الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

لماذا لا نحبه تعالى؟


عناصر المادة
الخطبة الأولى
أسباب محبتنا الله 
الله الغفور الودود
من نِعم الله تعالى على عباده
الخطبة الثَّانية
نحبُّ الله لأمورٍ عظيمة
تسخير الله لنا مخلوقاته

الخطبة الأولى

00:00:07

إنَّ الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من  يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله.
أما بعد:

فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي؛ هديُ محمدٍ ﷺ، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النَّار.

أسباب محبتنا الله

00:00:45

عباد الله: إنَّ محبَّة الله تعالى أصل الأصول، وأساس الأعمال، ورأس الطَّائر الذي يطير إلى الله، من هذا العبد الذي يرجوه ويخافه ويتوكل عليه ويحبه أولاً.

ليس العجب من فقيرٍ يحب غنيَّاً أحسن إليه! لكن العجب من غنيٍّ يحبُّ فقيرًا تتوالى إساءاته إليه بالرَّغم من إحسانه إليه، يحبُّه إذا تاب إليه وصار عبداً له، الله يحبُّ المؤمن وهو مستغن عن المؤمن.

الله يحبُّ المؤمن ولا ينتفع من عمله بشيءٍ، الله يحبُّ المؤمن والمؤمن فقير والله غنيٌّ يحبُّهم ويحبُّونه، لماذا لا نحبُّه تعالى وهو أهل بصفاته وأسمائه؟ الغنيُّ الكريم الجليل، وهو جميلٌ، القدُّوس السَّلام المؤمن المهيمن الرَّحمن الرَّحيم، عالم الغيب والشَّهادة، رفيع الدَّرجات ذو العرش، نحبُّه ؛ لأنَّه شرع لنا من الدِّين ما نعبده به، فكيف نعبده ولم يخبرنا كيف؟ لكنَّه أخبرنا ولم يتركنا هملاً، لماذا لا نحبُّه وقد جعلنا من خير أمة أخرجت للنَّاس؟ لماذا لا نحبُّه وقد جعل رسولنا أفضل الرُّسل؟ لماذا لا نحبُّه وقد جعل كتابنا أفضل الكتب وناسخًا لما تقدَّم ومهيمنًا عليه؟ لماذا لا نحبُّه سبحانه وقد أعطانا شريعةً سمحةً ليس فيها حرج؟ وما كلَّف العباد فوق طاقتهم؟ فيها رفع الآصار والأغلال عنهم؟ لماذا لا نحبُّه وهو يغفر لنا الذُّنوب جميعاً مهما كانت.

وكانت توبة بعض من قبلنا القتل، كما حصل للذين قالوا أرنا الله جهرة وعبدوا العجل، فكانت توبتهم أن يخرج بعضهم على بعض بالسِّيوف يقتل كُلُّ واحدٍ من واجهه، وألقيت عليهم غمامةً سوداء، فرُّبما قتل الأب ابنه والأخ أخاه، لماذا لا نحبُّه وجعل التَّوبة لنا سهلةً ميسورةً؛ ندمٌ في القلب، وكلماتٌ يسيرة يقولها العبد يطلب فيها المغفرة من ربِّه، وكان بعض من قبلنا إذا أذنب ذنباً في الليل أو النَّهار علَّق ذنبه على باب بيته، فضيحة بين العباد! لماذا لا نحبُّه وقد جعل لنا شريعةً سهلةً ميسورةً، فنغسل النَّجاسة بالماء، وكانت الطَّهارة في بعض من قبلنا: أنَّ النَّجاسة إذا أصابت ثيابهم لا بُدَّ أن يقرضوا مكان النَّجاسة بالمقاريض، وأن تمزَّق تلك القطع التي أصابتها النَّجاسة، لماذا لا نحبُّه وقد جعل للتوبة بابًا مفتوحًا من أجلنا عرضه ما بين المشرق والمغرب، لماذا لا نحبُّه وهو يفرح بأحدنا إذا تاب أشدَّ من فرحة الأم بصبيها، يحبُّنا إذا رجعنا إليه أشدَّ مما تحبُّ المرضعة رضيعها إذ بكى جائعًا يريد اللَّبن، فضمَّته إليها لهفةً، كان طفل في البيت يعصي أمَّه فضربته وطردته وأغلقت الباب، فوقف عند عتبة البيت لا يدري أين يذهب، فهو لا يعرف أحدًا غير هذه الأم، ولا مأوى غير هذا البيت الذي طُرد منه، فقعد يبكي ويبكي لا يدري أين يذهب، ثُمَّ طرق الباب ملحِّاً في الدُّخول معتذرًا عما فعل، يرجو أن يفتح له ليعود، فأدركت تلك الأمَّ الرَّحمة والشَّفقة، ففتحت له فأدخلته وقالت: لمَ تحملني على عقوبتك وقد حذَّرتك وبيَّنت لك؟! ثُمَّ آوته وأدخلته، الله تعالى أرحم بعبده من هذه بولدها، وأشدُّ إيواءً لعبده إذا رجع إليه، وأسرع في فتح الباب له إذا أناب، لماذا لا نحبُّه وهو يغفر الذَّنب ويستر العيب، ويقول للمؤمن يوم القيامة عندما يدني عليه كنفه سترتها عليك في الدُّنيا وأنا غفرها عليك اليوم[1]، العفو: ترك العقوبة، والمغفرة: ستر الذَّنب، فليس يترك العقوبة فقط، وإنَّما يمحو بحيث لا يبقى للتَّائب شيئًا يخزيه ولو الألم النَّفسي.

فهو يغطِّي ذلك سبحانه ويستره، لماذا لا نحبُّه وهو يمحو الذُّنوب وليس فقط هذا؛ بل إنَّه كما ذكر في الذين يقتلون ويزنون ثُمَّ يتوبون ويحسنون يؤمنون ويصلحون؛ من تاب وآمن وعمل عملًا صالحًا يبدِّل الله سيئاتهم حسنات، فتنقلب السَّيئات إلى حسناتٍ، وليس فقط تمحى السَّيئات! فماذا نريد أكثر من ذلك؟

الله الغفور الودود

00:09:05

يا عباد الله: لو أنَّ أحدكم أساء إليه شخصٌ في بدنه –جرحه- أوشك أن يهلكه ويقتله، أو أخذ ماله ولم يبق له شيئاً، أو اعتدى على عرضه في أهله وسمعته، ثُمَّ بعد ذلك ندم واعتذر ورجع يطلب المسامحة، ما ظنَّكم بأحدنا لو كان هو المعتدى عليه؟ ما أقصى ما يمكن أن يفعله تجاه هذا المعتدي؟! النَّادم العائد يطلب المسامحة، فأقصى ما هنالك رُبَّما أن يسامحه، ولكنَّه سيقول: اغرب عن وجهي، ولا أريد أن أرى وجهك، وأتذكَّر المآسي التي تسبَّبت لي فيها، لكنَّ الله  مهما فعل العبد في حقِّه من جنايةٍ، وارتكب من موبقاتٍ، إذا رجع إليه وتاب من العدوان على حدوده، وندم على ما اقترف في حقِّه من الكبائر والصَّغائر -مهما كانت- فإنَّ الله يغفر له ويعفو عنه ويستره، بل يحبُّه، وتأمَّل في الارتباط المدهش والعجيب البليغ في قوله: وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ [سورة البروج:14]، ما معنى الودود؟ ولماذا جاءت بعد الغفور؟ ودود: يتودَّد إلى عباده يحبُّهم يجعل لهم وده، ولذلك الله يغفر ويحبُّ من أساء وتاب لماذا لا نحبُّه؟

عباد الله: لو لقي الواحد منَّا بقراب الأرض خطايا، لا يُشرك به شيئًا -جاءه تائبًا- قابله بقرابها مغفرةً، لماذا لا نحبُّه وهو لا يجزي على السَّيئة إلَّا واحدةً؟ لكن يجزي على ترك السَّيئة من أجله حسنة، ويجزي على الحسنة حسناتٍ، وأضعاف مضاعفة، الحرف بعشر حسنات، من القرآن والصَّدقة،  مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ سبعمائة هل تتوقَّف المضاعفة على ذلك؟ لا  وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ [سورة البقرة:261].

من نِعم الله تعالى على عباده

00:12:25

لماذا لا نحبُّه وهو بهذا الكرم سبحانه؟ ولماذا لا نحبُّه وقد أعطانا النِّعم أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ ۝ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ [سورة البلد:8، 9]، أعطانا ما نتعلَّم به، وقد خرجنا من بطون أمهاتنا جهلةً وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَة [سورة النحل:78]، خلق لنا من بهيمة الأنعام ما نركب ونستدفئ ونشرب من لبنها ونحمل عليها  -جمَال- خلق لنا ما في الأرض جميعاً من معادن ونبات وحيوان، هذا الكوكب الثَّري الغني، الذي لا تزال تكتشف ثرواته وتستخرج كُلُّه من أجلنا، لماذا لا نحبُّه سبحانه؟ يجعل لك طريقًا واحدًا في الغذاء في بطن أمك في هذا الحبل السُّرِّي؛ ليكون لك بدلاً منه اثنان بعد خروجك إلى الدُّنيا من ثديين ترتضع منهما، لتتحوَّل إلى أربعة: أسنان، ولسان، وشفتان، تمضغ وتأكل وتبتلع بها، وجعل لك هذا التَّكامل المدهش في جسدك لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [سورة التين:4]، لماذا لا نحبُّه سبحانه وهو يتلطَّف بنا؟ وينقلنا من مرحلة إلى مرحلة؟ يتلطَّف بنا سبحانه حتى لو حرمنا شيئًا من الدُّنيا؛ فلمصلحتنا، وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لو بسط الله لعباده الرزق ماذا سيحدث؟ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ [سورة الشورى:27].

إنَّ الله يحمي عبده المؤمن الدُّنيا، كما يحمي أحدكم مريضه الطَّعام تخافون عليه، ومع ذلك فهو يعطي، وإذا أعطى أدهش، واسع العطاء سبحانه ذو الفضل العظيم، وهو يراعي عباده، ومنهم من لا يصلحه إلَّا الغنى، ولو أفقره لأفسده، ومنهم من لا يصلح له إلَّا الفقر، ولو أغناه لأطغاه، يدبِّر عباده بالليل والنَّهار مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ [سورة الأنبياء:42]، خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا [سورة لقمان:10]، جعل السَّماء سقفًا محفوظًا، يمسك السَّماء أن تقع على الأرض، الليل والنَّهار وما جعل سبحانه في هذا العالم من أجلنا، لو جعل الله عليكم الليل سرمدًا إلى يوم القيامة، من إلهٌ غير الله يأتيكم بضياء، ونهار يكون فيه معاشكم؟ لو جعل الله عليكم النَّهار سرمدًا إلى يوم القيامة، من إلهٌ غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه ويكون فيه منامكم؟ لماذا لا نحبُّه سبحانه وقد جعل لنا هذا الدِّين العظيم مقدِّمات ومؤخرات وعبادات، فالصِّيام في شعبان كالسُّنَّة القبلية للعبادة للصَّلاة، وعند رمضان صيام ثُم ستة شوال سُنَّة بعدية للصَّيام، كسُنَّة الصَّلاة البعدية، والجزاء عظيمٌ، عندما يجعل كُلَّ يومٍ بعشرة أيَّام، فثلاثون يوماً في رمضان أجر التِّسعة والعشرين مثل الثَّلاثين كامل، تصوم تسعًا وعشرين كأنَّك صُمت الثَّلاثين إذا كان الشَّهر تسعًا وعشرين شهراً، عيدان لا ينقصان، يعني: في الأجر ثلاثون في عشرٍ في ثلاثمائة وهذه السِّتة أيَّام، فصيام رمضان بعشرة أشهر، الحسنة بعشر أمثالها، وستة أيَّام في عشرة بشهرين، فهذا تمام السَّنة -كأنَّك صمت السَّنة- وفي كُلِّ سنةٍ تفعلها كأنَّك صمت الدَّهر، يتلطَّف سبحانه يعطي الأجر العظيم الجزيل على العمل اليسير القليل، أدخل رجلاً الجنَّة بغصن شجرةٍ نحَّاه عن الطَّريق، وغفر لرجلٍ سقى كلبًا، كان يلهث من العطش، وعندما تقول: آمين، توافق الملائكة؛ يغفر لك ما مضى من ذنبك، كلمة واحدة في وقت يسير.

عباد الله: من رأى  كرم الرَّب أحبَّه واجتهد في عبادته، وبرهن على المحبَّة بالأعمال الصَّالحة: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُم [سورة آل عمران:31]،
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرَّحيم.

الخطبة الثَّانية

00:18:49

الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا هو الحي القيوم، وأشهد أنَّ محمدًا عبد الله ورسوله صلَّى الله عليه، وعلى آله، وذريَّته الطَّيبين، وصحابته وخلفائه الميامين، وأزواجه، والتَّابعين لهم بإحسان إلى يوم الدِّين، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ونبيِّك؛ إمام المتقين، وسيِّد النَّاس أجمعين، صاحب الحوض المورود؛ اللهم أورنا حوضه، والمقام المحمود؛ اللهم اجعلنا من أهل شفاعته.

نحبُّ الله لأمورٍ عظيمة

00:19:40

عباد الله: لماذا لا نحبُّ ربَّنا وهو ينادينا في كتابه يا عبادي يا عبادي يا عبادي؟ وينادينا ليعطينا سبحانه، ولو أخذ منَّا شيئًا؛ فإنَّما هو ملكٌ له، وقد أعطانا إيَّاه من قبل، لو أخذ منك مالاً أو ولدًا؛ فهو الذي أعطاكه من قبل، ثُمَّ يعطيك المكافأة على صبرك عليه، وقد أخذ ما يملكه: إنَّا لله وإنّا إليه راجعون، إنَّا لله: نحن ملكٌ لله، اللام: لام الملك.
عباد الله: نحن  نحبُّ ربَّنا لأمور عظيمةٍ جداً، ومنها: أنَّه سبحانه يستحي، الجبَّار يستحي؟! القوي يستحي؟! نعم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرًا خائبتين، فلا بُدّ أن يعطيه، وقد وعد بالإجابة سبحانه، والله لا يخلف الميعاد، ومن أصدق من الله قيلاً ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [سورة غافر:60]، أستجب حالاً، كما حصل لأصحاب الغار وأناس كُثر، يستجيب بعد حين؛ لمصلحةٍ وحكمةٍ يعلمها في التَّأخير سبحانه، يستجيب بخير ممَّا سأله العبد، أو يدفع عنه شرَّاً أعظم ممَّا سأله أن يرفع عنه، يستجيب بأجرٍ بديل يوم القيامة عن هذا المطلوب في الدُّعاء، الذي لم يحدث في الدُّنيا، بحيث يتمنَّى العبد أنَّه لم يستجب له دعاءه؛ ليأخذ ذلك بدلاً أجرًا يوم القيامة، عندما يحتاج إلى كُلِّ حسنةٍ، لكن لابُدَّ أن يستجيب، نحن نحبُّه سبحانه.
 عباد الله:

الإنسان منَّا يستشيط غضباً، ويعاقب مباشرةً، ويفتك ويتمادى في العقوبة، ويغلظ ويعتدَّي في العقوبة، لكن الله حليمٌ.

لو أنَّ لرجلٍ منكم عبيدًا وإماءً، يملك عبيدًا ذكوراً، ويملك إماءً من الإناث، وأمرهم بأمرٍ واضحٍ ألَّا يتصل بعضهم ببعض، وألَّا تُقام علاقات بين العبيد والإماء إلَّا باستئذان وترتيب معيِّن (في عقد نكاح) –مثلاً- بين الطَّرفين، وغلَّظ في هذا وتوعَّد من يتصل عن غير هذا الطَّريق، ثُمَّ اكتشف السَّيد أنَّ هناك عبدًا من عبيده قد أقام علاقةً مع أمةٍ من إمائه بطريقةٍ سرية أو جهرية، خلاف الذي سمح به ماذا سيفعل؟ يستشيط غضباً، ويعاقب الطَّرفين، لا بُدَّ أن نعلم أنَّ الله أشدَّ غيرةً من هذا العبد، وأن العبيد والإماء ملكهم لمن يملكهم في الدُّنيا ملكٌ مؤقّتٌ ناقصٌ زائلٌ، محدودٌ بأمورٍ معيَّنة من قتل عبده قتلناه ومن جدع عبده جدعناه[2]. تغليظًا! لكنَّ الله يملك العبيد والإماء في العالم كُلِّه، وقد نهى عن إقامة علاقاتٍ إلا بطريقٍ معينة الله يغار، ولذلك فإنَّ ما يحدث اليوم من علاقاتٍ غير شرعية بين الجنسين، لا بُدَّ أن يحذر فيه العبد من غضب الرَّب سبحانه، لكن من تاب؛ تاب الله عليه، ومن أقلع غفر الله له، ومن ندم ستر الله عليه.

تسخير الله لنا مخلوقاته

00:24:54

لماذا لا نحبُّه سبحانه؟ وقد جعل لنا مخلوقاتٍ خاصَّة بنا، ترافقنا تحمينا وتحفظنا بأمره: لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [سورة الرعد:11]، وكَّل بك ملائكةً يا مسلم، من الأمام ترافقك، ومن الخلف تحوطك، وملائكة تكتب أعمالك: وعَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ [سورة ق:17]، معقباتٌ مع كُلِّ واحدٍ، عدَّةُ ملائكة مع كُلِّ واحد وهو لا يراهم مع كُلِّ واحد، ملائكةٌ مقدمةٌ ومؤخرةٌ حرس، فإذا جاء قضاء الله -حادثٌ معيَّن، أو شيءٌ أراد الله أن يصيب العبد- تخلَّت الحفظة ووقع المقدور، وإلَّا في كثيرٍ من الأحيان تجدنا نقول: نجوت بأعجوبةٍ! أو نجوت بالكاد! أو لا أدري كيف نجوت! لكنَّ الله يدري بالملائكة الذين جعلهم يحفظونك، كُلَّ يوم نتعرَّض لأشياء، ورُبَّما يكون مع الإنسان في بطنه أو في بيته أكثر من سبعة وعشرين ألف نوع من الجراثيم، والقابلية للانقسام غير المنتظم للخلايا المحدثة للسَّرطانات، موجودة في كُلِّ إنسان، كم هو لطيفٌ بنا سبحانه! شرورٌ كثيرةٌ اندفعت عنَّا، ونحن لا نحسُّ ولا ندري، وعندما يجعل ملائكةً في السَّماء وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ [سورة غافر:7]، ملائكة تدعو لنا ونحن نائمون في فرشنا لماذا لا نحبُّه؟

اللهم ارزقنا حبَّك، وحبَّ من يحبُّك، وحبَّ كلِّ عمل يقرِّبنا إليك، اللهم إنَّا نسألك من خير ما سألك منه عبدك ونبيُّك محمد ﷺ، وعبادك الصَّالحون، ونستعيذ بك من شرِّ ما استعاذ منه عبدك ونبيُّك محمدٌ ﷺ وعبادك الصَّالحون.

اللهم إنَّا نسألك خشيتك في الغيب والشَّهادة، ونسألك الإخلاص، نسألك القصد في الغنى والفقر، نسألك نعيماً لا ينفد، وقرَّة عين لا تنقطع، ونسألك الرِّضا بعد القضاء، وبرد العيش بعد الموت، أصلح نياتنا وذرياتنا، اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، وأخرجنا من ذنوبنا كيوم ولدتنا أمهاتنا، وتقبَّل صيامنا وقيامنا ودعاءنا، واجعلنا عندك من المقبولين يا أرحم الراحمين، اللهم اقض ديوننا واستر عيوبنا آمن روعاتنا، اللهم اجعلنا في بلادنا آمنين مطمئنِّين، اجعل هذا البلد آمناً رخاءً سخاءً وسائر  بلاد المسلمين،  اللهم من أراد العبث بأمننا فاقطع دابره، وكفَّ شرَّه يا ربَّ العالمين يا قوي يا متين، اللهم إنَّا نسألك لإخواننا المستضعفين في الأرض الفرج العاجل، اللهم اكشف ما نزل بهم  اللهم، ارفع عنهم البأس، اللهم ليس لها من دونك كاشفة، اللهم إن أعداءنا قد مكروا مكرًا كبَّارًا ليلا ونهارًا، وأنت الله لا إله إلَّا أنت، لا يعجزك شيءٌ في الأرض ولا في السَّماء، اللهم اكفنا شرَّهم، وردَّ كيدهم في نحورهم، واجعل دائرة السَّوء عليهم، خالف بين كلمتهم، وألق الرُّعب في قلوبهم، وائتهم من حيث لا يحتسبون، اللهم آمنَّا في الأوطان والدُّور، وأصلح الأئمَّة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، اللهم أخرجنا من الظُّلمات إلى النُّور، واجمع كلمتنا على الحقِّ المبين يا أرحم الراحمين، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [سورة الصافات:180-182].

  1. ^ رواه البخاري: (2309)، ومسلم (2590).
  2. ^ رواه أبو داود: (4517)، وضعفه الألباني في صحيح وضعيف أبي داود (4517).