الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
المقدمه
فقد سبق الحديث في الدورة الماضية عن منهج السلف، معنى المنهج، معنى السلف، أسس منهج السلف، فوائد وبركة اتباع منهج السلف، وجوب الذب عن منهج السلف، والدفاع عنه خصوصًا في ظل الهجمة الشرسة التي تقوم الآن عليه، وهذا واضح جداً على مستوى العالم، وإذا كنا نريد أن نكون أوفياء لهذا المنهج، فإن حمله، وتبنيه، وفهمه، والعمل به، والدفاع عنه، هذا من الواجبات، كيف لا وهو منهج النبي ﷺ، وأصحابه، والتابعين، وخير القرون، كيف لا وهو المنهج القائم على كتاب الله وسنة نبيه ﷺ، وقد أمرنا الله بقوله: أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ[الأنفال:20]، فهذا هو طاعة الله ورسوله، كيف لا وهذا المنهج هو الذ يؤدي في النهاية إلى النجاة، تفترق الأمة على ثلاث وسبعين فرقة في النار إلا واحدة من هي؟ ما أنا عليه وأصحابي[الترمذي:2641، وحسنه الألباني صحيح الجامع:5343]، هذا هو منهج سلف هذه الأمة.
وقد شرعنا في بيان التحديات أو الهجومات على منهج السلف في أمور متعددة تتعلق بالتوحيد، وكذلك أصول العقيدة، فمثلاً تحدثنا عن الإرجاء، وتحدثنا عن مذهب الخوارج، وتحدثنا عمن يريد فصل الدين عن الحياة، ونواحي الحياة، وجعل الدين خاصًا ببعض الشعائر التعبدية، تحدثنا كذلك عن المعتزلة الجدد، وخطورة تقديم عقل الإنسان على دين الله وشرعه، والأدلة من الكتاب والسنة، وأن العقل يفهم مراد الله ورسوله، وليس يعترض على حكم الله ورسوله، وليس بديلاً عن النقص، وأنه في الدين الإسلامي ليس هناك صراع بين العقل والنقل، بل إن العقل يؤيد النقل، ويفهم النقل، ويدافع عن النقل، وهذا العقل الذي خلقه الله ﷺ يفهم به الناس دين الله، يعقلون، يفقهون، يعلمون.
كذلك تحدثنا عن أشكال شتى من الانحرافات، ودخلنا في قضية الانحرافات في أمور السلوك، والزهد، والتعبدات، وما عليه بعض الطرق من المخالفات للمنهج، منهج النبي ﷺ وأصحابه.
ثم انتقلنا إلى أمور تتعلق بالعلم والفقه، وأصول العلم والتفقه، وذكرنا أن فهم الكتاب والسنة واجب علينا، يعني: ما هو العلم؟ الكتاب والسنة.
العلم قال الله قال رسوله | قال الصحابة هم أولو العرفان |
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة | بين الرسول وبين قول فلان |
كلا ولا جحد الصفات ونفيها | حذرًا من التأويل والبهتان |
[القصيدة النونية:1/132].
يعني: العلم هو قال الله قال رسوله على فهم السلف لا بدّ منه، وما يمكن تنضبط القضية إلا إذا عدنا إلى منهج السلف، ألا ترى أن بعض المنحرفين يقولون: إبراهيم هو أصلنا لأن في الكتاب وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ[الصافات: 83] هذا دليل على أن التشيع هو الحق، بينما الآية: وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ[الصافات: 83] يعني: من أهل منهجه ودينه، إبراهيم على طريق نوح ، أمة واحدة، محمد ﷺ على طريق إبراهيم، الأنبياء طريقهم واحد، فكلهم شيعة واحدة، ولا علاقة لهذا إطلاقًا بقضية التشيع، سبحان الله! اليهود قالوا: إن إبراهيم يهودي، والنصارى قالوا: إبراهيم نصراني، والله رد عليهم: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا[آل عمران: 67]، يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ [آل عمران: 65] كيف تدعون أن إبراهيم يهودي أو نصراني، وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ[آل عمران: 65]، اليهودية كتابتها التوراة، والتوراة بعد إبراهيم، والنصرانية الإنجيل، والإنجيل ما نزل إلا بعد إبراهيم، كيف يكون إبراهيم نصرانيًا؟
وإذا جئنا إلى الطوائف كل يدعي أن إبراهيم منهم، حتى المعتزلة قالوا: وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ[مريم: 48]، إبراهيم معتزلي، وأبو المعتزلة، فسبحان الله! إبراهيم محبوب لكنه مظلوم من كثير من هؤلاء الأديان والطوائف.
ولما دخلنا في موضوع التفقه في الدين، وقلنا: أن كثير من الشباب والفتيات والكبار والصغار يريدون فهم الدين، والتفقه في الدين، إذا جئنا إلى قضية الحلال والحرام سنجد أن للأحكام هذه ضوابط في الشرع، يعني: قضية التحليل والتحريم ليست قضية عشوائية، لها ضوابط مثلًا: الأصل في الأشياء الإباحة، وهذه قاعدة عليها أدلة كثيرة، وتستثني اللحوم، والأبضاع، الأصل فيها التحريم، هناك تفصيلات في الموضوع، فالحلال والحرام يعرف بالدليل.
كيف تفهم الأدلة؟ كيف نعرف أن هذا الدليل يؤخذ منه الإباحة؟ وهذا الدليل يؤخذ منه التحريم؟ وهذا الدليل يؤخذ منه الكراهة؟ وهذا الدليل يؤخذ منه الاستحباب؟ ذكرنا أن عامة الناس لا يمكن أن يسعهم إلا تقليد العالم الثقة الذي يخشى الله، العامي يضع بينه وبين الله عالماً يثق بدينه وعلمه ويخاف الله.
وقلنا: إنه حتى قضية معرفة من هو العالم هذه مسألة أيضاً من مسائل الدين، ولذلك العالم يزكيه العلماء، وطلاب العلم يعرفون العامة بالعالم، ومن طرق معرفته اشتهار علمه، اشتهار فضله، وثباته، وفقهه، وتصديه للنوازل، والإتيان بالجواب فيها، أي: مسألة من مسائل للعالم له فيها نظر واجتهاد.
وتحدثنا في الدرس في آخر الدرس في الدورة الماضية عن مسألة أنه هل يجوز لطالب العلم أن يتبع مذهبًا من المذاهب؟ أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، أصحاب مذاهب مشهورة، الله كتب لهم قبولاً، وهيأ لهم طلابًا، وقدر أن يوجد من هؤلاء علماء للمذاهب، يصنفون الكتب في هذه المذاهب.
ما هو موقفنا من هذه المذاهب؟ قلنا سابقًا: إن أصحاب المذاهب علماء، وإننا أمرنا باتباع العلماء، فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ[النحل:43].
فلو واحد سأل أبا حنيفة، أو سأل مالكًا، أو سأل الشافعي، أو سأل أحمد، تبرأ ذمته، كما تبرأ الذمة لو سأل سعيد بن المسيب، وإبراهيم النخعي، وسفيان الثوري، والليث بن سعد، وفلان وفلان من علماء الأمة.
ضوابط التمذهب
ذكرنا أن هناك ضوابط لهذا الموضوع، وهي أن طالب العلم يحرص على معرفة دليل العالم حتى يكون متبعًا، وليس مجرد مقلدًا تقليدًا أعمى، ما هو دليل العالم؟ وكيف استنبط العالم الحكم من هذا الدليل، أن البحث في هذا القضية مثري جداً للعقلية الفقهية، ويربي الملكة الفقهية عند المتفقه، وهذا ما نريد من الشباب اليوم، ومن سالكي سبل التعلم كبارًا وصغارًا البحث عن معرفة كلام العالم، ما هو؟ وضبطه؛ لأنه كثيرًا ما ينسب إلى العلماء ويتبين كلامه بخلاف ذلك، يقول: حرام، ويتبين كلامه أنه مقيد، أو يقول: حرام في حالات معينة وحالات أخرى يختلف الحكم، وهكذا ضبط كلام العالم، ومعرفة دليل العالم، وكيف استدل العالم بالدليل على الحكم هذا؟ وكيف وصل إليه؟ وهذه طبعًا تحتاج إلى نضج معين، لكنها مثرية جداً.
وقلنا: إن هناك لا مانع أن يتخذ طالب العلم مذهبًا معينًا يسير عليه؛ لأمور:
منها: أن يضبط وأن يكون عنده تدرج لأن في كتب المذاهب فيها تدرج في التعلم، وهناك ثروة كبيرة فيها، ولا يصح الاستهانة بها إطلاقًا، لكن في أصول لا بدّ من التذكير بها.
منها: أن الحجة في دين الله ليس قول فلان وفلان، وإنما القرآن والسنة، يعني: ما هو الشيء الصحيح الذي لا يتطرق إليه الخطأ؟ العالم بشر ممكن يتطرق إليه الخطأ، لأننا نحتاج إلى أصول نستمسك بها، نحتاج إلى أشياء معصومة، ما هي؟ الكتاب والسنة، الدليل نفسه معصوم الله عصم كتابه، وعصم سنة نبيه ﷺ من الخطأ، من التحريف، والكتاب والسنة وما أخذ منهما، وما بني عليهما، فمثلا الإجماع مأخوذ من الكتاب والسنة، القياس بني على أدلة من الكتاب والسنة.
من الأصول إنه ما من أحد واجب الاتباع إلا محمد ﷺ، يعني: لا يجب اتباع أبا حنيفة، وإذا ما اتبعته أنت تأثم، لا يجب اتباع أحمد وإذا ما اتبعته أنت تأثم، لكن يجب أن تتبع عالماً من العلماء، فإذا ما اتبعت ولا عالم أنت تأثم، إلا إذا كنت عالماً أنت نفسك.
وقلنا: إن استنباط الأحكام يحتاج إلى أدوات، فلا يمكن لأحد أن يستنبط أحكاماً من الكتاب والسنة وهو لا يعرف اللغة العربية، ولا يعرف أصول الفقه، ولا يعرف مصطلح الحديث، ولا يعرف أصول التفسير، هذه الأدوات تتوفر عند العلماء المجتهدين، لا يستطيع العامي أن يقرأ مثلاً: ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ[البقرة: 228]، ويعرف معنى القرء، لا بدّ أن يعود إلى العالم، وإذا حصل اختلاف هل هو الطهر أو هو الحيض فما هو الراجح؟ هذا الفهم والترجيح عند أهل العلم، لكن طالب العلم لا بدّ أن يبدأ ليس بإفتاء الناس ولا بإفتاء نفسه، يبدأ بالفهم، أنت تستفتي العالم لنفسك أو لغيرك، لكن أنت لا تفتي نفسك، ولا تفتي غيرك.
وشرحنا حديث: استفتي قلبك [أحمد: 18035، وصححه الألباني صحيح الترغيب:1734] ومتى يكون، وأنه إذا عجز الإنسان عن الوصول إلي عالم، أو ظن أن العالم لم يفهم سؤاله، وأنه سيسأل مرة أخرى، أو يسأل غيره، وما حكم التنقل بين العلماء؟ وذكرنا مسألة تتبع الرخص.
النبي ﷺ علم الصحابة، والصحابة علموا التابعين، والتابعون علموا تابعي التابعين، وكان من تابعي التابعين كانوا من بعدهم، ومن بعدهم كان منهم الفقهاء الأربعة، وغيرهم. ومن هنا جمع أقوال أبي حنيفة، جمع أقوال مالك جمع، أقوال الشافعي، جمع أقوال أحمد.
والراجح جواز اتباع مذهب إلا إذا تبين لك في مسألة معينة أن الحق بخلافه، فلا مانع أبدًا أن تتبع مذهبًا من المذاهب وتتفقه عليه، تأخذ بأحكامه تطبقها، تعمل بها، بشرط أنه إذا جاءت مسألة معينة تأكدت أن الحق ليس في المذهب في هذه المسألة فلا يجوز لك أن تأخذ بالمذهب فيها.
وقلنا: إن هناك ضوابط عامة للتمذهب:
أولاً: أن نتذكر أولاً أن المتابعة لله والرسول -وليس تقليدًا للعالم- لأنه معصوم، المعصوم الدليل والعالم وظيفته يدلنا على الحكم الشرعي، والعامي اليوم الذي يسأل مثلا فتوى ابن باز، ابن عثيمين، محمد الأمين الشنقيطي، أحمد شاكر، أي عالم من العلماء المعاصرين، هذا بالنسبة للعامي مثل صاحب المذهب بالنسبة لطالب العلم، يدله على الحكم الشرعي، حلال، حرام، واجب، مستحب، مكروه، مباح.
ثانيًا: ألا يصر المقلد على تقليد من تبين له خطؤه.
ثالثًا: أنه لا يجب التقيد بمذهب معين، العامي يسأل العالم الثقة الذي يخشى الله، وطالب العلم يأخذ بمذهب إذا أراد حتى تنضبط معه الأمور.
رابعًا: أنه يجوز الانتقال من مذهب إلى مذهب لطالب العلم، يعني: لو أن طالب علم تفقه على مذهب مالك، ثم أراد الانتقال إلى مذهب الشافعي، ما يقال: حرام عليك، لو تركت المذهب تدخل النار، هذا طريق يدله على الأحكام، وهذا طريق يدله على الأحكام، هو بدأ بهذا ثم أراد الانتقال، يذهب إلى الآخر لا يحرم عليه ذلك، ولا يمنع منه، ولا يؤثم.
وذكرنا صورًا من صور المغالاة:
أن بعض الناس يقول: يحرم عليك أن لا تأخذ بالمذهب.
وبعضهم يقول: يحرم عليك أن تنتقل من مذهب إلى مذهب، هذا كلام باطل، لكن الذي يحرم التنقل اتباعًا للرخص، مثلاً في الحج يقول: أنا في مزدلفة اليوم مالكي، وعند الجمرات حنفي، وعند التمتع على مذهب من قال: يكفي فيه سعي واحد، هذا تلاعب في الدين، لأنه هو لا يتبع الدليل، ولا يتبع الحق، ولا يتحرى الأرجح، أنما يتحرى الأسهل، يمشي عليه.
من ضمن الانحرافات في هذا الموضوع جعل اللامذهبية قنطرة للإلحاد، كما قال بعض المتعصبة: اللامذهبية قنطرة اللادينية، اللامذهبية أخطر بدعة تهدد الشريعة الإسلامية، فيؤثمون كل من ليس عنده مذهب، عامة المسلمين كيف يستطيعوا أن يتمذهبوا، كتب المذاهب ليست سهلة على العامة حتى يعرفوا اصطلاحات كل مذهب، يسأل عالماً يثق بدينه، فيدله على الحكم الله الذي يعرفه.
في المقابل هناك من جحدوا كتب المذاهب، وعاملوها كأنها مثل كتب السحر والشعوذة، وبعضهم يقول: كتب المذاهب مثل التوراة والإنجيل المحرفة، هذا غلو في الناحية الأخرى، كتب المذاهب فيها علم هؤلاء العلماء، فيها أبحاث، فيها اجتهادات، وفيها فروع، وفيها أصول، وفيها تخريجات، وفيها أشياء عظيمة.
ما هي فوائد التفقه على المذاهب المعتبرة؟ ما دمنا أنه يسوغ لطالب العلم التمذهب بمذهب معين شرط أنه لا يتعصب.
فوائد التمذهب
فوائده:
أنه حقيقية يضبط أشياء كثيرة، ينظم أمورًا كثيرة، يضبط لك الفقه على أصوله، يربط لك بين الأصول والفروع، لأن المذاهب الفقهية بنيت أحكامها على أصول فقهية معينة، وقواعد.
مثلاً: مذهب الإمام أحمد النهي يقتضي الفساد، يعني: إذا نهت الشريعة عن شيء معناه أن هذا الشيء فاسد، مثلاً: الشريعة نهت عن البيع بعد النداء الثاني من يوم الجمعة، فتجد المذهب يقول: النهي يقتضي الفساد، فلو اشترى بعد النداء الثاني يعتبر بيعه باطل، فلو اشتريت سواك أمام المسجد بعد النداء الثاني يوم الجمعة لا السواك انتقلت ملكيتك ولا الثمن انتقل إلى البائع، ولا يجوز للبائع أن يتصرف الثمن، ولا يجوز لك أن تتصرف بالسواك لأن البيع باطل، ولازم تعيد له السواك ويعيد لك الثمن؛ لأنه بيع باطل حرام، تجد مذهبًا آخر يقول: إنه ليس شرطاً أن النهي يقتضي الفساد، لكن يقتضي الإثم، ويصح البيع، وانتقلت السلعة إليك، وانتقل الثمن إلى البائع، ومن حقك التصرف في السلعة، ومن حقه التصرف في الثمن، لكن أنت وإياه آثمان، هذه مسألة خلافية لماذا خلافية لأنه أصول مذهب أحمد أنها قضية فساد، ومذهب آخر النهي عندهم لا يقتضي الفساد. إذًا المذاهب فيها أصول مبنية عليها فروع، وقواعد فهمها يوصل طالب العلم إلى نتائج.
ويقول ابن بدران -رحمه الله- صاحب المدخل إلى مذهب الإمام أحمد: واعلم أنه لا يمكن للطالب أن يصير متفقهًا ما لم تكن له دراية بالأصول، وهذه كلمة مهمة، ولو قرأ الفقه سنين وأعوامًا" يعني: ما هو الفرق بين الإنسان والكمبيوتر؟ الكمبيوتر يجمع لك معلومات، هذا جوجل يستخرج لك المعلومة، لكن العقل البشري الذي فيه فهو القواعد المؤدية إلى النتائج مهما كان الذكاء الصناعي متقدمًا، لا يمكن أن البرسسور هذا يعمل عمل العقل البشري، العالم يقيس مسألة على أخرى بالقياس، فيحكم على القضية الفلانية مباحة أو محظورة بالقياس، القياس فيه اعتبار العالم، سيأتي بالأدلة بالشيء المقيس عليه، المسألة المبنية معروفة الدليل، ويأتي بالمسألة غير معروفة الدليل، وينظر هل تشبهها أو لا تشبهها، وبنسبة كم تشبهها، هذه مسألة اعتبارية،
يصعب جدا أن الكمبيوتر يقوم بها، ولذلك سيبقى تفوق البشر على الأجهزة، تفوق العقل الذي خلقه الله على العقل الذي خلقه المخلوق، فلو طلبت منك نصوص فيها أهلك بمعنى عائلتك وأسرتك، فلن تأتي بـ: وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى[النجم: 50]؛ لأنه أهلك هذه فعل قضى عليهم وقتلهم، لكن الكمبيوتر سيأتي بها، ولذلك تأمل كلام ابن بدران: "واعلم أنه لا يمكن لطالب العلم أن يصير متفقهًا ما لم تكن له دراية بالأصول، ولو قرأ الفقه سنين وأعوامًا" يعني: ما هي قضية تخزين معلومات هذه حلال، هذه حرام، هذه النتائج لكن كيف جاءت كيف جاءت هذه النتيجة، ولذلك بعض الشباب يحفظ الأحكام مثلاً: قطرة العين لا تفطر، قطرة الأذن لا تفطر، قطرة الأذن الأنف تفطر، الإبر المغذية تفطر، إبر الأنسولين لا تفطر، الربو، غسيل الكلى، هذه معلومات لكن كيف جاءت؟ وعلى ماذا بنيت؟ حفظ المسائل حلال، حرام، مستحب، مكروه، هذه معلومات، وهي مفيدة أحسن من الذي لا يعرف شيء؛ لكنها لا تصنع فقيهًا.
يقول ابن بدران: "واعلم أنه لا يمكن للطالب أن يصير متفقهًا ما لم تكن له دراية بالأصول، ولو قرأ الفقه سنين وأعوامًا، ومن ادعى غير ذلك كان كلامه إما جهلاً، وإما مكابرة" انتهى [المدخل إلى مذهب الإمام أحمد: 1/267].
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: أما الأصول فلا غنى لطالب علم عنها؛ لأن العلماء يقولون: جهلة الأصول عوام العلماء، وعدم معرفة الأصول وفهم الأصول يقود أحيانًا إلى نتائج مضحكة، ويقود إلى نتائج مخالفة لكلام العلماء، مثلاً: مسألة من المسائل شخص يبيع سلعة نقدًا بثلاثين وإلى أجل بخمسين، فيقول ادفع لي الآن ادفع ثلاثين أو بالتقسيط إلى سنة كل شهر قسطًا بخمسين، سيختار البائع والمشتري إحدى الطريقتين؛ لأنه إذا انفصلا بدون اختيار هذا بيع مجهول الثمن، البيع باطل.
ما حكم هذا البيع؟
جماهير العلماء ومنهم الأئمة الأربعة على جوازه، بل قال الأوزاعي: لا خلاف فيه، وكذلك قال الخطابي في معالم السنن، وابن قدامة في المغني، وابن تيمية -رحمه الله- سئل عن رجل محتاج إلى تاجر عنده قماش، فقال: أعطني هذه القطعة؟ فقال التاجر مشتراها بثلاثين، وما أبيعها إلا بخمسين إلى أجل، فهل يجوز ذلك أم لا؟
فأجاب شيخ الإسلام ابن تيمية: المشتري على ثلاثة أنواع:
أحدها: أن يكون مقصوده السلعة ينتفع بها للأكل، والشرب، واللبس، والركوب، وغير ذلك.
احتمال ثاني: أن يكون المقصود بها التجارة يعني يشتريها ويبيعها.
الاحتمال الأول: أن يكون قصده السلعة نفسها، آخذ القماش أفصله ثوبًا لي، أستفيد منه.
الاحتمال الثاني: أن يكون قصدي المتاجرة بالقماش، فأنا سأشتريه بثلاثين، مثلاً أبيعه بأربعين، أشتريه بخمسين أبيعه بستين.
الاحتمال الثالث: أن يكون قصده الفلوس الورق الفضة، فأنا بأشرتيه بخمسين، بالآجل، وأروح أبيعه بثلاثين نقدًا، حتى أحصل على الثلاثين، ولذلك العالم لما يحلل المسألة الإنسان يستريح، العاقل يعرف أن هذا العالم فاهم.
قال: المشتري على ثلاثة أنواع:
أحدها: أن يكون مقصوده السلعة ينتفع بها للأكل، والشرب، واللبس، والركوب، وغير ذلك.
والثاني: أن يكون مقصوده التجارة فيها، يعني: هو يشتريها، ولو اشتراها بالآجل، وبالتقسيط، قصده أنه يبيعها، ويشتري غيرها، ويبيع، ويشتري، ويبيع، التجارة بالأشياء.
الثالث: الذي هو ما له غرض في السلعة أبدًا، لا استعمالا، ًو لا تجارة.
قال: "فهذان نوعان جائزان بالكتاب والسنة والإجماع" [مجموع الفتاوى لابن تيمية:29/ 499]، أي الذي يشتري السلعة بالأقساط لاستعمالها، أو يشتري السلعة بالأقساط للمتاجرة فيها، لم يتكلم على النوع الثالث، وهو التورق، فيه خلاف أني أشتري السلعة بالتقسيط لأبيعها بأقل لأحصل على السيولة، هذه مسألة أخرى، يأتي بعض الطلاب المبتدئين في العلم فيمنع الثلاثة كلها، فيقول: هذه زيادة في المال لأجل الزيادة في الأجل هذا هو الربا، قفز إلى النتيجة على طول، لا يوجد قواعد، لو راجع كلام العلماء، أنت قصدك السلعة، وإلا قصدك التورق، إذا قصدك السلعة تجوز بالنقد، وبالأقساط، وبالآجل، وبالحاضر ما دام الثمن معلومًا، بيع كيف شئت، واشتر كيف شئت، طبعًا غير الذهب والفضة لأنها تشترط فيها التقابض، نحن نتكلم اعلى السلعة الأخرى، على أن التورق مسألة اختلف فيها أهل العلم بعضهم أجازه، وبعضهم منعه، وبعضهم أجازه للحاجة، لكن الأولى والثانية ما فيها خلاف.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة: بيع التقسيط هو بيع السلعة بثمن مؤجل يسدده على فترات متفرقة، والبيع بالتقسيط جائز، ولا يلتفت إلى القول بعدم جوازه لشذوذه، وعدم الدليل عليه، انتهى كلام علماء اللجنة [فتاوى اللجنة الدائمة: 13/144].
وسئل الشيخ عبد العزيز -رحمه الله- عن حكم الزيادة في الثمن مقابل الزيادة في الأجل؟ فقال: إن هذه المعاملة لا بأس بها، لأن بيع النقد غير التأجيل، ولم يزل المسلمون يستعملون مثل هذه المعاملة، وهو كالإجماع منهم على جوازها، وقد شذ بعضهم فمنع الزيادة لأجل الأجل، وظن ذلك من الربا، وهو قول لا وجه له، وليس من الربا في شيء" انتهى كلام الشيخ -رحمه الله- [فتاوى إسلامية لأصحاب الفضيلة العلماء: 2/733].
من فوائد التفقه على المذاهب تيسير أدلة الأحكام لأن كتب المذاهب جمعت أدلة الأحكام، واستنبطت الأحكام من الأدلة، فالمطلع عليها كفي عناء البحث عن الأدلة والاستنباط منها، فلن يبقى عنده تقريبًا إلا قضية الترجيح، لماذا هذا هو الأرجح، ومما شجع على جمع الأدلة عند العلماء السابقين لما ألفوا الكتب في المذاهب المناظرات الفقهية، فالمناظرات الفقهية من أعظم النتاج الفكري للأمة الإسلامية، ولا يجود مثلهم لا عند الأوروبيين، ولا عند الأمريكان، ولا عند الصينين ما عندهم مثل هذه مناظرات الفقهية.
من ضمن فوائد الاعتناء بكتب المذاهب تربية الملكة الفقهية، فالمبتدئ في أول التفقه لا يستغني أبدًا عن تلقي الفقه بواسطة المتون الفقهية، حتى إذا درب بالفقه، واعتاده، وبدأت تنشأ عنده الملكة الفقهية، وأدرك أنواع الدلالات، وطرق الاستنباط، حينئذ يرتقي درجات السلم شيئًا فشيئًا حتى يصل إلى الترجيح، حتى يقدر على الترجيح.
ومنها كذلك شرح أدلة الأحكام من القرآن والسنة، فإن علماء المذاهب لما أوردوا الأدلة من القرآن والسنة وذكروا وجه الدلالة على الأحكام تضمن ذلك شرحًا وتوضيحًا.
قال عبد الله بن المبارك: "ليكن الأمر الذي تعتمدون عليه هذا الأثر"، آية، حديث، نص، وخذوا من الرأي ما يفسر لكم الحديث، الأثر نص وكلام العلماء قال: "خذوا منه ما يفسر لكم النص" [حلية الأولياء: 8/165]، لكن لازم تعتمدوا على النص، لازم يكون عندكم اهتمام بالنص، لازم تعرف النص، يقول: أنا حلفت وحنثت فتأتي بالآية في كفارة اليمين: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ[المائدة:89]، لازم تعرف النص حتى تشعر وأنت تطبق الحكم أنك تتعبد الله بما أنزله، وأنك لست بمعزل عن كتابه، وسنة نبيه، والوحي الذي أنزله، مات زوج فلانة كم العدة؟يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا[البقرة: 234]، حتى المرأة تحس لما تطبق الحكم أنها مرتبطة بالله بهذا الدليل.
ومن فوائد كتب المذاهب أيضاً: معرفة آراء العلماء، ماذا قالوا؟ ما هي اتجاهاتهم في التفكير؟ فقد حفلت كتب المذاهب بذكر آراء السلف من الصحابة، ومن بعدهم، افتح المغني لابن قدامة هو حنبلي، افتح المجموع للنووي ستجد، قال ابن مسعود، وقال ابن عباس عطاء، سعيد، إبراهيم، الليث، فإذًا هذه الكتب تحوي أيضاً آراء سلف الأمة، هذه قيمة علمية مهمة.
قال النووي -رحمه الله-: واعلم أن معرفة مذاهب السلف من أدلتها من أهم ما يحتاج إليه؛ لأن اختلافهم في الفروع رحمة، وبذكر مذاهب أدلتها يعرف المتمكن المذاهب على وجهها، والراجح من المرجوح، ويتضح له ولغيره المشكلات، وتظهر الفوائد النفيسات، ويتدرب الناظر فيها بالسؤال والجواب، ويفتح ذهنه، ويتميز عند ذوي البصائر والألباب، ويعرف الأحاديث الصحيح من الضعيفة، والدلائل الراجحة من المرجوحة، ويقوم بالجمع بين الأحاديث المتعارضات، والمعمول بظاهرها من المؤولات، ولا يشكل عليها إلا أفراد من النادر، هذه مقدمة المجموع، وهي مقدمة مهمة لطالب العلم [المجموع: 1/5].
من فوائد هذه الكتب أيضاً التدرج في طلب العلم فقد كان من هدي السلف -رحمهم الله- التعلم بالتدرج،كُونُوا رَبَّانِيِّينَ[آل عمران: 79]، الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره.
قال ابن عبد البر -رحمه الله-: طلب العلم درجات، ومناقب، ورتب لا ينبغي تعديها، ومن تعداها جملة فقد تعدى سبيل السلف -رحمهم الله-، ومن تعدى سبيلهم عامدًا ضل، ومن تعداه مجتهدًا زل" انتهى [جامع بيان العلم وفضله: 3/434].
قال الماوردي -رحمه الله-: اعلم أن للعلوم أوائل تؤدي إلى أواخرها، ومداخل تفضي إلى حقائقها، فليبتدئ طالب العلم بأوائلها لينتهي إلى أواخرها، لأن البناء على غير أس لا يبنى" -هل رأيت مبنى بدون أساس- "والثمر من غير غرس لا يجنى" انتهى من أدب الدنيا والدين [1/47].
لو قال قائل: مثل ماذا؟
نقول: مثلاً المذهب الحنبلي: عمدة الفقه، ثم المقنع، ثم الكافي، ثم المغني، هذا عالم من القدامى، أسلوبه تدريسي وتدريجي، فوضع متنًا سهلاً للمبتدئين، ثم المقنع والكافي للمتوسطين، ثم المغني للمتقدمين، فأمور الفقه وشؤونه مضبوطة مرتبة، وسلم التلقي منظم، ولا يوجد شيء اسمه اختصار المسافة على طول المغنى.
الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- كان عنده حلقة للمبتدئين، وحلقة للمتوسطين، وحلقة للمتقدمين، لو جاء واحد من المبتدئين يجلس في حلقة المتقدمين طرده طردًا، لأنه يغتر، وتستغلق عليه أشياء، وتتضارب الأمور، فإذًا هذه من الفوائد التدرج، وأيضا إبعاد الذهن عن الشتات؛ لأنه إذا ركز في هذه الكتب المتدرجة يكون انتقاله مريحًا، والتأصيل عنده متدرجًا قويًا في تعاهد، وكذلك يحصل عنده جودة ترتيب مسائل الفقه، وتصورها في ذهن المتلقي، كتب الفقه تبدأ أول شيء عادة بالعبادات، ترتيب مقصود ليس اعتباطي، أول شيء تنظم علاقة العبد بربه، من جهة الأحكام بالحلال والحرام تبدأ بالعبادات، ثم المعاملات، وحتى ترتيب المعاملات وترتيب العبادات داخلها يوجد ترتيب، مثلاً: العبادات تبدأ بالطهارة، لا تبدأ بالزكاة، ثم كتاب الصلاة إلى آخره، حتى الطهارة كتاب الطهارة نفسه مرتب، فمثلاً: تجد باب المياه، قضاء الحاجة، والمعاملات تجدها مرتبة،
سبحان الله! يقولون: بعد العبادات الجهاد النكاح البيوع، فهو إذا جاهد غنم، فإذا غنم نكح، فإذا نكح احتاج للبيع والشراء، وفي الأخير تجد الحدود، والتعزيرات، والقصاص، فإذا باع بطر، فإذا بطر اعتدى، فإذا اعتدى عزر، وأقيم عليه الحد، حتى ترتيب هذه الأبواب على وفق أسس معينة،
وكذلك يحصل الإلمام الشمولي بالمسائل الفقهية والأصولية، وقد أثبتت التجارب والوقائع أن طلب الفقه على طريقة أهل الفقه يحمي طالب العلم من كثير من التخبطات، بينما لو قال: أنا فقط آخذ الأدلة، يعني: أنت تستنبط منها، فيقع في شتات، يقع في أخطاء كبيرة، وحتى الذين ألفوا كتب الأحكام على الأدلة راعوا ذلك، فمثلاً: منتقى الأخبار في الأحكام للإمام مجد الدين أبي البركات عبد السلام بن عبدا لله بن أبي القاسم الحراني، المعروف بابن تيمية، جد شيخ الإسلام، شرح كتابه هذا الشوكاني في نيل الأوطار، وكتاب الإلمام بأحاديث الأحكام للإمام ابن دقيق العيد ذكره الذهبي، وقال وعلى رأس السبعمائة شيخنا أبو الفتح بن دقيق العيد كان مجتهدًا [سير أعلام النبلاء:14/203]، وجمع بين مذهبين -ابن دقيق العيد تخصص في مذهبين- مالكي وشافعي- وكان يفتي فيهما، وبلوغ المرام من أدلة الأحكام لابن حجر، إمام شافعي.
أنا أقصد أن أقول إن كتب الأحكام الحديثية ما ألفها أحد -غير ابن حزم- هؤلاء الذين ألفوا كتب الفقه الحديثية هم من الفقهاء، يعني: من مدرسة الفقه.
وأيضاً فإن كتب المذاهب الفقهية تخرج أو تؤدي إلى الوصول إلى فقه النوازل، والتعامل معها تعاملاً صحيحًا، لأن هذا التراث الفقهي في الكتب يزود المتفقه بمنهجية مطردة في التعامل مع النص الشرعي، ومع المسألة الفقهية النازلة، لأن عندك متماثلات، ما يصلح تفرق بينها في الحكم، وعندك مختلفات ما يصلح تجمع بينها في حكم، وتجد أن المقتحمين للعلم بدون سلم ممكن يقرر يعني حكمًا في كتاب الطهارة بناء على قاعدة، ثم يخالفه في كتاب المعاملات على نفس القاعدة، تناقض.
سلبيات التمذهب
موضوع الأخذ بكتب المذاهب والرجوع إلى كتب المذاهب هل له أيضاً سلبيات في الجانب المقابل؟ حتى تنضبط المسألة، ما نقع في انحرافات في الجهة المقابلة، نحن تكلمنا عن موضوع التعصب أشرنا إليه.
كذلك بعض كتب الفروع يكون فيها شذوذات، ليس لمن قال بها سلف، وهذا من أخطر الأشياء، يطلع عندك قول ليس له سلف، يعني: ما قال به أحد من الأئمة قبل، هذه تعبر من الشذوذات، مثلاً: تحريم الذهب المحلق، هذه من الشذوذات الفقهية، لأنه من الذي سبق إلى هذا القول، طهارة بول الحمار، قال به بعض المتأخرين، لكن ليس له سلف فيه، تبديع من زاد في صلاة التراويح على إحدى عشرة ركعة، أن هذا مبتدع آثم، إذا صليت ثلاثة عشر، أو خمسة عشر، أو واحد وعشرين، أو ثلاثة وعشرين أنت آثم، هذا التأثيم ما له سلف.
وكذلك من الأمور التي ينبغي الانتباه إليها قضية التلفيق بين المذاهب، وتتبع الرخص، وسقطات العلماء، فيأخذ القاعدة عند الأحناف، ويأخذ بقاعدة أخرى تضادها عند الشافعية، وبثالثة عند الحنابلة تختلف، وهذا قد يكون أحيانا من اللخطبة، وإما أن يكون من نتيجة اتباع الهوى، وقضية اتباع الرخص كما قلنا حذر منها أهل العلم تحذيرًا بالغًا.
قال سليمان التيمي: "لو أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله" [تهذيب الكمال:12/11]، لأن كثير منها سقطات.
قال الذهبي: "من تتبع رخص المذاهب وزلات المجتهدين فقد رق دينه" [تذكرة الحفاظ وذيوله:1/114].
وأيضاً لننتبه من مسألة الفرار من تقليد الأعلم لتقليد من هو أقل علمًا، بعضهم يقول لك: لا نريد التمذهب ولا المذهبية لا نريد الشافعي وأحمد، الشافعي وأحمد أعلم من الشوكاني والصنعاني، وإذا القضية أنك في النهاية ستلقد الشوكاني والصنعاني، فالشافعي وأحمد بأولى، فالمشكلة أن بعضهم يهرب من شيء فيقع فيما هو أسوأ منه، أو على الأقل ليس بأولى منه.
وأيضاً بعضهم ربما يعتبر أن السلفية منهج السلف، هو مثلاً: يقتضي تحريك الأصبع في التشهد، أو تطويل الشعر، من الذي قال بذلك؟ فالمشكلة أحيانًا تجعل علامات على أن هذا يتبع منهج السلف، وهذا لا يتبع منهج السلف أو جلسة الاستراحة، بعض العلماء يرى أن جلسة الاستراحة خاصة بكبار السن، وأن الصحابي الذي نقلها جاء متأخرًا عن النبي ﷺ، وكان قد حطمه الناس، فكان يحتاج أن يجلس -ما يقوم مباشرة- يجلس ثم يقوم، هل هذا هذا الشخص غير سلفي ما هو متبع منهج السلف لأنه لا يجلس للاستراحة؟
لكن شخص يقول: الإيمان لا يزيد ولا ينقص، أو يرى بالتكفير باللازم، أو يرى بالتكفير بالكبيرة هذا ليس على نهج السلف، أو واحد متعصب تأتي له بالدليل المخالف للقول الذي هو عليه، يقول: لا أخذ بالدليل أنا على المذهب هذا ليس على منهج السلف.
فإذًا منهج السلف له أصول، وضوابط وقواعد، وتبقى مساحات للخلاف الفقهي خاص، ولا يمكن حسمها الآن أنت تريد تحسم مسألة قراءة الفاتحة خلف الإمام، إذا ما حسمت من أيام الصحابة والتابعين والمذاهب الأربعة، هذه مسائل الخلاف المعتبر، يعني: كل قول محترم معتبر بدليله.
لا بدّ أن نحذر حذرًا بالغًا من الشذوذات الفقهية، يعني: ببعض وسائل تتعمد نقل الشذوذات الفقهية، تشويشًا على المسلمين، مثلاً: فتوى يباح للصائم تدخين سجارتين في نهار رمضان، الحجاب ليس فريضة إسلامية، بل هو تقليد قديم قبل ظهور الأديان السماوية، لا يقع الطلاق إلا إذا وافقت الزوجة، الذي قال الطلاق بالعامية طالء، وطالد، وطالج لا يقع، أهل اليمن فقط يقع طلاقهم.
سئل أحدهم لو صحح البخاري حديثًا وتوصلت أنت إلى تضعيفه فبأي قول تأخذ؟
قال: بقولي. غرور.
مسألة التعصب مسألة خطيرة جداً لأنها ستؤدي إلى عدم طاعة الله ورسوله، وطاعة فلان، وكذلك ستؤدي إلى تفريق المسلمين، هذا لا يصلي وراء هذا، بل وصل الأمر لا يزوجونه، حتى قال بعضهم: "لو كان الأمر بيدي لضربت الجزية على الشافعية" هذا التعصب الذي يفرق المسلمين، هذا التعصب الذي يؤدي إلى العداوة والبغضاء، هذا ليس من الدين كان العلماء الشافعي ومالك وأحمد إذا التقوا كيف علاقتهم ببعض؟ كيف أخلاقهم مع بعض؟ كيف تعاملهم مع بعض؟
هذه والله من المصائب العظيمة بل وصلت العداوة إلى أن قال بعضهم:
فلعنة ربنا أعداد رمل | على من رد قول أبي حنيفة |
ولذلك فإن الفقه إذا لم توجد أخلاق ولا آداب سيقود إلى ماذا؟ ولذلك كانوا يتعلمون الأخلاق والأدب قبل أن يتعلموا الفقه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.