الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فمما يعز عليَّ في هذا المقام: أن يكون هذا الدرس هو آخر درسٍ في سلسلة الآداب الشرعية، ولعل الفرصة تتاح -إن شاء الله- لإكمال هذه الآداب في مناسبةٍ قادمة.
وفي ختام هذه السلسلة في هذه الأيام، لعلنا نتم الكلام على بعض أبيات القصيدة التي ابتدأنا فيها، وهي قصيدة ابن عبد القوي رحمه الله تعالى.
وكنا قد ذكرنا بعض أبيات هذه القصيدة العظيمة فيما سبق، ونختار أبياتًا أخرى من النصف الثاني من هذه القصيدة، لشرح بعضها، والتعليق عليها.
فضل عيادة المريض
يقول رحمه الله تعالى:
وَتُشْرَعُ لِلْمَرْضَى الْعِيَادَةُ فَأْتِهِمْ | تَخُضْ رَحْمَةً تَغْمُرْ مَجَالِسَ عُوَّدِ |
أي: أن العيادة للمريض مشروعة، فائتهم، فإنك تمشي في الرحمة، وتخوض فيها في ذهابك ومجيئك، وتكون مغموراً أثناء جلوسك فيها.
والعود، جمع عائد.
فَسَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ مَلَائِكَةِ الرِّضَا | تُصَلِّي عَلَى مَنْ عَادَ يَمْشِي إلَى الْغَدِ |
إذا عاده في المساء صلوا عليه إلى الصباح.
وَإِنْ عَادَهُ فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ وَاصَلَتْ | عَلَيْهِ إلَى اللَّيْلِ الصَّلَاةَ فَأَسْنِدْ |
إذا عاده في الصباح واصلت الملائكة عليه الصلاة إلى الليل؛ كما جاء عن النبي ﷺ، وهذا المقصود بقوله: "فأسندِ" أي: أسند الحديث في عيادة المريض، والأجر فيه إلى النبي ﷺ.
آداب الزيارة
تخفيف الزيارة أو تطويلها حسب حالة المريض
فَمِنْهُمْ مُغِبًّا عُدْهُ خَفِّفْ وَمِنْهُمْ ال | ذِي يُؤْثِرُ التَّطْوِيلَ مِنْ مُتَوَرِّدٍ |
من المرضى من يكون مغباً يعاد يوماً فيوماً.
ومعنى: الغب، قيل هو من غب الإبل، أنها تشرب يوماً وتترك يوماً.
فقوله: فمنهم مغباً عده، أي: عده يوماً واتركه يوماً.
وقال بعضهم: إذا أراد أن يكون غباً، أي يوماً في الأسبوع.
فمنهم مغباً عده خفف، أي لا تطل الجلوس عنده،
ومنهم -أي ومن المرضى- الذي يُؤثر التطويل من متوردِ.
والمتورد، وهو طالب الورود وهو العائد.
يطلب ويحب التطويل من الذين يقدمون عليه، والمرضى يختلفون، بعضهم يريدك أن تطيل عنده، وتزوره كل يوم.
وبعضهم قد يمل ويتعب من كثرة الزيارة والإطالة.
ولذلك لابد من مراعاة الحال، ولذلك قال رحمه الله تعالى:
لا تنكد على المريض بكثرة الأسئلة
فَفَكِّرْ وَرَاعِ فِي الْعِيَادَةِ حَالَ مَنْ | تَعُودُ وَلَا تُكْثِرْ سُؤَالًا تنكد |
لا تكثر السؤال على المريض: متى جاءك المرض؟ وما هو شعورك؟ وكيف حالك؟ ونحو ذلك، كما يفعل بعض طلاب الطب مع المرضى
"ولا تكثر سؤالاً تنكدِ" تنكد على المريض.
استعمال أهل الذمة
وَمَكْرُوهٌ اسْتِئْمَانُنَا أَهْلَ ذِمَّةٍ | لِإِحْرَازِ مَالٍ أَوْ لِقِسْمَتِهِ اشهد |
يعني أي يُكره أن نجعل الأمانة عند أهل الذمة؛ لأنهم أعداؤنا في الدين فلا يؤتمنون.
نعم، إن منهم أمناء: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً [آل عمران: 75] تريد الإقامة عليه باستمرار.
"لإحراز مالٍ" أي: لحفظه "أو لقسمته اشهدِ" أي: اشهد بذلك واعتقده، ولا تعدل عنه، فإنه يُكره أن نستأمنهم، وأن نستعملهم في قسمة الأموال، وأن نجعلهم ممن يوزعون الرواتب -مثلاً-.
الاستطباب عند أهل الكتاب
وَمَكْرُوهٌ اسْتِطْبَابُهُمْ لَا ضَرُورَةً | وَمَا رَكَّبُوهُ مِنْ دَوَاءٍ مُوَصَّدٍ |
ويكره أيضاً أن نستعمل النصارى واليهود وأهل الكتاب في الطب، ولو كانوا أهل ذمة، ونذهب إليهم، لكن إذا دعت الحاجة والضرورة، فلا بأس بذلك.
ولذلك قال رحمه الله:
"ومكروهٌ استطبابهم لا ضرورة" أي: في حال الضرورة لا يُكره ذلك.
"وما ركبوه من دواءٍ موصدِ" الموصد، المنسوج والمركب الدواء، أي: أيضاً يُكره اللجوء إليهم في تركيب الأدوية، وأخذ الأدوية منهم، فإنهم قد يخلطون معها أشياء من المسمومات أو النجاسات؛ لأنهم قوم لا دين لهم صحيح، فربما جعلوا فيها سموماً من باب الخيانة، أو جعلوا فيها أشياء من النجاسات؛ لأنهم لا يحترزون عن النجاسات، وكثير من الأدوية المركبة فيها نجاسات، أو مأخوذة من النجاسة، أو ربما يكون فيها أشياء مما يُسكر.
من أحكام التطبيب
حكم تطبيب الذكر للأنثى
وَإِنْ مَرِضَتْ أُنْثَى وَلَمْ يَجِدُوا لَهَا | طَبِيبًا سِوَى فَحْلٍ أَجِزْهُ ومهد |
إذا مرضت أنثى من المسلمين، طببتها أنثى مسلمة، فإن لم توجد أنثى مسلمة، فطبيبة كافرة، فإن لم توجد، قال: "ولم يجدوا لها طبيباً سوى فحلٍ".
قال في الشرح: أي لو كان هناك خصيا أو كان خُنثى فهو أولى من الفحل الذكر، لكن إذا لم يوجد إلا الطبيب الذكر الفحل، ف "أجزه" أي: أجز تطبيبه للمرأة للضرورة، ويقدم الطبيب المسلم على الطبيب الكافر.
حكم الحقنة في المخرج
وَيُكْرَهُ حَقْنُ الْمَرْءِ إلَّا ضَرُورَةً | وَيَنْظُرُ مَا يَحْتَاجُهُ حَاقِنٌ قَدْ |
الحقنة، إيصال الدواء من المخرج إلى الجوف بالحقنة "ويكره حقن المرء إلا ضرورةً" لما في ذلك من التعذيب، وكشف العورة، لكن لو احتاج إلى الحقنة، الحقنة عن طريق المخرج وليست الحقنة في الوريد -مثلاً-، أو غيرها.
وَيُكْرَهُ حَقْنُ الْمَرْءِ إلَّا ضَرُورَةً | وَيَنْظُرُ مَا يَحْتَاجُهُ حَاقِنٌ قَدْ |
يعني الحاقن الذي يضع الدواء أو الحقنة في الشرج -مثلاً- أن ينظر على قدر الضرورة، ولا يتعداه.
كَقَابِلَةٍ حِلٌّ لَهَا نَظَرٌ إلَى | مَكَانِ وِلَادَاتِ النِّسَا فِي التَّوَلُّدِ |
ومثل الحاقن الذي يحتاج إلى النظر إلى العورة لوضع الحقنة؛ مثله في إباحة النظر للحاجة والضرورة، مثل القابلة، والقابلة هي التي تولد، "حل لها النظر إلى مكان ولادة النساء" ومكان ولادة المرأة، العورة الكبرى، فيجوز لها النظر إليها في حال الولادة.
حكم إبانة عضو به آكلة وحكم قطع البواسير
وَيُكْرَهُ إنْ لَمْ يَسْرِ قَطْعُ بواسر | وَبَطُّ الْأَذَى حِلٌّ كَقَطْعِ مُجَوَّدٍ |
وكذلك قطع البواسير، ولكن إذا لم يكن يسري ولم يكن يضر، فلا بأس به.
"وبط الأذى" مثل الدمامل والقروح، إخراج ما فيها من صديد، إذا كان الذي يخرجها جيداً لا يضر؛ لأن بعض الناس قد ينبشها، فتضره.
لِآكِلَةٍ تَسْرِي بِعُضْوٍ أَبِنْهُ إنْ | تَخَافَنَّ عُقْبَاهُ وَلَا تتردد |
إذا أصاب الداء أو الآكلة عضواً، واحتاجوا إلى بتره ف "أبنه" أي اقطعه وابتره "إن تخافن عقباه" أي: سريان الداء إلى مواضع أخرى في الجسد، مثل بعض الأمراض كالسرطان أو غيره، وإذا أصاب الداء عضواً، وكان ينتشر يضطرون في بعض الأحيان لقطع العضو، فما حكم قطعه؟
الجواب: لا بأس بذلك، لأجل المصلحة العظيمة في قطعه، أو درء المفسدة الكبيرة، ويلف ويدفن.
حكم الكي
وَقَبْلَ الْأَذَى لَا بَعْدَهُ الْكَيَّ فاكرهن | وَعَنْهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ غَيْرُ مُقَيَّدِ |
أي: اكره الكي قبل المرض، أما بعد المرض إذا حصل، فلا بأس به.
"وعنه على الإطلاق غير مقيدِ" أي: جاء أيضاً عن الإمام أحمد رحمه الله في رواية عنه بكراهية الكي على كل حال.
لكن نقول: الكي إذا لم يكن له حاجة لا يستعمل، فإذا صار له حاجة، فإن وجد ما يغني عنه يترك؛ لأن فيه استعمال النار، وفيه نوعاً من المثلة؛ لأنه يشوه مكان الكي، ولذلك لا يستحب فعله، لكن إن دعت الحاجة إليه، ولم يكن إلا هو، فلا بأس بذلك.
حكم الخصاء
وَفِيمَا سِوَى الْأَغْنَامِ قَدْ كَرِهُوا الْخِصَا | لِتَعْذِيبِهِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بِمُسْنَدِ |
وفيما عدا الأغنام يُنهى عن الخصا، وهو قطع الخصيتين، لكن في الأغنام يباح، والسبب أنه أطيب للحمها، وقد ضحى النبي ﷺ بكبشين موجوءين خصيين، فقطع خصيتيه لهذا لا بأس به لأجل طيب لحمه، وما ينتج عنه من المصلحة، لكن غيره لا يُقطع، ولذلك قال: "وفيما عدا الأغنام قد كرهوا الخصا لتعذيبه".
لماذا لا يجوز الخصاء؟
لأن فيه تعذيباً، وفيه مثلة.
"لتعذيبه المنهي عنه بمسندِ" المسند، الحديث المسند مثل حديث الصحيحين: "لعن الله من مثل بالحيوان". [رواه النسائي: 4442، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 5113].
قطع قرون الدواب وشق آذانها
وَقَطْعُ قُرُونٍ وَالْآذَانِ وَشَقُّهَا | بِلَا ضَرَرٍ تَغْيِيرُ خَلْقٍ مُعَوَّدِ |
وأيضاً مما يُنهى عنه: قطع القرون، قرون الشاة -مثلاً- أو الخروف.
"والأذان" أيضاً لا تُقط؛ لأن الشيطان، قال كما حكى الله عنه: وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ[النساء: 119].
"وشقها" شق الآذان "بلا ضررٍ تغيير خلقٍ معودِ" لماذا لا يقطع قرنها ولا تشق أذنها؟
لأنه من تغيير خلق الله، وإليه الإشارة بقوله: "تغيير خلقٍ معودِ" أي: الخلق المعتاد، لا نفعله لئلا نغير خلق الله.
أحكام قتل الحيوانات
ما يستحب قتله
وَيَحْسُنُ فِي الْإِحْرَامِ وَالْحِلِّ قَتْلُ مَا | يَضُرُّ بِلَا نَفْعٍ كَنَمِرٍ وَمَرْثَدِ |
انتقل رحمه الله لبيان بعض ما يتعلق بأحكام قتل الحيوانات، قال: "ويحسن في الإحرام والحل" في الحل والإحرام "قتل ما يضر" سواء كنت محرماً أو غير محرم، وفي حدود الحرم أو خارج حدود الحرم، يجوز لك "قتل ما يضر بلا نفعٍ"؛ لأن الحيوانات على ثلاثة أقسام:
منها: ما ينفع بلا ضرر.
ومنها: ما يضر بلا نفع.
ومنها: ما ينفع ويضر.
وسيأتي حكم كل واحدٍ من هذه الثلاثة.
قال:
وَيَحْسُنُ فِي الْإِحْرَامِ وَالْحِلِّ قَتْلُ مَا | يَضُرُّ بِلَا نَفْعٍ كَنَمِرٍ وَمَرْثَدِ |
والنمر، ضربٌ من السباع، فيه شبهٌ من الأسد، معروف، غير أنه شرسٌ جداً، لا يملك نفسه عند الغضب، وربما قتل نفسه من شدة الغضب، هذا يجوز قتله في الحل والحرام.
والمرثد، اسمٌ من أسماء الأسد، والأسد له عند العرب أكثر من خمسمائة اسم، ومن أشهر أسمائه عندهم: أسامة، والحارث، وحيدرة، والهزبر، والضرغام، والضيغم، والعنبس، والغضنفر، وقسورة، والهرماس، والليث.
ومرثد، هنا من أسماء الأسد، ولذلك قال:
وَيَحْسُنُ فِي الْإِحْرَامِ وَالْحِلِّ قَتْلُ مَا | يَضُرُّ بِلَا نَفْعٍ كَنَمِرٍ وَمَرْثَدِ |
فالأسد مما يباح قتله؛ لأنه من السباع الضارية المعتدية، لكنه إذا ترك فريسةً لا يعود إليها، وإذا ولغ الكلب في ماء لا يشربه، عنده أنفة، لا يشرب من الماء الذي ورد فيه الكلب.
قال:
وَغِرْبَانُ غَيْرِ الزَّرْعِ أَيْضًا وَشِبْهُهَا | كَذَا حَشَرَاتُ الْأَرْضِ دُونَ تَقَيُّدِ |
يعني الغربان يجوز قتلها، مثل الغراب الأبقع، لكن إذا كان من غراب الزرع، لا يجوز قتله للمحرم؛ لأنه من الصيد، لجواز أكله، فغراب الزرع منقاره أحمر، فلا يصيده المحرم، وإنما الذي يقتله المحرم الغراب المعروف الذي لا يكون في الزرع، وسمي الغراب غرابا؛ لأنه أسود: وَغَرَابِيبُ سُودٌ[فاطر: 27].
ومما يشبه الغراب، مما يقتل مثل الحدأة والقنفذ؛ فإنه يباح قتلها في الحل والحرم، القنفذ خبيث لا يؤكل؛ الصحيح أنه لا يجوز أكله ولو ذكي.
"كذا حشرات الأرض دون تقيدِ" والحشرات كثيرة؛ مثل الصرصور، وغيره.
وضرب لها أمثلة في البيت الذي بعده، فقال:
كَبَقٍ وَبُرْغُوثٍ وَفَأْرٍ وَ عَقْرَبٍ | وَدَبُّرًا وَحَيْاَّتٍ وَشِبْهِ المُعَدِّدِ |
فالبق، معروف البعوض، والبرغوث هو من الحشرات التي لها أداةٌ تمص بها الدم، حتى إن بعض الظرفاء قال:
لا تسب البرغوث إن اسمه | برٌ وغوثٌ لك لا تدري |
فبره مص دمٍ فاسدٍ | وغوثه الإيقاظ للفجر |
والفأر هو الجرذان، والعقارب هي من أفتك ما يدب على الأرض، حتى إنها تقتل الحية، وكم تهلك الأفاعي بسموم العقارب!.
ومنها أنواعٌ إذا لدغت إنساناً تساقط لحمه وتناثر، قال النبي ﷺ: لعن الله العقرب لا تدع مصلياً ولا غيره[رواه الطبراني في الأوسط: 5889، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح: 4567].
وجاء أن العقرب لدغت النبي ﷺ.
وجاء أن عقرباً لدغت أحد أصحابه، فأراد صاحبٌ له أن يرقيه، فاستأذن النبي ﷺ، فأذن له، وقال: من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل[رواه البخاري: 5857].
فالرقية من سم العقرب مشروعة.
الدَبْر، جمع دبور، وهو الزنبور.
وقد جاء في الحديث الصحيح: أن عاصم بن ثابت الأنصاري لما قتله المشركون أرادوا أخذ جثته، وكان قد دعا الله ألا يمس مشركاً، ولا يمسه مشرك، فأرسل الله الدَبْر، فحماه فأظله، فجاؤوا ليأخذوه، فلم يستطع المشركون أخذ جثته؛ لأن الدبر -الزنابير- قد أظلته، فلم يستطيعوا مد أيديهم إليه.
فالزنبور مما يحل قتله، وربما تجتمع الزنابير على رجل فتقتله، وقد ذكروا أن رجلاً كان مع صحبة، فسب أبا بكر وعمر، فبعد حين جاءت الزنابير إليه، فاجتمعت زنابير، وهي كثيرةٌ عليه فاستغاث بهم، فأرادوا أن يغيثوه فاتجهت إليهم، فنفروا عنه، فقتلته حتى مات، قال: ثم جاء زنبورٌ منها على أحدنا فلم يصبه بشيء، فعلمنا أنها مأمورة.
قال:
ودبر وحيات وشبه المعدد | ........................... |
والحيات يجوز قتلها أيضاً للمحرم وغير المحرم، وسيأتي بعض الاستثناءات.
"وشبه المعددِ" ما أشبه ، الأشياء التي تشبه ما عددناه قبل قليل، يجوز قتلها كالوزغ -مثلاً-.
ما يكره قتله
وَيُكْرَهُ قَتْلُ النَّمْلِ إلَّا مَعَ الْأَذَى | بِهِ وَاكْرَهَنَّ بِالنَّارِ إحْرَاقَ مُفْسِدِ |
فإذا، قتل النمل منهي عنه، إلا إذا صار مؤذياً، فيجوز قتله، مثل أن تكون له قرصةٌ مؤذية، والنمل أنواع منها ما يكون له قرصةٌ مؤذية، ومنها ما يكون ليس بمؤذٍ، ومنه ما يدخل في الطعام ويفسد، ومنه ما يكون مسالمًا، فإذا كان النمل مؤذياً، سواءً بقرصته، أو بإفساده للطعام، ودخوله فيه، ونحو ذلك، فإنه يجوز قتله، ولذلك قال: "ويكره قتل النمل"؛ لأن الحديث: "نهى عن قتل أربع من الدواب: النملة، والنحلة، والهدهد، والصرد". [رواه أبو داود: 5269، وابن ماجه: 3224، وأحمد: 3067، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه: 3215].
ويكره قتل النمل إلا مع الأذى به، فإنه لا يكره، "واكْرَهَنْ بالنار إحراق مفسدِ".
فإذًا، بالنار لا تُحرق الحيوانات، ولا ذات الأرواح، يُنهى عن إحراق كل ذي روح؛ لأنه لا يعذب بالنار إلا رب النار.
وَلَوْ قِيلَ بِالتَّحْرِيمِ ثُمَّ أُجِيزَ مَعْ | أَذًى لَمْ يَزُلْ إلَّا بِهِ لَمْ أُبَعِّدْ |
يعني لو قيل أنه لا يجوز التحريق بالنار، إلا إذا كان مؤذيا لا يزول إلا بالإحراق، أو بتدخينه
"لم يزل إلا به" أي: بالتحريق جاز، ولو قلنا بجوازه، قال الناظم: "لم أُبَعِّدِ" يعني لم أبعد عن الحق.
ويُكره لنهي الشرع عن قتل ضفـدعٍ | وصردان طيرٍ قتل ذين وهدهدِ |
فإذًا، نهى الشرع عن قتل الضفدع، لما رواه أحمد وأبو داود: "أن طبيبا سأل النبى ﷺعن ضفدع يجعلها فى دواء فنهاه النبى ﷺ عن قتلها" [رواه أبو داود:5271، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح: 4545].
إذا لا يجوز استعمال الضفدع، أو أخذ شيء منه للدواء، الذين يركبون الأدوية لا يأخذوا من الضفادع شيئاً، ونهى النبي ﷺ عن قتلها، وجاء: أن نقيقها تسبيح. [رواه الطبراني في الكبير: 1469] لكنه لا يصح، والله أعلم.
فلما كان ليس منها فائدة لا هي تؤكل ولا يستخرج منها دواء، فلماذا تقتل؟
فلا تقتل إلا إذا كانت مؤذية، لكن في الأحوال العادية لا تُقتل.
وَيُكْرَهْ لِنَهْيِ الشَّرْعِ عَنْ قَتْلِ ضِفْدَ | عٍ وَصِرْدَانِ طَيْرٍ قَتْلُ ذَيْنِ وَهُدْهُدِ |
صرادن، جمع صرد، والصرد نوع من الطيور، لا يؤكل لحمه، فكان قتله من باب العبث، ولذلك يُترك، وعموماً لا يجوز العبث بقتل الدواب عموماً، إما أن يكون هناك فائدة من قتله، كالصيد أو الأكل، أو يكون فيه دفع ضرر، وإلا لا تقتل أي بهيمة بدون سبب، فلا تقتل للتسلية -مثلاً-.
يعني لا تقتل الضفدع والصرد، والهدهد أيضاً، وكنية الهدهد، أبو الأخبار، وهو الذي جاء لسليمان : وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ[النمل: 22-23].
قال:
وَيُكْرَهُ قَتْلُ الْهِرِّ إلَّا مَعَ الْأَذَى | وَإِنْ مُلِكَتْ فَاحْظُرْ إذَنْ غَيْرَ مُفْسِدِ |
فإذا، الهر لا يقتل، ومن أسمائه: البس، والسنور، والقط، إلا إذا صار مؤذياً، كأكل الفراخ وكفء القدور، فإن بعضها قد يؤذي بأكل الفراخ، وكفء القدور.
وبعض الناس يقول: عندنا قطة تؤذينا أو عندنا بسٌ يؤذينا أو عندنا هر يدخل علينا فيؤذينا، واحترنا معه وأخرجناه خارج البيت ورجع، ويلد عندنا ويؤذينا بنتنه وأولاده، ونحو ذلك، فهذا يُؤخذ ويرمى بعيداً، ولا تقتله، لكن لو لم يندفع شره إلا بالقتل، كأن يكون ممن يخدش، ويفعل الأشياء المؤذية والضارة بالأطفال، وربما مات طفلٌ بسبب أن قطاً كبيراً جلس على وجهه، حتى خنقه، فمات.
فإذا قد يكون القط مؤذياً، ندفعه ونطرده، ما في فائدة إلا بالقتل فيقتل في نهاية المطاف.
وإن مُلكت، أي مُلك القط، فاحظره، أي لا تقتله؛ لأنه صار ملكاً للغير.
"إذًا غير مفسد" إذا كان غير مفسد، فإذا كان مفسداً يقتل.
قتل الحيات
وَقَتْلُكَ حَيَّاتِ الْبُيُوتِ وَلَمْ تَقُلْ | ثَلَاثًا لَهُ اذْهَبْ سَالِمًا غَيْرَ مُعْتَدِ |
مما ينهى عنه أيضاً: قتل حيات البيوت، إذا لم تنذرها ثلاثاً، ولم تقل: اذهب سالماً غير معتد.
وحيات البيوت هذه فيها كلام طويل، بعض العلماء يرى أنه لا يجوز قتل حيات البيوت إلا بعد إنذارها في أي مكان.
وبعضهم قال: إن هذا خاص بالمدينة، بيوت المدينة لا تُقتل حيات البيوت في المدينة؛ لأن النبي ﷺ قال: إن بالمدينة جنا قد أسلموا[رواه مسلم: 5976]، والجن منهم من يكون على هيئة حيات، ومنهم من يطيرون، ومنهم من يحلون ويظعنون، مثل الباديات.
وصنف حيات وكلاب، فما دامت الجن تتمثل بالحيات والكلاب -طبعًا- الكلب الأسود شيطان فيقتل مباشرة، لكن الحية قد تكون جناً مسلماً، وقد تكون جناً كافراً، وقد تكون حية أفعى عادية أصلية.
فالآن العلماء بعضهم قال: إن حيات البيوت تنذر إذا وجدت في بيوت المدينة للحديث.
وبعضهم قال: في أي بيتٍ، وفي أي مدينة، حيات العوامر اللاتي يسكن في البيوت، إذا وجدها لا يقتلها مباشرة، وإنما يُنذرها.
واختلفوا في معنى ثلاثاً التي جاءت في الحديث، هل هي ثلاثة أيام، أو ثلاث مرات، هل ينذرها ثلاثة أيام كل يوم يقول: أحرج عليك بالله أن تخرجي، أقسم عليك بالله أن تخرجي وتتركي بيتنا -مثلاً-؟ إن كان جناً يفهم ذلك، وإن كان جنا مسلماً سيغادر، وإن لم يغادر فهو شيطان فاقتله، هكذا أمر النبيﷺ.
لكن اختلفوا هل هي ثلاثة أيام أو ثلاث مرات؟
ثم إن الإنسان لو أنذرها ثلاثاً ولم تخرج، ما هو ملزم أن يبقيها في البيت، ممكن يدخلها في كيس أو شيء، ويحاصرها ويرميها بعيداً، يعني لا يقتلها، أي: واحد لو قال: أنا أنتظرها حتى تذهب وتدخل في المتاع، ولا أدري أين تذهب، وقد تكون أفعى عادية وليس لها علاقة بالجن، فماذا أفعل هل أتركها؟ نقول: أنتَ لست ملزماً بإبقائها في البيت، لكن أنت تنهى عن قتلها فقط، حتى تنتهي الثلاث المهلة، إذا وجدتها بعد ذلك فاقتلها ولا حرج.
وجاء في ذلك قصة: أن رجلاً من شباب الأنصار كان عند النبي ﷺ، كان شاباً قوياً، وأراد الشاب أن يذهب فأذن له وأمره أن يأخذ معه سلاحه، وقال: إني أخاف عليك، فلما جاء إلى بيته وجد امرأته عند باب الدار خارجة، وكان رجلاً له غيرةً قوية، فهم أن يضربها بالرمح فيقتلها؛ لأنها خارج البيت من غير حجاب، فقالت: اصبر وادخل فانظر ما الذي أخرجني، فدخل فوجد حيةً عظيمةً قد تكومت فانتظمها برمحه قتلها، ثم ركزها على الحائط، فانقلبت عليه فلسعته، فلا يُدرى أيهما أول موتاً الحية أم الفتى، فلما سمع النبي ﷺ بذلك قال: إن بالمدينة جنا قد أسلموا[رواه مسلم: 5976].
فالمهم أنه إذا وجدها ينذرها ثلاثاً، يقول: أقسم عليك بالله ثلاثاً أن تخرجي، وتدعي هذا البيت، ونحو ذلك من العبارات، فإن كانت جناً مسلمةً خرجت وما آذت، وإن كانت شيطاناً عصت، فاستحقت القتل.
وَذَا الطُّفْيَتَيْنِ اُقْتُلْ وَأَبْتَرَ حَيَّةٍ | وَمَا بَعْدَ إيذَانٍ تُرَى , أَوْ بِفَدْفَدِ |
هناك حيات تقتل مباشرةً، سواء كانت في البيت أو خارج البيت.
وذو الطفيتين، نوع معين من الحيات له خطان على ظهره، خطان متوازيان، قيل: خطان أبيضان، وقيل: خطان أسودان، هذا يسمى ذو الطفيتين، يُقتل مباشرة لا بإنذار ولا بشيء.
"وأبتر حيةٍ" هذا نوع من الحية؛ الحية البتراء، والأبتر عظيم النهاية، الحية تكون في العادة غليظة من فوق والمنتصف، ثم في النهاية تدق حتى يكون لها ذنبٌ أو ذيلٌ دقيق في النهاية، الأبتر هذا يكون مقطوع الذنب، يعني من جهة الذنب في النهاية غليظ، كأنه مقطوع الذيل، هذا يقتل مباشرة؛ السبب أن النبي ﷺ قال في حديث في الصحيحين: فإنهما يسقطان الحبل[رواه أحمد: 15786، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 1153]، يعني المرأة تسقط الولد الذي في بطنها بمجرد رؤيته.
وكذلك يلتمسان البصر، قيل: إنه بمجرد النظر إليه يُعمي.
وقيل: إنه يستهدف بصر الإنسان عند اللسع.
ففيه قوةٌ سمية تسبب العمى، ونظراً لضرره ولأن الجني المسلم لا يتمثل بهذا النوع، فإنه يقتل مباشرةً.
وَذَا الطُّفْيَتَيْنِ اُقْتُلْ وَأَبْتَرَ حَيَّةٍ | وَمَا بَعْدَ إيذَانٍ تُرَى , أَوْ بِفَدْفَدِ |
والفدفد، هي الفلاة، فالحيات في الفلاة تقتل مباشرة، لا يلزم تحريج ولا قسم ولا شيء.
فالحكم إذًا بالتحريج خاصٌ بحيات البيوت، ويستثنى من حيات البيوت ذو الطفيتين والأبتر.
حكم قتل ما فيه ضر ونفع
وَمَا فِيهِ إضْرَارٌ وَنَفْعٌ كَبَاشِقٍ | وَكَلْبٍ وَفَهْدٍ لِاقْتِصَادِ التَّصَيُّدِ |
انتقل الآن إلى النوع من الحيوانات الذي فيه نفعٌ وضر، نفعٌ من جهة، وضرٌ من جهة
"وما فيه إضرارٌ ونفعٌ كباشقٍ" وهذا مثل البازي، مثل الصقر، الباشق الذي فيه ضرر ونفع قد يكون أحياناً يُؤنس، ويستوحش أحياناً، وإذا صار أنيساً صاد، ونفع صاحبه، وإذا صار مستوحشاً آذى، فهذا تكون أنت مخيراً في قتله وتركه.
"وكلب" وكذلك الكلب "وفهدٍ لاقتصاد التصيد" فإن الكلاب والفهود، يمكن أن تدرب للصيد، فالفهود ممكن أن يصاد بها، ويجوز الصيد بها، هذا إذا صار نافعاً يترك، وإذا صار مؤذياً يُقتل، مثل الكلب الأسود يُقتل؛ لأنه شيطان، والكلب العقور الذي إذا عض صاحبه أصابه داء الكلب، هذا أيضاً يقتل لضرره.
إِذَا لَمْ يَكُنْ مُلْكاً فَأَنْتَ مُخَيَّرُ | وإنْ مُلِكَتْ فاحْظِرْ وإنْ تُؤْذِ فاقْدُدِ |
فإذا كان لا يملكه أحداً غيرك فأنت مخيرٌ بين قتله وتركه.
"وإن مُلكت فاحظر" أي: لا تقتلها؛ لأنها ملكٌ لغيرك.
"وإن تؤذ فاقددِ" أي فاقتلها إذا آذت.
من آداب الطعام والشراب
ثم قال رحمه الله:
وَيُكْرَهُ نَفْخٌ فِي الْغَدَا وَتَنَفُّسٌ | وَجَوْلَانُ أَيْدٍ فِي طَعَامٍ مُوَحَّدِ |
فَإِنْ كَانَ أَنْوَاعًا فَلَا بَأْسَ فَاَلَّذِي | نَهَى فِي اتِّحَادٍ قَدْ عَفَا فِي التَّعَدُّدِ |
سبق في آداب الطعام أن الإنسان يأكل مما يليه، فإذا كان الطعام مختلفاً كالفاكهة المتنوعة، فيجوز أن يأخذها مما لا يليه.
سبق في آداب الطعام أن الإنسان يأكل مما يليه، فإذا كان الطعام مختلفاً كالفاكهة المتنوعة، فيجوز أن يأخذها مما لا يليه.
وَأَخْذٌ وَإِعْطَاءٌ وَأَكْلٌ وَشُرْبُهُ | بِيُسْرَاهُ فَاكْرَهْهُ وَمُتَّكِئًا دَدْ |
فالأكل والشرب، والأخذ والإعطاء، باليسار من فعل الشيطان، فلا تفعله.
وَأَكْلَكَ بِالثِّنْتَيْنِ وَالْأُصْبُعِ اكْرَهْنَ | وَمَعْ أَكْلِ شَيْنِ الْعَرْفِ إتْيَانَ مَسْجِدِ |
الأكل بالأصبع الواحدة والثنتين كبر، وبالثلاث سنة.
"ومع أكل شين العرف" الرائحة الكريهة، لا تأت المسجد إذا أكلتها.
وَيُكْرَهُ بِالْيُمْنَى مُبَاشَرَةُ الْأَذَى | وَأَوْسَاخِهِ مَعَ نَثْرِ مَاءِ أَنْفِهِ الرَّدِي |
فإذًا، باليمنى لا تخرج الأوساخ ولا تباشر النجاسات، ولا تخرج ما في أنفك.
كَذَا خَلْعُ نَعْلَيْهِ بِهَا وَاتِّكَاؤُهُ | عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى ورا ظَهْرِهِ اشْهَدْ |
أي إذا خلع نعله بدأ باليسرى، وإذا انتعل باليمنى، والاتكاء على اليد اليسرى، وإلقاؤها خلف الظهر، قد ورد النهي عنه، في سنن أبي داود، وهو حديثٌ صحيح.
وَيُكْرَهُ فِي التَّمْرِ الْقِرَانُ وَنَحْوُهُ | وَقِيلَ مَعَ التَّشْرِيكِ لَا فِي التَّفَرُّدِ |
يعني إذا كان له شركاء فيه، إما إذا كان يأكل لوحده فلا بأس، وتقدم في آداب الطعام.
وَكُلْ جَالِسًا فَوْقَ الْيَسَارِ وَنَاصِبَ | الْيَمِينِ وَبَسْمِلْ ثُمَّ فِي الْاِنْتِهَا احْمَدْ |
وَيُكْرَهُ سَبْقُ الْقَوْمِ لِلْأَكْلِ نَهْمَةً | وَلَكِنَّ رَبَّ الْبَيْتِ إنْ شَاءَ يَبْتَدِي |
وَلَا بَأْسَ عِنْدَ الْأَكْلِ مِنْ شِبَعِ الْفَتَى | وَمَكْرُوهٌ الْإِسْرَافُ وَالثُّلْثَ أَكِّدْ |
وَيَحْسُنُ تَصْغِيرُ الْفَتَى لُقْمَةَ الْغِذَا | وَبَعْدَ ابْتِلَاعٍ ثَنِّ وَالْمَضْغَ جَوِّدْ |
يعني تجويد المضغ من آداب الطعام.
وَيَحْسُنُ قَبْلَ الْمَسْحِ لَعْقُ أَصَابِعً | وَأَكْلُ فُتَاتٍ سَاقِطٍ بِتَثَرُّدِ |
وَغَسْلُ يَدٍ قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ | وَيُكْرَهُ بِالْمَطْعُومِ غَيْرَ مُقَيَّدِ |
يعني لا تغسل يدك بالأشياء المطعومة، أما الماء فهو للغسل.
وَمَا عِفْتَهُ فَاتْرُكْهُ غَيْرَ مُعَنِّفٍ | وَلَا عَائِبٍ رِزْقًا وَبِالشَّارِعِ اقْتَدِ |
النهي عن عيب الطعام
وَلَا تَشْرَبَنْ مِنْ فِي السِّقَاءِ وَثُلْمَةِ الْ | إنَاءِ وَانْظُرَنْ فِيهِ وَمَصًّا تَزَرَّدِ |
يعني لا تشرب من فم الإناء المكسور؛ لأنه يجرح الفم لا تشرب من فيه وولا من ثلمته، فالشرب من فيه يسبب رائحة نتنة، وإيذاء من بعدك، واختلاط الشراب بما يُغير رائحته، وإذا شربت من فيه قد تكون هناك حشرة بداخل هذه القربة، ولذلك لا تشرب من الفم مباشرة حتى لا تدخل في الجوف.
فهذه من فوائد عدم الشرب من في الإناء، ألا تنتنه، فتؤذي من بعدك، وألا يكون فيه حشرة -مثلاً- فتبتلعها معه.
وأما الثُلم المكسورة، فلا تشرب منها؛ فإنها مجتمع أوساخ، وقد يكون فيها جراثيم أيضاً، وكذلك ربما جرح فمه.
"وانظرنَ فيه" يعني تأكد ألا يكون فيه حشرة، ونحوها.
"ومصاً تزردِ" أي: لا تعبه عباً، ولكن ارشفه رشفاً رقيقاً، ومصه مصاً، فإنه أهنأ وامرئ.
وَنَحِّ الأنا عَن فِيْكَ واشْرَبْ ثَلاَثةً | هُوْ أهْنَا وَأَمْرَا ثم أَرْوَي لِمَنْ صُدِي |
أي إذا شربت الشربة الأولى فنحه عن فيك، ولا تتنفس فيه.
من أحكام اللباس
وَيُكْرَهُ لُبْسٌ فِيهِ شُهْرَةُ لَابِسٍ | وَوَاصِفُ جِلْدٍ لَا لِزَوْجٍ وَسَيِّدٍ |
إذا، أي لباس شهرة يُنهى عنه اللباس الذي يتميز به الإنسان عن سائر الناس، اللباس الذي يلفت الأنظار، هذا لباس شهرة، هذا متوعد صاحبه يوم القيامة أن يُلهب فيه النار.
وبالنسبة للمرأة لا يجوز لها أن تلبس ما يصف الجلد، إلا للزوج أو السيد إذا كان سيد الأمة.
وَإِنْ كَانَ يُبْدِي عَوْرَةً لِسِوَاهُمَا | فَذَلِكَ مَحْظُورٌ بِغَيْرِ تَرَدُّدِ |
وَخَيْرَ خِلَالِ الْمَرْءِ جَمْعًا تَوَسُّطُ الْ | أُمُورِ وَحَالٌ بَيْنَ أَرْدَى وَأَجْوَدِ |
لا تلبس غاليًا جدًا، ولا رديئًا جدًا.
وَأَحْسَنُ مَلْبُوسٍ بَيَاضٌ لِمَيِّتٍ | وَحَيٍّ فَبَيِّضْ مُطْلَقًا لَا تُسَوِّدْ |
لبس البياض سنة للحي والميت.
وَأَحْمَرَ قَانٍ والمُعَصْفَرَ فاكْرَهَنْ | لِلُبْسِ رِجَالٍ حَسْبُ في نَصِّ أَحْمَدِ |
فإذا، لبس الأحمر القاني للرجال منهي عنه، أما إذا كان أحمر مخططاً، فلا بأس، لبس النبي ﷺ حبرةً أو إزاراً أو ثوباً فيه خطوط.
أما الثوب الأحمر القاني لا يلبسه الرجل، نعم تلبسه المرأة، أما الرجل فلا يلبس الأحمر القاني، لا بدلة رياضة، ولا غيرها.
إما إذا كان مخلوطاً بغيره، كهذه الأغطية للرأس مخلوطةٌ بالبياض، فلا تدخل في ذلك.
والمعصفر من ثياب المشركين، المعصفر المصبوغ بالعصفر، هذا لا يلبس أيضاً للرجال، وهو من ثياب النساء.
قال رحمه الله:
وَيَحْرُمُ سِتْرٌ أَوْ لِبَاسُ الْفَتَى الَّذِي | حَوَى صُورَةً لِلْحَيِّ فِي نَصِّ أَحْمَدِ |
فالثوب الذي فيه صورة من ذوات الأرواح لا يجوز لبسه، لا للصغار ولا للكبار، لا للنساء ولا للرجال، الثياب التي فيها صور لذوات الأرواح لا يجوز لبسها.
وَأَطْوَلُ ذَيْلِ الْمَرْءِ لِلْكَعْبِ وَالنِّسَا | بِلَا الْأُزُرِ شِبْرًا أَوْ ذِرَاعًا لَتَزْدَدِ |
بالنسبة للرجل لا يلبس تحت الكعبين.
بالنسبة للمرأة ترخي شبراً أو ذراعاً لأجل عدم انكشاف الساقين عند هبوب الريح، أو عند طلوعها ونزولها -مثلاً-، فيُرخص للمرأة أن تُرخي ذيلها شبراً أو ذراعاً من الخلف، حتى إذا هبت الريح ما تكشف شيئاً من عورتها.
وَأَشْرَفُ مَلْبُوسٍ إلَى نِصْفِ سَاقِهِ | وَمَا تَحْتَ كَعْبٍ فَاكْرَهَنْهُ وَصَعِّدْ |
اصعد فوق الكعبين، وأحسنه إلى منتصف الساق.
وَلِلرُّسغِ كُمُّ الْمُصْطَفَى فَإِنْ ارْتَخَى | تَنَاهَى إلَى أَقْصَى أَصَابِعِهِ قَدْ |
السنة الكم إلى الرسغ، فإن تناهى أطراف الأصابع، لا بأس.
لكن بعض الناس عندهم أكمامٌ ذات أخراج، وعمائم ذات أبراج، فهذه من أنواع الإسبال، في شيء اسمه إسبال الأكمام، إذا كانت الأكمام واسعة جداً، فهذا من إسبال الأكمام، فيُنهى عنه.
وكذلك ما يلبس الواحد كماً يُغطي اليدين والأصابع ويمتد.
والسنة أن يكون إلى الرسغ، ولو جاوزه قليلاً، فلا حرج.
وَيَحْسُنُ تَنْظِيفُ الثِّيَابِ وَطَيُّهَا | وَيُكْرَه مَع طُولِ الغِنَا لُبْسُكَ الرَّدِي |
تنظيف الثياب وطيها مستحسن، وإذا كنت غنياً لا تلبس الردي: إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده[رواه الترمذي: 2819، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح: 4350].
وَمَنْ يَرْتَضِي أَدْنَى اللِّبَاسِ تَوَاضُعًا | سَيُكْسَى الثِّيَابَ الْعَبْقَرِيَّاتِ فِي غَدِ |
الذي يتواضع في لباسه يكسوه الله يوم القيامة من الحلل ما شاء؛ لأنه تواضع.
وَقُلْ لِأَخٍ أَبْلِ وَأَخْلِقْ وَيُخْلِفُ الْ | إِلَهُ كَذَا قُلْ عِشْ حَمِيدًا تُسَدِّدْ |
يقال لمن لبس ملبوساً جديداً: "أبل وأخلق، ويخلف الله".
وإذا كان ثوبه قديمًا، تقول له: البس جديدًا، وعش حميدًا، ومت شهيدًا[رواه ابن ماجه: 3558، وأحمد: 5620، وصححه ابن ماجه: 3548] كما قال له النبي ﷺ لعمر.
من أحكام الخواتم
وَلَا بَأْسَ بِالْخَاتَمِ مِنْ فِضَّةٍ وَمِنْ | عَقِيقٍ وَبِلَّوْرٍ وَشِبْهِ الْمُعَدَّدِ |
إذًا يجوز اتخاذ خاتم الفضة للرجال، ولو كان فيه فص من عقيق، أو بلور، فلا بأس بذلك.
وَيُكْرَهُ مِنْ صُفْرٍ رَصَاصِ حَدِيدِهِمْ | وَيَحْرُمُ لِلذُّكْرَانِ خَاتَمُ عَسْجَدِ |
"من صفر" يعني خاتم النحاس، "رصاص" خاتم الرصاص "حديدهم" خاتم الحديد، يكره هذا للرجال، "ويحرم للذكران خاتم عسجد" يحرم على الذكر أن يلبس خاتماً من الذهب.
وَيَحْسُنُ فِي الْيُسْرَى كَأَحْمَدَ وَصَحْبِهِ | وَيُكْرَهُ فِي الْوُسْطَى وَسَبَّابَةِ الْيَدِ |
إذا لبست الخاتم باليمين أو لبسته بالشمال، فكلاهما وارد في السنة.
وأين تضعه؟
في الخنصر أو البنصر، لا تضعه في الوسطى ولا السبابة، فقد ورد النهي عن ذلك؛ كما جاء في صحيح مسلم في النهي عن لبس الخاتم في السبابة أو الوسطى والتي تليها.
فلا تلبس في الوسطى ولا السبابة، البس في الخنصر أو البنصر.
وَيَحْسُنُ فِي الْيُمْنَى ابْتِدَاءُ انْتِعَالِهِ | وَفِي الْخَلْعِ عَكْسٌ وَاكْرَهْ الْعَكْسَ ترشد |
فإذا، عند الخلع تخلع اليسرى أولاً ثم اليمنى، وعند اللبس تلبس اليمنى أولاً ثم اليسرى.
وَيُكْرَهُ مَشْيُ الْمَرْءِ فِي فَرْدِ نَعْلِهِ اخْ | تِيَارًا أَصِخْ حَتَّى لِإِصْلَاحِ مُفْسِدِ |
فإذا، يكره للإنسان أن يمشي في النعل الواحدة، والسبب أنه قد جاء عن النبي ﷺ: أنها مشية الشيطان: "نهى أن يأكل الرجل بشماله، أو يمشى في نعل واحدة" [رواه مسلم: 5620].
ولو انقطعت إحدى الفردتين، اقتلع الاثنتين، حتى تصلحها، وتمشي بهما جميعاً، أو تحفيهما جميعاً.
وَسِرْ حَافِيًا أَوْ حَاذِيًا وَامْشِ وَارك | بن تمعْدد وَاخْشَوْشَن وَلَا تَتَعَود |
إذا، من السنة أن الإنسان يمشي حافياً أحياناً، لأجل أن يخشوشن.
وقوله: "تمعددُ" أي: انتسبوا إلى معد بن عدنان، إلى معد الذي كان من عادته الرجولة والخشونة.
وَيُكْرَهُ فِي الْمَشْيِ الْمُطَيْطَا وَنَحْوُهَا | مَظِنَّةَ كِبْرٍ غَيْرَ فِي حَرْبِ جُحَّدِ |
مشية فيها خيلاء: "مظنة كبر غير في حرب جحدِ" أما في الحرب فيجوز أن تتبختر وتتمخطر بين الصفين إغاظة للعدو.
وَيُكْرَهُ لُبْسُ الْأُزُرِ وَالْخُفِّ قَائِمًا | كَذَاك الْتِصَاقُ اثْنَيْنِ عُرْيًا بِمَرْقَدٍ |
لا تلبس حذاء يحتاج إلى مئونة في لبسه واقفاً، كالأحذية التي لها رباطات، قيل: حتى لا يسقط.
وقيل: حتى لا يظهر قفاه ظهوراً قبيحاً.
وقيل: إنه دليل على الكبر، فنزوله إلى الأرض لربط حذائه أحسن.
فإذا، الأحذية التي فيها رباطات يُنهى عن لبسها قائماً، فالسنة أن يلبسها جالساً.
أما هذه الشباشب، وهذه الأشياء التي تُدخل الرجل فيها إدخالاً لتمش، فلا يحتاج إلى جلوس للبسها.
من آداب النوم
وَيُكْرَهُ لُبْسُ الْأُزُرِ وَالْخُفِّ قَائِمًا | كَذَاك الْتِصَاقُ اثْنَيْنِ عُرْيًا بِمَرْقَدٍ |
نهى النبي ﷺ أن يلتصق اثنين عرياً بمرقدٍ واحد، نهى أن يضطجع الرجلان، ويتغطيان بغطاءٍ ليس عليهما شيءٌ من الثياب.
وَثِنْتَيْنِ وَافْرُقْ فِي الْمَضَاجِعِ بَيْنَهُمْ | لَوْ إخْوَةً مِنْ بَعْدِ عَشْرٍ تُسَدَّدْ |
يتأكد التفريق بين الأطفال في المضاجع، حتى لا يقع الفساد بينهم، سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً.
لا شك أن التفريق بين الذكور والإناث أوجب، ولكن حتى لو كانوا ذكوراً بمفردهم بمعزل، أو إناثاً بمعزل، أيضاً يفرق بينهم في المضاجع، وبالذات بعد سن العشر.
وَيُكْرَهُ نَوْمُ الْمَرْءِ مِنْ قَبْلِ غَسْلِهِ | مِنْ الدُّهْنِ وَالْأَلْبَانِ لِلْفَمِ وَالْيَدِ |
حتى لا ينام وفيه زفر.
قال:
وَيُكْرَهُ نَوْمٌ فَوْقَ سَطْحٍ , وَلَمْ يُحَطْ | عَلَيْهِ بِتَحْجِيرٍ لِخَوْفٍ مِنْ الرَّدِي |
الذي ينام على سطح ما له سور، يمكن أن يكون عرضة للسقوط، فلا يفعل ذلك حتى لا يسقط، فمن فعله فقد برئت منه العهدة.
وَيُكْرَهُ بَيْنَ الظِّلِّ وَالشَّمْسِ جِلْسَةٌ | وَنَوْمٌ عَلَى وَجْهِ الْفَتَى الْمُتَمَدِّدِ |
إذًا، الجلوس بين الظل والشمس مجلس الشيطان؛ لا تجلس فيه، والنوم على البطن منهي عنه؛ لأنه ضجعة أهل النار؛ لا تضطجع هذه الضجعة.
وَيَحْسُنُ عِنْدَ النَّوْمِ نَفْضُ فِرَاشِهِ | وَنَوْمٌ عَلَى الْيُمْنَى وَكُحْلٌ بِإِثْمِدِ |
"ويحسُن عند النوم نفض فراشه"؛ كما جاء في السنة، فربما كان فيه شيء أو حشرة.
الكحل الإثمد الذي لونه يميل إلى الأحمر أو الأصفر أو البني، هذا يجلو البصر، ولذلك الاكتحال بالإثمد مما يجلو البصر، ويُحسن النظر.
من آداب الزواج
فَخُذْ لَك مِنْ نُصْحِي أُخَيَّ وَصِيَّةً | وَكُنْ حَازِمًا وَاحْضُرْ بِقَلْبٍ مُؤَبَّدِ |
وَلَا تَنْكِحَنْ مِنْ نَسْمِ فَوْقِكَ رُتْبَةً | تَكُنْ أَبَدًا فِي حُكْمِهَا فِي تَنَكُّدِ |
إذا أردت أن تتزوج لا تتزوج واحدة أغنى منك، أو أشرف منك، أو أعلى رتبة منك، فإنها ستتطاول عليك، وتقول: أنا كذا وأنت كذا.
-طبعًا- ما هو شرط، لكن إذا كانت في العادة تتطاول، خاصة عند حصول الخلاف، وتذكرك بفضلها عليك في مالٍ أو نسبٍ.
وَلا تَرْغَبَنَ فِي مَالِهَا وَأَثَاثِهَا | إذَا كُنْتَ ذَا فَقْرٍ تُذَلُ وَتُضْهَد |
إذا كنت ذا فقرٍ، لا تأخذ منها.
وهذا -طبعًا- ليس بالضرورة أنه إذا أخذ منها لا بدّ أن تذله، لكن الإنسان يستغني أحسن.
وَلَا تَسْكُنَنْ فِي دَارِهَا عِنْدَ أَهْلِهَا | تُسَمَّعْ أذَى أَنْوَاعَ مِنْ مُتَعَدِّدٍ |
أحسن لك ألا تسكن عند أهل المرأة، اسكن لوحدك، حتى لا تسمع شيئاً من الأذى، وأيضاً هذا ليس بالضرورة، قد يكون أهلها فيهم خير وطيبة، وأنت محتاج، فلا بأس.
وَكُنْ حَافِظًا أَنَّ النِّسَاءَ وَدَائِعُ | عَوَانٌ لَدَيْنَا احْفَظْ وَصِيَّةَ مُرْشِدِ |
عوان، يعني أسيرات ضعيفات.
وَلَا تَطْمَعَنْ فِي أَنْ تُقِيمَ اعْوِجَاجَهَا | فَمَا هِيَ إلَّا مِثْلُ ضِلَعٍ مُرَدَّدِ |
خَيْرُ النِّسَ مَنْ سَرَّتْ الزَّوْجَ مَنْظَرًا | وَمَنْ حَفِظَتْهُ فِي مَغِيبٍ وَمَشْهَدِ |
قَصِيرَةُ أَلْفَاظٍ قَصِيرَةُ بَيْتِهَا | قَصِيرَةُ طَرْفِ الْعَيْنِ عَنْ كُلِّ أَبْعَدِ |
تغض البصر، قليلة الكلام، دائماً في البيت.
عَلَيْك بِذَاتِ الدِّينِ تَظْفَرُ بِالْمُنَى الْ | وَدُودِ الْوَلُودِ الْأَصْلِ ذَاتِ التَّعَبُّدِ |
صاحبة الدين.
نصائح لطالب العلم
ثم قال رحمه الله:
وَلا يَذْهَبَنَّ العُمْرُ مِنْكَ سَبَهْلَلا | وَلا تُغْبَنَنْ بالنَّعْمتينَ بَل اجْهِدِ |
أي فراغاً بدون فائدة.
"ولا تغبننْ بالنعمتين" أي الصحة والفراغ.
فَمَنْ هَجَرَ اللَّذَّاتِ نَالَ الْمُنَى وَمَنْ | أَكَبَّ عَلَى اللَّذَّاتِ عَضَّ عَلَى الْيَدِ |
ندماً بعد الموت، وقد فات الأوان.
وَخَيْرُ جَلِيسِ الْمَرْءِ كُتُبٌ تُفِيدُهُ | عُلُومًا وَآدَابًا كَعَقْلٍ مُؤَيَّدٍ |
وَخَالِطْ إذَا خَالَطْت كُلَّ مُوَفَّقٍ | مِنْ العُلَمَا أَهْلِ التُّقَى وَالتَّعَبُّدِ |
يُفِيدُك مِنْ عِلْمٍ وَيَنْهَاك عَنْ هَوًى | فَصَاحِبْهُ تُهْدَى مِنْ هُدَاهُ وترشد |
وَإِيَّاكَ وَالْهَمَّازَ إنْ قُمْت عَنْهُ وَالْ | بَذِيَّ فَإِنَّ الْمَرْءَ بِالْمَرْءِ يَقْتَدِي |
وَحَافِظْ عَلَى فِعْلِ الْفُرُوضِ بِوَقْتِهَ | وَخُذْ بِنَصِيبٍ فِي الدُّجَى مِنْ تَهَجُّدٍ |
وَنَادِ إذَا مَا قُمْت فِي اللَّيْلِ سَامِعًا | بَذِيَّ فَإِنَّ الْمَرْءَ بِالْمَرْءِ يَقْتَدِي |
وَمُدَّ إلَيْهِ كَفَّ فَقْرِك ضَارِعًا | بِقَلْبٍ مُنِيبٍ وَادْعُ تُعْطَ وَتَسْعَدْ |
وَلَا تَطْلُبَنَّ الْعِلْمَ لِلْمَالِ وَالرِّيَا | فَإِنَّ مِلَاكَ الْأَمْرِ فِي حُسْنِ مَقْصِدِ |
وَكُنْ عَامِلًا بِالْعِلْمِ فِيمَا اسْتَطَعْته | لِيُهْدَى بِك الْمَرْءُ الَّذِي بِك يَقْتَدِي |
حَرِيصًا عَلَى نَفْعِ الْوَرَى وَهُدَاهُمْ | تَنَلْ كُلَّ خَيْرٍ فِي نَعِيمٍ مُؤَبَّدِ |
ادعُ إلى الله، وعلّم الناس الخير.
وَإِيَّاكَ وَالْإِعْجَابَ وَالْكِبْرَ تَحْظَ بِالسَّ | عَادَةِ فِي الدَّارَيْنِ فَارْشُدْ وَأَرْشِدْ |
وَهَا قَدْ بَذَلْت النُّصْحَ جَهْدِي وَإِنَّنِي | مُقِرٌّ بِتَقْصِيرِي وَبِاَللَّهِ أَهْتَدِي |
تَقَضَّتْ بِحَمْدِ اللَّهِ لَيْسَتْ ذَمِيمَةً -هذه القصيدة- | وَلَكِنَّهَا كَالدُّرِّ فِي عِقْدِ خُرَّدِ |
يُحَيَّرُ لَهَا قَلْبُ اللَّبِيبِ وَعَارِفِ | كَرِيمَانِ إنْ جَالَا بِفِكْرِ مُنَضَّدِ |
ثم قال في آخر بيت من هذه القصيدة:
وَقَدْ كَمُلَتْ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ | عَلَى كُلِّ حَالٍ دَائِمًا لَمْ يَصْدُدْ |
فالحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات.
ولولا عارض سفر لأكملنا معكم إن شاء الله هذا الدرس، لكن لعله إن شاء الله يكون هناك دروس أخرى، يعلن عنها في حينه.
وأسأل الله أن يجعلنا جميعاً ممن استفاد وأفاد، وأخذ من السنة ما يطبق به في حياته، ونسأله أن يختم لنا بالصالحات أعمالنا.
الأسئلة
س/ يقول: "خاتم الحديد حلية أهل النار حديثٌ ضعيف كما نص عليه أهل العلم؟
ج/ هذا أمرٌ مختلفٌ فيه، فبعضهم صحح الحديث.
س/ هل التربع من الاتكاء؟
الجواب: عند الأكل.
س/ ما هو اسم الكتاب الذي توجد فيه القصيدة؟
ج/ قلنا: إن القصيدة هي قصيدة الآداب لابن عبد القوي شرحها السفاريني في غذاء الألباب في مجلدين، وهي موجودة في آخر المجلد الرابع من موارد الظمآن، يمكنك الرجوع إليها، متتابعة وهنا تجدها مقطعة لأجل الشرح.
س: هل يقع الطلاق إذا قال: عليّ الطلاق أنتِ طالق؟
ج/ نعم، إذا ما وقع هكذا فإنه يقع، أي: أنه ما ترك لنفسه جالاً. إذا قصد الطلاق طبعًا
س/ الإسبال يكون في الأكمام، فهل يأخذ هذا الإسبال حكم إسبال الثياب فيما نزل عن الكعبين؟
ج/ هو إسبال لكن أخف منه.
س/ يقول الأعراب: إذا صاب الحرمة ماعون في البيت اكسره؟
ج/ لا، هذا ما هو لهذه الدرجة، أنك ما تجعلها تتملك شيئاً، وإذا صار لها ماعون تكسره حتى لا يكون لها فضل عليك، هذا ما هو بصحيح، وقد تكون المرأة غنية وزوجها فقير.
س/ ما حكم التنفس في كأسٍ خاص بشاربه؟
ج/ حتى التنفس في كأسٍ للشارب قد يضر نفسه.
س/ إذا كان هناك من يخاطب الجن ويذكرون له بعض الأخبار عندهم وغير ذلك، فهل نصدق هذه الأخبار؟
الجواب: لا، لأننا لا ندري وقد يكونون كفرة، وقد يكونون يكذبون.
س/ إذا كان لون حيات البيوت أسود؟
ج/ ولو كان أسود، النص للكلاب السود.
س/ هل يجوز تملك القطط؟
ج/ نعم، لكن شراؤها ورد النهي عنه وبيعها كذلك.
س/ هل تعديل اللحية حرام؟
ج/ نعم، لا يجوز الأخذ من اللحية، لا من طولها ولا من عرضها، لكن بعض العلماء أجازوا أخذ ما طال عن القبضة كما كان ابن عمر يفعل في الحج والعمرة، لكن كثيرٌ منهم يرون عدم المس بها مطلقاً وعدم الأخذ منها أبداً.
س/ هل ينعقد مجلس البيع عن طريق الهاتف؟
ج/ إذا قال: بعت وقال: اشتريت وانفصلوا، يعتبر بيعاً.
س/ اتفقت مع أحد التجار على أن يُقدم لي خدمة عن طريق الهاتف، فأعطاني تسعيرة وأرسلتُ إليه عينة ليقوم بفحصها ومعاينتها ويعيد النظر في تسعيرته، وفعل ذلك، وقام بخفض السعر، وعندما عزمت إرسال باقي البضاعة إليه حسب الاتفاق أخبرني بتغيير السعر، لعدم ملاءمته له؟
ج/ ما دام لم يتم البيع، المسألة مسألة مراسلات بينك وبينه وعروض، ولا يوجد عقد وقع ولا لفظ: (بعت واشتريت) فلم يتم البيع.