الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

هل الخوف شرط في القصر في السفر ؟


وقصر الصلاة في السفر ثبت بالكتاب والسنة والإجماع، قال الله تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء: 101]، وضربتم في الأرض: سافرتم، فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا  [النساء: 101]، تجعلوا الرباعية ثنتين،  مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء: 101] نلاحظ في الآية كأن هناك تقييد القصر في السفر بالخوف؛ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا [النساء: 101].

فالآن قوله:  إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا  [النساء: 101]، هل هذا فعلاً شرط؟ بمعنى: إذا أمنا وما في عدو في الطريق فلا يجوز لنا أن نقصر ولو كنا مسافرين؟، يعني: هل شرط القصر السفر والخوف من العدو؟ لا، ما هو شرط القصر إذن؟، السفر فقط، وهذا القيد المذكور في الآية:  إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ، نسخته السنة، قيد أغلبي، الغلبة في السفر في زمن الصحابة في زمن الوحي كان هناك خوف من الكفار، متى أمن المسلمون على أنفسهم؟ بعد فتح مكة، لكن في الأسفار الأخرى، يعني حتى لو سافروا الحبشة أو سافروا الهجرة، أو سفر الجهاد إلى بدر أو إلى المغازي الأخرى؛ بني المصطلق كذا، خيبر؛ هناك خوف، الحديبية، حتى الأسفار يعني لما ذهبوا للعمرات مع النبي ﷺ، إذن غالب الأسفار التي سافرها الصحابة في زمن النبوة كان فيها خوف من الكفار؛ لأن ما استتب الوضع في الجزيرة ولا أمنت السُّبُل إلا في آخر العهد النبوي.

ولذلك قوله تعالى: إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا هذا يحكي الواقع في ذلك الوقت، والغالب في ذلك الوقت، فبما أنه أغلبي فلا مفهوم له، هذا القيد بما أنه أغلبي ومرتبط بزمن معين فلا مفهوم له.

ومعنى لا مفهوم له، لو قلت: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ، ما هو المفهوم من هذا الكلام؟ إذا لم تخافوا فلا تقصروا، وبما أن هذا القيد أغلبي فلا مفهوم له، إذن، لا تعمل بالمفهوم، المفهوم غير مراد؛ لأنه قيد أغلبي، المفهوم غير مراد، هذا يعني لا مفهوم له، ما هو يعني لا مفهوم له يعني كلام ما ينفهم لا، لا مفهوم له يعني ليس المفهوم مرادًا؛ لأن عندنا منطوق ومفهوم،  فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ، مفهومه: إذا ما خفتم لا تقصروا، ولكن هذا القيد الأغلبي هنا لا مفهوم له، فليس الخوف من العدو شرطًا في جواز القصر، إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا  [النساء: 101].

قال العلماء: هذا الشرط خرج مخرج الغالب حال نزول هذه الآية، فإن المسلمين في مبدأ الإسلام بعد الهجرة كانت أغلب أسفارهم مخوفة، بل ما كانوا ينهضون إلا إلى غزو عام، أو في سرية خاصة، ما يكاد يكون عندهم سفر إلا في غزوة، حتى العمرة صدوُّهم، كادت تنشب معركة في الحديبية، ورجعوا بدون عمرة، والمنطوق إذا خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له.

لنأخذ مثالاً آخر على هذا، قال الله تعالى: وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا  [النور: 33]،  وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ  فتياتكم يعني: إمائكم، الإماء، عَلَى الْبِغَاءِ  يعني: على الزنا؛ لأنهم كانوا في الجاهلية إذا صار الواحد عنده إماء يقول لها: اذهبي وحصلي مالاً وهاتي، فمن أين ستجلب المال وماذا ستعمل وهي أصلاً عند سيدها، فتلجأ للفاحشة لتحصيل المال، فقال الله تعالى: وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا  [النور: 33] يعني هي إذا كانت كارهة تريد العفاف ما تريد الحرام ولا تريد الفاحشة لا تكرهها يا أيها السيد على البغاء لتحصل مالاً من وراء ذلك، حرام عليك.

فالآن السؤال هو: إذا كانت ما تفرق معها، وما عندها مشكلة، يعني ما تريد تحصنًا، فهل يجوز له أن يأمرها بالبغاء لجني الأموال من وراء ذلك؟ الجواب: لا.

وهذا القيد: وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا [النور: 33]، هل له مفهوم؟ لا مفهوم له، لا مفهوم له؛ لأنك لو قلت له مفهوم معناها إذا ما عندها مشكلة لا بأس، لكنه خرج مخرج الغالب وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا  [النور: 33]، يعني والحال أنهن يردن العفاف؛ لأن الآية نزلت في بعض المنافقين في المدينة كانوا يكرهون إماءهم مسلمات، وهذه المسلمة تريد العفاف ما تريد الحرام، فيكرهها ليجني من ورائها المال، مهر البغي.

ويدل على ما ذكرناه من قضية أن القيد الأغلبي هذا لا مفهوم له في قوله تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ  [النساء: 101]، الآية ما رواه مسلم عن يعلى بن أمية قال: "قلت لعمر بن الخطاب: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا  [النساء: 101]، فقد أمن الناس" خلاص الآن أمان، الدنيا أمان، والطرق أمان، والجزيرة أمان، الفتوحات عمت، والمرتدون قضي عليهم خلاص، قال: "أمن الناس، فقال عمر لأمية: عجبتُ مما عجبتَ منه" يعني: نفس مثل الذي خطر في بالك خطر في بالي، "فسألت رسول الله ﷺ عن ذلك؟ فقال: صدقة تصدق الله بها عليكم؛ فاقبلوا صدقته  [رواه مسلم: 686]، فإذن، لا تقيد تقول إذا خفتم خلاص هي صدقة عامة لكم في  السفر، إذا صرتم مسافرين اقصروا لا جناح عليكم.