الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
فقد سبق أن تكلمنا عن نوع من الانحرافات التي خالف أصحابها منهج السلف، ومن هؤلاء: الذين صادموا الوحي بعقولهم، أو صادموا الوحي بالرأي، وتحدثنا عن موضوع العقل، وحدود العقل، وأهمية العقل في الإسلام، وحدود العقل، وما هي الأشياء التي لا يصح للعقل أن يدخل فيها.
حدود العقل
فما هي الأشياء التي لا يصح للعقل أن يدخل فيها؟
الغيبيات، طبعاً يعني مثل كيفية صفات الله، مثلاً تصور نعيم الجنة هذا لا يمكن، لأنه لا يخطر على قلب بشر، طيب، وغيره أيضاً لا يصح أن يدخل العقل في ماذا؟ هاه؟ في إيش؟
غيب المستقبل، طيب غيره؟
الأحكام غير المنصوص على حكمتها أو تعليلها، فهناك بعض الأحكام كما قلنا، مثل: عدد ركعات الصلوات، لا يستطيع العقل أن يعرف لماذا كانت هذه الأعداد؟ طيب أيضاً.
لا يستطيع العقل أن يتوصل إلى تفاصيل الأحكام، كأنصبة المواريث مثلاً، الحدود: ثمانين جلدة في القذف، ومائة جلدة في الزاني غير المحصن، وهذا حد الخمر كذا.
تكلمنا عن بعض الذين يأخذون بآرائهم في العصر هذا في مخالفتهم للنص، يعني تكلمنا عن أشياء: ما هي حججهم في ذلك؟ وأن بعضهم يقول: إن البشرية نضجت ولم تعد تحتاج إلى وحي، ولم تعد تحتاج إلى السماء، وإنها تقرر بنفسها الأحكام، ونحو ذلك من الكفر الذي فيه العدوان على شرع الله ، بل إلغاء شرع الله ، لأن هذه الدعوة مؤداها إلغاء شرع الله .
بقيت بقية في موضوع العقل إن شاء الله سنتمها بمشيئة الله تعالى.
ونحن لما تكلمنا على موضوع المخالفين لمنهج السلف في العصر الحاضر، قلنا أن منهم الخوارج، وأنه يقابلهم المرجئة.
وتكلمنا على موضوع يعني أن الطوائف التي ضلت إنما ضلت بتقديم الرأي على الوحي، بتقديم الرأي على الوحي.
وتكلمنا على موضوع العقل هذا.
الإرجاء بدعة مقابلة لبدعة الخوارج
ونريد أن نتكلم في هذا الدرس عن الإرجاء كبدعة مقابلة لبدعة الخوارج، بدعة مقابلة لبدعة الخوارج. فالإرجاء في اللغة معناه التأخير والإمهال.
ومنه قول الله : وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللَّهِ [التوبة: 106] أي مؤخرون.
قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ [الشعراء: 36]، يعني أخره.
طيب: لماذا سمي المرجئة بهذا الاسم؟
لأنهم يؤخرون العمل عن مسمى الإيمان، ويقولون: الإيمان قول بلا عمل، أو هو المعرفة فقط، أو التصديق فقط، أو التصديق والقول.
فبعضهم الآن لما يأتي للإيمان، ويقول يدعو الناس إلى الإيمان يقول: أنت المهم أنك تصدق بوجود الله.
تصدق بوجود الله كثير من الكفار يصدقون بوجود الله، ولكن تصديقهم بوجود الله ما أخرجهم عن كونهم كفاراً ولا أدخلهم في الإسلام، فليس مجرد التصديق بوجود الله إسلاماً وإيماناً يقبله الله وينجي به من النار.
فإن التصديق بوجود الله موجود، مثلاً كفار قريش، ولماذا حاربهم النبي ﷺ وجاهدهم، ووصفهم الله بالشرك، وتوعدهم بالنار؟ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ[لقمان: 25].
فبعض الناس الآن يجعل ميدان المعركة الكاملة بيننا وبين أي واحد غير مسلم، على وجود الله، هذه مسألة يعني..
طبعاً لاشك أن جاحدها، يعني جاحدها أسوأ من الذي يقر بها، يعني الذي يجحد وجود الله "الملحد"، أسوأ من الذي يقر بوجود الله ويعبد معه غيره، أو يقر بوجود الله ويقول: نحن لسنا ملزمين باتباع وحيه، يعني هو موجود نعم، ولكن نحن لسنا ملزمين باتباع وحيه، أو أنه يعني استغنى، استغنى عن الوحي فهو لا يعمل به.
كمن يقول: الله موجود وله دين، لكن نحن لسنا يعني لا نحتاجه الآن في هذا الزمان، خلاص الأمم هذه اللي تقدمتنا سوت قوانين كافية، قوانين في الاجتماع والاقتصاد والسياسة والحياة، فما عادنا نحتاج، في قوانين مواريث، وفي قوانين يعني تنظم البيع والشراء، والنكاح والطلاق، وموجودة يعني، وفي محاكم في يعني محامون، خلاص احنا ما نحتاج إلى الشرع.
طبعاً هذا كافر المستغني عن شرع الله، الذي لا يرى أن شرع الله ملزم، هذا كافر وإن كان مصدق بوجود الله، ووحدانية الله، وأن لله كتباً، وله رسلاً، وأن له شرعاً أنزله، بس يقول: نحن غير ملزمين به الآن.
فقضية الإيمان قضية كبيرة، ما هي بس، بعضهم يختزلها في مسألة وجود الله ، أن الله موجود، خلاص إذا موجود، إذا تصدق بالله أنت مؤمن.
لا، النبي عليه الصلاة والسلام ما على هذا قاتلهم، ليس على قضية الإقرار بوجود الله، قاتلهم على مسألة الإقرار والالتزام والإذعان لشرع الله، أنه لابد أن تذعنوا لشرع الله، ولا إله إلا الله لها حقوق، ولها شروط، وأن من لم يوف بهذه الشروط فليس بمسلم.
عقيدة المرجئة
المرجئة طبعاً مصيبتهم أنهم يقولون: الإيمان المعرفة. بس أنك تعرفه، فيقولون: الإيمان هو التصديق، أنك تصدق بوجوده، تقر أنه هناك إله.
ومنهم من يقول أن يعني أسوأ من هذا يقول: الإيمان هو المعرفة فقط، أنك تعرف أن الله موجود، يعني حتى تصدق هذه ما ... تعرف فقط تعرف، مجرد المعرفة.
طبعاً وبعضهم يقول، بعضهم يقول: الإيمان هو باللسان. فقط أنك تنطق الشهادتين، ولو ما عملت ولا عمل، خلاص.
الآن كم من مشرك ينطق الشهادتين في العالم؟ الرافضة ينطقون الشهادتين، ينطقون الشهادتين، ولكنهم يعتقدون بوجود اثني عشر إماماً معصوماً، كلامهم تشريع، ويعلمون الغيب .. إلى آخره.. فهل هؤلاء مسلمون؟ فما هذا الجهاد الذي بيننا وبينهم إذن؟
المرجئة الذين أرجأوا العمل عن الإيمان، وأخروا العمل عن الإيمان، هؤلاء الذين يعتقدون أنه هو التصديق والإقرار فقط، أو هو تصديق القلب وعمل القلب وما يلزم عمل الجوارح، أو أن الإيمان قول بلا عمل، أو أن عمل الجوارح مكمل للإيمان، ما هو شرط للإيمان، مكمل للإيمان، وليس ركناً من أركانه، ولا شرطاً له، ولا لصحته.
ويعتقدون: أن الإيمان شيء واحد لا يتبعض، واحد يعني ما يزيد ولا ينقص، وإيمان أبي بكر كإيمان أبي جهل، كإيمان فرعون، كإيمان...
لأنه أليس فرعون يعني جحدوا واستيقتنتها أنفسهم؟ فهو فرعون بقلبه يعرف أن الله موجود.
فلذلك اضطر المرجئة إلى أن يقولوا: أيوه أبو جهل مؤمن، وفرعون مؤمن.. يعني بالنقاش لما تجي تنزله، تقول له طيب أنت إذن أنت تقول أن الإيمان هي المعرفة، الله أخبر أن فرعون يعرف أن الله موجود وإن جحد في الظاهر، بس هو في الداخل يعرف أن الله موجود.
إذن فرعون على كلامك يا أيها المرجئ مؤمن ولا لا؟ سيضطر أن يقول مؤمن، لأن عنده العمل ما هو مهم. إيش ذبح، سوى، فعل، كفر، دعا إلى عبادة نفسه.
وكذلك أبو جهل، أبو جهل إذا سألته: من خلق السموات والأرض؟ سيقول الله، لكنهم ما لهم دخل، يعني هو ما، ما عندهم علاقة في قضية أنه هو لمن يسجد، لمن ينذر، لمن يصرف أنواع العبادات، عندهم العمل ما له علاقة بالإيمان، خلاص الإيمان معرفة قلبية.
ولذلك عندهم أي واحد يعني يؤمن ويصدق بوجود الله في العالم، حتى لو لم، ما كان عنده أي عبادات، مؤمن يعتبرونه مؤمناً، ويقولون: ترك العمل الظاهر بالكلية ليس كفراً.
يعني لو واحد بس يقول الشهادتين، بس يقول الشهادتين، ولا يصلي، ولا يزكي، ولا يصوم، ولا يحج، ولا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر، ولا يتعلم العلم، ولا يعمله، ولا يدعو، ولا يعمل أعمال البر، ولا الخير، ولا بر الوالدين، ولا صلة الأرحام، ما عنده شيء أبداً غير الشهادتين، وبعد ذلك متولي معرض. المرجئة يقولون: هذا مؤمن.
مراتب المرجئة
لازم نعرف أن المرجئة مراتب، يعني في شيء اسمه غلاة المرجئة، اللي إذا ناقشته ممكن تصل معه إلى أن فرعون وأبو جهل مؤمنين، وفي مرجئة أخف، الذين يقولون: لا، لازم ينطق بالشهادتين، ويصدق ويؤمن ويسلم بوجود الله، وأنه ما يقول أنه أنا الله، ولا أنا إله مع الله، ولا.. مثلاً، لكن لما تجي على الأعمال: الصلاة الزكاة الصيام، يقول هذه ما هي شرط للإيمان.
ولذلك المرجئ هذا الذي هو أخف يعني، ممكن يخطئ أبي بكر في قتال مانعي الزكاة، لأنه عنده الزكاة ما هي شرط في الإيمان لماذا قاتلهم؟ المفروض كان خلاهم، وهم يقرون ينطقون الشهادتين، وهم مشكلتهم، طبعاً الفئة هذه من حرب المرتدين، الفئة ما هو فئة مسيلمة الفئة التي منعت الزكاة فقط، لماذا قاتلهم الصديق؟ ممكن يخطئوا الصديق على قتالهم، يقولون أنه ما كان في داعي للقتال، خلاص يقولون لا إله إلا الله وانتهينا، كونه ما يصلي ما يزكي هذا مؤمن.
فإذن المرجئة، درجة من المرجئة تارك جنس العمل ليس بكافر، العمل يعني هو لا يعمل بشيء من الدين البتة، ما عنده إلا ها الشهادتين ينطقهما بس.
وبعض طوائف المرجئة يقولون: الكفر لا يكون إلا بالتكذيب أو الاستحلال بس هذه طائفة.
شوف المرجئة البدعة، البدعة دائماً يا إخوان ما هي منضبطة مع أصحابها على طول الخط، ولذلك تجدها متشظية شظايا، وفي أنواع، ناس يقولون هذا، مع أنه كلهم في فلك المرجئة، فبدعة الإرجاء ما تنضبط، بمعنى أنه هي عبارة عن مبدأ ثابت عند جميع من يعتقده أو يتبعه، لا.
فهذا النوع من المرجئة مثلاً يقولون أنه ما في شيء من الأقوال أو الأعمال كفر بذاته، حتى لو قلت له سجد لصنم يقول ما أكفره، منع الزكاة ما أكفره، ما يصلي أبداً لا يركع لله ما أكفره، ما عندهم شيء من الأعمال أو الأقوال تركه كفر، ما عندهم.
ولكن بعضهم يقول: إن يعني هناك أقوال وأعمال جعلها الشرع علامة على الكفر أو علامة على الإيمان، ولكن ليست هي الإيمان، لاحظ ليست هي الإيمان.
نشأة بدعة المرجئة
أول بالنسبة لظهور المرجئة أول خلاف وقع في الأمة وافترقت الأمة لأجله في مسائل الدين هو حقيقة الإيمان والإسلام، وقلنا بأن الخوارج أول من ظهر، طبعاً وقضيتهم تتعلق بالإيمان يعني، بدعة الخوارج متعلقة بمسألة الإيمان، بدعة المرجئة تتعلق بمسألة الإيمان، لكن هؤلاء في طرف وهؤلاء في طرف، هؤلاء كفروا من لا يكفر، يعني كفروا المسلم المؤمن كفروه.
وطبعاً الآن يعني الخوارج المعاصرون الآن يكفرون باختلاف الرأي، يعني لو أنت خالفته في الرأي أنت كافر، حتى ما يلزم أن ترتكب كبيرة حتى يكفرك، يكفرك بمجرد الخلاف في الرأي.
اللي يقابلهم المرجئة، الذين لا يرون عملاً يكفر أصلاً، أول اختلاف وقع في الأمة وافترقت لأجله كما قلنا هي في مسائل تتعلق بالإيمان.
والمسألة التي تسمى بالفاسق الملّي، الفاسق الملّي هذه مسألة مفصلية في الموضوع بالنسبة لقضية المرجئة والخوارج والمعتزلة يعني في الجهتين.
من هو الفاسق الملي؟ ما الذي نفهم من موضوع الملي؟ اللي هو على الملة، على ملة الإسلام. وإيش نفهم من كلمة فاسق؟ يرتكب معاصي هذا الفاسق الملي.
فالخوارج ماذا يفعلون بالفاسق الملي؟ يكفرونه، المرجئة ماذا يقولون عن الفاسق الملّي؟ كامل الإيمان.
فالفاسق الملي الذي له طاعات ومعاصي، وحسنات وسيئات، ومعه إيمان لا يخلده في النار، ولكن له كبائر يستحق بها دخول النار.
كان الخوارج أول من أظهر النزاع في الفاسق الملي، وكفروا أهل القبلة بالذنوب، وقالوا: ما الناس إلا مؤمن وكافر بس، فاسق ما في فاسق ما في، يا مؤمن يا كافر، وبالتالي عندهم العاصي بما أنه ليس بمؤمن ماذا سيكون عند الخوارج؟ كافراً.
شوف أحياناً البدعة تجي بجحد قسم من الأقسام دل عليه الكتاب والسنة، اجحده تقع في المصيبة.
والمعتزلة جاءوا وقالوا: أهل الكبائر مخلدون في النار كما قال الخوارج، لكن لا نسميهم لا مؤمنين ولا كفار، بل هم فساق في المنزلة بين المنزلتين، لكنهم مخلدون في النار، ففي النتيجة يلتقون مع الخوارج في التخليد في النار، لكن في تسمية هؤلاء يعني هم يختلفون معهم.
وأمام هذا الغلو من الطرفين، يعني من الخوارج والمعتزلة جاء المرجئة، دائماً البدع يولد بعضها بعضاً، وإذا رأيت انحرافاً راح في الجهة هذه شرقاً، لازم تجد انحرافاً يقابله نشأ غرباً، هذه طبيعة البدع، يجي ناس يتطرفوا في اليمين، فلابد تطلع بقدر الله يعني بالسنن أنه يطلع ناس يذهبون يشطحون إلى الطرف الآخر.
فجاء بعض من يطلق عليهم مرجئة الفقهاء في أواخر المائة الأولى للهجرة، وحكموا على الفاسق الملي بالإيمان الكامل، فكان ظهور بدعة المرجئة في أواخر عصر الصحابة الكرام عنه بعد وفاة كبار الصحابة وذهاب جمهور التابعين، وتحديداً يعني ظهور خلينا نقول: ظهور هذه نجمة ناجمة من المرجئة في عهد عبد الله بن الزبير وعبد الملك بن مروان، وحصلت فتنة ابن الأشعث، وكان لهذا دخل في نشوء تيار الإرجاء.
مخالفة المرجئة لمنهج السلف
طيب، أين مخالفة المرجئة لمنهج السلف الصالح؟
المخالفة الأولى: إخراج العمل عن الإيمان
المخالفة أن منهج أهل السنة والجماعة في قضايا الإيمان والتوحيد، أن الإيمان قول وعمل واعتقاد، وهذا خلافاً للمرجئة، فالإيمان بإجماع أهل السنة والجماعة: تصديق بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالجوارح والأركان.
والإيمان قول وعمل القول باللسان، فإذن قول القلب وعمل القلب، وعمل اللسان وعمل الجوارح، الإيمان حقيقة مركبة من هذه الأشياء الأربعة، فما هو قول القلب؟ يا الله يا إخوان، قول القلب؟ تصديقه وإقراره ويقينه. ما هو قول اللسان؟ النطق بالشهادتين. ما هو عمل القلب؟ نيته وإخلاصه وإذعانه وتسليمه وحبه ورجاءه لله تعالى، والتوكل عليه، والصدق معه، والحياء منه، هذا عمل القلب، طيب، ما هو عمل الجوارح؟ العبادات، فعل المأمورات، ترك المنهيات.
فأهل السنة والجماعة إذن عندما يقولون: الإيمان قول وعمل ونية، قول وعمل ونية واتباع للسنة، قول باللسان، اعتقاد بالقلب، عمل بالجوارح، كله صحيح، فإن قالوا: قول وعمل، فيقصدون قول القلب وعمل القلب، ويقصدون قول اللسان وعمل الجوارح.
وعندما قال أهل السنة: الإيمان قول وعمل قصدوا الرد على المرجئة؛ لأن المرجئة هم الذين ابتدعوا قضية أن الإيمان ما له علاقة بالعمل، الإيمان يصح بدون عمل، ففي عبارات نشأت عند أهل السنة في العقيدة، مثلاً يمكن ما قالها الصحابة، لكن أهل السنة قالوها لاحقاً للرد على أهل البدعة الذين خرجوا، ولو ما خرجوا كان ما قالوها، فهذا..
يعني مثلاً: نؤمن بالقرآن المنزل من الله غير مخلوق.
في عبارة كذا مثلاً عن الرسول ﷺ والصحابة أن القرآن غير مخلوق؟ غير مخلوق هذه متى نشأت؟ ليش؟ ليش خرجت يعني؟ لأنه طلع المعتزلة الذين قالوا: إن القرآن مخلوق، فأهل السنة ردوا عليهم بأن القرآن منزل غير مخلوق، وصارت العبارة هذه في عقائد أهل السنة.
هي لو ابتداءً ما طلع معتزلة كان ما طلعت، كان استمرينا القرآن منزل من ربك بالحق، وأنزله نزله، وخلصنا.
لكن ما طلعت هذه إلا نتيجة للرد على أهل البدع، وقل مثل ذلك في القدر، مثلاً في أمور تتعلق بالقدر، في أمور تتعلق .. الآن الإيمان قول وعمل، الإيمان في الكتاب والسنة يعني واضح، خلاص يعني إذا قال مؤمن إيمان يعني مفروغ منها، أنها تعني القول والعمل، حتى لو ما قيل قول وعمل، لكن متى نشأ التفصيل؟ لما خرج أهل البدع.
فإيمان القلب شرط لصحة الإيمان، ولا يصح الإيمان بدونه: أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ [المجادلة: 22]، وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات: 7].
وجمع الله تعالى بين الإيمان والعمل في آيات كثيرة، مثلاً قول الله : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً [الكهف: 107]، إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر: 3].
الإمام الآجري رحمه الله ممن ألف في العقيدة يقول: "اعلموا أنكم إن تدبرتم القرآن كما أمركم الله علمتم أن الله -تعالى- أوجب على المؤمنين بعد إيمانهم به وبرسوله العمل، وانه تعالى لم يثن على المؤمنين بأنه قد رضي عنهم، وأنهم قد رضوا عنه، وأثابهم على ذلك الدخول إلى الجنة والنجاة من النار إلا بالإيمان والعمل الصالح، وقرن مع الإيمان العمل الصالح، لم يدخلهم الجنة بالإيمان وحده، حتى ضم إليه العمل الصالح الذي قد وفقهم إليه، فصار الإيمان لا يتم لأحد حتى يكون مصدقاً بقلبه، ناطقاً بلسانه، عاملاً بجوارحه. ولا يخفى على من تدبر القرآن وتصفحه، لا يخفى على من تدبر القرآن وتصفحه وجده كما ذكرت.
يقول الآجري رحمه الله: واعملوا رحمنا الله وإياكم أني قد تصفحت القرآن فوجدت فيه ما ذكرت في ستة وخمسين موضعاً من كتاب الله ، أن الله تبارك وتعالى لم يدخل المؤمنين الجنة بالإيمان وحده، بل أدخلهم الجنة برحمته إياهم، وبما وفقهم إليه من الإيمان والعمل الصالح، وهذا رد –يقول الآجري- على من قال الإيمان المعرفة، ورد على من قال المعرفة والقول -لأنه غلاة المرجئة قالوا: المعرفة فقط، بعض المرجئة زادوا قالوا: المعرفة والقول، وكلها الآيات ترد عليهم- وهذا رد على من قال: الإيمان المعرفة، ورد على من قال: المعرفة والقول وإن لم يعمل، نعوذ بالله من قائل هذا".[ كتاب الشريعة للآجري: 1/117].
الله سمى الصلاة إيماناً، أين في كتابه؟
في قضية تحويل القبلة، والناس اللي ماتوا قبل التحويل، وتساءل الصحابة إيش مصيرهم، ما صلوا إلا إلى بيت المقدس، إيش مصيرهم؟
قال الله تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة: 143]، والمقصود بحسب أسباب النزول صلاتكم التي صليتموها إلى القبلة الأولى قبل أمركم بالتحول.
وقال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا [فصلت: 30].
وعن سفيان بن عبد الله الثقفي، قال: قلت يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك. قال: قل آمنت بالله، ثم استقم[رواه مسلم: 38].
فجمع له بين القول باللسان مع اعتقاد القلب والعمل الذي هو الاستقامة على أمر الله، فالاعتقاد لا ينفك عن القول والعمل، ولا يستقيم الإيمان إلا بالقول، ولا يستقيم الإيمان والقول إلا بالعمل، ولا يستقيم الإيمان والقول والعمل إلا بنية موافقة للسنة، هذا كما قال الأوزاعي رحمه الله. [الإبانة الكبرى لابن بطة: 1098].
نقل الإجماع على أن الإيمان قول وعمل
وعلى هذا المعتقد إجماع الصحابة، والتابعين، والفقهاء، والمحدثين من السلف ومن أهل السنة.
قال الإمام الشافعي رحمه الله: "وكان الإجماع من الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم، ومن أدركناهم يقولون: الإيمان قول وعمل ونية، لا يجزئ واحد من الثلاث عن الآخر". هذا في كتاب الإيمان لابن تيمية نقله عن الشافعي". [الإيمان لابن تيمية: 1/264].
قال الإمام ابن عبد البر المالكي رحمه الله: "أجمع أهل الفقه والحديث على أن الإيمان قول وعمل ونية، ولا عمل إلا بنية، –يقول ابن عبد البر-: والإيمان يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، والطاعات كلها عندهم إيمان". [التمهيد لابن عبد البر: 9 /238].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وكان سلفنا، وكان من مضى من سلفنا يقول: لا يفرقون بين الإيمان والعمل، العمل من الإيمان، والإيمان من العمل، وإنما الإيمان اسم يجمع، كما يجمع هذه الأديان اسمها ويصدقه العمل، فمن آمن بلسانه، وعرف بقلبه، وصدق بعمله، فتلك العروة الوثقى التي لا انفصام لها، ومن قال بلسانه ولم يعرف بقلبه، ولم يصدق بعمله" -ماذا يكون؟ هاه، لا. نبغا الكلمة الدقيقة المصطلح الشرعي، نبغا الكلمة الدقيقة المصطلح الشرعي. منافق منافق- "فمن قال بلسانه ولم يعرف قلبه ولم يصدق بعمله -إيش يكون؟ منافق- "كان في الآخرة من الخاسرين" [الإيمان الكبير لابن تيمية: 1/213].
فإذن العمل مصدق للقول، طبعاً من المراجع في هذا الكتاب الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
وأقوال أئمة السنة في هذا المعتقد أكثر من أن تحصى، فلو أخذنا بعضها:
قال الإمام يحيى بن سعيد القطان رحمه الله: "كل من أدركت من الأئمة كانوا يقولون: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص". [سير أعلام النبلاء: 9/179].
قال البخاري رحمه الله: "كتبت عن ألف نفر من العلماء وزيادة، ولم أكتب عمن قال: الإيمان قول". [سير أعلام النبلاء: 12/395].
وقال البخاري رحمه الله أيضاً: "ولقيت أكثر من ألف رجل من أهل العلم، أهل الحجاز، ومكة، والمدينة، والكوفة، والبصرة، وواسط، وبغداد، والشام، ومصر، -هو رحل البخاري رحمه الله رحل وسمى بعضهم، يقول: فما رأيت واحداً منهم يختلف في هذه الأشياء أن الدين قول وعمل". [سير أعلام النبلاء: 12/408].
وذلك لقول الله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة: 5] ".
وقال أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان: "أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازاً، وعراقاً، وشاماً، ويمناً، فكان من مذهبهم: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص". [شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للآلكائي: 175].
الإمام البربهاري رحمه الله يقول: "الإيمان قول وعمل، وعمل وقول، ونية وإصابة، يزيد وينقص، يزيد ما شاء الله، وينقص حتى لا يبقى منه شيء". [شرح السنة للبربهاري: 1/27، رقم: 21].
الآجري رحمه الله يقول: "اعلموا -رحمنا الله وإياكم- أن الذي عليه علماء المسلمين: أن الإيمان واجب على جميع الخلق، وهو تصديق القلب، وإقرار اللسان، وعمل الجوارح، ثم اعلموا أنه لا تجزئ المعرفة بالقلب والتصديق، إلا أن يكون معه الإيمان باللسان نطقاً".
يعني لو واحد قال لك: يا أخي أنا مصدق بوجود الله، وأنا مؤمن بوجود الله، أنا هذا في قلبي، بس ما أبغا أنطق الشهادتين ما أبغا أنطق الشهادتين، ما هو لازم.
نقول: لست بمؤمن لست بمؤمن، هذا المفتاح، وهذا القول باللسان لابد منه، لابد منه حتى نحكم عليك بالإيمان، ونأكل ذبيحتك، ونزوجك من بنات المسلمين، وتدخل الحرم.
"ثم اعلموا أنه لا تجزئ المعرفة بالقلب والتصديق إلا أن يكون معه الإيمان باللسان نطقاً، ولا تجزئ معرفة بالقلب ونطق باللسان حتى يكون عمل بالجوارح، فإذا كملت فيه هذه الثلاث خصال كان مؤمناً، دل على ذلك القرآن والسنة وقول علماء المسلمين" [الشريعة للآجري: 1/114].
وقال رحمه الله: "فالأعمال رحمكم الله بالجوارح تصديق عن الإيمان بالقلب واللسان". [الشريعة: 1/115] لأنه أصلاً هل ممكن واحد يكون مؤمن فعلاً وهو لا يعمل شيء؟
طيب وين أثر الإيمان، لو كان صادقاً أين صلاته؟ أين زكاته؟ أين صيامه؟ أين تلاوته؟ أين دعاؤه؟ أين ذكره؟
فإذن ما عنده شيء من الأعمال كيف يكون مؤمناً؟ هذا كذاب، الذي يقول أنا مؤمن وبعدين ما عنده عمل أبداً كذاب، لو كان عنده إيمان صحيح كان ظهر، لو عنده إيمان صحيح كان ظهر..
"فمن لم يصدق الإيمان بعمله وبجوارحه، مثل الطهارة، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والجهاد، وأشباه هذا، ورضي من نفسه بالمعرفة والقول، لم يكن مؤمناً ولم ينفعه المعرفة والقول، وكان تركه للعمل تكذيباً منه لإيمانه، وكان العمل بما ذكرناه تصديقاً منه بإيمانه" هذا كتاب الشريعة.
ابن بطة رحمه الله من علماء المسلمين الذين كتبوا في العقيدة أيضاً، قال: "واعلموا رحمكم الله أن الله لم يثن على المؤمنين، ولم يصف ما أعد لهم من النعيم المقيم والنجاة من العذاب الأليم، ولم يخبرهم برضاه عنهم، إلا بالعمل الصالح والسعي الرابح، وقرن القول بالعمل، والنية بالإخلاص، حتى صار اسم الإيمان مشتملاً على المعاني الثلاثة".
ماهي المعاني الثلاثة؟ قول، وعمل، واعتقاد.
قال: "حتى صار اسم الإيمان مشتملاً على المعاني الثلاثة، لا ينفصل بعضها من بعض، ولا ينفع بعضها دون بعض، حتى صار الإيمان قولاً باللسان، وعملاً بالجوارح، ومعرفة بالقلب".
يقول ابن بطة رحمه الله: "خلافاً لقول المرجئة الضالة، الذين زاغت قلوبهم، وتلاعبت الشياطين بعقولهم". [الإبانة الكبرى لابن بطة: 2/97].
الإيمان إذن عند أهل السنة والجماعة حقيقة مركبة مما جاء به، خلاص، اعتقاد ما جاء به رسول الله ﷺ علماً، والتصديق به عقداً -يعني عقداً بالقلب-، والإقرار به نطقاً" -تعرف الوحي، تصدق به قلبياً، وتقر به نطقياً- قال: "والانقياد له محبة وخضوعا، والعمل به باطناً وظاهراً، وتنفيذه والدعوة إليه بحسب الإمكان". [الفوائد، لابن القيم: : 107].
فإذن الإيمان والعمل متلازمان، لا ينفك أحدهما عن الآخر، والظاهر لا يتخلف عن الباطل بل يصدقه، ومن زعم وجود الإيمان في قلبه دون جوارحه، لا يثبت له اسم الإيمان، لأن الأعمال والأقوال الظاهرة من لوازم الإيمان التي لا تنفك عنه: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ [المجادلة: 22] فإذا شفنا واحد يقول: أنا مؤمن، بعدين يواد من حاد الله، حسب الآية ماذا يكون؟ قال: وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ [المائدة: 81]، وقال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال: 2].
والنبي عليه الصلاة والسلام قال: ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب [رواه البخاري: 52، ومسلم: 1599].
إذن صلاح القلب مستلزم لصلاح الجسد، وإذا كان الجسد غير صالح معناه القلب غير صالح، فمن يتكلم بالإيمان ولا يعمل به لا يكون قلبه مؤمناً.
طبعاً -يا إخوان- هذا الكلام الذي نقوله الآن اللي هو عند طلبة العلم من المسلمات، لما تنزل على الواقع تحصل في أشياء غير، فكثير يقول لك: أنا مسلم، أنا مؤمن، أنا مؤمن بالله، والله أنا مؤمن بالله، ثم لا يعمل شيئاً، لا صلاة، ولا زكاة، ولا صيام، ولا شيء، وبعضهم يسب الله والرسول ويقول: أنا مسلم، يسب الله والرسول ويقول: أنا مسلم.
"ومن يتكلم بالإيمان ولا يعمل به لا يكون قلبه مؤمناً، حتى إن المكره إذا كان في إظهار الإيمان، فلابد أن يتكلم مع نفسه وفي السر، ولابد أن يظهر على صفحات وجهه وفلتات لسانه كما قال عثمان، فإذا لم يظهر ذلك بقول ولا بفعل أبداً، فإن هذا يدل على أنه ليس في قلبه إيمان، والجسد تابع للقلب، فلا يستقر شيء في القلب إلا ويظهر موجبه ومقتضاه على البدن ولو بوجه من الوجوه". [مجموع الفتاوى: 7/620].
طيب، الآن عرفنا قضية ما هو الإيمان عند أهل السنة، وما هو الإيمان عند المرجئة.
طبعاً لما تجي يعني من الآثار العملية، طيب عند المرجئة، ممكن واحد من الرافضة يعني يتلاقى مع واحد من السنة؟
أيوه لأنه كلهم، كلهم مؤمنين، وحتى المرجئة يعني الذين ليسوا غلاة المرجئة، الذين يشترطون القول، يعني يقولون معرفة بالقلب وإقرار باللسان، هذا هو يقول لك: لا إله إلا الله، فلا يظن ظان أن المسألة مجرد خلاف لفظي، لا لا، المرجئة انحرافهم ممكن يجمع المشركين تحت راية الإسلام.
يعني اعطيني غلاة الصوفية المشركين، واعطيني الرافضة، وهات إيش تبغا، ما هم خلاص، يقول لك: أنا مؤمن بالله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، صح ولا لا؟
فإذن مذهب المرجئة خطير جداً في قضية الاتحاد مع غير المسلمين، مع المشركين، وأنه يعني إحنا وإياهم شيء واحد، وأنه ما هم كفار، لماذا تكفروهم؟ وهذا الدم بيننا وبينهم وصل إلى الركب.
ما هو فقط لأجل خلاف سياسي، لا، لأجل الخلاف جذري في الأصول متعلق بالإيمان، وأننا عندما نقول الإيمان قول وعمل ونية ما هو موجود عندهم، ولو وجد شيء منه فإن فقدان بقية الأشياء تلغي الإيمان عندهم.
فالمسألة مسألة ترتب عليها أعمال، لأن اللي هو على عقيدة المرجئة في بعض التيارات التي تسمى إسلامية تسمى، بعض الأحزاب التي تسمى إسلامية، ما عندهم مشكلة يلتقوا مع الرافضة، والصوفية الغلاة، إلى آخره... حتى لو عندهم الشرك الأكبر.. ليه؟
لأنهم يعتقدون بعقيدة المرجئة، بينما أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح: مثلما أنا عليه وأصحابي[رواه الترمذي: 2641، صحيح الجامع: 5343] الطائفة المنصورة، ما يرضون بهذا إطلاقاً.
طيب النبي عليه الصلاة والسلام راح قاتل قريشاً، قاتل بني عمه، لماذا قاتل أقاربه؟ لماذا قاتل قبيلته؟ لماذا قاتل قريشاً؟ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ[لقمان: 25]، أبو جهل يقول بهذا، لماذا قاتله؟ فإذن المصيبة الشرك الذي يلغي الإيمان.
طيب الآن نحن قررنا قضية معنى الإيمان عند أهل السنة وعند المرجئة، وماذا يعني ذلك من اللوازم والمستتبعات يعني.
المخالفة الثانية: أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص
طيب المسألة الثانية، الآن غير قضية تعريف الإيمان، وحقيقة الإيمان: أنه يزيد وينقص. أجمع أهل السنة والجماعة على أن الإيمان درجات وشعب، يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وأن المؤمنين يتفاوتون بحسب علمهم وعملهم، وان بعضهم أكمل إيماناً من بعض، وليس إيمان جبريل وأبي بكر وعمر كإيمان آحاد الناس، فالإيمان يزيد بأعمال القلب، يعني إخلاص، توكل، حياء، محبة، رجاء، خوف من الله أعمال القلب، وبقول اللسان يزيد، بالتسبيح والتكبير والتحميد والتهليل، وتلاوة القرآن، والطاعات والعبادات، هذا أكثر صلاة من هذا، وهذا أكثر صدقة من هذا، وهذا أكثر صياماً من هذا، فإذن لابد يتفاوتوا في الإيمان مع وجود أصله عندهم جميعاً إذا كانوا مسلمين عندهم أصل الإيمان الذي يمنعهم من إطلاق الكفر عليهم، يمنع من إطلاق الكفر عليهم، أنه في دائرة الإيمان، وكذلك أعمال القلوب الأخرى مثل الحب في الله والبغض في الله، المؤمنون يتفاوتون، في واحد إيمانه أكمل لأنه عنده الحب في الله أكمل، أكبر، أكثر، وعنده البغض في الله، النفور من الشرك والمشركين، حتى أن بعضهم لا يطيق أن ينظر إلى المشرك، ولكن بعضهم شوي المسألة، فلا يكون هذا كهذا.
وهكذا شعائر الدين، والإيمان ينقص بأعمال القلب والجوارح وبقول اللسان، ففي ناس أعمال قلوبهم أقل، وأعمال ألسنتهم أقل، وأعمال جوارحهم أقل، ولذلك يقعون في معاصي ومنكرات، وكبائر وذنوب، وأفعال رديئة.
وإيش يعني قول القلب، إيش يعني عندهم عمل القلب أنقص، يعني خوفه لله أقل، وحياؤه من الله أقل، ورجاؤه أقل، ومحبته أقل، لكن عندهم أعمال قلبية مخالفة، مثل أبغونا أمثلة هات، نبغا أشياء ما تخرج عن الملة، يعني إيمان ناقص بس ما يخرج عن الملة قلبية هاتوا، هاه، إيش؟
وقوع في شيء من الرياء، العجب، الحسد، كبر، الغل، تعرف أحياناً المدرس يصحح إجابة الطالب.
الغل، طيب الغِل ولا الغُل؟ الغل بكسر الغين: وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ [الحشر:10] لأن الغُل بضم الغين ما هو؟ القيد، الغُل: إِذْ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ [غافر: 71] هذا جمع ويش المفرد؟ غُل.
فإذن التعلق بالدنيا، وجميع أعمال الشر القلبية أيضاً تؤثر في الإيمان، تنقص منه، فالذنوب عند أهل السنة والجماعة تضر أصحابها وتنقص من إيمانهم بحسب ذنوبهم: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [الجاثية: 21].
لكن هذه الذنوب سواءً كانت قلبية، أو سواء كانت بالجوارح، بالحدود التي ذكرناها، والأمثلة التي ذكرناها لا تخرج عن الإيمان، فلا يزال صاحبها مؤمناً، معه أصل الإيمان.
فصار أهل السنة والجماعة وسط بين الفرق المنحرفة، بين التكفيريين الغلاة الذين يكفرون بمجرد الذنب، بمجرد الذنب، والآن كما قلنا خوارج العصر يكفرون بالخلاف في الرأي خلاف في الرأي.
ووسط بين أهل السنة والجماعة، أهل السنة والجماعة صاروا وسطاً بين الخوارج الغلاة، وبين المرجئة الجفاة الذين يقولون لا يضر مع الإيمان ذنب، فأهل السنة والجماعة يجمعون بين نصوص الوعد والوعيد، فبشروا الناس بالجنة وخوفوهم من النار، وألزموهم بالعمل الصالح: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة: 82].
الأدلة على زيادة الإيمان ونقصانه
اعطونا أدلة من القرآن على أن الإيمان يزيد.
وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً [الأحزاب: 22]،لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ [الفتح: 4]، وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً [المدثر:31]، وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا إذا نزلت سورة جديدة فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [التوبة: 124].
وقد قال ﷺ: من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان [رواه أبو داود: 4683، وصححه الألباني السلسلة الصحيحة: 380].
إذا صار الواحد يعطي بهوى ويمنع بهوى، هذا صار ينقص إيمانه.
وكذلك مراتب المنكر: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان [رواه مسلم: 49] فجعل من الإيمان ما هو أضعف، ومنه ما هو أقوى.
وكان عمر يقول لأصحابه: "هلموا نزداد إيماناً فيذكرنا الله ". [فتح الباري لابن رجب: 1/5].
قيل لسفيان بن عيينة: الإيمان يزيد وينقص؟ قال: أليس تقرؤون القرآن؟ فزادهم إيماناً، وزدناهم هدى في غير موضع. قالوا: فينقص؟ قال: ليس شيء يزيد إلا وهو ينقص". [الإبانة الكبرى لابن بطة: 1136].
وقال الشافعي رحمه الله: الإيمان قول وعمل، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ثم تلا هذه الآية: وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً [المدثر: 31] " [حلية الأولياء: 4/98].
وقال الإمام أحمد: "أجمع تسعون رجلاً من التابعين، وأئمة المسلمين، وأئمة السلف، وفقهاء الأمصار على أن السنة التي توفي عنها رسول الله ﷺ، فذكر أموراً منها: والإيمان قول وعمل، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية". [طبقات الحنابلة: 1/89].
والإمام البغوي رحمه الله قال: "اتفقت الصحابة، والتابعون، فمن بعدهم من علماء السنة، على أن الأعمال من الإيمان" وقالوا: "إن الإيمان قول وعمل وعقيدة، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، على ما نطق به القرآن في الزيادة، وجاء في الحديث بالنقصان". [شرح السنة: 1/38]، قال: وهو قوله ﷺ: ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن [رواه البخاري: 304، ومسلم: 79].
طبعاً في هناك نقص قد لا يأثم به الإنسان، يعني ليس أي نقص في الإيمان يأثم به، ممكن يكون ينقص، بس ليس إلى درجة الوقوع في الإثم، مثل تقول: والله هؤلاء يصلون وهم خاشعون لكن بعضهم أكمل خشوعاً من بعض، وأزيد إيماناً من بعض، فلا يعني أن الذي نقص خشوعه سيأثم الآن مستحق للعذاب، مع أنه إيمانه أنقص من إيمان هذا، مواقفهم في الصلاة ليست سواء عند الله، قلوبهم ليست سواء.
طيب إذن المسلم عند أهل السنة والجماعة قد يجتمع فيه الطاعة والمعصية، وخصلة إيمان، وخصلة كفر إيش؟ أصغر، وممكن خصلة إيمان وخصلة نفاق هاه عملي أصغر: إذا حدث كذب، إذا وعد أخلف، أما منافق نفاق أكبر هذا ما فيه إيمان.
ممكن المسلم يجتمع فيه تقوى وفجور؟ ممكن، فالرجل المسلم قد يجتمع فيه كفر أصغر وإيمان وشرك أصغر، وتوحيد ونفاق عملي أصغر ممكن.
وهذا من أعظم أصول أهل السنة، وخالفهم فيه غيرهم من أهل البدع.
الخوارج يقولون عن الذنوب كفر، والمرجئة ماذا يقولون في هذه القضية؟ أن الإيمان كامل ما يتجزأ، الإيمان لا يتبعض.
عقيدة أهل السنة في زيادة الإيمان ونقصانه
أهل السنة عندهم أنه ممكن يجتمع في الإنسان يعني إيمان وكفر أصغر، إيمان ونفاق أصغر، طاعة ومعصية يجتمع.
عند المرجئة مشكلة هذه النقطة، تمثل لهم أيضاً ثغرة كبيرة في أصولهم، ولذلك لازم يجعلوا الفاسق مؤمناً إيماناً كاملاً، لأن الإيمان عندهم كامل ما يتبعض.
فيرد عليهم الموارد الآن، يعني أنت الآن تقول: طيب وكيف الحين أنت .. ليسوا مثل بعض، بس ما عندهم حل، هذه عقيدتهم ويش يسووا، هذه عقيدتهم.
ما الدليل على إنه عند أهل السنة ممكن واحد يكون مؤمن ويقع منه ذنب يصل لو يصل لدرجة القتل، ولكن ما يخرج عن الإيمان؟
وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا [الحجرات: 9]، فما أخرجهم بالاقتتال مع أنه كبيرة، ما أخرجهم عن كونهم مؤمنين عندهم أصل الإيمان، عندهم أصل الإيمان، لكن لو كان إيمانهم قوياً لاختلف أمرهم، وخصوصاً أن بعض المؤمنين ممكن يقاتل عن شبهة، أو يقاتل عن اعتقاد يعني هو يظن نفسه محقاً، يظن نفسه محقاً.
هب أنه مثلاً في عندنا بلد بويع خليفة في مشرقه وبويع خليفة في مغربه، فقال الذي في المشرق ترى أنا بايعوني قبلك بايعني، يقول له: أنا بايعوني قبلك بايعني، وقد يقتتلا، كل واحد يظن نفسه محقاً، أنه أنت خرجت علي، يقول: أنت خرجت علي، لكن ليس هذا كفعل الخوارج اليوم الذين يجعلون مكانهم دار إسلام ومكان المسلمين الآخرين دار كفر، ويجعلون أميرهم أمير المؤمنين، وبقية الناس كفار مرتدون خارجون..
لا حظوا ما يقولون هؤلاء مسلمون والله خرجوا ولكنهم مسلمون، لا يقولون كفروا كفروا، خلاص، وإذا كفروا صاروا حلال الدم والمال.
النبي ﷺ لما قال وجه خطاب للمؤمنين: لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض [رواه البخاري: 121، ومسلم: 65] فأي إيش المقصود بقوله: كفاراً؟.
كفاراً كفراً أصغر ولابد، لماذا؟ لأن الله أثبت الإيمان للمقتتلين، فيجتمع في المسلم إيمان وكفر أصغر.
طيب، لما نقرر هذه القضية، نقرر أنه ممكن المسلم يجتمع فيه إيمان وكفر أصغر، إيمان ونفاق أصغر، لما نقرر هذه القضية، إيش موقفنا منه بالنسبة لقضية الموالاة والمحبة؟
أمامنا مثلاً واحد من الناس، مسلم، عنده إيمان، عنده درجة من الإيمان موجودة، لكن عنده معاصي، ممكن تكون كبائر، ممكن تكون صغائر، ممكن تكون كثيرة، ممكن تكون قليلة، ما هو موقفنا منه في قضية الموالاة والمحبة؟
نحبه على قدر ما معه من دين وإيمان وطاعة، ونبغضه على قدر ما عنده من فسوق وعصيان، وبالتالي ممكن تقبل العملية شرعاً أنك في شخص واحد تحب وتبغض، طبيعي، تحب ما عنده من دين وطاعة وإيمان، وتبغض ما عنده من فسوق ومعصية وذنوب وشر، فتكون المحبة والولاية تابعة لما معه من خصال الإيمان، والكراهة والعداوة تابعة لما عنده من خصال الكفر.
وقد يكون العبد مسلماً وفيه خصلة من خصال النفاق، كالكذب، وخيانة الأمانة، وغيرهما، كما جاء في حديث: أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر [رواه البخاري: 34، ومسلم: 58].
طيب، وصلنا الآن إلى موضوع الكفر بعدما انتهينا من الإيمان وقواعد فيه، وصلنا الآن إلى قضية الكفر.
الكفر أيضاً يكون بالاعتقاد، وبالقول، وبالفعل، وبالشك، وبالترك.
وسنضرب لذلك أمثلة، ونشرح هذا، ونبين أن الواحد إذا كفر وهو يقول: لا إله إلا الله، ما هي قيمة الشهادة عندئذ، إذا كفر كفر أكبر.
ونبين أيضاً إن شاء الله، ما هي الآثار البغيضة لانتشار عقيدة المرجئة؟ وماذا يترتب على عقيدة المرجئة من الأضرار؟
نسأل الله أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن يحيينا مؤمنين، ويتوفانا مسلمين، وأن يلحقنا بالصالحين.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.