الثلاثاء 9 جمادى الآخرة 1446 هـ :: 10 ديسمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

هل أنت مع الله؟!


عناصر المادة
الخطبة الأولى
العيش مع الله في كل الأحوال
المبتدعة وكيف يعيشون مع الله
هنالك ارتباطاً بين الغيب والخشية
أحوال بعض الأنبياء في العيش مع الله
فالعيش مع الله هو المنقذ من البلاء
الخطبة الثانية
قضية المسجد الأقصى ومناصرته

الخطبة الأولى

00:00:04

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد..

العيش مع الله في كل الأحوال

00:00:27

فإن المؤمن يعيش مع الله تعالى، فالمحيا لله، كما قال ربنا : قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَالأنعام:162.

يعيش مع ربه في الصباح والمساء، فهو يقول أمسينا وأمسى الملك لله، وأصبحنا وأصبح الملك لله، يعيش مع ربه وهو ينام، ويقول باسمك ربي وضعت جنبي، وإذا استيقظ من نومه كذلك فهو يقول: الحمد لله الذي احيانا بعد ما أماتنا.

يعيش مع ربه في الصلوات وخارج الصلوات، يعيش مع الله في التدبر والتفكر، يعيش مع الله في العبادات المحضة، وفي أعمال الدنيا التي يريد بها وجه الله فيستعين بها على عبادة الله، يعيش مع الله في علاقاته مع الناس، فيعقد الأخوة مع هذا لأنه يقربه من الله، ويجنتب ذاك لأنه يبعده من الله، ولذلك من الإيمان الحب في الله والبغض في الله، تراه إذا أعطى عطية هذا صاحب الإيمان فإنه يعيش مع الله في عطيته، فيعطي لفقيرٍ أو مسكين، ويعطي صلةً وكذلك أخوةً ويعطي تودداً واستجلاباً للقلوب في الدعوة إلى الله، فعطاياه ودفعه للمال في نفقات عياله التي أوجبها الله، فهو إذن يعيش مع الله في دفع المال، وكذلك يعيش مع الله في كسبه، فإذا حرّم ربه الربا لا يأخذه، وإذا حرّم ربه الميسر لا يكتسبه، وإذا حرّم ربه الرشوة فإنه لا يدخل بابها، وهكذا إذا حرّم ربه أنواعاً من البيوع الباطلة فإنه لا يجعله متجراً له.

يعيش مع الله في دينه ودنياه، يعيش مع الله فيحيا حياةً طيبة، فيها سعادة وطمأنينة وفيها رضا بالقضاء، دكتور ينتحر لماذا ؟ شاب يطلق النار على جلساءه في استراحة لماذا ؟ خادمة تنتحر لماذا؟ إنهاء الحياة لأنها لم تعد طيبة، لم يعودوا يطيقون العيش في الدنيا لأن صلتهم بالله ضعيفة فصارت هذه الحياة شقاءً عليهم، وصارت عذاباتها غير متحملةٍ فلذلك يريدون إنهاءها بسرعة، وأما أهل الإيمان فإنهم وإن ركبتهم الديون وحاصرتهم الشدائد وكثرت عليهم المصائب وتعسرت بهم المعاملات فإنهم لا يزالون يحييون حياة طيبة لأن عمر قال: وجدنا خير عيشنا بالصبر.

فيصبر وهو يحتسب الأجر في الصبر وأن الله يبتليه ليعافيه، ويمتحنه ليمنحه، ويشدد عليه ليكفّر من سيئاته فيتسع الأمر له، مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً(النحل: من الآية97.

ولو أصابته الجراح ولو أصابته الأمراض، مزمنة أو غير مزمنة، خطيرة أو خفيفة، فهو يعيش مع الله فيرى في الابتلاء نعمة، لماذا ؟ لأن الله يرفع به درجته بهذا الابتلاء ويكفر عنه خطيئته ويزيد في حسناته، ولذلك فإن قول الله تعالى: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ الانفطار:13ليس فقط في القبر والجنة، ولكن أيضاً في الدنيا، فإذا نظر الناظر إلى أهل الإيمان اليوم فرأى هذا ضعيفاً وهذا مقهوراً، رأى هذا مظلوماً وهذا سجيناً، رأى هذا معدماً فقيراً، وهذا مغلوباً، قال نوح فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ القمر:10.

لكن هذه الغلبة وهذا الضيق وهذه الشده وهذا الفقر وهذا الحصار، وهذا الاستضعاف يرى فيه حكمة ربه، ما كان حول إبراهيم وقوته لما ألقي في النار ؟ لا شيء، إنسان مكتوف جُعل في منجنيق ليرمى في نارٍ تأجج لا يستطيع الرامي أن يقترب منها، فجعلوه في مقذوفٍ يقذفونه به من بعيد، ما حيلته، لا شيء، لكنه كان مع الله، لم يرى في هذا الربط وهذا التقييد الذي قيدوه به وهذا الرمي لهذه النار المحرقة، لم يرى في ذلك يأساً، بل لا زال وهو يطير في الهواء إلى تلك النار يرى أن له رباً يفرج الهم، وينقذ من الغم، وأن له رباً على كل شيءٍ قدير، ولذلك قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَالانبياء:69. وانتقم الله من أعدائه،فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ 98 سورة الصافات ، ورفع إبراهيم وأنقذه وهاجر وبنى البيت و تزوج وأنجب على كبر، وإسحاق ومن ورى إسحاق يعقوب وإسماعيل، ومن ذرية إسماعيل نبي يختم به الأنبياء محمد ﷺ.

المبتدعة وكيف يعيشون مع الله

00:07:09

المؤمن يعيش مع الله، والفرق بين عيش المبتدعة المزعوم مع الله، وعيش السلف مع الله كبير، عيش المبتدعة مع الله أذكارهم يقولون فيها: الله الله الله هو هو هو حي حي حي لطيف لطيف لطيف، وفيديو كليبات صوفية الله يا حبيبي محمد يا حبيبي، حب الله وحب نبيه ﷺ فرض، لكن أولئك القوم لا تتعلق بمحبتهم المزعومة الأوامر والنواهي، فالمحبة لا ترتبط بالأمر والنهي وإنما هي عبارة عن مشاعر هائمة، لا ترى لها طريقاً ولا منفذا، ولا توجيهاً ولا إرشادا، ولا تزيد الإيمان بالطاعات لكن حب السلف لله مبني على الأمر مراعاة الأمر والنهي، مراعاة أمر الله ومراعاة نهيه، ولذلك فإنهم يعيشون مع الله ويحبونه بفعل مأموراته وترك المنهيات التي نهى عنها فيكون الحب ممتزجاً بالتعبد ويكون الحب ممتزجاً بالطاعة ويكون الحب ممتزجاً بالعمل وهذا هوا لحب الحقيقي لا حب الفيديو كليبات والعواطف الهائجة بلا أساسٍ من عملٍ أو حسن اعتقاد.

المؤمن يعيش مع الله سواء كان خالياً أو مع الناس، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه، العين لا تفيض، لكن الدمع هو الذي يفيض، فلماذا عبر بهذا، فاضت عيناه مبالغةً في كثرة دمعة فالدمع هو الذي يفيض، فما الذي جعل الدمع يفيض ذكرهم لعظمته وجلاله وجماله وعقوبته وشدته وانتقامه وبطشه، تفيض من محبته كما تفيض من خشيته، تفيض من رجاءه كما تفيض من خوفه، ولذلك فهناك بكاء محبة وبكاء خوف، بكاء رجاء وبكاء خشية، مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِقّ: من الآية33.

هنالك ارتباطاً بين الغيب والخشية

00:09:45

فهنالك ارتباطاً بين الغيب والخشية، فإذا غابوا عن الناس كانوا يخشون الله، وهذا الحب المفيد لصاحبه، هذه الخشية بالغيب إذا غابوا عن الناس، وليست القضية مظاهر أو أمام الخلق، كلا يا عباد الله عاشوا مع الله، في الشدة والرخاء، في السراء والضراء.

أحوال بعض الأنبياء في العيش مع الله

00:10:14

يوسف يؤخذ من أبيه وهو يعيش مع الله، يُبعد عنه وهو يحتسب عند الله، يُلقى في الجبّ وهو يرجو النجاة من الله، فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّيوسف: من الآية15. تأتي القافلة لتأخذه فيرى النجاة بعينه من الجبّ المهلك، ويرى استجابة الدعاء بهذه القافلة التي هي سبب، ويباع وهو حر وليس على الحر أشد من  أن يباع عبداً وهو حر، وهو يحتسب الأجر عند الله، ويؤخذ خادماً في ذلك القصر، يخدم وهو يحتسب الأجر، يتعرض للفتنة وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِيوسف: من الآية23.

لكنه مع الله، لا يمكن أن يزني، لا يمكن أن ينزلق، وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ ومع تغليق الأبواب وغياب الزوج والاستعانة بكيد النسوة، والتهديد بالسجن وهو أعزب وهي جميلة ولها عليه السلطان والأمر والنهي ولا يشك فيه فهو من أهل البيت، وكذلك دعته ووفرت عليه المشوار وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَيوسف: من الآية23. وهو غريب عن البلد عبد من العبيد ومع ذلك لا يرضخ ولا يفعل ولا يستجيب للحرام، ويصبر ويدخل السجن ثمن موقف، ما هو ؟ الصمود أمام الحرام، دفع يوسف حريته في التنقل بعدما دفع حريته لبيعه فدفع ثمن الحريه مرتين، مظلوماً في الحالين، ففي تلك الحال أخذوه من أبيه وهو صغير وباعوه، فذهبت الحرية الأولى، ثم بعد ذلك يصمد أمام إغراء الحرام ولا يغدر ولا يخون الذي أكرمه، هذا أكرمني أأزني بزوجته، معاذ الله، والله أكرمني أفأعصي أمره ؟ معاذ الله، ولذلك دفع ثمن الحرية الثانية بالسجن وراء القضبان مقيداً، كفت حركته، لكن بقيت الحرية حرية القلب في العبودية لله ، ولذلك صبر واحتسب وهو في السجن حتى جاء الفرج من الله بإخراجه، ثم بإتيان إخوانه إليه أذلاء، ثم بعد إيتاءه الملك برد أبويه إليه.

عاش يوسف مع ربه، تقلبت به الأحوال في السراء والضراء والشدة والرخاء والفقر والملك والعبودية والحرية ومع ذلك فهو صابر لله يعمل بمراد الله وأمر الله، سواءً كان خادماً أو كان وزيراً، سواءً كان مطارداً أو كان ملكاً عليهم فهو يعمل بالعدل، يعمل بالحق يعمل بأمر الله وهذا أيضاً من الفروق بين المحبة البدعية أو المحبة الناقصة وبين المحبة الحقيقية، وهي أن يقضي الإنسان مسلم بالحق أينما كان يحكم بشريعة رب العالمين ويسير وفق قوانين سيد المرسلين، ويتبع شريعة أحكم الحاكمين. وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَالمائدة: من الآية50.

عباد الله: لقد كان يونس في بطن الحوت أسيراً وأيوب في البلاء أيضاً موثوقاً، هذا مكث في بطن الحوت ما شاء الله، وذاك ثمانيَ عشرة سنة في البلاء، كان يونس يعيش مع الله في الظلمات الثلاث، في ظلمة بطن الحوت وفي ظلمة البحر وفي ظلمة الليل، ولكن كل ذلك لم يؤيسه ولم يمنعه أن يستمر في الرجاء من ربه،لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَالانبياء: من الآية87.، سنّها لنا لتكون الكلمات التي لم يدعو بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له، هو كان من قبل من المسبحين، وليس فقط في بطن الحوت لما جاءت الشدة، فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَالصافات:143. من قبل  لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَالصافات:144.

كان موسى يعيش مع الله في شدة البلاء، واتخذ لقومه بمصر بيوتاً وجعلها قبلة ونفذ أمر الله تعالى، وصار يستوصي معهم بالصلاة ويعدهم بفرجٍ من الله، مع أنهم قالوا له: أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا الأعراف: من الآية129. ولكن المؤمن عنده الأمل باستمرار، قال : عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِالأعراف: من الآية129.، مع أنهم قالوا له :إِنَّا لَمُدْرَكُونَ الشعراء: من الآية61.، فرعون أرسل في المدائن حاشرين، وجاء بجنوده واتبع موسى مشرقاً عند شروق الشمس، قال موسى : كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ الشعراء:62.

فالعيش مع الله هو المنقذ من البلاء

00:16:19

فالعيش مع الله هو المنقذ من البلاء، يقول الناس الآن: عندنا شدائد، عندنا شدة في المعيشة، عندنا وطأة ديون، عندنا خشية انفلونزا الخنزير، عندنا وظيفة غير محصلة، وجامعة غير متوفرة، ودراسة غير ممكنة، وعلاج مستعصي، وبيت ضيق وزوجة مفقودة، وذرية أو لا ينجب، ويقولون أيضاً إن عندنا من  أنواع النكبات النفسية والاكتئابات والحصار النفسي والظلم الاجتماعي وهذا واقع عليه من  أهله وهذا من أهل زوجته وهذا من أقرب الناس إليه وهذا من جيرانه، وهذا من مديره في العمل، وهذا وهذا  أنواع الاضطهادات الكثيرة وأنواع الشدائد وأنواع الابتلاءات والتهديدات التي تكون في الأعمال، وهذا داعية مسكين يرجو وهو فقير لا يجد من يلجئ إليه إلا الله في دعوته، ولكن أمل الجميع كل هؤلاء يجب أن يكون في الله تعالى، و هذا نبينا ﷺ ذهب للطائف بعدما يأس من أهل مكة فطردوه، وأدموه ورجموه، فلم يستفق إلا بقرن الثعالب وهو مهموم على وجهه من الهم والغم، في الغار لم يكن موقفاً سهلاً أبداً أن يقول الصديق : لو أن أحدهم أبصر تحت قدميه لرآنا، فيقول النبي ﷺ: لا تحزن إن الله معنا، هذه هي المعية، هذه هي المعية المقصودة، لم يكن موقف النبي ﷺ سهلاً أبداً وهو في معركة بدر أول مواجهة الآن يبنى عليها إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض، هذه المعركة خطيرة جداً جداً ونتائجها سينبني عليها مستقبل الإسلام في العالم، في البشرية، أن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض، لم يكن موقفاً سهلاً، لكن ماذا فعل النبي ﷺ في المواجهة؟ رفع يديه، مدهما، استقبل القبلة، يهتف بربه يناشد ويدعو، حتى سقط ردائه عن منكبيه، فجاء الصديق ليؤازره، ويقول: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك، أخذ الدرس من الغار فاستفاد منه في بدر، فبدل من  أن يكون مصدر قلق صار الآن مؤيداً في هذه القصة، كان في تلك قلقاً فصار في هذه واثقاً، يقول: كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك، فكان ﷺ مع الله في اعتكافه في صيامه في قيامه في شغف العيش في الشدة في النعمة.

نسأل الله أن يرزقنا عيش السعداء، وأن ينعم علينا بمعيته ونصرته، وأن يجعلنا ممن أراد بهم خيراً في الدنيا والآخرة، اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مؤمنين وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:20:04

الحمد لله رب العالمين، أشهد أن لا إله إلا هو الحي القيوم، رب الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الأمين صلى الله عليه وعلى آله و صحبه أجمعين، أشهد أنه رسول الله حقا، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، اللهم صل وسلم وبارك على محمدٍ و آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم.

قضية المسجد الأقصى ومناصرته

00:20:38

عباد الله: هكذا يكون المؤمنون أيضاً مع الله تعالى في قضايا الأمة، وليس فقط في قضاياهم الشخصية، والأمة اليوم تعاني من مصائب كثيرة وحصارات متعددة، وتسلط الأعداء وتدخلهم حتى في أدق التفاصيل، وإرغامهم للمسلمين على أمورٍ كثيرة، وهم يمارسون عليهم أنواع التسلط والأذى والنهب والسلب والاحتلال والبغي والطغيان، ولا شك أن من ضمن قضايا الأمة التي تباع وتشترى اليوم قضية المسجد الأقصى، والخيانات قد خلت من بين أيدينا ومن خلفنا، وهذا المسجد هو بيت الله، فبني بأمر الله تعالى، وكذلك جدد بنيانه النبي الملك سليمان ، كما جاء في الحديث الصحيح في تجديد سليمان لبناء بيت المقدس، وسأل سليمان ربه أنه لا يخرج رجل يريد أن يصلي في هذا المسجد ابتغاء وجه الله، فيرجع حتى يكون قد خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، فأعطى الله سليمان ذلك فكان هذا من فضائل هذا المسجد العظيم، وبقي أنبياء الله يؤمونه نبياً أثر نبي، كما كانوا في بني إسرائيل، وهكذا نذرت امرأة عمران الذي في بطنها محرراً كانت ترجو ذكراً يخدم في بيت المقدس، ويكون موقوفاً عليه وكان من عبادتهم وقف الأولاد على المسجد الأقصى ليكون ولد خادماً للمسجد طيلة عمره، ثم عادت الذكريات عوداً عجيباً، بجمع الأنبياء كلهم في ذلك المسجد ليؤمهم محمد بن عبد الله ﷺ، فترى نبينا واقفاً في ذلك المسجد، إماماً والأنبياء ورائه صفوفاً أجمعون في حشد مهيب وجمع عجيب، أنه جمع لم يشهده ذلك المسجد من قبل ولا من بعد، أن يُجمع الأنبياء كلهم صفوفاً في ذلك المقام، ليظهر فضل نبينا ﷺعليهم جميعاً بإمامته لهم واتباعهم له إشارةً إلى وجوب طاعتهم له جميعاً، لو بعث في حياة واحدٍ منهم، ثم جاء الفتح من الله في عهد عمر الفاروق، وعاد المسجد إلى المسلمين، إلى أهل التوحيد بعد أن قضى ردحاً من الزمن تحت سلطان المشركين، الذين سلطهم الله على بني إسرائيل لما عصوا، فأخرجوا بني إسرئيل من بيت المقدس وعاثوا خلال الديار فسادا، ثم بعث الله عباداً له وهم أصحاب محمد ﷺ ليفتحوا ذلك البيت مرة أخرى، ويبقى تحت سلطان المسلمين لينهبه النصارى ويعود تحت سلطان الشرك تسعين عاما مرة أخرى، لتستعيده الأمة في عهد صلاح الدين ليدخل مرة أخرى تحت سلطان اليهود هذه المرة عشرات السنين، وسوف يستعيده المسلمون قطعاً مرة أخرى وسيكون بيت المقدس سيكون هذا المسجد موئل عيسى والمسلمين معه يتحصنون فيه عند حصار الدجال ثم يفتح عيسى الباب؛ باب بيت المقدس ويخرج بمن معه من المسلمين على الدجال فيقتله الله على يديه ويطّهر الأرض من الصلبان وعبدة الأوثان واليهود وسائر الأنجاس.

وسيبقى هذا البيت رمزاً للمواجهات بين المسلمين والكفار، سواءً ما حدث في أيام الصحابة أو في العهود من بعد ذلك لتكون المعركة النهائية التي يشهدها ذلك المسجد والمواجهة الأخيرة بين الإسلام والشرك في نزول عيسى ، وهذا ولا شك هذا المسجد هو إرث تاريخي لهذه الأمة، لا يجوز العبث به ولا المتاجرة، وأنواع الخيانات التي تحدث الآن على مرأى ومسمع من العالم كافة ولا شك مؤامرة من ضمن المؤامرات في هذه الحلقات المتواصلة من المواجهة بين الحق والباطل، وسيبقى ذلك  المسجد في قلوب المسلمين، لما له من المكانة عند رب العالمين، وقد جعله الله أحد المساجد الثلاثة التي يجوز شد الرحال إليها، هو ليس حرماً مثل الحرمين، لا يقال ثالث الحرمين ولا يقال حرم المسجد الأقصى لأن ليس له حرم، وإنما الحرم في مكة والمدينة، فلا يقال ثالث الحرمين ولا يقال حرم المسجد الأقصى لأن ليس له حرم، وإنما الحرم في مكة والمدينة، ولكن مكانته في القلوب عظيمة، ونحن اليوم نتأمل في حديثنا في العيش مع الله، عيش إخواننا المصلين في المسجد الأقصى والمرابطين فيه، الذين يريدون برباطهم واعتكافهم داخل ذلك المسجد تفويت الفرصة على اليهود الذين يريدون اقتحامه ويريدون احتلاله، وقد بدأت بعض البيوت الإسلامية حول المسجد تتهاوى من جراء الأنفاق المحفورة تحته، وكل الدلائل تشير إلى إنهياراتٍ كبيرةٍ محتملة تجرها هذه الأنفاق، وقد بحثوا عن هيكل سليمان فلم يجدوا شيئاً، ولو وجدوه لطاروا به فرحاً، ونحن نعلم أن سليمان لم يبن هيكلاً، وإنما جدد بنيان بيت المقدس، هذا هو الثابت في السنة النبوية، وما الفائدة في أن يبني سليمان هيكلاً ؟  أو داود ، فما هو الهيكل وما فائدة الهيكل ؟ إنما هي بيوت لله تبنى في الأرض، إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِالتوبة: من الآية18.، فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ۝ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ النور:36-37.

ومناصرة أخواننا في المسجد الأقصى بجميع أنواع المناصرات ومن أعظمها هذه المناصرات الإعلامية التي تدور رحاها اليوم على القنوات وفي مواقع الشبكة العنكبوتية، وعلى كل مسلم يستطيع أن يفعل شيئاً لإخوانه أن يفعل، وأن يقدم شيئاً لإخوانه أن يقدم، فإنما هي المعركة بين أهل التوحيد وهؤلاء اليهود الكفرة.

اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى يا رب العالمين، أن تنصر المسلمين على اليهود، اللهم أعد إلينا المسجد الأقصى، اللهم أخرج اليهود من بيت المقدس أذلة صاغرين، واضرب عليهم ذلاً عظيماً يا رب العالمين، واجعل عليهم رجزك وعذابك يا جبار، اللهم إنا نسألك يوماً قريباً تعز فيه دينك وتخلص فيه بيت المقدس من رجس اليهود إنك على كل شيء قدير، آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، اللهم من أراد ببلادنا وبلاد المسلمين سوءاً فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، اللهم إنا نسألك في ساعتنا هذه رحمةً لا تدع لنا بها ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا كرباً إلا نفسته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا ديناً إلا قضيته، اللهم اهدنا ضآلنا، واشف مريضنا، وارحم ميّتنا يا ربنا، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.