الجمعة 20 رمضان 1445 هـ :: 29 مارس 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

06- المهدي


عناصر المادة
معنى إبل الشياطين
الخلافة بعد النبي عليه الصلاة والسلام
ظهور المهدي
الأحاديث الواردة في المهدي صراحة
صفات المهدي
يصلحه الله في ليلة
يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً
يحثي المال حثياً
الأحاديث الواردة في المهدي غير صريحة
أقوال الناس في المهدي
الرد على المشككين في المهدي
المدعين للمهدية
ضوابط التفريق بين المهدي والمدعي
ضرورة الإيمان بالمهدي
هل الإيمان بالمهدي يدفع إلى التواكل؟
حال الأمة قبل المهدي

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فحديثنا في هذه الليلة في أشراط الساعة عن الخلافة، وخليفة الله المهدي الذي سيكون في آخر الزمان.

معنى إبل الشياطين

00:00:27

وقبل أن نبدأ سأل بعض الإخوة عن حديث النبي ﷺ: تكون إبل للشياطين، وبيوت للشياطين.
ما معناه؟ وما صحته؟
وهذا الحديث قد رواه أبو داود رحمه الله [2570] عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: تكون إبل للشياطين، وبيوت للشياطين، فأما إبل الشياطين فقد رأيتها يخرج أحدكم بجنيبات معه قد أسمنها فلا يعلو بعيرًا منها، ويمر بأخيه قد انقطع به فلا يحمله، وأما بيوت الشياطين فلم أرها كان سعيد يقول: لا أراها إلا هذه الأقفاص التي يستر الناس بالديباج، وهذا الحديث قد حسنه العلامة الألباني رحمه الله. وذكره في سلسلته الصحيحة برقم: [93] ثم تراجع عن تصحيحه وذكره في الضعيفة برقم [2303]، وصرح بهذا التراجع.
وأما معنى الحديث تكون يعني توجد فهذا مما أخبر النبي ﷺ أنه سيقع:
وقوله: إبل للشياطين يعني: أنها معدة للتفاخر، والتكاثر، والتباهي، زائدة على قدر الحاجة، وهي من أجل الرياء والسمعة. وفسره أبو هريرة روى الحديث: "فأما إبل الشياطين فقد رأيتها يخرج أحدكم بجنيبات" جمع جنيبة، وهي الدابة التي تقاد ليس عليها راكب، وفي رواية: "نجيبات" وهي الناقة المختارة النجيبة معه، قد أسمنها، "فلا يعلو بعيرًا منها" لا يركب، إنما يأخذها يجرها معه جرًا "ويمر بأخيه قد انقطع به فلا يحمله" يمر بأخيه المسلم قد انقطع عن السير، وليس معه دابة، فلا يحمله، ولا يسعفه على إحدى هذه النجيبات.
كان سعيد بن أبي هند التابعي الذي روى الحديث عن أبي هريرة، يقول: "لا أراها" أي: لا أظنها في بيوت الشياطين إلا هذه الأقفاص، وهي المحامل، والهوادج التي يتخذها المسرفون في الأسفار، فإذًا قوله: "أما إبل الشياطين فلم أرها" هذا من كلام أبي هريرة، وقد بين فيه كيف تكون هذه الإبل للشياطين.
وأما التابعي سعيد رحمه الله فإنه ذكر بأن البيوت التي للشياطين هذه الأقفاص المحلاة بالحرير التي توضع على هذه الدواب، وقال بعضهم: يمكن أن تكون هذه البيوت التي للشياطين هذه السيارات المتخذة اليوم، التي هي أيضاً معدة للتباهي، والتفاخر، والتكاثر، والرياء، والشهرة، وأن يرفع الناس إليها أبصارهم، ويتحدثوا عنها فهناك بيوت للشياطين، وفي دواب للشياطين، مثلاً: في غرف للشياطين في فرش للشياطين، كما قال في الحديث: فراش للرجل، وفراش لامرأته، وفراش للضيف، والرابع للشيطان، أي: الأثاث غير المستعمل، والغرف غير المستعملة التي وجدت لأجل فقط قضية التكثير، والتباهي، والتفاخر أشياء تبنى بلا حاجة، دواب أو سيارات تتخذ بلا حاجة، لأجل فقط أن يقال عنده أسطول سيارات، فيه كذا سيارة للتباهي والتفاخر، هذه ممكن تكون للشياطين لأن الشياطين التي تأتيها، وتركب عليها، وتنام عليها، وتبيت عليها.

الخلافة بعد النبي عليه الصلاة والسلام

00:04:31

أما مسألة الخلافة فقبل الدخول في الكلام على المهدي فقد روى البخاري ومسلم عن جابر بن سمرة قال دخلت أنا وأبي على النبي ﷺ فسمعته يقول: إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيه اثنا عشر خليفة قال: ثم تكلم بكلام خفي علينا، فقلت لأبي: ما قال؟ قال: كلهم من قريش [رواه البخاري: 7222، ومسلم: 1821، واللفظ لمسلم ]. 
وفي رواية لمسلم: لا يزال الدين قائمًا حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش [رواه مسلم: 1821].
وفي رواية لمسلم أيضاً: لا يزال هذا الدين عزيزًا منيعًا إلى اثني عشر خليفة[رواه مسلم: 1821].
وعند أبي داود: لا يزال هذا الدين قائمًا حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم تجتمع عليه الأمة[رواه أبو داود: 4279، وصححه الألباني السلسلة الصحيحة: 376].
وجاء في روايات: أنه يكون بعده الهرج [رواه أبو داود: 4281، وصحيح الجامع: 7703]، وقد عرفنا أن الهرج كثرة القتل.
ومعنى قوله: لا يزال هذا الدين قائمًا أي: مستقيمًا سديدًا جاريًا على الصواب والحق، عزيزًا، منيعًا، قويًا، شديدًا مستقيمًا.
حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم تجتمع عليه الأمة يعني: تنقاد إليهم وتطيعهم.
كثير من العلماء أشكل عليهم الحديث.
قال المهلب: "لم ألق أحدًا يقطع في هذا الحديث". [فتح الباري: 13/211]، يعني: بشيء معين.
وقال ابن الجوزي: "قد أطلت البحث عن معنى الحديث، وتطلبت مظانه، وسألت عنه، فلم أقع على المقصود به؛ لأن ألفاظه مختلفة، ولا أشك أن التخليط فيها من الرواية، ثم وقع لي فيه شيء وجدت الخطابي بعد ذلك قد أشار إليه". [فتح الباري: 13/212]، وذكر كلامًا.
قال القاضي عياض رحمه الله: "توجه على هذا العدد سؤالان" -إشكالان- "أحدهما أنه يعارض ظاهر قوله في حديث سفينة الذي أخرجه أصحاب السنن: الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم تكون ملكًا  [رواه أبو داود: 4648، وصححه الألباني السلسلة الصحيحة: 459]"، قال: "لأن الثلاثين سنة لم يكن فيها إلا الخلفاء الأربعة، وأيام الحسن بن علي"، فكيف تكون اثنا عشر خليفة؟ وهو أصلاً الذي بعده كلها أربع خلفاء، والحسن بن علي تسمى خلافته مجاز أصلاً هي أيام وانقضت، وتنازل لمعاوية .
والإشكال الثاني: يقول: "أنه ولي الخلافة أكثر من هذا العدد" يعني: على مر التاريخ الإسلامي أكثر من اثنا عشر خليفة؟


"قال: والجواب عن الأول أنه أراد في حديث سفينة: الخلافة بعدي ثلاثون سنة خلافة النبوة" فقط، ولم يرد الخلافة الإسلامية إلى آخر الزمان، ولذلك حسبوها.
وهذا ما أجاب عليه ابن القيم رحمه الله أيضاً في التوفيق بين الحديثين يكون بعدي اثنا عشر خليفة، و الخلافة بعدي ثلاثون سنة قال: وأراد بحديث الثلاثين سنة خلافة النبوة فقط. [حاشية ابن القيم على سنن أبي داود: 11/243].
والجواب عن الإشكال الثاني: "أنه لم يقل لا يلي إلا اثنا عشر خليفة". [فتح الباري: 13/212]، قال: يلي اثنا عشر خليفة ممكن يكونوا أكثر لكن الاثنا عشر بالتأكيد، ولا يمنع الزيادة عليهم.
ثم يمكن أيضاً أن يقال احتمال آخر: أن يقصد اثني عشر خليفة من أئمة العدل، وهذا إذا جئت تحسبهم ستقول الأربعة الراشدون، وعمر بن عبد العزيز، ثم يقع بعد ذلك الاختلاف هل ولي فعلاً في الأمة من أئمة العدل التي اجتمعت عليهم الأمة هذا العدد أم لا؟
فاختلف العلماء:
القول الأول: أن الخلفاء الاثنا عشر قد ظهروا، وهم الخلفاء الأربعة، ومن بعدهم حتى تمام اثني عشر خليفة، واختارها الحافظ ابن حجر رحمه الله وذكره القاضي عياض احتمالاً، وذكره ابن الجوزي من الأوجه. [فتح الباري: 13/212]، وكأن ابن القيم رحمه الله يذهب إلى هذا القول أيضاً. [حاشية ابن القيم على سنن أبي داود: 11/244].
ويؤيده قوله ﷺ: كلهم يجتمع عليه الناس ومعنى اجتماع أي: الانقياد للبيعة، والذي وقع أن الناس قد اجتمعوا على أبي بكر وعمر -هذا كلام ابن حجر العسقلاني في قضية الاثني عشر- قال: والذي وقع أن الناس اجتمعوا على أبي بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، إلى أن وقع أمر الحكمين في صفين، فسمي معاوية يومئذ بالخلافة.


ثم اجتمع الناس على معاوية عند صلح الحسن"، قبل صلح الحسن ما كانوا مجتمعين عليه، يعني: ما يمكن تعد معاوية واحد منهم من الاثني عشر الذي اجتمع عليه الناس حتى تنازل له الحسن، "فاجتمع الناس على معاوية.
ثم اجتمعوا على ولده يزيد، ولم ينتظم للحسين" يعني ابن علي لأنه خرج في خلافة يزيد يطالب بالخلافة لكن خذله أهل العراق، وقتل ، فلا يمكن أن يقال أن الحسين منهم؛ لأنه ما صار خليفة واجتمع عليه الناس بل خرج للخلافة، وقتل، "ثم لما مات يزيد وقع الاختلاف"، تولى أشخاص "إلى أن اجتمعوا على عبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير، ثم اجتمعوا على أولاده الأربعة: الوليد بن عبد الملك بن مروان، ثم سليمان بن عبد الملك بن مروان، ثم يزيد بن عبد الملك بن مروان، ثم هشام بن عبد الملك بن مروان، وتخلل بين سليمان ويزيد عمر بن عبد العزيز.
قال: "فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين"، فكم صاروا؟ إحدى عشر، قال: "والثاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك اجتمع الناس عليه لما مات عمه هشام، فولي نحو أربع سنين، ثم قاموا عليه فقتلوه، وانتشرت الفتن، وتغيرت الأحوال من يومئذ، ولم يتفق أن يجتمع الناس على خليفة بعد ذلك؛ لأن يزيد بن الوليد الذي قام على ابن عمه الوليد بن يزيد لم تطل مدته بل ثار عليه قبل أن يموت ابن عم أبيه مروان بن محمد بن مروان.


ولما مات يزيد ولي أخوه إبراهيم، فغلبه مروان ثم ثار على مروان بنو العباس إلى أن قتل، ثم كان أول خلفاء بني العباس أبو العباس السفاح، ولم تطل مدته مع كثرة من ثار عليه، ثم ولي أخوه المنصور فطالت مدته لكن خرج عنه المغرب الأقصى باستيلاء المروانيين على الأندلس" وبالتالي، يعني منذ أن قامت للأندلس خلافة لا يمكن أن يقال اجتمع الناس على خليفة لبني العباس، يعني مثلاً هارون الرشيد ومن بعده لأن خروج المروانيين في الأندلس قد جعل هناك خلافة أخرى في الأمة، أو إمامة أخرى في الأمة، ومركز آخر في الأمة في الأندلس.
قال: "واستمرت" -يعني الأندلس- "في أيديهم متغلبين عليها إلى أن تسموا بالخلافة بعد ذلك" صار الأندلسيون هم أنفسهم يقال عن الإمام فيهم الخلافة.
قال: "وانفرط الأمر في جميع أقطار الأرض إلى أن لم يبق من الخلافة إلا الاسم في بعض البلاد"، يعني: قامت دولة المماليك ودخل الأعداء على الأمة، فصار الخليفة العباسي في بغداد مجرد اسم فقط، ليس له سلطان في الحقيقة فضلاً على أن يجتمع عليه الناس.
قال: "بعد أن كانوا في أيام بني عبد الملك بن مروان وأولاده يخطب للخليفة في جميع أقطار الأرض شرقًا وغربًا، وشمالاً ويمينًا مما غلب عليه المسلمون، ولا يتولى أحد في بلد من البلاد كلها الإمارة على شيء منها إلا بأمر الخليفة".
هذا الذي كان في أيام بني عبد الملك بن مروان، ولو أي واحد في العالم الإسلامي صار أمير على بلد فالذي يعينه الخليفة، "ومن نظر أخبارهم عرف صحة ذلك، فعلى هذا يكون المراد بقوله: ثم يكون الهرج يعني: القتل الناشئ عن القتل، وقوعًا فاشيًا، يفشو ويستمر، ويزداد على مدى الأيام، وكذا كان والله المستعان". [فتح الباري: 13/214].


وقال الحافظ ابن حجر أيضاً في مكان آخر: "والأولى أن يحمل قوله: يكون بعدي اثنا عشر خليفةعلى حقيقة البعدية، فإن جميع من ولي الخلافة من الصديق إلى عمر بن عبد العزيز أربعة عشر نفسًا، منهم اثنان لم تصح ولايتهم، ولم تطل مدتهما، وهما: معاوية بن يزيد، ومروان بن الحكم، والباقون اثنا عشر على الولاء، كما أخبر ﷺ وكانت وفاة عمر بن عبد العزيز سنة 101ه.
وتغيرت الأحوال بعده، وانقضى القرون الأول الذي هو خير القرون، ولا يقدح في ذلك قول: يجتمع عليهم الناس، لأنهم يحمل على الأكثر الأغلب؛ لأن هذه الصفة لم تفقد منهم، إلا في الحسن بن علي، وعبد الله بن الزبير مع صحة ولايتهما، والحكم بأن من خالفهما لم يثبت استحقاقه إلا بعد تسليم الحسن، وبعد قتل ابن الزبير، والله أعلم.
وكانت الأمور في غالب أزمنة هؤلاء الاثني عشر منتظمة، وإن وجد في بعض مدتهم خلاف ذلك فهي بالنسبة للاستقامة نادر"، يعني: أن الاستقامة هي العامل الأغلب، والاختلال نادر، والله أعلم". [فتح الباري: 13/215].
أما ابن القيم رحمه الله فإنه لما جاء إلى ذكر الجمع بين حديثي الخلافة بعدي ثلاثون سنة، وحديث اثنا عشر خليفة قال: "فإن قيل: فكيف الجمع؟ قيل: لا تعارض بين الحديثين، فإن الخلافة المقدرة بثلاثين سنة هي خلافة النبوة، كما في حديث أبي بكرة، وقوله ﷺ:  خلافة نبوة ثم يؤتي الله الملك من يشاء، وأما الخلفاء الاثنا عشر فلم يقل في خلافتهم إنها خلافة نبوة، ولكن أطلق عليهم اسم الخلفاء، وهو مشترك" -بين خلافة النبوة، وغير خلافة النبوة- "واختص الأئمة الراشدون منهم بخصيصة في الخلافة، وهي خلافة النبوة المقدرة بثلاثين سنة". [حاشية ابن القيم على سنن أبي داود: 11/244].


يقول: اثنا عشر خليفة منهم أربعة على  خلافة النبوة، ويكون مدتهم ثلاثون سنة، كيف تكون المدة هذه، قال: "خلافة الصديق سنتان وثلاثة أشهر واثنتين وعشرين يومًا، وخلافة عمر عشر سنين وستة أشهر وأربع ليال، وخلافة عثمان اثنتي عشر سنة إلا اثني عشرة يومًا، وخلافة علي خمس سنين وثلاثة أشهر إلا أربعة عشرة يومًا، وقتل علي سنة أربعين، فهذه خلافة النبوة ثلاثون سنة"، علي قتل في عام أربعين للهجرة، النبي ﷺ مات بعد عشر سنوات من الهجرة إذًا هذه هي الثلاثون المقصودة خلافة النبوة مضت في هؤلاء الأربعة.
قال: "وأما الخلفاء الاثنا عشر: فقد قال جماعة من العلماء: منهم أبو حاتم ابن حبان: إن آخرهم عمر بن عبد العزيز فذكروا الخلفاء الأربعة، ثم معاوية، ثم يزيد ابنه، ثم معاوية بن يزيد، ثم مروان بن الحكم، ثم عبد الملك ابنه، ثم الوليد بن عبد الملك، ثم سليمان بن عبد الملك، ثم عمر بن عبد العزيز، وكانت وفاته على رأس المائة، وهي القرن المفضل الذي هو خير القرون، وكان الدين في هذا القرن في غاية العزة، ثم وقع ما وقع".
والدليل على أن النبي ﷺ إنما أوقع عليهم اسم الخلافة بمعنى الملك في غير خلافة النبوة قوله في الحديث الصحيح: سيكون من بعدي خلفاء، يعملون بما يقولون، ويفعلون ما يؤمرون، وسيكون من بعدهم خلفاء يعملون بما لا يقولون، ويفعلون ما لا يؤمرون، وقال: من أنكر برئ سلم، ومن أمسك سلم، ولكن من رضي وتابع". [حاشية ابن القيم على سنن أبي داود: 11/244].
يعني: الذي يتحمل الوزر الذي يرضى ويتابع على الإثم، أما الذي ينكر يبرأ، والذي يمسك عن الشر هذا يسلم.
إذًا يقول: اثنا عشر خليفة أربعة على منهاج النبوة، ولا يشترط كل الاثنا عشر أن يكونوا على منهاج النبوة، لكن يصح أن يطلق عليهم اسم خلفاء.


يعني: تولوا على الأمة، حكموا بالشريعة، دانت لهم البلاد والعباد، وقد يكون عندهم انحرافات في أنفسهم، معاصي، أخطاء، تجاوزات، لكن لا يسلبون اسم خليفة، ولذلك قالوا: الاثنا عشر هؤلاء مضوا، هذا القول الأول أن الأثنا عشر قد مضوا.
القول الثاني: أن المراد أنه يلي الأمة هذا العدد من الخلفاء، والمراد الخلفاء العادلون الذين يكونون على منهاج النبوة، إذًا فهم بعض العلماء يكون اثنا عشر خليفة يعني على منهاج النبوة، يعني: كلهم عدول يحكمون بالعدل، ولذلك أدخلوا فيهم المهدي لأنه خليفة عادل على منهاج النبوة.
فابن كثير رحمه الله اختار هذا القول، قال: الاثنا عشر هؤلاء ليسوا فقط يصح أن يقال عليهم اسم خلفاء، وأن كل المسلمين دانوا لهم، وإنما خلفاء على منهاج النبوة.
قال ابن كثير: "ومعنى هذا الحديث البشارة بوجود اثني عشر خليفة صالحًا يقيم الحق، ويعدل فيهم، ولا يلزم من هذا تواليهم، وتتابع أيامهم"؛ لأنه قال: سيكون بعدي اثنا عشر خليفة لكن لا يشترط أن يكونوا متوالين متتابعين، لكن المهم سيوجد في الأمة اثنا عشر خليفة كلهم على منهاج النبوة، عدول، ثقات في أنفسهم، وفي حكمهم، يعني ليس فقط يحكم بالشريعة، وهو يخالف في نفسه، أو عنده معاصي، أو يشرب الخمر، لا مستقيم، لا وكذلك حكمه الذي يحكم به المسلمين، وهؤلاء تدين لهم كل البلاد الإسلامية، وكل الشعوب الإسلامية.
فيقول ابن كثير: أنه "لا يلزم من هذا تواليهم، وتتابع أيامهم بل قد وجد أربعة على نسق واحدة"، فبدأ ابن كثير الآن يعد بناء على فهمه أن الاثني عشر هؤلاء كلهم خلافة نبوة.


فقال: الأربعة بلا شك الراشدون، وهم الخلفاء الأربعة على نسق واحد: "أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي ، ومنهم عمر بن عبد العزيز بلا شك عند الأئمة"، فصاروا الآن خمسة، وقال: "بعض بني العباس" -هنا اجتهاد ابن كثير رحمه الله قال: إن يدخل بعض بني العباس في الاثني عشر الآن قضية كم البعض هؤلاء؟ وكم يغطوا من العدد الاثني عشر هذا مجال للنظر والاجتهاد.
قال: "ولا تقوم الساعة حتى تكون ولايتهم -يعني هذا العدد الاثني عشر- لا محالة"، يعني لا بد أن يظهروا في التاريخ، "والظاهر أن منهم المهدي المبشر به في الأحاديث الواردة بذكره، أنه يواطئ اسمه اسم النبي ﷺ، واسم أبيه اسم أبيه، فيملأ عدلا وقسطًا كما ملئت جورًا وظلمًا، وليس هذا بالمنتظر الذي يتوهم الرافضة وجوده، ثم ظهوره من سرداب سامراء، فإن ذلك ليس له حقيقة ولا وجود بالكلية، بل هو من هوس العقول السخيفة، وتوهم الخيالات الضعيفة.
ختم ابن كثير رحمه الله كلامه قال: "وليس المراد بهؤلاء الخلفاء الاثني عشر الأئمة الذين يعتقد فيهم الاثني عشرية من الروافض لجهلهم، وقلة عقلهم". [تفسير ابن كثير: 3/93]. انتهى.
إذًا رأي ابن كثير الاثني عشر كلهم على منهاج النبوة أربعة، وعمر بن عبد العزيز الخامس، والمهدي الذي سيكون في آخر الزمان السادس، منهم الستة البقية؟
قال ابن كثير: بعض بني العباس يدخلون، كم هذا البعض؟ خلاص الآن صارت مسألة اجتهاد ونظر، يعني هل يكون منهم مثلاً هارون الرشيد، أو غيره من خلفاء بني العباس، يعني كانوا في أنفسهم صالحين، ويحكمون الأمة بالشريعة، وعلى منهاج النبوة، وهذا القول ممكن ينتج عنه أن هناك خلفاء غير المهدي لم يظهروا بعد على هذا القول، وفي هذه الحالة سيكون هناك مزيد من بصيص الأمل والمبشرات في قضية اجتماع الأمة مرة أخرى على خلفاء يأتون على منهاج النبوة.


القول الثالث: يكونون في زمن واحد كلهم يدعي الإمارة، واختار هذا القول المهلب، والحافظ تعقبه، فإذًا هذا ليس قولاً قويًا. [فتح الباري: 13/215].
والقول الرابع: أن ذلك بعد زمن المهدي اثنا عشر خليفة بعد المهدي، هذا القول قال به بعضهم، وهذا ليس بواضح.
إذًا أقوى الأقوال قول الذي ذكره ابن القيم رحمه الله، وابن حجر: أن الاثنا عشر مضوا.
ملاحظة مهمة: لا يعني أنه لا يكون هناك أكثر من اثني عشر، كونه قال: سيكون اثنا عشر لا يعني أنه لا يكون أكثر من اثني عشر.
القول الثاني: أن هؤلاء الاثني عشر لم يمضوا كلهم، وهناك اجتهاد في قضية خلفاء بني العباس كم منهم الذين سيدخلون؟ وكم الباقي؟
على أية حال قول بعض العلماء أنه لم يتضح له معنى الحديث هذا قول آخر، وهو التوقف، والله أعلم، ولا ندري ما هو المعنى، وهل ظهروا أو ما ظهروا؟
فنتوقف، فلذلك بعض العلماء أشكل عليهم الحديث، ولم يجزموا بشيء، وتوقفوا، وهذا طبعًا أدب المسلم في العلم إذا ما استطاع أن يجزم بشيء توقف، والله أعلم بالصواب، كون الله ناصر دينه، وأن الله سيظهره على الدين كله ولو كره الكافرون، وأن الأمر هذا سيبلغ ما بلغ الليل والنهار، يعني: كل الكرة الأرضية، هذا قد نقطع به فالمبشرات عندنا كثيرة والحمد لله؛ حتى لو قلنا: الاثني عشر ظهروا كلهم عندنا مبشرات كثيرة، والحمد لله، لكن نظرًا لارتباط قضية المهدي بقضية الخلافة فقد سقنا هذا الحديث، وبعض أقوال العلماء فيه.

ظهور المهدي

00:22:20

أما بالنسبة للمهدي فمن علامات الساعة التي أخبر بها النبي ﷺ ظهور رجل صالح في آخر الزمان، من آل بيت النبي ﷺ يبايع على الخلافة، ويكون خليفة راشدًا، فيقيم القسط والعدل، وهذا الخليفة الصالح، ورد ذكره في أحاديث كثيرة، وتسميته بالمهدي.
والمهدي لغة: المهدي اسم مفعول من هدى يهدي، هادي اسم الفاعل، مهدي اسم مفعول، فالمهدي هو الذي هداه الله إلى الحق، وقد ورد في السنة استعمال هذه الكلمة بهذا المعنى، مثل قوله ﷺ: فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي [رواه الترمذي:2676، وصححه الألباني صحيح الترغيب: 37]، المهديين: الذين هداهم الله إلى الحق علمًا وعملاً.
وكذلك فإن النبي ﷺ سمى هذا الخليفة الذي سيكون في آخر الزمان مهديًا، وبشر به، وهذا المهدي الذي بشر به النبي ﷺ يؤيد الدين، ويظهر العدل، ويبايعه المسلمون، ويكون من آل البيت النبوي، ويخرج في زمنه الدجال، وينزل عيسى بن مريم ويصلي مأمومًا خلفه، فمن هو الإمام؟ المهدي، وعيسى مأموم وراء المهدي مع أن عيسى نبي.
وقد ورد في شأن المهدي أحاديث كثيرة: منها الصحيح، ومنها الحسن، ومنها الضعيف الذي ينجبر بتعدد الطرق، ومنها شديد الضعيف، بل الموضوع المكذوب المفترى المختلق.
قسمها ابن القيم رحمه الله في المنار المنيف، وكذا غيره من المحدثين كالألباني في فضائل الشام إلى أربعة أقسام:
أحاديث المهدي صحاح، وحسان، وغرائب، وموضوعات مكذوبات. [المنار المنيف: 1/148].
وكذا قال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله في تقسيمها إلى أربعة أقسام: مكذوبة، وضعيفة، وأحاديث حسنة، لكن تصل إلى درجة الصحيح لغيره.
وقال بعض العلماء: إن فيها ما هو صحيح لذاته، يعني في بعض العلماء يرى أن أحاديث المهدي ما هي صحيح لذاته، وأنما حسنة صحيح لغيره وأقل نظرًا لكثرة الفتن التي حصلت بسبب قضية المهدي، لأن حركة المهدوية ادعاها على مر التاريخ ناس كثيرون، وضل فيها أمم، وأريقت فيها دماء، وحصل بين المسلمين شقاق، وخلافات، وقضايا عظام؛ لذلك كان لا بدّ من بيان حقيقة هذا الرجل.
ما هي صفاته؟ خصوصًا، وأنه لم يظهر بعد، وأن الذين ادعوا أنهم المهدي في التاريخ كلهم اتضح أنهم غير صادقين، ادعى المهدوية كثير في عهد بني أمية، وبني العباس، وفي العصر الحاضر، وفي ناس يدعون الأيام هذه، وفي بالإنترنت نبشركم أن المهدي ولد، ففيه الآن خلل، في هوس في أنواع من الانحرافات الحاصلة في هذا الموضوع، فإذًا الآن المهدي منى يعرف أنه المهدي، إذا اجتمع عليه الناس ستأتي نصوص أن بعض الناس كانوا يسألون العلماء كيف نعرف أنه المهدي؟
قال: لا تذهب إليه حتى ترى الناس قد اجتمعوا عليه المسلمين، فإذًا الذين يقولون: ولد، ما هو الدليل على ولادته؟ المهدي يصلحه الله في ليلة، أيش عرفك الآن أن هذا الطفل الرضيع أنه سيكبر، ويكون غير صالح، ثم يصلحه الله في ليلة.


ومن المهوسين سبحان الله واحد أرسل لي رسالة، قال: أنا المهدي أرسل لك رسالة، وأنني كنت ضال وأصلحني الله، وينبغي حماية عقول المسلمين من هذه الترهات، ولذلك فإن العلم الشرعي هو الكفيل بالقضاء على هذه الترهات، والعصمة في الفتن بلا شك.

الأحاديث الواردة في المهدي صراحة

00:27:02

الأحاديث التي ورد فيها ذكر المهدي:
أولاً: عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ﷺ قال: يخرج في آخر أمتي المهدي يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويعطى المال صحاحًا، وتكثر الماشية، وتعظم الأمة، يعيش سبعًا أو ثمانيًا، يعني: حجة، يعني: سنين ثماني حجج ثماني سنين. [رواه الحاكم في المستدرك: 8673، وأحمد: 11228 وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 711].
وروى الإمام أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ: لا تقوم الساعة حتى تمتلئ الأرض ظلمًا وعدوانًا، قال: ثم يخرج رجل من عترتي أو من أهل بيتي يملأها قسطًا وعدلاً كما ملئت ظلمًا وعدوانًا [رواه أحمد: 11331، وصححه الألباني صحيح الجامع: 5074].
وقوله: من عترتي عترة الرجل أخص أقاربه، وقال ابن الأعرابي: العترة ولد الرجل وذريته، وعقبه من صلبه، فعترة النبي ﷺ ولد فاطمة [تهذيب اللغة للأزهري: 1/242].
يعني: أولاد فاطمة رضي الله عنها، وكلمة ولد يشمل الذكر والأنثى، قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. [المستدرك: 8669].
قال الألباني: وهو كما قال بل هو عندي متواتر عن أبي الصديق عن أبي سعيد الخدري. [السلسلة الصحيحة: 1529]، قال فمن ضعف حديثه هذا من المتأخرين فقد خالف سبيل المؤمنين.
أحاديث فيها صفة المهدي وبعض أحواله:
المهدي من أهل بيت النبي ﷺ من ولد فاطمة.
إذًا هذه علامة واضحة بينة صحيحة، قد وردت في الحديث، وجاء عن علي عن النبي ﷺ قال: لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملأها عدلاً كما ملئت جورًا [رواه أبو داود: 4285، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 5305].
ولفظ أحمد: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لبعث الله رجلاً منا يملأها عدلاً كما ملئت جورًا [رواه أحمد: 773].
وروى أبو داود عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول: المهدي من عترتي من ولد فاطمة [رواه أبو داود: 4286، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 6734].


فهذه أدلة على أنه لا بد أن يكون من ولد فاطمة من العترة من النسل النبوي الشريف.
وذهب جمهور أهل السنة إلى أن المهدي تحديدًا من ولد الحسن بن علي؛ لأن فاطمة رضي الله عنها للحسن والحسين أولاد، وفي ذكور، وفي إناث، فمن أي هؤلاء البطون سيكون المهدي؟
فذهب جمهور أهل السنة إلى أن المهدي سيكون تحديدًا من نسل الحسن بن علي ، قال علي ونظر إلى ابنه الحسن - هذا الدليل- فقال: "إن ابني هذا سيد" -يقول عن الحسن كما سماه النبي ﷺ وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم، يشبهه في الخلق، ولا يشبهه في الخلق" ثم ذكر قصة "يملأ الأرض عدلاً". [رواه أبو داود: 4292].
لكن هذا الحديث ضعفه بعض المحدثين كما أشار إلى ذلك الألباني رحمه الله في ضعيف سنن أبي داود. [صحيح وضعيف سنن أبي داود: 4290].
وابن كثير رحمه الله قال في المهدي: "وهو محمد بن عبد الله العلوي" نسبة إلى علي، الفاطمي نسبة إلى فاطمة، الحسني نسبة إلى الحسن. فيقول ابن كثير في المهدي: "محمد بن عبد الله العلوي الفاطمي الحسني ". [النهاية في الفتن والملاحم: 1/17].
وقال القاري: "واختلف في أنه من بني الحسن، أو من بني الحسين؟ ويمكن أن يكون جامعًا بين النسبتين، والأظهر أنه من جهة الأب حسني، ومن جهة الأم حسيني" [مرقاة المفاتيح: 15/450].
فأدخل الطريقين جميعًا، لكن أشار بعض العلماء كابن القيم رحمه الله قال: "كونه من نسل الحسن فيه فائدة لطيفة"، وسر بديع، "وهو أن الحسن ترك الخلافة لله"، الحسن لما صار النزاع مع معاوية تنازل الحسن بن علي لله؛ مع أنه أولى بالخلافة؛ لكن تنازل لله؛ لتحقن الدماء؛ ويجتمع المسلمون؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أشار إليه: وأن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين، [رواه البخاري: 2704]، فتنازل الحسن لله مع أنه بويع للخلافة بعد مقتل أبيه، لكنه تنازل لله.
قال: "ترك الخلافة لله، فجعل الله من ولده من يقوم بالخلافة الحق المتضمن للعدل الذي يملأ الأرض، وهذه سنة الله في عباده، أنه من ترك لأجله شيئًا أعطاه الله أو أعطى ذريته أفضل منه"، فهذا من اللطائف التي تذكر في مناسبة كونه من ولد الحسن بن علي، وليس من ولد الحسين لأن الحسين قام بالمطالبة بالخلافة، ولكنه لم يكتب له أن تكون الخلافة له، وقتل ، لكن كان موقف الحسن أحسن في هذا الأمر.
المهدي يصلي إماماً بعيسى :


ومن الأحداث التي تكون في عهد المهدي أنه يصلي إمامًا بعيسى بن مريم كما قال أبو هريرة قال رسول الله ﷺ: كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم، وإمامكم منكم [رواه البخاري: 3449].
والآن الإنسان المسلم لما يسمع الأحاديث في هذا الواقع فيها ظهور المسلمين، والمهدي، وعيسى، المسلم لما يسمع هذا في هذه الأوقات هيمنت الكفار على الأرض وبسطت نفوذهم عليها برًا وبحرًا وجوًا، وما يكون من الضعف والهوان الذي فيه المسلمين، فبعضهم ربما يسمع هذه الأحاديث وهذه النصوص للتسلية.
يعني: كأنه يقول نحن خلونا في العالم الذي نحن فيه، وهذه أشياء نسمعها للتسلية، وبعض الناس يستمعون، ويستنكرون، ويستبعدون.
يقولون: معقول العالم كله الآن تحت هيمنة الكفار، ودول، وأساطيل، وأسلحة، وقوى عالمية، فيستبعد، وبعض الناس ربما ينكر، وبعض الناس يسمعها بين مصدق، يعني: ربما يستمتع بالقصص التي فيها والأحداث، لكنه غير حاضر القلب وموقن أن هذا سيكون حقًا، وهذه قضية يجب أن نذكر بها أنفسنا، وهي الإيمان بالغيب، أول صفة ذكرها الله للمؤمنين في سورة البقرة: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة:  3].
ولذلك المؤمن لما يسمع الآيات والأحاديث، فإنه يقول: إنها حق على الحقيقة، وستقع.
النبي ﷺ أخبر بعض الصحابة بأشياء كان عندهم خصوصًا الذين أسلموا في أول إسلامهم، ربما يستبعدون هذا الأمر كان يقول للصحابي وهو في حال ضعف: ستفتح كنوز كسرى وقيصر[رواه أحمد: 1787، وصحيح السيرة النبوية:1/115].
فيقول: كسرى وقيصر؟ فالنبي ﷺ يؤكد له، وسراقة كان يطارد النبي ﷺ في الهجرة، فالنبي ﷺ مطارد، يعني: في أي لحظة ممكن يقبض عليه، ويقتل، وهو يعد سراقة -شوف الوضع الذي كان موجودًا- يعد سراقة إذا لبست سواري كسرى [سنن البيهقي: 12812].
كان يقول للصحابة، وهم يعذبون في مكة، وقتل، وسجن، وتشريد، وتعذيب، يقول: ليسيرن الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكننكم تستعجلون[رواه البخاري: 3852].
هناك ناس يستنكرون، وناس يستبعدون، وناس يستغربون، وناس يستعجلون، فيجب أن يكون إيماننا بالنصوص حقًا على الحقيقة، وأنها ستقع، وليست القضية هي إبر مخدرات، لأن البعض الآن في عهد الذل والمحنة يقول: نسلي أنفسنا بهذه النصوص، ونسكت، وننتظر عيسى ننتظر المهدي.


فنقول: يجب أن نقوم بنصرة الدين، يعني إذا نحن عشنا هكذا هامشيين في نصرة الدين، ومتنا كيف سيكون حسابنا؟ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ  [محمد: 38].
فالعاجلة ستمضي التاريخ سيمضي بنا أو بغيرنا الدين منصور بلا شك، وبلا ريب، لا يمكن القضاء عليه إطلاقًا، فإذًا نذكر أنفسنا ونحن نستمع إلى النصوص أن هذه الأحداث ستقع، عيسى سينزل من السماء، والمهدي، أشياء عجيبة فعلاً، لكن يجب أن نصدق بها.
قال في صحيح مسلم كيف أنتم إذا نزل فيكم ابن مريم وأمكم منكم[رواه مسلم: 155].
ينزل ابن مريم وإمامكم منكم فأمكم منكم، يحكم بالقرآن عيسى لا بالإنجيل، وينزل عيسى وإمام المسلمين من هذه الأمة، وسيصلي خلفه.
روى مسلم عن جابر بن عبد الله قال: سمعت النبي ﷺ يقول: وذكر الحديث، وفيه: فينزل عيسى بن مريم ﷺ، فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمة [رواه مسلم: 156].
فالمهدي يقول لعيسى: صل بنا إمامًا تواضعًا؛ لأنه نبي الله لا بدّ أن يتواضع له، ولكن عيسى لا يتقدم في هذه الصلاة، فيتقدم عليه تكرمة الله لهذه الأمة.
وعند الإمام أحمد: فإذا هم بعيسى بن مريم ﷺ فتقام الصلاة، فيقال له: تقدم يا روح الله [رواه أحمد: 14997، وقصة المسيح الدجال ونزول عيسى للألباني: 1/15].
لأنه الروح التي خلقها الله، لأنه النفس الذي خرج نفخة جبريل التي وقعت في مريم، وولجت فحملت بإذن الله، فعيسى روح الله، هذا من باب إضافة المخلوق إلى الخالق، وليس من باب إضافة الصفة إلى الموصوف، عيسى روح الله من باب إضافة المخلوق إلى الخالق، كقوله هذه ناقة الله، هذا بيت الله، لكن هذه إضافة تشريف، وليست من باب إضافة الصفة للموصوف، كيد الله، ووجه الله، فتلك إضافة أخرى.
فيقال له: تقدم يا روح الله، فيقول ليتقدم إمامكم، فليصل بكم.
قال الهيثمي: "رواه أحمد بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح". [مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: 7/344].
قال الألباني: "وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الصحيح إلا أن أبا الزبير مدلس، وقد عنعنه ومع ذلك قال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. [قصة المسيح الدجال ونزول عيسى للألباني: 1/15].


وروى ابن ماجه عن أبي أمامة قال: "خطبنا رسول الله ﷺ وذكر الدجال، قال: وتنفي الخبث -يعني المدينة- منها كما ينفي الكير خبث الحديد، ويدعى ذلك اليوم: يوم الخلاص فقالت أم شريك بنت أبي العكري: يا رسول الله! فأين العرب يومئذ؟" -عندما يخرج الدجال- قال: هم يومئذ قليل، وجلهم ببيت المقدس رواه ابن ماجه، وهو حديث حسن. [رواه ابن ماجه: 4077، وصححه الألباني صحيح الجامع: 7875].
في الحديث معلومة مهمة أنه عند ظهور المهدي، وعيسى، والدجال، والدجال سيظهر قبل عيسى ، وسيأتي المدينة، ولا يستطيع دخول المدينة.
ويخرج المنافقون، تتخلص المدينة من خبثها، وذلك يوم الخلاص، سألت أم شريك بنت أبي العكر: يا رسول الله فأين العرب يومئذ؟ يعني: لما سمعت الدجال، وحصار المدينة، وتسلط الدجال، تقول أين القبائل العربية؟ أين المقاتلين العرب؟ فقال ﷺ جوابًا على سؤال فأين العرب يومئذ؟ قال: هم يومئذ قليل، وجلهم ببيت المقدس، أكثرهم سيكونون في بيت المقدس، وإمامهم رجل صالح، والمقصود به المهدي.
كون العرب قليل يعني أن معهم من المسلمين من غير العرب ناس آخرين -كما تقدم معنا في معركة مرج دابق عندما يقاتل وعندما يذهب لفتح القسطنطينية سبعون ألفًا من المسلمين ومن بني إسحاق-، إذًا العرب قلة وجلهم في بيت المقدس، وليس في الحجاز، وإمامهم رجل صالح، فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح إذ نزل عليهم عيسى بن مريم الصبح، فرجع ذلك الإمام ينكص، ويمشي القهقرى ليتقدم عيسى يصلي بالناس، فيضع عيسى يده بين كتفيه، ثم يقول له: تقدم فصل فإنها لك أقيمت أنت الإمام ولك أقيمت، فيصلي بهم إمامهم حديث صحيح [رواه ابن ماجه: 4077، وصححه الألباني صحيح الجامع: 7875].
فإذًا قوله: رجل صالح هو المهدي.
ينكص لما ينزل عيسى الإمام يرجع للخلف تواضعًا لعيسى يرجع ليصلي عيسى، يرجع إلى الوراء القهقرى.


فهذه الأحاديث صريحة في أن عيسى يصلي خلف إمام المسلمين بعدما ينزل عيسى في آخر الزمان.
وقد ورد مقيدًا في أحاديث أخرى هذا الإمام، فروى الحارث بن أبي أسامة في مسنده بسنده عن جابر قال رسول الله ﷺ: ينزل عيسى بن مريم، فيقول أميرهم المهدي: تعال صل بنا، فيقول: لا إن بعضكم أمير بعض تكرمة الله لهذه الأمة [المنار المنيف في الصحيح والضعيف، رقم: 338، السلسلة الصحيحة: 2236].
قال ابن القيم في المنار المنيف: إسناده جيد. [المنار المنيف: 1/147].
في تعيين الإمام الصالح بأنه هو نفسه المهدي، وقد بين جمع من أئمة العلم والهدى أنه يجب حمل اللفظ المطلق الوارد في الصحيحين على المقيد في خارجهما، وأن هذا الإمام الذي يصلي بالمسيح هو المهدي، جزم بذلك ابن الجوزي، والحافظ ابن حجر، والسيوطي، وصديق حسن خان، والألباني، وغيرهم. [السلسلة الصحيحة: 1529].
بل قال أبو الحسن الأبري: توارت الأخبار بأن المهدي من هذه الأمة، وأن عيسى يصلي خلفه"، نقله الحافظ، وأقره عليه [فتح الباري: 6/494].
بعض الناس يقولون: الدول العربية العرب الآن كم مليون وفي ازدياد. ويقولون: عندنا إنفجار سكاني. فكيف سيكونون يومئذ قليل؟ كيف سيكون أكثرهم في بيت المقدس؟ يعني: هل سيموت أكثر العرب؟ هل ستكون حروب قتل ودمار شامل أو أمراض أوبئة؟
نقول: المسألة حق كما أخبر، كيف سيكون هذا؟ الله أعلم.


كيف سيجري الله أقدارًا بحيث أن الوضع الحالي سيصل إلى الوضع المذكور في الأحاديث، هذا علمه عند الله، لكن نحن نؤمن به قطعًا، ولا نستبعد ونستنكر، ونقول العرب كم مليون، وهم في ازدياد، وانفجارات سكانية، فنقول: سيحدث كما أخبر بلا شك ولا ريب.
ونزول عيسى سيكون عند إقامة الصلاة، وسيقدمه المهدي، فيأبى عيسى ليصلي المهدي إمامًا بالمسلمين، وخلفه نبي الله.
ومن الحكمة في ذلك -كما قال أهل العلم- بيان فضل أمة محمد ﷺ، وأن إمام هذه الأمة رجل منهم، وبيان أن عيسى تابع لشريعة محمد ﷺ، ولن يأتي بشرع جديد، ثم تجوز إمامة المفضول للفاضل.
يعني: لو كان في واحد أفضل والإمام أقل فضلاً يجوز في الشريعة، ولا بأس بهذا، وقد صلى النبي ﷺ وراء عبد الرحمن بن عوف، وصلى وراء أبي بكر الصديق.

صفات المهدي

00:44:18

 

يصلحه الله في ليلة

00:44:18

ومن صفات المهدي أنه يصلحه الله في ليلة، كما روى ابن ماجه، وأحمد عن علي  قال: قال رسول الله ﷺ: المهدي منا أهل البيت، يصلحه الله في ليلة [رواه ابن ماجه: 4085، وصححه الألباني السلسلة الصحيحة: 2371].
ما معنى: يصلحه الله في ليلة؟
قال بعضهم: معناه يصلحه بالخلافة، ويهيئه لها، يعني: لا يكون من قبل صالحًا للخلافة، فيصلحه للخلافة، ويرفع قدره في ليلة، أو في ساعة واحدة من الليل حتى يتفق على خلافته أهل الحل والعقد فيها، كما قال القاري رحمه الله. [مرقاة المفاتيح: 15/452].
المعنى الثاني: أن يكون متلبسًا ببعض النقائص، فيصلحه الله، ويتوب عليه، وقد قرر ابن كثير رحمه الله هذا المعنى، فقال في قوله: يصلحه الله في ليلة، قال: "أي يتوب عليه، ويوفقه، ويلهمه رشده بعد أن لم يكن كذلك". [النهاية في الفتن والملاحم: 1/38].
يعني: ممكن المهدي هذا يكون رجل عادي ليس رجلاً صالحًا متدينًا، فيهديه الله في ليلة فيقذف في قلبه الهداية، ولذلك يسمى المهدي؛ لأن الله هداه، ولا يستغرب صلاح رجل في ليلة، فإن سحرة فرعون كانوا في أول النهار كفرة أشرارًا، فلما ألقى موسى العصا، وإذا هي تلقف ما يأفكون ألقي السحرة ساجدين، فماتوا في آخر النهار شهداء أبرار، كانوا كفرة فجارًا وصاروا شهداء أبرارًا في نفس اليوم.
يصلحه الله في ليلة، وإذا أراد الله أن يهدي رجلاً فلن تجد من يضله.

 

يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً

00:46:09

ومن صفاته أنه يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلمًا، فهذا قد جاء عن أبي سعيد قال: قال رسول الله ﷺ: لتملأن الأرض جورًا وظلمًا، وما أشبه الآن أنها ملئت جورًا، ملأها الكفار برًا، وبحرًا، وجوًا ملؤوها جورًا، وظلمًا، واعتداء، وبغي، وقانون الغاب، وتسلط القوي على الضعيف، لتملأن الأرض جورًا وظلمًا، فإذا ملئت جورًا وظلمًا بعث الله رجلاً مني اسمه اسمي، فيملأها قسطًا وعدلاً كما ملئت جورًا وظلمًاحديث صحيح. [الطبراني في الأوسط: 8325، وصححه الألباني السلسلة الصحيحة: 1529].
 

يحثي المال حثياً

00:46:48

ومن صفات المهدي أنه يحثي المال حثيًا، ولا يعده عدًا، كما روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال: "خشينا أن يكون بعد نبينا حدث"، تحدث بدعة، وتحدث فتن، سألوه احتياطًا، "فسألنا نبي الله ﷺ فقال: إن في أمتي المهدي يخرج يعيش خمسًا أو سبعة أو تسعًا، زيد الشاك" -أحد الرواة- قال: وقلنا: وما ذاك؟ قال: سنين، قال: فيجئ إليه رجل، فيقول: يا مهدي أعطني، قال: فيحثي له في ثوب ما استطاع أن يحمله من الدنانير، أو الدراهم، أو الذهب، والأموال. [رواه الترمذي: 2232، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجة: 3299].
وقد ورد في صحيح مسلم قوله ﷺ: يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثيًا لا يعده عدًا [رواه مسلم:2913]. فيحتمل أن يكون هو المهدي .
ومن صفاته الجسدية أنه أجلى الجبهة، وأقنى الأنف: كما جاء عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ: المهدي مني أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطًا وعدلاً كما ملئت جورًا وظلمًا، يملك سبع سنين. [رواه أبو داود: 4287، وحسنه الألباني في صحيح الجامع: 6736].
أجلى الجبهة: يعني: واسع الجبهة إذا انحسر الشعر عن مقدم الرأس، فهذه الجبهة قد انجلت، جبهته متسعة.
فإذًا لا يغطيها الشعر، وينزل عليها بل هي واسعة.
أقنى الأنف: القنى في الأنف طوله ودقة أرنبته، والأرنبة هي رأس الأنف مع ارتفاع في وسطه، وسط الأنف مرتفع، فيه طول، وسطه مرتفع الأرنبة دقيقة، وصفها وصفًا دقيقًا، إذًا لو قال قائل: أنا المهدي، ونظرت في وجهه فإذا هو أفطس الأنف، فخلاص شوف أحد يبيعك في السوق، فإذًا وصفه لنا وصفًا دقيقًا.


والمهدي اسمه اسم النبي ﷺ محمد بن عبد الله، كما مر معنا في حديث أبي داود عن عبد الله بن مسعود عن النبي ﷺ قال: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً مني أو من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطًا وعدلا كما ملئت ظلمًا وجورًا حديث حسن صحيح. [رواه أبو داود: 4284، وصححه الألباني صحيح الجامع الصغير: 5304].
قال بعضهم: إنه يأتي مع الرايات السود، فروى ابن ماجه عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان قال: قال رسول الله ﷺ: يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة.
وهذا الحديث له مدلول في كلام الخلافة التي سبق عرضها قبل في أول الدرس، هذا الحديث: يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة ثم لا يصير إلى واحد منهم تضيع القضية عليه ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونكم قتلاً لم يقتله قوم ثم ذكر شيئًا لا أحفظه، فقال: فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً على الثلج، فإنه خليفة الله المهدي رواه الحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين. [المستدرك: 8432].
وقال البوصيري في الزوائد: هذا إسناده صحيح رجاله ثقات، لكن ابن كثير قال: وقفه أشبه". [البداية والنهاية: 10/51].
يعني: ليس الراجح رفعه وقفه أشبه، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة بسبب عنعنة أبي قلابة، وهو مدلس. [سلسلة الأحاديث الضعيفة: 85].
ورد بعض طلبة العلم تضعيف الشيخ، وقيل: إن أبا قلابة قد ذكروه في الطبقة الأولى من المدلسين، وهم الذين لا يضر تدليسهم؛ لأن المدلسين طبقات منهم تدليس شنيع، ومنهم تدليسه لا يضر، ومنهم من لا يدلس إلا عن ثقة.
وقوله: عند كنزكم الآن هناك من ضعفه وهناك من صححه، وهناك من قال: هو موقوف، لكن ما معناه على أية حال؟
قوله: يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة: المقصود بالكنز: الملك.
وقال ابن كثير: "الظاهر أن المراد بالكنز المذكور كنز الكعبة". [النهاية في الفتن والملاحم: 1/17].
ويحتمل أن يكون الكنز كنز الذهب الذي يحسر عنه الفرات، احتمال ذكره ابن حجر في الفتح. [فتح الباري: 13/81].


قال: ثم تطلع الرايات السود: قال ابن كثير: "هذه الرايات السود ليست هي التي أقبلها أبو مسلم الخرساني، فاستلب بها دولة بني أمية، بل رايات سود أخر تأتي صحبة المهدي". [النهاية في الفتن والملاحم: 1/17].
هنا نشير إلى قضية سبق الإشارة إليها: أنه ليس كل من رفع رايات سوداء، وجعلها شعارًا له صار هو الآن مرشح لأن يأتي بالمهدي معه؛ لأن بعض الناس هكذا يقول يركب الأشياء على بعض يقول هؤلاء البلد الفلاني أعلامهم سوداء هؤلاء القوات الفلانية راياتهم سوداء، إذًا هؤلاء سيخرج المهدي معهم.
ما هذا؟ المهدي له صفات كثيرة، والحديث فيه كلام في صحته، وعلى فرض صحته، وأن المهدي سيأتي مع أصحاب الرايات السوداء، كيف تنزل الحديث على هؤلاء، وكيف تجزم أن هؤلاء في البلد الفلاني في الأفغان، أو في غيرها أنهم هم الذين سيخرج فيهم المهدي، يعني الاستعجال في القضية والمسارعة إلى تفصيل النصوص التي توافق الأحداث، وتركيب الأمور على بعض، والمسألة غير متضحة، وأصلاً لن يعرف أنه المهدي إلا بعد خروجه وتوليه، كيف تجزم به إلا إذا فعلاً بويع، واجتمعت عليه الأمة، أي واحد يكون اسمه محمد بن عبد الله هو المهدي مثلاً، أي واحد يكون ضال فيصلحه الله في ليلة هو المهدي مثلاً، أي واحد أنفه مستقيم ليس أفطس هو المهدي، إذًا المسألة مسألة متراكبة من أشياء كثيرة، فالتسرع فيها هذا من الأخطاء العظيمة.
وإذا رأيتم الرايات السود جمع راية، وهي علم الجيش.
وقوله: قد جاءت من قبل خراسان من جهتها، فأتوها أي للقتال معها، والنصرة لأهلها.
بعضهم هنا أثار قضية يعني: الآن لو فرضنا صحة الحديث كيف يأتي من خراسان وأصلاً هو مبايعته عند الكعبة؟
فقال: والجمع بين هذه الأحاديث حديث ظهوره في مكة أن أول ظهور بيعته بمكة، ثم تكون أنصاره من خراسان، قاله ابن كثير في البداية والنهاية، هذا على فرض صححنا الحديث كيف سنجمع بينه وبين أنه سيبايع في مكة؟
فالجواب: يحدث هذا أولاً ثم تأتي الرايات لتنصره.


قوله: فإن فيها خليفة الله المهدي: هنا يتبين إذا صح الحديث أنه لا صحة لقول من قال: أنها ستأتي من قبل المغرب، أو أن ظهوره سيكون بالمغرب لأن كل الناس حاولوا أن يطلعوا المهدي من عندهم، هذا يطلع من الأندلس من المغرب، هذا في المشرق، فكل ناس حاولوا أن يدَّعوا أنه سيخرج من تلك الجهة.
وكذلك فمن الأحاديث التي وردت عن عبد الله بن مسعود قال بينما نحن عند رسول الله ﷺ إذ أقبل فتية من بني هاشم، فلما رآهم النبي ﷺ اغرورقت عيناه، وتغير لونه، فقلت: ما نزال نرى في وجهك شيئًا نكرهه؟ فقال: إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريدًا وتطريدًا، حتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود، فيسألون الخير، فلا يعطونه، فيقاتلون، فينصرون، فيعطون ما سألوا، فلا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي، فيملأها قسطًا كما ملؤوها جورًا، فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبوًا على الثلج . [رواه ابن ماجه: 4082، الفتن لنعيم بن حماد: 895، قال الألباني: إسناده حسن ذكر ذلك في السلسلة الضعيفة رقم: 8].
هذا يبين أن الذين سيوطئون لظهور المهدي هم قوم سيأتون من قبل المشرق، ويقاتلون لله، فيدفعون نصرهم إلى ذلك الرجل، ويملكونه الأمر، ويتنازلون له عنه.
إذًا هذا رد على من قال: ننتظر حتى يخرج المهدي، ولا نفعل شيئًا لنصرة الدين، فنقول هناك في الأحاديث ما يفيد أصلاً أن هناك قومة لله ستكون، وأن هؤلاء المنتصرون سيملكونه، ويولونه عليهم، ويبايعونه، وأنه سيكونون من قبل المشرق حتى يدفعوها، أي الإمارة كما قال السندي: والظاهر أنه إشارة إلى المهدي الموعود، ولذلك ذكر المصنف هذا الحديث في هذا الباب يعني باب خروج المهدي، من هو المصنف؟ ابن ماجه، قال: والله أعلم بالصواب. [حاشية السندي على ابن ماجه: 7/444].
وقال ابن كثير في البداية والنهاية: وقد ورد عن جماعة من السلف في ذكر الرايات السود التي تخرج من خراسان بما يطول ذكره، وقد استقصى ذلك نعيم بن حماد في كتابه، وفي بعض الروايات ما يدل على أنه لم يقع أمرها بعد، وأن ذلك يكون في آخر الزمان. [البداية والنهاية: 6/277].

الأحاديث الواردة في المهدي غير صريحة

00:56:02

وقد وردت أحاديث ليس فيها التصريح باسم المهدي، لكن محتملة لأن يكون المقصود بها المهدي:
فمنها: عن عائشة قالت: "عبث رسول الله ﷺ في منامه -يعني اضطرب جسمه أثناء النوم- فقلنا: يا رسول الله، صنعت شيئًا في منامك لم تكن تفعله؟ فقال: العجب إن ناسًا من أمتي يؤمون بالبيت برجل من قريش قد لجأ بالبيت حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم....
سينطلقون لمحاربته، يقصدون مكة لحرب رجل معين، فينتقم الله منهم؛ لأنهم يريدون غزو مكة، فيخسف الله بهم.
"فقلنا: يا رسول الله، إن الطريق قد يجمع الناس؟ قال: نعم فيهم المستبصر، والمجبور، وابن السبيل، يهلكون مهلكًا واحدًا، ويصدرون مصادر شتى، يبعثهم الله على نياتهم [رواه مسلم: 2884].
المستبصر المستبين العالم العامد بالقضية وأنه ذاهب لغزو مكة.
المجبور أي: المكره.
ابن السبيلسالك معهم الطريق ليس منهم رأى جيشًا مشى بجانبه.
قال: يهلكون ملكًا واحدًا أي: يقع الهلاك على الجميع، والواحد لا يصحب إلا صحبة طيبة، حتى لو قال: بس مجرد مرافقة في الطريق، نقول: لا تكثر سواد أهل الفسق.
قال: يهلكون مهلكًا واحدًا الهلاك في الدنيا على جميعهم.
ويصدرون يوم القيامة مصادر شتى أي: يبعثون مختلفين على قدر نياتهم، فيجازون بحسبها.
هذا الحديث فيه أهمية البعد عن أهل الظلم، وأن الإنسان لا يرافقهم، ويحاول ألا يكون معهم في مركب، ولا في طريق، ولا في قافلة، ولا في اجتماع، بعض الناس يجد شباباً من هؤلاء الطائشين يسرون في الشوارع مجتمعين في فرحة من فرحات الجاهلية، فيمشي وراءهم، يمشي معهم.
نقول: انتبه، يغزو جيش الكعبة فيخسف الله بهم، وفيهم ناس مجرد جمعهم الطريق، فإذًا التباعد عن أهل الظلم، والتحذير من مجالستهم لئلا يناله ما يعاقبون به.
وفي الحديث فائدة مهمة جداً أن من كثر سواد قوم جرى عليه حكمهم، في ظاهر عقوبات الدنيا أنه معهم.
روى مسلم عن عبيد الله بن القبطية قال: دخل الحارث بن أبي ربيعة، وعبد الله بن صفوان، وأنا معهما على أم سلمة -أم المؤمنين- فسألاهما عن الجيش الذي يخسف به كان ذلك في أيام ابن الزبير " بويع له بالخلافة في الحجاز، وتولى كان في مكة، وجاء جيش الشام لقتاله، باعتباره خارجًا عن الخليفة، وهو يرى أن ذلك الخليفة غير شرعي، المهم حصل فتنة حصل بين المسلمين، قتال وفتنة.
ولا شك أن عبد الله بن الزبير كان أخير وأقوم سبيلاً، لكن الله ما قدر له الانتصار، لما جاء جيش الشام لحرب ابن الزبير في مكة الحديث هذا ظهر.


انظر كيف الأحداث أحيانًا تجعل بعض الناس يحاولون تفسير بعض النصوص على حسب الأحداث، مع أن التشابه كبير جداً، الناس الذين كانوا مع ابن الزبير يقولون ابن الزبير هذا صحابي بن صحابي هذا أولى بالخلافة من أهل الشام، هذا وين دينه الدين المتين، هذا أولى من يزيد، وأولى من فلان.
والآن أهل الشام جاؤوا، وجيش يزيد جاء لحربه، وابن الزبير بويع بمكة، وهو الآن في الحرم، خلاص انتظروا أن يخسف بجيش الشام، لماذا؟
قالوا: الحديث، لكن ما الذي حدث لم يخسف بهم، فتبين أنه ليس هذا هو الجيش المقصود مع أن الذي يريد أن يركب الصورة يطبق الأحداث، يطبق النصوص على الواقع ممكن جداً يرى أنه نص الحديث، جاؤوا لأم سلمة يسألونها عن الحديث، فسألاها عن الجيش الذي يخسف به، وكان ذلك في أيام ابن الزبير، فقالت: قال رسول الله ﷺ: يعوذ عائذ بالبيت، فيبعث إليه بعث، فإذا كانوا بيداء من الأرض خسف بهم، فقلت: يا رسول الله، فكيف بمن كان كارهًا؟ قال: يخسف به معهم حتى لو كاره، لماذا اجتمع معهم ومشى معهم ورافقهم؟ فكيف بمن كان كارهًا، قال: يخسف به معهم، ولكنه يبعث يوم القيامة على نيته [رواه مسلم: 2882].
أنت الآن إذا جئت تفكر في الحديث تقول: فعلاً الذين مع ابن الزبير كانوا يتوقعون الآن أن ينزل الخسف بجيش الشام الذي جاء لغزوهم، والحديث قصف الكعبة بالمنجنيق، يعني مجرم ظالم لكن لم يكن هذا الحدث هو المقصود بالحديث.
فإذًا هذا فيه درس كبير في عدم التسرع في تنزيل الأحاديث على الواقع بدون برهان ويقين.
وقضية تشابه ما في الحديث مع ما في الواقع وجود بعض المشابهات لا يجعلنا نتسرع، التسرع غلط، هذا درس كبير مع أننا في وقت ابن الزبير هناك، والناس بايعوه، واجتمعوه عليه، وصحابي وابن صحابي، وحكم الشريعة، ونشر الأمن في الحجاز ومكة، ثم أهل الشام يريدون أن يقضوا على خلافته، ويرونه خارجًا عليهم، ومن قائدهم الحجاج الظالم، فما الذي يتوقعه، يقولون: هذا هو نسمع بالخسف الآن، ثم ما يقع، ليس هذا.


هل في الحديث يعوذ ابن الزبير بالكعبة، فيأتي جيش الحجاج، فيخسف به، ما في هذا التخصيص، ولذلك التسرع بتنزيل نصوص على واقع بدون يقين ما في يقين لننتظر.
فهذه الأحاديث قال بعضهم: أنها تنطبق على المهدي، وأنه سيبايع، ويكون عائذًا بالبيت، وسيبعث إليه جيش، وسيخسف الله بالجيش.
وكذلك استدلوا بما رواه أحمد وأبو داود عن أم سلمة زوج النبي ﷺ عن النبي ﷺ قال: يكون اختلاف عند موت خليفة....
هذا من النصوص التي من المحتمل أن يكون المقصود بها المهدي، لا تصريح بكلمة المهدي، لكن بعض العلماء رأى بفهمه وفقهه أن هذا يحتمل أن يكون المقصود به المهدي، كون اختلاف عند موت خليفة، ولاحظ كلمة خليفة لأن لها علاقة بما تقدم من قول البعض إن الخلفاء ما انتهوا، وأنه يوجد قبل المهدي خلفاء، يكون اختلاف عند موت خليفة، ومر معنا حديث يتنازع على الملك ثلاثة أبناء خليفة.
قال: يكون اختلاف عند خليفة، فيخرج رجل من أهل المدينة هاربًا إلى مكة، فيأتيه ناس من أهل مكة، فيخرجونه وهو كاره، فيبايعونه بين الركن والمقام، ويبعث إليه بعث من أهل الشام، فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة، في الصحراء، فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال الشام، وعصائب أهل العراق، فيبايعونه بين الركن والمقام هذا قال: ثم ينشأ رجل من قريش أخواله كلب يعني: من القبيلة، فيبعث إليهم بعثًا فيظهرون عليهم، وذلك بعث كلب، والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب، فيقسم المال، ويعمل في الناس بسنة نبيهم ﷺ، ويلقي الإسلام بجرانه في الأرض، فيلبث سبع سنين ثم يتوفى، ويصلي عليه المسلمون[رواه أبو داود: 4288، وضعفه الألباني السلسلة الضعيفة: 1965] رواه ابن حبان عن مجاهد عن أم سلمة، ورواه الطبراني في الأوسط مختصرًا، قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح [مجمع الزوائد: 12399].
قال ابن القيم رحمه الله في كتابه المنار المنيف: والحديث حسن، ومثله مما يجوز أن يقال فيه صحيح. [المنار المنيف: 1/145] ، ومر معنا سابقًا لعله نقل تضعيف لهذا الحديث.
بغض النظر عن الخلاف في صحته- ما معنى الحديث؟
فإذًا يكون اختلاف بين أهل الحل والعقد، -كما قال في عون المعبود شرح أبي داود- عند موت خليفة، فيخرج رجل من أهل المدينة كراهية للمنصب، هاربًا خوفًا من الفتنة، هاربًا إلى مكة؛ لأنها مأمن كل من التجأ إليه.


قال الطيبي: "وهو المهدي بدليل إيراد أبو داود له في أبواب المهدي"، يعني: أن أبا داود رحمه الله يفهم أن هذا الحديث يقصد به المهدي، فيأتيه ناس من أهل مكة، أي بعد ظهور أمره، ومعرفة نور قدره.
فيخرجونه أي: من بيته. [عون المعبود: 11/253].
وهو كاره أي: لا يريد الإمارة.
ويبعث يرسل إلى حربه وقتاله.
بعثأي: جيش من الشام.
فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة، فإذا رأى الناس ذلك أي ما ذكر من خرق العادة، وما جعل للمهدي من العلامة.
أتاه أبدال الشام أي: الأولياء والعباد فيها.
وعصائب أهل العراق خيارهم يأتونه، ثم يبايعونه.
قال: ثم ينشأ أي يظهر.
رجل من قريشوهو الذي يخالف المهدي.
أخواله أي: أخوال القرشي هذا.
من كلب أمه كلبية أي من بني كلب.
فيبعث أي: ذلك الرجل القرشي الكلبي أي إلى المبايعين للمهدي.
بعثًا أي: جيشًا.
فيظهرونه عليهم، أي: يغلب المبايعون على هذا البعث الذي بعثه الرجل القرشي الكلبي، وذلك بعث كلب.
ويعمل أي: المهدي في الناس بسنة نبيهم ﷺ فيصير جميع الناس عاملين بالسنة والكتاب، ويتبعون.
ويلقي الإسلام بجرانه: والجران: باطن العنق إلى الأرض، يعني: يستقر قرار الإسلام في الأرض. [عون المعبود: 11/253].
وزعم بعضهم أن الجيش الذي يخسف به هو جيش السفياني، وحديث السفياني ضعيف.
ومهما كان الأمر فإن الله سيظهر هذا الرجل الذي هو المهدي ، وسيبايع له، وسيكون مع عيسى وستحكم الأرض بشريعة الإسلام.
بقية بعض الأحاديث التي ذكرها العلماء أنها يحتمل أن تكون في المهدي.


ومما ورد فيه مما يحتمله أنه المهدي حديث أبي هريرة قال رسول الله ﷺ: يبايع لرجل بين الركن والمقام، ولن يستحل البيت إلا أهله، فإذا استحلوه فلا تسأل عن هلكة العرب، ثم تجيء الحبشة فيخربونه خرابًا لا يعمر بعده أبدًا، وهم الذين يستخرجون كنزه [رواه أحمد: 7897 وهو حديث صحيح صححه الألباني السلسلة الصحيحة: 579].
وما رواه مسلم عن جابر أن النبي ﷺ قال: يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثيًا، لا يعده عددًا. وفي نسخة لمسلم: لا يعده عدًا [رواه مسلم: 2913].
وهذا الحديث ليس فيه التصريح بأنه المهدي، لكن ذهب بعض أهل العلم أن هذا هو خليفة الله المهدي، وأن هذه الصفة التي وردت في هذا الحديث قد وردت للمهدي.
وعن أبي سعيد الخدري قال: خشينا أن يكون بعد نبينا حدث فسألنا نبي الله ﷺ فقال:  إن في أمتي المهدي يخرج يعيش خمسًا أو سبعًا أو تسعًا شك الراوي، قلنا: وما ذاك؟ قال: سنين قال: فيجيء إليه رجل فيقول: يا مهدي أعطني أعطني، قال: فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله [رواه الترمذي: 2232، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجة: 3299].
قال الشيخ التويجري رحمه الله: ولم توجد هذه الصفة في أحد ممن مضى من الخلفاء والملوك والأمراء، وإنما تكون في المهدي الذي يخرج آخر الزمان، أنه إذا أعطى الناس لا يعد لهم، وإنما يعطيهم هكذا غرفات، يغرف لهم غرفات.
وقد اختلف الناس في تعيين المهدي على أقوال، ولنقل ما ظهر في هذه الأمة ممن تكلم في المهدي من أهل الحق وأهل الباطل.

أقوال الناس في المهدي

01:08:15

قال ابن القيم رحمه الله في المنار المنيف: "وقد اختلف الناس في المهدي على أربعة أقوال:
أحدها: أنه المسيح بن مريم وهو المهدي على الحقيقة".
واحتج أصحاب هذا القول بحديث: لا مهدي إلا عيسى [المستدرك: 8363، وقال الألباني: منكر السلسلة الضعيفة: 77]. قالوا: هما شخصية واحدة، وليسا شخصيتان، ولكن هذا الحديث لا يصح.
قال ابن القيم: "وقد بينا أنه لا يصح ولو صح لم يكن فيه حجة؛ لأن عيسى أعظم مهدي بين يدي رسول الله ﷺ وبين الساعة"، هو أعظم شخص بعد النبي عليه الصلاة والسلام منذ أن ظهر إلى قيام الساعة عيسى لأنه سيظهر فيها.
"وقد دلت السنة الصحيحة عن النبي ﷺ على نزوله على المنارة البيضاء شرقي دمشق، وحكمه بكتاب الله، وقتله اليهود والنصارى، ووضعه الجزية، وإهلاك أهل الملل في زمانه.
فيصح أن يقال: لا مهدي في الحقيقة سواه، وإن كان غيره مهديًا، كما يقال: لا علم إلا ما نفع، ولا مال إلا ما وقى وجه صاحبه، وكما يصح أن يقال: إنما المهدي عيسى، يعني: المهدي الكامل المعصوم".
إذًا قول: إن المهدي هو عيسى هذا قول ضعيف، ودليله ضعيف.
"القول الثاني: أنه المهدي الذي ولي من بني العباس" -في أول الدولة العباسية- "وقد انتهى زمانه.
واحتج أصحاب هذا القول بما رواه أحمد عن ثوبان قال رسول الله ﷺ: إذا رأيتم الرايات السود قد أقبلت من خراسان، فأتوها ولو حبوًا على الثلج، فإن فيها خليفة الله المهدي" [رواه أحمد: 22441، وقال الألباني: منكر السلسلة الضعيفة:85]، وضعف إسناد هذا الحديث، والآخر الذي عند ابن ماجه، قال: "وهذا والذي قبله لو صح لم يكن فيه دليل على أن المهدي الذي تولى من بني العباس هو المهدي الذي يخرج في آخر الزمان، بل هو مهدي من جملة المهديين" لو صح،  وأيضاً في هذا نظر ينبغي معرفته على أن الخليفة المهدي في الدولة العباسية كان له فضل في مقاومة حركة الزندقة، وتتبع الوضاعين في الحديث، وأنشأ وزارة خاصة لذلك، فله فضائل، ويلقب بالمهدي، لكن ليس هو المهدي الذي سيكون في آخر الزمان.
"القول الثالث: أنه رجل من أهل بيت النبي ﷺ من ولد الحسن بن علي يخرج في آخر الزمان، وقد امتلأت الأرض جورًا وظلمًا فيملأها قسطًا وعدلاً، وأكثر الأحاديث على هذا". [المنار المنيف: 1/148-151]. هذا هو القول الراجح.
فهذه أقوال أهل السنة، وبهذه النصوص نعرف ما هي الأقوال الحق.
وقد توقف بعض المتأخرين في قبول أحاديث المهدي هذه الملاحظة أن هناك بعض الناس الذين ألفوا حتى بعضهم من أهل السنة، صرحوا بإنكار المهدي، حتى وصل بعضهم الشطط ببعضهم إلى الاستهزاء بالعقيدة هذه، عقيدة التي فيها الإيمان بالمهدي، وألف بعضهم كتاب لا مهدي ينتظر بعد الرسول خير البشر، وقال فيه مؤلفه -عفا الله عنه، ورحمه توفي قريبًا- قال: "وبما أنني من آحاد الأشراف من ذرية الحسن بن علي، فإنه لو خرج رجل من الأشراف اسمه محمد بن عبد الله، وهو أجلى الجبهة، أقنى الأنف، ويدعي أنه المهدي، فإنني من يقاتله لاعتقاد أنه كذاب يريد أن يفسد الدين، ويشق عصا المسلمين"، هذا كلام لا التفات إليه.

الرد على المشككين في المهدي

01:11:35

وجمع بعضهم الذين أنكروا المهدي أو شككوا فيه، والذي يلاحظ من قائمة المشككين أن فكرة التشكيك في المهدي لم تنشأ إلا في القرن الثامن الهجري تقريبًا، ومن أشهر الذين شككوا في المهدي ابن خلدون المؤرخ المعروف -حتى لو أحد قرأ له، ومر على هذه المسألة يعرف أنه رحمه الله أخطأ في هذا- شكك في أشياء دلت السنة الصحيحة على وجودها، وتبعه ناس من المشككين إلى أن وصل الأمر إلى بعض المعاصرين الذين شككوا في ذلك.
قال في عون المعبود شارح أبي داود رحمه الله: "واعلم أن المشهور بين أهل الإسلام على ممر الأعصار أنه لا بدّ في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين، ويظهر العدل، ويتبعه المسلمون، ويستولي على الممالك الإسلامية، ويسمى بالمهدي، ويكون خروج الدجال، ومن بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على أثره، وأن عيسى ينزل من بعده، فيقتل الدجال أو ينزل معه فيساعده على قتله، ويأتم بالمهدي في صلاته.
وخرج أحاديث المهدي جماعة من الأئمة منهم أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والبزار، والحاكم، والطبراني، وأبو يعلى الموصلي، وأسندوها إلى جماعة من الصحابة مثل علي، وابن عباس، وابن عمر، وطلحة بن عبيد الله، وعبد الله بن مسعود، وأبي هريرة، وأنس، وأبي سعيد الخدري، وأم حبيبة، وأم سلمة، وثوبان، وقرة بن إياس، وعلي الهلالي، وعبد الله بن الحارث وإسناد أحاديث هؤلاء بين صحيح وحسن وضعيف". [عون المعبود: 11/243].
وقد صرح جمع من الأئمة بوجود أحاديث صحيحة وحسنة في خروج المهدي في آخر الزمان، منهم: الترمذي، والعقيبي، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي، والخطابي، وابن العربي، والذهبي، والقرطبي، والطيبي، وابن تيمية، وابن القيم، وابن كثير، والسيوطي، والهيثمي، وابن حجر الهيتمي، والملا علي القاري، والمناوي، وأحمد شاكر، والمباركفوري، والألباني، ابن باز، وغيرهم صرحوا بوجود الأحاديث الصحيحة فيه.


قال ابن تيمية في منهاج السنة: "الأحاديث التي احتجوا بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة، رواها أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم، من حديث ابن مسعود وغيره". [منهاج السنة النبوية: 8/134].
قال ابن حجر الهيتمي: "الذي يتعين اعتقاده ما دل عليه الأحاديث الصحيحة من وجود المهدي المنتظر، الذي يخرج الدجال وعيسى في زمانه، ويصلي عيسى خلفه". [إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة: 2/290].
فهذا شيء من أقوال العلماء في إثباته.
وذكر المناوي أنه "أفردت أخباره بتآليف عشرة أو تزيد"، وقال: "وجاء ابن بريدة فجمع زبدها في مجلد حافل، سماه: "العواصم عن الفتن القواصم". [فيض القدير: 3/96].
بل إن بعض العلماء قد صرحوا بأن أحاديث المهدي بلغت حد التواتر، منهم: البرزنجي، والسفاريني، والشوكاني، وصديق حسن خان، والحافظ أبو الحسن محمد الأبري رحمهم الله.
قال الآبري: "قد تواترت الأخبار، واستفاضت بكثرة رواتها عن رسول الله ﷺ بمجيء المهدي، وأنه من أهل بيته، وأنه سيملك سبع سنين، وأنه يملأ الأرض عدلاً، وأنه يخرج مع عيسى فيساعده على قتل الدجال بباب لد بأرض فلسطين، وأنه يؤم هذه الأمة، وعيسى يصلي خلفه". [إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة:2/ 290]، في طول من قصته وأمره، وقد نقل كلامه هذا عدد من الأئمة، والعلماء وارتضوه.
فإذًا هناك أحاديث كثيرة في ذكر المهدي تصل إلى خمسين حديثًا، وثمانية وعشرون أثرًا، ولذلك قال بعضهم إنه بلغ حد التواتر.
لعل ابن خلدون رحمه الله لم يضعف كل أحاديث المهدي بل أقر ابن خلدون بأن بعض أحاديث المهدي يسلم من النقد.
فقال في المقدمة بعد أن ساق جملة من أحاديثه: "فهذه جملة الأحاديث التي خرجها الأئمة في شأن المهدي، وخروجه آخر الزمان، وهي كما رأيت لم يخلص منها من النقد إلا القليل" [مقدمة ابن خلدون: 1/437].
يعني: عنده قليل خلص من النقد. ولذلك قال الألباني في السلسلة الصحيحة: "فمن نسب إليه -يعني إلى ابن خلدون- أنه ضعف كل أحاديث المهدي فقد أخطأ عمدًا أو سهوًا". [السلسلة الصحيحة: 4/103].
وقد ذكر البستوي أن الأحاديث الصحيحة التي ذكر فيها المهدي صراحة تسعة أحاديث.
من ضمن الأشخاص الذين أنكروا ذكر المهدي من باب العلم -حتى لو الواحد قرأ لهم يعرف أنهم أخطؤوا في هذا- محمد رشيد رضا رحمه الله، ومحمد فريد وجدي، وأحمد أمين، وعبد الله بن زيد آل محمود، وهؤلاء يعني عمدتهم في إنكار المهدي أشياء، ما هي؟ قالوا:


أولاً: أحاديث المهدي ما وردت في الصحيحين.
نقول: وهل كل الأحاديث الصحيحة محصورة في الصحيحين، أم أن هناك أحاديث صحيحة خارج الصحيحين، أن هناك أحاديث صحيحة خارج الصحيحين بل الأحاديث الصحيحة خارج الصحيحين أكثر من التي في الصحيحين، لكن الصحيحان أصح الأحاديث في الدنيا موجودة فيها في الغالب، لكن خارج الصحيحين توجد أحاديث صحيحة كثيرة.
قال البخاري: "لم أخرج في هذا الكتاب إلا صحيحًا، وما تركت من الصحاح أكثر". [بغية الباحث: 1/9].
وقال أيضاً: "ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح، وتركت من الصحيح حتى لا يطول الكتاب". [بغية الباحث: 1/9].
وقال مسلم: ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ها هنا، وإنما وضعت ها هنا ما أجمعوا عليه"[بغية الباحث:1/ 9].
ليس هذا الجواب ليس كل شيء صحيح محصور في الصحيحين، يوجد خارج الصحيحين، وبعض أحاديث المهدي أصلها في الصحيحين أو في أحدهما، كحديث: لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، فينزل عيسى بن مريم ﷺ فيقول أميرهم وهذا هو المهدي- تعال صل لنا، فيقول: لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة هذا الحديث الذي رواه مسلم [156].
ما فيه كلمة المهدي لكن الأمير الذي عليهم، والذي يقدم عيسى للصلاة هو المهدي، كما جاء في الأحاديث الأخرى، كما عند الحارث بن أبي أسامة في حديثه، وقال عنه ابن القيم: "إسناده جيد". [المنار المنيف: 2/129].
من ضمن شبهاتهم أيضاً: أنه لما رأوا بعض الأحاديث الواردة في المهدي ضعيفة، أو موضوعة، حكموا على كل الأحاديث أنها كذلك.
فيقال: إذا وجدت بعض الأحاديث في المهدي ضعيفة أو موضوعة، فهل يعني هذا أن الحكم يسري على كل الأحاديث؟ لا، فيها صحاح، وحسان، وضعاف، وموضوعات لكن ليست كلها ضعاف، ولا موضوعات.
من ضمن شبهاتهم حديث: لا مهدي إلا عيسى رواه ابن ماجه، وعرفنا ضعفه، وقد ضعفه البيهقي، والحاكم [المستدرك: 8363]، وابن تيمية [منهاج السنة: 4/41]. وغيرهم كما ذكر ابن القيم في المنار المنيف [1/141]، وضعفه الألباني في الضعيفة [السلسة الضعيفة: 77]، والشوكاني في الفوائد المجموعة [127]، والذهبي قال عنه: منكر، والقاري في ملاقاة المفاتيح قال: ضعيف باتفاق المحدثين [مرقاة المفاتيح: 15/468].


بعضهم اتجه إلى تضعيف أحاديث المهدي لا لسبب علمي، وإنما لنظر الواقع لما رأى كثرة الفتن التي حصلت بسبب ادعاء المهدوية، قال: خلاص سدوا الباب، ونقول: لا يوجد مهدي، لما رأوا على مر التاريخ عددا من الأشخاص ادعوا المهدوية، وهذا خرج ومعه جيش، وهذا قاتل، وأحدثوا فتنًا، قالوا: الحل نغلق الباب، ونقول: لا يوجد مهدي لكن هذا لن يغلق الباب، أصلاً الذي سيدعي هذا، وناس يدعون النبوة، وناس يدعون الإلهية من البشر، فإذًا هذا لن يحل المشكلة، ثم هل هذا علاج صحيح؟ هل علاج الفتن هذه، والمشكلات التي حصلت أن تغامر وتحكم على ما ثبت من الأحاديث بالضعف والوضع، أو الجحد لأنه حصلت مشكلة بسبب القضية هذه، هذا ليس منهجًا علميًا على الإطلاق.

المدعين للمهدية

01:19:30

لكن دعونا نلقي نظرة على بعض ما حدث على مر التاريخ بشأن هذه القضية، لقد راودت فكرة المهدية كثيرًا من الناس حتى ادعاها بعضهم لنفسه، إما لوجود علامات فيه ظن نفسه هو المهدي، أو تكلف الاتصاف بها، وهناك فرق ضالة ادعت لأصحابها أو مؤسسيها أن كل واحد منهم هو المهدي، وبعض الناس كانوا صالحين، وكانوا أهل خير، وصفاتهم طيبة ما ادعوا هم المهدية لكن أتباعهم ادعوا أن صاحبهم هو المهدي، وربما كان بعضهم صاحب إنجازات في خدمة الدين، والدعوة إليه والتجديد تجديد الدين، لكن ليس هو المهدي صح صاحب منجزات، وداعية، وفاضل، وصالح، وعالم، لكن تطق عليه المهدي، وليس هو المهدي هذا خطأ.
قال شيخ الإسلام: مبينًا حال من استزلهم الشيطان في هذا الباب، قال: وأعرف في زماننا غير واحد من المشايخ الذين فيهم زهد وعبادة يظن كل منهم أنه المهدي، وربما يخاطب أحدهم بذلك مرات متعددة، يعني: يسمع صوت يقال له: أنت المهدي أنت المهدي في اليقظة، أو في المنام، ويكون المخاطب له بذلك الشيطان، وهو يظن أنه خطاب من قبل الله، هذا بسبب قلة العلم، هل الله يكلم أحد من البشر في الدنيا، إذًا كيف يسمع الواحد كلمة أنت المهدي، فيقول: هذا خطاب من الله، هذا جاهل.
قال شيخ الإسلام: "ويكون أحدهم اسمه أحمد بن إبراهيم"، فيقال: محمد وأحمد سواء، إذًا وصلنا لمحمد، محمد بن عبد الله وهذا أبوه اسمه إبراهيم، فيقال: "وإبراهيم الخليل هو جد رسول الله ﷺ وأبوك إبراهيم، فقد واطأ اسمك اسمه واسم أبيك اسم أبيه". [منهاج السنة: 8/136].
نأخذ أمثلة من الذين ادعيت لهم المهدية، أو ادعوا المهدية على مر التاريخ:
ادعى عبد الله بن سبأ اليهودي الزنديق أن علي بن أبي طالب هو المهدي المنتظر، وأنه سيرجع إلى الدنيا، فيملأها عدلاً كما ملئت ظلمًا، فإذًا في من السبئية القائلين برجعة علي إلى الدنيا على أساس أنه هو المهدي، وأنه سيعود، فعدد من الطوائف التي غلت في علي يعتقدون أن علي سيعود إلى الدنيا من باب أنه هو المهدي، هؤلاء السبئية وصل بهم الأمر إلى تأليه علي ، ولما دخل الكوفة سجدوا له، ولما رأى المسألة وصلت إلى هذا الحد أمر غلامه قنبرًا أن يخد الأخاديد، وأضرم فيها النيران، وألقاهم فيها:

لما رأيت الأمر أمرًا منكرًا أججت ناري ودعوت قنبرًا

[المجالسة وجواهر العلم: 3/457].
ولذلك هؤلاء من ضلالهم لما ألقاهم على الشرك والكفر الذي اعتقدوا فيه الإلهية، وما تابوا لما ألقاهم إلى النار، قالوا ما ازددنا فيك إلا يقينًا، لا يعذب بالنار إلا رب النار، فماذا تفعل لهذه العقول.
الثاني: محمد بن الحنفية رحمه الله تعالى ادعى المختار أول ما ظهر، وقبل أن يدعي النبوة أن محمد بن الحنفية هو المهدي الذي سيخرج في آخر الزمان، المختار هذا رجل ضال زنديق، أحدث فتنة كبيرة في المسلمين، هذا الرجل ادعى النبوة لكن قبل أن يدعي النبوة مر بمرحلة، قال: محمد بن الحنفية هو المهدي، وكان الذين يخرجون بهذه الدعاوى الخبيثة دائمًا يلتصقون بآل البيت، يحاولن الالتصاق بآل البيت بأي طريقة، وأولاد علي الحسن، والحسين، ومحمد بن الحنفية، لأنه ينسب إلى أمه، فيقولون: هذا هو المهدي، ونحن أتباعه، ونحن أصحابه، ونحن أحبابه، وهكذا قال عبد القاهر البغدادي. [الفرق بين الفرق: 1/27].
ثم رفع خبر المختار إلى ابن الحنفية، وخاف من جهته الفتنة في الدين، فأراد قدوم العراق ليصير إليه الذين اعتقدوا إمامتهم، وسمع المختار ذلك فخاف من قدومه العراق، يعني: خاف إذا جاء محمد بن الحنفية العراق أن تبطل سلطة المختار، فقال لجنده -المختار هذا الكذاب الضال- قال: أنا على بيعة المهدي، ولكن للمهدي علامة وهو أن يضرب بالسيف ضربة، فإن لم يقطع السيف جلده فهو المهدي، ماذا يقصد المختار بهذا الكلام؟
أنه إذا جئت يا محمد بن الحنفية، ونحن نعتقد أنك المهدي سنضربك بالسيف ضربة، إذا ما قطعنا جلدك أنت المهدي، فماذا سيحدث المقصود بهذا تخويف محمد بن الحنفية حتى لا يأتي إلى العراق التي فيها المختار، لأنه لو أتى سيلتف الناس حوله، وينفضون من المختار، وفعلاً أقام محمد بن الحنفية في مكة رحمه الله خوفًا من فتنة المختار بالكوفة. [الأوائل للعسكري: 1/97].


والكيسانية وهم أيضاً من هذه الطوائف الضالة اتفقوا على إمامة بن الحنفية في حياته، لكن بعد مماته أقر قوم بموته، وحولوا الإمامة إلى غيره، على خلاف كثير فيهم.
قال ابن كثير: "وقد ذهبت طائفة من الرافضة إلى إمامته" -يعني محمد بن الحنفية- "وأنه ينتظر خروجه في آخر الزمان" [البداية والنهاية: 9/39].
عمر بن عبد العزيز رحمه الله مجدد المائة الأولى، بعضهم قال: إنه هو المهدي، لكن مهدي، وليس هو المهدي هداه الله لا شك لكن مهدي من المهديين، وليس هو المهدي.
محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب، النفس الزكية، هذا رجل عظيم اشتهر بالعلم والزهد حتى لقب بالنفس الزكية، وكان من سادات بني هاشم شجاعة، وكرمًا، وعلمًا، صوامًا قوامًا من الصالحين، كان بعض أهل بيته يظنه هو المهدي، لأن اسمه محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وكان له حركة حاول تصحيح الأوضاع، وخرج لكن آلت حركته إلى مقتله، وانتهاء أمره رحمه الله تعالى وتلقب بالمهدي، خرج إليه جيش في إبان العهد العباسي، قوامه عشرة آلاف فقتلوه رحمه الله وحركة محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب الملقب بالنفس الزكية جديرة بالدراسة، وفيها فوائد وعبر، وبسبب حركته، ومثلها استقر الأمر بعد ذلك عند العلماء بعدم جواز الخروج على الحاكم الظالم أو الفاجر ما دام ليس بكافر، لأنهم رأوا أن الخروج الذي أراد به أصحابه تصحيح الأوضاع بالقوة أغلب الحركات آلت إلى الفشل إن لم يكن كلها، وإلى إراقة دماء المسلمين، ولذلك صار التشديد من العلماء في قضية الخروج بتصحيح الأوضاع بالقوة كبير بعد مثل هذه الحركة.
المقصود على الحاكم الذي فيه فسق، أو فيه فجور، أو فيه ظلم ليس الحاكم الكافر، فلذلك صار كلامهم شديدًا في قضية عدم جواز الخروج، لأنهم رأوا ما صار في هذه الحركات من إراقة دماء المسلمين بلا فائدة.
ومن الشخصيات التي ادعيت لها المهدوية: الملحد عبيد الله بن الميمون القداح، هذا عبيد الله بن الميمون القداح المتوفى سنة: 322 الهالك كان جده يهوديًا، وكان من بيت مجوسي فانتسب بالكذب والزور إلى أهل البيت، وادعى أنه المهدي الذي بشر به النبي ﷺ، والمشكلة أن هذا الرجل ملك، وتغلب، وسيطر، وهيمن، وصار بنو عبيد الله بن الميمون القداح لهم صولة وجولة ودولة، حتى هيمنوا على بلاد المغرب، ومصر، والحجاز، والشام، واشتدت غربة الإسلام، ومحنته، ومصيبته بهم، وادعوا الإلهية، وقالوا: إن للشريعة باطن يخالف الظاهر، هؤلاء ملوك القرامطة الباطنية أعداء الله تعالى، الذين انتسبوا كذبًا إلى آل البيت حتى تسلطوا على الأمة، ونشروا فيها الشرك، والقباب، والموالد، والبدع، وقتلوا أئمة أهل السنة، وأزالوا القضاء في المذهب الشافعي عن مصر، ووضعوا بدلا منه قضاتهم، وظل أمرهم مستفحلاً شديدًا، هذه فتنة ما عشناها، وقليل جدا من الناس من يدري عنها، لكن حصلت فيها بلية في بلاد الإسلام عظيمة، حتى أنقذ الله الأمة منهم بصلاح الدين الأيوبي رحمه الله الذي استنقذ منهم بلاد مصر، فعادت أرضًا للإسلام مرة أخرى، وذكر هذا ابن القيم رحمه الله.


وقال ابن تيمية: "وهم ملاحدة بالباطن خارجون عن جميع الملل، أكفر من الغالية"، يعني: أكفر من الغلاة، ومذهبهم مركب من مذهب المجوس والصابئة والفلاسفة مع إظهار التشيع" [منهاج السنة: 8/136].
قال ابن كثير: "كانت مدة ملك الفاطميين مائتين وثمانين سنة، وكسرا". [البداية والنهاية: 12/267] يعني: نحوًا من ثلاثمائة سنة، كانوا على رقاب المسلمين، وكان أول من ملك منهم هذا الذي تلقب بالمهدي، وتسمى بعبيد الله ابن الميمون القداح، وادعى أنه شريف علوي، يعني: من نسل علي، ومن نسل فاطمة، قال عن نفسه: إنه هو المهدي، وراجت كذبته فترة من الزمن، وآزره جماعة من الجهلة، وصار له صولة وجولة حتى بنى مدينة سماها المهدية، وصار ملكًا مطاعًا، يظهر الرفض، وينطوي على الكفر المحض، وكتب بعض العلماء عنهم إنهم كفار، فساق، فجار، ملحدون زنادقة، معطلون للإسلام جاحدون، ولمذهب المجوسية معتقدون، عطلوا الحدود، وأباحوا الفروج، وأحلوا الخمر، وسفكوا الدماء، وسبوا الأنبياء، ولعنوا السلف، وادعوا الربوبية، وقد ذهب شرهم، والحمد لله.
هذا فيه درس في الحقيقة، وفائدة بليغة: وهي أنه قد مر على الأمة فتن وأشياء شنيعة، أشياء صعبة، وظروف حالكة وأشياء صعبة، تخلصت الأمة من هذا الغثاء، فيمكن بعض الفترات التي مرت على الأمة أصعب من بعض الفترات التي يعيشها المسلمون الآن، مثل دولة هؤلاء العبيديين بالمؤكد مرت على المسلمين فيها شدائد أكثر مما مر عليهم اليوم في بعض البلدان اليوم.
في هذه الأيام من الذين ادعوا المهدوية ابن تومرت محمد بن عبد الله البربري هذا ظهر في المغرب سنة 514، ومات سنة 524، وادعى أنه المهدي، وكان والده يلقب بتومرت، ولذلك اشتهر بأنه تومرت، وادعى أنه علوي من آل البيت، واخترع نسبًا إلى علي بن أبي طالب.
وقال الذهبي: الخارج بالمغرب "المدعي أنه علوي حسني"، يعني نسبة إلى الحسن، "وأنه الإمام المهدي، وأنه معصوم، وهو بالإجماع مخصوم". [العبر في خبر من غبر: 2/81]، وليس بمعصوم، وقد علم بالاضطرار أنه ليس الذي ذكره النبي ﷺ، كما قال ابن تيمية في منهاج السنة  [8/136].
وهو رجل كذاب، ظالم، متغلب بالباطل، ملك بالظلم والتغلب، والتحيل، فقتل النفوس، وأباح حريم المسلمين، وسبى ذراريهم، وأخذ أموالهم، وكان شرًا على الملة من الحجاج بن يوسف، وكان يودع بطن الأرض من خبثه، ومكره، ولؤمه، أنه كان يحفر حفر في الأرض يجعل فيها بعض مريديه وهم أحياء، ويؤمرهم أن يقولوا للناس: إنه المهدي، ثم يجمع الناس، يقول: يا أيها الناس تعالوا أنا المهدي، فإذا قالوا: من يشهد لك؟ فيقول: الموتى والأحياء، ثم يخاطب على أساس أن هذه قبور، يقول: أيها الأموات أتشهدون لي أني أنا المهدي؟ فيقولون: نشهد -والصوت من الأرض- أنك المهدي، وفي العامة سذج ومغفلون، فيصدقون، بعدما تنتهي هذه القصة والمسلسل والفلم يطم الحفر على من فيها حقيقة حتى لا أحد يطلع، ويقول: إنه كانت مؤامرة، وكذبة، ونحن قلنا: من داخل الأرض كذا كذا، وهذا ابن تومرت الذي يردم عليهم ليلاً لئلا يكذبوه، الذي تلاعب ونفى صفات رب العالمين، وكلامه، وعلوه على خلقه، واستواؤه على عرشه، ورؤية المؤمنين له بالأبصار يوم القيامة، واستباح قتل من خالفه من أهل العلم والإيمان، وتسمى بالمهدي المعصوم. قاله ابن القيم في المنار المنيف [1/153].


ومن ادعى المهدوية كثير، وإذا تقدمنا إلى الإمام سنجد هناك رجلاً ظهر في السودان لقب بالمهدي ،كان مشهورًا بالزهد، والتقوى، والورع، وجهر بدعوى المهدية في الثامنة والثلاثين من عمره، واشتهر بالزهد، وكان ينفق ما زاد عن ماله، ويعتمد على نفسه في الخروج إلى الغابة لقطع الأخشاب، وبيع ما يقدر على حمله في السوق، ويؤكل ببعض ثمنها، ويتصدق بالباقي، وإذا تعثر عليه الاحتطاب خرج إلى النيل لصيد الأسماك، وكان يتورع أن يجعل في السنارة طعمًا لئلا يخدع السمك -ليس هذا ورع شرعي إطلاقًا- وصادفت دعوته ذيوعًا ونجاحًا، وأقبل عليه الزعماء وشيوخ القبائل مبايعين له، هذا الرجل حقيقة كان فيه زهد وورع وعبادة لكنه ليس هو المهدي، وتوفي سنة 1302 هـ، واستمر الأمر على ذلك.
وادعى المهدوية آخرون منهم الذي دخل في الحرم في عام 1400 هـ، وكانت له فتنة، وهذه مصيبة الاعتماد على الرؤى، في كذلك واحد شاف في المنام أن هذا فلان هو المهدي، وهل تثبت المهدوية بالرؤى المنامية، وهل يجوز أن يكون هناك فتنة في البلد الحرام، وقتال فيه لهذا.
من الحركات التي أيضاً ادعت المهدوية أو كان لها علاقة بالموضوع غير مستوى الأفراد الحركات البهائية، إذًا نحن تبين لنا أن في ناس صالحون حقيقة ادعوا المهدوية، أو ادعيت لهم، وأن منهم النفس الزكية محمد بن عبد الله النفس الزكية، هذا رجل عالم صالح كبير، ففي ناس يظن الواحد نفسه كذلك، أو أهله، أو بعض أتباعه يتفقون عليه.
ومنهم من ادعاها وعنده شيء من الأخطاء لكن قد يكون عنده دين وورع وتقوى، مثل الذي ظهر في السودان.
ومنهم كذلك الكفار والزنادقة والملاحدة كابن تومرت، والقداح بن عبيد، ادعاء المهدية حصل لأشخاص صالحين ولأشخاص عندهم شيء من الدين.
ولأشخاص كفرة الحركة البهائية وهي إحدى الحركات الإلحادية التي تعمل للقضاء على الإسلام، ومركزهم في إسرائيل هؤلاء، ظهر شخص علي الشيرازي كان رجلاً عاميًا لا يعرف من العلم شيئًا، لكنه ميال إلى الغلو، وعنده شيء من التزهد متبعًا للطريقة الاثني عشرية، وحصل إبراز لهذا الشخص في عملية اشترك فيها الملا البشروئي مع بعض الجواسيس الروس، وهذا علي الشيرازي كان يجلس في مجالس الرشد لشيخه، ولما مات شيخه أخذ يواصل الاجتماع البشروئي مع هذا الشاب المغتر، وأوحى إليه أنه سيكون له شأن، وأنه سيكون هو المهدي، ولم تمض مدة طويلة حتى سول له البشروئي هذا أن يعلن -أي: علي الشيرازي- أنه المهدي المنتظر، جلب له رجالاً من أصحابه، فأظهروا أنهم آمنوا بمهديته، هذه أصل الطائفة البهائية التي تريد هدم الإسلام، وبينما كان مهديهم مسجونًا في قلعة ماكو واجتمعوا في مؤتمر، وقرروا فيه نسخ دين الإسلام، وشيوع المرأة، والمال، وإلغاء التكاليف، وعرضوا قراراتهم على هذا السجين، فوافقهم ثم حكم عليه بالقتل، وقتل رغم شفاعات القنصل الروسي لإنقاذه، وبعد موته -علي الشيرازي- انقسم أتباعه إلى فرقتين: فقسم منهم اتبع يحيى بن علي المازندراني، الملقب بصبح أزل، وآخرون حسين بن علي الملقب ببهاء الله، وهنا ظهر الوجه الحقيقي لهذه المؤامرة الشنيعة، فقد ادعى بهاء الله إلغاء الأديان، وأنه هو مظهر الله الحقيقي، وأن جميع الأنبياء جاؤوا ليبشروا به،   وقد هلك في سنة 1309، وأتباعه ما زالوا ينشرون ضلالتهم متعاونين مع الصهيونية.


هذه الحركة البهائية صار فيها أيضاً ادعاء المهدوية القاديانية، الذين كان وراءهم الصليبين البريطانيين في الهند، لما ضاقوا ذرعًا للجهاد في الهند، فكان لا بدّ من إنشاء حركات لكي تفتت القيام بهذه الفريضة، ونشأت حركات القادياني غلام أحمد المولود في 1839، وتظاهر في أول أمره بالدفاع عن الإسلام، وحاز ثقة الناس، ثم أعلن عام 1885 أنه مجدد المسيح الموعود، والمهدي، وادعى النبوة 1901، فهذا أيضاً من الناس الذين ادعوا المهدوية، وهؤلاء الطائفة القاديانية، والذي هلك هالكهم عام 1908، إذًا كان لهذه حركات دخل في موضوع المهدية كمرحلة من المراحل فيها، أو صفة من صفات مؤسسيها مثلاً، وهنا ينبغي أن نذكر الضوابط في الحكم على من يدعي المهدية، هناك واحد بالكويت يقول: أنا المهدي، وواحد في اليمن يقول: أنا المهدي، هذا حاصل وموجود بعضهم مرضى نفسيين، وبعضهم مجانين، وبعضهم عندهم جنون العظمة، وبعضهم قد يكونوا مدفوعين من طوائف ضالة مثلاً، أو أشخاص مغرر بهم.

ضوابط التفريق بين المهدي والمدعي

01:37:40

فينبغي في الضوابط التفريق أولاً في مسألة المهدي بين تصديق خبر الصادق المصدوق ﷺ، وبين الحكم على فلان بأنه المهدي، وهذه قضية مهمة في مسألة المهدية، أول شيء لازم نفرق بين الأصل أن هناك أحاديث صحيحة ثابتة عن النبي عليه الصلاة والسلام بأن المهدي سيظهر، وبين أن فلان هو المهدي وإلا لا، الأولى ما فيها نقاش، الثانية فيها نقاش، هل هو وإلا ليس هو هذه قضية أخرى، لأن عدم التفريق ممكن يؤدي إلى انحرافات خطيرة.
ثانيًا: أن جميع علامات المهدي إنما تعرف من خلال أخبار الوحي المعصوم إلى النبي ﷺ، ولا حجة في أي مصدر آخر، لا أحاديث مكذوبة ولا موضوعة، ولا رؤى منامية، ولا كشف، ولا إلهام، ولا إحساس، ولا ألقي في نفسه، ولا فراسة، ولا لقاء الخضر، ولا أحاديث أموات، كل هذه ليست مصادر إطلاقًا لأن يقال فلان هو المهدي، وهذا ضابط مهم جداً، هذا من أهم الضوابط، من هو الذي يعين المهدي الأحاديث الصحيحة.
فلو قال قائل: أنا المهدي، ما حجتك؟ قال: رأيت في المنام، روح على جنب اذهب اغرب، لو قال: سمعت صوت من القبر، سمعت صوت في السماء، ألهمت إلهامًا، فراسة ناس قالوا لي: لقيت الخضر، الخضر الراجح موته من زمان، فكل ذلك ليس من مصادر العلم الشرعي إطلاقًا.
ثالثًا: لما كان المهدي مجددًا من المجددين، فإنه يلزم أنه يستقيم على منهاج النبوة، ويتمسك بالعقيدة الصحيحة، ويبرأ من البدع، فإذًا لو قال قائل: أنا المهدي، ما هي عقيدتك؟ وما هي سيرتك؟ فينكشف عند ذلك، لأن كثير من الذين ادعوا المهدية عقائدهم زائغة، طرق منحرفة، حياة معاصي.
قال أبو يزيد: قم بنا ننظر -هذه قصة تبين كيف كان السلف يتعاملون مع هذا- قم بنا ننظر إلى هذا الرجل الذي قد شهر نفسه بالولاية، وكان رجلاً مقصودًا الناس يأتونه، فمضينا إليه، فلما خرج من بيته، ودخل المسجد رمى بالبصاق اتجاه القبلة، فانصرف أبو يزيد، ورجع ولم يسلم عليه"، وقال الذي يبصق تجاه القبلة في المسجد لا يمكن يكون من أولياء الله، ورجع فكيف نأتمنه على ما يدعيه. [مدارج السالكين: 60/3]، فإذًا النقطة الثالثة حقيقة هذا الشخص، ما هي عقيدته؟ ما هي سيرته وطريقته؟
رابعًا: أنه ليس في الأحاديث الثابتة ما يدل على أن المهدي سوف يطالب الناس بالإقرار بمهديته، أو يمتحنهم على ذلك، ويقهرهم، فضلاً عن تكفيرهم، واستباحة دمائهم، فالمهدي الحقيقي لن يقول للناس تبايعوني وإلا أقتلكم، المهدي الحقيقة لن يقول: يا أيها الناس تعالوا بايعوني، المهدي الحقيقي كما ورد في بعض الأحاديث والأحاديث التي يظن أن المقصود بها المهدي أنه سيبايع، وهو مكره، لا يطلب البيعة لنفسه، سيبايعه الناس، ويجتمعون عليه، وهو مكره فضلاً على أن يقتل من لا يبايعه، كما فعل الذين ادعوا المهدية، أو بعض الذين ادعوا المهدية..


قال العلامة الشيخ حمود بن عبد الله التويجري رحمه الله: أن المهدي لا يطلب الأمر لنفسه ابتداء مدعيًا أنه المهدي كما يفعل ذلك المدعون للمهدية كذبًا وزورًا، وإنما يأتيه ناس من أهل مكة، فيخرجونه وهو كاره، فيبايعونه، ثم يسميه الناس بعد ذلك بالمهدي لما يرون من صلاحه، وعدله، وإزالته للجور، والظلم.
خامسًا: من الضوابط أن علامات المهدي المنتظر نوعان الأولى: أمارات متشابهة يمكن أن توجد في المهدي، وفي غيره، ويمكن أن يتصف بعض الناس بها حقيقة، مثل محمد بن عبد الله، يمكن يوجد في غير المهدي في محمد بن عبد الله كثير، وفي من آل البيت محمد بن عبد الله، وفي من نسل فاطمة محمد بن عبد الله، وفي من نسل الحسن بن علي محمد بن عبد الله، فهل أي واحد صار فيه هذه الصفة يكون هو المهدي؟ لا، إذًا هذه الصفات التي توجد فيه وفي غيره؛ ينبغي ألا تجعل القضية تختلط على الناس، فأول واحد ينطبق عليه يقولون: هذا هو لا ، لكن عندما يكون ذلك الرجل الذي يبايع، ويجتمع عليه الناس، وينزل عيسى فيقدمه، هذا هو المهدي الحقيقي.
وقال الشيخ التويجري رحمه الله: ومن ادعى من المفتونين أنه المهدي المنتظر، ولم يخرج الدجال في زمانه، فإنه دجال، ومن ادعى أنه المسيح بن مريم، ولم يكن الدجال قد خرج قبله؛ فإنه دجال كذاب.
سادسًا: أنه يجب نبذ الصورة الأسطورية التي خلعها بعض الفرق الضالة على المهدي، هل هو يحيي الموتى؟ هل المهدي هذا يقلب الصفاء ذهبًا؟ جعله فوق المنزلة الحقيقية له هذا مما فعله بعض الفرق الضالة، فيجب الحذر من هذا.


قال الشيخ عبد المحسن العباد: المهدي عند أهل السنة والجماعة لا يعدو أن يكون إمامًا من أئمة المسلمين الذين ينشرون العدل، ويطبقون شريعة الإسلام، يولد في آخر الزمان، ويتولى إمرة المسلمين، ويكون خروج الدجال، ونزول عيسى بن مريم من السماء في زمانه، وهو غير معصوم، نعم سيكون له إنجازات عظيمة، ويملأ الأرض عدلا لكنه ليس له مثل معجزات الأنبياء، ليس رجلاً معصومًا.
ومن الأمور المهمة جداً أنه لا يستدل بالرؤيا في الأحكام، ولا يكن أن يستدل بالرؤى في تعيين الأشخاص أن هذا هو المهدي، وهذا من الضلال والبناء على الرؤى هو بناء على شفا جرف هار، الرؤية ممكن تكون فيها بشارة، تسلية للإنسان، تسلية عن حزن، فيها إلقاء أمل في نفسه، مثلاً شيء يثبت المؤمن، يطمئن المؤمن ممكن، لكن يؤخذ حكم من رؤية لا يمكن، يؤخذ خبر يقيني في المستقبل على شيء معين من رؤيا لا يمكن، ولو أن الوالي رأى في المنام أن فلانًا زنا، فهل يجلده؟ ولو رأى أن فلانًا سرق، فهل يقطع يده؟ هل هذه الرؤى يبنى عليها؟ لا ولو أن الرؤيا في آخر الزمان لا تكاد تكذب، وهي جزء من أجزاء النبوة، لكن لا يبنى عليها هذا، وما أدراك أن هذه الرؤيا التي هي من الله، ما يمكن تكون من الشيطان، كيف جزمت أن رؤياك هذه من الله؟ وقد تكون حديث نفس، فكيف تجزم أن هذه الرؤية من الله يبنى عليها.
دخل شريك بن عبد الله القاضي على الخليفة المهدي العباسي، فلما رآه المهدي، قال: علي بالسيف والنطع، يريد أن يقطع رقبته. قال: ولم يا أمير المؤمنين؟ قال: رأيت في منامي كأنك تطأ بساطي، وأنك معرض عني، فقصصت على من عبرها، فقال: يظهر لك الطاعة، ويضمر لك المعصية، الآن أنت يمكن تنقلب علي.
قال له شريك: والله ما رؤياك برؤيا إبراهيم الخليل، ولا معبرك بيوسف فبالأحلام الكاذبة تضرب أعناق المسلمين، فاستحيا المهدي، وقال اخرج عني، وصرفه". [الاعتصام للشاطبى: 1/261].


إذًا لا يبنى على هذه الرؤى، ولا يجوز أن يثبت بها شيء باتفاق العلماء، والشرع اكتمل بهذا الكتاب العزيز.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: أما اعتماد المنامات في إثبات كون فلان هو المهدي، فهو مخالف للأدلة الشرعية وللإجماع أهل العلم والإيمان، لأن المرائي  مهما كثرت لا يجوز الاعتماد عليها في خلاف ما ثبت به الشرع المطهر، لأن الله سبحانه أكمل لنبينا محمد ﷺ ولأمته الدين، وأتم عليهم النعمة قبل وفاته عليه الصلاة والسلام، فلا يجوز لأحد أن يعتمد شيئًا من الأحلام في مخالفة شرعته عليه الصلاة والسلام". [مجلة البحوث الإسلامية: 5/310].
في إحدى السنوات تراءى الناس الهلال، ولم يروه هلال رمضان، فجاء رجل إلى قاضي البلد، قال لقيت الرسول ﷺ في المنام وأخبرني أن الليل من رمضان، وأمرني والمسلمين بالصيام، فقال القاضي: إن الذي تزعم أنك رأيته في المنام قد رآه الناس جهرة، فقال لهم: صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته  [رواه البخاري: 1909، مسلم: 1081]، فلا حاجة بنا إلى رؤياك، هل يثبت دخول رمضان بالرؤيا، يثبت بالرؤية الشرعية وليست بالرؤيا.

ضرورة الإيمان بالمهدي

01:46:19

زعم بعضهم أن قضية المهدي هذه قضية نمشيها، وأن قضية لا تقدم ولا تؤخر، وإذا أنكرها واحد أو آمن بها واحد فلا بأس، كل الذي ينكر والذي يصدق المسألة واسعة لا بأس بها، أيًا ما كان موقف الناس، فلا حرج المسألة واسعة، وهذا غلط، فإن قضية المهدي الذي جاءت بها الأحاديث الصحيحة من القضايا العلمية الخبرية التي يجب الإيمان بها إذا ثبتت، وهذا من الإيمان بالغيب، نحن نخبر عن أشياء تكون في آخر الزمان، إذا ثبتت الله يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم، إذًا القلب له عمل، والإيمان بالأشياء الغيبية من مستلزمات شهادة أن محمدًا رسول الله ﷺ، يعني: نبيك يخبرك أنه سيكون في آخر الزمان كذا وكذا، ثم تقول: أنت لا يكون، أو تشكك فيه، هذا لا يمكن يفعله المسلم المؤمن.
ثم إن التصديق بهذا من مستلزمات الإيمان باليوم الآخر، لأن هذه من أشراط الساعة، ثم إن الإيمان بأشراط الساعة من مقتضيات الإيمان بالغيب.
فإذًا ما هي فائدة الإيمان بالمهدي؟ لماذا العلماء يذكرون مثل هذه القضية في كتب العقيدة؟
فنقول: لأنه من الأخبار الصحيحة التي جاءت، ونحن نؤمن بالأخبار الصحيحة أن تؤمن بالجنة والنار، وأن تؤمن بالصراط والميزان والحوض، طيب ونحن نؤمن بأن آخر الزمان فيه الدجال، وفيه المسيح سينزل، والمهدي سيكون، إلى آخره.
فهذه أيضاً صارت من قضايا العقيدة العلمية الخبرية التي يجب أن نؤمن بها ما دامت صحيحة ثابتة.
ما هو موقف المسلم منها؟ هل هو مخير بين الإيمان بها أو عدم الإيمان؟
نقول: لا غير مخير، بل لا بد أن يؤمن بها، وأنت إذا آمنت تأخذ أجر على الإيمان. إذا علمت من خلال هذه الدروس بأن هذه القضايا جاءت بالأحاديث الصحيحة.
هل سماعنا لها ثقافة؟ يعني: لا سماعنا سينتج آثار عظيمة مهمة على أنفسنا؟ وهو أننا إذا علمنا بصدقها وجب علينا التصديق، وإذا صدقنا وآمنا أخذنا أجر الإيمان والتصديق -وهذه قضية يقل من ينتبه إليها- إذا سمعت معلومة عن الجنة، عن النار، عن اليوم الآخر، عن أشراط الساعة، عن آخر الزمان، عن أمور من الغيب، ما هو موقفك من هذه المعلومة إذا اعتقدت صحتها إذا عرفت أن مصدرها صحيح؟ يجب عليك أن تؤمن بها، إيمانك بها فيه أجر؛ لأن هذا عمل قلب، وعمل القلب عظيم عند الله.
فأولاً: يكتب لك أجر الإيمان بها.
ثانيا: يزداد إيمانك لأنك تؤمن بهذه الأشياء واحدًا بعد واحد.


وثالثًا: يرتفع عنك وصف الجهل بها، وعندما يكون الإنسان على علم بالشيء يكون بمنزلة عند الله أعلى من الجاهل بهذا الشيء هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [الزمر: 9].
ثم يحمي نفسه من الشبهات لأن المعلومات الآن التي نقولها في قضية المهدي هي تسبب حماية الأشخاص من أن يصدقوا بأشخاص كذابين، أو يدعون المهدية، وهي منهم بريئة.
ونحن أيضاً في سلوكنا هذا المسلك، في إطلاعنا على هذه القضايا؛ فإننا نسلك سبيلاً شرعيًا في تعلم دين الله، وهذا من دين الله، ونؤخذ بالأسباب في زيادة الإيمان، وهذه من أسباب زيادة الإيمان.

هل الإيمان بالمهدي يدفع إلى التواكل؟

01:49:36

وهنا نأتي إلى قضية -وهي من أسباب إنكار بعضهم لقضية المهدي- قالوا: إن الإيمان بالمهدي يدفع النفس إلى التواكل، ويقولون: ما دام المهدي سيخرج، ويظهر الدين، فنحن نقعد هكذا إلى أن يخرج، لماذا نعمل، وندعو، ونجاهد، ونخدم الدين؟ هذه مهمة المهدي؟
فيقال: إن الله أمرنا بالعمل، أمرنا بالدعوة، أمرنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أمرنا بالجهاد في سبيله، أمرنا بتعلم الدين، أمرنا بتعليم الدين، أمرنا بالصبر على الأذى في سبيل الدعوة، هذه كلها أوامر ليس لنا خيار في قضية هذه الأوامر ننفذ أو لا، ليس لنا خيار أن نترك هذه المهمات للمهدي هو الذي ينفذها، والأوامر الإلهية التي نحن مخاطبون بها كيف نلقيها عن كواهلنا، ونقول: لا نعمل، وننتظر المهدي؟
أولاً: نحن مخاطبون بالعمل، وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ[الأنفال: 60]، فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا [النساء: 71]، وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة: 197]، لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ[الصافات: 61] أمرنا باتخاذ الأسباب، وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا [مريم: 25].
النبي ﷺ عصمه الله، وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة: 67]، لكن هل منعه ذلك من الأخذ بالأسباب؟ لماذا اختفى في الهجرة؟ ولماذا اختفى في الغار؟ ولماذا أمر ابن أريقط بأن يعفي أثره ويمر بغنمه على آثارهما؟ ولماذا كان ابن أبي بكر الصديق يأتيهما بأخبار مكة؟ ولماذا تزودا بالتمر؟ إذا كان هو سيحمى من الناس فلماذا؟
الجواب: مع علمه أنه سيحمى من الناس لكن أخذ بالأسباب لأنه لا تعارض بين هذا وهذا، بل هذا طريق إلى هذا، الأخذ بالأسباب طريق إلى النتيجة، ولماذا لبس البيضة على رأسه لحماية رأسه، ولماذا لبس درع في القتال إذا كان الله يعصمك من الناس؟
لماذا النبي ﷺ فعل هذا، وربى على هذا أصحابه؟ ما قال خلاص الله سيعصمني من الناس أنا لا ألبس درع ولا ألبس خوذة على الرأس لم يفعل ذلك بل أخذ بالأسباب اعقلها وتوكل [رواه الترمذي: 2517، وحسنه الألباني تخريج أحاديث مشكلة الفقر: 22].


فإذًا لا يجوز للمسلمين، قال الشيخ الألباني رحمه الله: أن يتركوا العمل للإسلام وإقامة دولته على وجه الأرض انتظارًا منهم لخروج مهدي، وخروج عيسى يأسًا منهم، أو توهمًا أن ذلك غير ممكن قبلهما، فإن هذا توهم باطل، ويأس عاطل، فإن الله تعالى والرسول ﷺ لم يخبرنا ألا عودة للإسلام، ولا سلطان له على وجه الأرض إلا في زمن المهدي وعيسى، فمن الجائز أن يتحقق ذلك قبلهما إذا أخذ المسلمون بالأسباب [له كلام نحو هذا السلسة الضعيفة: 13/ 383]، إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد: 7]،  وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ [الحج:40].
فإذًا بعض الناس يقولون في المجالس: قبل المهدي ما ظن أنه سيكون هناك نصر للإسلام، أو تقوم له قائمة، أو أنه سينتصر على دول الكفر، ولماذا هذا التيئيس والتخذيل والتثبيط؟ لماذا إشاعة الروح الاستسلامية؟ وما أدراكم هل اطلعتم على الغيب مكتوب في اللوح المحفوظ أنه لن توجد خلافة إسلامية قبل المهدي؟ هل اطلعتم على اللوح المحفوظ وقلتم بهذا؟ وما يدريكم أنه سيكون خلفاء لله في الأرض، وتكون خلافة إسلامية قبل المهدي، ولذلك فإنه يجب العمل لإقامة الإسلام في الأرض، ونشر الدين.
والعجب من مروجي هذا الكلام ومردديه الذين يصب كلامهم في خانة ومصلحة أعداء الإسلام.

حال الأمة قبل المهدي

01:53:05

فإن قال قائل: كيف سيكون حال الأمة قبل المهدي وعيسى؟ هل هناك شيء يتعلق بهذا الموضوع؟ طبعًا هذا غيب، ولا يعلم الغيب إلا الله، لكن هناك من باب ذكر أقوال العلماء في هذه المسألة، وهذه المسألة مرة أخرى هي هل سيكون للمسلمين شأن في الأرض قبل المهدي وعيسى؟ أم سيبقى المسلمون في هزائم وضعف وهوان حتى يظهر المهدي وعيسى؟
في الحقيقة أن هناك من قال كلامًا يشعر بأنه لن يكون هناك شيء قبل المهدي وعيسى، يعني: له وزن كبير تغير جذري في الأرض لصالح المسلمين.
فقال بعضهم: إن الأحوال قد تغيرت تغيرًا فاحشًا، غلبت البدع، وصارت السنة غريبة، والبدع سنة، والسنة بدعة، ولا تزال في المستقبل غريبة، إلا ما استثني في زمن المهدي وعيسى، إلى أن تقوم الساعة.
وقال بعضهم: إن الإسلام غريب بمعنى الكلمة، وتزداد غربته إلى أن يأتي المهدي فيظهر الإسلام.
ما هي حجة هؤلاء؟
قالوا حديث: لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم [رواه البخاري: 7068]، قالوا: إذًا الحديث يدل على أن الأمور كلها في انحدار، لا يوجد أمل أن تعود القوة للمسلمين، وخلافة إسلامية، وهزائم للكفار على أيدي المسلمين، ولكن هذا كلام غير صحيح، فنفس الدليل لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منهيقال: إذًا حتى المهدي وعيسى.
فيقولون: لا هذا استثناء، فنقول: وما أدراكم أنه ليس هناك استثناءات أخرى ألا ترون أن الوقت الذي قبل دولة العبيديين كان أحسن، ولما جاءت دولة العبديين ساءت الأمور جداً، ولما قضي على دولة العبيديين تحسنت الأمور، إذًا صار في طلوع ونزول وطلوع، قبل اجتياح التتر كان العالم الإسلامي مستواه كذا، لما اجتاح التتر نزل ملايين القتلى، وبعد ما تغلب المسلمون على التتر وكسروهم ومعركة عين جالوت رجعوا مرة أخرى، قبل الحملات الصليبية كان المسلمون في مستوى معين، الحملات الصليبية كسرتهم واحتلال بيت المقدس وسبعين ألف قتيل، ولما انتصر المسلمون على الصليبين مع صلاح الدين انكسر الصليب رجع المسلمون إلى الأعلى.
إذًا حديث: لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه لا بدّ يفهم فهمًا صحيحًا، وهو أن يقال: في الجملة، وليس أنه لن يظهر في التاريخ طلوع وصعود للمسلمين، لكن يصعد ينزل ممكن يصعد مرة ثانية وينزل، وإن كانت الأمور في الجملة في العموم ممكن تقول أنه ينزل لكن في طلوع في أثنائه طلوع ويهبط، وهكذا قال الألباني رحمه الله معلقًا على هذا الحديث: ينبغي أن يفهم على ضوء الأحاديث التي تبشر بأن المستقبل للإسلام وغيره، مثل أحاديث المهدي ونزول عيسى فإنها تدل على أن هذا الحديث ليس على عمومه، بل هو العام المخصوص، فلا يجوز إفهام الناس أنه على عمومه فيقعوا في اليأس الذي لا يصح أن يتصف به المؤمن، قال تعالى:  إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف: 87].
الآن ذكرنا المسلك الأول الذين يقولون: إنه لا شيء ينتظر قبل المهدي وعيسى، يا أيها المسلمون، لا تتوقعوا خلافة، ولا تتوقعوا انتصارات عظيمة على الكفار قبل المهدي وعيسى، ما في شيء ستبقون في ضعف حتى يأذن الله.


المسلك الثاني: بل ستكون هناك خلافة إسلامية على منهاج النبوة قبل ظهور المهدي، أو على الأقل ستنهض الأمة نهضة شاملة، ولا يبقى إلا ظهور القائد، فعند ذلك يخرج المهدي بعد أن تحدث هذه النهضة، قال الشيخ الألباني رحمه الله في مناقشته للذين ادعوا ادعوا اقتراب ظهور المهدي قالوا له: خلاص اليوم غدًا بعد غد قريب.
قال الشيخ: ما أظن أن هذا أوان ظهوره، فهذه مقتضى السنة الكونية، وما أحسب المهدي يقدر خلال سبع سنين على أن يحدث من التغيير في العالم أكثر مما أحدثه رسول الله ﷺ خلال ثلاث وعشرين سنة، وظني أن المهدي سيكون رجلاً فريدًا في كل باب، فريدًا في علمه، فريدًا في ورعه، فريدًا في عبادته، فريدًا في خلقه، وأنه سيظهر وقد تهيأ للعالم الإسلام وضع صلح فيه أمر الأمة، وتمت فيه مرحلتا التصفية والتربية، ثم شرع الشيخ يبين ما المقصود بالتصفية يعني تصفية العقيدة من البدع والشوائب، تصفية العبادات من البدع والشوائب، تصفية الأحاديث من الأحاديث الموضوعة والمكذوبة والضعيفة، تصفية كتب التفسير من المرويات الكاذبة والضعيفة، وهكذا، والتربية أن يتربى الجيل المسلم على هذا الشيء المصفى من الكتاب والسنة، قال: ولا ريب أن هذا يحتاج إلى جهود جبارة متعاونة مخلصة كل في مجاله واختصاصه، أما بقاؤنا راضين عن أوضاعنا، متفاخرين بكثرة عددنا، متوكلين على فضل ربنا، أو خروج  المهدي، ونزول عيسى صائحين بأن الإسلام دستورنا، فذلك محال وضلال، ومخالفة للسنة الكونية، إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ[الرعد: 11]، و إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم حديث صحيح. [رواه أبو داود: 3464، وصححه الألباني صحيح الترغيب: 1389].
إذًا هناك سنن كونية لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ.
ثم قال الشيخ رحمه الله: واعلم يا أخي المسلم أن كثيرًا من المسلمين اليوم قد انحرفوا عن الصواب في هذا الموضوع، فمنهم من استقر في نفسه أن دولة الإسلام لن تقوم إلا بخروج المهدي، وهذه خرافة وضلالة ألقاها الشيطان في قلوب كثير من العامة، وبخاصة الصوفية منهم، وليس في شيء من أحاديث المهدي ما يشعر بذلك مطلقًا، بل هي كلها لا تخرج عن أن النبي -عليه الصلاة والسلام- بشر المسلمين برجل من أهل بيته، ووصفه بصفات أبرزها أنه يحكم بالإسلام، وينشر العدل بين الأنام، فهو في الحقيقة من المجددين الذين يبعثهم الله في رأس كل مائة سنة"، يعني: الآن افرض أن قضية المهدي بعيد ألم نبشر أن كل مائة سنة سيبعث الله في الأمة من يجدد؟ وهذا أليس حقًا، ووعد صدق، قد جاءنا في السنة الصحيحة إذًا سيحصل التجديد، "ومن يجدد لهذه الأمة الدين والمهدي واحد من المجددين، قال: "وكذلك خروج المهدي لا يستلزم التواكل عليه، وترك الاستعداد والعمل لإقامة حكم الله في الأرض، بل العكس هو الصواب، فإن المهدي لن يكون أعظم سعيًا من نبينا ﷺ الذي ظل ثلاثة وعشرين عامًا، وهو يعمل لتوطيد دعائم الإسلام، فماذا عسى أن يفعل المهدي لو خرج اليوم فوجد المسلمين شيعًا وأحزابًا، وعلماؤهم إلا القليل اتخذهم الناس رؤوسًا جهالاً، فقال: كيف سيستطيع أن يعمل إذا كان نحن قاعدون، فكأنه يقول إذا كنتم تؤمنون بانبعاثه، فأعينوه سهلوا له المهمة، واشتغلوا أنتم حتى إذا خرج قادكم، وليس أن يخرج ليجد الواقع كله سيئ في سيئ. [سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة:2].


وذهب بعض المعاصرين أيضاً إلى أن هناك إشارات في الأحاديث الصحيحة تدل على أن هناك تحسنات تحدث، مثل حديث: مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره [رواه الترمذي:2869، وصححه الألباني سلسلة الأحاديث الصحيحة:2286].
وحديث: لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة [رواه مسلم: 1923]، وحديث: لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسًا يستعملهم في طاعته [رواه ابن ماجه: 8، وحسنه الألباني السلسلة الصحيحة: 2442].
إذًا هذه مبشرات، طيب قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة: 33].
حديث نزول الخلافة في الأرض المقدسة بعضهم فهم أنه ستكون خلافة راشدة قبل المهدي، وقالوا إن حديث ابن حوالة الأزدي أن النبي ﷺ قال: يا ابن حوالة إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة فقد دنت الزلازل، والبلابل، والأمور العظام، والساعة يومئذ أقرب إلى الناس من يدي هذه إلى رأسك [رواه أبو داود: 2535، وصححه الألباني صحيح أبي داود: 2210].
إذًا قالوا: إن الخلافة ما نزلت بيت المقدس بعد، يعني: الخلافة كانت في المدينة، كانت في الشام في دمشق، كانت في بغداد، كانت في الأندلس، لكن ما نزلت الخلافة بيت المقدس، إذًا نزول الخلافة بيت المقدس، يستلزم هزيمة اليهود، والقضاء عليهم، وتحرير المسجد الأقصى، وتحرير بيت المقدس، ونزول الخلافة في بيت المقدس، وبما أن هذا ما حصل فلا بدّ أن يحصل، والدجال سيأتي باليهود ليدخل إلى بيت المقدس، ولن يكون هو في بيت المقدس أصلاً، سيأتي من المشرق ومعه سبعون ألف يهودي من يهود أصبهان، إذًا هذه فيها إشارة إلى ذلك، وأن فتح القسطنطينية قبل عيسى، فهناك نجاحات، وانتصارات، وهناك ما يشير إلى خلافة إسلامية قبل المسيح كما حصل فتح القسطنطينية في الأول، ثم رجعت الآن تحت حكم المرتدين، وستفتح مرة ثانية، فإذًا يمكن أن يعود الأمر للمسلمين حتى في بيت المقدس مرة أخرى، وأن ينهزم هؤلاء اليهود، وأن تفتح فلسطين، وأن تقوم فيها خلافة إسلامية، كل ذلك وارد جداً، يعني: لا نجزم، لكن نقول: هذا وارد، ومحتمل ما عندنا شيء يفيد أنه لن تكون هناك خلافة، ولا انتصارات قبل المهدي، والذي سيجزم بهذا كأنه اطلع على الغيب، وعلى اللوح المحفوظ، فإذًا على الأقل ليس هناك ما يمنع في النصوص الشرعية من قيام خلافة للمسلمين، وانتصارات عظيمة، وتحرير بيت المقدس، ونزول الخلافة في بيت المقدس قبل المسيح خصوصًا أنه قد مر معنا أحاديث في المهدي أنه سيخرج، وسيكون خلاف عند موت خليفة، ويتنازع ثلاثة من أبناء خليفة على الكنز، يعني: على الملك معناه: هناك خلافة، وهناك خليفة، إذًا وارد جداً أن يكون هناك للمسلمين قومة عظيمة، وخلافة راشدة، وانتصارات كبيرة، فلا معنى لليأس، وترك الأمور للمسيح والمهدي بل يجب علينا أن نعمل، وأن نقوم بهذا الدين، ونسأل الله تعالى أن يعيننا على العمل.