الخميس 17 شوّال 1445 هـ :: 25 أبريل 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

18- الخاتمة وعلامات حسن الخاتمة


عناصر المادة
الأعمال بالخواتيم
حكم شرعية في عدم معرفة العبد لخاتمته
خوف السلف من سوء الخاتمة
إكثار النبي عليه الصلاة والسلام من الدعاء بالثبات
التخويف من سوء الخاتمة لا يعني التثبيط عن الأعمال الصالحة
العبد بين الخوف والرجاء
معنى قول النبي ﷺ: حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع
أسباب حسن الخاتمة
علامات حسن الخاتمة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

فمع هذه الحلقة في عالم البرزخ، وهي عن الخاتمة وعلامات حسن الخاتمة، وأمثلة على ذلك.

الأعمال بالخواتيم

00:00:29

الأعمال بالخواتيم، روى البخاري ومسلم عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله ﷺ التقى هو والمشركون، فاقتتلوا، فلما مال رسول الله ﷺ إلى عسكره، ومال الآخرون إلى عسكرهم، وفي أصحاب رسول الله ﷺ رجل لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه، فقال -يعني رجل من المسلمين عن هذا المقاتل الذي في جيش المسلمين-: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان؟ فقال رسول الله ﷺ:  أما إنه من أهل النار فقال رجل من القوم: أنا صاحبه أنا سوف ألازمه حتى آتي بالخبر ما هذا فخرج معه كل ما وقف وقف معه، وإذا أسرع أسرع معه، فجرح الرجل جرحًا شديدًا، فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى رسول الله ﷺ فقال: أشهد أنك رسول الله، قال: وما ذاك؟ قال: الرجل الذي ذكرت آنفًا أنه من أهل النار فأعظم الناس ذلك فقلت أنا لكم به، فخرجت في طلبه ثم جرح جرحًا شديدًا فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه في الأرض وذبابه يبن ثدييه، ثم تحامل عليه فقتل نفسه، فقال رسول الله ﷺ عند ذلك: إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة [رواه البخاري: 2898، ومسلم: 320].

الحديث فيه: أن النبي ﷺ لما مال إلى عسكره، ورجع بعد الفراغ من القتال في ذلك اليوم، ورجل من المسلمين مع المسلمين، لا يدع للكفار شاذة خارجة، ولا فاذة، لا يدع شيئًا إلا ويضربه، شجاع لا يلقى أحدًا إلا قتله، حتى أعجب به الصحابة، وقالوا: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان، وما أغنى أحد، وما كفانا أحد، وما علم مثل ما عمله أحد، والنبي ﷺ قال: إنه من أهل النار [رواه البخاري: 4202، ومسلم: 320].
وفي رواية للبخاري: "فقالوا: أينا من أهل الجنة إن كان هذا من أهل النار؟" [رواه البخاري: 4207].
واحد من الصحابة قالوا: أنه صاحبه سألازمه وأنظر السبب، حتى أن هذا الرجل لما جرح وجزع وضع ذباب سيفه وهو طرفه الأسفل؛ لأن الطرف الأعلى هو المقبض، فاتكأ عليه حتى خرج من ظهره، وقال ﷺ: إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة الحديث.
وفي رواية للبخاري: وإنما الأعمال بالخواتيم [رواه البخاري:6607].
وفي رواية لأحمد عن أنس: أن رسول الله ﷺ قال: لا عليكم ألا تعجبوا بأحد حتى تنظروا بما يختم له، فإن العامل يعمل زمانًا من عمره أو برهة من دهره بعمل صالح لو مات عليه دخل الجنة، ثم يتحول، وإن العبد ليعمل البرهة من دهره بعمل سيء لو مات عليه دخل النار، ثم يتحول، فيعمل عملاً صالحًا، وإذا أراد الله بعبد خيرًا استعمله قبل موته قالوا: يا رسول الله وكيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه [رواه أحمد: 12235، وصححه الألباني السلسلة الصحيحة: 1334].
قوله في الحديث: فيما يبدو للناس يعني باطن الأمر بخلاف ذلك، وخاتمة السوء قد تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس، أو بسبب وجود نفاق ينجم ويظهر قبل موت العبد، لكن أصله في نفسه موجود في نفسه، فتلك الخصلة الخفية توجب سوء الخاتمة، قال عبد العزيز بن أبي رواد رحمه الله: حضرت رجلاً عند الموت يلقن: "لا إله إلا الله" فقال في آخر ما قال: هو كافر بما تقول، كلما قيل له قل: "لا إله إلا الله" يقول: أنا كافر بما تقول ويرفض، ومات على ذلك، فسألت عنه فإذا هو مدمن خمر، قال عبد العزيز: اتقوا الذنوب فإنها هي التي أوقعته". [العمدة من الفوائد والآثار الصحاح والغرائب، ص: 30].

وقد يعمل الرجل عمل أهل النار وفي باطنه خصلة طيبة خفية من خصال الخير، فتغلب عليه في آخر عمره فيتحول فتوجب له حسن الخاتمة.
وفي رواية: تدركه الشقاوة والسعادة عند خروج نفسه فيختم له بها [رواه الطبراني في الكبير: 869، وإسناده حسن].
وهذا فيه: التحذير من الاغترار بالأعمال، وأنه ينبغي للعبد ألا يتكل عليها، ولا يركن إليها مخافة من انقلاب الحال.
وكذلك ينبغي للعاصي في الجانب المقابل ألا يقنط، ولا لغيره أن يقطنه من رحمه الله؛ لأنه قد يموت على غير ما هو عليه من السيئات، البخاري رحمه الله عنون: "باب لا يقول فلان شهيد" [صحيح البخاري: 4/44] لماذا؟ لأنه قد يكون الأمر الباطن أنه لم يقاتل لله، قاتل للمغنم، قاتل عصبية، عن قومه، قاتل ليقال فلان جرئ شجاع.

حكم شرعية في عدم معرفة العبد لخاتمته

00:06:36

وتغييب خاتمة العمل عن العبد حكمة بالغة، يعني لو قال واحد: لماذا غيب الله خواتمنا عنا؟ ولماذا لم يُخبر كل واحد بما يختم له؟
فنقول: هذا تدبير لطيف من رب العالمين؛ لأنه لو كان ناجيًا سيكسل ويصاب بالعجب، وإن كان هالكًا ازداد عتوًا ونفورًا، ولذلك كان من رحمة الله إخفاء الخواتيم، ولأن الإنسان لا يصلح حاله إلا إذا صار بين الخوف والرجاء، فإذا صار في الخوف فقط أيس من رحمة الله لا يصلح حاله، وإذا كان في الرجاء فقط يعتمد على رحمة الله لا يصلح حاله، حتى يكون بين الخوف والرجاء، قلت لابن المبارك يقول حفص بن حميد: "رأيت رجلاً قتل رجلاً ظلمًا، فقلت في نفسي: أنا أفضل من هذا" -يعني أنا أفضل من هذا القاتل-، فقال: "أمنك على نفسك أشد من ذنبه". [فتح الباري، لابن حجر: 11/ 330]؛ لأنه لا يدرى فقد ينقلب هذا ويتحول ويعمل شيئًا أسوأ من القتل، وإذا كان يجزم لنفسه أنه أحسن من هذا، والله قد يغفر لهذا حتى القتل، وهذا يؤاخذه على عجبه بنفسه.

خوف السلف من سوء الخاتمة

00:08:10

وقلوب السلف كانت تخاف من سوء الخواتيم، وكثير منهم كان يقلق من السوابق، يعني ما سبقت كتابته في اللوح المحفوظ، في الكتاب السابق الذي كتبه الله عنده، وفي الكتاب النبي ﷺ مرة فاجئ أصحابه خرج على أصحابه بكتاب في يده اليمنى وكتاب بيده اليسرى، قال: هذا كتاب فيه أسماء أهل الجنة، وهذا كتاب فيه أسماء أهل النار [الترمذي: 2141، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح: 96]، اختفت الكتب، هذا كتاب من الله فيه أسماء أهل الجنة، وهذا فيه أسماء أهل النار، ماذا كتب؟ بماذا سبق الكتاب؟
وقيل: إن قلوب الأبرار معلقة بالخواتيم، فهو يفكر على أي شيء سيختم له، على صلاة، وإلا على خمر، وإلا على حج، وإلا على عقوق، وإلا على صيام، وإلا على اختلاس وسرقة، على أي شيء، هو يفكر في العمل الذي سيختم له به، هو على خشية وإلا على نفاق، هذه أعمال قلبية أيضاً.

وقلوب المقربين معلقة بالسوابق، يعني يفكر أبعد من قضية على أي عمل سيختم له، بأي عمل سيختم له، فهو يفكر، متعلق بالقدر، بقدر الله، ما مكتوب في الأشقياء أو في السعداء، يخشى أن يسبق عليه شيء  كتبه الله عنده من قبل فيتغير ويتحول، فقلبه متعلق بالقدر السابق، يخشى من السوابق أن يسبق عليه شيء فيختم له به.
وعن أبي نضرة قال: مرض رجل من أصحاب رسول الله ﷺ فدخل عليه أصحابه يعودونه فبكى، فقيل له: ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ ألم يقل لك رسول الله ﷺ: خذ من شاربك ثم أقره حتى تلقاني قال: بلى، ولكني سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن الله قبض قبضة بيمينه وقال هذه لهذه ولا أبالي وقبض قبضة أخرى بيده الأخرى وقال هذه لهذه ولا أبالي فلا أدري في أي القبضتين أنا. [رواه أحمد:17630، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح:120].
إذًا، الخشية التي يخشاها هو عند الموت أنه لا يدري في أي القبضتين، قال بعض السلف: ما أبكى العيون مثلما أبكاها الكتاب السابق، يعني خشية أن يكون الواحد مسبوق عليه أنه من أهل النار، مكتوب في ديوان الأشقاء، يخشى من الكتاب السابق فهو يبكي لهذا، فمن الناس مثلاً من يبكي لأجل تذكر النار، ومنهم من يبكي من عظمة الله، منهم من يبكي لتذكره مصائر الأقوام السابقة، مثل قوم نوح وفرعون، ويخشى من هذه المصائر، ومنهم من يبكي لأجل الخشية مما يوجد في الكتاب السابق، قال سفيان لبعض الصالحين: "هل أبكاك قط علم الله فيك؟". [العمدة من الفوائد والآثار الصحاح والغرائب، ص: 30] هل أنت بكيت لما تذكرت أن الآن الله يعلم أنت فين في الأشقياء في السعداء؟ في الجنة في النار، مكتوب في اللوح المحفوظ، اللوح المحفوظ أباك؟ الكتاب الذي فيه أسماء أهل الجنة وأسماء أهل النار هذا أبكاك؟ علم الله السابق أبكاك؟ قال: "تركني لا أفرح أبدًا، وكان سفيان رحمه الله يشتد قلقه من السوابق والخواتيم، فكان يبكي ويقول: أخاف أن أكون في أم الكتاب شقيًا، ويبكي. ويقول: أخاف أن أسلب الإيمان عند الموت. [العمدة من الفوائد والآثار الصحاح والغرائب، ص: 30].

هذا سفيان الذي سجد سجدة، والناس يطوفون حول الكعبة مرارًا، ثم رفع رأسه، رآه رجل قد طاف مرارًا وسفيان لا زال ساجدًا، وهو الذي إذا كان صلى بالليل اضطجع على ظهره وأسند رجليه على الجدار، حتى يرجع الدم من طول قيامه: أخاف أن أسلب الإيمان عند الموت.
وكان مالك بن دينار يقوم طول ليله قابضًا على لحيته قائمًا لله: يا رب قد علمت ساكن الجنة من ساكن النار، ففي أي الدارين منزل مالك؟" [العمدة من الفوائد والآثار الصحاح والغرائب، ص: 30].
وقال حاتم الأصم: من خلا قلبه من ذكر أربعة أخطار فهو مغتر فلا يأمن الشقاء:
الأول: خطر يوم الميثاق حين قال هؤلاء في الجنة ولا أبالي وهؤلاء في النار ولا أبالي، فلا يعلم في أي الفريقين كان.

والثاني: حين خلق في ظلمات ثلاث فنادى الملك بالشقاوة والسعادة ولا يدرى أمن الأشقيا يعني كتبه الملك، كتبه في الأشقيا وإلا في السعداء.
والثالث: ذكر هول المطلع، فلا يدري يعني عند الموت يبشر برضا الله أم بسخطه. والرابع: يوم يصدر الناس أشتاتًا، فلا يدري أي الطريقين يسلك به. [العمدة من الفوائد والآثار الصحاح والغرائب، ص: 30].
وكان بعض السلف يخشون على أنفسهم النفاق الأكبر، وليس فقط النفاق الأصغر؛ لأن دسائس السوء الخفية، توجب سوء الخاتمة.

إكثار النبي عليه الصلاة والسلام من الدعاء بالثبات

00:13:51

ولذلك كان النبي ﷺ يكثر من الدعاء بالتثبيت، وكان يكثر أن يقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك فجاء فقال أحد الصحابة: يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال: نعم إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء [رواه الترمذي: 2140، وابن ماجه: 3834، وأحمد: 12128، وهو حديث صحيح، صححه الألباني في مشكاة المصابيح: 102].
وكان ﷺ يقول في دعائه: يا ولي الإسلام وهو الله ، يا ولي الإسلام وأهله، مسكني بالإسلام حتى ألقاك عليه [رواه الطبراني في كتاب الدعوات: 223، وهو حديث صحيح، صححه الألباني في تخريج أحاديث شرح العقيدة الطحاوية، الألباني، ص: 420].
وكان أكثر ما كان النبي ﷺ يحلف: لا ومقلب القلوب [رواه البخاري: 7391].
فإذًا هو يخشى من تقلب القلب، يخشى من سوء المصير، يخشى من تغير الحال قبل الموت.

التخويف من سوء الخاتمة لا يعني التثبيط عن الأعمال الصالحة

00:14:44

إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة وإنه من أهل النار [رواه البخاري: 6607] يعني فيما يظهر للناس هو من أهل الجنة، لكن في الحقيقة هو من أهل النار، قد يكون منافقًا، وقد يكون في قلبه دسيسة، قبل الموت يتحول وتظهر الدسيسة وتسيطر ويتغير ويسوء ويموت على السوء.
االآن هذا الكلام حق، ممكن واحد يعمل عمل أهل الجنة قبل ما يموت يتغير ويموت على عمل أهل النار، ويدخل النار، هل معنى ذلك أن الإنسان يتثبط عن الأعمال الصالحة، ويقول: لا أعلم، يمكن أعمل وأتعب وأنصب، وفي النهاية يختم لي بسوء؟

فالجواب: أن النبي ﷺ ما أخبرنا بهذه الأشياء حتى نصاب بالإحباط، وحتى نقعد بالعمل الصالح، وحتى نقعد عن العمل الصالح، وحتى لا نجتهد، وحتى لا نقول يمكن نتعب أنفسنا ثم في الأخير ما نطلع بشيء، وإنما قال ذلك لنا كي لا نطمئن إلى ما علمنا، ولا نخلد إليه، ولا نعجب بالعمل، ونبقى مرتبطين بالله، ونبقى خائفين من سوء المصير، ولا نأمن مكر الله، ونزداد من الأعمال الصالحة، ونتقي السيئات؛ لأنه يمكن هذه السيئات إذا ازدادت هي التي تحولنا هكذا.
ومما يزيد الأمر طمأنينة: أن معنى الحديث لما  ذكره الشراح، قال النووي رحمه الله: "إن هذا قد يقع في نادر من الناس، لا أنه غالب فيهم" [المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج: 16/ 192].

يعني: هو الآن ذكره لنا ليثبت أنه يقع، لا أن كل الناس يحدث لهم هذا الأمر، ولا أكثر الناس يحدث لهم هذا الأمر، يعني ليس كل الصالحين ينقلبون قبل الموت، ولا أكثر الصالحين ينقلبون ولا نصفهم، لكن قد وقع، وهو نادر، وقوعه نادرًا يؤدي إلى خوف الإنسان على نفسه، قال النووي: "والمراد بهذا الحديث أن هذا قد يقع في نادر من الناس، لا أنه غالب فيهم، ثم إنه من لطف الله تعالى وسعة رحمته انقلاب الناس من الشر إلى الخير في كثرة، وأما انقلابهم من الخير إلى الشر ففي غاية الندور، ونهاية القلة".[المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج: 16/ 192].
يعني أنت الآن لو استعرضت الحالات التي تعرفها وتسمع عنها أو تقرأ عنها، ناس كانوا سيئين وقبل الموت صاروا صالحين، وماتوا على الصلاح، أكثر وإلا الناس الذين كانوا صالحين واستمروا صالحين سنوات طويلة جداً، وقبل ما يموتوا بقليل انحرفوا وماتوا على انحراف؟ أي الفريقين أكثر؟ الذين تغيروا من الصلاح إلى الفساد وإلا الذين تغيروا من الفساد إلى الصلاح؟

من الفساد إلى الصلاح أكثر، تتبع هذا، وفكر فيه، تجد الذي صار عنده انقلابا، ومات عليه قبل ما يموت بقليل، مات عليه، هم في الغالب ناس من الفساد إلى الصلاح، أما واحد ماسك خط أهل الخير والاستقامة سنوات طويلة جداً، قبل ما يموت مثلاً بأيام وإلا أسبوع وإلا شهر، وإلا.. يتغير وينتكس، ويموت على هذا هو حصل، حتى الواحد ما يأمن على نفسه، ما يقول ما يحصل، لكن نادر، وهذا من معاني الحديث: إن رحمتي سبقت غضبي [رواه البخاري: 7453].
ومن انقلب إلى عمل أهل النار قد ينقب إليه بكفر أو معصية، وبالتالي قد يخلد في النار وقد لا يخلد في النار.
فإذًا، الذي ينقلب إلى عمل أهل النار ما هو شرط أن ينقلب إلى شيء يخلده فيها، ممكن ينقلب إلى شيء يدخله النار، لكن يخرج منها بعد ذلك؛ لأنه من أهل التوحيد.

العبد بين الخوف والرجاء

00:18:46

والمقصود أن يعيش العبد بين الخوف والرجاء، والمقصود مهما عمل الخيرات يعتقد نفسه مقصرًا، والمقصود ألا يأمن مكر الله، والمقصود أن يبقى يخاف على نفسه إلى آخر لحظة من حياته، وإذا ما حصل هذا وما عاش بهذه النفسية لا يستقيم حاله، تصور لو واحد يعيش على أنه خلاص ما دام على هذه الأعمال الطيبة، فإنه جازم لنفسه بالجنة، أصلاً ما يستمر عليها، بهذه النفسية ما يستمر عليها، فهو يرجو رحمه ربه أن الله لن يضيع أجره، وهذه الاعتكافات والصيامات وقراءة القرآن، والأدعية والأذكار، وبر الوالدين والصدقات، لن تذهب هباءً منثورًا: إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا [الكهف: 30]، إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [التوبة: 120]، لكن لا يمكن أن يجزم لنفسه أن سيموت على ذلك، ممكن يموت على غيرها، فهو يحشى من سوء المصير، وكلما زادت خشيته من سوء المصير ازداد ثباتًا ويقينًا وعبادة، وهكذا.. وابتعد عن السيئات، وأهل السوء، يخشى على نفسه.
والكتابة التي حصلت للجنين بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، يكتب الملك أحد الكلمتين شقي أو سعيد: فوالله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار [رواه مسلم: 6893].

معنى قول النبي ﷺ: حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع

00:20:29

ما معنى: حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع؟
تمثيل للقرب، وهو قرب الموت، وبعد الموت إلى الجنة أو إلى النار، فما بقي بينه وبين الوصول إليها إلا كمن بقي بينه وبين موضع من الأرض ذراع، قال الحافظ رحمه الله: "وضابط ذلك الحسي الغرغرة التي جعلت علامة لعدم قبول التوبة" [فتح الباري: 11/487].
فإذا غرغر على هذا، أو غرغر على هذا، ختم له بذلك، والتوبة تهدم الذنوب قبلها، ومن مات على شيء حكم له به من خير أو شر.
وجاء في صحيح مسلم: وإن الرجل ليعمل الزمان الطويل بعمل أهل النار، ثم يختم له بعمل أهل الجنة[رواه مسلم:6910].
وفي رواية: سبعين سنة[رواه ابن ماجه: 2704، وأحمد: 7728، وضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجه: 591].
وفي حديث أنس: لا تعجبوا بعمل أحد حتى تنظروا بم يختم له فإن العامل يعمل زمانا من دهره بعمل صالح لو مات دخل الجنة ثم يتحول فيعمل عملا سيئا [رواه أبو يعلى: 3756، وهو في سلسلة الأحاديث الصحيحة، صححه، للألباني: 1334].

وفي رواية: إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة، وإنه لمكتوب في الكتاب من أهل النار، فإذا كان قبل موته تحول فعمل بعمل أهل النار، فمات فدخل النار [رواه أحمد: 24806، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الصحيح"]، ليوافق الواقع ما كان في الكتاب مسطورًا، ليوافق الواقع ما قدر الله وكتب عنده ، ولذلك الملائكة كثيرًا ما تتعجب، ترى واحدا ماشيا ومكتوبا أنه شقي أو سعيد، وهو بعكس بذلك، ولما ترى الملائكة التغيير والتحول تسبح ربها، وأهل السعادة الذين خلقوا لها ييسرهم الله لعمل أهل السعادة في الدنيا، وتظهر لأهل الدين علامات أهل السعادة من أهل الشقاء، يعني أنت الآن تقول: طيب أنا كيف نعرف الآن نميز بين هؤلاء وهؤلاء؟
فنقول: يعني أما الجزم ما يمكن، يعني أنت تجزم الآن هذا الذي مات هذا في الجنة مائة في المائة، وهذا في النار مائة في المائة، لا تستطيع، لكن في إشارات على غلبة الظن، فمثلاً إذا صارت علامة من العلامات المثبتة للظن الغالب، فيمكن، لا تجزم لكن الظن الغالب أنه كذلك، قال ابن حجر: "ويقوى ذلك في حق من اشتهر له لسان صدق بالخير والصلاح ومات على ذلك" [فتح الباري: 11/489]، يعني الناس يثنون عليه في محياه وبعد موته لا زالوا يثنون عليه، لماذا؟ لحديث: أنتم شهداء الله في الأرض؛ لأنهم لما أثنوا عليها خيرًا، قال: وجبت وأثنوا عليها شرًا، قال: وجبت قال: أنتم شهداء الله في الأرض[رواه البخاري: 1367، ومسلم: 2243].

وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: كان يرى أن من كثر ثناء الناس عليه بالخير أن هذه شهادة له بالجنة، لأجل الحديث: وجبت.
من الذين يشهدون ليس المنافقون ولا المتملقون، وإنما عباد الله الأخيار أهل الصلاح والدين، أهل الاستقامة، المسلمون، إذا شهدوا، إذا أثنوا خيرًا على شخص، هذا دليل على أنه عند الله من أهل الجنة، قال ابن حجر رحمه الله: "والتحقيق أن يقال أريد أنه لا يعلم أصلاً ورأسًا فمردود، وإن أريد أنه يعلم بطريق العلامة المثبتة للظن الغالب فنعم، ويقوى ذلك في حق من اشتهر أو اشتهر له لسان صدق بالخير والصلاح، ومات على ذلك، لقوله في الحديث الصحيح: أنتم شهداء الله في الأرض[انظر: فتح الباري: 11/489].

أسباب حسن الخاتمة

00:24:30

ما أسباب حسن الخاتمة؟
أسباب حسن الخاتمة كثيرة، منها:
أولا: الاستقامة. وهي القيام على أمر الله فلا يضيعه، والقيام على حدود الله فلا ينتهكها، استقام بقلبه فلم يلتفت إلى غير الله، والدليل على حسن خاتمة هذا قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ [فصلت: 30]، الآية.. تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ عند الموت، قيل: إذا قاموا من قبورهم، وقيل: البشرى في ثلاث مواطن عند الموت، وفي القبر، وعند البعث، كلها يبشر فيها.
وقال الحافظ ابن كثير: نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [فصلت: 31] "أي تقول الملائكة للمؤمنين عند الاحتضار: نحن كنا أولياءكم، أي قرناءكم في الحياة الدنيا، نسددكم ونثبتكم، ونحفظكم بأمر الله" ونجعل الخواطر الطيبة تخطر في أذهانكم ونفوسكم؛ لأنه ما من عمل صالح، ولا خاطر طيب، إلا هو مما ألقاه الملك في نفس الإنسان، ولا في عمل شر وسوء إلا من وسوسة الشيطان، فالملائكة لها دور، يعني كل خاطر كل عمل طيب "نكون معكم في الآخرة نؤنس منكم الوحشة في القبور، وعند النفخة في الصور، ونؤمنكم يوم البعث والنشور، ونجاوز بكم الصراط المستقيم، ونوصلكم إلى جنات النعيم". [تفسير القرآن العظيم: 7/ 177].
إذًا، دور الملائكة في الحياة هذه تثبيت وحفظ وتسديد، وبعد الموت تبشير وإيناس الوحشة، ومرافقة المؤمنين إلى أن يدخلوا عليهم في الجنة: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ [الزمر: 73]، وهذا طبعًا له أثر كبير في تنشيط نفوس المؤمنين للطاعات، والمواصلة على الخيرات، والثبات عليها، وهذا من أسباب محبتنا للملائكة، يتنزلون ويتكرر نزولهم، ويبشرونا عند الاحتضار: أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا لا تخافوا من المستقبل، ولا تحزنوا على ما مضى، وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ التي وجبت لكم، وكنتم توعدونها.

نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا نحثكم على الخير، ونزينه لكم، ونرهبكم من الشر ونقبحه في أعينكم ونفوسكم، ونثبتكم عند المصائب وعند المخاوف، وفي ساحات الجهاد، وإذا متم فنحن معكم في القبر والقيامة والصراط، وفي الجنة أيضاً، ويقولون: لكم فيها في الجنة مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ، وتطلبون وتتمنون، كل هذا: نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ [فصلت: 32]، فهذه فائدة الاستقامة، قال أبو إسحاق السبيعي: لما احتضر أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قال: "لا تبكوا عليّ، فإني لم أتنطف بخطيئة منذ أسلمت"[وصايا العلماء عند حضور الموت، ص: 91].
وكذلك ورد في سير بعض العلماء، يعني من اجتهادهم بالطاعة، وملازمتهم لها أنه قيل لو أراد أن يعصي الله ما استطاع، يعني لو أراد يعمل المعصية يفشل ما ينجح.
والعماد المقدسي رحمه الله قال عنه ابن قدامة: "من عمري أعرفه -من عمري، من زمان- يعني العماد ما عرفت أنه عصى الله معصية"، ولا مرة، ما مسكنا عليه معصية، فلما جاءه الموت كان يقول: "يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت برحمتك أستغيث، واستقبل القبلة وتشهد". [سير أعلام النبلاء: 22/51].

ثانياً: الإيمان، قال تعالى: يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء [إبراهيم: 27]، فأخبر أنه يثبت عباده المؤمنين الذين قاموا بما عليهم من الإيمان في القلب الذي يصدقه العمل الجوارح، فهؤلاء يثبتهم الله بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ، ومعنى ذلك: أن لهم حسن خاتمة.
ثالثًا: التقوى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران: 102]، ووعد الله أهل التقوى بأن يجعل لهم فرجًا مخرجًا، قال: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا [الطلاق: 2]، وهذا أحوج ما يكون إليه العبد عند نزول الموت؛ فإنه يريد الفرج والمخرج من هذه المحنة، محنة الموت، وسكرات الموت، والشدة والحرج في الموت:  وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق: 4]، ولا شك أن تيسير أموره عند الموت من نتائج التقوى التي كان يسير بها منهجًا في حياته.
رابعًا: حسن الظن بالله، قال ﷺ: إن الله يقول: أنا عند ظن عبدي بي إن ظن بي خيرًا فله، وإن ظن شرًا فله [رواه أحمد: 9065، وقال محققو المسند: "صحيح"، وهو في سلسلة الأحاديث الضعيفة، للألباني: 1663]، لكن هذا حسن الظن بالله يجب أن يكون مبنيًا على ماذا؟
على أعمال صالحة، وتوبة من الأعمال السيئة، حتى يكون حسن ظن صحيح، الواحد يقول: والله أنا ظني بربي إنه يدخلني الجنة، وأنا ظني بربي أنه إنه ما يدخلني النار، وإنا ظني.. وإذا نظرت إلى عمله تجد يعني السيئات الكثيرة، والحسنات القليلة.

إذًا حتى يكون حسن الظن قائمًا على شيء صحيح لا بدّ أن يكون معه كثرة الصالحات، وقلة السيئات، والتوبة من السيئات، ومع ذلك فإن الإنسان ينبغي ألا يموت إلا وهو يحسن الظن بالله: لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله  [رواه مسلم: 7410].
والشاب لما قال للنبي ﷺ: أرجو الله يا رسول الله وأخاف ذنوبي؛ لأنه سأله كيف تجدك عند الموت؟ ثم قال ﷺ: لا يجتمعان في قلب عبد في هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو، وأمنه مما يخاف [رواه الترمذي: 983، وابن ماجه: 4261، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه: 3436، ومشكاة المصابيح: 1612].

وأبو عبد الرحمن السلمي رحمه الله دخل عليه عطاء بن السائب وغيره، يعودونه في المرض الذي مات فيه، فذهب بعض القوم يرجيه، يعني يذكره بحسن الظن بالله، فقال أبو عبد الرحمن: "إني لأرجو ربي وقد صمت له ثمانين رمضان". [حسن الظن بالله: 127، وحلية الأولياء: 4/192].
فهو يطمئنهم أنه الآن في هذا الموطن هو محسن الظن بالله، وما هو أساس الاعتماد أن في ثمانين رمضان صامها لله تعالى؟ قال عبد الأعلى بن حماد البرقي: "دخلت على بشر بن منصور وهو في الموت، فرأيته مستبشرًا، فقلت له: ما هذا السرور؟ قال: أخرج من بين الحاسدين والباغين والمغتابين، وأقدم على رب العالمين ولا أفرح؟!". [بهجة المجالس وأنس المجالس].
وكانوا يستحبون أن يلقنوا العبد محاسن عمله عند موته لكي يحسن الظن بربه، ولذلك لا بدّ أن يعمل الإنسان محاسن، يعني أنت حتى لو أردت أن تثبت شخصًا عند الموت، فتقول له مثلاً: يا أخي ألم تفعل كذا؟ وتفعل وكذا؟ فإذا ما عنده أشياء طيبة فعلها، فتذكره بماذا؟ ولذلك فإن حسن الظن قرين بحسن العمل.

ومهما عمل الإنسان من سيئات يتوب منها حتى لو حضره الموت يبقى يحسن الظن برب العالمين، أنه يغفر له، ويرجو رحمة ربه.
خامسًا: الصدق. قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة: 119].
وكان الصدق من سبب نجاة المؤمنين، وحسن خاتمتهم، ألم تر أن أنس بن النضر لما غاب عن قتال بدر قال: يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما أصنع؟ طبعًا هذه دعوى! الواحد يدعي يقول: أنا لو قابلت المشركين ليرين الله ما أصنع؟ هذه دعوى! انتظر! فلما كان يوم أحد، وانكشف المسلمون، قال: "اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء، يعني أصحابه المسلمين، وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء، يعني المشركين، ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ، فقال: يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر إني لأجد ريحها من دون أحد؟ قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع، قال أنس: فوجدنا به بضعًا وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم" ثمانين، بضعة وثمانين، يعني هذا كم استمر يقاتل حتى فعل به الكفار هذا؟ يعني ممكن يضرب مثلاً فيتلقى ضربة، ولا زال يضرب، ويتلقى ضربة، ففيه بضعة وثمانين ضربة، كم أصابه وهو مستمر في القتال حتى طعنوه هذه الطعنات؟ ولا زالوا يرمونه بالسهام وبالرماح، ويضربونه بالسيف؟ قال: "فوجدنا به بضعًا وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم" يعني كل الأنواع، قال أنس: "فوجدنا به بضعًا وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل، وقد مثل به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه" طرف الأصبع، كان مميز عنده، فعرفته أخته من طرف أصبع، قال أنس: "كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب: 23].[رواه البخاري: 2805].

وهذا الصحابي لما وجد ريح الجنة ما كان هذا تخيلاً لأشياء غير موجودة، وإنما كان حقيقة.
إذًا، لو قال لك واحد: هل ممكن إنسان يشم رائحة الجنة وهو في الدنيا؟
نقول: نعم، هكذا وجد أنس بن النضر.
وعن شداد بن الهاد: أن رجلاً من الأعراب جاء إلى النبي ﷺ فآمن به واتبعه، ثم قال: أهاجر معك؟ فأوصى به النبي ﷺ بعض أصحابه، فلما كان غزوة غنم النبي ﷺ سبيًا فقسم وقسم له، فأعطى أصحابه ما قسم له" يعني ليوصلوه إليه نصيبه من الغنيمة "وكان يرعى ظهرهم" الأعرابي يرعى دواب أصحابه، "فلما جاء دفعوه إليه" لما رجع من الرعي أعطوه نصيبه، قال: "ما هذا؟ قالوا: قسم قسمه لك النبي ﷺ، فأخذه فجاء به إلى النبي ﷺ فقال: ما هذا؟ قال: قسمته لك قال: ما على هذا اتبعتك" احنا ما تبعناك على أموال، تبعناك على الجهاد في سبيل الله "ولكني اتبعتك على أن أرمى إلى ها هنا، وأشار إلى حلقه بسهم فأموت فأدخل الجنة"، طبعًا هذا إدعاء، الميدان يصدق أو يكذب، قال: إن تصدق الله يصدقك فلبثوا قليلا، ثم نهضوا في قتال العدو، فأتي به النبي ﷺ يحمل، قد أصابه سهم حيث أشار" سبحان الله! كان ممكن السهم يجي في أي محل، لكن جاء في المكان الذي أشار إليه هو أنه يريده ها هنا، طبعًا لماذا ها هنا؟ معناه أنه مقبل غير مدبر؛ لأنه لو كان في الظهر كان ممكن جاءته وهو مولي الأدبار، لكن هو يريد ها هنا، وقد قال بعض المجاهدين في هذا الزمان: أنه يريد ها هنا، وجاءت ها هنا فعلاً، في قلبه، يعني اقتداءً بحديث الأعرابي، لكن الشاهد الصدق قال: إن تصدق الله يصدقك، فلما أتي به إلى النبي ﷺ وقد أصابه سهم حيث أشار، قال النبي ﷺ: أهو هو؟ قالوا: نعم، قال: صدق الله فصدقه، ثم كفنه النبي ﷺ في جبة النبي ﷺ، ثم قدمه فصلى عليه، فكان فيما ظهر من صلاته: اللهم هذا عبدك خرج مهاجرًا في سبيلك، فقتل شهيدًا، أنا شهيد على ذلك [رواه النسائي: 1953، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 1336].

وأما عبد الله بن جحش فإنه يوم أحد، قال لسعد: ألا تأتي ندعو الله؟ فخلو ناحية، وقال ذلك تلك الأمنية، وقد تقدم ذكرها: "اللهم ارزقني غدًا رجلاً شديدًا بأسه، شديدًا حرده، فأقاتله ويقاتلني، ثم يأخذني فيجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتك غدًا، قلت لي: يا عبد الله فيم جدع أنفك وأذناك؟ فأقول: فيك وفي رسولك، فتقول: صدقت" هنا الشاهد، قال سعد: "كانت دعوته خيرًا من دعوتي، فلقد رأيته آخر النهار وإن أنفه وأذنه لمعلقان في خيط". [مستدر الحاكم: 2409، والسنن الكبرى للبيهقي: 13148، ومعجم الصحابة: 1518].
وربعي بن حراش زعم قومه أنه لم يكذب قط. [حلية الأولياء: 4/369].
وعن الحارث الغنوي قال: آل ربعي بن حراش ألا تفتر أسنانه ضاحكًا حتى  يعلم أين مصيره، فكأنه يعني حلف أن لا يضحك حتى يعلم أن مصيره في الجنة أو في النار، قال الحارث: فأخبر الذي غسله بعد موته أنه لم يزل مبتسمًا على سريره ونحن نغسله حتى فرغنا منه رحمة الله عليه، والقصة في [السير، للذهبي: 4/361، وفيات الأعيان: 2/300].
سادسًا: التوبة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ [التحريم: 8]، فإذا صارت التوبة نصوحًا، ومات الإنسان عليها، فهذا من علامات حسن الخاتمة.

التوبة النصوح قالوا: ألا يعود في الذنب كما لا يعود اللبن في الضرع، واللبن إذا خرج من الثدي لا يمكن أن يعاد فيه.
تَوْبَةً نَّصُوحًا تنصحون بها أنفسكم، استغفار باللسان، وإقلاع بالأبدان، وإضمار وترك العود بالجنان، وهو القلب، وهجر سيئ الإخوان، هذه التوبة النصوح.
لقد تابت امرأة توبة من الفاحشة لو قسمت بين سبعين لوسعتهم. [رواه مسلم: 4529].
وتاب ماعز وسبح في أنهار الجنة.
وتابت المرأة الغامدية رضي الله عنها وحصل لها من حسن الخاتمة، مع تطبيق الحد عليها، وتطبيق الحد على ماعز رضي الله عنهما. [ينظر الحديث في مسلم: 4527].
إذًا، ممكن واحد يرتكب كبيرة، ثم يتوب ويصدق الله، وما في مسافة كبيرة بين الكبيرة والموت، ومع ذلك يدخل الجنة بتوبة نصوح، معناها التوبة هذه التي تابها صادقة جدًا، فإنها بلغته الجنة، وكذلك المرأة.

علامات حسن الخاتمة

00:41:07

وأما علامات حسن الخاتمة:
أولاً: النطق بالشهادة عند الموت. قول: لا إله إلا الله؛ لحديث النبي ﷺ: من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة [رواه أبو داود: 3118، وأحمد: 22180، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح: 1621].
وهذه الكلمة التي: لا يقولها عبد عند موته إلا أشرق لها لونه، ونفس الله عنه كربته كما تقدم في حديث طلحة مع عمر حديث صحيح [رواه أحمد: 1384، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح"]، يقول أنس بن سيرين: "شهدت أنس بن مالك وحضره الموت، فجعل يقول: لقنوني: "لا إله إلا الله"، فلم يزل يقولها حتى قبض . [الثبات عند الممات، لابن الجوزي، ص: 133].
وأبو زرعة -وقد تقدمت قصته- وهو في سياق الموت، فذكروا إسناد حديث: من كان آخر كلامه "لا إله إلا الله" دخل الجنة فأتم أبو زرعة السند والمتن، ومات رحمه الله.
ودخل عبد الله بن شبرمة مع عامر الشعبي على مريض يعوده، ورجل يلقنه الشهادة، ويقول له قل "لا إله إلا الله"، ويكثر عليه، فقال له الشعبي: ارفق به، فتكلم المريض، فقال: إن يلقني أو لا يلقني فإني لا أدعها، ثم قرأ: وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا [الفتح: 26]، يعني الله جزاءً لهؤلاء ألزمهم كلمة التقوى، وهي كلمة "لا إله إلا الله"، حتى الممات يقولونها عند الموت، قال الشعبي: "الحمد لله الذي نجا صاحبنا". [التذكرة، ص: 34، والعاقبة في ذكر الموت، ص: 136].

وقال إسماعيل بن أبي أويس: "مرض مالك فسألت بعض أهلنا عما قال عند الموت، قالوا: تشهد، ثم قال: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ [الروم: 4]، وتوفي" [سير أعلام النبلاء: 8/130].
ثانيًا: من علامات حسن الخاتمة -طبعًا هذه العلامات مرة أخرى بغلبة الظن، وليس نجزم بها يقينًا، لكن بغلبة الظن، أنه من أهل حسن الخاتمة، ويرجى له الخير-: الموت برشح الجبين، عن بريدة: أنه كان بخرسان فعاد أخًا له وهو مريض فوجده بالموت، وإذا هو يعرق جبينه، فقال: الله أكبر، سمعت رسول الله ﷺ يقول: موت المؤمن بعرق الجبينحديث صحيح. [رواه أحمد: 23072، وقال محققو المسند: "حديث صحيح"].
المؤمن يموت بعرق الجبين [رواه الترمذي: 982، والنسائي:1829، وابن ماجه: 1452، وأحمد:23097، وقال محققو المسند: "حديث صحيح"]. علامة خير عند الموت، لماذا؟

قال ابن الملَك أحد شراح الحديث: "يعني يشتد الموت على المؤمن بحيث يعرق جبينه من الشدة لتمحيص ذنوبه، أو لتزيد درجته". [شرح مصابيح السنة للإمام البغوي: 2/335].
وقيل: معناه أنه يكد في الحلال في حياته، ويأكل الحلال بعرق جبينه، حتى يورثه ذلك حسن الخاتمة. وقيل: شدة الموت.
وقال العراقي رحمه الله: اختلف في معنى هذا الحديث فقيل: إن عرق الجبين لما يعالج من شدة الموت.
وقيل: من الحياء، وذلك لأن المؤمن إذا جاءته البشرى مع ما كان قد اقترف من الذنوب حصل له بذلك خجل واستحيا من الله تعالى، فعرق لذلك جبينه، فهي من العلامات، لكن لماذا يعرق جبينه عند الموت؟ ما معنى عرق الجبين عند الموت؟
هذه أقوال الشراح.
لما احتضر أبو بكر بن حبيب شيخ ابن الجوزي قال له أصحابه: "أوصنا؟ قال: أوصيكم بثلاث: بتقوى الله ، ومراقبته في الخلوة، واحذروا مصرعي هذا، فقد عشت إحدى وستين سنة، وما كأني رأيت الدنيا"، يعني عند الموت الواحد يحس أن الدنيا كلها ولا ساعة، كل السنوات الطويلة هذه ولا شيء، ثم قال لبعض أصحابه: "انظر هل ترى جبيني يعرق؟ قال: نعم، قال: الحمد لله هذه علامة المؤمنين، يريد قول النبي ﷺ: المؤمن يموت بعرق الجبين ثم بسط يده عند الموت، وقال:

ها قد مددت إليك فردها بالفضل لا بشماتة الأعداء

[المنتظم، لابن الجوزي: 10/65، والثبات عند الممات، لابن الجوزي، ص: 179 - 180].
ثالثا: الموت لليلة الجمعة أو نهار الجمعة، -مرة أخرى نقول: يرجا، وليس كل من مات يوم الجمعة يعني أنه مؤكد ينجو، ولذلك لما قيل لبعض العلماء: طيب هناك كفار، هناك ظلمة، فسقة فجرة، يموتون يوم الجمعة؟ قال: يعذب يوم السبت.
الموت ليلة الجمعة أو نهار الجمعة، لقوله ﷺ: ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر [رواه الترمذي: 1074، وأحمد: 6582، وهو حديث حسن، حسنه الألباني في مشكاة المصابيح: 1367].
فإذا قبض الله عبدًا من عبيده فوافق قبضه يوم الجمعة كان ذلك دليلا ظنيا، من المبشرات والمؤشرات لسعادته، وحسن مآبه، يعني يرجا له الخير، يعني شيء يحمد الله عليه أن يموت الواحد يوم الجمعة أو ليلة الجمعة، يعني خبرا سارا، يعني إذا جاءك أن قريبك وصاحبك مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة، اعتبره خبرًا سارًا، نحن لا نجزم، نقول: مائة في المائة، قد غفر له، ولكن نرجو، نقول: هذا بشارة، هذا خبر طيب، وهكذا يكون هذا من علامات حسن الخاتمة.

ولما احتضر عبد الله بن المبارك رحمه الله فتح عينيه عند الوفاة وضحك، وقال: لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ [الصافات: 61]. [الرسالة القشيرية: 2/469].
وأبو البركات إسماعيل النيسابوري رحمه الله من شيوخ الحافظ ابن عساكر كان وقورًا مهيبًا على شاكلة حميدة، ما عرفت له هفوة، قال ابن النجار: سمعت ابن سكينة يقول: كنت حاضرًا لما احتضر، فقلت له، أو فقالت له أمي: يا سيدي كيف تجد؟ فما قدر على النطق، فكتب بأصبعه: رَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ، ثم مات [سير أعلام النبلاء: 20/ 161].
والإمام الزاهد الخير شيخ الإسلام أبو الوقت؛ كما قال الذهبي رحمه الله كان صالحًا كثير الذكر، لما احتضر كان آخر كلمة قالها:  يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ۝ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ [يــس: 26 - 27]، [سير أعلام النبلاء:20/ 308- 309].
هذه أمثلة.
وستأتي أخرى في حسن الخاتمة، علامات يرجى من هذه الكلمات التي سمعت منه عند موته أنه من أهل السعادة -إن شاء الله-.
رابعًا: الموت على عمل صالح، هذا من علامات حسن الخاتمة، قال ﷺ: من قال لا إله إلا الله ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة، ومن صام يومًا ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة، ومن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة [رواه أحمد: 23372، وهو حديث صحيح، صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 985].
وقال ﷺ: يبعث كل عبد على ما مات عليه [رواه مسلم: 7413].
يعني على الحالة التي مات عليها.
وكان مالك بن دينار يقول: والله لو استطعت ألا أنام ما نمت، قيل له: لماذا؟ قال: أخشى أن يأتيني ملك الموت وأنا نائم ولا أريد أن يأتيني إلا وأنا على عمل صالح [الزهد، للإمام أحمد، ص: 168].
وإذا مات على الدخول في الدين كما مات ذلك اليهودي عندما أسلم، وقال ﷺ:  الحمد لله الذي أنقذه من النار [رواه البخاري: 1356]، هذا عمل صالح عظيم، قال القاسم أبو عبد الرحمن: "غزونا مع فضالة بين عبيد، فبينا نحن نسرع في السير، وهو أمير الجيش، وكان الولاة إذاك يسمعون ممن استرعاهم الله عليه، فقال قائل: أيها الأمير إن الناس قد تقطعوا قف حتى يلحقوا بك، فوقف، في مرج عليه قلعة، فإذا نحن برجل أحمر ذي شوارب، فأتيناه به فضالة، فقلنا: إنه هبط من الحصن بلا عهد"، هذا جاء من حصن العدو ما بيننا وبينه عهد، فسأله، فقال: "إني البارحة أكلت الخنزير، وشربت الخمر، فأتاني في النوم رجلان، فغسلا بطني، وجاءتني امرأتان فقالتا: أسلم، فأنا مسلم"، الآن هذا رجل كافر صادفه هؤلاء المسلمون في الغزو، نزل من حصن العدو، فألقوا القبض عليه وأخذوه: ما بك؟ ما الذي أخرجك من حصنك؟ قال: أمس شربت الخمر، وأكلت خنزير، ونمت، ورأيت في المنام من غسل بطني، وقال لي: أسلم، قمت من النوم قلت: أسلمت، وأنا مسلم، فأنا نزلت إليكم أقول لكم: أنا مسلم، يعني أيش الخطوة التي بعدها؟ تأثر بالمنام وأسلم، قال: "فما كانت كلمته، يعني كلمة: أنا مسلم، فما كانت كلمة أسرع من أن رمينا بالزبار" قطع الحجارة والحديد، "فأصابه فدق عنقه" مات مباشرة، فقال فضالة: "الله أكبر عمل قليلاً، وأجر كثيرًا، فصلينا عليه ثم دفناه" [ينظر: شعب الإيمان: 6/160، والجهاد، لابن المبارك، ص: 124].

وهذا يذكر بالقصة التي حصلت على عهد النبي ﷺ، والرجل الذي جاء من معسكر المشركين إلى معسكر المسلمين، وقاتل وقتل، وذهب شهيدًا، وما سجد لله سجدة واحدة.
وحصل أن بعض العمال من الفلبين جاء إلى قسم توعية الجاليات، وسمع الكلام، ورغب في الإسلام، ونطق بالشهادتين يوم الأربعاء، وعلموه بعض محاسن الإسلام الصلاة تعليمًا مبدئيًا أوليًا، وسأل عن العبادات، قالوا: الصيام، قال: أريد الصوم، قالوا: في رمضان، قال: طيب هذه عبادة؟ قالوا: يشرع الاثنين والخميس، فصام الخميس، بعد الأربعاء الذي أسلم فيه، ثاني يوم الخميس، فمات يوم الخميس، وهو صائم.
ومن القصص العجيبة، ما ذكره الحافظ ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية عن الشيخ علي البكَّاء، وكان مشهورًا بالصلاح والعبادة وإطعام المارة والزوار والضيوف، قال: إنه صحب رجلاً من بغداد، وإن هذا الرجل الذي خرج معه من بغداد قد حضره الموت، فاستدار إلى جهة الشرق، فحوله إلى القبلة فاستدار إلى الشرق، قالوا: حيث قبلة النصارى، فإنهم يستقبلون الشرق، قال فحولته أيضاً ففتح عينيه، وقال: لا تتعب، فإني لا أموت إلا على هذه الجهة، وجعل يتكلم بكلام الرهبان حتى مات، فطبعًا المسلمون انزعجوا، يعني هؤلاء خرج واحد معهم من بغداد على أنه مسلم، ثم قال: فحملناه فجئنا به إلى دير هناك، فوجدناهم في حزن عظيم، فقلنا لهم: ما شأنكم؟ قالوا: كان عندنا شيخ كبير، النصارى يقولون، ابن مائة سنة، فلما كان اليوم مات على الإسلام، عندنا واحد نصراني، منا وفينا، عمره مائة عام، اليوم أسلم، واليوم مات، فقلنا لهم: خذوا هذا بدله، وسلمونا صاحبنا، قال: فوليناه، فغسلناه وكفناه وصلينا عليه ودفناه مع المسلمين، وولوا هم ذلك الرجل فدفنوه في مقبرة النصارى. نسأل الله حسن الخاتمة. [البداية والنهاية: 13/ 306].

ومن أهل العلم من ختم له بكلمة التوحيد، وكان الطبري رحمه الله شيخ المفسرين قال: الذي أدين الله به وأوصيكم هو ما ثبت، فاعملوا به، وعليه، وأكثر من التشهد، وذكر الله ، ومسح يده على وجهه، وغمض بصره بيده، ومات [سير أعلام النبلاء: 14/ 276].
وقال أبو المنذر إسماعيل بن عمر: دخلنا على ورقاء بن عمرو بن كليب وهو يموت، فجعل يكبر، ويهلل ويذكر الله، فلما كثر الناس، يعني الداخلين عليه، قال لابنه: يا بني اكفني رد السلام، لا يشغلوني عن ربي. [سير أعلام النبلاء: 7/422].
وأبو بكر بن النابلسي رحمه الله كان رجلاً ذا صبر عظيم، عند الطغاة، فأتى به جوهر العبيدي الرافضي، وألقى القبض عليه، وقال لأبي بكر بن النابلسي رحمه الله: بلغنا أنك قلت إذا كان مع الرجل عشرة أسهم وجب أن يرمي في الروم سهمًا وفينا تسعة، يعني في الباطنية تسعة وفي النصارى الكفار الأصليين أهل الكتاب واحد، وفي الباطنية هؤلاء العبيديين تسعة، قال: ما قلت هذا، بل قلت: إذا كان معه عشرة أسهم، وجب أن يرميكم بتسعة، وأن يرمي العاشر فيكم أيضاً، كل العشرة فيكم، أنتم قبل النصارى، أنتم الملاحدة، أنتم الزنادقة، أنتم الباطنية، أنتم أخبث وأشر، أنتم مرتدون، النصارى أهل كتاب، أنتم مرتدون، قال: ولم؟ قال: لأنكم غيرتم الملة، وقتلتم الصالحين، وادعيتم الإلهية، فضربه، ثم أمر يهوديًا أن يسلخه[ينظر: سير أعلام النبلاء: 16/148 - 149].

يعني شف الباطني هذا ما أمر أي واحد يسلخه أمر يهوديًا؛ لأنه يعرف عداوة اليهود للمسلمين، أن يسلخه، ويبدأ جلده من هنا سلخ، يسلخ جلده عن جسده، فبدأ من مفرق رأسه إلى وجهه، وهو يذكر الله ويصبر، حتى بلغ الصدر، فرحمه اليهودي، ووكزه بالسكين في قلبه فقتله، يعني من شدة الموقف، قال الدار قطني رحمه الله: كان يقول وهو يسلخ: كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا [الإسراء: 58]، [سير أعلام النبلاء: 16/148]، يعني هذا الذي يحدث لي مكتوب عند رب العالمين، ويثبت نفسه بهذه الآية، وقتل وهو عليها.
وعبد الغني المقدسي رحمه الله لما مرض في ربيع الأول مرضًا شديدًا منعه من الكلام والقيام، واشتد تسعة عشرة يومًا، يقول ابنه: كنت أسأله: ما تشتهي؟ يقول: أشتهي الجنة، أشتهي رحمة الله، لا يزيد على ذلك؛ لأن العادة يقال للمريض: ما تشتهي قد يشتهي طعامًا شرابًا؟ قال: أشتهي الجنة، أشتهي رحمة الله، فجئته بماء حار، فمد يده فوضأته وقت الفجر، فقال: يا عبد الله قم صل بنا وخفف، فصليت بالجماعة، وصلى جالسا، ثم جلست عند رأسه، فقال: اقرأ يس، فقرأتها وجعل يدعو وأنا أؤمن، فقلت: هذا دواء تشربه، قال: يا بني ما بقي إلا الموت، فقلت: ما تشتهي؟ قال: أشتهي النظر إلى وجه الله، قلت: أنت راض عني، قال: بلى والله، قلت: توصي بشيء؟ قال: ما لأحد عليّ شيء، ولا أحد عندي شيء، قلت: توصيني؟ قال: أوصيك بتقوى الله، والمحافظة على طاعته، فجاء جماعة يعودونه، فسلموا، فرد عليهم، وجعلوا يتحدثون، فقال: ما هذا؟ اذكروا الله، قولوا: لا إله إلا الله، شف سبحان الله، يعني هو الآن يعني في مرض الموت دخلوا في حديث جانبي بعيد عن الذكر، قال: اذكروا الله، هو يذكرهم فلما قاموا جعل يذكر الله بشفتيه، ويشير بعينيه، فقمت لأناول رجلا كتابًا من جانب المسجد، فرجعت وقد خرجت روحه رحمه الله. [سير أعلام النبلاء: 21/467].
ولما احتضر أحمد بن أبي بكر المنصور الإسكندري قاضي طرابلس، قال الذهبي في قصته: كرر الشهادة ثلاثين مرة، ومات.

وابن عون أصابه المرض ومات فيه، فكان حين قبض يذكر الله حتى غرغر، ومات في السحر.
وآدم بن إياس لما حضرته الوفاة ختم ما بقي من سور القرآن وهو مسجى، ثم قال: اللهم ارفق بي في هذا المصرع، اللهم كنت أأملك لهذا اليوم وأرجوك، ثم قال لا إله إلا الله وقضى.
وأبو ثعلبة الخشني قال: إني لأرجو ألا يخنقني الله كما أراكم تخنقون فبينما هو يصلي في جوف الليل قبض وهو ساجد، فرأت ابنته النائمة أن أباها مات، فاستيقظت فزعة، فنادت أمها: أين أبي؟ قالت: في مصلاه، فنادته فلم يجبها، فحركوه فوجده ميتًا.
ومجاهد بن جبر الذي عرض القرآن على ابن عبا ثلاث مرات، من فاتحته إلى خاتمته، يوقفه عند كل آية يسأله عنها، مات مجاهد وهو ساجد.
وعامر بن عبد الله بن الزبير سمع المؤذن وهو في الموت، قال: خذوا بيدي، قالوا: إنك عليل، قال: أسمع داعي الله ولا أجيب، فأدخل مع الإمام في المغرب، فركع ركعة ومات [سير أعلام النبلاء: 5/220].
وزرارة بن أوفى قرأ المدثر، فلما بلغ: فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ  [المدثر: 8]، خر ميتًا من خوف الله . [سير أعلام النبلاء: 4/ 516].
ومات حماد بن سلمة في الصلاة في المسجد.
وأبو بكر الإسماعيلي شيخ الشافعية توفي في صلاة المغرب، وهو يقرأ:  إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: 5]. [سير أعلام النبلاء: 17/ 88].

وأبو الفتح نصر بن إبراهيم النابلسي الفقيه الشيخ الإمام العلامة القدوة المحدث مفيد الشام لما صار موته سمع وهو يقول: يا سيدي أمهلوني، أنا مأمور وأنتم مأمورون، ثم سمعت المؤذن بالعصر، فقلنا المؤذن يؤذن؟ فقال: أجلسني فأجلسنه فأحرم بالصلاة، ووضع يده على الأخرى وصلى، ثم توفي من ساعته رحمه الله. [سير أعلام النبلاء: 19/ 142].
وقريب من هذا بعض أهل العلم والعبادة في نجد، لما اشتد به المرض أدخل المستشفى، فكان يصلي جالسًا، فصلى وسلم التسليمة الأولى والثانية، وقضى.
وبعضهم قبض بين التسليمتين.
وسلمة بن دينار كان من أئمة العلم في المدينة توفي وهو ساجد.
وابن الحاج المالكي قتل ظلمًا يوم الجمعة وهو ساجد. [سير أعلام النبلاء: 19/614].
ومحمد بن محمد أبو الفضل السلمي رحمه الله الذي كان يصوم الاثنين والخميس، ولا يدع صلاة الليل، وتصنيف كتب العلم، ويسأل الله الشهادة كثيرًا، أحاط به ظلمة من الأجناد، فاستدعى بحلاق فتنظف وتطيب، ولبس كفنه، وقام يصلي، فدخلوا عليه فقتلوه، وهو ساجد.
وأبو جعفر محمد بن عمرو السوسي في طريق عودته من مكة بعد الحج مات وهو ساجد.
وعلي بن محمد بن الفتح السلمي مات في صلاة الفجر وهو ساجد، وكان يملي مجالس العلم. [سير أعلام النبلاء: 20/33]
وكذلك الحافظ ابن عساكر رحمه الله صلى الظهر، وجعل يسأل عن العصر، وتوضأ ثم تشهد، وهو جالس، وقال: رضيت بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًا، لقنني الله حجتي، وأقالني عثرتي، ورحم غربتي، ثم قال: وعليكم السلام، قال أبو شامة: أخبرني من حضره فعلمنا أنه حضرت الملائكة، ثم انقلب ميتًا. [سير أعلام النبلاء: 22/ 189، وطبقات الشافعية الكبرى: 8/ 182].
ومات أحدهم وهو يؤذن، سقط ميتًا في منتصف الإقامة.
ومات بعضهم في صلاة الجمعة، أثناء الخطبة.
وعمر بن عبد العزيز لما احتضر قال: اخرجوا عني، فقعد مسلمة بن عبد الملك وأخته فاطمة زوجة عمر على الباب، فسمعوه يقول: مرحبًا بهذه الوجوه ليس بوجوه إنس ولا جن: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ  [القصص: 83] الآية، ثم هدأ الصوت، فدخلوا فوجدوه قد قبض [سير أعلام النبلاء: 5/ 142].
ولما احتضر عبد الرحمن بن الأسود بكى فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أسفًا على الصوم والصلاة، ولم يزل يقرأ القرآن حتى مات [تاريخ الإسلام: 6/ 413].
ولما حضرت بعضهم الوفاة جعل يذكر الله، ويكثر، فقيل: لو رفقت بنفسك؟ قال: هذا أوان طي صحيفتي. [البداية والنهاية: 11/128]، يعني آخر فرصة، فهو لا زال يعمل.
وأبو بكر العطوي يقول عن بعضهم: لما احتضر ختم القرآن وابتدأ البقرة، فتلا سبعين آية، ثم مات [سير أعلام النبلاء: 14/ 76].

والكاساني الفقيه المشهور شرع في قراءة سورة إبراهيم فلما انتهى إلى قوله تعالى: يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ[إبراهيم: 27]، خرجت روحه بعد فراغه من قوله: وَفِي الآخِرَةِ. [الجواهر المضية في طبقات الحنفية: 2/245].
وأبو حكيم الخبري كان جالسًا ينسخ المصحف وقع القلم من يده فجأة، وقال: إن كان هذا موتًا فوالله إنه موت طيب وسقط. [سير أعلام النبلاء: 18/559].
وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لما دخل السجن ومرض مرض الموت، وختم مع أخيه ثمانين ختمة، وشرعا في الختمة الحادية والثمانين قبضت روحه، بعدما قرأ: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ ۝ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ  [القمر: 54 - 55]. [شذرات الذهب في أخبار من ذهب: 6/ 86].
وعروة بن الزبير مات صائمًا.
وإبراهيم بن هانئ النيسابوري كان أحمد يجله، قدوة حافظ زاهد عابد، صام عند وفاته، فقال: أنا عطشان؟ فجاؤوه بماء، قال: غابت الشمس؟ قالوا: لا، فرده، وقال: لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ [الصافات: 61]، ثم مات. [سير أعلام النبلاء: 13/ 18].
وأبو بكر بن أبي مريم الغساني لم يفطر وهو في النزع الأخير، وظل صائمًا، فقال له من حوله: لو جرعت جرعة ماء؟ قال: لا، فلما دخل المغرب، قال: أذن، قالوا: نعم، فقطروا في فمه قطرة ماء، ثم مات [حلية الأولياء: 6/89].
والصحابي الذي مات وهو محرم، قال النبي ﷺ:  اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تمسوه بطيب، ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا[رواه البخاري: 1850، ومسلم: 2955].\

وخرج جماعة من أهل الطائف إلى مكة للعمرة، فدخلوا العمرة بعدما انتهت العشاء، فتقدم أحدهم ليصلي بهم، وهو محرم، هذا من قصص هذا الزمان، فقرأ سورة الضحى فلما بلغ، قول الله: وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى [الضحى: 4]،شهق وبكى وأبكى، وقرأ: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى [الضحى: 5]، فترنح قليلاً، وسقط ميتًا.
وعجوز من بنغلاديش جلست طيلة عمرها تجمع للحج، وتتمنى الحج، ولما اكتمل المبلغ بعدما تقدمت في السنة، وأفنت عمرها في جمعه، جاءت إلى الحجاز للحج، ولما نزلت من الطائرة سجدت على الأرض سجدة، لم تقم بعدها.
ومات بعض الطلاب من هذا المسجد هنا، وهو راجع من العمرة والصلاة في المسجد النبوي، ويوم الجمعة قرأ الكهف، وصار الحادث، ونطق بالشهادتين، ومات.
وتاب بعض الشباب فأدركه الموت بعد توبته مباشرة.
وكان أبو إسحاق الحربي رحمه الله من الزهاد صابرًا، ويقول: من لم يجر مع القدر لم يتهن بعيشه، الذي لا يصبر على أمر الله لم يجر مع القدر، ويرضى بالقدر لا يتهنا بعيشه.
كانت بي شقيقة الصداع العظيم منذ أربعين سنة ما أخبرت بها أحد قط، ولي عشرون سنة أبصر بفرد عين ما أخبرت بها أحدًا قط، مكث نيفًا وسبعين سنة ما يسأل أهله غداءً ولا عشاءً، إن جاء شيء أكله وإلا طوى إلى الليلة التي بعدها، ولما حضرته الوفاة دخل عليه بعض أصحابه يعوده، فقالت بنته بنت أبي إسحاق الحربي تشكو إليه، يعني ما عندنا شيء، ولا طعام عندنا؟ قال لها إبراهيم أبو إسحاق: يا بنية تخافين الفقر انظري إلى تلك الزواية فيها اثني عشر ألف جزء قد كتبته بيده من العلم والحديث، ففي كل يوم تبيعين منها جزءًا بدرهم، فمن عنده اثني عشر ألف درهم فليس بفقير.
ومن أفضل الأعمال التي يختم بها للعبد: الشهادة في الجهاد في سبيل الله؛ كما قال وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ۝ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [آل عمران: 169 - 170].
فهكذا يبشرون لا يحزنون مما مضى، ولا يخافون مما سيقدمون عليه؛ لأن الله لا يضيع أجر المحسنين، قال ﷺ: للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويزوج ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه [رواه الترمذي: 1663، وهو حديث صحيح، صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 1375].
من هو؟
الشهيد الذي مات في قتال الكفار، وبسبب قتال الكفار، الشهيد من يموت في معركة في سبيل الله، أو يصاب فيها، ويموت بجرحه.
وهناك من الشهداء من هو دونه في المرتبة، سنتعرف بمشيئة الله على أنواع الشهداء، وأنواع الموتات التي يرجا لأصحابها الشهادة، أو أجر شهادة في الدرس القادم بمشيئة الله، ونتحدث أيضاً عن سوء الخاتمة، نسأل الله أن يقينا سوء الخاتمة، وأن يكتب لنا حسن الخاتمة، والله بصير بالعباد.
وصلى الله على نبينا محمد.