الخميس 30 ربيع الأوّل 1446 هـ :: 3 أكتوبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

افتح قلبك لطاعة الله


عناصر المادة
الخطبة الأولى
وجوب الأمر بطاعة الله ورسوله
نماذج من المنفذين لأمر الله ورسوله
الخطبة الثانية
حال المعاصرين حيال أمر الله ورسوله
الواجب علينا في ذلك
نعمة العام الجديد
حكم التهنئة بالعام الهجري الجديد
عيد الحب وتاريخه وحكمه

الخطبة الأولى

00:00:07

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

وجوب الأمر بطاعة الله ورسوله

00:00:33

فإن الله ، قد أمرنا بطاعته، وطاعة نبيه ﷺ، فقال: وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَسورة الأنفال:1، مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَسورة النساء:80،

جعل طاعته وطاعة نبيه ﷺ فرضاً مؤكداً، ولا بد أن يكون كمال الانقياد مع الطاعة والتنفيذ والتسليم حتى يكون الإنسان مؤمناً

وجعل طاعته وطاعة نبيه ﷺ فرضاً مؤكداً، ولا بد أن يكون كمال الانقياد مع الطاعة والتنفيذ والتسليم حتى يكون الإنسان مؤمناً، فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًاسورة النساء:65، وجعل الله الفوز العظيم لمن أطاعه وأطاع رسوله، وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًاسورة الأحزاب:71، وكذلك حصول الرحمة، وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَسورة آل عمران:132، ورهب وخوف من معصيته ومعصية نبيه ﷺ، فقال: وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌسورة النساء:14،وحكم عليه بالضلال فقال: وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًاسورة الأحزاب:36، وتوعده بالفتنة وزيغ القلب فقال: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌسورة النور:63أي: أمر محمد ﷺ، وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْسورة الأنفال:24، وهكذا يكون هذا الأمر في حس الإنسان المسلم وحياته واقعاً مقرراً لا يمكن تركه، ولا المحيد عنه.

وطاعة الله وطاعة رسوله، الأصل فيها الوجوب، قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْسورة الأحزاب:36،ولذلك قال لإبليس: مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَسورة الأعراف:12، إذن السجود واجب؛ لأنه أمر به، أما الملائكة فقال عنهم: لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْسورة التحريم:6، وأهل النار من أسباب دخولهم النار؛ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَسورة المرسلات:48، ولما كانت بريرة أمةً ثم عتقت، وزوجها عبدٌ، ويحق لها شرعاً الانفصال عنه إذا أرادت، فاختارت الانفصال، ولكنه كان متعلقاً بها أشد التعلق، فكان يمشي خلفها في طرق المدينة، ودموعه تسيل على خده، يتوسل إليها أن تعود إليه، فلم تفعل، فشفع إلى النبي ﷺ، فقال النبي ﷺ: يا بريرة اتقي الله فإنه زوجك وأبو ولدكرواه أبو داود (2231). [ وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1933) ]، فقالت: يا رسول أتأمرني بذلك؟، أي: هل القضية قضية أمر أم لا، فقال:  لا، إنما أنا شافع  قالت: لا حاجة لي فيه.[ رواه البخاري (5283) ]. فتفهم المرأة المسلمة جيداً أنه لو أمرها ما وسعها أن تعصيه، ولا بد أن تطيعه.

ولما قال النبي ﷺ:  لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة[ رواه البخاري (887) ومسلم (252) ]، علمنا أن الأمر للوجوب؛ لأنه لو كان الأمر للندب لم يكن عليهم من حرج إذا لم ينفذوا، لكن إذا وصل إلى الأمر، وهو يفيد الوجوب، فلا بد من التنفيذ، وعند ذلك يقع للناس حرج، وهم لا يرون دائماً ويتوفر لهم أسوكة مع كل صلاة، وعند ذلك لا يستطيعون المخالفة؛ لأن الأمر للوجوب، فإذا دل صارف على أنه للإباحة، أو للاستحباب قلنا بذلك، وإلا فالأصل في الأمر الوجوب.

نماذج من المنفذين لأمر الله ورسوله

00:05:50

عباد الله: لقد حفل التاريخ بأمثلة عظيمة لهؤلاء المنفذين للأوامر، المطيعين لله ورسوله، ومن ذلك:

- خليل الرحمن وابنه إسماعيل، لقد كان الأمر في المنام، ورؤيا الأنبياء حق، فأمر بذبح ولده، فماذا فعل، فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَسورة الصافات:102، ما دام أمرت فلا يسعك إلا التنفيذ، فَلَمَّا أَسْلَمَا،أي: انقادا لأمر الله، وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِسورة الصافات:103، أي:أضجعه على قفاه؛ لئلا يرى وجهه، وربما تردد، وتلكأ في التنفيذ، وهو يرى الألم على وجه ولده، فلذلك تله للجبين، ولكن الله الذي سلب النار خاصية الإحراق، سلب السكين خاصية القطع، وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ ۝ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَسورة الصافات:104- 105، والنتيجة وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍسورة الصافات:107.

- ولما وضع إبراهيم هاجر وابنه إسماعيل الذي ليس له غيره بوادٍ غير ذي زرع، فلا طعام، ولا شراب متوفر في ذلك المكان، ولا أنيس يكون فيه، لكنه أمر لا بد أن ينفذه، فوضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم، ولم تكن نبعت، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء، وكل ما كان من حيلته جراب فيها تمر، وسقاء فيه ماء، ثم قفّا منطلقاً، فيترك هاجر، وابنه الوحيد إسماعيل الرضيع، ماذا تفعل في ذلك المكان الموحش، أين تذهب، وكيف تعيش؟ لكن لا بد من تنفيذ الأمر، فلما ولى ظهره لهاجر وإسماعيل وذهب، تبعته أم إسماعيل، فقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس في إنس ولا شيء، فقالت له ذلك مراراً، وتتوسل المرأة، ومعلوم ماذا يمكن أن يفعل ذلك في نفوس الرجال الذين عندهم حنان، وعطف، وأبوة، وزوجية حانية، وجعل لا يلتفت إليها، فمجرد الالتفات لا يلتفت، فقالت له: آلله الذي أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذن لا يضيعنا. [ انظر: القصة في البخاري (3364) ].

عباد الله: إذا جاء الأمر فلا بد من التنفيذ، وهكذا تقبل الأوائل، والأنبياء، والصالحون هذه الأوامر.

- يقول أبو بكر الصديق: لست تاركاً شيئاً كان رسول الله ﷺ يعمل به إلا عملت به، فإني أخشى إن تركت شيئاً من أمره أن أزيغ.

- لم يرض الصحابة بتقديم قول أحد على قول النبي ﷺ، ولو كان قول العمرين، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول لكم: قال رسول الله ﷺ، وتقولون: قال أبو بكر وعمر، أي: لم يرض معارضة قول النبي ﷺ بقول الوزيرين.

- عندما أراد النبي ﷺ من بعض أصحابه في غزوة الخندق أن يأتيه بخبر المشركين، هل هم يريدون الانصراف، أو المكث، وماذا يريدوا أن يفعلوا، فهذا خبر مهم جداً، فرغب في الجنة، ولكن من شدة البرد، والخوف، وحصر العدو، لم يقم أحد، فقال:  قم يا حذيفة وصلت المسألة إلى الأمر، بعد أن كان ترغيباً، والصحابة بشر، فقال: قم يا حذيفة فأتنا بخبر القوم قال حذيفة: فلم أجد بداً إذ دعاني باسمي أن أقوم، ومن كرامة الله لحذيفة، أنه صار كأنه يمشي في حمام من الدفء، مع شدة البرد الذي كانوا فيه، فظل يمشي في دفء طيلة ذهابه لتنفيذ الأمر ورجوعه، ولم يحس بالبرد إلا عندما وصل إلى عسكر المسلمين، ولما قال له النبي ﷺ: ولا تذعرهم عليَّما وسعه أن يخالف النهي، مع أنه وضع سهماً في كبد قوسه، وأراد أن يرمي أبا سفيان زعيم المشركين، وفي ذلك مصلحة واضحة، لكن لأن النهي واضح لم يفعل حذيفة، ورد سهمه مرة أخرى، قال: ولو رميته لأصبته.[ رواه مسلم (1788) ].

- ما رأيكم في مجتمع، أو ناس من العرب مدمنين، وقد درجوا على الخمر أجيالاً يشربونها، وسارت في دمائهم، وصارت في كلاهم، ثم ينزل الأمر والنهي، لا تشربوا هذه الخمر فَاجْتَنِبُوهُسورة المائدة:90،  أمر بالاجتناب، فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَسورة المائدة:91، فأمر رسول الله ﷺ منادياً ينادي ألا إن الخمر قد حرمت، فقال أبو طلحة: يا أنس، اخرج فانظر ما هذا الصوت، فخرجت فقلت: هذا منادٍ ينادي: ألا إن الخمر قد حرمت، قال لي: اذهب فأهرقها، قال أنس: فجرت في سكك المدينة. [ رواه البخاري (2464) ومسلم (1980) ] رواه البخاري ومسلم.

وفي رواية: قال أبو طلحة: يا أنس قم إلى هذه الجرار فاكسرها، قال أنس: فقمت إلى مهراس لنا فضربتها بأسفله حتى انكسرت.

وفي رواية لمسلم: "يا أنس أرق هذه القلال، قال أنس: فما راجعوها ولا سألوا عنها بعد خبر الرجل"[ رواه مسلم (1980). والبخاري (4617) ].

الله أكبر، لا راجعوها، ولا سألوا عنها، ولم يكن هناك توسلات بإعفاء، أو استثناءات، أو فترة تأجيلية ريثما يتعودوا على ذلك، أبداً، فكسر تلك العبوات، وشق تلك الأوعية، وسكبت في شوارع المدينة، ولم يكن ذلك الحال خاصاً بالرجال، لقد كان مجتمعاً إسلامياً حقيقياً منضبطاً على مستوى الذكور والإناث، والرجال والنساء، فالامتثال النسوي واضح، ومن ذلك:

- قالت أم سلمة رضي الله تعالى عنها: لما نزلت: يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّسورة الأحزاب:59، خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من الأكسية. [ رواه أبو داود (4101) ]  شبهت الأغطية على الرؤوس في سوادها بالغراب. رواه أبو داود وهو حديث صحيح.

وفي البخاري عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: "يرحم الله نساء المهاجرات الأول؛ لما أنزل الله وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّسورة النور:31، شققن مروطهن فاختمرن بها. [ رواه البخاري باب "وليضربن بخمرهن على جيوبهن" ] فتريد حجاباً للرأس فوراً، فليس هناك وقت لتفصيل حجابات للرأس، ولا بد من التنفيذ، فشقت مرطها وجعلته خماراً.

تقول عائشة: "لقد أنزلت سورة النور وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ(سورة النور:31)، فانقلب رجالهن، -أي: رجال نساء الأنصار-، إليهن يتلون عليهن ما أنزل فيها، وهذه وظيفة الرجال في تفقيه النساء، وتعليمهن، ونقل الفوائد من الدروس للنساء، وهكذا تعليم الأحكام الشرعية، وما يجب عليهن، قالت عائشة: فانقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل فيها، ما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها فأصبحن يصلين الصبح معتجرات، كأن على رؤوسهن الغربان. هكذا كانت المبادرة والامتثال، يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ(سورة الأحزاب:59)، من أعلى شيء إلى أسفل شيء، شاملاً كل جسد المرأة.

عباد الله: تنفيذ هذا كان فردياً وجماعياً، بل كان ينطوي على فقه عظيم، فما رأيكم لو أن إماماً يصلي بالناس ووراءه رجال، ووراء الرجال نساء، ثم اكتشفوا أثناء الصلاة أن القبلة التي يصلون إليها بالعكس، فماذا تراهم يفعلون، وماذا فعل الصحابة؟

- روى البخاري ومسلم، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "بينا الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال: إن رسول الله ﷺ قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام - أي: عكس القبلة الحالية- فاستداروا إلى الكعبة"[ رواه البخاري (403) ومسلم (526) ]أي: في أثناء الصلاة، فهذا تنفيذ فوري بدون اضطراب، فاستداروا إلى الكعبة، الإمام، والرجال، والنساء؛ فوراً بدون تدريبات، ولا تمرينات، كيف فعلوا ذلك؟ هذا الفرق بيننا وبينهم.

- كانوا يصلون وراء النبي ﷺ، وفجأة خلع النبي ﷺ نعليه، فخلع الناس نعالهم، مباشرة، فالمسألة ما فيها تفكير، ولا مسألة وقت لتقريب الأمور، فهذا النبي ﷺ وهو أسوة وقدوة يفعل، ففعلوا مباشرة، فلما انصرف قال: لم خلعتم نعالكم؟ قالوا: يا رسول الله رأيناك خلعت فخلعنا، فهم ليسوا إمعة، وليس ينقصهم الذكاء، وينقصهم العمق في التفكير، أبداً، لكن عندهم قواعد أساسية مستقرة، وإيمان قوي، فبمجرد ما خلع خلعوا نعالهم وراءه، فقال ﷺ: إن جبريل أتاني فأخبرني أن بهما خبثاً [ رواه أحمد (10769). وصححه محققو المسند (17/243) ]، هذا سبب خلع نعليه، لكن الموقف يدل على جودة هذه النفوس التي بيعت لله، بثمن طاعة الله ورسوله.

- بعد غزوة أحد كان هناك سبعون قتيلاً، وجراحات في المسلمين عظيمة، وخوف من أن يرجع الكفار، ويندموا على الانصراف، وقد تبين لهم أن النبي ﷺ، وأبا بكر، وعمر لم يقتلوا، كما علم أبو سفيان من المحاورة التي دارت بعد المعركة، فخشي الصحابة أن يرجع الكفار، وأن يستديروا لاستئصالهم، ومع ذلك لما صدر أمر النبي ﷺ بالخروج إلى حمراء الأسد من ميدان المعركة، وعدم الرجوع إلى المدينة، والقوم فيهم جراح وتعب، وإنهاك شديد، فنفذوا ذلك، الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ۝ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُسورة آل عمران:172- 173،النتيجة فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍسورة آل عمران:174.

- لبس أحد الصحابة خاتم ذهب في يده، وهو لا يدري أنه نزل حكم بتحريم لبس الذهب على الرجال، فرآه النبي ﷺ، وهو الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر، فأخذه، فنزعه وطرحه، وقال: يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده[ رواه مسلم (2090) ]فقيل للرجل بعدما ذهب رسول الله ﷺ: خذ خاتمك انتفع به، قال: لا والله، لا آخذه أبداً وقد طرحه رسول الله ﷺ، مع أنه يجوز له أن يأخذه، وأن ينتفع به، أو يبيعه، ولكن لأن النبي ﷺ طرحه فلا يمكنه أن يأخذه، فينفذون الواجب والمستحب، ومستحب المستحب، وأي شيء يمكن أن يمتَّ بصلة إلى رغبة النبي ﷺ، ينفذ.

- أمر النساء بالصدقة في العيد، فتهاوت الأقراط، والأساور، وقطع الذهب على ثوب بلال، يا معشر النساء تصدقن، مع أنه ترغيب  فإني رأيتكن أكثر أهل النار[ رواه البخاري (304) ومسلم (80) ]فتهاوت هذه القطع.

ماذا يكون الأمر عندما يكون لشخص سجل في علاقة مع امرأة، وفي نفسه منها ما في نفسه، وأصحاب العلاقات مع النساء، والذين دخلوا في المغامرات العاطفية، وهاموا في العشق، وربما تمادى الأمر بهم إلى الوصول إلى الفواحش، فقطع مثل هذه العلاقة أمر صعب، ولكن إذا جاء أمر الله وقفت كل العلاقات لأجل أمر الله، فهل يجوز أن يتزوجها، وكان له بها علاقة؟

الجواب: أنها إذا تابت فيجوز، وإذا لم تتب ولا زالت النفس متعلقة فلا يجوز.

- كان رجل يقال له: مرثد بن أبي مرثد الغنوي رضي الله تعالى عنه، وكانت امرأة بغي بمكة يقال لها: عناق، وكانت صديقة له قبل الإسلام، ولما أسلم قطع العلاقة، وهاجر إلى المدينة، وجاء ليُهرِّب ناس من المسلمين المستضعفين في مكة إلى المدينة، فقدر الله أمراً، أنه وعد رجلاً من أسارى المسلمين يحمله، قال: فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة، فجاءت عناق فأبصرت سواد ظلي بجنب الحائط، فلما انتهت إليَّ عرفته، فقالت: مرثد؟ فقلت: مرثد، فقالت: مرحباً وأهلاً، هلمَّ فبت عندنا الليلة، قلت: يا عناق إن الله حرم الزنا، وكيد النساء عظيم، تدعوه ويأبى، فقالت: يا أهل الخيام، -أي: كفار قريش- هذا الرجل يحمل أسراكم، قال: فتبعني ثمانية، وسلكت الخندمة إلى أن نجاه الله منهم، ولم يروه، وحمل صاحبه الأسير إلى المدينة، حتى قدمت المدينة، فأتيت رسول الله ﷺ فقلت: يا رسول الله أنكح عناقاً؟ فأمسك رسول الله ﷺ فلم يرد عليَّ شيئاً، حتى نزلت الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَسورة النور:3، فقال رسول الله ﷺ: يا مرثد: الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ فلا تنكحها[ رواه الترمذي (3177). وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1790) ]، انتهت المسألة ، طوي قيد العلاقة من قبل ومن بعد.

عباد الله: كانوا وقّافين عند أوامر الله، اللهم اجعلنا وقافين عند حدودك يا رب العالمين، اللهم اجعلنا مطيعين لك ولنبيك ﷺ أجمعين، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين.

الخطبة الثانية

00:27:08

الحمد لله، وسبحان الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، أشهد أن لا إله إلا الله الحليم الكريم، أشهد أن لا إله إلا الله رب السماوات السبع ورب الأرض رب العرش العظيم، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله ﷺ، وعلى آله، وصحبه، وأزواجه، وذريته، وخلفائه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

حال المعاصرين حيال أمر الله ورسوله

00:27:56

عباد الله: التسليم المطلق لأوامر الله ورسوله كيف فعل به المعاصرون، هؤلاء الذين يخرجون علينا اليوم بكتابات في الصحف، وأحاديث في القنوات، يردون أمر الله ورسوله، فيردون الحديث، وإذا جئت بالنص القرآني تملصوا منه، لماذا؟ لأنهم يطعنون في القرآن والسنة، فالأشياء التي لا تعجبهم يردونها.

- تارة يقولون: هذا حديث آحاد، وهو حديث صحيح رواه العدل الضابط عن مثله، إلى منتهاه، من غير شذوذ، ولا علة، رواه الثقة عن الثقة إلى النبي ﷺ، يرويه من مصنف الكتاب، من البخاري، ومسلم، والترمذي، والطبراني إلى النبي ﷺ، ثقة عن ثقة بدون انقطاع، ولا علة ترده! ويقولون: آحاد، سبحان الله!.

- وآخرون يقولون: يعارض العقل، نعم يعارض بعض العقول العفنة، المنتنة، الشيطانية.

- وآخرون يقولون: يعارض قواعد الشريعة، ومعنى ذلك أنهم يقولوا: الدين يسر مثلاً، وهذا الحديث فيه شيء شاق، سبحان الله!، حتى القيام لصلاة الفجر في البرد شاق، والجهاد في سبيل الله شاق، وترك المحرم الذي أدمن عليه صاحبه شاق، فأين تذهبون؟.

- وتارة يقولون: يخالف العلم الحديث، فهل ترد النص الإلهي، والنبوي لأجل علم حديث.

- وتارة يقولون: يخالف الذوق، الله أكبر، ومن ذلك: حديث الذباب إذا سقط في الإناء وهو في البخاري [ رواه البخاري (3320) ]، فإذا أردت أن تشرب وقد وقع وليس عندك شراب غيره، أو نفسك لا تعاف الشراب، فاغمسه ثم اطرحه، فإن على أحد جناحيه داء وعلى الآخر دواء، فقالوا: هذا يخالف العقل، ويخالف المنطق، والذوق، فإذا أثبت العلم الحديث أن فعلاً على أحد جناحيه أجسام مقاومة لما على الجناح الآخر، قالوا: الآن آمنا، سبحان الله! يجعل الإيمان متوقفاً على اكتشافات الكفار.

- وتارة يقولون: هذا يخالف المصلحة، مصلحة من؟ وتارة يقولون: هذا يخالف الواقع، ويخالف قوانين الأمم المتحدة، ومن ذلك حديث: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة[ رواه البخاري (4425) ]وقالوا: هناك أناس ولوا أمرهم امرأة وفلحوا، يا أيها الفالح الذي تفلح في ماء البحر، إذا فلحت امرأة فالنادر لا حكم له، فكيف إذا كان وراءها جيش من المستشارين من الرجال، ولا تقطع أمراً وحدها، ووراءها حزب، هذا إذا فلحت في كل الأمور، ثم هنالك فلاح في الدنيا وفلاح في الآخرة، وإذا فلحت في الدنيا، لن تفلح في الآخرة إذا تولت عليهم.

أيها الأخوة: يطعنون في الكتاب، وفي السنة، وعلى الملأ، واستضافات، وما رأيكِ في المهر في الشريعة؟ فتقول: المهر هذا تقاليد بائدة، والمرأة ليست سلعة، وهو اتفاق أدبي بين الرجل والمرأة، وهاتوا من القرآن أما الحديث فلا، وهذا إعلان الكفر على العالمين، فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌسورة النور:63، فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَسورة النساء:65، وهذا يقول: الحديث لا، بكل وقاحة، وإذا جئت إلى الآيات: وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةًسورة النساء:4، وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًاسورة النساء:20 ماذا يفعلون؟ هذا كلام عن وقت سابق، أما الآن فالدنيا تطورت، وهكذا.

أيها الأخوة: يرد قول الله ورسوله على الملأ، ويخالف ويكفر به على الملايين، فلم تثبت القضية بشهادة واحد، أو اثنين، أو ثلاثة، بل بمشاهدة الملايين.

الواجب علينا في ذلك

00:33:35

عباد الله: علينا جميعاً واجب النصيحة، والإنكار، والتعليم، والتبيين، والتحذير، سواء للأهل، أو للناس الذين يرون هذا.

علينا جميعاً واجب النصيحة، والإنكار، والتعليم، والتبيين، والتحذير، سواء للأهل، أو للناس الذين يرون هذا.

نعمة العام الجديد

00:33:50

ونحن بعدما ودعنا عاماً هجرياً، واستقبلنا آخر، نذكر أنفسنا بنعمة الله علينا، حيث أمهلنا هذا الإمهال، وأعطانا الفرصة ليتوب المسيء، ويزداد المحسن أعمالاً صالحة، وخير الناس من طال عمره، وحسن عمله.

إنا لنفرح بالأيام نقطعها وكل يوم مضى يدني من الأجل
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً فإنما الربح والخسران في العمل

حكم التهنئة بالعام الهجري الجديد

00:34:23

ويسأل الناس عن حكم التهنئة بالعام الهجري الجديد.

والجواب باختصار: أنه لا سنة ولا بدعة، فلم يثبت في السنة التهنئة، ولكنه ليس أمراً محرماً مبتدعاً؛ لأن التهنئة تتعلق بالمباحات، وبعادات الناس، ولذلك يقول العلماء: لا نبتدئ أحداً بالتهنئة، لكن من هنأنا هنأناه، فهو ليس أمراً مشروعاً، ولكنه في المباحات.

عباد الله: إذا كان هذا من هذا، فيأتي عيد آخر، وليس رأس السنة الهجرية بعيد شرعي، واتخاذه عيد يتحول إلى بدعة، وإذا صار هناك مظاهر احتفالات، وتعطيل، وإظهار مظاهر البهجة، والفرح، والسرور إلى آخره؛ تحول إلى أمر محرم وبدعة، أما كلامنا السابق عن مجرد التهنئة، أو الدعاء بدعاء طيب، فهو في قسم المباحات.

عيد الحب وتاريخه وحكمه

00:35:34

لكن عيد الحب الذي يأتي به الكفار، وشبابنا في ستار أكاديمي يعمهون، وفتياتنا في ظل التقليد يرتعن، وشعارات على شكل قلوب، وتبادل الرسائل في الجوالات، والزينة باللون الأحمر، وهكذا المناديل، والحقائب، والأحذية، وهناك جنون عجيب، ورباط معصم أحمر، وبلوزة حمراء، وبالونات حمراء، ونقوش أسماء القلوب على اليدين، والحروف الأولى، وتتولى القنوات العربية والأجنبية الدعاية لهذا الحدث الكفري البدعي، لإله الحب، وللعاشق فلنتاين، وللذي ضحى بنفسه بزعمهم، وترتفع أسعار الورود الحمراء التي لا يجوز بيعها في هذه المناسبة، وتنقش الأسماء والقلوب على اليدين والحروف الأولى، وتزدحم المشاغل، وهكذا محلات الحلويات بالكيكات على تلك الأشكال المعينة، وأصله

عقيدة وثنية رومانية يعبرون عنها بالحب الإلهي للوثن، وهكذا انتقل بعد تقديس القديس فلنتاين إلى بلاد المسلمين، وتبادل البطاقات والورود

عقيدة وثنية رومانية يعبرون عنها بالحب الإلهي للوثن، وهكذا انتقل بعد تقديس القديس فلنتاين إلى بلاد المسلمين، وتبادل البطاقات والورود، وكلمات العشق الغرام، وفرصة لأهل الفسق، والفجور في تبادل رسائلهم مع المعشوقات، ويتبادلنها مع الأخدان، أو الذين نهى الله عن اتخاذهم، لا مسافحات ولا مسافحين، ولا متخذي أخدان.

اللهم إنا نسألك أن تعافينا يا رب العالمين، نسألك العفو والعافية في الأمور كلها، نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يقربنا إليك، اللهم اجعل حبك أحب إلينا من الماء البارد على الظمأ، اللهم اجعل حبك وحب نبيك مقدماً في نفوسنا مقدم على محبة آبائنا وأبنائنا، اللهم إنا نسألك أن تغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا أمرنا، وأن تثبت أقدامنا، اللهم انصر المجاهدين على القوم الكافرين، اللهم انصر المسلمين على اليهود، وأهل العداء لهذا الدين، اللهم إنا نسألك فرجاً قريباً، ونصراً عزيزاً، وأمناً وطيداً، اللهم انشر رحمتك على بلادنا وبلاد المسلمين، واجعلها آمنة مطمئنة بذكرك وعبادتك يا أرحم الراحمين.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

1 - رواه أبو داود (2231). وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1933)
2 - رواه البخاري (5283)
3 - رواه البخاري (887) ومسلم (252)
4 - انظر: القصة في البخاري (3364)
5 - رواه مسلم (1788)
6 - رواه البخاري (2464) ومسلم (1980) رواه البخاري ومسلم
7 - رواه مسلم (1980). والبخاري (4617)
8 - رواه أبو داود (4101)   
9 - رواه أبو داود وهو حديث صحيح
10 - رواه البخاري باب "وليضربن بخمرهن على جيوبهن"
11 - رواه البخاري (403) ومسلم (526)
12 - رواه أحمد (10769). وصححه محققو المسند (17/243)
13 - رواه مسلم (2090)
14 - رواه البخاري (304) ومسلم (80)
15 - رواه الترمذي (3177). وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1790)
16 - رواه البخاري (3320)
17 - رواه البخاري (4425)