الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
الموت حقيقة لا شك فيه
فالموت حقيقة لا شك فيها، وهو كأس وكل الناس شاربه.
والانتقال من هذا العالم إلى عالم البرزخ، والصيرورة إلى القبر إلى يوم يبعثون، كل ذلك لا مراء فيه، قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ، لكنهم يتفاوتون في الأجور: وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ[آل عمران: 185].
تفاوت أحوال المحتضرين
هؤلاء الموتى يتفاوتون في أحوالهم عند الموت والاحتضار، وما يجري عليهم في قبورهم، فأين من يخير عند موته، ويبشر برزقه في قبره، وتكرم روحه في نزعها، وتنعم في مستقرها؟ أين هذا ممن يهان أشد الهوان، وتضرب الملائكة وجهه ودبره، وتعذب روحه وجسده؟ فبينهما من التفاوت كما بين الظلمات والنور، والظل والحرور، وهكذا فإن أحوال الناس عند الاحتضار تتفاوت.
تخيير الله للأنبياء بين البقاء في الدنيا والموت
أما الأنبياء، فإن الله يخيرهم عند الموت، وهذه خاصية ليست لأحد من البشر سواهم، يخيرهم بين الانتقال إلى ذلك المقام، أو البقاء في الدنيا.
ولا شك أن كل رسول يفضل الانتقال إلى النعيم المقيم على البقاء في هذه الدار الفانية، روت عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ما من نبي يمرض إلا خير بين الدنيا والآخرة قالت: وكان في شكواه الذي قبض فيه أخذته بحة شديدة، فسمعته يقول: مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ[النساء: 69]، فعلمت أنه خير. [رواه البخاري: 4586].
وفي رواية للبخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي ﷺ يقول وهو صحيح: إنه لم يقبض نبي حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير فلما نزل به ورأسه على فخذي، غشي عليه، ثم أفاق، فأشخص بصره إلى سقف البيت، ثم قال: اللهم الرفيق الأعلى فقلت: إذًا لا يختارنا، وعرفت أنه الحديث الذي كان يحدثنا وهو صحيح، قالت: فكانت آخر كلمة تكلم بها: اللهم الرفيق الأعلى [رواه البخاري: 4463].
وروى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري خطب النبي ﷺ فقال: إن الله خير عبدًا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله فبكى أبو بكر الصديق، من بين كل الحاضرين من الصحابة في تلك الخطبة، لم يبك إلا أبو بكر الصديق، فقلت في نفسي الراوي أبو سعيد: ما يبكي هذا الشيخ إن يكن الله خيرًا عبدًا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله؟ ماذا في هذا حتى يبكي؟ فكان رسول الله ﷺ هو العبد، وكان أبو بكر أعلمنا.
هو فهم من هذه الخطبة أن المقصود بالعبد الذي خيره الله بين البقاء في الدنيا، والرحيل إليه، أنه هو النبي ﷺ، ولما بكى الصديق في ذلك المقام، قال له النبي ﷺ: يا أبا بكر لا تبك، إن أمن الناس عليّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذًا خليلاً من أمتي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر[رواه البخاري: 466، ومسلم: 6320].
وفي رواية للبخاري: أن رسول الله ﷺ جلس على المنبر، فقال: إن عبدًا خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء، وبين ما عنده، فاختار ما عنده فبكى أبو بكر، وقال: فديناك بآبائنا وأمهاتنا، فعجبنا له، وقال الناس: انظروا إلى هذا الشيخ يخبر رسول الله ﷺ عن عبد خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا، وبين ما عنده، وهو يقول: فدنياك بآبائنا وأمهاتنا، فكان رسول الله ﷺ هو المخير، وكان أبو بكر هو أعلمنا به [رواه البخاري: 3904].
والمراد بزهرة الدنيا، نعيمها.
وكان أبو بكر علم أن النبي ﷺ هو المخير، فلما سمع الكلمة بكى حزنًا على قرب فراقه، وانقطاع الوحي والخير.
المقصود بالرفيق الأعلى
أما قول النبي ﷺ: بل الرفيق الأعلى فإنه ﷺ خير فعلاً عند موته هل يبقى في الدنيا أو يلتحق بالرفيق الأعلى، فاختار الرفيق الأعلى.
وما المقصود بـ: الرفيق الأعلى؟
قال بعض العلماء: الجنة.
وقال بعض العلماء: الأنبياء.
وقال بعضهم: هم المذكورون في قوله تعالى: وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا [النساء: 69].
وقال آخرون: المراد بالرفيق الأعلى الله .
وقالوا: ورد من أسمائه تعالى: الرفيق، في حديث عائشة: إن الله رفيق يحب الرفق [رواه البخاري: 6927، ومسلم: 6766].
والراجح: أن المقصود بـ الرفيق الأعلى المذكورون في الآية.
إذًا، قوله ﷺ: ما من نبي يموت حتى يخير يرى ما أعد الله له من الثواب في الجنة ليسر به ويشتاق إليه، وإلى لقاء الله، ولذلك فإن النبي ﷺ اختار ما عند الله بمجرد ما رأى ذلك المقام اختار ما عند الله، هذا بالنسبة للنبي ﷺ.
قصة موسى مع ملك الموت
وأما بالنسبة لموسى ، فإن النبي ﷺ قد أخبرنا عن موت موسى، فقال: أرسل ملك الموت إلى موسى فقال له: أجب ربك هذه رواية مسلم: 6298]، والرواية الأصلية في البخاري ومسلم: فلما جاءه صكه فلطمه [رواه البخاري: 3407، ومسلم: 6297]، وفي رواية: فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها فرجع إلى ربه [رواه أحمد: 8157]، يعني: ملك الموت، وكان يأتي الناس بصورة بشر فرجع ملك الموت إلى ربه، فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت وقد فقأ عيني فرد الله عليه عينه، وقال: ارجع فقل له الحياة تريد فإن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور، فله بكل ما غطت به يده بكل شعرة سنة؟ لو غطت يده خمسمائة شعرة خمسمائة سنة، قال: أي رب ثم ماذا؟ قال: ثم الموت، قال: فالآن يا رب من قريب، فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجرة، قال رسول الله ﷺ: فلو كنت ثم يعني هناك في ذلك الموضع لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر[رواه البخاري: 3407، ومسلم: 6297].
أجب ربك يعني للموت أو لقبض الروح وصكه ضربه على عينه.
وفي رواية لأحمد: كان ملك الموت يأتي الناس عيانًا فأتى موسى فلطمه ففقأ عينه[رواه أحمد: 10917، وقال الألباني: "وإسناده صحيح على شرط"، كما في ظلال الجنة: 600].
وفي رواية أيضاً فقال: يا رب يعني ملك الموت يقول الله: عبدك موسى فقأ عيني ولولا كرامته عليك لشققت عليه [رواه أحمد: 10917، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 3279].
وقوله: يضع يده على متن ثور يعني: على ظهره أو على جلده.
وقوله: فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر يعني: قدر رمية حجر.
هل المقصود أن يقترب موسى من الأرض المقدسة رمية حجر، وإلا يكون المسافة بينه وبين الأرض المقدسة رمية حجر؟
الحديث يقول: فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر فهل هو يقرب إلى الأرض المقدسة مسافة رمية حجر، وإلا يكون على مسافة بينه وبين الأرض المقدسة رمية حجر، الثاني هو الأظهر، كما ذكر الحافظ -رحمه الله-؛ لأن هذا أقرب، ولو أنه سيكون فقط أقرب إلى الأرض المقدسة برمية حجر، لسأل أقرب من ذلك، ولعله لم يطلب دخولها كما قال العلماء، ليعمي قبره لئلا يعبده الجهال من ملته، وهو قد خبر بني إسرائيل ورآهم، وكيف عبدوا الجهل، والآن قد خرجوا من النجاة التي نجاهم الله من فرعون، ولما منع الله بني إسرائيل من دخول بيت المقدس وتركهم في التيه أربعين سنة إلى أن أفناهم الموت، فلم يدخل الأرض المقدسة إلا أولادهم، فني ذلك الجيل الذي كان تمرد، وجاء الجيل الذي بعده فدخلوا مع يوشع نبي الله بعد موسى، وكانوا قد تربوا في الصحراء في التيه واشتد عودهم، ولم يكونوا مثل آباءهم المتمردين العصاة الذين قالوا: لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا[المائدة: 24]، ولذلك دخلوها بعد.
ومات هارون ثم موسى عليهما السلام قبل فتح الأرض المقدسة على الصحيح، فطلب موسى قبل أن يموت على الأقل أن يكون قريبًا من الأرض المقدسة، برمية حجر، قال ﷺ: فلو كنت ثم أي هناك لأريتكم قبره، قال: تحت الكثيب الأحمر الكثيب مجتمع الرمل، واشتهر أن قبره بأريحاء عند كثيب أحمر، وأريحاء من الأرض المقدسة، وقيل: بمدين، وقيل غير ذلك.
هذا الحديث بعض المبتدعة، وقعوا فيه، عندما لا تقبله عقولهم الضيقة ينكرونه، يستخفون به، ونحو ذلك.
والله لما أرسل ملك الموت إلى موسى قيل: لماذا لطم عينه؟
فقال بعض العلماء: لم يعرفه، رآه رجل أمامه دخل عليه في الدار فجأة، ومعلوم أن الذي يدخل بغير إذن يستحق العقاب، بل إنه لو اكتشف أن رجلاً ينظر إليه من ثقب الباب لحل له أن يفقأ عينه.
وقال بعضهم: إن موسى دفعه لما كان في طبعه من الحدة، وإن ملك الموت لما جاء في البداية ما كان جاء لقبض الروح، إنما جاء امتحانًا، المرة الثانية كان مجيئه لقبض الروح، وعند ذلك لما تيقن موسى استسلم، ولم يلطمه، ولم يعمل له أي شيء، وإنما استسلم له.
وقال بعض المبتدعة: لماذا لم يقتص ملك الموت؟
ورد عليه ابن خزيمة رحمهم الله: فمن أين لهذا المبتدع مشروعية القصاص بين الملائكة والبشر؟ ثم من أين له أن ملك الموت طلب القصاص من موسى فلم يقتص له؟ [فتح الباري لابن حجر: 6/442].
وإذا عرفنا بأن موسى كان ذو طبيعة قوية فيه شيء من الحدة والغضب ، وأنه يحتمل أنه لم يعرفه في المرة التي جاءه فيها الأولى، وأن ملك الموت كان يأتي على صورة آدمي، وأن ملك الموت في البداية، ما جاء لقبض روحه، وإنما كان المجيء الثاني، فإن هذا لا يكون فيه ما ينكر، ولا ما يدفع به الحديث الصحيح.
وهب أن موسى استعجل وأخطأ، فإن خطأه مغمور في بحر فضائله، ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وكذلك لطم موسى عين ملك الموت ففقأها ولم يعتب عليه ربه ... لأن موسى قام بتلك المقامات العظيمة التي أوجبت له هذا الدلال" يعني أن الله لا يعاتبه على هذه اللطمة "فإنه قاوم فرعون أكبر أعداء الله وتصدى له، ولقومه، وعالج بني إسرائيل أشد المعالجة، وجاهد في الله أشد الجهاد، وكان شديد الغضب لربه، فاحتمل منه ما لم يحتمل من غيره". [مدارج السالكين: 2/456].
وأشار ابن القيم رحمه الله إلى شيء من هذا، وقال: "لأنه قام لله تلك المقامات العظيمة في مقابلة أعدى عدو الله، وصدع بأمره، وعالج أمتي القبط وبني إسرائيل" الأمم كلهم الأنبياء على أمة أمة، موسى أمتين: القبط قوم فرعون، وبني إسرائيل، قال: "وعالج أمتي القبط وبني إسرائيل أشد المعالجة، فكانت هذه الأمور كالشعرة في البحر" [مدارج السالكين: 1/ 328] وكان يتمثل بصورة الإنسان أي الملك إذا جاء.
وأخذ من الحديث: فضيلة الدفن في الأرض المقدسة.
قصة احتضار آدم وموته
ماذا بالنسبة لنزول الموت بآدم ومحبة الحياة فطرة، لا تنكر حتى من أولياء الله؟
روى الترمذي رحمه الله عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: لما خلق الله آدم مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصًا من نور، ثم عرضهم على آدم، فقال: أي رب من هؤلاء؟ قال هؤلاء ذريتك، فرأى رجلاً منهم فأعجبه وبيص ما بين عينيه، فقال: أي رب من هذا؟ قال: هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك يقال له: داود شف كم بيننا وبين آدم إذا كان داود من الأواخر فنحن في آخر آخر؟ قال: رب كم جعلت عمره؟ قال: ستين سنة، قال: أي رب زده من عمري أربعين سنة؟ فهذا آدم نبي الله يحب أن أولياء الله يزاد في أعمارهم، ويعيشون أكثر لمنفعة الناس فلما قضي عمر آدم، جاءه ملك الموت، فقال آدم: أو لم يبق من عمري أربعون سنة؟ قال: أو لم تعطها ابنك داود، فجحد آدم فجحدت ذريته، ونسي آدم فنسيت ذريته، وخطئ آدم فخطئت ذريته [رواه الترمذي: 3076، وقال: "هذا حديث حسن صحيح"، وصححه الألباني في صحيح الترمذي: 2683].
هذا الحديث يبين أن الله لما خلق آدم مسح ظهره، فخرج من ظهره كل ذي روح من ذريته خروجًا حقيقًا، أنا وأنت، وهو، كلنا خرجنا من ظهر آدم.
وفيهم رجل قال: من آخر الأمم هذه -طبعًا- الآخرية نسبية.
يقال له: داود، تعجب آدم من وبيص ونور داود ؛ لأنه صاحب عبادة، يصوم يومًا، ويفطر يومًا، ويقرأ القرآن، خفف عليه، حتى إنه ليقرأ القرآن المقصود به الزبور في فترة إسراج خيله، وهو صاحب العبادة العظيمة، وكانت الجبال تسبح معه، وتذكر الله معه، من جمال صوته، فلما رأى منظره أعجبه، وسأل عن عمره، وطلب من ربه أن يزيد من عمر آدم في عمر داود، لما جاء مالك لقبض آدم بعد تسعمائة وستين سنة، قال آدم: ما انتهى عمري، فقال: أو لم تعطها لابنك داود؟ ما تذكر آدم الموقف ذاك، فلم يستحضر حالة مجيء ملك الموت له، فجحد ونسي، ولم يتذكر ذلك، فنسيت ذريته، وجحدت ذريته، والولد سر أبيه.
ويظهر من الحديث: أن الله أعلم آدم بعمره المكتوب له، وأنه سيعيش ألف عام، كما جاء في الحديث، فلما مضت تسعمائة وستين، جاءه ملك الموت لقبض روحه، فحصل النقاش الذي حصل.
لقد خلق الله آدم من يوم خلقه بشرًا سويًا، ولم يتطور الخلق كما يقول أهل الباطل، وأنه كان خلية ثم صار حيوانا ثم صار قردًا، ثم صار إنسانًا، خلق الله آدم منذ أن خلقه بشرًا، طوله ستون ذراعًا، ولم يزل الخلق ينقص من بعد آدم، وهذا من شؤوم المعصية، وذهابها بالبركات، ومنها: نقصان طول البشر، قال ﷺ: خلق الله آدم على صورته، طوله ستون ذراعًا، ثم قال: اذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة، فاستمع لما يحيونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه ورحمة الله، فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن [رواه البخاري: 3326، ومسلم: 7342].
وهذا فيه إثبات القدر وأعمار العباد، وفضل نبي الله داود، وقدرة آدم على العد والحساب، فقد حسب سني عمره، وخاصم ملك الموت عندما أراد قبض روحه؛ لأنه قد جاء في رواية للحديث عند الترمذي: ثم أسكن الجنة ما شاء الله، ثم أهبط منها، فكان آدم يعد لنفسه، فأتاه ملك الموت، فقال له آدم: قد عجلت، قد كتب لي ألف سنة الحديث [رواه الترمذي: 3368، وقال: "حديث حسن غريب من هذا الوجه"، وصححه الألباني في صحيح الترمذي: 2683].
وفي هذا بيان أن عمر آدم ألف سنة، وقد قال العلماء: إن الله تعالى كمل لآدم الألف، وأعطى داود الزيادة، والله ذو الفضل العظيم.
ومن هذا الحديث: مشروعية الكتابة، كتابة الديون والعقود والمعاملات، حتى لا ينسى الأطراف.
اللحظات الأخيرة من حياة آدم
واللحظات الأخيرة من حياة آدم جاء فيها قصة، ونحن نذكر الآن لحظات الاحتضار واللحظات الأخيرة في حياة أنبياء الله الكرام، وبعض الصالحين والسلف والصحابة، وسنتكلم أيضاً عن اللحظات الأخيرة من حياة بعض الكفار والمشركين.
عن عتي قال: "رأيت شيخًا بالمدينة يتكلم، فسألت عنه، فقالوا: هذا أبي بن كعب"، وهو الصحابي الجليل أقرأ الأمة، فقال: "إن آدم لما حضره الموت، قال لبنيه: أي بني إني اشتهي من ثمار الجنة، فذهبوا يطلبون له، فاستقبلتهم الملائكة" وكانت الملائكة تأتي على هيئة بشر، تأتي على هيئة بشر "فاستقبلتهم الملائكة، ومعهم أكفانه وحنوطه"؛ لأن الملائكة تريد أن تعلم بني آدم كيف يدفنون، وماذا يفعلون بالجثة بعد الموت "فاستقبلتهم الملائكة ومعهم أكفانه وحنوطه، ومعهم الفؤوس والمساحي والمكاتل" هذه آلات الحفر والردم، فقالوا لهم: "يا بني آدم ماذا تريدون؟ وما تطلبون؟ أو ما تريدون وأين تذهبون؟
قالوا: أبونا مريض فاشتهى من ثمار الجنة، قالوا لهم: ارجعوا فقد قضي قضاء أبيكم" انتهى، "فجاؤوا، فلما رأتهم حواء عرفتهم، فلاذت بآدم، فقال: إليك إليك عني، فإني إنما أوتيت من قبلك" يعني أنت أيضاً زينت لي الأكل من شجرة، أو طاوعتي الشيطان في الأكل منها "خلي بيني وبين ملائكة ربي تبارك وتعالى، فقبضوه، وغسلوه، وكفنوه، وحنطوه، وحفروا له، وألحدوا له، وصلوا عليه، ثم دخلوا قبره فوضعوه في قبره، ووضعوا عليه اللبن، ثم خرجوا من القبر، ثم حثوا عليه التراب، ثم قالوا: يا بني آدم هذه سنتكم". هذا الحديث. [رواه عبد الله بن الإمام أحمد رحمه الله في زوائد المسند: 21278، قال ابن كثير: "إسناده صحيح إليه"، البداية والنهاية: 1/110، يعني إلى أبي بن كعب، وقال الهيثمي: "رجاله رجال الصحيح غير عتي بن ضمرة وهو ثقة"، مجمع الزوائد: 8/ 366، وقال الألباني: "الحديث عن أبي صحيح مرفوعًا وموقوفًا"، سلسلة الأحاديث الضعيفة: 6/406].
-طبعًا- الحديث عن أبي، وأبي صحابي، ومثل هذا الكلام لا يقوله الصحابي بدون ما يكون عنده خبر من الوحي، الصحابة متأدبين، لا يقولون كلامًا بلا دليل، ولذلك يقول العلماء في كثير من هذه الحالات: أن لها حكم المرفوع.
على أية حال هذه تبين اللحظات الأخيرة من حياة آدم ، وكيف أنه أرسل أولاده، وكيف تقابلوا مع الملائكة، وماذا فعلت الملائكة لما جاؤوا، وكيف قبضوه، وغسلوه، وكفنوه، وحنطوه، وحفروا له، وألحدوا اللحد، الميل داخل الحفرة، وصلوا عليه، ودخلوا قبره ووضعوا فيه، ووضعوا عليه اللبن، وخرجوا من القبر، وحثوا التراب، وقالوا: يا بني آدم هذه سنتكم".
لقد كان حب آدم للجنة شديدًا لدرجة أنه عند الموت يشتهي ثمرها، وهو مشتاق للعودة إليها كيف لا وهو رآها وعاينها، واستمتع بها فترة من الزمن، ولعله إذا اشتهى ذلك منها قد أحسن بدنو أجله، وكان يعرف سنوات عمره -كما تقدم-، فيبدو أنه علم أنها انقضت، وأن انتقاله إلى الدار الآخرة قد اقترب، وما كاد أولاده يبتعدون عن مقام أبيهم حتى قابلوا أولئك الملائكة الذين كانوا متمثلين في صورة الرجال، ولما أخبرهم أبناء آدم بمقصدهم، طلبوا منهم العودة إلى أبيهم؛ لأن أباهم قد قضي عمره، وانتهى أجله. وقبض الملائكة لروح آدم، وتوليهم لتجهيزه ودفنه وأبناؤه ينظرون، وحواء كانت موجودة، وكانوا يعلمونهم الطريقة الشرعية في التعامل مع الميت، وهذا هدي المسلمين في موتاهم، وفي هذه الشريعة كذلك، وقد خالف هذا الهدي كثير من الناس، فمنهم من يحرقون الموتى، ومنهم من يبنون عليهم الأهرامات، ومنهم من يضعونهم في توابيت الحجر والخشب، وهذا الهدي في الدفن هذا من أول بشر، وأول إنسان البشرية تعرف كيفية الدفن الصحيح، لكنهم ضلوا عن سبيل الله كثيرًا.
وكان تعليم الملائكة لبني آدم قولاً وفعلاً، وهذا فيه فضل آدم كيف تولت الملائكة بأنفسهم تجهيزه، والصلاة عليه، ودفنه.
بعد عرض هذا النماذج من اللحظات الأخيرة في حياة بعض الأنبياء.
تبشير أناس عند الموت بالجنة وآخرين بالنار
ننتقل إلى بقية البشر، فمنهم من يبشر بالجنة، ومنهم من يبشر بالنار، قال تعالى عن أهل النار الكفار: يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَّحْجُورًا [الفرقان: 22].
لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ متى؟
قال بعضهم: وقت الاحتضار.
وقال بعضهم: يوم القيامة.
لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ، وتقول الملائكة للكافرين: حرام محرم عليكم الفلاح اليوم، ويكون حِجْرًا مَّحْجُورًا بينهم وبين رحمة الله وبين الجنة.
وينقسم الناس، منهم من يصبر، ومنهم من يفزع.
أما التبشير عند الموت بالجنة للمؤمن فهو ثابت، وكذلك فإن ملائكة العذاب التي تقبض روح الكافر تجعله في حنوط من النار، وتبشره بمقعده من النار، بل يرى عيانًا مقعده من النار.
بعض قصص المحتضرين من المشركين
فمن لحظات الاحتضار التي مرت في حياة بعض المشركين، ما كان من أبي جهل، ومن الناس من يصبر عند موته، ومنهم من يجزع، ومنهم من يصبر، لكن لغير الله، وأبو جهل منهم، أبو جهل صبر عند الموت، لكن لغير الله، فروى البخاري رحمه الله عن عبد الله بن مسعود : "أنه أتى أبا جهل وبه رمق يوم بدر، فقال أبو جهل: هل أعمد من رجل قتلتموه؟ [رواه البخاري: 3961].
وقال في رواية لابن مسعود: مررت فإذا أبو جهل صريع قد ضربت رجله، فقلت: يا عدو الله يا أبا جهل قد أخزى الله الآخر؟ قال: ولا أهابه عند ذلك" لأنه كان في مكة يعذبه أبو جهل، وكان ابن مسعود مستضعفًا أما الآن فإن ذاك الذي كان يعذبه هذا هو ملق في الأرض صريعا، قال: "ولا أهابه عند ذلك، فقال أبو جهل: أبعد من رجل قتله قومه فضربته بسيف غير طائل، فلم يغن شيئًا، حتى سقط سيفه من يده، فضربت به حتى برد" مات تمامًا، حديث صحيح [رواه أبو داود: 2711، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود: 2709].
وفي رواية لابن عباس قال ابن مسعود: "فوجدته بآخر رمق، فوضعت رجلي على عنقه،... فقلت: أخزاك الله يا عدو الله، قال: وبم أخزاني؟ هل أَعْمَدُ رجل قتلتموه؟
وزعم رجال من بني مخزوم أنه قال له: لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقا صعبًا" شوف الآن أبو جهل الآن يموت، وابن مسعود -طبعا- كان يرعى الغنم في مكة لفقره، فلما صعد عليه، قال أبو جهل: "لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقا صعبًا، قال: ثم احتززت رأسه، فجئت به رسول الله ﷺ" يعني أبو جهل عند الموت لما أحس أن ابن مسعود يتشفى منه رد عليه بكلام معناه يعني هل أعمد؟ معنى العبارة، هل هو إلا رجل قتلتموه أو قتله قومه؟
يعني من الذي قتلني؟ قومي قتلوني، فكأنه يقول: أنت تشمت بي! وهل أنا إلا رجل قتله قومه؟ يعني انظر إلى هذا الكلام وعند الموت، ويقول: "ارتقيت مرتقى صعبًا يا رويعي الغنم". [دلائل النبوة: 3/86].
الأسود بن عبد الأسد المخزومي أول من قتل من المشركين في بدر، كان رجلاً شرسًا سيء الخلق، فلما رأى الحوض وما فعله المسلمون ببئر بدر، قال: أعاهد الله لأشربن من حوضهم أو لأهدمنه أو لأموتن دونه، فلما خرج خرج إليه حمزة بن عبد المطلب، فلما التقيا ضربه حمزة فأطن قدمه بنصف ساقه، وهو دون الحوض، فوقع على ظهره تشخب رجله دمًا، نحو أصحابه، ثم حبا إلى الحوض، يعني انظر إلى صبر الكافر الآن وهو يموت حتى اقتحم فيها يريد أن تبر يمينه؛ لأنه حلف أن يشرب، وأتبعه حمزة فضربه حتى قتله على الحوض. [مسند أحمد: 15069، وقال محققو المسند: "إسناده حسن"].
صبر بعض اللصوص عند الموت
قال ابن الجوزي في الثبات: "وقد رأينا جماعة من اللصوص عند الصلب لا ينزعجون". [الثبات عند الممات، ص: 83].
طبعًا هذا الكلام ما المقصود به الآن؟
أنك أحيانًا تسمع قصصًا عن صبر الكفار عند الموت، وأنهم لا يجزعون، وأنهم يكونون بثبات جأش، ورباطة قلب، هل هذا معناه أنهم لا يبشرون بالنار أو أن ملائكة العذاب لم تنزل لقبض أرواحهم أو...؟ ليس هذا معناه، لكن عنده قوة نفس حافظ عليها إلى آخر لحظة من حياته فقط، أما عند خروج روحه فالعذاب والنكال والضرب، وكل الإهانات -كما مر معنا-، لكن في ناس من الكفار فيهم ثبات قوة في النفس تبقى معهم، قال: "رأينا جماعة من اللصوص عند الصلب لا ينزعجون، وروينا أنه لما أُخذ بابك الخرَّمي" -طبعًا- هذا رجل من الباطنية خبيث جداً، كافر، لما أخذ ليقتل قال له أخوه: قد فعلت ما لم يفعله أحد، قال: سترى صبري، فقطعت يده، أول شيء، حد الحرابة، فقطعت يده، فأخذ من دمها فسمح به وجهها، فقيل له في ذلك، يعني ليش أخذت من يدك الجريحة المقطوعة ومسحت وجهك؟ قال: خفت أن يصفر وجهي فيظن أن ذلك جزع، شوف يعني لا يريد أن يظن أنه اصفر وجهه لخوف، ولذلك لطخ وجهه بالدم. [الثبات عند الممات، ص: 83].
الحلاج الكافر الزنديق الملحد، لما أخذ ليقتل قال أبو عمر بن حيوية: مضيت وزاحمت حتى رأيته، فقال لأصحابه: لا يهولنكم، شوف الحلاج يقول لأتباعه وهو الآن على القتل: "لا يهولنكم، فإني عائد إليكم بعد ثلاثين يومًا". [سير أعلام النبلاء: 14/346]. هو علمهم العقائد الباطلة، ونسخ الأرواح، قال: لا تنتقموا، أنا راجع بعد ثلاثين يوما فقتل ولم يعد.
ثبات أهل الإيمان عند الموت
ومن الناس من أهل الإيمان من يصبر عند الموت، ومن منهم من ينزعج عند الموت، والمقصود في ذكر عند أهل الإيمان أن الذي ينزعج ليس هذا سوء خاتمة، والذي يصبر فهو خير وأطيب لا شك، لكن عند الموت حتى بعض المؤمنين قد ينزعجون، ليس هذا الانزعاج دليل سوء خاتمة، ومنهم من يصبر، ونعرف قصة الغلام في أصحاب الأخدود، فإنه لما نجا من الملك وجنوده من الجبل ومن البحر، وكان يقول للملك يأتي إليه برجليه، مشى على الماء لما غرق جنود الملك في القارب، انقلبت بهم السفينة جاء الغلام مشى على الماء كرامة من الله، نجا، وجاء إلى الملك يمشي: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله، لما احتار الملك وأغلقت عليه، الغلام قال: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، قال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع ثم خذ سهمًا من كنانتي ثم ضع السهم في كبد السوق، ثم قل: بسم الله رب الغلام، ثم ارمني، فإنك إن فعلت ذلك قتلتني، فجمع الناس في صعيد واحد وصلبه على جذع، ثم أخذ سهمًا من كنانته، ثم وضع السهم في كبد القوس، ثم قال: بسم الله رب الغلام، ثم رماه. [ينظر الحديث في مسلم: 7703].
لقد كان الغلام ثابتًا، رابط الجأش، قوي القلب، فوقع السهم في صدغه، فوضع يده في صدغه في موضع السهم، فمات، هكذا بكل ثبات، فقال الناس: آمنا برب الغلام.
جزع بعض الصالحين عند الموت وأسباب ذلك
جزع الصالحين عند الموت حياءً وخوفًا من الله:
وهناك من المؤمنين من أصابه شيء من الجزع عند الموت، عن علقمة بن مرثد قال: كان الأسود يجتهد في العبادة ويصوم حتى يخضر ويصفر، فلما احتضر بكى، فقيل له: ما هذا الجزع؟ فقال: مالي لا أجزع والله لو أتيت بالمغفرة من الله لأهمني الحياء منه مما قد صنعت. [سير أعلام النبلاء: 4/52].
يعني: لو جاءتني المغفرة سأستحي من ربي، وما الذي صنع؟ أصلاً حياته عبادة في عبادة، إن الرجل ليكون بينه وبين آخر الذنب الصغير فيعفو عنه، فلا يزال مستحيًا منه، يعني أنت، اثنان من البشر واحد أخطأ عليك وسامحك، كل ما لقيته أنت تتذكر المسامحة وتستحي، يقول: فكيف برب العالمين؟ لو جاءني بالمغفرة كيف سيكون حيائي منه على ما صنعت، وما أجرمت في حقه؟
وقال بعضهم: حضرت رجلاً من أهل المدينة، وكان خيرًا فاضلاً، فجزع عند الموت، جزعًا شديدًا، فقلت له: أتجزع من الموت هذا الجزع الشديد، مع ما لك من الأعمال الصالحة؟ فكيف لا أجزع والله إن أمير المدينة ليأتيني رسوله فأجزع منه، فكيف برسول رب العالمين؟
ومن أسباب جزع بعض الصالحين عند الموت: الخوف من الذنوب والتفريط في جنب الله، وروى أحمد وابن ماجه: لما احتضر سلمان بكى، فقال سعد: ما يبكيك يا أخي؟ أليس قد صحبت رسول الله ﷺ ؟ أليس ؟ أليس؟ قال سلمان: ما أبكي واحدة من اثنتين، ما أبكي ضنًا للدنيا ولا كراهية للآخرة، ولكن رسول الله ﷺ عهد إلي عهدًا فما أراني إلا قد تعديت، يعني خالفت الوصية النبوية، قال: وما عهد إليك؟ قال: عهد إلي أنه يكفي أحدكم مثل زاد الراكب، يكفي من الدنيا أنك تأخذ مثل زاد المسافر، بس، ولا أراني إلا قد تعديت، يعني أنا قد زدت على زاد المسافر، وأما أنت يا سعد فاتق الله عند حكمك إذا حكمت، وعند قسمك إذا قسمت، وعند همك إذا هممت، قال ثابت: فبلغني أنه يعني سلمان ما ترك إلا بضعة وعشرين درهمًا من نفقة كانت عنده. [رواه ابن ماجه: 4104، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه:3312]، يعني: كل الذي تركه بضع وعشرين درهمًا، ويقول: تعدينا!.
وكان بعض الصحابة يفهم هذا جيدًا، الزهد كأبي ذر ، ولذلك لما دخل واحد بيت أبي ذر وقال له لما قلب النظر في البيت ما في أثاث، قال: أين الأثاث؟ لا بدّ من أثاث؟ قال يعني إننا منتقلون إلى دار أخرى، قال: لكنك ما دمت مقيمًا في هذه الدار فاتخذ شيئًا، قال: إن صاحب الدار لا يدعنا فيها.
عمرو بن العاص أصابه شيء أيضاً عند موته من بكاء وجزع، وليس المقصود طبعا بالجزع نياحة، ولا يأس من رحمة الله، ولا قنوط، أبدًا، المقصود أنه يصيبه شيء من الخوف، وليس كل الصالحين يكون ثابتًا مبتسمًا متهللًا، وأنه لا يظهر منه أي بكاء ولا أي حزن ولا جزع، ليس بشرط، روى أحمد عن أبي نوفل بن أبي عقرب قال: جزع عمرو بن العاص عند الموت جزعًا شديدًا، فلما رأى ذلك ابنه عبد الله بن عمرو بن العاص قال: يا أبا عبد الله ما هذا الجزع؟ وقد كان رسول الله ﷺ يدنيك ويستعملك، يعني لك منزلة عند النبي ﷺ، وأمرك على الجيش، وجعلك أميرًا في بعض السرايا والغزوات، قال: أي بني قد كان ذلك فعلاً وسأخبرك عن ذلك؟ إني والله ما أدري أحبًا ذلك كان أم تألفًا؟ يعني أنا ما أدري هو ولاني حبًا في أو لأنه كان يتألف قلبي، ولكني أشهد على رجلين أنه قد فارق الدنيا وهو يحبهما: ابن سمية وابن أم عبد، من هو ابن سمية؟ عمار بن ياسر، من هو ابن أم عبد؟ عبد الله بن مسعود، فلما حدثه وضع يده موضع الغلال من ذقنه، وقال: اللهم أمرتنا فتركنا، ونهيتنا فركبنا، ولا يسعنا إلا مغفرتك وكانت تلك هجيراه حتى مات . [مسند أحمد: 17816، وقال محققو المسند: تعليق شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم] يعني: يقول هذه العبارات.
ولما مرض عبد الله بن مسعود عاده عثمان، فقال: ما تشتكي؟ قال: ذنوبي، قال: فما تشتهي؟ قال: رحمة ربي، قال: ألا آمر لك بطبيب؟ قال: الطبيب أمرضني، قال: ألا آمر لك بعطاء؟ قال: لا حاجة لي فيه. [شعب الإيمان: 4/118].
ولما حضرت ابن المنكدر الوفاة بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: والله ما أبكي لذنب أعلم أني أتيته، ولكن أخاف أني أتيت شيئًا هينًا، وهو عند الله عظيم. [إحياء علوم الدين: 4/481].
ولما احتضر عامر بن عبد الله: بكى، وقال: لمثل هذا المصرع فليعمل العاملون، اللهم إني أستغفرك من تقصيري وتفريطي وأتوب إليك من جميع ذنوبي، لا إله إلا الله، ثم لم يزل يرددها حتى مات. [لطائف المعارف لابن رجب: ص: 345].
فكان جماعة من السلف عند الاحتضار يعظون من حولهم، ويشكون ذنوبهم، ويبينون خوفهم منها.
وأما بعض المفرطين، فإنه يظهر من كلامهم أحيانًا ما يدل على ذلك، فقد سمع بعضهم عند احتضاره يلطم وجهه، ويقول: يا حسرتاه على ما فرطت في جنب الله.
وسنتكلم بمشيئة الله عن موضوع حسن الخاتمة وسوء الخاتمة، وعالم الروح والقبر، وما يكون فيه من الأهوال والنعيم والفتنة بمشيئة الله.
جزع بعض الصالحين عند الموت خوفا من الأهوال التي سيقدمون عليها
ومن أسباب جزع بعضهم عند الموت: الخوف من الأهوال التي يقدمون عليها، ولذلك فإن عمر لما شرب اللبن في طعنته التي مات منها، وخرج اللبن من الجرحين، وعرف أنه الموت، والطبيب قال له: أوص يا أمير المؤمنين؟ عرف أنه مودع، قال: لو أني لي الدنيا كلها لافتديت بها من هول المطلع؛ لأنه إذا نزل الموت يطلع الإنسان على شيء شديد، وعلى أهوال، فأنا أريد شيئًا أفتدي به من هول المطلع الذي سأطلع عليه، وما ذاك والحمد لله أن أكون رأيت إلا خيرًا" قال الهيثمي: "إسناده حسن". [رواه الطبراني في المعجم الأوسط: 1/181].
وحذيفة بن اليمان لما كان عند السحر قال: أعوذ بالله من صباح إلى النار، يعني: أعوذ بالله من ليلة صباحها إلى النار، ثلاثًا، فلما حضره الموت، قال: حبيب جاء على فاقة؛ لأنه كان يخشى الفتنة، ويريد أن يموت قبل الفتن، ولذلك قال: الموت حبيب جاء على فاقة، أنا محتاج إليه، لا أفلح من ندم، أليس بعدي ما أعلم، الحمد لله الذي سبق بي الفتنة، يعني قبضني قبل وقوعها. [مصنف بن أبي شيبة: 15/39، وحلية الأولياء: 1/282].
ومعاوية لما احتضر قيل له: ألا توص؟ قال: اللهم أقل العثرة، واعف عن الزلة، وتجاوز بحلمك عن جهل من لا يرجو غيرك، فما وراءك مذهب.
وقال:
هو الموت لا منجى من الموت | والذي يحاذر بعد الموت أدهى وأفظع |
[سير أعلام النبلاء: 3/160].
ولما احتضر نافع مولى ابن عمر قيل: ما يبكيك؟ قال: ذكرت سعدًا وضغطة القبر، أنه في ضغطة، ولو نجا منها أحد لنجا سعد، قال: ذكرت سعدًا وضغطة القبر. [سير أعلام النبلاء: 5/99].
والفضيل بن عياض لما حضرته الوفاة غشي عليه، ثم فتح عينيه، فقال: وابعد سفراه؟ واقلة زاداه؟
ودخل المزني على الشافعي في مرضه الذي توفي فيه، فقال له: كيف أصبحت يا أبا عبد الله؟ قال: أصبحت من الدنيا راحلاً، وللإخوان مفارقًا، ولسوء عملي لاقيًا، ولكأس المنية شاربًا، وعلى الله واردًا، ولا أدري أروح تصيري إلى الجنة فأهنيها، أم إلى النار فأعزيها، ثم أنشأ يقول:
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي | جعلت رجائي دون عفوك سلمًا |
تعاظمني ذنبي فلما قرنته | بعفوك ربي كان عفوك أعظما |
فما زلت ذا عفو عن الذنب | لم تزل تجود وتعفو منة وتكرمًا |
فإن تنتقم مني فلست بآيس | ولو دخلت نفسي بجرمي جهنما |
وإني لآتي الذنب أعرف قدره | وأعلم أن الله يعفو ترحما |
قال الذهبي: هذه القصة إسنادها ثابتة عنه، يعني عن الشافعي. [سير أعلام النبلاء: 10/75].
وعبد الواحد بن زيد لما حضرت حبيب أبا محمد الوفاة، جزع جزعًا شديدًا، وجعل يقول: أريد أن أسافر سفرًا ما سافرته قط؟ شيء جديد علي، أريد أن أسلك طريقًا ما سلكته قط، أريد أن أزور سيدي ومولاي وما رأيته قط، أريد أن أشرف على أهوال ما شاهدت مثلها قط، أريد أن أدخل تحت التراب فأبقى تحته إلى يوم القيامة، ثم أوقف بين يدي الله فأخاف أن يقول لي: يا حبيب هات تسبيحة واحدة في ستين سنة لم يضفر منك الشيطان فيها بشيء؟ فماذا أقول؟ وليس لي حيلة؟ أقول: يا رب هو ذا قد أتيت مقبوض اليدين إلى عنقي، قال عبد الواحد: بهذا عبد الله ستين سنة مشتغلاً بالله، ولم يشتغل بالدنيا بشيء قط. [صفة الصفوة: 3/320 - 321].
هذا عبد الواحد يقول عن حبيب الذي حضرته الوفاة، وقال الكلام السابق، يقول: إن حبيبًا عبد الله ستين سنة مشتغلاً به لم يشتغل من الدنيا بشيء قط. فأيش حالنا واغوثاه بالله.
أبو هريرة بكى في مرضه فقيل: ما يبكيك؟ قال: ما أبكي على دنياكم هذه، ولكن على بعد سفري؛ لأن المسافة بين الموت وبين البعث كم سنة؟ الرحلة من الموت إلى يوم البعث والنشور كم سنة؟ يقولون: هذا سفر طويل، والزاد قليل، قال: ولكن أبكي على بعد سفري، وقلة زادي، وأنا أمسيت في صعود، ومهبطه على جنة أو نار، أنا الآن أشرف من علو، وهبوط بعده، إما على الجنة وإما على نار، ولماذا لا أبكي؟ فلا أدري أيهما يؤخذ بي .[الزهد، للإمام أحمد: ص: 153، وحلية الأولياء: 1/383].
وقال محمد بن واسع عند موته: يا إخوتاه تدرون أين يذهب بي؟ فلا أحد يدري، فكانوا يخشون من سوء المصير [الزهد، للبيهقي: 2/22، وحلية الأولياء: 2/348].
ولما احتضر إبراهيم النخعي جزع جزعًا شديدًا، فقيل له في ذلك، فقال: وأي خطر أعظم مما أنا فيه؟ أتوقع رسولا يرد عليّ من ربي إما بالجنة وإما بالنار، والله لوددت أنها تلجلج في حلقي إلى يوم القيامة. [سير أعلام النبلاء: 4/528]، يعني أن روحي ما تطلع، وتبقى متلجلجة في حلقي إلى يوم القيامة؛ لأني لا أعرف سأقدم على ماذا.
ولما حضرت أحمد بن خضروية الوفاة دمعت عينه، فقال لابنه: يا بني باب كنت أدقه خمسة وتسعين، عمره خمسة وتسعين سنة، وهو ذا يفتح لي الساعة، لا أدري أيفتح بالسعادة أو بالشقاوة. [صفة الصفوة: 4/164].
فإذًا، كان جزعهم أو خوفهم عند الموت من أجل هذا، أنها ستحضر في تلك الساعة، أنه لا يدري سيقدم على ماذا؟ يا بني باب كنت أدقه خمسة وتسعين، وهو ذا يفتح لي الساعة، لا أدري أيفتح بالسعادة أو بالشقاوة.
تحسر بعض الصالحين عند الموت على عدم استغلال بعض الأوقات في طاعة الله
وبعضهم عند الموت من الصالحين تحسر على أشياء من الطاعات فاتته، وأوقات لم يعمرها بالعبادة، فلما حضرت معاذ بن جبل الوفاة قال: اللهم إني قد كنت أخافك، وأنا اليوم أرجوك، اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا، وطول البقاء فيها، لجري الأنهار، ولا لغرس الأشجار، ولكن لظمأ الهواجر، يعني الأيام الحارة تصام، ومكابدة الساعات، يعني في قيام الليل مثلاً، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر.[حلية الأولياء: 1/501]، يعني أنا ما كنت أحب البقاء في الدنيا إلا لأجل صيام الأيام الحارة، والقيام، وطلب العلم.
وقال قتادة: لما احتضر عامر بكى، فقيل: ما يبكيك؟ قال: ما أبكي جزعًا من الموت، ولا حرصًا على الدنيا، ولكن أبكي على ما يفوتني من ظمأ الهواجر، وقيام الليل في الشتاء. [الزهد، لأحمد، ص: 225، وحلية الأولياء: 2/ 88]؛ لأن ليل الشتاء طويل.
فكان إذًا من سبب جزع بعضهم أنه تحسر على ما سيفوته من الطاعات إذا انقطع الأجل والعمر.
جزع بعض الخلفاء والأمراء خوفًا من عدم عدله بين الرعية
وبعضهم جزع لأنه كان متولي ولاية أو إمارة أو خلافة، ولا يدري هل عدل فيها، وكيف سيكون حسابه عن الرعية، فلما نزل بمعاوية الموت قال: يا ليتني كنت رجلاً من قريش بذي طوى، وإني لم ألِ من هذا الأمر شيئًا. [البداية والنهاية: 8/151]، يا ليتني كنت راع غنم، ولا أني وليت شيئًا من هذا الأمر.
ولما حضرت عمر بن عبد العزيز الوفاة، بكى، فقيل له: ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ أبشر قد أحيا الله بك سننًا، وأظهر بك عدلاً، فبكى، ثم قال: أوقف فاسأل عن أمر هذا الخلق، فوالله لو عدلت فيهم لخفت على نفسي ألا تقوم بحجتها بين يدي الله إلا أن يلقنها الله حجتها، فكيف بكثير مما ضيعنا؟ [إحياء علوم الدين: 4/481]، يعني: لو أنا عدلت أخاف إذا سئلت ما استحضر جوابًا، فكيف وهو يرى نفسه أنه ضيع أشياء.
وعبد الملك بن مروان لما حضرته الوفاة قال: "يا ليتني كنت غسالاً، آكل من كسب يدي يومًا بيوم"، وأشتغل بطاعة الله "ولم أل من أمر الدنيا شيئا" يا ليتني ما توليت ولاية، ولا إمارة، ولا خلافة، وكنت غسالاً أكسب قوتي كل يوم "فبلغ ذلك أبا حازم، فقال: الحمد لله الذي جعلهم إذا حضر الموت يتمنون ما نحن فيه، وإذا حضرنا الموت لم نتمن ما هم فيه". [إحياء علوم الدين: 4/480].
هذه عبارة بليغة، يقول أبو حازم لما سمع كلمة عبد الملك بن مروان عند موته، قال: الحمد لله الذي جعلهم إذا حضر الموت يتمنون ما نحن فيه، وإذا حضرنا الموت لا نتمنى ما كانوا هم فيه.
وقيل لعبد الملك بن مروان في مرضه الذي مات فيه: كيف تجدك يا أمير المؤمنين؟ قال: أجدني كما قال الله -تعالى-: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ [الأنعام: 94].[إحياء علوم الدين: 4/480، والعاقبة في ذكر الموت، ص: 127].
ولما حضرت المأمون الوفاة فرش رمادًا، واضطجع عليه، وكان يقول: "يا من لا يزول ملكه، ارحم من قد زال ملكه" [إحياء علوم الدين: 4/481].
ولما احتضر الواثق الخليفة قال:
الموت فيه جميع الخلق مشترك | لا سوقة منهم يبقى ولا ملك |
ما ضر أهل قليل في تفرقهم | وليس يغني عن الاملاك ما ملكوا |
ثم أمر بالبسط فطويت، وألصق خده بالتراب، وجعل يقول: يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه[سير أعلام النبلاء: 10/313].
وقيل: إن هارون الرشيد رحمه الله وهو الخليفة الذي كان يحج عامًا ويغزو عامًا، قال عند موته: مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ[الحاقة: 28 - 29]. [إحياء علوم الدين: 4/481].
والمعتصم الخليفة قال عند موته: لو علمت أن عمري هكذا قصيري ما فعلت [إحياء علوم الدين: 4/481]، ما اشتغلت بالملك ولا بالخلافة.
وعضد الدولة صاحب العراق وفارس، فناخسرو بن حسن بن بويه الديلي، كان بطلاً شجاعًا مهيبًا، لكنه كان شديد الوطأة، عسوفًا، هذا مع شجاعته، لكنه كان -والعياذ بالله- عنده أبيات كفرية، فكان من أبياته التي قالها:
فاق البشر عضد الدولة وابن ركنها | ملك الأملاك غلاب القدر |
شف الغرور إلى أي درجة، كان جبارًا ظالمًا، نقل أنه لما احتضر ما انطلق لسانه إلا: مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ [الحاقة: 28 - 29]. [ينظر: العاقبة في ذكر الموت، ص: 130، وسير أعلام النبلاء: 16/250].
استبشار وفرح بعض الصالحين عند الموت وأسباب ذلك
نجد آخرون من السلف مثلاً أو الصحابة والصالحين كان عند الموت يستبشر ويتهلل ويفرح، يعني في ناس جزعوا، وذكرنا أمثلة، لماذا جزعوا؟ وما الذي جعلهم يخافون؟ وما الذي جعلهم يبكون عند الموت؟ هناك آخرون كانوا عند الموت يتهللون ويستبشرون ويفرحون ويضحكون، فلما احتضر بلال قال: غدًا نلقى الأحبة، محمدًا وحزبه، فقالت امرأته: وا ويلاه! فقال: وافرحاه! واطرباه! [سير أعلام النبلاء: 1/359].
ومحمد بن أسلم بن يزيد الكندي الإمام الحافظ الملقب بشيخ الإسلام، يقول محمد بن قاسم: دخلت على ابن أسلم قبل موته بأربعة أيام بنيسابور، فقال: يا أبا عبد الله تعال أبشرك بما صنع الله بأخيك من الخير؟ قد نزل بي الموت، وقد منَّ الله عليّ أنه مالي درهم يحاسبني الله عليه. [سير أعلام النبلاء: 12/199]، أنا أموت وما عندي ولا درهم.
تقديم السلف لأموالهم قبل الموت
ومنهم من قدم ماله قبل موته، فلما حضرت صالح بن مسمار الوفاة قيل له: ألا توصي؟ قال: بم أوصي؟ لم أدع من الدنيا قليلاً ولا كثيرًا إلا دانق ونصف تحت رأسي، فاشتروا به رواية من ماء، فاغسلوا بها أطامري، ثيابي، هذه التي عليّ واغسلوني بالبقاء، أنا تركت فقط ثمن الماء الذي ستغسلوني به، وأسلموني إلى ربي، ولا تدعوا أحدًا يشركني في كنفي، ودعوني فليكن غنائي، يعني الغنى، فليكن غنائي بالله بعد موتي، كما كان غنائي به في حياتي. [المجالسة وجواهر العلم: 4/449].
استبشار بعض الصالحين عند الموت بطاعات عملها لله
ومنهم عند الموت من استبشر بطاعات عملها لله، فقال أبو بكر بن عياش لابنه عند موته: أترى الله يضيع لأبيك أربعين سنة يختم القرآن كل ليلة؟ [الثبات عند الممات، لابن الجوزي، ص: 71].
فهؤلاء استحضروا أمورًا كانوا يرجون بها النجاة عند الله، وهذا أبو بكر بن عياش لما حضرته الوفاة أوصى ولده قال: يا بني لا تعص الله في هذه الحجرة، فإني ختمت القرآن فيها ثمانية عشر ألف ختمة. [مختصر منهاج القاصدين: ص: 224].
فهذه بعض أحوال المحتضرين.
نسأل الله أن يحسن خاتمتنا، وأن يتوب علينا، وأن يغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وأن يرزقنا الثبات عند الممات.
وصلى الله على نبينا محمد.