الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

19- آداب المساجد 1


عناصر المادة
المقدمة
الذهاب إلى المسجد على أحسن هيئة
عدم تغطية الفم أثناء الصلاة
أن يكون طيب الرائحة
التسوك عند كل صلاة
التبكير والمسارعة إلى الصلاة
متابعة المؤذن والترديد معه
الصلاة بخشوع
الدعاء عند الخروج إلى الصلاة
المشي بسكينة ووقار
الذهاب إلى الصلاة ماشيًا
عدم تشبيك الأصابع
صيانة المساجد عن الأوساخ
تقديم الرجل اليمنى عند دخول المسجد
الدعاء عند دخول المسجد
الحرص على الصف الأول والقرب من الإمام
ضابط الصف الأول في المسجد الحرام
ضابط الصف الأول في المسجد النبوي

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:

المقدمة

00:00:10

ففي هذه الحلقة من سلسلة الآداب الشرعية، المجموعة الثانية، سنتحدث -إن شاء الله تعالى- عن آداب حضور المساجد.
لما كانت الصلاة جماعة في بيتٍ من بيوت الله من واجبات الدين، وسنن الهدى، كان لا بد للمسلم أن يعرف كيف يأتي المسجد، ويتأدب مع بيوت الله .
هذه المساجد التي أذن الله أن ترفع، ويذكر فيها اسمه، لكي: يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ۝ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ[النور: 36 - 37].

الذهاب إلى المسجد على أحسن هيئة

00:00:58

والأدب الأول من آداب حضور المساجد: هو الخروج على أحسن هيئة.
ومن هنا وجبت طهارة البدن والثوب، وكانت الطهارة من الأحداث والأنجاس، شرطاً لصحة الصلاة. وكثير من المصلين لا يهتم أو يلقي بالاً لحضور المساجد بالهيئة الحسنة، وأخذ الزينة الظاهرة، والرائحة الطيبة، والسواك.
والزينة الظاهرة، يراد بها جمال الثياب.
فينبغي للمصلي أن يلبس عند مناجاة ربه أحسن ثيابه في صلواته، من غير تفريق بين صلاة ليلية أو نهارية، أو صلاة فجر، أو غيرها؛ لقوله تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31].
وأهل العلم يستحبون للرجل أن يتجمل في صلاته ما استطاع من ثيابه وطيبه وسواكه، كما قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى. [التمهيد: 6/369].
وأما الذين يأتون إلى المسجد في هيئة رثة، ورائحة كريهة، وثياب المهنة، ورداء العمل، وملابس النوم؛ فلا شك أن هؤلاء لم يكلفوا أنفسهم الاعتناء بأخذ الأدب اللازم في بيوت الله تعالى، وخالفوا قول الله:يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف: 31]. فيتأذى المصلون بالرائحة، وتزكم الأنوف بالنتن والعرق.
ولو أن الإنسان أراد مقابلة شخص له جاه دنيوي لم يأتِ بهذه الملابس، بل إنه يرتدي أحسن ثيابه، ويتطيب بأحسن ما يجد، فكيف يهتم للوقوف أمام المخلوق، ولا يهتم بالوقوف أمام الخالق.
ثم إن لقاء المصلين، واجتماع إخوانه، لا بد أن يكون فيه ما يفتح نفوسهم للقيا أخيهم.
فإذا جاء بلباس غير حسن، فكيف تكون الألفة والإقبال؟
ثم أيضًا إن هناك نفر من عباد الله وهم الملائكة يتأذون مما يتأذى منه بنو آدم.
وبعض الناس لا يكلفون أنفسهم بتبديل ثياب النوم عند المجيء إلى صلاة الفجر، ولا يحملون عناء تبديلها، وربما أحياناً يخافون على الثياب أن تتأثر طياتها، ويتبدل صقلها؛ فيتركونها للعمل، وأما بيوت الله، فلا يحدث لها ما يجب من الزينة.
ومن الزينة: ستر العاتق، ومعلوم أن ستر العاتقين ليس من ستر العورة، وأن العورة ليس منها العاتق، وقد قال ﷺ: لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد وليس على عاتقه شيء[المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم: 2/ 122، رقم: 1143]. وفي رواية: على عاتقيه [رواه البخاري: 359، ومسلم: 1179].
وإذا ثبت أن العاتقين ليسا من العورة، فمعنى ذلك أن الأمر بسترهما ليس من شروط الصلاة، ولكن من أدب الصلاة، والمذهب عند أصحاب الإمام أحمد رحمه الله تعالى أن كشف المنكبين يبطل الصلاة، وذهب الجمهور إلى الاستحباب.
ومن الخطأ ما يفعله بعض المصلين عندما يصلي بهذه القمصان "الشيالة" التي لا يستر الكتفين منها إلا شيء يسير، فهذا لا يعتبر مطبقاً لحديث النبي ﷺ في ستر العاتقين.


وأما بالنسبة لستر الرأس؛ فإن الله أحق أن يتزين له، كما جاء في الحديث: الله أحق أن يتزين له[رواه الطبراني في الأوسط: 7062، وهو في الثمر المستطاب، للألباني، ص: 286].
فإذا كان الإنسان في بلد يتزين أهله بتغطية رؤوسهم كهذا البلد؛ فإنه يتأكد في حقه تغطية الرأس؛ لأن عرف الناس في البلد تغطية رؤوسهم، ليس هذا واجباً ولا يأثم بكشف الرأس، لكن يجري على فهم أهل بلده أنه من الزينة، وما تعارفوا عليه في هذا القضية؛ لأن قوله: خُذُوا زِينَتَكُمْ[الأعراف: 31] تشمل -أيضاً- الزينة العرفية التي تعارف عليها الناس.
ولكن لو كان في بلد لا يهتمون بتغطية رءوسهم أو جلهم لا يغطون رءوسهم، فعند ذلك لا يمكن تحديد حكم شرعي في تغطية الرأس في هذه الحالة في هذا البلد الذي لم يتعارفوا فيه على تغطية رءوسهم، لكن عادة المسلمين من القديم: تغطية الرأس، وكانوا يضعون العمائم.

عدم تغطية الفم أثناء الصلاة

00:06:33

وكذلك من الأدب: أن الإنسان لا يُغطي فاه في الصلاة، كما جاء أن النبي ﷺ: "نهى أن يغطي الرجل فاه في الصلاة" [رواه ابن ماجه: 966، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه:  789].
وليس من الزينة: تغطية الفم والتلثم.
وتخصيص الفم بالنهي عن تغطيته، لعل من أسباب ذلك: ألا تختنق الحروف في أثناء القراءة في الصلاة، بالإضافة إلى أن ذلك ليس من الزينة، فلا يحضر الإنسان عند أناس، ويغطي فمه في اجتماع حافل؛ ليس من الزينة.

أن يكون طيب الرائحة

00:07:25

وكذلك مما يتعلق بآداب حضور المساجد: أن يكون الإنسان طيب الرائحة، ولذلك قال ﷺ: من أكل من هذه الشجرة -يريد الثوم- فلا يغشنا في مسجدنا[رواه مسلم: 1283]. وفي رواية: من أكل البصل والثوم والكراث، فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم[رواه مسلم: 1282].
وهذه النصوص الصريحة تدل على أن الرائحة الطيبة لا بد منها لمن أراد حضور المسجد بالمفهوم.
وتدل بمنطوقها على أن من أكل ثوماً أو بصلاً أو كراثاً؛ فهو مأمور باعتزال مساجد المسلمين وجماعتهم، ومأمور بالجلوس في منزله، وفوَّت على نفسه بأكل الثوم والبصل فضيلة، وأجر الجماعة، وإباحة أكل هذه الأشياء لا يدل على عدم وجوب حضور الجماعة، لكن يدل على عدم جواز إتيان الجماعة لمن أكلها.
وأيضًا يقال: من أكل الثوم والبصل قاصدًا التحيل على إسقاط الجماعة، أو عدم حضور الجماعة، فيكون آثماً بهذه الحالة.
ولكن لو اشتهته نفسه، فأكل دون قصد التحيل على عدم حضور المسجد، فلا بأس بذلك.
لكن يكون قد حرم نفسه من أجر صلاة الجماعة.
وهذا النهي ليس خاصاً بالجزء الداخل من المسجد، بل إن رحبة المسجد وساحة المسجد، يشملها هذا الحكم أيضاً؛ لأنها من المسجد، فلا يدخل فيها وقد أكل ثوماً أو بصلاً أو كراثاً.
وقد جاء عن عمر  أنه قال: "إنكم أيها الناس تأكلون من شجرتين ما أراهما إلا خبيثتين: هذا البصل والثوم، ولقد رأيت نبي الله ﷺ إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع" ليس إلى رحبة المسجد ولا إلى الساحة، ولا إلى الباب، إلى البقيع "فمن أكلهما فليمتهما طبخاً". [رواه مسلم: 1286].
وإذا كان هذا في البصل والثوم والكراث، وهي في الأصل مباحة، فكيف بشرب الدخان لا شك أن ذلك يكون حراماً، وإثمه في إيذاء عباد الله من الملائكة والمصلين معلوم وواضح، وكيف يؤذي إخوانه في مساجدهم، برائحة هذا المشروب الخبيث!.

التسوك عند كل صلاة

00:10:32

ومن آداب حضور المساجد: التسوك؛ لأنه تنظيف للفم مما علق به من الروائح الكريهة، وقد قال ﷺ: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة[رواه مسلم: 612].  السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب[رواه البخاري: 3/40].
وثبت أنه يفوق فرشات الأسنان والمعجون من ناحية الصحة.
ولو استخدم أموراً أخرى غير السواك من الفرشاة، فلا بأس؛ فقد أدى جزءً من المقصود ولا شك.

التبكير والمسارعة إلى الصلاة

00:11:11

ومن آداب حضور المساجد: التبكير إليها، وانتظار إقامة الصلاة، والاشتغال بالذكر والنوافل، وقال تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ[آل عمران: 133].
وقال في مدح عباده الصالحين الصفوة: يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ[المؤمنون:61]. فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ [النــور: 36].
وهذه المسابقة تكون حسىً ومعنى، وتكون معنى لا حسًى.
والمسابقة على الأقدام حسىً تقتضي الجري والسرعة، ولكن الجري هنا والسرعة ممنوعان من حديث آخر، فلم يبق إلا أن تكون بمعنى الشغل، ومراقبة الوقت، والمبادرة والتبكير.
وليس معنى: وَسَارِعُوا أي: عليكم بالجري.
وقد كان السلف -رحمهم الله- يهتمون بذلك جداً، وكانوا يشتاقون إلى الصلاة، وقلوبهم متعلقة بالمساجد، قال عدي بن حاتم : "ما دخل وقت صلاة قط حتى أشتاق إليها". [تعظيم قدر الصلاة: 1/339].
وقال: "ما أقيمت الصلاة منذ أسلمت إلا وأنا على وضوء". [سير أعلام النبلاء: 3/164].
وكذلك قال سعيد بن المسيب رحمه الله: "ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد". [سير أعلام النبلاء: 4/221].
وقال: "ما سمعت تأذينًا في أهلي منذ ثلاثين سنة"... وما فاتته صلاة الجماعة أربعين سنة، ولا نظر في أقفائهم، ما نظر في قفا مصلي.
معنى ذلك: أنه كان دائماً في الصف الأول.
وكان الأعمش رحمه الله من المحافظين على ذلك، حتى قال وكيع: "اختلفت إليه قرابة سنتين فما رأيته يقضي ركعة، وكان قريبا من سبعين سنة، لم تفته التكبيرة الأولى" [صفة الصفوة، لابن الجوزي: 3/117].
وبشر بن الحسن كان يقال له: صفي؛ لأنه كان يلزم الصف الأول في مسجد البصرة خمسين عاماً. وكان إبراهيم بن ميمون المروزي من الذين يمتهنون صياغة الذهب والفضة، فكان إذا رفع المطرقة، فسمع النداء، ألقاها ولم يردها، ولم يطرق بها.
ولا شك أن المبادرة إلى المساجد، والتبكير إليها، من الآداب العظيمة التي تسبب للإنسان الاتصاف عدة فضائل منها: أن يظله الله في ظله، وأنه في صلاة مادام ينتظر الصلاة، وأن الملائكة تصلي عليه، وتستغفر له.

متابعة المؤذن والترديد معه

00:14:15

وكذلك فإن من آداب الحضور إلى المساجد: الترديد مع الإقامة، وهذا يفوت كثيراً من المصلين، وقد قال ﷺ: إذا سمعتم المنادي يثوب بالصلاة، فقولوا مثلما يقول [رواه أحمد: 15658، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة بشواهده: 1328].
والإقامة لا شك أنها أذان؛ لأنه ﷺ قال: بين كل أذانين صلاة[رواه البخاري: 627، ومسلم: 1977].
فسمَّى الإقامة: أذانًا.
وقال: إذا سمعتم النداء، فقولوا مثلما يقول المؤذن [رواه البخاري: 611، ومسلم: 874].
قال ابن حجر رحمه الله: "اُستدل به على مشروعية إجابة المؤذن في الإقامة" [فتح الباري: 2/92].
وقول بعض الناس عند قول المقيم: "قد قامت الصلاة" يقولون: "أقامها الله وأدامها" مبني على حديث ضعيف فلا يفعل.
وكذلك من ثمار المبادرة والإسراع إلى المسجد: إدراك تكبيرة الإحرام، وقد جاء في الحديث الحسن: أن النبي ﷺ قال: من صلى لله أربعين يوماً في جماعة يدرك تكبيرة الإحرام، كتبت له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق[رواه الترمذي: 241، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 409].
وما معنى: يدرك تكبيرة الإحرام؟
أن يحضر تكبير الإمام، ويشتغل عقبها بعقل صلاته.
إذًا، تدرك تكبيرة الإحرام مع الإمام بما يلي:
أن يكون قائمًا في الصف عندما يكبر الإمام تكبيرة الإحرام.
وأن يحرم بعده مباشرة.
فإذا دخل المسجد والإمام قد كبر، فلا يعتبر أنه قد أدرك تكبيرة الإحرام.
وإذا وصل إلى الصف بعدما شرع الإمام في الفاتحة؛ لا يعتبر مدركاً تكبيرة الإحرام، ولا يدرك تكبيرة الإحرام إذا أدرك الإمام قبل الركوع، ولا يدرك تكبيرة الإحرام إذا بقي واقفاً في الصف، بعدما يكبر الإمام ينشغل؛ لأن بعض الناس إذا كبر الإمام تكبيرة الإحرام بقي منشغلاً في تعديل اللباس، وعمل أشياء كثيرة، حتى يشرع الإمام في القراءة وهو ما بعد كبر.
إذًا، متى تحصل هذه الفضيلة وهذا الأجر؟
إذا كان قائماً في الصف، عندما يكبر الإمام للإحرام، وأحرم بعده مباشرة، عند ذلك نطلق عليه أنه أدرك تكبيرة الإحرام.
وبناءً على هذا، فإن الذي يتم صلاة نافلة كتحية المسجد، وقد كبر الإمام، وشرع في القراءة، وهو لم يقم بعد إلى الصلاة، فإنه لا يعتبر أنه أدرك تكبيرة الإحرام، لكن إذا كان في آخر صلاته أنهاها خفيفة.
ومن هنا يظهر وجه قول الذي ذهب إليه بعض أهل العلم أن الإنسان يقطع صلاته -إذا أقيمت الصلاة- فوراً، لكي يدرك تكبيرة الإحرام، لكن لو أخذ بالقول الآخر وأتمها خفيفة، فله ذلك، إذا كان في آخر الصلاة، أما إذا كان في أولها أو وسطها، فإنه يقطعها مباشرة بغير سلام.
وهذا يدل على أن التبكير يجعل تحية المسجد قبل الإقامة بفترة، ولذلك يدرك تكبيرة الإحرام، لكن لو أنه تأخر ستكون تحية المسجد أو جزء منها في وقت الإقامة، فلربما لا يدرك تكبيرة الإحرام.

الصلاة بخشوع

00:18:40

ومن الآداب أيضاً: الصلاة بخشوع، وهذا موضوع طويل، وهو لب الصلاة.
ومن صلَّى صلاة لم يخشع فيها، من أولها إلى آخرها، أعادها، إذا دخل في تكبيرة الإحرام، ما حضر قلبه ألبتة، ولم وعى شيئاً إطلاقاً، فهذا يعيد الصلاة، أما من كان يحضر ويغيب؛ فإن صلاته صحيحة، ولكن يفوته من الأجر بقدر ما غاب عن صلاته، وليس لك من صلاتك إلا ما عقلت.

الدعاء عند الخروج إلى الصلاة

00:19:46

ومن آداب حضور المساجد: الدعاء عند الخروج إلى الصلاة، ودعاء المسجد معروف: اللهم اجعل في قلبي نورا [رواه البخاري:6316، ومسلم: 1824].
ولكن هناك حديث قد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: رقدت عند رسول الله ﷺ، فاستيقظ فتسوك وتوضأ، وهو يقول: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ  [آل عمران:190].
فقرأ هؤلاء الآيات حتى ختم السورة، ثم قام فصلى ركعتين، فأطال فيهما القيام والركوع والسجود، ثم انصرف فنام حتى نفخ، ثم فعل ذلك ثلاث مرات، ستة ركعات.
كل ذلك يستاك ويتوضأ، ويقرأ هؤلاء الآيات، ثم أوتر بثلاث، فأذن المؤذن، فخرج إلى الصلاة، وهو يقول: اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي لساني نوراً، واجعل في سمعي نوراً، وفي بصري نوراً، واجعل من خلفي نوراً، ومن أمامي نوراً، واجعل من فوقي نوراً، ومن تحتي نوراً، اللهم أعطني نوراً[رواه مسلم: 1835].
فهذا يدل على مشروعية هذا الدعاء.
وقد كان ﷺ، كما نقله ابن عباس، قاله عند الخروج إلى صلاة الفجر بعد قيام الليل، فينبغي فقهه.
ودعاء: اللهم إني أعوذ بك أن أَضِل أو أُضَل[رواه أبو داود: 5096، وابن ماجه: 3884، وأحمد: 26772، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه: 3134] للخروج من البيت؛ سواء للمسجد أو لغير المسجد،  فيقوله إذا خرج من المسجد بالإضافة إلى دعاء الذهاب إلى المسجد.

المشي بسكينة ووقار

00:21:50

ومن آداب حضور المساجد: أن يمشي إليها بسكينة ووقار؛ لقوله ﷺ: إذا سمعتم الإقامة، فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا[رواه البخاري: 636، ومسلم: 1389].
وفي رواية: إذا ثوب للصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأُتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا، فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة؛ فهو في صلاة[رواه مسلم:1390].
وفي رواية: ولكن يمشي وعليه السكنية والوقار [المعجم، ص: 324) لعَبْد الخالق بْن أسد الحنفيّ، وهو في الثمر المستطاب للألباني، ص: 233].
فهذا يبين الأدب في حضور المساجد.
فما تعريف السكينة؟ وما تعريف الوقار؟
أما السكينة، فهي التأني في الحركات، واجتناب العبث.
يعني لو واحد ماشي إلى المسجد، ويقفز في مشيته، أو يعبث بأي شيء من العبث، يفرقع الأصابع، يعمل حركات بيديه أو رجليه؛ فهذا لا يعتبر أنه جاء إلى المسجد وعليه السكينة.
فالسكينة، هي التأني في الحركات، واجتناب العبث.
وأما الوقار، فقد عرفوه بأنه: غض البصر، وخفض الصوت، وعدم الالتفات.
وإذا جاء إلى المسجد بهذه الصفات يكون قد حصل ثلاثة أمور:
أولاً: الراحة والطمأنينة؛ لأنه إذا أسرع ودخل الصلاة على هذه الحال من السرعة؛ فإنه يدخل وقد حفزه النفس، وثار نفسه، فلا يحصل له تمام الخشوع، بخلاف ما لو  دخل الصلاة وهو ساكن مرتاح، ويكون إلى الخضوع والخشوع أقرب.
ثانياً: أنه يكون قد امتثل قوله ﷺ: فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة، فهو في صلاة[رواه مسلم: 1390] يعني في حكم المصلي.
فينبغي عليه اعتماد ما ينبغي للمصلي اعتماده، واجتناب ما ينبغي للمصلي اجتنابه.
ثالثاً: يحصل له كثرة الخطا التي يفوت منها شيء مع السرعة، وقد قال ﷺ: إن لكم بكل خطوة درجة[رواه مسلم: 1550].


وفي رواية: إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى الصلاة لم يرفع قدمه اليمنى إلا كتب الله له حسنه، ولم يضع قدمه اليسرى إلا حطَّ الله عنه سيئة، فليقرب أحدكم أو ليبعد [رواه أبو داود: 563، وصححه الألباني في صحيح أبي داود: 572].
فعلى المصلي أن يخرج بسكينة ووقار، ويجتنب العبث، ولا يتكلم بالكلام القبيح.
وهذه السكينة والوقار، مأمور بها عموماً، ومنهي عن الإسراع عموماً، لا فرق بين أن يخاف فوات تكبيرة الإحرام، أو يخاف فوات الركعة، أو يخاف فوات الصلاة بالكلية.
فإذًا، لا يسرع، ولا يهرول، ولا يعدو؛ سواء خاف فوات تكبيرة الإحرام، أو خاف فوات الركعة، أو خاف فوات الصلاة بالكلية؛ لأنه وهو يمشي إلى الصلاة هو في صلاة، فلا يليق به أن يهرول وهو في صلاة.
والأصل أن هذا الحكم يعم صلاة الجمعة وغير الجمعة، ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- اجتهد في أن من خشي أن تفوته الركعة الأخيرة من الجمعة إذا لم يسرع، فلا بأس أن يسرع حتى لا تفوته الركعة الأخيرة من الجمعة؛ لأنه إذا فاتته، فاتته الجمعة، وصلَّى ظهراً، وليس له جمعة.
وهذا اجتهاده رحمه الله في هذه المسألة.
وأما بقية الحالات فلا إسراع أبدًا.
وأكثر الداخلين إلى المساجد يُخلِّون بهذا الأدب، فيسرعون، ويشوشون على أنفسهم بالعجلة، وعدم التأني، وعلى إخوانهم المسلمين والمصلين، بأصوات الأحذية، وحركات الأرجل، وعلى الإمام بالنحنحة، وغير ذلك.
وربما اجتهد أحدهم خاطئا، فقال: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ[البقرة: 153]، وجهر بها، ونحو ذلك، وقعقع بمفاتيحه، وكل هذا مخالف لآداب الصلاة وحضور المساجد.
إن قال قائل: ما معنى قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ[الجمعة:9]؟
فقد تقدم الكلام: بأنه لا يكون معناه الإسراع والعدو مطلقاً، وإنما تكون المبادرة والتكبير والاجتهاد في الحضور، على أن النبي ﷺ ربما أسرع لصلاة الكسوف بالذات، قام مسرعاً إليها، فزعاً أن تكون الساعة.

الذهاب إلى الصلاة ماشيًا

00:28:07

ومن آداب حضور المسجد: أن يذهب ماشياً، وأبعد الناس منزلاً أعظمهم أجراً.
والسنة مقاربة الخطا، وعدم المباعدة بين الخطوات، مقاربة الخطا، لتكثر حسنات الماشي، قال عليه الصلاة والسلام: ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط [رواه مسلم: 610].
وقال: إن أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم [رواه البخاري: 651، ومسلم: 1545].
ففي هذه الأحاديث دليل على فضل المنزل البعيد عن المسجد لحصول كثرة الخطا، وكثرتها تكون ببعد الدار، وتكون بكثرة التردد إلى المسجد.
وعن أبي بن كعب  قال: كان رجل لا أعلم رجلاً أبعد من المسجد منه، وكان لا تخطئه الصلاة، فقيل له أو قلت له: لو اشتريت حماراً تركبه في الظلماء وفي الرمضاء؟ قال: ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد، ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي، فقال رسول الله ﷺ: قد جمع الله لك ذلك كله [رواه مسلم: 1546].
إذًا، الأجر ليس بالمجيء إلى المسجد فقط، وإنما في العودة إلى البيت أيضًا، خطوتان إحداهما تمحو خطيئة، والأخرى ترفع حسنة؛ كما جاء في صحيح مسلم في المشي إلى بيتٍ من بيوت الله، لصلاة الفريضة من فرائض الله.


وليبشر المشاؤون إلى المساجد في الظلم بالنور التام يوم القيامة، والأجر لهم إن شاء الله، حتى بعد اختراع الكهرباء، وإنارة الشوارع في الليل؛ لأن الأصل أن هاتين الصلاتين ليليتين، في ظلمة الليل تصليان، والإتيان إلى المسجد، فيه فوائد صحية، ولكن  الإنسان يحتسب الأجر قبل الفوائد الصحية، ولكن يظهر أثر هذا على من كان يمشي، فهذا -مثلاً- شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين، يمشي يومياً كما أخبرني الشيخ عبد الله بن جبرين عنه، يقول: يمشي يومياً ثمانية كيلو مترات، يعني من بيته إلى المسجد.
قال الشيخ عبد الله بن جبرين: ولذلك صحته جيدة، فعدونا مرة بجانبه في المسعى بين العلمين الأخضرين، فسبقنا جميعاً، وهو في السبعين من عمره!.
يعني يتضح فيه بجلاء قضية أثر المشي إلى المسجد.

عدم تشبيك الأصابع

00:31:49

ومن آداب الحضور إلى المسجد: عدم التشبيك بين الأصابع، والدليل على ذلك، ما جاء عن أبي هريرة  أن رسول الله ﷺ قال:إذا توضأ أحدكم في بيته، ثم أتى المسجد، كان في صلاة حتى يرجع، فلا يفعل هكذا وشبك بين أصابعه [رواه الدارمي: 1406، والحاكم: 744، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 445].
وكذلك جاء عن أبي ثمامة الحناط: أن كعب بن عجرة أدركه وهو يريد المسجد، فقال: فوجدني وأنا مشبك بيدي في الطريق إلى المسجد؛ فنهاني عن ذلك، وقال: إن رسول الله ﷺ قال: إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه، ثم خرج عامداً إلى المسجد، فلا يشبكن يديه، فإنه في صلاة[رواه أبو داود: 562، وصححه الألباني في صحيح أبي داود: 571].
وهذا النهي عن التشبيك علله بأنه في صلاة، فلا يليق وهو في صلاة أن يشبك بين أصابعه.
وهذا النهي عن تشبيك الأصابع حال المشي إلى المسجد للصلاة.
قال الخطابي رحمه الله: "تشبيك اليد هو إدخال الأصابع بعضها في بعض والاشتباك بها. وقد يفعله بعض الناس عبثًا، وبعضهم ليفرقع أصابعه عندما يجده من التمدد فيها، وربما قعد الإنسان فشبك بين أصابعه واحتبى بيديه يريد به الاستراحة وربما استجلب به النوم فيكون ذلك سببًا لانتقاض طهره فقيل لمن تطهر وخرج متوجهًا إلى الصلاة: لا تبشك بين أصابعك؛ لأن جميع ما ذكرناه من هذه الوجوه على اختلافها لا يلائم شيء منها الصلاة، ولا يشاكل حال المصلي" [معالم السنن: 1/161].
إذًا، عرفنا أن من الآداب أثناء الحضور إلى المسجد: ألا يشبك بين أصابعه، سواء جعلهما أمامه، أو خلفه، أو على جنب، أو فوق رأسه، بعض الناس يمشي هكذا...، فهذه ليست حال سكينة ووقار.
وإذا حضر إلى المسجد للصلاة، لا يشبكن بين أصابعه.
أليس قد ورد أن النبي ﷺ عندما صلى صلاة نسي فيها، قام كهيئة المغضب إلى خشبة معروضة في المسجد، فاتكأ عليها وشبك بين أصابعه؟
بلى.
فكيف نوفق بين هذا وبين ما تقدم؟
فالجواب: إن التشبيك هنا قد حصل بعد انقضاء الصلاة، فهو في حكم المنصرف من صلاته، فيكون النهي إذاً خاصاً بمن جاء إلى المسجد، وبما كان قبل الصلاة.
وأما ما حصل بعد الصلاة، أو إذا جلس للدرس بعد الصلاة، وقال: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه [رواه البخاري: 2446]، فلا حرج في ذلك.
وكذلك فليس من الأدب أن يفرقع الذي يأتي إلى الصلاة أصابعه، ولا يفعل ذلك في المسجد، ولا في انتظار الصلاة؛ لأنه ليس من السكينة ولا من الوقار ولا من الخشوع، وغمز المفاصل حتى تصوت هذه فرقعة الأصابع، وقد جاء عن شعبة مولى ابن عباس قال: صليت إلى جنب ابن عباس ففرقعت أصابعي، فلما قضيت الصلاة، قال: لا أم لك تفرقع أصابعك وأنت في الصلاة؟!". [رواه ابن أبي شيبة: 7280، وحسَّنه الألباني إسناده في إرواء الغليل: 378].

صيانة المساجد عن الأوساخ

00:37:37

ومن آداب حضور المساجد: تعاهد النعلين، والمسلم مطالب بنظافة جسده ولباسه، وصيانة المساجد عن الأوساخ، ولا يخلو الطريق إلى المسجد من وجود أوساخ.
والصلاة بالنعال قد ثبتت عن النبي ﷺ، وهذا محله ما إذا كان المسجد مفروشًا بالحصى، أو صلى في رحبته على البلاط، أو على الرمل، أو صلى في الصحراء في السفر، أو في مصلى العيد غير المفروش، وفي هذه الحالة يتأكد قبل أن يدخل إلى المصلى أو إلى مسجد العيد، أو المسجد المفروش بالحصى، أو مكان الصلاة الذي سيصلي في الصحراء، أو في السفر، أن ينظر في نعليه، فإذا رأى ما يريبه؛ فليدلكهما بالتراب؛ فإن التراب لهما طهور، فمسح النعل، ودلكها بالأرض، مطهر لها من القذر والأذى.
وأما بالنسبة للمساجد المفروشة، فإن من إتلاف الفراش أن يصلي عليها بالنعال، ولذلك لا يفعله؛ لأن هذا السجاد وقف على المسجد فلا يتلف، ولا يعرض لما يتلفه، وإذا أراد أن يضع نعاله داخل المسجد، فلا يؤذي بهما من أمامه ولا من عن يمينه، ولا من عن شماله، ولا من خلفه، فأين يجعلهما؟
بين قدميه، هذا المكان الذي لا يؤذي به أحداً إذا احتاج أن يدخل بالنعال المسجد، يجعلهما بين قدميه، فهذا من آداب حضور المساجد: إذا صلى أحدكم فخلع نعليه فلا يؤذ بهما أحدا ليجعلهما بين رجليه أو ليصل فيهما[رواه أبو داود: 655، وهو حديث صحيح، وحسن إسناده الألباني في صحيح أبي داود: 662].

تقديم الرجل اليمنى عند دخول المسجد

00:39:59

ومن آداب حضور المسجد: تقديم الرجل اليمنى عند الدخول، لما جاء عن أنس  أنه قال: "من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى، وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى" [أخرجه الحاكم: 791، وقال: "صحيح على شرط مسلم"، وهو في السلسلة الصحيحة : 2478].
وهذا كما ترى موقوف وليس بمرفوع.
قال ابن حجر رحمه الله: والصحيح أن قول الصحابي: من السنة كذا، محمول على الرفع.
وقال البخاري رحمه الله في صحيحه: "باب التيمن في دخول المسجد وغيره، وكان ابن عمر يبدأ برجله اليمنى، حتى إذا خرج بدأ برجله اليسرى" [صحيح البخاري: 1/116].
ثم ذكر حديث عائشة رضي الله عنها بلفظ: "كان النبي ﷺ يحب التيمن ما استطاع، في شأنه كله في طهوره وترجله وتنعله" [رواه البخاري: 426].
فالبداءة باليمين عند دخول المسجد؛ لأنه حال طيب.
وقال ابن علان: وخصت اليمنى بالدخول لشرفه، واليسرى بالخروج للأشياء؛ لأن الخروج نفسه من المسجد ليس كالدخول.
وهذا مما ينبغي الاعتناء به كسائر الآداب.

الدعاء عند دخول المسجد

00:41:27

ومن آداب حضور المسجد: الدعاء عند دخول المسجد: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وعند الخروج: اللهم إني أسألك من فضلك[رواه مسلم: 1685].
وورد أيضًا في الحديث الصحيح: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم، فإذا قال ذلك عند دخوله، قال الشيطان: "حُفظ مني سائر اليوم"[رواه أبو داود: 466، بإسناد جيد، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح: 749].
وأيضًا ورد الصلاة على النبي ﷺ، وقول: اللهم أجرني من الشيطان الرجيم[رواه ابن خزيمة: 452، والحاكم: 747، وإسناده حسن لشواهده].
فلماذا طلبت الرحمة في الدخول وطلب الفضل في الخروج؟
لأن المصلي إذا دخل المسجد اشتغل بما يقربه إلى الله -تعالى-، وإلى رضوانه وجنته، من الصلاة والذكر والدعاء، فناسب ذكر الرحمة.
وإذا خرج اشتغل بابتغاء الرزق الحلال، فناسب ذكر الفضل، قال الله تعالى: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ[الجمعة:10].

الحرص على الصف الأول والقرب من الإمام

00:42:54

ومن آداب حضور المساجد -أيضاً-: التقدم إلى الصف الأول، والقرب من الإمام، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة: لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا [رواه البخاري: 615، ومسلم: 1009].  لو تعلمون ما في الصف الأول ما في الصف المقدم؛ لكانت قرعة [رواه مسلم: 1012]. ولو علمتم ما فضيلته لابتدرتموه [رواه أبو داود: 554، والنسائي: 843، وأحمد: 21302، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود: 563].  لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله  [رواه مسلم: 1010].
إذًا، فضيلة الصف الأول عظيمة.
والمقصود بالصف الأول هو ما يلي الإمام، سواء جاء صاحبه متقدماً أو متأخراً، ولكن المتقدم يكون قد جمع أجر التبكير، بالإضافة إلى الصف الأول.
يعني لو جاء واحد آخر شيء، ثم حصل له مكاناً، فله أجر الصف الأول، لكن ليس له أجر التبكير مثلما حصل للمبكر.
وفي الصف الأول مزايا عظيمة، ذكر ابن حجر بعضاً منها، فمن ذلك: "المسارعة إلى خلاص الذمة، والسبق لدخول المسجد، والقرب من الإمام، واستماع قراءته، والتعلم منه، والفتح عليه، والتبليغ عنه، والسلامة من اختراق المارة بين يديه، وسلامة البال من رؤية من يكون قدامه، وسلامة موضع سجوده من أذيال المصلين" [فتح الباري: 2/208].
ومن الأخطاء: أن عددًا من  الناس إذا دخل المسجد لا يتجه إلى الصف الأول، إنما يتجه إلى الصف الثاني، يجلس وسط، وهذا خلاف ما عليه صحابة الرسول ﷺ، كانوا إذا جاؤوا قبل الصلاة ابتدروا الصف الأول، ما يكون في الصف الأول فرج، تتسع لأشخاص، ويبدؤون بالثاني، أبدًا، خلاف ما عليه الناس اليوم، من الجهل، وعدم اتباع السنة، والرغبة عن الخير والزهد في الثواب، فلماذا؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فمن جاء أول الناس وصف في غير الأول، فقد خالف الشريعة، وإذا ضم إلى ذلك إساءة الصلاة أو فضول الكلام أو مكروهه أو محرمة، ونحو ذلك مما يصان المسجد عنه؛ فقد ترك تعظيم الشرائع، وخرج عن الحدود المشروعة من طاعة الله، وإن لم يعتقد نقص ما فعله، ويلتزم اتباع أمر الله؛ استحق العقوبة البليغة التي تحمله وأمثاله على أداء ما أمر الله به، وترك ما نهى الله عنه". [مجموع الفتاوى: 22/262].


وينبغي لطلبة العلم والحفظة أن يتقدموا إلى الصف الأول قبل غيرهم، وأن يلوا الإمام، ويتعمدوا الوقوف خلفه؛ لقوله ﷺ: ليلنى منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم[رواه مسلم: 1000].
قال النووي في شرح الحديث: "تقديم الأفضل فالأفضل إلى الأمام؛ لأنه أولى بالإكرام، ولأنه ربما احتاج الإمام إلى استخلاف فيكون هو أولى، ولأنه يتفطن لتنبيه الإمام على السهو لما لا يتفطن له غيره، وليضبطوا صفة الصلاة ويحفظوها وينقلوها ويعلموها الناس وليقتدي بأفعالهم من وراءهم" [المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج: 4/155].
فالسنة أن يتقدم في الصف الأول أهل الفضل والسن، وأن يلي الإمام أكملهم وأفضلهم، قال الإمام أحمد: "يلي الإمام الشيوخ، وأهل القرآن، ويؤخر الصبيان" [المغني: 2/47].
فإذا التفت الإمام فرأى وراءه صبياً، فقال له: يا ولدي تأخر، أو اذهب إلى آخر الصف، فليس هذا من التعسف، وقلة الأدب، أو الذوق كما يسميه بعض الناس، وعدم احترام مشاعر الأطفال، هذا من الحفاظ على تطبيق السنة:ليلني منكم أولو الأحلام والنهى [رواه مسلم: 1000].
وليس الأطفال والصغار منهم؛ لأنهم أقربهم من العبث، ولا يعون الصلاة وعيًا تامًا بحيث يفتح على الإمام، أو ينبه الإمام إذا أخطأ، أو عندهم فقه وعلم، يعرفون كيف يتصرفون.
إذًا، الصف الأول والدنو من الإمام خاص بالرجال.
أما النساء، فيتعين في حقهن التأخير، والبعد عن الإمام، كما جاء في الأحاديث.

ضابط الصف الأول في المسجد الحرام

00:49:26

الآن في مسألة: الصف الأول: أين الصف الأول في المسجد الحرام؟
معلوم أن المسجد الحرام فيه دوائر حول الكعبة، فأين الصف الأول في الحرم؟
الدائرة الأولى مما يلي الإمام مباشرة، الحلقة الأولى، بعد الإمام هي الصف الأول، وإن كان في الجهة الأخرى ناس تقدموا، فليسو بالصف الأول.
فإذا أراد أجر الصف الأول في الحرم، فعليه أن يكون في الدائرة الأولى بعد الإمام مباشرة؛ لأن الإمام قد يصلي في السقف، المكان المضلل، قد يصلي أمام، بعض المصلين يبقى ... الكعبة من جهة الكعبة من الجهة الأخرى.

ضابط الصف الأول في المسجد النبوي

00:50:18

أين الصف الأول في المسجد النبوي؟ هل هو في التوسعة؟ أو هو في المسجد القديم في الروضة وراء المحراب القديم الذي كان يصلي فيه النبي ﷺ؟
الجواب: الصف الأول هو ما كان وراء الإمام في التوسعة، إذا صلى هناك، فرواءه هو الصف الأول، وليس في الروضة، ولا المحراب القديم، ولو فعل ذلك كثير ممن لا علم عنده، يتزاحمون في هذا المكان، ويتركون الصف الأول، والصف الثاني، والصف الثالث، ويبتدرون الروضة، فهذا من الجهل بالأجر. الروضة ورد فيها: ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة[رواه البخاري: 1195، ومسلم: 3434].
فسره الإمام مالك وغيره: بإقامة حلق العلم في هذا المكان، حلق الذكر، ولم يرد نص مرفوع عن النبي ﷺعلى صلاة ركعتين في الروضة، أو أن الإنسان يبتدر هذا المكان، ولو الإمام كان أمامه, فهذا غير صحيح.
إذًا، ترك وصل الصفوف وإتمام الأول فالأول خطأ، وتفويت الصلاة في الصف الأول مع إمكان التقدم خطأ، سواء في الحرم المكي، أو في الحرم النبوي، ومخالفة للهدي النبوي، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وقد جاءت الآثار بأن حكم الزيادة في مسجده -الإضافات والتوسعات- حكم المزيد، تضعف فيه الصلاة بألف صلاة، كما أن المسجد الحرام حكم الزيادة فيه حكم المزيد، فيجوز الطواف فيه -يعني لو وسعوا المسجد- والطواف لا يكون إلا في المسجد لا يكون خارجاً عنه، ولهذا اتفق الصحابة على أنهم يصلون في الصف الأول من الزيادة التي زادها عمر ثم عثمان، وعلى ذلك عمل المسلمين كلهم، فلولا أن حكمه حكم مسجده، لكانت تلك صلاة في غير مسجده" [الرد على الأخنائي، ص: 126]، ثم قال وهذا: "هو الذي يدل عليه كلام الأئمة المتقدمين وعملهم، فإنهم قالوا: إن صلاة الفرض خلف الإمام أفضل، وهذا الذي قالوه هو الذي جاءت به السنة، وكذلك كان الأمر على عهد عمر وعثمان -رضي الله عنهما-، فإن كلاهما زاد من قبلي المسجد، فكان مقامه في الصلوات الخمس في الزيادة، وكذلك مقام الصف الأول الذي هو أفضل ما يقام فيه بالسنة والإجماع، وإذا كان كذلك فيمتنع أن تكون الصلاة في غير مسجده أفضل منها في مسجده، وأن يكون الخلفاء والصفوف الأول كانوا يصلون في غير مسجده -لا يمكن عمر يكون يصلي في غير مسجده، لما وسع دخل فيه، صار الصلاة في مسجد النبي ﷺ وما بلغني عن أحد من السلف خلاف هذا، لكن رأيت بعض المتأخرين قد ذكر أن الزيادة ليست من مسجده، وما علمت لمن ذكر ذلك سلفا من العلماء. [الرد على الأخنائي، ص: 126].