السبت 22 جمادى الأولى 1446 هـ :: 23 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

ستجد الثواب ولو بعد حين


عناصر المادة
الخطبة الأولى
الجزاء من جنس العمل
من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه
الخطبة الثانية
فضل الأشهر الحرم، وقضاء الست من شوال
شكر النعم

الخطبة الأولى

00:00:01

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور  أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

الجزاء من جنس العمل

00:00:46

عباد الله:

هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ [سورة الرحمن:60]، هذا في الخير وكذلك في الشر، فقد قال الله تعالى: جَزَاء وِفَاقًا [سورة النبأ:26] ومن مكر مكر الله به، ومن ضار ضار الله به، ومن شق على عباد الله شق الله عليه، وهكذا من أكل بمسلم أكلة[1]، أو غدر به رفع له لواء الغدر يوم القيامة، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة، والله حكم عدل يجزي عباده على أعمالهم، فكما أن من وسع على مسلم وسع الله عليه، ومن نفس عن مؤمن كربة نفس الله عنه كربة من كر بات يوم القيامة رواه مسلم: 2699). ومن رد عن أخيه الغيبة في غيبته رد الله النار عن وجهه يوم القيامة وهكذا لا يزال يخلف على الصالحين، يا ابن آدم أنفق أنفق عليكرواه البخاري:5352، ومسلم:993).  ولا تزال نعم الله تترى على عباده بحسب أعمالهم عباد الله إن ربنا قال: إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ [سورة المجادلة:11]، وهذا الفسح في الصدر، وهذا الفسح في الرزق، وهذا الفسح في القبر، وهذا الفسح في جنة المأوى، وكذلك فإن العبد إذا مات ولده فحمد الله واسترجع، وقال: الحمد لله بنى الله له بيتًا في الجنة يسمى بيت الحمد، لماذا؟ لأنه حمده فيقول الله للملائكة: قبضتم ولد عبدي، فيقولون: نعم فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده فيقولون: نعم فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع فيقول: ابنوا لعبدي بيتًا وسموه بيت الحمد[2]، وهكذا من بنى لله مسجدًا بنى الله له بيتًا في الجنةرواه الترمذي: 319).، وترى أن الجزاء يكون في الدنيا والآخرة كبر الوالدين، فيقيض الله له من أولاده من يبره وكما أن من أعطى لله أعطاه الله فعلى حسب العطية تكون المكافأة، ولذلك كان بعض السلف كعبد الله بن المبارك ينكر على مملوكه أن يعد الدراهم قبل إعطائه للفقراء، ويقول: احثوا لهم حثيًا، يعني: اقبض واعط ولا تعد، والله يعطي بلا عدد، فإذا أعطى سبحانه فلا راد لعطائه ولا ممسك لرحمته .

عباد الله: هذا المعنى الذي ينبغي أن نربي عليه أولادنا وأن نبشرهم بعطاء الله ، والخير لا يثمر إلا خيرًا، والجزاء من جنس العمل، وكذلك أن نحذرهم بأن من خذل مسلمًا خذله الله ومن تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورتهرواه الترمذي:2032). كما أن  من ستر مسلمًا ستره الله سنن ابن ماجه2544).، و  من يسر على معسر يسر الله عليه  رواه مسلم: 2699). ومن  عفا عن عباد الله عفا الله عنه، والراحمون يرحمهم من في السماء، فكما رحموا عباده رحمهم ، وتأمل في حال سليمان لما ترك لله، ماذا أعطاه الله؟ لما شغلته خيل الجهاد عن صلاة العصر حتى توارت بالحجاب، فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ [سورة ص:33]،  ماذا فعل الله له؟ سخر الله له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب، والشياطين مقرنين في الأصفاد، يعملون له ما يشاء، وكذلك تأمل في أمر يوسف لما آثر السجن والضيق على الشهوة المحرمة وقال: قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ [سورة يوسف:33] مما يدعونني إليه، يعني: من الحرام عوضه الله الوزارة والمنصب فصار له الأمر  والنهي، يقضي ويعطي، مكن الله له في الأرض، وأصابه برحمته، وتأمل أيضًا في المقابل لما ترك المهاجرون في سبيل الله بيوتهم لله، وذهبوا إلى المدينة تاركين أموالهم ودورهم في مكة، عوضهم الله بالفتوحات فصارت لهم أموال الدنيا من فارس والروم، وسكنوا قصورهم، وأورثهم أرضهم وديارهم وأموالهم، فمن جاد لله جاد الله عليه وأعطاه ولو بعد حين، الرب كريم إن تصدق الله يصدقك رواه النسائي:1953).  كما قال ﷺ لذلك الأعرابي وفعلاً حصل.

ربنا سبحانه قال: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [سورة البقرة:152] فتأمل كيف جعل جزاءهم بذكره أنه يذكرهم في ملأ خير من أولئك الملأ،  من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسيرواه أحمد:8635).، فعطاء الله أعظم عطاء، الله أكبر والله يجازي ويحسن وهَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ [سورة الرحمن:60].

من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه

00:09:45

عباد الله: عندما كان ذلك الرجل له بستان يخرج ثلثه صدقة، والثلث يعيده فيه من بذر وأجر عمل، وثلث لأهله، فثلث للفقراء وثلث يرده فيها وثلث لأهله، جعل الله تلك السحابة تمطر ويسوق الماء إلى تلك الحديقة وذلك البستان من دون سائر حدائق الناس وبساتينهم.

أيها المسلمون يا عباد الله: هذا القرض من يقرض الله قرضًا حسنًا فيضاعفه له أضعافًا مضاعفة، ويجزيه، وقد يأتي الخلف مباشرة، وقد يتأخر الخلف لأمر يريده سبحانه، قالت امرأة: جاءتني فقيرة فأعطيتها أربعة جينهات وكان عندي كيس من السكر لا يوجد غيره في مطبخي، فأردت أن أعطيها إياه فقالت نفسي: أنتِ تحتاجينه وأولادك وليس لك غيره، ثم عزمت فأعطتها، فما لبث أن جاء والد زوجي بعشرين كيس من السكر، وقال: هذا زاد وفاض عندنا فأعطانا إياه، والإمام ابن عقيل -رحمه الله- كان في الحج فعثر على عقد من اللؤلؤ في خيط أحمر منظومًا في خيط أحمر فإذا رجل مسن يقول: من وجد عقدي وله مائة دينار من الذهب، فلما وصفه قال: أعطيته إياه، ولم يأخذ مقابله شيئًا، وبعد الحج ذهب في رحلة علمية طويلة كعادة العلماء، فدخل بغداد ،ثم قصد الشام، ودخل بيت المقدس ثم دمشق حتى وصل إلى حلب، وهو فقير قد نفذ ماله، مسكين ليس له من يؤويه، فأوى إلى مسجد فغاب إمامهم مرة فقدموه فأعجبهم صوته، ثم إن هذا المسجد كان له إمام قد توفي، فقالوا له: أم بنا بدلاً منه، وبعد مدة قالوا له لما رأوا صلاحه: إن لإمامنا بنتًا أنت أهل لها فزوجوه إياها، فبنى بها، فوجدها بنتًا صالحة من تربية حسنة، فتأمل يومًا من الأيام في عنقها فوجد عقدًا اللؤلؤ بخيط الحرير الأحمر فتعجب! من ذلك وأخبرها عن قصته فقالت: أنت هو ؟ كان أبي -رحمه الله- يذكر الذي رد العقد ويبكي ويقول: قيض لبنتي زوجًا مثله قال: فما لبثت بعد ذلك أن مرضت فماتت وورث العقد ورجع إلى بلده.

أيها المسلمون: إن الله كريم فعلينا أن نجود  لله ويجود الله علينا، اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من أهل الجود والإحسان يا رحيم يا رحمن، أقول قولي هذا  وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية

00:14:50

الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا هو، لم يتخذ صاحبة ولا ولدًا، وأشهد أن محمدًا عبد الله، دعى إلى الله ولم يشرك به أحدًا، فصلوات ربي وسلامه عليه، سيدنا وقدوتنا وإمامنا ونبينا محمد بن عبد الله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى أزواجه وذريته الطيبين وآله وأصحابه وخلفائه الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .

فضل الأشهر الحرم، وقضاء الست من شوال

00:15:25

عباد الله: قد أظلكم شهر عظيم من أشهر الله، وهو ذو القعدة، قيل: إنه سمي بذلك؛ لأن العرب كانت تقعد فيه عن الغارات انتظارًا لموسم الحج . هذا الشهر من الأشهر الحرم الثلاث المتوالية، وهي أربع قال ﷺ: ثلاث متواليات، ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب مضر، رواه البخاري:7447).،رجب الفرد،  قال الله تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ [سورة التوبة:36]،  فهي هذه، قال تعالى موصيًا عباده: فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ قال قتادة -رحمه الله: أن الخير يضاعف فيها وكذلك السيئات، ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ إذًا فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ  فإن السيئات فيها تعظم قدرًا لا كمًا؛ لأن السيئات السيئة بواحدة لا تضاعف في العدد، ولكن إذا اقترنت بزمن فاضل أو مكان فاضل –كالحرم- تعظم، فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ بأي معصية من المعاصي وهذا الشهر ذو القعدة من أشهر الحج فإذًا ينعقد الحج فيه لمن أحرم بالحج بأي نوع من أنواع النسك الثلاث، وكذلك فإن العلماء قد ذكروا بأن العمرة فيه مستحبة؛  لأن النبي ﷺ اعتمر في عمره أربع عمر كلهن في ذي القعدة كما ثبت ذلك فالعمرة فيه مستحبة قال بعض العلماء: لا تفضل عمرة ذو القعدة إلا عمرة رمضان، وبعضهم تردد أيهما أفضل، حتى قال ابن القيم -رحمه الله-، وهذا مما أستخير الله فيه، ومن اعتمر فيه ثم رجع إلى بلده ثم حج فلا يكون متمتعًا للانقطاع الذي حصل برجوعه إلى بلده، لكن إن بقي في الحرم كان متمتعًا عليه هدي التمتع، وهذا التمتع هو النسك العظيم.

عباد الله:

وقد ذكر بعض أهل العلم أن من لم يتمكن من صيام الست من شوال كامرأة طال عذرها من حمل ورضاع ونحو ذلك فلما قضت في شوال استوفت الشهر ولم تنته، قال: يقضي الست في ذي القعدة.

شكر النعم

00:18:49

أيها المسلمون يا عباد الله: اذكروا نعمة الله عليكم واخشوا ربكم، فإن الله كما يكافئ على الإنعام بالزيادة، لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ [سورة إبراهيم:7]، كذلك يكافئ على الكفران بالنقص ومن رأى البطر والترف ورمي النعمة يخاف، والله يخاف والله، فقد كانت بلدان فيها رخاء، ذكروا في بعض بلدان القرن الإفريقي من كثرة النعمة ووفور الخير أن بعض الناس كان يذبح الخروف ولا يأخذ إلا الكبد ويرمي الباقي، فانظر ماذا آل الأمر إليه في 1327 – 1909 سنة الجوع في الجزيرة ماذا كان حال الناس؟ كانوا يرقبون الفطيسة لأكلها، وعلى التمرة، ويخبطون ورق الشجر ويطحنونه، ويغلون الماء، يغلونه بالماء ليشربون ما لهم إلا هذا، ووجدت امرأة ميتة وعلى ثديها طفلها من الجوع ماتا، يدور الأولاد بالليل على البلدان يطرقون الأبواب ليعطوا شيئًا فلا يوجد شيء، فإذا فتح أصحاب البيوت أبوابهم في الصباح وجدوا هؤلاء موتى من الجوع على الأبواب، تأتي المرأة إلى قريبها في مجمع من الرجال تقول له: تملك عليّ على سنة الله ورسوله، فيطرق برأسه قد أهمته نفسه من الجوع، فتقول للرجال: أما فيكم أحد يرغب فيّ بالزواج يا أيها الأجواد، فكلهم يطرقون برؤوسهم، يلحقون الجراد، لو وجدوا جرادًا، يا عباد الله اذكروا نعمة الله عليكم وحدوا ربكم واشكروه على النعمة، استعملوها في طاعته، لا ترموا النعم، لا للبطر والترف والأشر والكبر.

فإن ربكم لبالمرصاد، اللهم أتمم نعمتك علينا، وزدنا من فضلك يا رب العالمين، أعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، وأثرنا ولا تؤثر علينا، اللهم لا تحرمنا فضلك بذنوبنا، يا رب العالمين وسع علينا في أرزاقنا وفي دورنا، واقض ديوننا واشف مرضانا وارحم موتانا واغفر ذنوبنا واجمع على الحق كلمتنا آمنا في الأوطان والدور وأصلح الأئمة وولاة الأمور واغفر لنا يا عزيز يا غفور واجعل بلدنا هذا آمنًا مطمئنًا رخاء سخاء وسائر بلاد المسلمين اللهم ارفع الفتن عنا ما ظهر منها وما بطن اللهم ارحم حال إخواننا المستضعفين اللهم أمددهم بمدد من عندك يا رب العالمين نعوذ بك من تحول عافيتك وزوال نعمتك وفجأة نقمتك وجميع سخطك اللهم لا تفرق جمعنا هذا إلا بذنب مغفور وعمل مبرور وسعي متقبل مشكور إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [سورة النحل:90]، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

  1. ^  رواه الحاكم: (7166 ).
  2. ^ رواه الترمذي: (1021).
1 - رواه مسلم: 2699).
2 - رواه البخاري:5352، ومسلم:993).
3 - رواه الترمذي: 319).
4 - رواه الترمذي:2032). 
5 - سنن ابن ماجه2544).
6 - رواه مسلم: 2699). 
7 - رواه النسائي:1953).
8 - رواه أحمد:8635).
9 - رواه البخاري:7447).