقر على التحريم، الحادثة حدثت في زمن عمر بعد استقرار الحكم على التحريم، الذين شربوا متأولين بهذه الآية لم يكفرهم الصحابة، ولكن هل المتأول يترك ولا يفعل به شيء؟ يمكن أن يتعرض للعقوبة، فالصحابة بينوا لهم معنى الآية، واستتابوهم من استحلالها، وعاقبوهم على شربها. [السنن الكبرى للنسائي: 5270]. قال الطحاوي -رحمه الله-: "اتفق الصحابة على قتلهم إن لم يتوبوا من ذلك، فإن قدامه -الذي حصلت له القصة- شرب الخمر بعد تحريمها هو وطائفة، وتأول قوله تعالى: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [المائدة: 93]". فوصل الأمر إلى عمر أن هناك طائفة من المسلمين شربوا الخمر، ولما جئنا في النقاش معهم قالوا: نحن شربنا الخمر بناء على قوله تعالى: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا [المائدة: 93] الآية، فاتفق رأي عمر ، وعلي بن أبي طالب، وسائر الصحابة على أن هؤلاء الذين شربوا "إن اعترفوا بالتحريم جلدوا، وإن أصروا على استحلالها قتلوا، وقال عمر لقدامة: "أما إنك لو اتقيت وآمنت وعملت الصالحات لم تشرب الخمر"، فإذا فند الشبهة رد على التأويل، قال: إذا أنت تحتج بالآية، إذا كنت من الذين آمنوا وعملوا الصالحات حقيقة كان ما شربت الخمر، هذا يتنافى مع سلوك أهل الإيمان، ومع العمل الصالح، وذلك أن هذه الآية نزلت بسبب أن الله لما حرم الخمر كان تحريم الخمر بعد وقعة أحد، قال بعض الصحابة: فكيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر فأنزل الله هذه الآية بين فيها أن من طعم الشيء في الحال التي لم يحرم فيها فلا جناح عليه إذا كان من المؤمنين المتقين المصلحين، كما أن من مات بعد تحويل القبلة من بيت المقدس إلى مكة ما ضاعت صلاته التي صلاها إلى بيت المقدس، وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ[البقرة: 143] كان معذورا لاستقبال بيت المقدس لأن الحكم كان هكذا فهو التزم به، هذه الآية: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ [المائدة: 93]، نزلت في ناس قتلوا في أحد، وكانوا يشربون الخمر قبل نزول التحريم، فلما نزل التحريم بعض أقاربهم توجسوا كيف مصير أقرباءنا الذين قتلوا في أحد وكانوا يشربون، لقوا الله وفي أجسادهم خمر، فنزلت هذه الآية لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [المائدة: 93]، وهؤلاء فعلاً لما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات خرجوا إلى أحد مجاهدين في سبيل الله، ما كانت الخمر حرمت، وكانوا معذورين في شربها، فليس عليهم جناح، وليس عليهم إثم، ولا يؤاخذوا بشربهم قبل نزول التحريم، ثم إن قدامة ومن معه الذين احتجوا بالآية لما وقف منهم عمر والصحابة موقف إجماع كان إجماع موقف حاسم، كأنهم أيسوا من التوبة جلدوا، فلما تبين لهم خطأهم كأنهم أيسوا من التوبة، فكتب عمر إلى قدامة يقول له: حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ [غافر: 1-3] ما أدري أي ذنبيك أعظم: "استحلالك المحرم أو أولا، أم يأسك من رحمة الله ثانيا"، طبعا هذا تقريع لو كان عند فقه ما شربت أولاً، ثم بعد أن أقيمت عليك الحجة وجلدت كيف تيأس من رحمة الله، والله يغفر الذنوب جميعاً. قال ابن أبي العز في شرح العقيدة الطحاوية: "وهذا الذي اتفق عليه الصحابة هو متفق عليه بين أئمة الإسلام" انتهى [شرح العقيدة الطحاوية: 324]. قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "إن المتأول الذي قصد متابعة الرسولﷺ لا يكفر، بل ولا يفسق إذا اجتهد فأخطأ، وهذا مشهور عند الناس في المسائل العملية، أما مسائل العقائد فكثير من الناس كفر المخطئين فيها، وهذا القول لا يعرف عن أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا عن أحد من أئمة المسلمين" [منهاج السنة النبوية: 5/239]، وكون التأويل مانعا من التكفير لا يعني ترك المتأول يفسد بتأويله، ولذلك الصحابة قالوا: يجلد، قدامه عند تأويل لا نكفره، لا نقول أنت مستحل، لا شربت بتأويل، لكن يقام عليك الحد، تأويلك ينفعك في عدم تكفيرك لا في ترك عقوبتك وإقامة الحد عليك، إذا لو جاء واحد وقال: الخمر حرام لأنها كانت تعصر بطريقة بدائية وكان فيها شوائب وكانت مضرة، أما الآن نقية ولها بريق ولمعان وصافية، نقول: إذا ما كفرناك الآن بالاستحلال فإننا سنقيم عليك الحد، ولا نقول أن هذا الكلام مقبول في درء الحد عنك، لأن بعض التأويلات ترى أشبه بالهزل باللعب، أشبه بالسخرية تأويل سخيف.
بل قد يصل الأمر إلى قتال المتأولين إذا كان سيؤدي تركهم إلى تفلت الناس من الدين. قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "وهذا الذي ذكرته في ما تركه المسلم من واجب أو فعله من محرم بتأويل اجتهاد أو تقليد واضح عندي، وحاله فيه أحسن من حال الكافر المتأول، وهذا ما يمنع أن نقاتل الباغي المتأول، ونجلد الشارب المتأول ونحو ذلك، فإن التأويل لا يرفع عقوبة الدنيا مطلقا، إذ الغرض بالعقوبة دفع فساد الاعتداء" [مجموع الفتاوى: 22/14]. وقال أيضا رحمه الله: وأما من أظهر ما فيه مضرة فإنه تدفع مضرته ولو بعقابه، وإن كان مسلما فاسقا، أو عاصيا، أو عدلا مجتهدا مخطئا، بل صالحا أو عالما سواء في ذلك المقدور عليه والممتنع"، ثم قال: "وكذلك يعاقب من دعا إلى بدعة تضر الناس في دينهم، وإن كان قد يكون معذورا فيها في نفس الأمر لاجتهاد أو تقليد" انتهى [مجموع الفتاوى:10/375]. هذا ما يتعلق بموضوع التأويل.
المانع الرابع من موانع التكفير
أما ما يتعلق بموضوع الجهل وهو المانع الرابع، الجهل: هو خلو النفس من العلم، ويقول قولا أو يعتقد اعتقادا غير عالم بحرمته، ما عنده علم أصلا كمن يعتقد أن الصلاة غير واجبه، فيتركها جهلا بها، أو أن الله غير قادر على حشر الأجساد إذا تفرقت، مثل ما مر معنا في قصة الرجل الذي بلغ من جهله أن ظن بأن الأجساد إذا احترقت لا يبعثها الله، هذا فعلا ليس تهربا من الاعتراف بالبعث، لا أنه بلغ الجهل هذا المبلغ وهذا يعني ليس بغريب. فإذا قال قائل: هل يوجد أناس يعذرون بالجهل في عدم الصلاة؟ نقول: نعم يمكن أن يوجد ناس لا يصلون، ومن الأمثلة على ذلك ما ذكره شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله في بعض مؤلفاته قال: "وقد ثبت عندي بالنقل المتواتر" -عند شيخ الإٍسلام -رحمه الله- وهو متتبع لأحوال عصره وهو كان عنده علم بالواقع- "أن في النساء والرجال بالبوادي وغير البوادي من يبلغ ولا يعلم أن الصلاة عليه واجبة، بل إذا قيل للمرأة صلِ: قالت: حتى أكبر وأصير عجوزة، ظانة أنه لا يخاطب بالصلاة إلا المرأة الكبيرة كالعجوز ونحوها" [مجموع الفتاوى: 22/102]. إذا ليس بعجيب أن يوجد في المسلمين في الأرض في أنحاء من العالم من لا يعرف مثلا بالحشر لا يعرف بالصلاة، لأن الجهل قد ضرب أطنابه في أماكن كثيرة. ومن الأدلة على أن الجهل عذر قول الله: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [الإسراء: 15]. قال الإمام الشنقيطي -رحمه الله-: "ظاهر هذه الآية الكريمة أن الله -جل وعلا- لا يعذب أحدا من خلقه لا في الدنيا ولا في الآخرة حتى يبعث إليه رسولا ينذره ويحذره، فيعصى ذلك الرسول ويستمر على الكفر والمعصية بعد الإنذار والإعذار" انتهى. من أضواء البيان [3/ 65]. وقوله: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء: 165]. قال عبد الله بن مسعود : قال النبي ﷺ: ليس أحد أحب إليه المدح من الله ، ثم قال: وليس أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل [مسلم: 2760]، ما معنى أن الله يحب العذر؟ يعني إقامة الحجة بحيث لا يبقى لأحد عذر، فالعذر هنا بمعنى الإعذار والإنذار وإقامة الحجة، هذا معناه قبل أخذهم بالعقوبة، ولهذا بعث المرسلين، كما قال: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [الإسراء: 15]. وهذه أم المؤمنين -رضي الله عنها- عائشة تزوجها النبي ﷺ صغيرة جهلت أمرا لا يسع المؤمن جهله، فأبانه لها رسول الله ﷺ وما كفرها ولا عاقبها، لأن الجهل عذر يقبله الله، فقد سألت رسول الله ﷺ وقالت: مهما يكتم الناس يعلمه الله؟ قال: نعم [رواه مسلم: 974]. قال شيخ الإسلام: "فهذه عائشة أم المؤمنين سألت النبي ﷺ هل الله يعلم كل ما يكتم الناس؟ فقال لها النبي ﷺ: نعم، وهذا يدل على أنها لم تكن تعلم ذلك، ولم تكن قبل معرفتها بأن الله عالم بكل شيء يكتمه الناس كافرة، لم تكن كافرة" [مجموع الفتاوى: 11/412]. نحن الآن سيأتي معنا أن موضوع العذر بالجهل موضوع نسبي، وقد يقبل فيه في حالات ولا يقبل في حالات، مثلا في بلاد تدرس فيها مناهج شرعية توحيد، وفقه، وعقيدة، وتفسير، ويأتي واحد درس كل هذه المقررات ويقول أنا ما كنت أنا ما أدري أن نداء الأموات حرام، وكتاب التوحيد الذي كنتوا تدرسونه في المتوسطة الابتدائية، لكن بلاد أخرى ألغيت فيها التربية الإسلامية، أو ما كان في أصلا كذلك، يعني: بلاد الإسلام لها مركز، لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا [الشورى: 7] وفي في الأطراف أسكيمو وفي أقاصي الأدغال في أفريقيا، يوجد مثلا في سيبيريا يوجد مسلمون لكن ماذا يعرفون عن الإسلام؟ فإذا قد يقبل من البعيد عذر بالجهل لا يقبل من القريب، والمصيبة طبعا أنه هناك أمية شرعية تتغلغل تدريجيا في طبقات الآن المراهقين فتنتعش عندهم التعليم الالكتروني، أو الثقافة الالكترونية، ويصير عندهم علم بالأجهزة والبرمجيات والتطبيقات، واستخدامات الشاشات الأربعة، لكن أمية شرعية بالغة، فأحيانا ممكن يقبل من الصغير شيء لا يقبل من الكبير، يقبل من واحد في أطراف بلاد المسلمين لا يقبل ممن في القلب، قد يقبل من النساء وبالذات من النساء مالا يقبل من الرجال، يعني: واحد اكتشف أن أمه تصلي الفجر أربعا، اكتشف أنها تصلي الظهر ركعتين يوم الجمعة وهي تصلي في البيت ليس مع الإمام، مثلا نسمع أحيانا في الأسئلة: كنت أمسح على الخفين من غير توقيت ما كنت أدري أنه في أربعة وعشرين ساعة للمقيم، كنت أظن أن مدة المسح مفتوحة، من الأسئلة تكثر كنت أجهل أن الاستمناء أو العادة السرية تبطل الصيام.
قلنا: يمكن أن يقبل في البادية أشياء لا تقبل من أهل المدن ادعاء الجهل فيها، الآن لما صار ما صار في بلاد الشام وخرجوا كتشف أن كثيرا منهم لا يعرف الفاتحة هذا نتيجة الحصار، مثلا ألبانيا الآن هذه عشرات السنين تحت الشيوعية، الآن تذهب لما سقطت الشيوعية وذهب بعض الناس ليروا أقاربهم في ألبانيا عادي مثلا المطاعم فاتحة في رمضان، ما في الصلاة قليل يصلون، الفاتحة ما يحفظها إلا قليل، ألم تقل تلك المرأة تقول أنه لما سقط حكم الشيوعيين في الاتحاد السوفيتي تقول أنها جمعت الصلاة من عدة أشخاص، واحد أعطاها الفاتحة، وواحد علمني التحيات، وحصلت الصلاة الإبراهيمية عند واحد في داغستان، وأذكار الركوع في موسكو، يعني أنها جمعت الصلاة تجميع ما تعلمت كل الصلاة من واحد، الشاهد أن العذر بالجهل أمر نسبي. قال ابن القيم رحمه الله: الأصل الثاني أن العذاب يستحق بسببين: أحدهما: الإعراض عن الحجة وعدم إرادة العلم بها وبموجبها"، واحد لا يريد أن يتعلم والتعليم ممكن. الثاني: العناد لها بعد قيامها، هذا باب آخر للإثم. قال: "فالأول كفر وإعراض الذي يقول أنا لا أريد أتعلم الدين أصلا، هذا كفر الإعراض لا يتعلمه ولا يعمل به. الثاني: كفر العناد أن يعلم ويرفض. وقال: "فأما كفر الجهل مع عدم قيام الحجة، وعدم التمكن من معرفتها، فهذا الذي نفى الله التعذيب عنه حتى تقوم حجة الرسل" [طريق الهجرتين: 414]. فالجهل إذا عذر لكن ليس عذرا بإطلاق، فليس كل من يدعي الجهل يقبل منه، فلابد من التفريق بين الجاهل العاجز عن التعلم، وبين الجاهل المعرض المفرط، يعني: قبل وجود ثورة الاتصالات، وشبكة الانترنت، والقنوات الفضائية، في جهل يتصور وشخص محاصر ما يستطيع أن يصل إلى أي مصدر، الآن بعد ثورة الاتصالات وعالم الشبكات والفضائيات في ادعاءات لا يمكن أن تقبل، فيقال له: وأين أنت من هذه المواقع، وأين أنت عن هذه القنوات، وأين أنت عن هذه البرامج، وأين أنت عن مصادر التعلم، يقال أيضا هناك فرق بين من يعيش بين أهل العلم والهدى، وبين من هو بعيد عنه، وبين أن تكون المسألة التي حصل الجهل فيها من المسائل الظاهرة، وبين أن تكون بين مسائل خفية، مسألة العذر بالجهل من المسائل التي كثر فيها الخلاف والجدل، وتشعبت فيها الأقوال، وحصل تفرق كلمة، وتمزق صفوف في بعض من ينتسب إلى الدعوة، ولو ردوا الأمر إلى العلماء لكان خيرا لهم، لكن إصرار الواحد يقول: أنا لازم أحسمها، وهو ليس عنده أهلية، ماهو العلم الذي عندك تحسم شيء من الأشياء الدقيقة، حسبك أن تقلد أهل العلم، المسألة هذة فعلا فيها دقائق، وفيها تشعبات، وفيها مزالق، لكن في أمور واضحة أيضا في المقابل. يجب الاتفاق على عذر من نشاء ببادية بعيدة وما عنده أي مصدر تعلم، يعني: لا يصل لا إلى قناة، ولا إلى أجهزة، ولا يتصل بأشخاص، ولا حوله أحد من أهل العلم، هذا الشيء الآن يضيق لأن الدش وصل إلى خيام الشعر، والجوالات، الآن يقولون: أن عددا من سكان الأرض ثمانية أو خمسة مليار عندهم جوالات، وربع العالم عندهم مليارات، إذا لما كان يقال: بادية من زمان الأمر متصور، الآن وسائل التعلم تدخل حتى في البوادي والأماكن النائية والبعيدة، على أية حال من نشأ ببادية بعيدة ليس حوله أحد من أهل العلم، ولا يستطيع أن يصل إلى أهل العلم، هذا يتصور عذره بالجهل.
حالة أخرى حديث العهد بالإسلام يتصور العذر بالجهل، كثير من الأعاجم بسبب عائق اللغة يتصور عندهم العذر بالجهل، يعني: ممكن تدخل مساجد في بعض بلدان أوروبا الشرقية الاتحاد السوفيتي سابقا، ممكن تجد النساء يصلون مع الرجال في نفس الصفوف، كل واحد يأتي بعائلته، ولا يشترط أنه يفعلونها عنادا لله ورسوله، وإصرارا على الحرام، لكن لا يدرون، نحن نفاجأ في الحج، هؤلاء الذين جاءوا إلى الحج خيار أقوامهم، هناك ناس لم يأتوا للحج ولا سألوا عنه، هؤلاء الذين جاءوا للحج انظر إلى مستواهم في العلم الشرعي، الجهل الذي عندهم سواء في المناسك أو في الأشياء الأخرى، تصورات. سمعت بنفسي في الطواف امرأة من بلد عربي، تقول: لولدها الذي عمره اثنى عشر سنة: تعرف لماذا نطوف بالكعبة؟ قال لها: لماذا؟ قالت: لأن الرسول مدفون داخل، وليس في المدينة المسجد النبوي، متصورة وتربي ولدها على هذا.
سبحان الله! مبدأ الشرك الطواف بالقبور لما تأصل حتى لما وصلت للكعبة تصورت أنه الطواف لأنه في قبر، كأنه لا يوجد طواف إلا بقبر، والمعتمرون والحجاج يرون أشياء مذهلة في هذا من الناس الذين جاءوا من بعيد، إذا البوادي حديثو العهد بالإسلام الأعاجم يمكن أن يوجد عندهم جهل فضيع مطبق، وأحيانا يوجد أشخاص عندهم قنوات وأنترنت لكن هو القناة التي يتابعونها والموقع الذي يدخل عليه نفس الفصيلة نفس التوجه، وربما أن بعض شيوخهم الضلال يقولون: لا تسمعوا، لا تدخلوا، تقرأوا للجماعات الأخرى يضلونكم، ويخوفونهم، ووجود ناس يعني عندهم نية طيبة وجهل مطبق هذا متصور جدا، ما هو شرط دائما يكون هو معاند، يعرف ويعاند، واضحة المسألة عنده ويعاند، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: وكثير من الناس قد ينشأ في الأمكنة والأزمنة التي يندرس فيها كثير من علوم النبوات؛ حتى لا يبقى من يبلغ ما بعث الله به رسوله من الكتاب والحكمة، فلا يعلم كثيرا مما يبعث الله به رسوله، ولا يكون هناك من يبلغه ذلك، ومثل هذا لا يكفر، ولهذا اتفق الأئمة على أن من نشأ ببادية بعيدة عن أهل العلم والإيمان، وكان حديث العهد بالإسلام، فأنكر شيئا من هذه الأحكام الظاهرة المتواترة، فإنه لا يحكم بكفره حتى يعرف ما جاء به الرسول ﷺ" انتهى [مجموع الفتاوى:11/407]. وسأل الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين -رحمه الله- عن مسألة العذر بالجهل؟ فقال: الاختلاف في مسألة العذر بالجهل كغيره من الاختلافات الفقهية الاجتهادية، وربما يكون اختلافا لفظيا في بعض الأحيان من أجل تطبيق الحكم على الشخص المعين، أي: أن الجميع يتفقون على أن هذا القول كفرا، أو هذا فعل كفرا أو هذا الترك كفرا ولكن هل يصدق الحكم على هذا الشخص المعين لقيام المقتضي في حقه وانتفاء المانع، أو لا ينطبق لفوات بعض المقتضيات أو وجود بعض الموانع" انتهى [شرح كشف الشبهات ويليه شرح الأصول الستة: 37].
لكن ينبغي أن نعلم بأن المعذور بالجهل وإن كان معذورا بالجهل لا يكفر لكن لا يعني أنه خالي من المسؤولية، فإننا أولا يجب أن نعرفه، يجب أن يعرف بأن الجهل هذا شر، وأنه آثم بالبقاء عليه، وأنه يجب عليه أن يتعلم، ولا يجوز بحال تسويغ الجهل له، ويقال: أنت لا تدري أنك معذور عند الله، اتق الله وتعلم، ماذا عملت لتتعلم دين الله، فلابد من إيقاظ الحس عنده بقضية وجوب التعلم، ولابد أن يسعى في رفع الجهل عن نفسه، وأن لا يقر على حاله، فهذا الجهل وإن كان مانعا من موانع التكفير لكن لا يجوز الرضا به، ولا تسويغ الحال بل يجب السعي في رفعه. قال شيخ الإسلام: فإن العذر الحاصل بالاعتقاد ليس المقصود بقائه بل المطلوب زواله بحسب الإمكان، ولولا هذا لما وجب بيان العلم، ولكان ترك الناس على جهلهم خيرا" انتهى. [رفع الملام عن الأئمة الأعلام: 74].
ضرورة إقامة الحجة
من الضوابط أنه لا يحكم بكفر المسلم إلا بعد إقامة الحجة، فمن فعل فعلا من الأفعال التي يكفر فاعلها لا يحكم بكفره حتى تقام عليه الحجة الرسالية التي من خالفها وأصر على مخالفتها كفر، قال الله –تعالى-: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء: 15]، وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ [التوبة: 115]، والله لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة، وإزالة الشبهة، كما قال الله –تعالى- عن أهل النار: كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ [الملك: 8، 9]، فأخبر الله بصيغة العموم أنه كلما ألقي فيها فوج سألهم الخزنة هل جاءكم نذير؟ فمن جاءه النذير يعترف ولا يمكن إلا أن يعترف بأنهم قد جاءهم نذير، فلم يبقى فوج يدخل النار إلا وقد جاءهم نذير، لأن من لم يأته نذير لا يدخل النار، فإذا الذين دخلوا النار كلهم جاءهم نذير. أما الذين لم يأتهم نذير فإن الله يوم القيامة يمتحنهم، يعني: له حال لكنه ليس مع أولئك الذين يلقون في النار أول ما يلقون، فإذا كل من يلقى في النار أول ما يلقى هؤلاء كلهم جاءهم نذير، وكلهم يردون على سؤال الملائكة، قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ [الملك: 9] ولا يسعهم إلا الاعتراف، فَكَذَّبْنَا [الملك: 9]، فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِير [الملك: 11]. أما الذين ما جاءهم نذير أنهم يوم القيامة يمتحنون، والأصم الذي يقول: ربي جاء الإسلام ولا أسمع شيئا، والخرف الذي يقول: رب جاء الإسلام والصبيان يحذفونني بالبعر ، والمجنون الذي يقول: رب جاء الإسلام ولا أعقل شيئا [صحيح ابن حبان: 7357، وصححه الألباني الصحيحة: 1434]، فهؤلاء لهم امتحان خاص يوم القيامة يمتحنهم الله به على ما ورد، يأخذ عليهم العهد والميثاق ليطيعن أيا ما كان الطلب الذي يطلب منهم يوم القيامة، ويعطون العهد والميثاق، ثم يقال لهم: قعوا في النار، فمن وقع فيها كانت بردا وسلاما، ومن امتنع سحب إليها، الشاهد أن لهم وضع خاص يوم القيامة، ليسوا مع الذين يلقون في النار أفواجا، أول ما يسحبون لأنه أول من يعذب اليهود والنصارى وعبد الطاغوت، يشكون العطش، ألا تردون، فيؤخذون إلى النار مباشرة، ولذلك هؤلاء ليسوا من الذين توزن حسناتهم وسيئاتهم لأنهم مالهم حسنات أصلا، وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان: 23]، لكن الذين عندهم عذر بالجهل الله لا يظلم أحدا، لا يظلم أحدا. قال شيخ الإسلام: "فليس لأحد أن يكفر أحدا من المسلمين وإن أخطاء وغلط حتى تقام عليه الحجة، وتبين له المحجة، ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل عنه ذلك بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة، وإزالة الشبهة" انتهى [مجموع الفتاوى: 12/501]. وقال أيضا" فتكفير المعين من هؤلاء الجهال وأمثالهم بحيث يحكم عليه بأنه من الكفار لا يجوز الإقدام عليه إلا بعد أن تقوم على أحدهم الحجة الرسالي"، ماهي الحجة الرسالية؟ يعني: التي جاء بها الرسول، "التي يتبين بها أنهم مخالفون للرسل، وإن كانت هذه المقالة لا ريب أنها كفر، وهكذا الكلام في تكفير جميع المعينين" انتهى [مجموع الفتاوى: 12/500]. قال الشيخ بن عثيمين -رحمه الله-: "لا بد من بلوغ الحجة، وفهم معناها على وجه يتبين له الحق، وأما قوله تعالى: لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام: 19]، فلا شك أن القرآن نزل بلفظ ومعنى، فالمراد من بلغه لفظه ومعناه" [لقاء الباب المفتوح: 98/15]. المهم فيه الحجة مقامة بلغته بلسان قومه ليبين لهم، لماذا أرسل الله الرسل بلسان أقوامهم؟ لتقوم الحجة، وأنزل الكتب حتى لو مات الرسول الكتاب باقي لتقوم الحجة، وهيأ علماء في كل أمة لتقوم الحجة، وأوجب الدعوة لتقوم الحجة. لو قال قائل: هناك أشخاص الآن في العالم يعيشون في أمريكا وأوروبا بلغهم الإسلام لكن بلوغا مشوها، بلغهم من وسائل الإعلام الأجنبية، ما هي الأشياء التي تبلغهم عن الإسلام؟ أن الإسلام دين الإرهاب بالسيف حتى لا يبلغهم نفس مبادئ الإسلام، فلا يبلغهم معنى الشهادتين، ماهي أركان الإسلام الخمسة، ما هي أركان الإيمان الستة، يبلغهم فقط أنه في دين ارهابي، وأتباعه متوحشون عندهم تسع زوجات، شهوانيين، يسفكون الدماء، ضد المدنية، ضد التقدم، ضد التطور والتحضر، أوباش صحراويين، هل هذا بلوغ للإسلام أقيمت عليه الحجة؟ لا، فلا بد لتقام الحجة أن يبلغها الإسلام بلوغاً صحيحاً.
ونبه ابن القيم -رحمه الله- أيضا في جهة أخرى على مسألة، فقال: "قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص، فقد تقوم حجة الله على الكفار في زمان دون زمان، وفي بقعة وناحية دون أخرى، كما أنها تقوم على شخص دون آخر، إما لعدم عقله وتمييزه كالصغير والمجنون، وإما لعدم فهمه كالذي لا يفهم الخطاب، ولم يحضر الترجمان يترجم له، ونحو ذلك" [طريق الهجرتين: 414].
خلاصة العذر بالجهل
نلخص النتائج المتعلقة بموضوع العذر بالجهل، وهذه فيها رسائل وبحوث جيدة، ومن أجود الرسائل في هذا الباب رسالة ماجستير بعنوان "الجهل بمسائل الاعتقاد وحكمها" لعبد الرزاق طاهر أحمد معاش، تقديم الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك، مراجعة الشيخ. أهم خلاصات هذه الرسالة أن الجهل صفة مذمومة، والواجب على الإنسان أن يبذل وسعه قدر الإمكان في رفعها عنه، وبخاصة في أمور دينه الذي لا يستقيم إلا بإقامتها.
ثانيا: أن الجهل عذر مؤقت، ومقيد بعدم توفر بعض الشروط، فإذا وجدت هذه الشروط، أو أمكن وجودها تقديرا فإن الجهل لا يبقى عذرا بل يصبح صفة ذم، وسببا في الخسران في الدنيا والآخرة.
ثالثا: أن دار الإسلام مظنة لظهور الأحكام الشرعية، وبالتالي لقيام الحجة في الجملة، يعني: عندك مساجد، وخطباء، وأئمة، وكلمات في المساجد، ودور تحفيظ قرآن، وقنوات إسلامية، ومواقع إسلامية، ومناهج في المدارس، ومجالس وديوانيات، هذا دار الإسلام يفترض فيها ما لا يفترض في غيرها، قال: بخلاف دار الكفر، ويدخل في الأولى بيئة العلم والإيمان، ويدخل في الثانية البادية البعيدة عن حاضرة العلم والعلماء، وكذلك الأمكنة التي تخيم عليها البدعة والضلال، يعني هناك أماكن مغلقة على الصوفية لا يدخلها إلا هم، والمفتي والمشايخ والأئمة والخطباء كلهم، لا يستطيع الداعية أن يدخلها، مع وسائل الاتصال وهذا دور الدعاة أن يقتحموا البيئات المغلقة، بهذه المواقع وتطبيقات الجوال، ويقال هذه قناة فضائية بلغة الأردن، قناة فضائية بلغة البشتم، قناة فضائية بلغة فارسية، قناة فضائية بلغة المالاوية جنوب شرق آسيا، قناة بلغة الحبشة، قناة باللغة الأمهرية، باللغة الروسية، قناة باللغة الأيقورية، الأقلية المسلمة المحاربة في الصين الذين فطروهم في رمضان عمدا، كانوا يخرجونهم من المدارس والموظفين من الدوائر وتنصب لهم أكله في نهار رمضان، وجاءت صورهم أنهم كيف توزع عليهم أمواس الحلاقة ويؤمرون بحلق اللحى علنا في البلد، نفس الحكومة الصينية جعلت خطباء من عندها، من الشروط ممنوع يدخل المسجد أي واحد تحت 18 سنة، لازم تسمع لهذا الذي يقول لك: أن الإسلام هو تعريف الحكومة الصينية للإسلام.
إقامة الحجة هذا من واجب الدعاة إلى الله، من واجب الأغنياء، من واجب المقتدرين المترجمين الإعلاميين المسلمين أصحاب هندسة المحتوى، أصحاب تسويق المحتوى، هذا شغلهم الآن ماذا عليهم أن يفعلوا، هذا دورهم هذي قضية إقامة الحجة.
من ضمن الخلاصات أيضا عدم قيام الحجة يغيروا الأسماء الشرعية، بل يسمي ما سماه الشارع كفرا أو شركا أو فسقا باسمه الشرعي، لا ينفى عن فاعله إذا لم تقم عليه الحجة، ولم تبلغه الدعوة لأن هناك فرقا بين كون الذنب كفرا وبين تكفير فاعله كما قلنا.
من الخلاصات من قال: أن الكافر الذي لم تبلغه الدعوة على وجه يفهمها وتقوم به عليه الحجة معذور، لا يعني أن يحكم بإسلامه ولا أنه غير كافر، وإنما يعني أن الله –تعالى- لا يعذبه عذاب من قامت عليه الحجة وجحدها، ولا عذاب من تولى وأعرض عن آياتها، فإذا كون أنهم ما أقيمت عليهم الحجة وأنهم معذورين يعني أنهم ما يخلدون في النار الله يمتحنهم يوم القيامة، لا يعني أنه في الدنيا لا نحكم عليهم بالكفر، ولذلك الحكم لابد من حكم دنيوي، هو الآن كافر لكن كافر ما بلغه الإسلام بلوغا صحيحا، لكن يحكم عليه بالكفر في الدنيا.
العذر بالجهل ثابت بكل ما يدين به العبد ربه حتى تقام عليه الحجة، لا فرق في ذلك بين أصول الدين وفروعه، وأن الإقرار المجمل بالتوحيد والبراءة المجملة من الشرك قد قامت بها الحجة بالنطق بالشهادتين، هذي الشهادتان وحدها، يعني: قدر معين تقيمه الشهادتان، كما نقول: مثلا الآن عندنا المناهج الدراسية الصحيحة تقيم قدر معين من حجة، قال: ولذلك لا يعذر أحد بجهل لأن الله -تعالى- وحده هو المستحق للعبادة، لا يعذر بأنه لا خالق لا يوجد إله كيف يسمي نفسه مسلما ولا يعتقد بوجود إله، الشهادتان تكفي في إقامتها، الشهادة لله بالوحدانية فمن اعتقد أن غير الله يستحق العبادة مع الله أو من دونه فلا يكون مسلماً أصلاً، فضلاً عن أن يعذر بجهل ذلك بعد الإسلام، وأيضاً من المعلوم بالدين من الضرورة أن يتنوع كونه كذلك بتنوع الوسائل والأشخاص والأزمنة والأمكنة، لذلك كان إطلاق القول بأن جاهل المعلوم بالدين بالضرورة لا يعذر غير صحيح، كمن كان حديث عهد بالإسلام، لا يعذر عذر الجاهل الذي لم يتيسر له من يعلمه كمن كان حديث العهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة، أو عاش في زمن درست فيه آثار الرسالة، وكذلك الدور العظيم والخطير لأهل العلم والدعوة، تبصير الناس في أمور دينهم، وخاصة فيما يتعلق بأمور الاعتقاد لأن صلاح الأعمال مبني على صلاح الاعتقاد، وأن تبذل الجهود في هذا، وكذلك أن مناط التكليف والجزاء هو ورود الشرع وقيام الحجة لذلك كان حكم أهل الفترة في الدنيا أنهم كفار، أما في الآخرة فيمتحنون الذين ما وصلهم رسول، ولذلك حتى لو قيل: أن أبوي النبي ﷺ من أهل الفترة فيحكم عليهم بالكفر أن هؤلاء ما آمنوا، ما كانوا موحدين، فإذا مناط التكليف والجزاء هو ورود الشرع، وقيام الحجة، لذلك كان حكم أهل الفترة في الدنيا أنهم كفار، أما في الآخرة فيمتحنون على الأرجح من الأقوال، والذي دلت عليه النصوص الصحيحة. وكذلك أن بلوغ الحجة وفهمها شرط في قيامها، وهذا سبق ذكره، ومن الأحوال التي ذكرها بالإضافة إلى قضية أنه حديث عهد بالإسلام ونشوء بادية بعيدة البقاء في دار الحرب لأسباب مشروعة، النشأة في بيئة يغلب عليها البدعة والضلالة.
وتوحيد الربوبية من بدهات العقائد التي لا يقبل فيها أصلا الجهل، أن محل العذر بالجهل في توحيد الألوهية من جهة التفاصيل لا من جهة الأصل؛ لأنه لازم كل مسلم يعتقد أنه لا يستحق العبادة إلا الله، وأن محل العذر بالجهل في توحيد الألوهية هو ما يتعلق بتفاصيل التوحيد لا بأصله، وكذلك أنه قد يعذر بعض المسلمين بالجهل ببعض أسماء الله، بعض صفات الله، طيب هذي بعض خلاصات في هذا الموضوع. وبالنسبة بالخلاصة لموضوع التكفير هذا، وقد أتينا على كثير من الجوانب المتعلقة به نختمها بالكلام عن المزالق: صور الغلو المعاصر في التفكير، التكفير بالمآل اللازم، فيقول: يلزم من كلامه كذا إذا هو كافر، وهذا لا يمكن، فمن طرائف ما قيل: أن واحد وضع جنب وواحد من الفقهاء نعلين، فقال واحد: يلزم من وضعك النعلين بجانب الشيخ أنك تهينه، ويلزم من إهانته إهانة الشرع الذي يدرسهـ ويلزم من إهانة الشرع الذي يدرسه إهانة الرسول الذي جاء بهذا الشرع الذي يدرسه هذا الفقيه، ويلزم من إهانة الرسول إهانة الله الذي أرسله، إذا أنت كافر خارج عن الملة حلال الدم والمال، بدأت العملية بوضع النعلين بجانب الشيخ، وهذا من المصيبة، عند بعض الناس عجايب.
مثال آخر: واحد يعيش في بلد تحكم بغير ما أنزل الله، أنت عايش في هذا بلد أنت راض، ويلزم من الرضا بهذا أنك كافر. واحد مدير قسم الطوارئ في مستشفى في بلد كافر، أنت موظف في بلد كافر إذا أنت تخدم الكفار، إذا أنت كافر لأنك راض بالكفر، وقاعد تخدم الكفار إذا أنت كافر، فعندك قضية القفز إلى النتائج، تكفير باللازم، والتكفير بالمألات، والمشكلة أنه أحيانا يكون المآل واللازم حق وأحيانا يكون باطل؛ كما بين شيخ الإسلام -رحمه الله-.
وممكن يكون هذا لما قال الكلمة ما خطر على باله أنه هذا يلزم منه. في كتب الأشاعرة أن الله يوصف لا فوق، ولا تحت، ولا قدام، ولا وراء، ولا يمين، ولا شمال، ولا داخل العالم، ولا خارجه، ولا متصلا به، ولا منفصلا عنه. يلزم من هذا أنه لا يوجد إله هذا إذا أردت أن تصف العدم من محظ فلن تجد أبلغ من هذا، هذا العدم المحض، هل يصح الآن أنه نكفر الأشاعرة بلازم قولهم، هم يقولون: نحن قصدنا أن الله غير محصور، وننزه الله عن الجهات، فهم لا يقصدون نفي وجود الله، والا لم يصيروا أصلا من أهل الإسلام، ولا هذي من عقائد أهل القبلة أصلا، لكن هل نحكم عليه بلازم قوله؟ نقول يلزم من قولك أنك تعتقد بأن الله عدم محض، فأنت كافر، هذا موضوع التكفير بالمآل والتكفير باللازم. تكفير من لم يكفر الكافر الذي يكفرونه، قد يثبت كفره عند فلان، ولا يثبت كفر هذا عند شخص آخر، المسألة تختلف هذا قد يرى فيه مانع من موانع التكفير ما توفر شرط من الشروط، الآخر لا يرى، فالمسألة قابله للاجتهاد، وفيها معلومات هذا يمكن يعلم أنه أقيمت عليه الحجة، هو بنفسه ناقشها، وذاك ما يعرف أنه أقيمت عليه الحجة، فكيف يقال: لازم تكفر الذي أنا أرى أنه كافر. لازم تكفر الذي كفره الله لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ [المائدة: 73]. مثال تكفير تارك الصلاة بالكلية، الجمهور يقولون: أنه لا يكفر حتى يجحد، والراجح أنه يكفر إذا ترك بالكلية.
إذا الجمهور يكفرون إذا لم يكفروا تارك الصلاة. مسألة التوقف والتبين: ذكرناها سابقا أنه قال بعضهم: هذا العصر فيه مسلمين وفيه كفار، وحيث أنه ما تبين لنا المسلم من الكافر فالأصل التوقف فيهم، والنبي ﷺ يقول: من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا [البخاري: 391].
على أية حال هذه بعض المزالق في هذا الموضوع، ونكتفي بهذا القدر منه. وسندخل -إن شاء الله- في الليلة القادمة في موضوع آخر، ونسأل الله أن يثبتنا على دينه، وأن يفقهنا فيه إنه سميع مجيب، وصلى الله على نبينا محمد.