"حديث الرقائق"من هذه الدروس التي نسأل الله أن يجعلها حجة لنا، وأن يعلمنا منها ما نستفيد به، موعظة في حياتنا، وزادًا لنا في آخرتنا.
نص حديث "سمرة بن جندب" في عذاب أهل الكبائر بالبرزخ
روى البخاري -رحمه الله تعالى- عن سمرة بن جندب قال: "كان رسول الله ﷺ مما يكثر أن يقول لأصحابه: هل رأى أحد منكم من رؤيا؟قال: فيقص عليه من شاء الله أن يقص.
كثيرًا ما كان ﷺ يسأل: هل رأى أحد رؤيا؟ فيقص عليه من رأى رؤيا، يقص عليه، وإنه قال ذات غداة: إني أتاني الليلة آتيان، وإنهما ابتعثاني، وإنهما قالا لي: انطلق، وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه يعني يكسره ويشدخه فيتهدهد أو يتدهده يعني ينحط وينحدر فيتهدهد الحجر ها هنايعني من هذه الجهة فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه القائم الذي التقط الحجر لا يرجع إلى الرجل المضطجع حتى يصح رأسه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مثلما فعل المرة الأولىمن كسر رأسه قال قلت لهما: سبحان الله ما هذان؟ قال قالا لي: انطلق انطلق، قال: فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد وهو الحديدة المعوجة الرأس التي ينزع بها اللحم من القدر مثل الخطاف وإذا هو يأتي أحد شقي وجههوجه هذا الرجل المستلقي فيشرشر شدقه أي يشقه ويقطعه فيشرشر شدقه طرف الفم إلى قفاه من الخلف ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه يشقها شقًا بالكلوب من الحديد ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثلما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثلما فعل المرة الأولى، قال: قلت: سبحان الله ما هذان؟ قال: قالا لي انطلق انطلق، فانطلقنا فأتينا على مثل التنور الفرن -قال: فأحسب أنه كان يقول- فإذا فيه لغط وأصوات في هذا التنور فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا أي صاحوا وضجوا قال: قلت لهم: ما هؤلاء؟ قال قالا: انطلق انطلق، قال: فانطلقنا فأتينا على نهر حسبت أنه كان يقول أحمر مثل الدم، وإذا في النهر رجل سابح يسبح، وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح، ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر أي الرجل السابح له فاه فيلقمه حجرًا، فينطلق يسبح ثم يرجع إليه، كلما رجع إليه فغر له فاه، فألقمه حجرًا، قال: قلت لهما: ما هذان؟ قال قالا لي: انطلق انطلق، قال: فانطلقنا فأتينا على رجل كريه المرآة، كأكره ما أنت راء رجلا مرآة، وإذا عنده نار يحشها يزيدها إشعالاً ويسعى حولها قال: قلت لهما: ما هذا؟ قال قالا: انطلق انطلق، فانطلقنا فأتينا على روضة معتمة فيها من كل لون ربيع، وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولاً في السماء، وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط، قال: قلت لهما: ما هذا ما هؤلاء؟ قال: قالا لي انطلق انطلق، قال: فانطلقنا فانتهينا إلى روضة عظيمة لم أر روضة قط أعظم منها ولا أحسن، قال قالا لي: ارق فيها، قال: فارتقينا فيها فانتهينا إلى مدينة مبينة بلبن ذهب ولبن فضة، فأتينا باب المدينة فاستفتحنا، ففتح لنا، فدخلناها فتلقانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء، وشطر كأقبح ما أنت راء، قال قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النهر، قال: وإذا نهر معترض يجري كأنما ماؤه المحضأي الخالص المحض في البياض فذهبوا فوقعوا فيه ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم، فصاروا في أحسن صورة، قال قالا لي: هذه جنة عدن، وذاك منزلك، قال: فسما بصري صعدًا فإذا قصر مثل الربابة البيضاءأي السحابة البيضاء المنفردة المجتمع بعضها فوق بعض قال قالا لي: ذاك منزلك، قال قلت لهما: بارك الله فيكما، ذراني فأدخله، قالا: أما الآن فلا، وأنت داخله، قال قلت لهما: فإني قد رأيت منذ الليلة عجبًا، فما هذا الذي رأيت؟ قال قالا لي: أما إنا سنخبرك. أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة، وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق، وأما الرجال والنساء العراة الذين في مثل بناء التنور، فإنهم الزناة والزواني. وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجر فإنه آكل الربا. وأما الرجل الكريه المرآة الذي عند النار يحشها ويسعى حولها فإنه مالك خازن جهنم، وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم ﷺ، وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة فقال بعض المسلمين: يا رسول الله وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله ﷺ: وأولاد المشركين.
وأما القوم الذين كان شطر منهم حسنًا، وشطر قبيحًا، فإنهم قوم خلطوا عملاً صالحًا، وآخر سيئًا تجاوز الله عنهم.
هذا الحديث العجيب الصحيح قد رواه الإمام أبو عبد الله البخاري-رحمه الله- في صحيحه في مواضع في كتاب الجنائز، وفي كتاب التعبير، وغير ذلك، وأخرج قطعة منه الإمام مسلم-رحمه الله-، وكذلك أخرجه الإمام أحمد، فهو حديث صحيح في غاية الصحة [رواه البخاري: 7047، ومسلم: وأحمد: 20106].
شرح حديث "سمرة بن جندب" في عذاب أهل الكبائر في البرزخ
اهتمام النبي ﷺ بالرؤى وتفسيره لها
يقول فيه: كان رسول الله ﷺ مما يكثر أن يقول لأصحابه: هل رأى أحد منكم رؤيا؟ وهذا منه ﷺ سؤال عن الرؤيا واهتمامه بها؛ لأن الرؤيا جزء من أجزاء النبوة، والرؤيا قد يكون فيها إخبار عن غيب مستقبلي، أو تحذير من شيء، وإذا كانت من رجل مؤمن صادق فإنها تكون من أصدق ما يكون، كما أنه ﷺ بين أن أصدقهم رؤيا أصدقهم حديثًا، أصدق الناس حديثًا تكون رؤياه في غاية الصدق، وتأتي مثل فلق الصبح، وربما تقع بالضبط كما رأى، تقع في الواقع كما رأى، وكان ﷺ يؤول لهم الرؤيا، يفسرها لهم.
وربما كان من أصحابه من يفسر أيضاً، وقد طلب أبو بكر الصديق مرة أن يفسر رؤيا، فلما أذن له عليه الصلاة والسلام قال له بعد تفسيرها: أصبت بعضًا، وأخطأت بعضًا[رواه البخاري: 7046،ومسلم: 6066].
المقصود بالرؤيا وحكم تفسيرها بدون علم
فإذًا، الرؤيا علم، تفسيره من الله -تعالى-، لا يعلم تأويله إلا الله، ومن يعلمه الله تأويل الرؤيا، وليس كل أحد يعلم تفسير الرؤى، وإنما ذلك علم يهبه الله من يشاء.
وقد كان يوسف الصديق كان من أعلم الناس بتفسير الرؤى، واتجهت أنظار السجينين إليه مما كان عليه من الإحسان، ولذلك قالا: نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ[يوسف: 36]كان من المجيدين في تعبير الرؤى، وهذا من البيان.
وقد ذكر العلماء -رحمهم الله-: أن تعبير الرؤى من الفتوى، فلا يجوز أن يعبر الرؤيا من لا يحسن التعبير، ومن عبر رؤيا وهو لا يجيد التعبير فكأنما أفتى بغير علم، كما نبه على ذلك الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله-، وغيره من أهل العلم، فلا يجوز الدخول في التأويل والتعبير لمن لا يحسنه.
أقسام الرؤى وأحكامها وآدابها
والرؤيا على ثلاثة أقسام كما بين النبي ﷺ فمنه: الرؤيا الحسنة من الله.
ومنه: الحلم السيئ من الشيطان، ليحزن المؤمنين.
ومنه: الشيء يهتم به الرجل في يومه فيراه في ليلته، فلا هو حسن ولا هو سيء، بحسب الهم النفسي الذي يكون عليه يراه في الليل.
وإذا كانت الرؤيا سيئة فالإنسان عليه أشياء:
أولًا: إذا استيقظ أن يتعوذ بالله من الشيطان، ويتفل عن يساره، ويتعوذ بالله منشر ما رأى ثلاثًا ثلاثًا ثلاثًا، وأن يغير جنبه الذي كان نائمًا عليه، وليس بشرط إذا كان على الجنب الأيمن أن ينقلب على الأيسر، وإنما ينقلب على ظهره مثلاً، وإذا كان على الأيسر بطبيعة الحال يغير إلى الجنب الأيمن.
وقد ورد في سنن الترمذي أيضاً: صلاة ركعتين إذا رأى ما يزعجه.
ولا يخبر بها أحدًا من الناس.
وكثيرًا ما يتلاعب الشيطان بالشخص في المنام؛ كما جاء في صحيح مسلم عن رجل رأى أنه قد قطع رأسه وذبح، وأنه يتدحرج، فلامه النبي ﷺ على الإخبار بها، وقال: علام يخبر أحدكم بتلاعب الشيطان به في المنام؟ أو كما قال ﷺ.
وإذا كانت الرؤيا حسنة، فإن الإنسان يخبر بها من يحب، ولا يقصها على عدو ولا على حاسد، وإنما يخبر بها العالم والناصح.
وكثير من الأحيان يكون ما يراه الإنسان على نفسه مثل الجبل في الثقل، ولكن إذا استعاذ بالله من الشيطان ومن شر ما رأى، فإنه لا يهمه ذلك إن شاء الله.
قال: "فيقص ما شاء الله فيقص عليه من شاء الله ما شاء الله" "من" تعود على الرائي الذي رأى الرؤيا، و"ما" تعود على الرؤيا نفسها.
"فيقص عليه من شاء الله ما شاء الله".
روايات أخرى لحديث "سمرة بن جندب"
في بعض روايات هذا الحديث: فسأل يومًا: هل رأى أحد رؤيا؟قلنا: لا، قال: لكني رأيت الليلةوذكره[رواه البخاري: 1386]فكأنه قال لهم لما قالوا له: ما رأينا شيئًا، كأنه قال: أنتم ما رأيتم شيئًا لكني رأيت.
وفي رواية عن سمرة: أن النبي ﷺ دخل المسجد يومًا فقال: هل رأى أحد منكم رؤيا فليحدث بها؟ فلم يحدث أحد بشيء، فقال: إني رأيت رؤيا فاسمعوا مني[أخرجه أبو عوانة: ].
في حديث البخاري هذا قال: "وإنه قال لنا ذات غداة"[البخاري: 7047].
وفي رواية: "كان إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه"[البخاري: 1386].
وفي رواية: "إذا صلى صلاة الغداة"[أحمد: 20177، وقال محققو المسند: "تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين"]أي صلاة الصبح كما جاء في رواية أخرى، بعد صلاة الصبح يلتفت إليهم؛ لأن الصبح بعد النوم، فيقول: هل رأى أحد منكم رؤيا؟ فإذا كان الشخص يريد تفسير المنام لا بأس أن يقول: هل رأى أحد رؤيا سأعبرها له مثلاً.
وأخرج الطبراني بسند جيد عن أبي أمامة قال: خرج علينا رسول الله ﷺ بعد صلاة الصبح، فقال: إني رأيت الليلة رؤيا هي حق فاعقلوها فذكر حديثًا يشبه حديث سمرة، لكن يظهر من سياق الحديث أنه حديث آخر، فإن في أوله: أتاني رجل فأخذ بيدي فاستتبعني حتى أتى بي جبلاً طويلاً وعرًا، فقال لي: ارقه، فقلت: لا أستطيع، فقال: إني سأسهله لك[رواه الطبراني في الكبير: 7564، ]فهذا الحديث أن الآتي واحد، وحديث سمرة في البخاري: أنهما اثنان، وحديث سمرة فيه: ابتعثاني، وإنهما قالا لي: انطلق[البخاري: 7047] وهذا الحديث قال: إنه أتى بي جبلا وعرًا، قال: فجعلت كلما وضعت قدمي وضعتها على درجة حتى استويت على سواء الجبل يعني وسط الجبل فجعلت كلما رقيت قدمي وضعتها على درجة، حتى استوينا على سواء الجبل فانطلقنا، فإذا نحن برجال ونساء مشققة أشداقهم، فقلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يقولون ما لا يعلمون[رواه الطبراني في الكبير: 7564].
وفي بعض الطرق: أنه رأى ناسًا تسيل أشداقهم دمًا، معلقون من عراقيبهم -العرقوب في القدم- تسيل أشداقهم دمًا، بالعكس مثل حال التعذيب، معلقون من العراقيب تسيل أشداقهم دمًا، فسأل عنهم، فقيل: هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم[رواه ابن خزيمة في صحيحه: 1986، والحاكم في المستدرك:1568، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب:2393] ولذلك ينبغي الانتباه من الصائم لعدم الإفطار قبل الوقت الشرعي للإفطار.
قال: إنه أتاني الليلة آتيان هذان الآتيان هما ملكان، وهذان الملكان: جبريل وميكائيل، كما جاء تفسيره، وإنهما ابتعثانيأي أرسلاني.
ويحتمل: أنه رأى في المنام أنه كان نائمًا فأوقظ من قبل الملكين وابتعثاه من النوم، وأخذا به، فحدث ما حدث، فلما استيقظ الاستيقاظ الحقيقي، ليس الاستيقاظ الذي في المنام خبر بما سمع.
عقوبة النائمين عن الصلاة المكتوبة عمدا
قال: وإني انطلقت معهما[البخاري: 7047].
وفي رواية: إلى الأرض المقدسة[البخاري: 1386].
وفي رواية: إلى أرض مستوية[الطبراني في الكبير: 6845، والبيهقي في السنن الكبرى: 10250، والبغوي في شرح السنة: 2053].
قال: وإنا أتينا على رجل مضطجع وإذا آخر قائم عليه بصخرة[البخاري: 7047].
في رواية قال: فمررت على ملك وأمامه آدمي وبيد الملك صخرة يضرب به هامة الآدمي[فتح الباري: 12/441].
إذًا، من هو القائم الذي يعذب؟ من الذي يتولى التعذيب؟
ملك، يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ، أي يشدخ رأس هذا المضطجع بالصخرة.
فإذًا، الذي يتولى الشدخ ملك، الملك هذا يحمل صخرة ويضرب بها رأس المضطجع، فيشدخه، والحجر يتدهده ويذهب هاهنا وهاهنا، فالملك يتبع الحجر ويأخذ الحجر ويعود للرجل، فلا يعود إليه إلا وقد عاد الرجل كما كان، ويصح رأسه، فيضربه مرة أخرى.
إذًا، العذاب هذا متكرر ومتوالي، هذا الرأس يعود كما كان ليعذب مرة أخرى.
وفي رواية: عاد رأسه كما كان[أحمد: 20177، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح على شرط الشيخين"].
وفي رواية: فيقع دماغه جانبًا وتقع الصخرة جانبًا[فتح الباري: 12/441].
يشدخ الرأس يقع الدماغ على طرف، والصخرة تدحرج إلى الطرف الآخر.
هذا الرجل من هو؟
الذي يرفض القرآن، أوتي القرآن فرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة، قال ابن العربي-رحمه الله-: العقوبة في رأس هذا الشخص؛ لأن النوم موضعه في الرأس [ينظر: فتح الباري: 12/441] فجعل العقوبة في محل الإثم.
هذا الرجل بالتأكيد أنه لا ينام لغلبة النوم، وأنه معذور، وإنما ينام يتعمد النوم عن الصلاة المكتوبة.
وهنا ننبه الإخوان بالذات الذين عندهم نوبات، أصحاب النوبات في الأعمال، بعضهم يتعمد أن يقول لزوجته: لا توقظيني! أنا استيقظ إذا استيقظت؛ لأنه لا يريد أن يتقطع نومه.
ويتعمد بعضهم ألا يضع ساعة.
بدلاً من أن يوصي زوجته بإيقاظه يوصيها بعدم إيقاظه، فيقول: لا توقظيني! ولا أحد يوقظني! ونحو ذلك.
إذًا، هذا تعمد النوم عن الصلاة المكتوبة.
وفي رمضان يتعمد بعض الناس السهر حتى ينامون عن الصلاة المكتوبة، سألت مرة عن شخص قلت لأحد ممن يعرفه: هذا متى يكون في بيته؟
قال: هو يرجع من العمل الساعة الثالثة.
-طيب- قال: لكنك لا تجده؛ لأنه ينام.
كيف ينام؟
قال: هذا ينام من الساعة ثلاثة العصر إلى الساعة عشرة في الليل، ويسهر من عشرة في الليل إلى ستة ونصف في الصباح، ويذهب إلى العمل ويرجع الساعة ثلاثة، وينام من ثلاثة إلى عشرة في الليل، هذا نومه، من قبل العصر إلى بعد العشاء، فيفوت العصر والمغرب قطعًا.
لكن الآن الجريمة العظيمة إيش هذا النظام في النوم؟
هذا متعمد أن ينام عن الصلاة المكتوبة، واضح من طريقة نومه التعمد أن ينام عن الصلاة المكتوبة.
فإذًا، عقوبة هذا الرجل.
-طبعًا- هذا العذاب أين موضعه؟
في البرزخ، هذا عذاب برزخي في القبر، عذا القبر لهؤلاء الأشخاص.
فالذي يتعمد النوم عن الصلاة المكتوبة يعاقب بأن يشدخ رأسه في القبر ويعود رأسه ويشدخ، ويعود رأسه ويشدخ، إلى قيام الساعة، إلى أن يقوم الناس من قبورهم، هذا عذاب البرزخ.
بالنسبة لهذا الرجل الذي يتعمد النوم عن الصلاة المكتوبة.
ولذلك يجب على الإنسان أن يستعد للعدة اللازمة للاستيقاظ، من المنبه، والساعات، وأن يوصي شخصًا، وبالهاتف، وغير ذلك، وطارق يطرق، وينام مبكرًا، وبالماء؛ لأن النبي ﷺ قال: رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح فى وجهها الماء...[رواه أبوداود: 1310، والنسائي: 1610، وأحمد: 7404، وقال الألباني: "إسناده حسن صحيح، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والذهبي والحافظ العرافي والنووي"؛ كما في صحيح أبي داود: 1181].
إذًا، النبي -عليه الصلاة والسلام- يرشد إلى الإيقاظ بأي شيء؟
بنضح الماء؛ لأن الماء منشط، وطارد للنوم، وموقظ، وجرب تجد النتيجة، الماء منشط، وطارد للنوم، والإيقاظ بالماء من أحسن وسائل الإيقاظ للنائم.
وإن كان بعضهم لا يعجبه هذا أبداً، فنقول: لا بأس الأسهل فالأسهل، لكن إذا لم يوجد طريقة لقيامك من نومك إلا بهذا فليكن؛ لأن قيام إلى الصلاة أهم من كل شيء.
عقوبة الكذابين الذين تبلغ كذبتهم الآفاق
بالنسبة للرجل الثاني: فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد[البخاري: 7047].
وقع في رواية: فإذا أنا بملك وأمامه آدمي، وبيد الملك كلوب من حديد، فيضعه في شدقه الأيمن فيشقه[فتح الباري: 12/442]من اليمين إلى القفا، والمنخر من اليمين إلى القفا، والعين من اليمين إلى القفا، بالكلوب.
إذًا، من الذي يتولى التعذيب؟
ملك.
والمنخر، وكذلك العين.
ثم يتحول إلى الجانب الآخر، فيفعله مثل ذلك، ويلتئم الشق الأول، ويعود ليشقه ويشرشره مرة أخرى. -طيب-هذا من هو؟
الكذاب الذي يكذب الكذبة فتبلغ الآفاق.
والآن مع وجود البث الفضائي صارت انتشار الكذبة في الآفاق من أسهل ما يكون، فخذ العبرة، ولذلك قال ابن العربي-رحمه الله-: "شرشرة شدق الكاذب إنزال العقوبة بمحل المعصية"أين محل المعصية؟ بدأ به "وعلى هذا تجري العقوبة في الآخرة بخلاف الدنيا"[فتح الباري: 12/442].
والاختلاف في حال هذا الرجل بحسب اختلاف حاله، فقد جاء في رواية: أنه مضطجع[البخاري: 1386].
وفي رواية: أنه جالس[البخاري: 1386].
وفي رواية: أنه قائم[البخاري: 7047].
إذًا، الكذابون الذين يكذبون الكذبات التي تبلغ الآفاق، وتنتشر في العالم، والأفق معروف الناحية في السماء، والآفاق يعني النواحي.
ولذلك فإن على الإنسان أن ينتبه من قضية الكذب، ثم نشر الكذب، وأن يقوله في وسيلة ينتشر بها الكذب، وكلما كانت الوسيلة أشد انتشارًا كان العذاب أشد عليه.
وكذلك فإن من أعظم الكذب: الكذب في المنام أن يري الرجل عينيه ما لم تريا، فهذا يكلف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل [ينظر: البخاري: 7042]؛ لأن العقد بين الشعيرتين لا يمكن، أمر محال،فيكلف بمحال، فيكون عليه عذاب نفسي وعذاب جسدي.
لماذا ادعى أنه رأى الرؤيا الفلانية وهو لم يراها؟
وبعض الناس ربما يفعله من باب الدعوة بزعمه يقول: هذا لا يفيده إلا أن أخترع له رؤيا أقول: رأيتك في القبر وكذا وكذا، وهذا حرام ولا يجوز، والغاية لا تبرر الوسيلة، يجب أن تكون الوسيلة شرعية كما أن الغاية شرعية، أما أن نسلك وسيلة غير شرعية لتحقيق غاية شرعية، فليس هذا من هدي الإسلام.
ومن الأبواب العظيمة التي فتحت في هذا الزمان، باب أتى به هذا الحاسوب في العالم، وهو شبكة الإنترنت، فأحد الناس قذف شخصًا على الشبكة، يعني أرسل باتهامه وقذفه ربما إلى آلاف الأشخاص، الآن هذا الرجل كيف تكون عقوبته؟ يعني لنا أن نتصور الكذبة التي تبلغ الآفاق بالوسائل العصرية من عدة جهات، وبعدة صور وأشكال؟
فبعضهم ربما يستخدم التقنية هذه الحديثة في نشر الشر، وفي عمل الشر، ونشر الكذب، وظلم الأبرياء، وقذف المسلمين والمسلمات، ونحو ذلك، ثم بعد ذلك إذا تاب يقول: ماذا أفعل؟
عقوبة الزناة والزواني
قال في هذا الشخص الثالث: فأتينا على مثل التنور.
وفي رواية: أعلاه ضيق، وأسفله واسع، يوقد تحته نار[البخاري: 1386، وأحمد: 20177].
إذًا، هذا فرن، أعلاه ضيق، وأسفله واسع، قال: فإذا فيه لغط وأصوات، وفيه رجال ونساء، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا[البخاري: 7047]أي صرخوا.
وفي رواية: فإذا اقترب ألسنة اللهب ارتفعوا حتى كادوا أن يخرجوا، فإذا خمدتأي ألسنة اللهب رجعوا[البخاري:1386].
هذا عقوبة للزناة والزواني، يجمعهم الله في تنور، فرن من نار، عذاب البرزخ للزناة والزواني.
لو قال واحد: ما عقوبة الزناة والزواني؟ ما وجدنا أشياء يعني في القرآن تخبر عن عقوبة الزناة والزواني؟ كيف يكون عقوبة هذا الزنى الذي انتشر الآن؟ هذه المواعدات بين الفتيان والفتيات التي تنتهي بالفاحشة في كثير من الأحيان؟ هذه بيوت الدعارة هذه الأفلام التي تدعو إلى الفاحشة ويقع الناس في الفاحشة؟ هؤلاء الذين يسافرون إلى البلدان ويسافرون إلى أماكن الخنا والفجور ليقعوا في الفواحش؟ هؤلاء المومسات؟ ثم يذهبون إلى الفنادق وفي الحفلات ليقعوا في الفواحش؟ ويركبون في سفن كالفنادق ويقعون في الفواحش؟ والذين يذهبون شرقًا وغربًا؟ هؤلاء الزناة والزواني ما عقوبتهم؟
الآن إذا كان هذه العقوبة في البرزخ، تنور أعلاه ضيق، وأسفله واسع، ويأتي اللهب من الأسفل، ويرتفع، هؤلاء الزناة والزواني صائحين، في صياح من الألم، ثم ينزل اللهب فينهاروا معه، ثم تصعد الألسنة فيصعدون، كلما أوشكوا على الاقتراب من فوهته رجعوا مرة أخرى، وهكذا إلى قيام الساعة.
وقد ورد: أن رائحتهم موخمة منتنة.
وقد ورد: أن من شراب أهل النار ما يخرج من القيح والصديد من فروج الزناة والزواني.
فإذًا، هذه الكبيرة العظيمة لما حرمها الله قال: إنها كانت فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً[النساء: 22]معناه: أن العقوبة عليها شديدة.
وإذا كان هذا في البرزخ المؤقت الذي ينتهي فكيف يكون في النار في نار جهنم؟
لا شك أنه سيكون أشد؛ لأن عذاب البرزخ أهون من عذاب النار، البرزخ يعرضون على النار عرضًا، لكن بعد القيامة يدخلونها دخولا، فلما قال الله -تعالى- عن قوم فرعون: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا هذا عرض، تفتح له بابإلى النار، ويأتيها من سمومها ويحمومها وحميمها، هذا فقط في البرزخ، والدخان، ثم بعد ذلك يوم القيامة: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ[غافر: 46].
عقوبة المرابين
وبعد ذلك قال: فأتينا على نهر أحمر مثل الدم[البخاري: 7047].
وفي رواية: على نهر من دم [البخاري: 1386، 2085] وإذا فيه سابح يسبح، ثم يأتي ذلك السابح إلى الشاطئ يسبح في الدم، ويأتي إلى الشاطئ، فيفغر ويفتح فاه، وعلى الشاطئ يوجد رجل معه صخور، يفتح هذا فوهته، يرمي الواقف على الشاطئ بالصخرة في فوهته، ولا بدّ يفتح، هو لا يفتح باختياره، لا بد مرغمًا أن يفتح، فيجعل الصخرة فيلقمه إياها، هذا المنظر الكريه والمؤلم، يسبح في الصخور في نهر الدم، سباحة بصخور في نهر الدم، وتزاداد الصخور، وتزاد الصخور، لاحظ كلما ازداد الربا، الربا الفوائد المركبة تزداد بنسبة ونسب مركبة، وهذه الصخور تزداد في بطن هذا السابح في نهر الدم، وهكذا لا زال يثقل، ولا زال يسبح في الدم متألمًا بهذه الصخور العظيمة المتراكمة واحد وراء الآخر، يزداد عليه، كما أنه كان في الدنيا يأكل الربا، والربا يتضاعف أضاعفًا مضاعفة، وهو لا يزال يأكله، فهكذا يكون عذابه، وبحسب الربا الذي أكل بحسب العذاب يكون عليه، مثلاً بمثل سواء بسواء: وَلَايَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا[الكهف: 49].
ذكر الرجل الكريه المنظر
ثم ذكر الرجل كريه المرآة -كريه المنظر- كأكره ما أنت راء رجلا مرآة، وعنده نار يحشها[البخاري:7047].
وأخبر أنه مالك خازن النار، هذا الملك يعذب أهل النار بمنظره.
فإذًا، الملائكة الغلاظ الشداد الذين هم أعوان مالك خازن النار، عذاب أهل النار يكون بمنظرهم أيضاً؛ لأن المنظر المفزع لوحده عذاب، المنظر المفزع مرعب، والرعب عذاب، ولذلك يكون عذاب أهل النار غير الحرق بالنار، يكون أيضاً المنظر المفجع والمفزع لملائكة العذاب الذين في النار، وعلى رأسهم مالك خازنها.
ذكر الروضة والرجل الذي فيها
ثم ذكر الروضة المعتمة: فأتينا على روضة معتمة وهي الجنة البستان العظيم الشديد الخضرة، حتى إنه كان يسود من شدة الخضرة؛ كما قال الله -تعالى- في وصف الجنتين: مُدْهَامَّتَانِ[الرحمن: 64]شديدتا الخضرة، حتى ربما كانتا في اللون كالسوداوين من شدة الخضرة؛ لأن الخضرة إذا ازدادت يصبح اللون غامقًا فيها من كل نور الربيع من كل زهر الربيع، ونبت الربيع، يعني من أجمل ما يكون.
وبين ظهري الروضة رجل طويل، لا أكاد أرى رأسه طولا في السماء، وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قطبين أن هذا إبراهيم الخليل كان جميلاً، رآه جميلاً، طويلاً، وحوله هؤلاء الولدان.
أما أولاد المسلمين فإن البشارة بموتهم لآبائهم: أنهم في كفالة إبراهيم وسارة، يكفلانهم لآبائهم وأمهاتهم إلى أن تقوم الساعة.
فلو أردت أن تعزي شخصًا في وفاة ولده، فقل له: أيهما أحب إليك أن يكون ولدك عندك أنت تكفله أو يكون عند إبراهيم وسارة؟ لأنه قد ثبت في الصحيح: أن إبراهيم وسارة يكفلان أولاد المسلمين الصغار لآبائهم حتى يعودوا إليهم يوم القيامة.
فلا شك أن بقاء الولد في كفالة إبراهيم النبي وفي كفالة زوجة سارة، أفضل وأحسن وأعلى بكثير، بما لا يقارن من بقائه في كفالة أبويه في الدنيا، وربما أجرم أبواه في حقه.
أما إذا صار في كفالة الخليل وزوجته، فإنه يكون في أحسن ما يكون، ولذلك من البشرى لمن مات له ولد صغير هذا.
وأما بالنسبة لأولاد المشركين فقد تفاوت أقوال أهل العلم فيهم، وقد قال النبي ﷺ في هذا الحديث: وأولاد المشركين[البخاري: 7047].
وقال في حديث آخر: الله أعلم بما كانوا عاملين[البخاري: 6597، ومسلم: 6933].
فيحتمل أنه كان لم يوحى إليه شيء بشأنهم فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين ثم أوحي إليه بشأنهم.
وفي رواية حسنها بعض أهل العلم: أن أطفال المشركين خدم أهل الجنة [مسند البزار: 4516، ومعجم الطبراني : 6848، وصححه الألباني في صحيح الجامع: : 2586].
وقال بعض أهل العلم: أنهم يمتحنون.
وقد ذكر هذه المسألة الكبيرة الإمام ابن القيم -رحمه الله- في ["طريق الهجرتين" [ص: 571، وما بعدها]وتوسع فيها، ونحن لا يضرنا يعني ماذا يكون مصيرهم لو ما عرفناه، لا يضرنا ذلك؛ لأن الله عادل لا يظلم أحدًا، الله من صفاته العدل: وَلَايَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا[الكهف: 49]فهو متصف بالعدل .
عقوبة الذين خلطوا الأعمال الصالحة بالسيئة
قال: فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة[البخاري: 4674، 7047]ولا شك أن هذه صفة الجنة، وأنهما أدخلا النبي ﷺ دارًا فيها رجال شيوخ وشباب ونساء وفتيان، وأنه تلقي عليه الصلاة والسلام برجال شطر من خلقهم حسن، وشطر قبيح.
الآن هل نصف هؤلاء الناس حسن ونصفهم شكلهم قبيح؟ أو أن كل واحد من هذه المجموعة نصفه حسن، ونصفه قبيح؟
اللفظ يحتمل كلا الأمرين، لكن أحدهما يرجحه باقي النص، فما هو الراجح؟
نصف الشخص، يعني كل شخص نصفه قبيح، ونصفه حسن.
ما الذي يدل على هذا التأويل؟
خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيئًا فكان الجزاء من جنس العمل، لما كان خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيئًا صار نصفهم قبيحا ونصفهم حسنا.
فقيل لهم: قعوا في النهر المعترض، الذي يجري بالعرض كأن ماؤه المحض، مثل اللبن الخالص في البياض.وقيل: هو يحتمل أن يراد به الماء؛ كما قال النبي ﷺ: اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد[البخاري: 744، ومسلم: 2276] فهذا منق ومطهر ومنظف، فيذهب السوء عنهم، ويصير القبيح كالشطر الحسن، وهذا يدل على عظم رحمة الله، وأن رحمته سبقت غضبه.
فأهل الأعراف -إذا قلنا- الناس الذين تتساوى حسناتهم وسيئاتهم ما هو في النهاية مصيرهم؟
إلى الجنة؛ لأن رحمة الله تسبق غضبه.
لكن هذا الوقوف بين الجنة والنار مفزع بحد ذاته، منظر مرعب، لا يدري الإنسان إلى أين يتجه به، لذلك قال الله : فَمَن زُحْزِحَ عَنِا لنَّارِوَأُدْخِلَالْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آلعمران: 185].
منزلة النبي ﷺ وقصره في الجنة
رأى النبي ﷺ في المنام جنة عدن، وسما بصره صعدًا وارتفع، ثم رفع هو إلى قصر مثل الربابة، وهي السحابة البيضاء المنفردة دون السحاب التي ركب بعضها على بعض.
شبه القصر بهذا المنظر الجميل جداً، سحابة بيضاء متراكم بعضها على بعض، هذا قصره ﷺ، قال: ذراني فأدخله، قالا: أما الآن فلا، وأنت داخله[البخاري: 7047]بالتأكيد ستدخله.
وفي رواية: فقلت: دعاني أدخل منزلي، قالا: إنه بقي لك عمر لم تستكمله، فلو استكملت أتيت منزلك[البخاري: 1386].
ثم أخبر الملكان رسول الله ﷺ وهما: جبريل وميكائيل عما رآه.
فوائد مستفادة من حديث "سمرة بن جندب" في عذاب أهل الكبائر في البرزخ
في هذا الحديث: خطورة رفض القرآن بعد حفظه، رجل أوتي القرآن حفظه ثم رفضه، وهذا صورة للمرتد، وصورة للمنتكس، وصورة للمنقلب على عقبيه، والمتولي عن الحق الذي رزقه الله نعمة عظيمة وهي حفظ كتاب الله ، ثم هو بعد ذلك أعرض عنها وتركها، وينام عن الصلاة المكتوبة -وقد تقدم الكلام في هذا- فالعقوبة على مجموع الأمرين: ترك القراءة، وترك العمل، وعلى ترك الصلاة المكتوبة.
وهذا الرجل الذي يكذب الكذبة تبلغ الآفاق ليس رجلاً متأولاً، ولا رجلاً مكرهًا، ولا مُلْجَأ ؛ لأن الإنسان ربما يجوز له الكذب إذا أكره، فهذا الكاذب غَيْر مُكْرَه وَلَا مُلْجَأ، ولما كان الكاذب يساعد أنفه وعينه لسانه على الكذب لترويج الباطل، وقعت المشاركة بين هذه الأعضاء في العقوبة.
-طيب-فإن قيل: الزناة والزواني ما هي المناسبة في العذاب لجريمتهم؟في شيء في العذاب يناسب جريمتهم؟
النار تأتي من تحت، لكون جنايتهم من أعضائهم السفلى.
وآكل الربا الذي يسبح في نهر الدم قيل: إن الدم أحمر، وما هو أعظم نقد موجود؟
الذهب.
والذهب أحمر: أعطيت الكنزين: الأحمر والأبيض[مسلم: 7440].
فقيل: وجه المشابهة، أو هو هذا: أن الربا -طبعًا- في النقد، يقع في النقد، وأعظم النقد الذهب -طبعًا- وما يقوم مقامه من العملات الورقية.
ويزاد له العذاب، إشارة إلى أنه يتخيل أن ماله يزداد، لكن في الحقيقة هو يزداد عذابًا، عوقب آكل الربا بسباحته في النهر الأحمر، وإلقامه الحجارة؛ لأن أصل الربا يجري في الذهب، وكذلك الملك يلقمه الحجر وراء الحجر، إشارة إلى أنه لا يغني عنه شيئًا، وكذلك الربا ممحوق، ثم العذاب فيه متوال.
ما هي المناسبة في وجود أطفال المسلمين عند إبراهيم ؟ لماذا عند إبراهيم بالذات؟
لأن ما من مولود إلا ويولد على الفطرة، وهي التوحيد، وأشهر شيء في إبراهيم الخليل أنه كان حنيفًا، وأن الله -تعالى- ابتلاه بسنن الفطرة، فهو إبراهيم الخليل أبونا: مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ[الحـج: 78]. إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ[آلعمران: 68].
والولدان الذين حوله كل مولود ولد على الفطرة، فلذلك يكونون معه.
وأما بالنسبة لهؤلاء القوم الذين شطر منهم قبيح، وشطر منهم حسن، هذا فيه عبرة وعظة في ألا يخلط المسلم عمله الصالح بعمل سيئ؛ لأن فيه نوع من العقوبة تشويه منظره، فيه نوع من العقوبة، ربما يؤول بعد ذلك إلى عفو الله ، ولكن بعد أي شيء؟
وفي هذا الحديث كذلك: أن القصر الذي في الجنة لا يقيم فيه الإنسان إلا إذا مات، حتى النبي والشهيد، وأن هناك قصور للأنبياء والشهداء والأولياء: من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله بنى الله له مثله في الجنة[رواه البخاري: 450، ومسلم: 7662].
وفي هذا الحديث: الحث على طلب العلم، فإن النبي -عليه الصلاة والسلام- كل ما تعرض لموقف عجيب، سأل: ما هذا؟ سأل عنه، يسأل عنه، لمعرفة الحقيقة، وطلب الحقيقة، والتماسها.
وفي هذا الحديث: فضل الشهداء، وأن منازلهم في الجنة أرفع المنازل.
وكذلك في هذا الحديث: أن من استوت حسناته وسيئاته يتجاوز الله عنه.
ونسأل الله -تعالى- أن يتجاوز عنا برحمته، إنه هو أرحم الراحمين.
ثم في هذا الحديث: أن العقوبات تناسب الجرائم والجنايات، ولما كان الزنا يتم عادة بالخفية فضحهم الله في البرزخ، وصاروا عراة، والعاري مفضوح، والزاني من شأنه طلب الخلوة كما كان يزني في خلوة صار في تنور، وكما كان في خفاء فضح بالعري، ويأتيه النار من أسفل مناسبة لأداة الجرائم.
ذكر في هذا الحديث أنواعا من الجرائم، وهناك أنواع أخرى من الجرائم لم تذكر، فهذا يغني عما لم يذكر، هذه أمثلة، ثم كل الجرائم الأخرى لها عذاب، لكن لم نخبر عنه.
فإذًا، ينبغي أن يتعظ كل شخص بأن الجريمة التي يعملها لها عذاب وإن لم يخبر به.
والله -تعالى-أعلم.