الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
فضل الدعوة إلى الله
فإن الدعوة إلى الله تعالى هي المقام الأسنى والمهمة الأسمى من أجلّ الطاعات وأعظم القربات، فهي وظيفة الأنبياء، ومن صفات سيد البشر ﷺ الذي قال الله تعالى في شأنه: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًاسورة الأحزاب:45-46.
وهي سبيل النبي ﷺ ومن اتبعه من المؤمنين، قال الله: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِيسورة يوسف:108ولا يكون الرجل من أتباع النبي ﷺ حقاً حتى يدعو إلى ما دعا إليه.
هذه السبيل لنيل المراتب العلى من جنات الخلد والتي حضيت بثناء الله تعالى، وقد قال: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِسورة فصلت:33، هذه السبيل التي مدح السلف صاحبها حتى قال الحسن: هذا حبيب الله، هذا ولي الله، هذا صفوة الله، هذا أحبُّ الخلق إلى الله، أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله من دعوته، امتثال هي لأمر الله،ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِسورة النحل:125فهناك جهلة يحتاجون إلى حكمة في إيصال العلموَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِسورة النحل:125فهناك غافلون يحتاجون إلى تنبيه وإيقاظ وقعوا في المعصية، فيحتاجون إلى توبة وموعظة، وهنالك معاندون وأصحاب شبهات يحتاجون إلى جدال بالتي هي أحسن، وهكذا قام أسلافنا - رحمهم الله تعالى - بهذه المهمة يدعون إلى الله .
وهذه الدعوة كما قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: عند قلة الدعاة وعند كثرة المنكرات، وعند غلبة الجهل كحالنا اليوم تكون الدعوة فرض عين على كل واحد بحسب طاقته.
أليست خيرية هذه الأمة في الدعوة؟ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ سورة آل عمران:110 أليست سبب الفلاح وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ سورة آل عمران:104 أليست سبباً للأجر العظيم المتواصل المتضاعف؟ من دعا إلى هدىً كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً[رواه مسلم].
قال ابن القيم - رحمه الله -: وتبليغ سنته إلى الأمة أفضل من تبيلغ السهام في نحور العدو؛ لأن تبيلغ السهام يفعله الكثير من الناس في زمنه، وأما تبليغ السنن فلا يقوم به إلا ورثة الأنبياء.
هذه الدعوة إلى الله أمان من الهلاك وحماية للمجتمع وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَسورة هود:117 أي: على الإصلاح مستمرون.
يكفي الدعاة شرفاً وعزاً أن تشملهم رحمته تعالى كما قال: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُسورة التوبة:71.
كم صححت الدعوة من عقائد، وأخرجت من ظلمات، وأنقذت من شرك، ومحت من بدعة، وأحيت من سنة؟ وهذه سير المجددين أبين مثال، كم كانت بعد الله سبباً في حماية الشباب والمراهقين، واستنقاذهم من براثن الكفر والضلال والإلحاد والزندقة والفجور والفاحشة؟ كم كانت هذه الدعوة سبباً في انتشار التدين والتعبد لله وصفّ الأقدام بين يديه ودخول بيوته، ورعاية عباداته وسننه.
جهود مثمرة
الدعوة إلى الله تنشر العلم بين الناس، هذه جهود العلماء والدعاة إلى الله تعالى في كل مكان، ويوسف لما دخل السجن قام يدعو إلى اللهيَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُسورة يوسف:39.
ولما أخذ بعض أهل البدع إماماً في السنة فأودعوه سجناً سنتين دخل على يديه في الإسلام عدة مئات من عبدة الأوثان ممن كانوا يرافقونه في السجن.
الدعوة إلى الله قدوة بالحسنى، وكم دخل من النصارى في بلاد الشام لما فتحت في عهد عمر في الإسلام حتى صارت أكثر الشام على الإسلام، وأكثر مصر على الإسلام، وأكثر المغرب العربي على الإسلام، وأكثر العراق على الإسلام، وهكذا تكون الدعوة إلى الله فاتحة للبلاد، وهناك جزر كثيرة فتحت بالدعوة ولم تفتح بالسيف، وأصقاع نائية وبلاد بعيدة، انتشر فيها نور الحق بجهود الدعاة إلى الله بعد فضل الله.
كان سلفنا يفرحون بهداية من اهتدى، ومن ذلك ما حدث من دعوة أبي عبيدة بن الجراح قبل المعركة مع الروم فأجابه روميٌّ منهم فدخل في الإسلام ففرح المسلمون بإسلامه وصافحوه ودعوا له بخير، وقالوا له: ما أعزك علينا وأرغبنا فيك، وأكرمك علينا، وما أنت عند كل امرئ منا إلا بمنزلة أخيه لأمه وأبيه، فقال لهم: فإنكم نعم ما رأيت.
وقد ذكر الطبري - رحمه الله - عن زياد بن جزء الزبيدي وهو أحد شهود عيان دخول بعض أسرى مصر في الإسلام على يد عمرو بن العاص، لما فتحت أراد المسلمون أن يعرفوا مَن الذي سيسلم مِن الذي سيبقى على دينه ليدفع الجزية، فجمع النصارى وصار المسلمون يعرضون عليهم الإسلام، والمسلمون كانوا في جهة وأهل البلد من النصارى في جهة، قال زياد: فجعلنا نأتي بالرجل ممن في أيدينا ثم نخيره بين الإسلام والنصرانية، فإذا اختار الإسلام كبرنا تكبيرة هي أشد من تكبيرنا حين نفتح القرية، ثم نحوزه إلينا، وإذا اختار النصرانية نخرت النصارى ثم حاذوه إليهم ووضعنا عليه الجزية وجزعنا جزعاً شديداً حتى كأنه رجل خرج منا إليهم!
اللين والحكمة مطلوبان في الدعوة إلى الله
ما أعظم الحكمة واللين في الدعوة، وما أكثر تأثير الرفق فيها، قال حماد بن سلمة - رحمه الله -: إن صلة بن أشيم - رحمه الله - مرَّ عليه رجل قد أسبل إزاره، فهمَّ أصحاب صلة العابد العالم، أن يأخذوا ذلك الرجل بشدة، فقال: دعوه أنا أكفيكم، فقال ابن أشيم على مقامه وفضله للرجل، يا ابن أخي، إن لي إليك حاجة؟ قال: وما حاجتك يا عم؟ قال: أحب أن ترفع من إزارك، فقال: نعم وكرامة، فرفع إزاره، فقال صلة - رحمه الله – لأصحابه: لو قرعتموه لقال: لا ولا كرامة، ولشتمكم.
المؤمنون ينتهزون الفرص لأجل الدعوة
عباد الله: يقبل الكثيرون في مثل هذه الأيام على التفرغ من الدراسة أو العمل، وهذا موسم فيه فائض من الوقت، فماذا عساهم سيفعلون فيه؟ وبأي شيء يا ترى ستغتنم الأوقات فيه؟ نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ.
وإذا تأملنا الفرص الدعوية الموجودة وما خلق الله من الوسائل في هذا الزمان مما يمكن استثماره في الدعوة إلى الله ليئسنا من حصر ذلك عداً لكثرتها، لكن من المستثمر؟
لوحات في كل مكان تعلن عن كل شيء، وبالمناسبة يجب على أهل البلد الإنكار على شركات الدعاية والإعلان والمؤسسات التجارية التي تنشر صور النساء في إعلاناتها العلنية؛ لأنه منكر عام ومجاهرة بالمعصية، وعلى كل قادر الاتصال لهذا الإنكار.
داعية مسلم في ميونخ الألمانية وجد عند مدخل مدينته لوحة كبيرة مكتوب عليها بالألمانية: أنت لا تعرف إطارات كذا - علامة تجارية – فقال: ماذا لو جعلنا لوحة عليها: أنت لا تعرف الإسلام إن أردت معرفته فاتصل بنا على هذا الرقم، فانهالت عليه الاتصالات من الألمان حتى أسلم على يده في سنة واحدة قرابة الألف ما بين رجلٍ وامرأة، فأقام مسجداً ومركزاً إسلامياً وداراً للتعليم، والله لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من أن يكون لك حمر النعم فكيف بمن اهتدى آلاف الناس على يديه؟! فالترجمات قائمة، والمعلومات متوفرة.
هذا رجلٌ وضع على سيارته ملصقاً إذا أردت أن تعرف عن الإسلام فاستوقفني، وكلما أوقفه شخص أخرج له من شنطة سيارته ما يقرؤه أو يستمع إليه مما يتفق مع لغته.
ومشاركة الناس في مناسباتهم المتنوعة واجتماعاتهم وانتهاز الفرص عند زحمة الأقدام لأجل الدعوة إلى سبيل الملك العلام هذا مما يدل على قوة الإيمان.
عن ربيعة بن عبّاد الديلي قال: رأيت رسول الله ﷺ بصر عيني بسوق ذي المجاز يقول: يا أيها الناس، قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ويدخل في فجاجها[حديث صحيح].
يدخل في فجاجها وفي ممراتها وأزقتها وفي دروبها، يدخل داعياً يعرض الإسلام والتوحيد على الناس، وينتهز فرصة اجتماعهم في ذلك المكان؛ لكي يسمعهم الحق.
وقف ﷺ منادياً على الصفا، واتخذ من موسم الحج منبراً إلى الدعوة، وسافر إلى الطائف بنفسه داعياً، وأرسل أصحابه إلى الحبشة كذلك، ومصعب وابن أم مكتوم يبدآن في فتح يثرب بالقرآن لا بالسيف، وهكذا تصبح المدينة النبوية - طيبة وطابة - مركز الإسلام، وأرسل ﷺ رسائله إلى ملوك الأرض ودعاته يدعونهم إلى الله.
صور مشرقة
الدعوة إلى الله تعالى أشرف مقامات العبد وأجلها وأفضلها، ولذلك كان لا بد فيها من الإخلاص واتباع السنة والصواب، فإن بعض الناس يدعو إلى ضلالة، وبعضهم يدعو إلى بدعة، وبعضهم يدعو إلى منهج منحرف، فلا بد أن تكون هنالك همة وسعي ونشاط، فقد تكون هذه الدعوة هي الفرصة الوحيدة للمدعو للنجاة من النار.
في أحد ضواحي امستردام كان الإمام وابنه البالغ من العمر إحدى عشر عاماً يطوفان بتوزيع مطبوعات عن الإسلام للناس في تلك الضواحي، وفي أحد الأيام تخلف الأب من شدة البرد فانسل الابن وحده لكي يقوم بالتوزيع مع برودة الطقس وهطول المطر، فوزع وبقي معه واحد وظل يبحث عمن يعطيه له فذهب لأحد البيوت ودق الباب، طرقه فلم يجبه أحد، وظل يطرقه مراراً وتكراراً دون جدوى حتى هم بالانصراف لكن كأنه سمع صوتاً فرجع وطرق الباب للمرة الأخيرة ففتح الباب ببطء، فإذا امرأة عجوز مسنة عليها علامات الحزن الشديد، فأعتذر إليها الصبي عن الإزعاج، ثم أعطاها آخر كتيب معه إذا هي قرأته وشكرها على أخذه واعتذر عن الإزعاج وانصرف، وبعد أسبوع جاءت هذه المرأة إلى مسجد الجمعة في البلدة لتقول: إن زوجها قد توفي وتركها وحيدة وليس هناك أحد من أقاربها يسأل عنها، فقالت: فيمَ العيش بعده، وقررت الانتحار، لم يبق لها أمل في الحياة، وأحضرت حبلاً وكرسياً وصعدت إلى سقف ذلك البيت لتثبيت الحبل، ووقفت فوق الكرسي جاعلة طرف الحبل الآخر حول عنقها، وكانت على وشك القفز، وفجأة سمعت صوت طرق الباب، فرفعت الحبل ونزلت لتفتحه لتجد هذا الصبي ومعه هذا الهدى والنور، فقرأته وأسلمت وجاءت لتقول لهم: الحمد لله الذي أنقذني بكم من النار.
عباد الله: هنالك قطاعات كثيرة فيها تخصصات متنوعة ومتعددة، فماذا فعل المسلمون في تلك القطاعات المتخصصة والمتنوعة مع من يكون معهم في العمل؟
مستشفى لأهل الخير يقوم الطبيب فيه بشرح العقيدة الصحيحة والتوحيد قبل العلاج المجاني، ويبين خطورة الشرك والبدعة، وأن التمائم والحروز وهذه المعلقات محرمة، من تعلق شيئاً وكل إليه وهكذا كان عملهم سبباً في هداية الكثيرين من براثن الشرك، وتمَّ التخلص من آلاف التمائم والأحجبة من المرضى برضاهم واقتناعهم التام.
كانت المرأة تأتي إلى مكان الانتظار في العيادة الطبية وهي مسنّة حاملة معها كيس تنوء بحمله، بل تخط به الأرض، وما أن تجلس حتى توزع عن يمينها وشمالها ما تفيد به هؤلاء الجالسات المنتظرات اللاتي قد أدركهن الطفش من طول الانتظار، ثلاث أو أربع ساعات كلما جاءت دفعة تعطيهن، فإذا بها ليست مريضة ممن ينتظر دوره وإنما ممن ينتظر الأجر من الله بالقيام باستثمار مثل هذا الوقت في الانتظار في إفادة الناس.
ومرضت امرأة فلم تترك ممرضة ولا طبيبة ولا عاملة نظافة في جناح المستشفى إلا وقامت بكلام ودعوة إلى الله.
لا تحقرن من المعروف شيئاً
عباد الله: إن مخاطبة المدعوين مباشرة فيها إقناع وفيها وسيلة مؤثرة، وكم كان تجار وموظفون ممن قام بالدعوة إلى الله سبباً في انتشار الإسلام في المكان الذي دعوا فيه.
وفي قرية أو بلدة هندية كلهم على دين غير ملة الإسلام، يقوم مسلم بفتح دكان صغير يدخل البلد فيؤسسه ويعامل الناس بأخلاق الإسلام، بالعدل والأمانة والسماحة في البيع والشراء، والاقتضاء فأحبه الناس، وأقبلوا عليه، وصاروا يشترون منه ثم بدأ يعرض عليهم الإسلام، وهكذا حصل بهذه الطريقة من نشر الإسلام ما حصل في تلك البلد.
الدين هذا دين الفطرة، ينتشر بسرعة، يحتاج إلى من يبلغه بصدق ويحسن في إيصاله وعرضه، وبماذا يبدأ؟ وكيف يتكلم؟
بائع في السوق كلما اشترت منه امرأة وضع لها - ليس كما يضع كثير من الباعة اليوم رقم الجوال لإقامة العلاقات - وإنما يضع لها ما تقرأه من شيء يزيد من إيمانها وتمسكها بدينها، وإقبالها على الحجاب والعفة، فدخلت متبرجات وبعد مدة يأتين متحجبات.
يعمد بعض الناس إلى المشاركة في أشرطة التمرير في القنوات، كلام تافه وآخر ينشر الفجور، ولكن من الناس من يستثمر هذه الوسيلة التي تعرض على آلاف الخلق لتكون دعوة إلى خير أو فضيلة أو تذكيراً بعبادة أو توبة أو تقديم نصيحة فيهدي الله بهذه الرسالة على شريط التمرير في هذه القناة من يهديه.
وكذلك الكتابة في المواقع والتعليقات في أماكن الأخبار، فكم ردت على مبتدع، وأفحمت من منافق، وبينت من شبهة وكشفت من ضلال، وكم أيدت من حق وثبتت من محق، وهكذا يجب أن تكون التعليقات في المواقع والكتابات لمناصرة الحق لا تحقرن من المعروف شيئاً.
عباد الله: التنبيه والتذكير بأماكن الخير ومناسباته كالدورات العلمية والمحاضرات والدروس والندوات والأوقات الفاضلة، وأعمال الخير، وهكذا الدلالة على الخير، له مثل أجر من قام به وعمل وتبع ذلك.
أعطى موظف في مكان زملاءه الأربعة دعوة ببطاقة صغيرة إلى محاضرة من المحاضرات ولم يكونوا من أهل المحاضرات أصلاً، لكنهم جاؤوا جميعاً في تلك المحاضرة، يقولون في قصاصة بعدها: أعطانا صاحبنا الدعوة للمحاضرة ثم توفاه الله بحادث سيارة فتأثرنا وجئنا جميعاً! فكم تكون هذه التذكرة سبباً في هداية الناس، وخاتمة حسنة لصاحبها، فمن يحمل هم الدعوة؟ ومن يقوم بالواجب؟
كان أبو عبد الرحمن السلمي ممن رغب في هذا المقام بالدعوة إلى الله فقعد يعلم الناس في إمارة عثمان إلى أيام الحجاج، ومقدار ما مكث يعلم القرآن فيه سبعين سنة، فكم تخرج على يديه من الناس؟!
بقي الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله - يبكي في درسه من بعد المغرب إلى العشاء لما بدأ في تفسير قول الله تعالى:وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَاسورة الأعراف:56 آخذاً يردد: "الأرض أصلحها الله فأفسدها الناس" الأرض أصلحها الله بالتوحيد وبعث الرسل وإنزال الكتب، أصلحها الله بالخصب، والطبيعة التي جعلها فيها، فقام هؤلاء بإفسادها بالشرك والمعصية وأنواع التلوث كلها.
اللهم اجعلنا من الدعاة إلى سبيلك يا رب العالمين، وخذ بأيدينا إلى طريقك المستقيم، وصراطك الحق، يا أرحم الراحمين، اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، واغفر لنا ذنوبنا أجمعين.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الرؤوف الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا هو، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، وسبحان الله لا أشرك به أحداً، والله أكبر كبيراً، والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله، أشهد أنه رسول الله، الداعي إلى سبيله صدقاً، والقائم به حقاً، أشهد أنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ودعا إلى الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وذريته وأزواجه، وخلفائه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
كن رقماً مؤثراً في الأمة
عباد الله: بعض الناس يولد صغيراً ويموت صغيراً، وآخرون يولدون صغاراً فيموتون كباراً، لا بالسن ولكن بالقدر، وهم الذين اشتغلوا بالدعوة إلى الله.
وتفقد إن جهلت وأنت باق | وتوجد إن علمت ولو فقدت |
قد عاش قوم وهم أموات، ومات قوم وهم أحياء، فهؤلاء القوم من حولنا في بيتك من يخدم ويسوق ماذا عملت تجاههم؟ هناك عمال كثيرون من حولك بأي واجب قمت نحوهم؟ وهكذا عندما يقوم قائم الحرام والدعوة إلى الفسق والفجور، فبأي جهد أخذنا وعملنا وماذا قدمنا؟ وهذه المنكرات تستشري، فأيّ إنكار وأي واجب به قمنا لله ؟
عباد الله: الدال على الخير كفاعله، وإكرام الناس وسيلة للدعوة، وقد كان الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - حامل لواء الإكرام لرؤساء وفود الحجاج والمعتمرين؛ يستضيفهم، يستزيرهم، يكرمهم، ويتباحث معهم في أخبار بلدانهم وأحوال دينهم، وإقبال الناس على سبيل ربهم.
وتعاونوا على البر والتقوى
عندما يوجد في كل سوق مركز خير، فكم ستكون النتيجة في التأثير؟ وعندما تُحمّل هذه الأجهزة من الخير ما تحمّل من مواقع متعددة بعد التأكد من صحتها، وعندما تأتي رسائل الجوال والبريد الإلكتروني بالمعلومة الصحيحة، والموعظة الحسنة، كم سيكون فيها من الخير؟ قال الله تعالى: لًّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًاسورة النساء:114.
هنالك في المجتمع مثقفون، وهنالك أيضاً أميون، فماذا كان الواجب والعمل تجاه هؤلاء وهؤلاء؟ هنالك مراهقون شباب، وهنالك شيوخ ومسنون، وهنالك ذكور وإناث، وهنالك عرب وأعاجم، فماذا كان الواجب والعمل تجاه هؤلاء وهؤلاء؟ لا بد أن تستهدف الدعوة إلى الله طبقات الناس وأنواعهم.
واستثمار وسائل النقل في الرحلات الطويلة - وهذه الإجازات خير مثال على ذلك - سيكون له تأثير كبير، يجتمع الناس في أعراس أو في أتراح، فماذا سيكون الواجب الشرعي في هذا المقام؟ لا بد من اقتناص الفرصة في الدعوة إلى الله وجمع الناس على الحق.
وهذه الإجازات مما يزور الناس فيه بعضهم بعضاً، وتوصل فيه الأرحام، ويجتمع الأقارب ويلتئم شمل الأسر، فماذا أعددت لها يا عبد الله؟
ليست المسألة ما تعمله أنت فقط، بل ما يعمله أهلك أيضاً، والدال على الخير كفاعله، وإعداد الداعيات والدعاة إلى الله من أعظم العبادات وأجل القربات؛ لعموم نفعها.
حرصت أم سليم على هداية زوجها، وكانت أعظم امرأة في الإسلام بركة في مهرها، فقد كان مهرها الإسلام، وجعلت ابنها خادماً لرسول الله ﷺ.
إن استثمار مواقعنا الاجتماعية اليوم سواء كانت ملموسة محسوسة أو المواقع الافتراضية على الشبكة كتلك المنتشرة بكثرة ينبغي أن يكون بحكمة بحيث لا يحصل فيه ضلال للداخل إليها؛ فكم من متحمس دخل دون تحصين فولغ وانحرف، أما عندما تستثمر بالطريقة الصحيحة سيكون فيها خير كثير.
عباد الله: أهل الشرِّ يعملون، ويدعون إلى الباطل، وفي هذا الضلال يرتكسون، ولكن هنالك فتية آمنوا بربهم وزادهم الله هدى، فهم على الحق يقبلون، ولهذا الخير يقيمون الأندية واجتماعات الشباب لاستنقاذهم من هذه الضلالات والانحرافات.
ثبات الداعية وتسلّحه بالقرآن
إذا عرف الداعية إلى الله أن الله معه ثبت وأقدم وهو مستشعر قول الله تعالى: قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى سورة طـه:46، وقوله تعالى: بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَسورة القصص:35 فأنت بالقرآن منتصر، ولذلك قال الله لنبيه عن القرآن:وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًاسورة الفرقان:52.
القرآن أعظم وسيلة في الدعوة، آيات القرآن أكبر فاتح للقلوب، كلام الله تعالى أشد تأثيراً في النفوس من غيره، ولذلك تسلح بالآيات فما مثلها في التأثير.
عندما أرسل عمرُ الصحابة للدعوة إلى الله فإنه أرسل معاذاً وعبادة بن الصامت وأبا الدرداء إلى الشام لتعليم الناس القرآن، وأرسل ابن مسعود معلماً ووزيراً إلى الكوفة، وهكذا قام الصحابة بالدعوة في إفريقيا فهدى الله على أيديهم من الناس من كان يصفّ طابوراً ليتعلم آية.
ابن مسعود وتلميذه علقمة يقومان في صفين في الحج يعلمان الناس في منازلهم، والناس ينتظرون الدور في القراءة صفوفاً.
دعوة الأقارب
أيها المسلمون: إن لكل واحد منا أقارب والبدء بالأقارب واجب، قال الله: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَسورة الشعراء:214فربما يسافر البعض فيزور إخوانه في مكان كذا وكذا فيحصل من هذه الزيارات دعم نفسي عظيم، والنبي ﷺ كان يمر على الناس في الأماكن المختلفة فيلقي عبارة هنا وكلمة هناك ونصيحة لهذا، ويقول للمرأة وهي تبكي على قبر: اتق الله واصبري ويمر على نفر من أسلم ينتضلون بالسهام فيقول: ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً ويمر بعنز ميتة ويقول: ما على أهلها لو انتفعوا بإهابها وهكذا يستثمر جثة جدي أسك لكي يعلم أصحابه هوان الدنيا على الله، فمع قلة الإمكانات تحصل البركات إذا صدقت النيات.
بلغ عن المنكر
عباد الله: يقول النبي ﷺ: والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم فعندما يوجد في بعض برامج الترويج السياحي ما ينكر شرعاً فينبغي الاتصال على القائمين عليها أولاً، فقد يكون هنالك غناء وطرب، أو اختلاط، أو حفلات ماجنة ونحو ذلك، وبعض الناس يذهب أبعد من هذا، يذهب إلى أماكن الكفار لمشاهدة معابدهم وكنائسهم، وربما نقل بعض من يظن نفسه يدعو صوراً يمجِّد فيها هؤلاء الكفرة في أماكن عباداتهم بحجة الاستطلاع وحب الاستشراف والاستكشاف، وهو في الحقيقة يوقع الإعجاب في نفوس خاوية بعبادة هؤلاء الضُّلال.
الاحتفالات بالمناسبات المبتدعة
أيها المسلمون، عباد الله: نحتاج إلى التمسك بالسنة، وليست القضية المطلوبة الآن اتباع أهل الضلال في ضلالاتهم والبدع في بدعهم - وما أكثرها - كمن يحيون مثل الليلة ذكرى مبتدعة - الاحتفال بالإسراء والمعراج - كما يحيون مناسبات الموالد المختلفة، ولا بد أن يعلم المسلم أن دين الإسلام مخالف مخالفة تامة لمناهج أهل الأرض الأخرى والملل، ولا يمكن الأسلمة الوهمية بقضية إحداث فرق لا يؤثر كمن جعل عيد زواجه قبل يومين أو بعد يومين من الموعد المعتاد ظانَّاً أن هذا التأخير بيومين في الاحتفال بعيد زواجه يبيح ذلك، فالدين يقدم بديلاً كاملاً فيقول: عيد الفطر وعيد الأضحى، بدلاً من أعياد وجدها النبي ﷺ عند أهل المدينة لما دخلها وسأل: ما هذا فقالوا: يومان يلعبون فيهما - أوقات الاعتدال الربيعي – فقال: أبدلكم الله خيراً منهما.. إذاً هو نسخ تام وليست القضية أننا إذا قدمنا عيد الميلاد يومين أو ثلاثة، وعيد الزواج يومين أو ثلاثة معناه انتهاء المشكلة.
أيها الأخوة: أبدلنا الله بدلاً من عيد الأم المبتدع هذا عندهم برّ الأم طيلة أيام العام، وأبدلنا الله بدلاً من عيد الزواج عندهم إكرام الزوجة على مدار السنة ومرور الأيام، وهكذا الأعياد الأخرى المبتدعة بدلاً منها عيد الفطر وعيد الأضحى.
شعبان ترفع فيه الأعمال إلى الله
نحن قادمون على شهر عظيم جداً ترفع فيه الأعمال إلى الله، وهو شهر شعبان، بين رجب ورمضان، يغفل الناس فيه عن فضله، وربما يريد بعض الناس تصفية المنكرات قبل قدوم رمضان فيقع هذا مع الأسف في شهر شعبان الذي ترفع فيه الأعمال إلى الله.
وهنا يجب علينا نحن أهل الإسلام أن نقف مع أنفسنا وقفة محاسبة وصراحة، وأن نعدّ أنفسنا لرمضان بشعبان شهر القراء؛ لكثرة ما تفتح فيه المصاحف استعداداً لرمضان وتمريناً للنفس على ذلك، فما أحسن العبادة وتلاوة كلام الرحيم الرحمن .
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار، وأحسن خاتمتنا، ووسع لنا في أرازقنا، وآتنا سؤلنا، واشف مرضانا وارحم موتانا، واجمع على الحق كلمتنا، اللهم آمنا في الأوطان والدور وأصلح الأئمة وولاة الأمور، اللهم إنا نسألك رحمة من عندك تخرجنا بها من الظلمات إلى النور، وترزقنا بها خشيتك يا أرحم الراحمين، يا عزيز يا غفور.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
-
إسماعيل خرشوش
<p> السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بارك الله فيك يا شيخنا وجزاك الله خير، يا شيخ ادعوا الله لي بالثبات على الدين وأن يهديني ويرزقني زوجة صالحة تقر بها عيني وتعينني على عبادة الله على سنة نبيه (عليه الصلاة والسلام)</p>
-
أبو الهيثم الجزائري
وفق الله الشيخ لكل ما يحبه الله ويرضاه ، ونفع بنشاطه ويا ليت من يسمع فيمتثل ويسارع للتطبيق