الأربعاء 6 ربيع الآخر 1446 هـ :: 9 أكتوبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

04- تعامله ﷺ مع النساء 4


عناصر المادة
شفقة النبي ﷺ، ورحمته بالنساء
كان عليه الصلاة والسلام لا ينسى ما تقدّم النساء الخيرات من معروف
كان عليه الصلاة والسلام رفيقاً مع النساء في الإنكار
كان ﷺ يوصي بالنساء خيراً، وينهى عن ضربهن
قبوله ﷺ هدية النساء
وربما دعته بعض النساء إلى طعام فيجيب دعوتها
كان ﷺ يدعو للنساء، وخصوصاً الصالحات، ومن كان لها معه مواقف
ومن عنايته عليه الصلاة والسلام بالنساء أنه كان يغير اسم المرأة إذا كان قبيحاً غير لائق
ملاطفته ﷺ لكبيرات السن
شفاعته ونصحه ﷺ للنساء في أمر الزواج
تذكيره ﷺ النساء بحقوق أزواجهن

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

شفقة النبي ﷺ، ورحمته بالنساء

00:00:14

فكنا قد تحدثنا عن شفقة النبي ﷺ، ورحمته بالنساء، وأنه ﷺ كان يخفف صلاته إذا سمع بكاء الطفل شفقة منه على أمه وحزِن وتأسف على المرأة التي كانت تنظف المسجد، وماتت ولم يخبر عنها، فسأل عنها فدُل على قبرها، فذهب وصلّى عليها.
وكان يرفق بالأرامل، والإماء، والمحتاجات، ولا يتوانى في قضاء حوائجهن، والساعي على الأرملة، واليتيم كالمجاهد في سبيل الله، وكالصائم الذي لا يفُتر، والقائم الذي لا يقعد.
وكان ﷺ يحسن للنساء، وكان يهمه أمر النساء، ودخلت خويلة بنت حكيم على عائشة رضي الله عنها وكانت زوجة عثمان بن مظعون ، فرأى النبي ﷺ بذاذة هيأتها، وهناك بعض الأحاديث التي جاءت في شأن النساء كانت قبل نزول الحجاب، ولذلك لا يُستنكر ما فيها؛ لأنها كانت قبل نزول آية الحجاب.
والنبي ﷺ لما رأى بذاذة هذه المرأة وهيأتها قال: يا عائشة، ما أبذّ هيأة خويلة يعني أن حالها كئيب، وثيابها رثة، فقالت: "يا رسول الله، امرأة لا زوج لها، كأنه لا زوج لها؛ مع أنه عنده زوج لكن لماذا قالت: يصوم النهار، ويقوم الليل؟ فهي كمن لا زوج لها، فتركت نفسها، وأضاعتها، زوجها مشتغل بالعبادة عنها كأنها ليس لها زوج، فلماذا تتزين؟ قالت: "فبعث رسول الله ﷺ  إلى عثمان بن مظعون، فجاءه فقال: يا عثمان، أرغبة عن سنتي؟ قال: لا والله يا رسول الله، ولكن سنتك أطلب" قال: فإني أنام، وأصلي، وأصوم، وأفطر، وأنكح النساء، فاتق الله يا عثمان، فإن لأهلك عليك حقاً، وإن لضيفك عليك حقاً، وإن لنفسك عليك حقًا، فصم، وأفطر، وصل ونم رواه أحمد، وهو حديث صحيح. [رواه أحمد: 26308، وحسنه محققو المسند].
وفي رواية لأبي موسى الأشعري: "أن امرأة عثمان بن مظعون دخلت على نساء النبي ﷺ فرأينها سيئة الهيأة، فقلن لها: مالكِ؟ ما في قريش رجل أغنى من بعلك، قالت: "ما كنا منه من شيء، أما نهاره فصائم، وأما ليله فقائم، فدخل النبي ﷺ فذكرن ذلك له، فقال له: يا عثمان، أما لك بي أسوة؟ قال: وما ذاك يا رسول الله فداك أبي وأمي؟ قال: أما أنت فتقوم بالليل، وتصوم بالنهار، وإن لأهلك عليك حقاً، وإن لجسدك حقاً، فصل ونم، وصم وأفطر.


قال: فأتتهم المرأة بعد ذلك عاطرة كأنها عروس، فقلن لها: مه؟ ما الخبر؟ فقالت: أصابنا ما أصاب الناس، يعني رجعنا للحالة الطبيعية مثل بقية النساء الذين لهن أزواج يهتمون بهن. رواه ابن حبان، وصححه الألباني. [صحيح ابن حبان: 316، التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان:1/357].

كان عليه الصلاة والسلام لا ينسى ما تقدّم النساء الخيرات من معروف

00:03:36

ومن ذلك ما حصل من  ضياع القِلادة التي كانت لأسماء رضي الله عنها، ومن ذلك ما حصل من معروف المرأة المشركة التي قدمته للمسلمين، وذلك أن النبي ﷺ كان مرة في سفر، وفقد أصحابه الماء، فتوضؤوا، وصلوا، فلما انفتل من صلاته إذا هو برجل معتزل لم يصل مع القوم، فقال: ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم؟ قال: أصابتني جنابة ولا ماء"، قال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك ثم سار النبي ﷺ فاشتكى إليه الناس من العطش، فنزل فدعا فلاناً، الآن لا بدّ من تزويد الجيش بالماء، عمران بن حصين، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، فقال: "اذهبا فابتغيا الماء، وقد عطش الصحابة عطشًا شديدًا، قال: "فبينما نحن نسير إذا نحن بامرأة سادلة رجليها بين مزادتين من ماء على بعير لها، والمزادة أكبر من القِربة، سمّيت بذلك؛ لأنه يزاد فيها من جلد آخر من غيرها، فقلن لها: أين الماء؟ قالت: أي ها هو أي ها هو، لا ماء لكم، يعني بعيد، وأيأستهم منه، ليس هناك ماء حاضر قريب قلنا: فكم بين أهلك وبين الماء؟ قالت: مسيرة يوم وليلة قالا لها انطلقي، إذًا، قالت إلى أين؟ قالا: إلى رسول الله ﷺ، قالت: الذي يُقال له: الصابئ؟ لأنها سمعت هذه المرأة المشركة أن النبي ﷺ خرج عن دين قومه، وكل من خرج عن دين قومه كانوا يسمونه الصابئ، فقالت: الصابئ؟ فما أراد عمران بن حصين وعلي بن أبي طالب أن يوحشا المرأة، ويقولان: لا، هو ليس بصابئ، ولو قالا: نعم، مصيبة أيضاً، فلذلك قالا: "هو الذي تعنين" لا نعم، ولا لا، فانطلقي، فتخلصا بهذا الكلام أحسن تخلص.
فجاءا بها إلى النبي ﷺ، وحدثاه الحديث فأخبرته مثل الذي أخبرتنا، وأخبرته أنها موتمة، يعني لها صبيان أيتام، قال: فاستنزلوها عن بعيرها، ودعا النبي ﷺ بإناء، ففرغ فيه من أفواه المزادتين".
وفي رواية للطبراني: تمضمض في الماء فأعاده في أفواه المزادتين، وأوكأ أفواههما، وربطها، وأطلق العزالي؛ والعزالي جمع عزلاء، وهو مصب الماء من الرواية، ولكل مزادتين عِزالان من أسفلها لصب الماء، ونُودي في الناس: اسقوا، واستقوا فالآن مضمض ورده في فم القربة، وأغلقه، وفتح العزالين من تحت لينزل الماء، وقيل: يا أيها الناس استقوا من هاتين المزادتين، ولكل مزادة عِزالان من أسفلها، فكأنه صار عندنا أربع فتحات، قال: فشربنا ونحن أربعون رجلاً عطاشٌ حتى روينا وملأنا كل قربة معنا وإداوة غير أنا لم نسق بعيرًا، وهي -يعني هذه المزادة- تكاد تنضرج من الماء، يعني تنشق من كثرة ما امتلأت من الماء، وكان آخر ذاك أن أعطى الذي أصابته الجنابة إناء من ماء قال: اذهب فأفرغه عليك، وهي قائمة، المرأة المشركة هذه متحيرة جداً تنظر إلى ما يُفعل بمائها، وأيم الله لقد أُقلع عنها، وإنه ليخيل إلينا أنها أشد، مليئة منها حين ابتدأ فيها، فقال النبي ﷺ: اجمعوا لها يعني مع أن الماء زاد، وما نقص، ماء هذه المرأة زاد وما نقص، لكن لأنها سبب، واستقوا من مائها أصلاً، فقال: اجمعوا لها فجمعوا لها ما بين عجوة، ودقيقة، وسويقة، مما كان معهم من الزاد حتى جمعوا لها طعاماً كثيراً، فجعلوها في ثوب، وحملوه على بعيرها، ووضعوا الثوب بين يديها، قال: لها اذهبي فاطعمي هذا عيالك، واعلمي أنا لم نرزأ من مائك شيئاً، ما نقصنا من مائك شيئاً، ولكن الله هو الذي أسقانا، هذا تعليم التوحيد للمشركة.


فأتت أهلها، وقد احتبست عنهم، يعني تأخرت، قالوا: ما حبسك يا فلانة؟ قالت: العجب العجاب، لقيني رجلان، فذهبا بي إلى هذا الذي يُقال له: الصابئ، ففعل كذا وكذا، فو الله إنه لأسحر الناس من بين هذه، وهذه، وقالت بأصبعيها الوسطى والسبابة، يعني فرفعتهما إلى السماء، تعني السماء والأرض، يعني هذا الرجل أسحر الناس ما بين السماء، والأرض هذا أسحر واحد، أو إنه لرسول الله حقاً". [رواه البخاري: 344، مسلم: 1595]. يعني: واحدة من الثنتين؛ إما أنه رسول الله، أو ساحر أسحر واحد في العالم.
فكان المسلمون بعد ذلك يغيرون على من حولها من المشركين، أنظر المراعاة لهذه المرأة؛ لأنها صنعت معروفاً يوماً ما كانوا يغيرون على من حولها من المشركين، ولا يصيبون الصِّرم؛ والصرم الأبيات المجتمعة، ولا يصيبون الصرم الذي هي منه، فقالت يوماً لقومها، هذه المرأة انتبهت لما يحدث، ما أرى أن هؤلاء القوم يدعونكم عمداً، فهل لكم في الإسلام؟ أي أن هذه المرأة صارت هي التي تدعو قومها للإسلام، تقول: لا أظن المسلمون يتركونكم غفلة، ولا نسيان، بل مراعاة لما سبق بيننا وبينهم، أو بيني وبينهم، فأطاعوها، فدخلوا في الإسلام، فحفظ النبي ﷺ المعروف للمرأة، وأعطاها زيادة، وطعام لأيتامها، وأحسن الصحبة لها بعد أن رجعت، حتى كان ذلك سبباً في إسلام قومها، وراعى الذمام.

كان عليه الصلاة والسلام رفيقاً مع النساء في الإنكار

00:11:11

وكان ﷺ رفيقاً مع النساء في الإنكار أيضاً؛ خصوصًا إذا كانت المرأة مصابة، صاحبة مصيبة، وقد تقع في منكر بسبب عدم تحمل المصيبة، فعن أنس بن مالك ، قال: "مر النبي ﷺ بامرأة تبكي عند قبر على صبي لها، فقال: اتقِ الله واصبري، وفي رواية: يا أمة الله اتقي الله، والظاهر أن بكاءها كان زائدًا عن الحد، فقال لها: اتقِ الله واصبرييعني أنه يخشى أن يكون وقعت في نياحة، ولهذا أمرها بالتقوى، وأما البكاء فليس بمنكر، ولا يُقال لمن كان يبكي بكاء عادياً على ميت: اتق الله! لكن هذه المرأة زادت عن الحد، ولعلها وقعت في شيء من النياحة والصياح، ورفع الصوت الزائد، أو بدأ شيء من مظاهر التسخط، قالت: إليك عني، فإنك لم تُصب بمصيبتي، ولم تعرفه؛ لأنه لا يمكن لامرأة مسلمة تعرف أنه رسول الله، وتقول له هذا الكلام،  فقيل لها: إنه النبي ﷺ، وفي رواية: "فمر بها رجل، فقال لها: إنه رسول الله، قالت: ما عرفته.
وزاد مسلم: "فأخذها مثل الموت"، يعني: من شدة الكرب الذي أصابها لما عرفت أنها ردت هذا الرد على النبي ﷺ، يعني استحيت، وخجلت، وأخذتها المهابة منه ﷺ، فلا بدّ من الاعتذار، فأتت باب النبي ﷺ، فلم تجد عنده بوابين، تصورت أنه مثل الملوك له حجّاب، وله حراس، وله بوّاب، ولا بدّ من استئذان، ولا يُوصل إليه إلا بعد إجراءات طويلة حتى تصل، فليس هناك بوابين على الباب أصلاً، خلاف ما تصورت، فقالت له: لم أعرفك، فقال: إنما الصبر عند الصدمة الأولى [رواه البخاري: 1283، مسلم: 926].


يعني الصبر الذي يحمد عليه صاحبه ما كان عند مفاجأة المصيبة؛ بخلاف ما بعد ذلك؛ لأن المصيبة تبرد مع الوقت تبرد لكن متى يختبر صبر الإنسان فعلاً؟ أول ما تقع المصيبة، أول ما تنزل المصيبة، هنا يبتلى صبر الإنسان، الله يبلو أخبارنا، ويبلو صبرنا أول ما تنزل المصيبة، كيف ستكون ردة الفعل، كيف يكون حال الإنسان  إنما الصبر، الصبر الحقيقي عند الصدمة الأولى، والحديث فيه اعتذار المرأة، وفي الحديث الاعتذار إلى أهل الفضل إذا أساء الإنسان الأدب معهم.
فإذاً، لو قال: سامحني، ما عرفتك، أسأتُ إليك، ما قدرتك حق قدرك، لم أعرفك، فأخطأت عليك، ونحو ذلك، وكذلك فإن النبي ﷺ أرشد هذه المرأة إلى تقوى الله، وأمرها به، اتقِ الله واصبري.
وقوله: إنما الصبر عند الصدمة الأولى هذا الجواب من أسلوبه الحكيم، كأنه يقول لها: دعي الاعتذار، فإني لا أغضب لغير الله، وانظري لنفسك، ولما جاءت المرأة طائعة مذعنة معتذرة بيّن لها أن حق هذا الصبر أن يكون في أول الحال فهو الذي يترتب عليه الثواب.
وكذلك فيه تواضع النبي ﷺ للمرأة إذ جهلت، ومسامحة صاحب المصيبة، وتقدير الظرف الذي هو فيه، والحال الذي هو عليه، وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، دائمًا امرأة، رجل، مقبرة، غير مقبرة، كل الحالات.

كان ﷺ يوصي بالنساء خيراً، وينهى عن ضربهن

00:15:48

وكان ﷺ يوصي بالنساء خيراً، وينهى عن ضربهن، وقال: لا تضربوا إماء الله فجاء عمر إلى النبي ﷺ فقال: ذئرن النساء على أزواجهن يعني: بسبب نهيك عن الضرب تمردت النساء، ما دام الآن ممنوع الضرب الطلاب يتمردون على المدرسين، ممنوع الضرب، فلما منع الضرب كل امرأة تريد أن تفعل  وتفعل، والرجل ممنوع من الضرب، فعمر قال: "يا رسول الله ذئرن النساء على أزواجهن، فرخص في ضربهن، فلما رخص في ضرب المرأة الناشز بالضرب بالحدود المشروعة، ولا يكسر، ولا يجرح، ولا يخضر الجلد، ولا يضرب في مقتل  إلى آخر شروط الضرب، فلما رخص زاد الرجال، وهكذا التوجيهات العامة أحياناً، يذهب كله يمين، أو كله يسار، فلا بدّ من التوزان، فأطاف بآل رسول الله ﷺ نساء كثير يشكون أزواجهن، أول الأمر قال: ممنوع الضرب، تمردت النساء، مسموح الضرب، جاءت النساء يشكين.
فقال النبي ﷺ: لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم رواه أبو داود، وهو حديث صحيح. [رواه داود: 2146، وصححه الألباني في صحيح أبي داود: 1863].
فإذا أعطى التوجيه العام، النساء يشكين لزوجات النبي ﷺ، وهذا فيه فائدة تعدد زوجات النبي ﷺ استقبال الشكاوى، المجتمع كله الآن بنسائه مرجعه إلى بيت النبوة، فعندما يكون هناك تسع زوجات يستقبلن الشكاوى، تتوزع الشكاوى على آل محمد ﷺ على زوجاته، فرفعن الشكاوى إلى النبي ﷺ فقال: ليس أولئك يعني الرجال الذين يضربون نسائهم ضرباً مبرحاً ليس أولئك بخياركم لأن الخيار هم الذي يتحملون ولا يضربون، فالتحمل والصبر على سوء الخلق من المرأة، وترك الضرب أفضل وأجمل.
إحسانه ﷺ الى التائبة من النساء:
وكان عليه الصلاة والسلام يأمر بالإحسان إلى التائبة، فعن عمران بن حصين أن امرأة من جهينة أتت نبي الله ﷺ وهي حبلى من الزنا، فقالت: يا نبي الله، أصبتُ حدّاً فأقمه عليّ، فدعا النبي ﷺ وليها، فقال: أحسن إليها فإذا وضعت فائتني بها، ففعل، فأمر بها النبي ﷺ، فشكت عليها ثيابها، ثم أمر بها فرُجمت، ثم صلّى عليها، فقال له عمر: تصلي عليها يا نبي الله وقد زنت؟! فقال: لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى. [رواه مسلم: 4529].


وقوله ﷺ لولي المرأة: أحسِن إليها، فإذا وضعت فائتني بها، هذا الإحسان له سببان، الأول الخوف عليها من أقاربها أن تحملهم الغيرة، ولحوق العار بهم أن يؤذوها، ولذلك قال: أحسِن إليها تحذيراً لهم من أن يقتلوها مثلاً، والثاني: الرحمة بها؛ لأنها تابت؛ ولأن الناس ينفرون ممن حاله مثل هذا، ولذلك أمر بالإحسان إليها؛ لأن الناس إذا  سمعوا عن مثل هذه الجريمة نفروا من صاحبها، ولو تاب وأسمعوه الكلام المؤذي.
فأراد بأمرهم بالإحسان إليها؛ لأنها تابت ألا يؤذوها الناس، وقد تابت.
إذًا، التائب لا يؤذى، ومثل هذه قصة المخزومية، المخزومية لما كانت تستعير المتاع وتجحد قُطعت يدها لما قُطعت يدها، وهي شريفة حسيبة من بني مخزوم، حسُنت توبتها، فكانت تأتي إلى عائشة -رضي الله عنها- فترفع حاجتها إلى رسول الله ﷺ.
إذًا، التائب له مكان في المجتمع المسلم، وله مكانة بعد توبته، ويفسح المجال له، وترفع حاجته، ويستقبل استقبالاً حسناً، ولا يؤذى بالكلام، ولا يثرّب، ولا يُعاب عليه الماضي، الماضي انتهى، شخص تاب، تاب الله عليه، لا ينبغي أن تعيره بالماضي، تذكره به، وتقول له: فعلت وفعلت، ويُلام، ويوبخ على شيء، ولما لام موسى آدم أخرجتنا ونفسك من الجنةفقال آدم هذا شيء كتبه الله علي، يعني تاب، وتاب الله عليه، وانتهت المسألة، لا مجال للوم.

قبوله ﷺ هدية النساء

00:21:11

وكان ﷺ من معاملته مع النساء أنه يقبل هدية المرأة.
فعن أنس بن مالك قال: "تزوج رسول الله ﷺ، فدخل بأهله، فقالت لي أم سليم، لمَن قالت؟ لأنس ، من هو أنس؟ ابنها قالت: لو أهدينا لرسول الله ﷺ هدية.
إذاً، الهدية بمناسبة الزواج حكمها سنة، فقلت لها: افعلي، اقتراح جيد نهديه هدية بمناسبة زواجه، فعمدت إلى تمر وسمن وأقط فاتخذت حيسةً، فجعلته في تور؛ إناء مثل القدح، فقالت: "يا أنس، اذهب بهذا إلى رسول الله ﷺ، فقل: بعثت بهذا إليك أمي، وهي تقرئك السلام، وتقول: إن هذا لك منا قليل يا رسول الله.
قال: فذهبتُ بها إلى رسول الله ﷺ فقلت: إن أمي تقرئك السلام، وتقول: إن هذا لك منا قليل يا رسول الله، فقال: ضعه، ثم قال: اذهب فادع لي فلانًا، وفلانًا، وفلانًا، ومن لقيته بالإضافة يعني للمسمى، ومن لقيته، وكانوا زهاء ثلاثمائة، ثلاثمائة على قدح فيه شيء من التمر والسمن والأقط، والحيس، وقال لي رسول الله ﷺ: يا أنس، هات التور، هات الإناء، فدخلوا حتى امتلأت الصفة والحجرة.
فقال رسول الله ﷺ: ليتحلق عشرة عشرة إذًا على كل مجموعة عشرة، وليأكل كل إنسان مما يليه، قال: فأكلوا حتى شبعوا، فخرجت طائفة، ودخلت طائفة حتى أكلوا كلهم، فقال لي: يا أنس، ارفع، قال: فرفعتُ فما أدري حين وضعتُ كان أكثر أم حين رفعتُ". [رواه مسلم: 3580].
وعن سهل أن امرأة جاءت للنبي ﷺ ببردة منسوجة فيها حاشيتها، يعني أنها قُطِعت من الثوب مع الحاشية، وقيل: حاشية الثوب هُدبه، فكأنه قال: إنها جديدة لم يقطع هُدبها، ولم تُلبس بعد المرأة جاءت بها إلى النبي ﷺ فقالت: "نسجتها بيدي فجئتُ لأكسوكها".


فأخذها النبي ﷺ محتاجاً إليها ما كان عنده مثل هذا، وهو محتاج إليه، فخرج إلينا، وإنها إزاره فحسنّها فلان، أحد الناس من الصحابة جعل يثني عليها، وقال: ما أحسنها، قال: اكسنيها، ما أحسنها، فقال: نعم، النبي ﷺ ما كان يرد أحداً، فجلس ما شاء الله في المجلس، ثم رجع فطواها، ثم أرسل بها إليه، فقال القوم: ما أحسنت، لبسها رسول الله ﷺ محتاجاً إليها، ثم سألته، وعلمت أنه لا يرد سائلاً، فقال: إني والله ما سألته لألبسه، إنما سألته لتكون كفني فكانت كفنه" [رواه البخاري: 1277].
إذًا، هو يريد شيئاً لامس جسد النبي ﷺ ليدخل معه القبر.
والحديث يبين كيف أن النبي ﷺ قبل هدية المرأة، وأنه صاحب خلق حسن، وجود.
وفي هذا دليل على أن الهدية يجوز أن تُهدى، على أنه ﷺ كان يكافئ المهدي، فعن أنس بن مالك قال: "لما قدِم المهاجرون من مكة، قدموا المدينة وليس بأيديهم شيء فروا بأنفسهم، وكان الأنصار أهل الأرض والعقار، فقاسمهم الأنصار على أن أعطوهم أنصاف ثمار أموالهم كل عام، ويكفونهم العمل والمؤنة.
فإذًا، الذي تبؤوا الدار والإيمان من قبل مجيء المهاجرين يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في أنفسهم حاجة مما أوتي  المهاجرين من الفضل، ويؤثر الأنصار على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة، وهي الحاجة، وقاسمهم الأنصار، وكفوهم المؤنة.


وكانت أم أنس بن مالك، وهي تدعى أم سُليم أعطت رسول الله ﷺ عِذاقٌا لها نخلة هبة، فأعطاها رسول الله ﷺ أم أيمن، مولاته، وهي أم أسامة بن زيد، فلما فرغ من قتال أهل خيبر، وانصرف إلى المدينة رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا منحوهم من ثمارهم، يعني بقي المهاجرون يستعملون منائح الأنصار، يعني: واحد يعطيك نصف المزرعة هذا شيء ليس قليلاً، ويشتغل لك فيها يكفيك المؤنة.
لما أغنى الله المهاجرين بغنائم خيبر، وفتح خيبر كان نقطة تحول اقتصادية مالية في حالة الغنى للمسلمين، ويعتبر نقلة اقتصادية، وطفرة مالية كبيرة بالنسبة للمسلمين؛ لأن خيبر كان فيها خير عظيم، فالله أخذه من اليهود، وجعله في أيدي المؤمنين، خيبر كانت مخزن هائل من الطعام، وفيها نخل وثمر، وفيها شيء عظيم.
ولذلك لما قسمت خيبر بعد أن فُتحت بالقوة، وقسمت على المسلمين صار فيه اكتفاء لهم.
وكان هذا فتح عظيم من الله، أثابهم فتحاً قريباً فكان المسلمون يريدون القتال في الحديبية، والله كفّهم لكن أعطاهم بدلاً منها  فتحًا قريبًا، وهو خيبر, فأغنى الله المؤمنين.
 لما اغتنى المهاجرون بهذه القسمة من خيبر ردّوا عطايا الأنصار، وأرجعوا إليهم منائحهم التي كانوا منحوها إياهم، فردّ رسول الله ﷺ إلى أمي عِذاقها، ردّ إليها النخلة، وأعطى رسول الله ﷺ أم أيمن مكانهن من حائطه"، هذه النخلة أعطاها بنفس العدد من حائطه هو. [رواه مسلم: 4702].


قال النووي رحمه الله: "لما قدِم المهاجرون آثرهم الأنصار بمنائح من أشجارهم، فمنهم من قبلها منيحة محضة ومنهم من قبلها بشرط أن يعمل في الشجر والأرض، وله نصف الثمار، مثل عمر كان يعمل ولم تطب نفسه أن يقبلها منيحة محضة". [شرح النووي على مسلم: 6/221].
يعني: قال: تشتغلون وتشتغلوا ونحن نأخذها هكذا بدون مقابل، وبدون أن نعمل شيء، لا، لا بدّ أن نعمل معكم لشرف نفوسهم، وكراهتهم أن يكونوا كلاًّ على الآخرين.
فلما فتحت خيبر استغنى المهاجرون بنصيبهم فيها عن تلك المنائح، وردوها إلى الأنصار، لكن الحديث فيه مكافأة الإمام المرأة على ما تتفضل به من هِبه، وأنه لا يحتقر من عمل المرأة شيء ولو كان يسيرًا.

وربما دعته بعض النساء إلى طعام فيجيب دعوتها

00:30:40

فعن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك أن جدته مُليكة دعت رسول الله ﷺ لطعام صنعته له، فأكل منها ثم قال: قوموا فلأصلي لكم.
قال أنس: "فقمتُ إلى حصير لنا قد أسودّ من طول ما لُبِس" يعني: ما استعمل، فهذا الاسوداد لكثرة الاستعمال، فنضحته بماء ليلين؛ لأن هذا مع الاستعمال يصير قاسي وجاف، ويذهب عنه الغبار فلذلك نضحه بالماء.
فقام رسول الله ﷺ ليصلي، وصففتُ واليتيم وراءه، و هذا اليتيم هو ضُميرة بن سعد الحميري مولى رسول الله ﷺ، والعجوز من وراءنا.
إذًا، إذا كان هناك إمام وغلامان، وامرأة يصلوا جماعة كيف فإن الإمام يقف في الأمام، والغلمان خلفه، والمرأة العجوز خلفهم، فصلّى لنا رسول الله ﷺ ركعتين، يعني: صلى بنا لكن من أجلنا كان هذا، والبركة في البيت، ثم انصرف ﷺ.
فإذاً، مليكة هذه الجدة والدة أم سليم، هذا الظاهر كما ذكره ابن حجر، وقال بعضهم: هذه هي أم سليم، لكن ظاهر السياق أنها أم أم سليم دعت النبي ﷺ على طعام، المرأة دعت النبي ﷺ هذه امرأة عجوز كبيرة في السن، لكن تقديراً لها النبي ﷺ ذهب مع أنها عجوز، يعني: ما كان في شيء يعني الإمام لا يتنازل يذهب إلى عزيمة عجوز، لا يروح دعوة عجوز، ويذهب، ويطعم عندها، ويصلي في بيتهم، ويصفهم، ويعلمهم الصلاة، ويكون هناك بركة في البيت، وهكذا أجاب الدعوة.
لو قال قائل الآن: لو أن انسان دعته امرأة يذهب؟ نقول: أولاً المرأة كانت عجوز، ثانياً: ما كانت هناك خلوة، وكان هناك أنس و اليتيم.


ثالثًا: النبي ﷺ في شرفه، ومكانته، وفضله، وعفته، ولذلك ابن حجر لما تكلم في فوائد الحديث قال: "إجابة الدعوة، ولو كان الداعي امرأة، لكن حيث تؤمن الفتنة". [فتح الباري لابن حجر: 1/490].
أما الآن واحد أنا رايح، وين عزمتني صديقتي الحين الخليلات، والخلان، والأخدان، وكذلك الحديث فيه صلاة النافلة جماعة، ولكن هذا طارئ نادر، وليس بدائم فيجوز أن تُصلى صلاة الضحى جماعة أحياناً.
وفيه تنظيف مكان المصلّى، وتليين مكان الصلاة، وقيام الصبي مع الرجل صفاً، وتأخير النساء عن صفوف الرجال.
هل المرأة مقصودة بحديث: لا صلاة لمنفردٍ خلف الصف؟ [رواه أحمد: 16297 وصححه محققو المسند]، لا، فالمرأة لا تنتظر من يأتي معها ليصف، وأنها لا صلاة لها لو صلت منفردة خلف الصف، لها وضع خاص ليست مثل الرجل فإذا كان معها امرأة غيرها فلا بدّ أن تصلي معها في صف، والأفضل في نوافل النهار أن تكون ركعتين؛ لأن النبي ﷺ صلّى بهم ركعتين، فلو قال قائل: أنا عندي وقت في النهار، أريد أن أتنفل، نقول: صلّ مثنى مثنى.
وكذلك في الحديث صحة صلاة الصبي المميز؛ لأنه صف أنس واليتيم معه، وأن للصبي موقفاً من الصف، وأن الاثنين  يكونان صفاً وراء الإمام.

كان ﷺ يدعو للنساء، وخصوصاً الصالحات، ومن كان لها معه مواقف

00:35:16

فعن أنس ، قال: "دخل النبي ﷺ على أُم سُليم، ولاحظ تكرار أم سليم في الأحاديث هذه المرأة لها شأن، فأتته بتمر وسمن، فقال: أعيدوا سمنكم سقائه، وتمركم في وعائه فإني صائم، ثم قام إلى ناحية من البيت فصلى غير المكتوبة  فدعا لأم سليم وأهل بيتها، فقالت أم سليم: "يا رسول الله، إن لي خويصة قال: ما هي؟ قالت: خادمك أنس، وفي رواية: خويدمك أنس، ادع الله له، فما ترك خير آخرة ولا دنيا إلا دعا لي به قال: اللهم ارزقه مالاً، وولدًا، وبارك له فيه، وفي رواية صحيحة عند ابن سعد: اللهم أكثر ماله، وولده، وأطل عمره، واغفر ذنبه والدعاء بطول العمر مقيد بما إذا كان فيه صلاح للإنسان.
والنبي ﷺ يأتيه الوحي، قال أنس: "فإني لمن أكثر الأنصار مالاً بعد مدة، وحدثتني ابنتي أمينة أنه دُفن لصلبي مقدم حجاج البصرة بضع وعشرون ومائة" [رواه البخاري: 1982].
مائة وعشرين ولد وحفيد من صلب أنس بن مالك دفنوا بتاريخ دخول الحجاج البصرة، وعاش أنس بعد ذلك إلى سنة إحدى وتسعين، أو اثنين وتسعين، أو ثلاثة وتسعين للهجرة، وقد قارب المائة .
وفي صحيح مسلم: "فدعا لي بثلاث دعوات، قد رأيتُ منها اثنتين في الدنيا، كثرة المال والولد، وأنا أرجو الثالثة في الآخرة". [رواه مسلم: 2481].


وما هي الثالثة، واغفر ذنبه أكثر ماله، وولده، وأطل عمره، واغفر ذنبه، كثرة المال والولد حصلت، وطول العمر حصلت، وبقي مغفرة الذنب.
وكان أنس قد سأل النبي ﷺ أين يلقاه يوم القيامة؟ يوم القيامة خمسين ألف سنة، وهناك أناس كثير جداً، كلهم محشورين، أين يجده في هذا الزحام، فكان قلق من هذه النقطة، أين يجده؟ فأرشده إلى ثلاث مواطن يبحث عنه فيها، فكل واحد الآن يعرف هذه المواطن، فربما يوم القيامة يسترشد إلى مكان النبي ﷺ، فأرشده، الحوض، والميزان، والصراط، أما أن تجدني عند الحوض، أم عند الميزان، أم عند الصراط، فإنك لن تخطئني في واحدة من هذه الثلاث.
فإذا وردنا يوم القيامة، وكل البشر والجن مجتمعين، فأين تجد النبي ﷺ في  هذا الزحام؟ معناها يمكن البحث عنه هناك، ولذلك أرشد أنس  إلى أن يبحث عنه في هذه المواطن الثلاث هناك.
وعن السائب بن يزيد، قال: "ذهبت بي خالتي إلى النبي ﷺ، فقالت: "يا رسول الله، إن ابن أختي وجع، فمسح رأسي، ودعا لي بالبركة، ثم توضأ، فشربت من وضوئه، ثم قمتُ خلف ظهره، فنظرتُ إلى خاتم النبوة بين كتفيه مثل زر الحجلة" رواه البخاري. الحجلة نوع من الطير، والمقصود بالزر البيضة، ويؤيده أن هناك رواية: "مثل بيضة الحمامة" مثل زر الحجلة مثل بيضة الحمامة.
فالشاهد أن النبي ﷺ كان يجيب طلب المرأة، وذهبت بابن أختها له، ودعا، وكذلك أدخل على قلبها السرور بقضاء حاجتها.

ومن عنايته عليه الصلاة والسلام بالنساء أنه كان يغير اسم المرأة إذا كان قبيحاً غير لائق

00:40:03

فعن ابن عمر أن ابنة لعمر كانت يُقال لها: عاصية، فسمّاها رسول الله ﷺ جميلة" [رواه مسلم: 5728].
وعن محمد بن عمرو بن عطاء، قال: "سميتُ ابنتي برّة" يعني كأن فيه تزكية، كأنه يقول: تقية، فقالت لي زينب بنت أبي سلمة: "إن رسول الله ﷺ نهى عن هذا الاسم، قال: لا تزكوا أنفسكم، الله أعلم بأهل البر منكم فقالوا بم نسمها؟ قال: سموها زينب [رواه مسلم: 5733].
وسبق أن النبي ﷺ غيّر اسم جثامة المزنية إلى حسانة، قال النووي رحمه الله: "معنى هذه الأحاديث تغيير الاسم القبيح، أو المكروه إلى حسن". [شرح النووي على مسلم: 7/261].
وقد ثبتت من الأحاديث عن النبي ﷺ بتغييره لأسماء عدد من الصحابة ذكوراً، وإناثاً، إما لقبح المعنى، أو لتزكية، أو خشية التطير والتشاؤم بها، وهكذا.
والآن هناك أسماء نساء وذكور فيها من جلافة الأعراب وسوء المعنى كثير، ولكن الانتقال إلى المدنية كما يقولون أحدث عند الناس ردّة فعل إلى الجانب الآخر، فوقعوا في أسماء الكفار، وصاروا يسمون بأسماء الكفار.


وأحيانًا بعضهم يسمي بأسماء تافهة أسماء أعجمية، فوفو، ميمي، يعني أسماء لا تليق، كشخص اتصل على الخطوط يحجز للسفر، قال: أنا عندي أختين، فالظاهر أن واحدة منهن سُميت في العهد القديم أيام البادية، ثم لما جاؤوا المدينة، وصاروا فيها، قال الموظف: تفضل، هات الأسماء، قال: ما اسم أختك الأولى؟ قال: فضيحة، قال: ما اسمها مرة أخرى؟ قال اسمها: فضيحة، قال: يا أخي لا بأس، ليست هناك مشكلة، هات الاسم، يقول له: اسمها فضيحة، وذاك يقول له: يا أخي ليست هناك مشكلة، هات الاسم، اسمها كذا فضيحة، فلما فهم الاسم قال: طيب، الاسم الثاني قال: لحظة انتظر، قال: هات اسم الثانية، قال: لحظة، قال: يا أخي نحن مشغولين، ولسنا فاضيين، اعطنا الاسم الثاني، قال: اسمها اسمها لحظة، يعني أناس هكذا سبحان الله، إما أن يكون الاسم من البادية، وجلافة الأعراب، والأسماء الموحشة، وحنش، وذيب، وكذا، أو يكون من الأسماء الرخوة، فهل انتهت الأسماء؟ وبعضهم يسمي ابنته راما، هذه أسماء آلهة الهندوس، فإذا سألته في ذلك قال: هذه الموضة هكذا!، فيقعون في أسماء قد يكون فيها من الحرج الشرعي ما فيها.

ملاطفته ﷺ لكبيرات السن

00:44:07

والنبي ﷺ كان له مع كبيرات السن مواقف فيها ملاطفة، كبيرة في السن، وعجوز مثل التي جاءته فقالت: يا رسول الله، ادعُ الله أن يدخلني الجنة، فقال: إن الجنة لا يدخلها عجوز أراد أن يلفت نظرها إلى أنها يوم القيامة هي إذا دخلت الجنة تتغير فذهب النبي ﷺ، فصلّى، ثم رجع إلى عائشة،
فقالت عائشة: "لقد لقيتُ من كلمتك مشقة وشدة، ظنت أنه لا يدخل الجنة عجوز، يعني: أن هذه العجوز إذا ماتت ذهبت وانتهت، وليس هناك أمل، فقال النبي ﷺ: إن ذلك كذلك، إن الله إذا أدخلهن الجنة حولهن أبكاراً، وفي رواية عن الحسن قال: "أتت عجوز إلى النبي ﷺ، فقالت: "يا رسول الله، ادعُ الله أن يدخلني الجنة، فقال: يا أم فلان، إن الجنة لا تدخلها عجوز فولّت تبكي، فقال: أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز، إن الله تعالى يقول: إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً ۝ فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا ۝ عُرُبًا أَتْرَابًا[الواقعة : 35 - 37]. رواه الترمذي في الشمائل، وحسّنه الألباني. [الشمائل المحمدية للترمذي: 230].
فكان ﷺ أيضاً يبين للنساء الحال التي ستكون عليها العجوز إذا دخلت الجنة، وهذا موضوع يطول، وهذا طرف منه، ولعلنا نختم الآن بنصيحة النبي ﷺ في الزواج.

شفاعته ونصحه ﷺ للنساء في أمر الزواج

00:45:55

فإنه ﷺ كان يشفع لبعض أصحابه عند قوم ليتزوج ابنتهم، كما فعل في جليبيب لما شفع له في تزويجه بنت قوم من بعض أصحابه، وحصل هذا فعلاً.
وكذلك كان يسعى في التوفيق بين المتنافرين، أو المرأة إذا نفرت من زوجها كما حصل في قصة مغيث وبريرة؛ لأن بريرة كانت أمة متزوجة من عبد يُقال له: مغيث، فلما عتقت بريرة وصارت حرة فإن الحكم الشرعي في الحرة إذا عُتقت وزجها عبد أن تُخير بين البقاء معه، أو الفراق، بريرة ما كانت تطيق مغيثاً، فلما صارت حرة اختارت الفراق، وهو مولع بها متعلق بها أشد التعلق.
يقول ابن عباس: "كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي، ودموعه تسيل على لحيته" [رواه البخاري: 5283]. وراءها في طرق المدينة.
فقال النبي ﷺ لها: لو راجعته أبو ولدك قالت: يا رسول الله، تأمرني؟ هذا أمر، قال: إنما أنا أشفع، ليس أمر، وإنما شفاعة ليست على سبيل الحتم، قالت: "لا حاجة لي فيه" أنا لا أريده. رواه البخاري: [رواه البخاري: 5283].
وفي رواية: "لو أعطاني كذا، وكذا ما كنتُ عنده، لكنها كانت مستعدة رضي الله عنها لو أمرها أن ترجع وتقاوم كل مشاعرها، وكل الأحاسيس.
وكان ﷺ ينصح النساء في موضوع الزواج، فلما طلق فاطمةَ بنت قيس زوجُها، خطبها معاوية بن أبي سفيان، وأبو جهم، وهو عامر بن حذيفة القرشي العدوي، وكان النبي ﷺ يعرف طبائع الرجال فقال لها: أما أبو جهم، فلا يضع عصاه عن عاتقه كثير الأسفار، أم هو ضرّاب للنساء.


طبعًا كلتاهما لا تعجب المرأة، قال: أما معاوية فصعلوك لا مال له كان معاوية في ذلك الوقت فقيراً انكحي أسامة بن زيد فكرهته، ثم قال: انكحي أسامة فنكحته، فجعل الله فيه خيراً، قالت: "واغتبطتُ" رواه مسلم: [رواه مسلم: 3770]، وفي لفظ: "فقالت بيدها هكذا أسامة" فقال لها رسول الله ﷺ طاعة الله وطاعة رسوله خير لك قالت" "فتزوجته فاغتبطتُ"[رواه مسلم: 3785].
جاء في رواية في صحيح مسلم ترجيح، أن أبا جهم ضرّاب للنساء بالنص، فرجل ضرّاب للنساء، وهذا يعني جواز ذكر الخاطب بما فيه من العلة للمرأة نصيحة؛ لأن الوضع يقتضي ذلك، ولا تُعتبر غيبة.
ومن طريف ما وقع: ما رواه الحاكم في كتاب مناقب الشافعي من لطيف استنباطه ما رواه محمد بن جرير الطبري، عن الربيع قال: "كان الشافعي يوماً بين يدي مالك بن أنس، فجاء رجل إلى مالك، -مالك شيخ الشافعي, والشافعي الذكي النجيب تلميذ مالك- فقال: "يا أبا عبد الله، جاء رجل إلى مالك بن أنس يسأل، يقول: يا أبا عبد الله، إني رجل أبيع القمرية، -والقمري الطائر المعروف الذي يصوت الصوت الجميل- إني رجل أبيع القمري، وإني بعتُ يومي هذا قمرياً، فبعد زمان أتى صاحب القمري، فقال: إن قمريك لا يصيح، فتناكرنا.


يعني: أنا أقول له: كيف هذا يصيح، وهو يقول: لا يصيح؟ إلى أن حلفتُ بالطلاق أن قمريَ لا يهدأ من الصياح، قال: مالك: طلُقت امراتك، فانصرف الرجل حزيناً، فقام الشافعي يومئذ، وهو ابن أربعة عشرة سنة، وقال للسائل: أصياح قمريك أكثر أم سكوته؟ فقال السائل بل صياحه، قال الشافعي: امض فإن زوجتك ما طلقت، ثم رجع الشافعي إلى الحلقة فعاد السائل إلى مالك، وقال: يا أبا عبد الله، تفكر في واقعتي، تستحق الثواب، فقال مالك رحمه الله: "الجواب ما تقدم، قال: فإن عندك من قال: الطلاق غير واقع؟ قال مالك، ومن هو؟ فقال السائل: هو هذا الغلام، وأومأ بيده إلى الشافعي، فغضب مالك، وقال: من أين هذا الجواب؟ فقال الشافعي: لأني سألته أصياحه أكثر أم سكوته؟ فقال: إن صياحه أكثر، فقال مالك، وهذا الدليل أقبح -أي تأثيراً- لقلة سكوته، وكثرة صياحه في هذا الباب، فقال الشافعي: لأنك حدثتني عن عبد الله بن يزيد، عن أبي سلمة، بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس، أنها أتت النبي ﷺ فقالت: "يا رسول الله، إن أبا جهم، ومعاوية خطباني فبأيهما أتزوج؟ فقال لها: أما معاوية فصعلوك، وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاقته.
وقد علم الرسول ﷺ أن أبا جهم كان يأكل، وينام، ويستريح، فعلمنا أنه ﷺ عَنَي بقوله: لا يضع عصاه عن عاتقه أن الأغلب من أحواله ذلك، فكذا هنا حملت قوله هذا القمري لا يهدأ من الصياح أن الأغلب من أحواله كذلك.


فلما سمع مالك ذلك تعجب من الشافعي، ولم يقدح في قوله البتّة، فهو صاحب القمري، لما قال: زوجتي طالق أن القمري لا يهدأ من الصياح.
الامام مالك قال: طلقت بالأظهر: ؛ لأنه يهدأ، الشافعي رأى المقصود من اللفظ لا يهدأ من الصياح، ودائماً يصيح، يعني ليس دائماً في صياح، وإنما يُطلق عليه أنه لا يهدأ من الصياح إذا كان غالب حال القمري أنه يصيح، كما أن النبي ﷺ قال: أبو جهم لا يضع عصاه عن عاتقهفليس المقصود أنه شغال ضرب أربعة وعشرين ساعة، هو ينام، ويستريح، ويقوم، ويأكل، يعني يذهب للمسجد، ويصلي.
وكان ﷺ أيضاً يسعى في تزويج من كانت بحاجة إلى الزواج، كما أن المرأة لما جاءت للنبي ﷺ تهب نفسها فزوجها ذلك الرجل الذي ما كان عنده خاتم حديد، لكن النبي ﷺ زوجه إياها بشرط أن يعلّمها ما يحفظه من القرآن، وسكت ﷺ في البداية استحيا من المرأة لما وهبت نفسها له، وكان شديد الحياء، وما أراد أن يردها، ويقول: لا حاجة لي فيك، انصرفي، سكت فقال رجل: زوجني إياها، فحصل ذلك.


وكان يخطب لأصحابه من يعرفهن من النساء الصالحات: كما حصل في قصة جليبيب، وكان يأخذ رأي المرأة قبل تزويجها، فعن عقبة بن عامر أن النبي ﷺ قال لرجل: أترضى أن أزوجك فلانة؟ قال: نعم، وقال للمرأة: أترضين أن أزوجك فلانا؟ قالت: نعم، فزوج أحدهما صاحبه، فدخل بها الرجل ولم يفرض لها صداقًا، ولم يعطها شيئاً، وكان ممن شهد الحديبية، له سهم بخيبر، فلما حضرته الوفاة قال: إن رسول الله ﷺ زوجني فلانة، ولم أفرض لها صداقاً، ولم أعطها شيئاً، وإني أشهدكم أني أعطيتها من صداقها سمهي بخيبر فأخذت سهمه فباعته بمائة ألف، فقال رسول الله ﷺ: خير النكاح أيسره رواه أبو داود، وهو حديث صحيح.
ومن مراعاته لقضية الموافقة البنت على الزواج أنه ﷺ جعل أمر خنساء بن خذام الأنصارية إليها لما زوجها أبوها وهي ثيب بغير رضاها فرد نكاحه". [رواه البخاري: 1113].
وعند عبدالرزاق أن رجلاً من الأنصار تزوج خنساء بنت خذام، فقتِل عنها يوم أحد، فأنكحها أبوها رجلاً، فأتت النبي ﷺ فقالت: "إن أبي أنكحني، وإن عم ولدي أحبُّ إليّ" [مصنف عبد الرزاق: 10309].
وفي الحديث دليل على أنه لا يجوز تزويج الثيب بغير إذنها، قال بعض أهل العلم: اتفق أئمة الفتوى بالأمصار على أن الأب إذا زوج ابنته الثيب بغير رضاها أنه لا يجوز، ويُرد، واحتجوا بحديث الخنساء.

تذكيره ﷺ النساء بحقوق أزواجهن

00:55:40

وكان يذكّر المرأة بحق الزوج، ويقول: أذاتُ زوج أنتِ؟، فإذا قالت: نعم، قال لها: انظري أين أنتِ منه، فإنه جنتك، ونارك، وكان ﷺ يسمح لمن لها غناء في الحرب أن تشارك، مثل سقي القوم مداومة الجرحى، نقل القتلى، كما جاء في حديث الربيع بنت معوّذ: "كنا نغزو مع النبي ﷺ، فنسقي القوم، ونخدمهم، ونرد الجرحى والقتلى إلى المدينة". [رواه البخاري: 2883].
وفي لفظ: "كنا مع النبي ﷺ نسقي، ونداوي الجرحى، ونرد القتلى إلى المدينة، يعني إخلاء الجثث فلا يأتي واحد من جماعة تحرير المرأة، وعمل المرأة في أي مجال، وفتح باب العمل للمرأة، يقول: كانوا يغزون؟!، فنقول: إنما كانت تداوي الجرحى، هل في ذلك شهوات؟ الآن هم جرحى، دماء تنزف، وإخلاء القتلى، هذا العمل الذي تعملوه أنتم؛ سكرتيرة، ومديرة، فأين هذا من هذا؟ ومن الذي كانت، وبأي حال كانت تذهب؟.
وكانت التي تذهب مثلم أم سليم، كما جاء في رواية مسلم أم عطية الأنصارية غزت سبع غزوات أخلفهم في رحالهم تحرس الرحال إذا انطلق الرجال، فأصنع لهم الطعام، وأداوي الجرحى، وأقوم على المرضى.
قال النووي: "فيه خروج النساء بالغزوة، والانتفاع بهن في السقي، والمداوة، ونحوهما، وهذه المداوة يقول النووي لمحارمهن، وأزواجهن، وما كان منها لغيرهم لا يكون فيها مس بشرة، مداوة بدون مس بشرة، كأن تأخذ ملقط تضعه في قطنه تغمسه في شيء ثم تضعه على الجرح ما في مس بشرة.
قال: "وما كان منها لغيرهم لا يكون فيه مس بشرة إلا في موضع الحاجة" [شرح النووي على مسلم: 6/270] إذا غلب، وما من بدّ من هذا موضع ضروري، فهذا شيء من تعامل النبي ﷺ مع النساء.
وكان ينهى عن قتل المرأة من الأعداء حتى في الحرب، نهى عن قتل النساء، والصبيان، فكيف بأهل الإسلام؟، وكيف بالمسلمات القانتات الداعيات الصالحات، اللاتي كن معه قد أجبنه في دعوته؟ رضي الله عنهن.
نسأل الله أن يجعلنا من أتباعهم، وأن نكون من الذين يسيرون على هديهم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.