الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
ضوابط تتعلق بالصحابة
فقد تقدم في هذه السلسلة ضوابط في العقيدة الإسلامية ذكر بعض الضوابط المتعلقة بصحابة رسول الله ﷺ، أي المتعلقة بالاعتقاد بهم:
ومن ذلك تعريف الصحابي: وهو من لقي النبي ﷺ مؤمنًا به، ومات على الإسلام.
ثانيًا: أن الصحابة خير الناس، وكلهم عدول لا نبحث في عدالتهم.
وثالثًا: أن الطعن في الصحابة طعن في الدين، وأن هذه الخطة الباطنية الخبيثة لإسقاط الكتاب والسنة، لأن الصحابة هم رواة الكتاب والسنة، فإذا سقط الصحابة سقط الاستدلال، والاحتجاج، وثبوت الكتاب والسنة عند من يطعن فيهم.
وكذلك من الضوابط أن حب الصحابة علامة الإيمان، وبغضهم علامة النفاق.
من دخل في الفتنة منهم فهو دائر بين الأجر والأجرين
ومن الضوابط خامسًا: أن من دخل في الفتنة منهم فهو دائر بين الأجر والأجرين؛ لأن أهل السنة والجماعة لا يخوضون في الفتنة التي وقعت بين الصحابة، ويترضون عن الجميع، ويعظمونهم، "ويقولون: إن الآثار الواردة في مساوئ بعضهم منها ما هو كذب، ومنها ما زيد فيه ونقص وغير وجهه"، ومنها ما تؤول على غير وجهه الصحيح، فإذاً الصحيح أن الصحابة معذورون فيما دخلوا فيه، وفيما حصل بينهم من الاختلاف، وهم إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون". كما ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في الواسطية. [العقيدة الواسطية: 26].
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: "واتفق أهل السنة على وجوب منع الطعن على أحد من الصحابة بسبب ما وقع لهم من ذلك، ولو عرف المحق منهم، لأنهم لم يقاتلوا في تلك الحروب إلا عن اجتهاد، وقد عفا الله -تعالى- عن المخطئ في الاجتهاد، بل ثبت أنه يؤجر أجرًا واحدًا، وأن المصيب يؤجر أجرين". [فتح الباري: 13/34].
وقد سئل عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى عن قتال أهل صفين؟ فقال: "تلك دماء كف الله عنها يدي لا أريد أن ألطخ بها لساني". [جامع بيان العلم لابن عبد البر: 1096].
وفي رواية: أنه قال: "تلك دماء طهر الله يدي منها، أفلا أطهر منها لساني، مثل أصحاب رسول الله ﷺ مثل العيون، ودواء العيون ترك مسها". [الإنصاف للباقلاني: 1/23].
وسئل الحسن البصري رحمه الله تعالى عن قتال الصحابة فيما بينهم؟
فقال: قتال شهده أصحاب محمد ﷺ وغبنا، وعلموا وجهلنا، واجتمعوا فاتبعنا، واختلفوا فوقفنا ما نتكلم"، وتعليقًا على كلام الحسن نقل القرطبي رحمه الله عن بعض الصالحين: فنحن نقول كما قال الحسن، ونعلم أن القوم كنا أعلم بما دخلوا فيه منا، ونتبع ما اجتمعوا عليه، ونقف عند ما اختلفوا فيه، ولا نبتدع رأيا منا، ونعلم أنهم اجتهدوا، وأرادوا الله ، إذ كانوا غير متهمين في الدنيا". انتهى. [الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 8/322].
وقال ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله تعالى في عقيدة أهل السنة: "وألا يذكر أحد من أصحاب رسول الله ﷺ إلا بأحسن ذكر، والإمساك عما شجر بينهم، وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم أحسن المخارج، ويظن بهم أحسن المذاهب". [الثمر الداني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني: 23].
وقال أبو عبد الله ابن بطة الإمام رحمه الله: "ومن بعد ذلك نكف عما شجر بين أصحاب رسول الله ﷺ فقد شهدوا المشاهد معه"، -يعني الغزوات- "وسبقوا الناس بالفضل، فقد غفر الله لهم، وأمرك بالاستغفار لهم، والتقريب إليه بمحبتهم، وفرض ذلك على لسان نبيه محمد ﷺ وهو يعلم ما سيكون منهم، وأنهم سيقتتلون"، -يعني الله لما أمر بمحبتهم ورضى عنهم لما كان الوحي ينزل هذا الكلام أليس وقد علم تعالى أنهم سيكون بينهم قتال أو بين بعضهم، ومع ذلك ترضى عنهم، وأمر بمحبتهم، إذاً كل ما شجر بينهم مغفور لهم". [الشرح والإبانة: 268].
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: "والصحابة كلهم عدول عند أهل السنة والجماعة لما أثنى الله تعالى عليهم في كتابه، وبما نطقت به السنة النبوية في المدح لهم في جميع أخلاقهم وأفعالهم، وما بذلوه من الأموال والأرواح بين يدي رسول الله ﷺ رغبة فيما عند الله من الثواب الجزيل، والجزاء الجميل، وأما ما شجر بينهم بعده عليه الصلاة والسلام فمنه ما وقع عن غير قصد كيوم الجمل" ما كان هناك نية للقتال ولا عزم، ولا تخطيط، "ومنه ما كان عن اجتهاد كيوم صفين، والاجتهاد يخطئ ويصيب، ولكن صاحبه معذور إن أخطأ، ومأجور أيضاً، وأما المصيب فله أجران اثنان، وكان علي وأصحابه أقرب إلى الحق من معاوية وأصحابه أجمعين". [الباعث الحثيث: 154].
لاحظ قوله: "أقرب إلى الحق" ما قال: هؤلاء على حق، وهؤلاء على باطل، فهؤلاء معهم شيء من الحق، ولكن كان علي أولى الطائفتين بالحق على ومن معه، "وقول المعتزلة الصحابة عدول إلا من قاتل عليًا قول باطل مرذول مردود" اختصار علوم الحديث لابن كثير. [الباعث الحثيث: 154].
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "فهذا الذي حصل موقفنا نحن منه له جهتان:
الجهة الأولى: الحكم على الفاعل، الجهة الثانية: موقفنا من الفاعل.
أما الحكم على الفاعل فما ندين الله به أن ما جرى بينهم فهو صادر عن اجتهاد، والاجتهاد إذا وقع فيه الخطأ فصاحبه معذور ومغفور عليه.
وأما موقفنا من الفاعل فالواجب علينا الإمساك عما شجر بينهم، لماذا نتخذ من فعلهم مجالاً للسب، والشتم، والوقيعة فيهم، والبغضاء بيننا، ونحن إذا فعلنا هذا إما آثمون، وإما سالمون، ولسنا غانمين أبداً.
فالواجب علينا تجاه هذه الأمور أن نسكت عما جرى بين الصحابة، وألا نطالع الأخبار، أو التاريخ في هذه الأمور إلا للضرورة"، يعني: القراءة فيما شجر بينهم. [قسم العقيدة: 61/80].
فالمسلم العاقل المتمسك بدينه يجب أن يحسن الظن بصحابة رسول الله ﷺ وهم الصفوة المختارة من الأمة، وأن يسكت عن الكلام فيهم إلا بخير، ويترضى عنهم جميعاً، وعليه موالاتهم، ومحبتهم، والجزم أنهم دائرون في اجتهاداتهم بين الأجر والأجرين.
ومن الرسائل فيما سبق أو البحوث عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام ناصر الشيخ.
حكم من سب الصحابة
الضابط السادس: سب الصحابة على ثلاثة أقسام:
الأول: أن يسبهم بما يقتضي كفر أكثرهم، أو أن عامتهم فسقوا، فهذا كفر؛ لأنه تكذيب لله لأن الله عدلهم، وأثنى عليهم، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ [الفتح: 29]، وعدلهم، و، ورضوا عنهم، وعدلهم، إذاً فهذا كفر لأنه تكذيب لله ورسوله لما جاء الثناء عليهم من قبل الله ورسوله، والترضي عنهم، بل من شك في كفر مثل هذا الذي يكفر أو يفسق أكثر الصحابة فهو كافر، ومن شك في كفره فكفره متعين، الذي يكفر أكثر الصحابة يقول: ما بقي منهم إلا قلة علي، وأبو ذر، والمقداد، وعمار، أربعة أو خمسة، نقول: إن كفره متعين لأن مضمونه مقالته إسقاط الكتاب والسنة، الكتاب العزيز عن النبي ﷺ القراءات تنتهي بابن مسعود، والأحاديث تنتهي بأبي هريرة، وابن عمر، وعائشة، وابن مسعود، حتى لو ما كفرهم لو فسقهم الفاسق ساقط العدالة، لا تقبل روايته، لأن مؤدى كلامه هو الخطة الباطنية اليهودية القديمة في إسقاط الكتاب والسنة، فالمسألة أخطر من قضية القتال الذي حصل، يقولون: علي على الحق، والذي قاتله فاسق إذاً، هذا في الظاهر لكن الحقيقة هي إسقاط الكتاب والسنة.
الثاني: أن يسبهم باللعن والتقبيح: ففي كفره قولان لأهل العلم:
وعلى القول بأنه لا يكفر يجب أن يجلد ويحبس حتى يموت، أو يرجع عما قاله، إذاً مثل هذا حسن فرحان، وعدنان إبراهيم، ومن شاكلهما هؤلاء أقل شيء أن يسجنوا حتى يتوبوا.
الثالث: أن يسبهم بما لا يقدح في دينهم: كالجبن، والبخل، فلا يكفر، ولكن يعزر بما يردعه عن ذلك" [مجموع فتاوى ورسائل العثيمين: 5/84].
والحاصل أن سابهم ومنتقصهم والواقع فيهم مأزور وآثم على كل حال، فهو يسب من .
وبناء على ذلك هل يكفر الروافض بأعيانهم أم لا؟
الجواب: لا شك أن مقالتهم كفر؛ لأنهم يقولون: الصحابة ارتدوا، الصحابة كفروا أو فسقوا إلا قلة علي وخمسة، والباقي الذي هم رواة القرآن وأكثر السنة عندهم إما كفرة، وهذا هو الذي يفعلونه، يقولون: ارتدوا أو فسقة، وفي الحالتين الرواية تسقط، سقوط الكتاب والسنة والأدلة الشرعية.
فبناء على ذلك الذي يكفر أو يفسق الصحابة ما هو حكمه منهم هؤلاء الروافض؟
لا شك أن مقالتهم كفر لأنهم يكفرون عامة الصحابة، ولكن بالنسبة لأعيانهم يعني فلان الفلاني لا نكفر أعيانهم لا نكفر الشخص المعين منهم إلا بعد إقامة الحجة عليه، واستفاء الشروط، وانتفاء الموانع، فإن كثيرًا منهم كالأغنام ينقادون خلف أئمتهم المضلين بلا وعي، ولا أدنى تفكير.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: لكن تكفير الواحد المعين منهم والحكم بتخليده في النار موقوف على ثبوت شرط التكفير وانتفاء موانعه، فإنا نطلق القول بنصوص الوعد والوعيد، والتكفير والتفسيق، ولا نحكم للمعين بدخوله في ذلك العام حتى يقوم فيه المقتضى الذي لا معارض له". [مجموع الفتاوى: 6/424].
أما أئمتهم الكبار لا شك في كفرهم لأن مثلهم لا يخفى عليهم الحال، وقد قرؤوا كتبنا، وعرفوا ما عندنا، وعرفوا الحق، فلا يحتاج إلى إقامة حجة على مثلهم.
وأما عوامهم هم الذين لا نكفر آحادهم أو أشخاصهم وأعيناهم إلا بعد إقامة الحجة.
تعريف آل البيت
سابعًا: أهل البيت -لأن موضوع الاعتقاد في الصحابة وآل البيت-: "هم من حرمت عليهم الصدقة، وهم أزواجه ﷺ وذريته، وقرابته من بني هاشم، وبني عبد المطلب، وموالي الرجال منهم"، وهذا ما ذكره النووي. [شرح النووي على مسلم: 7/175]، وشيخ الإسلام ابن تيمية. [مجموع الفتاوى: 3/407].
من هؤلاء من الصحابة علي ، وفاطمة، والحسن، والحسين، والعباس، وأولاده، وحمزة بن عبد المطلب، ومن التابعين زين العابدين.
ويدل على هذا قول النبي ﷺ للحسن أو الحسين رضي الله عنهما لما أخذ أحدهما تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فيه، فقال: أما علمت أن آل محمد ﷺ لا يأكلون الصدقة [رواه البخاري: 1485، ومسلم: 1069].
وفي رواية لمسلم: أما علمت أنا لا تحل لنا الصدقة [رواه مسلم: 1069].
وكذلك يدل على دخول أزواج النبي ﷺ في أهل بيته قول الله تعالى مخاطبًا نساء النبي ﷺ: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [الأحزاب: 33].
ويدل على دخول بني هاشم في آل بيت النبي ﷺ حيث زيد بن أرقم أن رسول الله ﷺ حث على كتاب الله، ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي.
فقال رجل لزيد: ومن أهل بيته يا زيد؟ قال: أليس نساؤه من أهل بيته؟
قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده.
قال: ومن هم؟
قال: هم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس، وهؤلاء بنو هشام.
قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟
قال: نعم". [رواه مسلم: 2408].
ويدل على دخول آل المطلب في آل بيت النبي ﷺ حديث جبير بن مطعم، قال: "مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى رسول الله ﷺ فقلنا: يا رسول الله أعطيت بني المطلب وتركتنا، ونحن وهم منك بمنزلة واحدة؟
فقال رسول الله ﷺ: إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد [رواه البخاري: 3140].
ويدل على دخول الموالي قول النبي ﷺ: إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة ومولى القوم منهم رواه أحمد وهو حديث صحيح. [رواه أحمد: 15746، وصححه محققو المسند].
ماذا فعل الروافض في قضية آل البيت؟
قصروا أهل البيت على أصحاب الكساء الخمسة فقط، وهم رسول الله ﷺ، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين، وأجمعوا على عدم دخول أمهات المؤمنين في مسمى آل البيت، كما في تفسير فرات الكوفي الرافضي، وبحار الأنوار للمجلسي، ثم غلوا فيهم، وادعوا عصمتهم، يعني: عصمة الخمسة، وقدموهم على الأنبياء والمرسلين بمن فيهم أولوا العزم، ووصفوهم بصفات الألوهية والربوبية، ومنهم من يتوسل بهم، ويتخذونهم من دون الله أندادًا، ويتخذونهم أربابًا، كما في بصائر الدرجات الكبرى للصفار، وبحار الأنوار للمجلسي، ومع ذلك يبغضون الصحابة، ويسبونهم، ويكفرون عامتهم، ويطعنون في أمهات المؤمنين، ويكفرونهن، وفي أولاد النبي ﷺ وبقاء أولاد بني هاشم كما في تفسير العياش الرافضي، وبحار الأنوار للمجلسي.
فهؤلاء غلاة، مغالون في أصحاب الكساء، شتامون للصحابة، وباقي أهل البيت النجباء.
القاعدة الثامنة: أهل السنة والجماعة يحبون أهل البيت، ولا يغلون فيهم، يحبونهم جميعاً، ويعملون بوصية النبي ﷺ: أذكركم الله في أهل بيتي ثلاثًا رواه مسلم. ولا نغلوا فيهم، فلا ندعي لهم العصمة، ولا أنهم يعلمون الغيب، ولا غير ذلك من الغلو الممنوع.
وقد قال عليه الصلاة والسلام: إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين وهو حديث صحيح [ابن ماجه: 3029، وصححه الألباني السلسلة الصحيحة:1283].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مبينًا اعتقاد أهل السنة والجماعة: "ويحبون أهل بيت رسول الله ﷺ، ويتولونهم، ويحفظون فيهم وصية رسول الله ﷺ، ويتولون أزواج رسول الله ﷺ أمهات المؤمنين، ويؤمنون بأنهن أزواجه في الآخرة، خصوصًا خديجة رضي الله عنها أم أكثر أولاده، أول من آمن به، وعاضده على أمره، وكان لها منه المنزلة العالية، والصديقة بنت الصديق رضي الله عنها، ويتبرءون من طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة، ويسبونهم وطريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل، وأهل السنة يمسكون عما شجر بين الصحابة". [العقيدة الواسطية: 1/26].
وأخيرًا: قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: ولا تنكر الوصاة بأهل البيت، والأمر بالإحسان إليهم، واحترامهم، وإكرامهم، فإنهم من ذرية طاهرة من أشرف بيت وجد على أهل الأرض فخرًا، وحسبًا، ونسبًا، ولاسيما إذا كانوا متبعين للسنة الواضحة الجلية، كما كان عليه سلفهم كالعباس، وبنيه، وعلي وأهل بيته وذريته أجمعين". [تفسير ابن كثير: 4/113].
لو وجد شخص من آل البيت مرتد فاسق ما الموقف منه؟
الجواب بغضه لكفره، أو بغضه لفسقه، وقد ذكر النبي ﷺ في فتنة السراء: أن دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي، وإن أوليائي المتقون [أبو داود: 4242، وصححه الألباني السلسلة الصحيحة: 974]، إذاً قد يوجد من أهل بيته.
وإبراهيم لما قال: وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ[البقرة: 124]، فقد يكون من ذريته المسلم والكافر، لكن المؤمن من آل البيت نحبه مرتين: مرة لإسلامه، ومرة لقرابته، فحقه علينا أعظم من حق المسلم الذي ليس من أهل البيت، ونحتمل منه ونغتفر له أكثر مما يكون لغيره لقرابته ومنزلته، وإكرام آل بيت النبي ﷺ إكرامهم يعني في الترحيب، والكلام، والدعوة، والإكرام، ونحو ذلك من توقير النبي عليه الصلاة والسلام ومحبته؛ لأنه قال: أوصيكم الله في أهل بيتي [مسلم: 2408] وكرر ذلك عترتي آل بيتي، فلا بدّ أن نستوصي بهم خيرًا، ونعرف لهم حقهم في بيت المال أيضاً، نعرف لهم حقهم في الإكرام، ونعرف لهم حقهم في المحبة إذاً قلبيًا وعمليًا، هذا والله تعالى أعلم.
ضوابط تتعلق بالنبوات
أهمية موضوع النبوات
فإن النبوات موضوع عظيم من موضوعات العقيدة؛ لأنه يتعلق بالوحي الذي نزل من عند رب العالمين، وصيانة مقام النبوة أمر عظيم، والإيمان بالرسل ركن أصيل من أركان الإيمان، والاعتقاد بنبوة رسل الله وما خصهم الله به من الوحي معلوم من الدين بالضرورة، ولا يتحقق إيمان العبد إلا به، وقد أكرم الله تعالى أنبياؤه ورسله، وأيدهم بعلمه وقدرته، وبالبراهين الظاهرة، وبالأدلة الباهرة، وبالآيات والمعجزات التي يسميها العلماء دلائل النبوة، والتي تدل على صدق الأنبياء، وأنهم حقا مرسلون من عند الله تعالى، ومن هذه الدلائل المعجزات، وهي الأمور الخارقة للعادة المقرونة بالتحدي التي جاء بها كل واحد منهم قومه دليلاً على أنه رسول الله إليهم، وبرهان من الله على أنه مبعوث منه إليهم، وأن هذا دليل على صدقه، وإذا كذبوا تحداهم مقارعة لهم، ومنازلة فناقة صالح ، وعصا موسى ، وهذا القرآن الذي نزل على نبينا محمد ﷺ من هذه المعجزات، ومن إكرام الله تعالى لأنبيائه ما يجريه على أيديهم من الخوارق للعادة. وهذا قد يجريه قد يجري الله خوارق للعادة على أيدي بعض أوليائه، وليسوا من أنبيائه، فما هو الفرق؟
نقول: هناك فروق كثيرة:
من جهة التسمية ما يكون على يد الأنبياء ويسميه العلماء معجزات، وما يكون على يد الأولياء يسميه العلماء كرامات، وعلى ذلك تأمل ما يحصل أحيانًا من الاعتداء على كلمة المعجزات، فتجد واحد يقول: طفل أصم يفعل كذا معجزة، كذا طالب في الابتدائي معجزة، المعجزات شأنها أعلى، أين هذا من هذا، لكن المعجزات والكرامات تشترك في أنها خارقة للعادة، وتدل على قدرة الله تعالى، وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا[فاطر: 44].
وهنا تدعو الحاجة أولاً: لمعرفة بعض الضوابط في باب النبوات حتى يعبد المسلم ربه على بصيرة في هذا الباب من أبواب الاعتقاد، ويكون اعتقاده صحيحًا سليمًا؛ لأن هذه القضية من أصل الإيمان.
وثانيًا: معرفة ضوابط الكرامات لعدم الخلط بينها وبين المعجزات من جهة، ولتمييز أيضاً كرامات الأولياء عن خوارق الشياطين، شياطين الإنس والجن، ولا شك أن عدم ضبط هذا الموضوع يوقع في إشكالات مثل الخلط بين المعجزات والكرامات، والخلط بين الكرامات والخوارق الشيطانية، وخصوصًا في وقت انتشر فيه الدجالون والسحرة، فالحاجة ماسة لتبيين الصادق من الكاذب، وأيضاً الخلل في الحكم على الناس بناء على أن هذا صاحب كرامة فيستحق التقدير والتبجيل، وقد لا يكون كذلك فقد تكون خارقة شيطانية، وهو ساحر أو كاهن، أو هو من شياطين الإنس، ويعاونه شياطين الجن، وأن الواجب محاربته والكفر به، فخلط الأمور مصيبة.
وكذلك فإن الموقف من هذا الباب يجب أن يكون صادرًا عن الأدلة الصحيحة من الكتاب والسنة، وهذا أوان الشروع في المقصود.
ضوابط في النبوات
ونبدأ بضوابط في النبوات:
أولاً: النبوة منحة ربانية: فهي لا تنال بتعلم، ولا بتدريب، أو تمرين، أو رياضة، ولا بكثرة طاعة، ولا عبادة، فالنبوة اصطفاء رباني، ومحض فضل إلهي يختص الله تعالى به من عباده من يشاء، كما قال : يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [البقرة: 105].
والمقصود بالرحمة هنا النبوة، فالنبوة منحة ربانية، اصطفاء إلهي محض، لا تأتي باختيار النبي، ولا تنال بمجرد التشهي والرغبة، ولا بالترقي في عالم العبادات مثلاً، أو ترويض النفس والرياضات، أو ملازمة الخلوات، أو اقتحام أشق الطاعات، كما يقول الفلاسفة الكذبة؛ لماذا قالوا النبوة تنال بالتمرين والتدريب ورياضة النفس على الطاعات؟
لأنهم ليس في مصلحتهم -التي هي مفسدة- غلق باب النبوة، وغلق باب الوحي، وإنما للإفساد والإضلال يريدون أن يبقى الباب مفتوحًا، لكي يسهل ادعاء النبوة، وبالتالي يسهل الهدم في الدين؛ لأنه إذا قالوا: باب النبوة مفتوح، وممكن واحد يناله بالرياضات، والتمرين، وإلى آخره، فمعنى ذلك ممكن يأتي شخص منهم ويقول: وأنا بعد عشرين سنة، أو ثلاثين سنة من المجاهدات، والعبادات، والرياضات، والتمرينات أوحي إلي، وخلاص بعد أوحي إليّ فتح الباب في هدم الدين، ونسخ أحكام، وأحكام جديدة، فإذاً الفلاسفة كابن سيناء، وغيره قالوا: بأن باب النبوات مفتوح، يمكن الوصول إليه بالرياضات إلى آخره لهذا.
أما أهل السنة والجماعة وهم أهل الإسلام يقولون: النبوة اصطفاء من الله تعالى ما ينالها أي أحد برغبته، ولا باختياره، ولا بمجاهداته، ولا بتمريناته، ولا برياضاته، ولا بتعبده، ولذلك يبقى الدين منضبطًا، فالفلاسفة الكذبة يقولون: تنال بالاكتساب، وصفاء النفوس، والجد، والاجتهاد.
وقد بين شيخ الإسلام رحمه الله هذا في كتابه الصفدية، وفي كتاب النبوات، كما بينه السفاريني -رحمه الله- في لوامع الأنوار البهية، وغيرهم من أهل السنة في كتبهم، قال الله تعالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا [مريم: 58]، وقال سبحانه: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ [الحج: 75]، وأخبر عن قول يعقوب لولده يوسف عليهما السلام: وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ[يوسف: 6]، أي: يختارك، ويصطفيك لنبوته، وقال سبحانه: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ [الأنعام: 124]، وقد أنكر الله على المشركين، بقوله: وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ[الزخرف: 31-32].
ثانيًا: لا تثبت النبوة لأحد إلا بدليل.
فالنبي واسطة بين الخلق وربهم في تبليغ رسالات الله، وشرعه للعباد، والأنبياء خير خلق الله تعالى ورتبهم، ومنازلهم أعلى المراتب والمنازل عند الله على الإطلاق، ووظيفتهم أسمى الوظائف بلا تردد، ولما كان الأمر كذلك فلا يجوز إثبات نبوة أحد من الناس إلا بدليل من الكتاب والسنة، أما ما ورد عن بني إسرائيل من أخبار بتسمية بعض الأنبياء مما لا دليل عليه من الكتاب والسنة فلا نكذبه ولا نصدقه؛ لأن خبرهم يحتمل الصدق والكذب، يعني: لو وردت إسرائيليات وأخبار فيها أسماء أنبياء غير الذين نعرفهم، فنقول: لا نكذب ولا نصدق؛ لأنه قد يكون حقًا فنكذب به، وقد يكون باطلاً فنصدق به.
قال أبو هريرة كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله ﷺ: لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقالوا آمنا بالله وما أنزل إلينا الآية رواه البخاري [البخاري: 4485].
فنؤمن بما سمى الله لنا من أنبيائه ورسله بالكتاب والسنة إجمالاً في الإجمالي، وتفصيلا في التفصيلي، ونصدق بهم، وبما صح عنهم في الكتاب والسنة، من ذكر أسمائهم، وفضائلهم، وقصصهم، وأخبارهم، وما جرى مع خصومهم، ومع أممهم، ونصر الله لهم، وما في ذلك من العبر والعظات، مع اعتقاد أن لله غير الأنبياء المذكورين في الكتاب والسنة أنبياء ورسل آخرين كثير لا يعرف أسماءهم، ولا عددهم، ولا زمانهم، ولا تفاصيل حياتهم وقصصهم مع أقوامهم إلا من خلقهم وأرسلهم، وقد وردت تعدادهم في أحاديث متكلم في إسنادها: مثل حديث أبي ذر عند أحمد وغيره: عدة الأنبياء مائة وأربعة وعشرون ألف نبي، الرسل من ذلك ثلاثمائة وخمس وستون، جمًا غفيرًا. المبحث السابق في الفتاوى، والجواب الصحيح لابن تيمية، والبداية والنهاية لابن كثير، ولوامع الأنوار البهية.
إذاً نحن نؤمن بأنبياء الله ورسله إيمانًا مجملاً، يعني: الذي عرفناه منهم.
ما عدد الأنبياء المسمين في القرآن الكريم؟ خمسة وعشرون وعلى الراجح، آدم، ونوح، وإدريس، وهود، وصالح، وإبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف، ولوط، وشعيب، ويونس، وموسى، وهارون، وإلياس، وزكريا، ويحيى، واليسع، وذا الكفل. والصحيح أنه نبي، وداود، وسليمان، وأيوب، وعيسى، وخاتمهم محمد ﷺ، والسادس والعشرون على الراجح أنه الخضر،وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي[الكهف: 82]، آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا[الكهف:65]، والرحمة تطلق على النبوة.
وسمى لنا النبي ﷺ غير هؤلاء في سنته لأن السنة حجة، وما ورد من أسماء الله فيها حجة فأعطونا أمثلة من أسماء الأنبياء الواردة في السنة ولم ترد في الكتاب: يوشع فتى موسى؛ لأنه صار بعد ذلك نبيًا، وقد قال النبي ﷺ: إن الشمس لم تحبس على بشر إلا ليوشع ليالي سار إلى بيت المقدس رواه الإمام أحمد وإسناده جيده. [أحمد: 8298، وسلسلة الأحاديث الصحيحة: 202].
وفي رواية في الصحيحين: غزا نبي من الأنبياء قال: فقال للشمس: إنك مأمورة، وأنا مأمور، اللهم احبسها علينا، فحبست حتى فتح الله عليه [البخاري: 3124، ومسلم: 1747].
لأن الحكم في بني إسرائيل أنه لا قتال إذا غربت الشمس، وكانوا على وشك أن يفتحوا البلد، وإذا توقفوا عن القتال أعاد العدو تحصيناته، وراح التعب هباء، فقال: اللهم احبسها علينا، فحبس الله الشمس حتى فتحوا البلد، ثم أذن للشمس بالغروب، هذه كانت من معجزات يوشع .
وعلى هذا فليس من الأنبياء على الصحيح ما اختلف العلماء في نبوته من الصالحين، فمثلاً: اختلفوا في إخوة يوسف، هل تابوا بعد ذلك وصاروا أنبياء، ذو القرنين تبع لقمان الحكيم، وقد حكي الإجماع على أنه كان حكيمًا، ولم يكن نبيا، فأي أقوال أخرى ترد في غير هؤلاء فلا نحكم بنبوته لعدم ثبوت الدليل القطعي في ذلك.
لو قال قائل: الرسل الثلاثة الذين أرسلوا إلى أصحاب القرية، كانوا بعد عيسى لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ[يس: 13-14].
نقول: هم رسل ما أخبرنا بأسمائهم، ولكن لا نصدق أنهم بعد عيسى، وأن من قال ذلك فقد أخطأ؛ لأن النبي ﷺ قال عن عيسى في القصة: ليس بيني وبينه نبي [البخاري: 3442، ومسلم: 2365].
وقال الله: جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ [المائدة: 19]، على انقطاع ستمائة سنة التي كانت بينه وبين عيسى عليهما السلام.
ثالثًا: الأنبياء أكمل الناس خلقًا وأخلاقًا، كانوا جميعًا ذكورًا أحرارًا.
فليس في أنبياء الله امرأة، ولا ملك، ولا أعرابي، ولا عبد، ولا جني، ولا من يتصف بالصفات الناقصة، والأخلاق الذميمة.
فالله تعالى اصطفى أنبياءه ورسله من بين سائر خلقه، وحباهم بكامل المحاسن الخلقية والخلقية، وجعل لهم من السمات الحسنة، والصفات الجميلة، والأقوال الفاضلة، والأعمال الكاملة، والآيات الباهرة، والأدلة الظاهرة ما يستدل به كل ذو لب سليم، وبصيرة مستقيمة، وفطرة صحيحة على صدق دعوتهم، وأنهم أنبياء، وصحة رسالتهم عليهم الصلاة والسلام ولذلك هم أكمل البشر نوعًا، وأشرف الخلق نسبًا، وأزكاهم نفسًا، وأطهرهم قلبًا، وأحسنهم صورة، فاتصفوا بكمال العقل، وكمال الفهم، وكمال الذكاء، والفطنة، وقوة الرأي مع البراءة من العيوب القادحة التي تقدح في نبوتهم، وتبليغهم، أو تنفر عنهم أتباعهم، قال تعالى: وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الأنعام: 87]، وكانوا جميعًا ذكورًا أحرارًا، مصطفين من خيار قومهم، مرسلون بلسان أقوامهم، ولغاتهم ليفهموا عنهم ما أرسلوا به، وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ[إبراهيم: 4]، وليس في أنبياء الله امرأة على الصحيح من قولي أهل العلم، ولا ملك، ولا أعرابي، ولا عبد لأن الرق وصف نقص لا يليق بالنبوة، وكذلك الجني لا يراه الإنسي، فكيف يقتدون به، وكيف يتأسون، ولذلك قال العلماء: من البشر أنبياء، ومن الجن دعاة، وكان أنبياء الله -تعالى- صادقين مصدقين، بارين راشدين، كرامًا مهتدين، بلغوا رسالات ربهم، ولم يكتموا حرفًا، ولا نقصوا، ولا زادوا، ولا بدلوا، ولا غيروا، فقامت الحجة بإرسالهم.
رابعًا: للأنبياء خصائص يتفردون بها عن سائر البشر ولا بدّ.
فهم يشتركون مع البشر في أصل البشرية، قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ[الكهف:110].
فما هي الخصائص:
أولا: الوحي من الله.
ثانيًا: العصمة.
ثالثًا: تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم.
رابعًا: يخيرون عند الموت، هل يريدون الموت أم لا؟
خامسًا: لا يقبرون ولا يدفنون إلا حيث يموتون. يعني: ما يجوز نقله من المكان الذي مات فيه.
سادسًا: أن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء.
سابعًا: أنهم أحياء في قبورهم يصلون هذه في الجملة.
خامسًا: دلائل النبوة كثيرة، ولا تنحصر في المعجزات.
لأن الله أرسل الرسل لدعوة الناس إلى توحيده، ودينه، وأيدهم بالدلائل المتنوعة الدالة على صدقهم، لأن المرسل إليهم قد يقولون: ما أدرانا أنك من الأنبياء، وأنت الذي تدعي النبوة، أي شخص ممكن يدعي أنه نبي.
ولذلك جعل الله للأنبياء آيات يوقن بها فرعون أن موسى نبي، يوقن بها قوم هود أن هودًا نبي، توقن بها ثمود أن صالح نبي، فليست المعجزات هي الطريق الوحيد اليقيني لإثبات صحة الأنبياء، كما ذكر المعتزلة، يقولون: ما في طريقة لإثبات صدق الأنبياء إلا المعجزات.
ونقول: إن الله جعل هنالك دلائل كثيرة على نبوة أنبيائه ورسله.
من معجزات الأنبياء المعروفة ناقة صالح ، قلب العصا حية لموسى ، إبراء الأكمة والأبرص وإحياء الموتى لعيسى ، والقرآن معجزة نبينا ﷺ، وطبعاً في أشياء كثيرة الإسراء والمعراج، وانشقاق القمر، وتسبيح الحصى، والإخبار بالمغيبات.
لكن ما هي دلائل النبوة؟
قلنا: ليست المعجزات فقط، مثلاً:
أولاً: دلائل الأحوال والأوصاف، يعني: بالنظر إلى النبي في أوصافه الخلقية والخلقية، وسيرته الحسنة، وما اشتهر به من الصدق، والأمانة، والشجاعة، والحلم، والكرم، ومكارم الأخلاق، فهذه أحد الوسائل في تمييزه بحيث لا يشتبه أمره، والله لا يجعل رسالته في كل أحد، وهو يعلم من يصلح لها، فجعل الأنبياء يتميزون بالكمالات الفطرية، وكذلك الكسبية من الدلائل أيضاً دلالة النصرة والعاقبة، فجعل الله لهم تأييدًا، وقال: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ [غافر: 51].
فجعل لهم ظهورا وانتصارًا سواء بالحجة والبيان، وكذلك بالسيف والسنان من بعد موسى لما صار هناك جهاد، وبإهلاك أممهم قبل موسى، ما كانت الغلبة بمعركة يجاهد فيها النبي مع من آمن به ضد الكفار، وإنما كانت تنزل من الله فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ[العنكبوت: 40]، طوفان صيحة إعصار عذاب الظلة، حجارة من سجيل منضود، وهكذا فأغرق قوم نوح لما كذبوه، وأرسل على عاد ريح صرصر، وأهلك ثمود بالصيحة، وقوم شعيب بعذاب يوم الظلة، وفرعون بالغرق، وهكذا.
ثالثًا: من دلائل النبوة بشارات الكتب السابقة، والأنبياء السابقين بالأنبياء اللاحقين، كبشارة التوراة والإنجيل بنبوة محمد ﷺ إلى غير ذلك من الدلالات على النبوات، لكن ما هو أبرز شيء المعجزات، وأبرز المعجزات الكتب الإلهية.
سادسًا: من كفر بنبي أو رسول معلوم فقد كفرهم بهم جميعًا.
فالكفر برسول واحد كفر بجميع الرسل كفر بالله، وخروج من ملة الإسلام آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ [البقرة: 285].
ما هو الدليل على الكفر إذا واحد كفر برسول كأنه كفر بالجميع؟ قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا[النساء: 150-151].
وقد أمرنا الله تعالى بالإيمان بهم جميعاً، وبعدم التفريق بينهم: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ[البقرة: 136].
وتأمل قوله تعالى: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء: 105]، كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء: 123]،كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ[الشعراء:141]، مع أن المرسل إليهم واحد لأنهم لما كذبوا رسولهم كذبوا بجميع الرسل، وهذا فيه تكذيب للمرسل، وهو الله هذه بعض الضوابط في النبوات.
ضوابط في الكرامات
فما هي الضوابط في الكرامات؟
تعريف الكرامة
الكرامة أمر خارق للعادة غير مقرون بدعوة النبوة يظهره الله على يد عبد صالح متابع لنبيه مصحوب بصحيح الاعتقاد، والعمل الصالح علم بها ذلك العبد الصالح أو لم يعلم. [لوامع الأنوار، للسفاريني: 2/392].
فالكرامة شيء من خوارق العادات يجريه الله على يد عباده الصالحين من غير الأنبياء، مثال مجيء الرزق لمريم -عليها السلام-، مريم صديقة، وليست نبية صديقة بنص القرآن، وما حكاه الله في القرآن عن أصحاب الكهف كرامة، وإطعام الله لخبيب بن عدي العنب في أسره، كما في البخاري [4086]، وما كان بمكة يومئذ عنب كرامة، وغير ذلك مما حصل لبعض الصحابة مثل نجاة أبي مسلم الخولاني من النار التي نصبها لها الأسود العنسي الكذاب المتنبئ، وغير ذلك.
ما هي ضوابط الكرامات؟
أولاً: يشترط للتصديق بالكرامة ثبوتها بطريق صحيح.
لأن أكذب الناس في ادعاء الكرامات الصوفية والباطنية في لأئمتهم، يعني: الصوفية يدعون لأقطابهم، وأوداتهم، وشيوخهم، والباطنية كالرافضة يدعونها لأئمتهم، فلا نؤمن بكرامة ولي من الأولياء إلا بإسناد صحيح عن الثقات.
قال الإمام الطحاوي رحمه الله: "ونؤمن بما جاء من كرامتهم، وصح عن الثقات من رواياتهم" [العقيدة الطحاوية: 1/25].
علق الشيخ الألباني رحمه الله: "لقد أحسن المؤلف صنعًا بتقيد ذلك بما صح من الروايات؛ ذلك لأن الناس وبخاصة المتأخرين منهم قد توسعوا في رواية الكرامات لدرجة أنهم رووا باسمها أباطيل لا يشك في بطلانها، كل من عنده أدنى علم بل أحيانًا تكون شركًا في الربوبية. [تخريج العقيدة الطحاوية: 1/51].
ومن أكبر الأمثلة على ذلك ما ذكره الشعراني المشرك في كتابه يقول عن أحد الأولياء: تركت قولي للشيء كن فيكون عشرين سنة أدباً مع الله، قضية: أراد شخص أن يسافر، فذهب إلى الشيخ فقال: له أريد أسافر يا شيخ.
فقال: له لا تسافر.
قال: يا شيخ لا بدّ من السفر.
قال والله أنا عندي أنه إذا سافرت سيخرج عليك لصوص يقطعون الطريق، ويقتلونك، ويأخذون مالك.
قال: لكن يا شيخ أنا مضطر للسفر.
قال: فذهب للشيخ الأكبر، قال: يا شيخ أنا ذهبت للشيخ، وقلت له: لازم أسافر، فقال: سيخرج عليك قطاع، وأنا لا بدّ لي من السفر.
قال: أنت لازم تسافر مضطر.
قال: نعم.
قال: سافر ذهب وسافر ورجع، وما صار له شيء، فذهب إلى شيخه الأول، قال له: أنا سافرت، ولم يحصل لي شيء.
قال له: أعرف.
قال طيب أنت قلت لي: كذا وبعدين حولتني، قال له: أنا ما كان عندي صلاحية أغير في اللوح المحفوظ، فأرسلتك عند القطب الأعظم، ذاك الذي يستطيع يغير في اللوح المحفوظ، أنا أعرف ما في اللوح المحفوظ، لكن لا أقدر أغير، لكن ذاك يقدر يغير، وخذ، وامش، واضحك، وأنت ماشي.
ثانيًا: ليس كل خارق للعادة يعد كرامة، وليس كل من حصلت له الخوارق هو من أولياء الله الصالحين.
فخوارق العادات التي تحصل للبشر، وعلى أيدي بعض الصالحين أو الطالحين الفاسدين، قد يكون منها كرامات خوارق للصالحين، ومنها للطالحين أحوال شيطانية، وغواية إضلال من بعض الجن، ولذلك لا بدّ من ضابط، وهو أن يعرض الخارق على الكتاب والسنة، فإن لم يكن مخالفًا لهما وتوفرت فيه بقية شروط الكرامة كانت كرامة، وإلا فهي تلبيس من الشيطان الرجيم.
قال الشوكاني رحمه الله: ولا يجوز للولي أن يعتقد في كل ما يقع له من الواقعات، والمكاشفات أن ذلك كرامة من الله سبحانه، فقد يكون من تلبيس الشيطان، ومكره، بل الواجب عليه أن يعرض أقواله وأفعاله على الكتاب والسنة، فإن كانت موافقة لها، فهي حق وصدق وكرامة من الله سبحانه، وإن كانت مخالفة لشيء من ذلك فليعلم أنه مخدوع ممكور به، قد طمع منه الشيطان فلبس عليه. [قطر الولي للشوكاني: 249].
ومن حصلت له خوارق للعادة من غير الأولياء ممن يقعون في الفواحش والمنكرات، أولا يؤدون الصلوات المفروضة، فهذه من الأحوال الشيطانية من تلبيس إبليس.
ثالثًا: يشترط للكرامة ألا تخالف أمرًا من أمور الشرع والدين.
لأن مخالفتها دليل على بطلانها, يعني: أنها ليست كرامة هي شيء آخر من أعمال الشياطين، فالكرامة لا تكون بحال من الأحوال مخالفة للشرع المبين، ولا الأحكام الشرعية، يعني: ما يمكن تكون الكرامة فعل شيء من المحرمات مثلاً الشعراني، يقول كان شيخنا يدخل في دبر الحرام ويخرج من فمه، ما هذه الكرامة العظيمة.
فالله تعالى أكمل الدين، وختمه بسيد المرسلين ولا رسول بعده، ولا دين غير دين الإسلام، ولا ناسخ لشرع الله الذي استقر أبداً: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي [المائدة: 3].
قال مالك رحمه الله: "ما لم يكن يومئذ ديناً فلا يكون اليوم دينًا". [الاعتصام للشاطبي: 1/49]، وهذا الشرط بدهي لأن الولي إنما نال الكرامة بطاعته لله، فلا يمكن أن تكون الكرامة عبارة عن معصية، ومن دلائل الولاية الوقوف عند النصوص الشرعية، فلا يكون وليًا لله من أحدث في دين الله ما ليس منه، فمن رأى شخصًا يظهر له في السماء، يقول: أبحت لك الحرام، أو حرمت عليك كذا من الحلال، فهذا تلبيس من إبليس بالتأكيد، وكما تحمله الجن ليحج مع الناس بلا إحرام، لا يقف عند الميقات، ولا يحرم مباشرة، هذا خدعته الجن، حتى لو شالوه من بلده إلى مكة، يعني، فتح عينيه ووجد نفسه في مكة، هذه ما هي كرامة، لأنه لو كان الجني الذي نقله فيه دين كان وقف به في الميقات ليحرم، ما جاوز به الميقات من غير إحرام، أو كمن يدعي لقي النبي ﷺ يقظة، أو أنه لقي الخضر يقظة، هذا معلوم أنه باطل.
وقد جرى للشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله قصة عجيبة مع إبليس.
قال: رأيت مرة عرشًا عظيمًا وعليه نور، فقال لي: يا عبد القادر أنا ربك، قد أحللت لك ما حرمت على غيرك، فقلت له: أنت الله الذي لا إله إلا هو اخسأ يا عدو الله، قال: فتمزق ذلك النور، وصار ظلمة، وقال: يا عبد القادر نجوت مني بفقهك في دينك وعلمك، لقد فتنت بهذه القصة سبعين رجلاً.
فقيل للشيخ عبد القادر: كيف علمت أنه الشيطان، قال: بقوله لي: أحللت لك ما حرمت على غيرك، وقد علمت أن شريعة محمد ﷺ لا تنسخ، ولا تبدل، ولأنه قال: أنا ربك، ولم يقدر أن يقول: أنا الله الذي لا إله إلا أنا، يقول الله في القرآن: لَنْ تَرَانِي[الأعراف: 143]. [ذيل طبقات الحنابلة: 1/120].
ومن ذلك ما حكاه القاضي عياض عن أبي ميسرة الفقيه المالكي رحمه الله: أنه بينما كان يتهجد في ليلة من الليالي ويبكي، ويدعو إذ بنور عظيم خرج له من حائط المحراب، ووجهه كالبدر، فقال له: تأمل يا أبا ميسرة في وجهي، فأنا ربك الأعلى، فبصق في وجهه، وقال: اذهب يا ملعون فعليك لعنة الله". [ترتيب المدارك: 1/380].
فإذاً الخوارق لا تكون بشيء لا يمكن شرعًا، ولا يمكن رؤية الله في الدنيا.
الخوارق بحد ذاتها ليست دليلاً على أن صاحبها ولي لله، لا تكون كرامة إلا إذا كان صاحبها ولي لله.
ولذلك قال ابن تيمية الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان: "رابعًا الكرامات لا تسبق المعجزات، ولا تفوقها، فكرامات الأولياء تشترك مع المعجزات في الأصل أنها خرق للعادة، لكنها دون المعجزة، ولا تصل إلى حد المعجزة، ولا إلى درجة المعجزة، هي أصلا تابعة للمعجزة، وإنما حصلت للولي ببركة اتباعه للنبي، فكرامات الأولياء من آيات الأنبياء، وما تكون فوقها، ولا تصل إليها، فإذا أكرم الله عبداً مثلاً بتكثير طعامه تكثيرًا ظاهرًا، فلا يمكن أن يصل إلى درجة أن يكون مثل كثرة الطعام التي حصلت للنبي عليه الصلاة والسلام، ونجاة أبي مسلم الخولاني من النار لا يمكن أن تكون بدرجة نجاة إبراهيم الخليل من النار، تلك أكيد أعظم، يعني: النار التي ألقي فيها أعظم، والنجاة منها، وليس حمل الجن لبعض الناس والطيران بهم من مكان إلى مكان حتى لو كانوا جنًا صالحين، وحملوه لا تصل إلى درجة سليمان : أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ [النمل: 39]. [الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان: 8].
خامسًا: التعويل على الكرامات ليس من منهج الإسلام.
يعني: أن تجعل شرطًا للإيمان، فقد عاب الله على الكفار طلب الآيات الخارقات، أنه لن نؤمن لك حتى تأتي بخوارق، يقول لهم: أنا أدعوكم إلى أن تعبدوا الله وحده لا شريك له، هذا شرط لازم نجيب لكم خارقة حتى تعبدوا الله وحده لا شريك له، وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ[الإسراء: 90-93]، يعني: من ذهب، أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ[الإسراء: 93]، وهكذا.
سادسًا: أعظم الكرامة لزوم الاستقامة.
قيل لأبي محمد المرتعش رحمه الله: فلان يمشي على الماء، قال: عندي أن من مكنه الله من مخالفة هواه فهو أعظم من المشي على الماء، كن صاحب الاستقامة لا طالب الكرامة، فإن نفسك متحركة في طلب الكرامة، وربك يطالبك بالاستقامة. [مدارج السالكين: 2/105].
سنذكر بمشيئة الله تعالى بقية يسيرة في الموضوع غداً في الدرس الأخير في السلسلة في هذه المدة إن شاء الله تعالى، وصلى وسلم على نبينا محمد.