الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَآل عمران:102.يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباًالنساء:1.يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماًالأحزاب:70-71 .
أما بعد:
الشباب مرحلة القوة والفتوة
فإن الله قال في كتابه العزيز: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُالروم:54.
وهذه مرحلة الشباب بين الطفولة والشيخوخة، نعمة عظيمة من الله تعالى، الشباب القوة، والنماء، إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًىالكهف:13. رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب[رواه أبو داود:4402 ]، إنها مرحلة بلوغ الأشد وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُالأنعام:152.
إنها مرحلة الرشد، إنها بداية الرجولة، هذه قضية العقل والفهم، وبلوغ سن الشباب الذي ينتهي بالأربعين على ما ذكره بعضهم، لقوله تعالى: حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةًالأحقاف:15.
هذا الشباب الذي يعطاه أهل الجنة، يناد مناد إن لكم أن تصحوا، فلا تسقموا أبدا، وإن لكم أن تحييوا فلا تموتوا أبدا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا[رواه مسلم:2837]عنفوان، وقوة، ونشاط، وهكذا يستمتع أهل الجنة بشبابهم، وقد كان الصحابة -رضوان الله عليهم- يريدون الاستمتاع بالشباب في طاعة الله في حياتهم.
ولذلك جاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: " جمعت القرآن كله في ليلة"، فقال رسول الله ﷺ: فإني أخشى أن يطول عليك الزمان وأن تمل فاقرأه في شهر، فقلت: دعني استمتع بقوتي، وشبابي قال: فاقرأه في عشرة، قلت: دعني استمتع من قوتي ومن شبابي، قال: فقرأه في سبع. قلت: دعني استمتع من قوتي، ومن شبابي فأبى[رواه ابن ماجة:2041 وهو حديث صحيح].
يقول عبد الله بن عمر: "دعني استمتع بقوتي وشبابي"، فالاستمتاع كان عندهم بالشباب أن يقضوه في طاعة الله .
عباد الله:
ماذا حصل لدى الشباب اليوم؟ وفي أي شيء يستمتعون في شبابهم؟ أليس هنالك غمط عظيم لهذه النعمة نعمة الشباب عندما تهدر في أمور تافهة. بل في المعاصي، والمحرمات عندما يضيع الشباب فلن يرجع أبدا، ولذلك تندم المتندمون على فوات هذه المرحلة.
بكيت على الشباب بدمع عيني | فلم يغن البكاء، ولا النحيب |
فيا أسفى أسفت على شباب | نعاه الشيب والرأس الخضيب |
عريت من الشباب وكنت غصن | كما يعرى من الورق القضيب |
فيا ليت الشباب يعود يوما ً | فأخبره بما فعل المشيب |
صور من انحراف الشباب
عباد الله: هذا الشباب الذي يضيع اليوم بالاستماع إلى المحرمات، والنظر للمحرمات، وغشيان المحرمات، والجلسات الفارغات، هذا الشباب الذي يضيع اليوم على أعتاب القنوات، الذي يضيع في المجلات الساقطات، الذي يضيع بإقامة العلاقات المحرمات، الذي يضيع بتتبع أخبار الممثلين، والمغنيين، واللاعبين من الساقطين، والساقطات.
هذا الشباب الذي يضيع اليوم في المبالغة في الاهتمام في الملبس، والهيأة، وقصات الشعر، والتسريحات سيندمون، لكن لا ت حين مندم، هؤلاء الشباب الذين يضيعون شبابهم بملاحقة أخبار الأزياء، والتشبه بالكفار، هؤلاء الذين يضيعون شبابهم بجلسات التدخين، والمعسل، والشيشة، عندما يدخن إنسان سيجارة في ست دقائق، فإنه يهدر من وقته ساعات في اليوم، ومائتين وأربعين ساعة شهرياً، وألفين وثمانمائة، وثمانية وثمانون ساعة سنوياً.
عندما يهدر الشباب في السفر إلى الخارج في معصية الله، أو للتفاخر والتباهي في المجالس لتسجية الأوقات، وإضاعتها عندما يهدر الشباب في كثير من عالم من عالم التسكع الذي يكون في الشوارع، والشواطئ، ومجمعات التسوق المجمعات التجارية الكبيرة أذية لخلق الله، وتحرشاً لأعراض الناس.
عندما يهدر هذا الشباب في عالم السيارات، والكتابات، والحركات التي تكون في هذه السيارات ألواناً، وعبثاً بالإطارات، عندما يهدر في أمور من المخاطر المحرمة يعدونها رجولة، وقوة، عندما نرى شبابنا يقفون عند الإشارات رافعين أصوات الموسيقى إلى النهاية، ومنهم من يتجرأ بالمعصية فينزل ليرقص، ويعطل الناس من الذين يقفون خلفه، ليرقص على أنغام الموسيقى جهاراً نهاراً، أو ليلاً تحت هذه الكشافات، وكل أمتي معافى إلا المجاهرين[رواه البخاري: 6069].
عباد الله: عندما يكون الوقت نوماً من الفجر إلى الظهر، ثم طعاماً، فلعباً بالألعاب الالكترونية التي كثير منها في دائرة المحرمات، ثم بعد ذلك صفق في الأسواق إلى منتصف الليل، ثم عودة إلى القنوات الفضائية للسهر عليها إلى الفجر بالإضافة إلى الاتصالات المحرمة، اتصالات بالساعات يضيعون أوقاتهم بهذه الترهات.
عندما يقول: لا استطيع أن أترك الاتصال بالجنس الآخر، إنها أرقام وأسماء تملئ ذاكرة هاتفه، إنها تؤدي إلى المواعدات، ثم الوقوع بالحرام، والله قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِالنور:21، والله تعالى يريد أن يتوب علينا، ويريد الذين يتبعون الشهوات أن نميل ميلاً عظيما، هؤلاء الذين أودوا بفتيات إلى الانتحار نتيجة الحمل المحرم، وإلى قتل هذه النفس، والروح التي خلقت، وإلى أنواع من الاعتداء على حرمات الأزواج المتزوجين، وإن هذه المقاهي للإنترنت التي تعرض المواقع الإباحية، وهذه المخاطبة التخاطب عن طريق الشبكة ست ساعات، وبعضهم نحو خمسة عشر ساعة، لم يقم حتى جره العمال جراً خارج المقهى لحساب من تضيع أوقات شباب الأمة، لمصلحة من؟ لمصلحة من يقع هذا يا عباد الله؟ لمصلحة من تضيع الفضيلة، وتنتشر الرذيلة؟ وتهدر الأوقات، وتضيع الأموال لمصلحة من توجه طاقة الأمة نحو الاهدار؟ هذا من جانب، ويقابله جانب آخر أقل منه في الانتشار، لكنه أيضاً في الغلو، والتدمير أمر محرم، ولا يجوز، واعتداء محرم لا يجوز.
عباد الله: قال الحسن البصري رحمه الله: " أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصاً على دراهمكم، ودنانيركم".
قال ابن مسعود: " ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي، ولم يزد فيه عملي".
أليس الموعد حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَالمؤمنون:99-100. سيندمون على تضييع هذه الأوقات، فالقصص والروايات، والمجلات الفارغات، وما فيه حمل على الاعجاب بالكفار، والتشبه بهم: وَلَوْ تَرَى إِذْ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَالسجدة:12. يا ليتنا نرد، ولكن هيهات: وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ المنافقون:10. متى سيشعر هؤلاء الشباب بالندم؟ عندما ينزل الموت، وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَاالمنافقون:11. فسائل نفسك يا عبد الله من كبير، أو صغير، أو شاب هل خلقك الله لهذا؟ لو التهيت بشيء اسأل نفسك هل خلقك الله لهذا؟ إن النبي ﷺ مدح سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله[رواه البخاري: 660، ومسلم: 1031]، منهم: شاب نشأ في طاعة الله.
الشباب هم من يشيد صروح الدين
لقد أشاع البعض في المجتمع أن مرحلة المراهقة هي مرحلة طيش، ومعاص، وأنها مرحلة جنون، وتهورات، والله جعل الفطرة في الشباب كما جعلها في غيرهم ميلاً إلى الحق إذا عرض عليهم دون مؤثرات خارجية، وقبولاً له، وهكذا كان أصحاب النبي ﷺ في بداية الدعوة غالبهم عامتهم سائرهم من الشباب، بنوا معه صروح هذا الدين، وأقاموها، فلا يزال الأجر يتصل إليهم في قبورهم، من جراء أعمالهم، علم نشروه، بلاد فتوحها، دين أقاموه، عدل طبق الآفاق.
كان أصحاب النبي ﷺ في بداية الدعوة غالبهم عامتهم سائرهم من الشباب، بنوا معه صروح هذا الدين، وأقاموها، فلا يزال الأجر يتصل إليهم في قبورهم، من جراء أعمالهم، علم نشروه، بلاد فتوحها، دين أقاموه، عدل طبق الآفاق.
أين مصعب الذي ترك حياة البذخ؟ الذي ترك حياة اللهو واللعب، الذي ترك الكفر لينتقل إلى الإسلام، ليموت في النهاية ممسكاً بلواء المسلمين، وليس لديه شيئ، وقد كان الفتى المدلل في مكة، الغني صاحب العطر الفواح، والمشية، والشعر المصفصف، لا يوجد له ما يغطي بدنه إلا نمرة إن غطي بها رأسه بدى رجلاه، وإن غطي بها رجلاه بدى رأسه.
نماذج من شباب السلف الصالح
يا عباد الله: هذا الذي تشتاق إليه الحور العين، هذا الذي يفرح بقدومه رب السماوات والأرضين، هؤلاء الشباب هؤلاء الشباب أصحاب محمد ﷺ: علي بن أبي طالب، ومعاذ بن جبل، ومصعب بن عمير هؤلاء الشباب سمرة بن جندب هؤلاء الشباب رافع هؤلاء الشباب، هؤلاء أهل القوة والفتوة في طاعة الله، هؤلاء كانوا رهباناً في النهار، والليل، ومجاهدين أيضاً في سبيل الله ، هؤلاء الشباب الذين نريد من شبابنا أن يقتدوا بهم كانوا رحمة للعالمين، ودعاة حق، هؤلاء الذين أقاموا الدين تعلموه طبقوه نشروه، هؤلاء الشباب هؤلاء الذين كانوا أصحاب حلق العلم، هؤلاء الذين كانت دموعهم تسيل على خدودهم من خشية الله، هؤلاء الشباب الذين كانوا يحفظون كتاب الله، وليس مثل أحدهم لو سألته ما هو الغاسق إذا وقب؟: قال: لا أدري، ما هي العاديات ضبحا؟ قال: لا أدري، ما معنى لإيلاف قريش؟ قال: لا أدري، هذا في قصار السور التي لا يعرف إلا هي في صلاته، فما بالك بغيرها.
عباد الله. لم تكن أوقات أصحاب محمد ﷺ تقضى كما يقضيها أكثر شباب اليوم، وإنما كان ﷺ يسأل من عاد منكم مريضاً؟ يقول: أبو بكر أنا، من أطعم اليوم منكم اليوم مسكيناً؟ يقول أبو بكر: أنا. من تبع اليوم منكم جنازة؟ يقول أبو بكر: أنا. من أصبح اليوم منكم صائماً؟ يقول أبو بكر: أنا[رواه أحمد:12181] ولابد أن يجيب؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يسأل.
كيف اجتمعت لهذا الرجل في يوم واحد؟ وهل نستطيعها؟ ولو ليوم واحد صيام إطعام اتباع جنازة، هل نستطيعها؟ عيادة مريض أربع طاعات في يوم واحد؟ بالإضافة إلى الطاعات الأخرى، هكذا كانت الأوقات مملؤة بطاعة الله.
أهمية القدوات وأثرها في تربية الشباب
إن هذا الشباب لا يأتي من فراغ، يأتي من بيت صالح، وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاًالكهف:82، وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداًالنساء:9
فإذا خفت على أولادك الصغار؟ إذا مت الآن أن يضيعوا فاتق الله وقل قولاً سديدا.
هؤلاء يا عباد الله ينشؤون على حسب القدوات الذي حولهم، والأبوان من القدوات.
مشى الطاووس يوماً باختيال | فقلد شكل مشيته بنوه |
فقال: علام تختالون؟ قالوا | بدأت به، ونحن مقلدوه |
وينشأ ناشئ الفتيان فينا | على ما كان عوده أبوه |
فالصلاح يأتي بالصحبة الطيبة، وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ الكهف:28.
فإن قلت أين أجدهم؟ فنقول: مكانهم في المسجد في بيت الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد إنها تأتي بالمصاحبة الطيبة، الشباب الصالح يأتي بالصحبة الطيبة، يأتي بأسرة طيبة إنه يأتي بتوجيه وإرشاد، وموعظة ونصح إنه يأتي بتهيئة الأجواء الاجتماعية، والنفسية بعد الأجواء بعد الأجواء الإيمانية إنه يأتي بتحبيب، وترغيب، إنه يأتي بجذب وتطييب.
عباد الله القضية قضية كبيرة ما أحوجنا إلى تدين الشباب، التدين الصحيح المبني على العلم الشرعي، والعبادة الذي فيه قيام بالدعوة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، إنه تدين يمنع الشباب من الهوي، والولوغ في مستنقعات الحرام، وتضييع الأوقات، وفي الوقت ذاته يمنعهم من أنواع الغلو، والاعتداء إنه يوجههم التدين العلمي خوف الله المبني على العلم، وهذه هي الخشية إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُفاطر:28.
نريد شباباً يخشون الله، شباباً هم رحمة على الأمة، وعلى البلد، وعلى الناس، وليس شباب اختطاف، وشباب اغتصاب، وشباب مخدرات، وشباب اعتداء، وغلون إنما هو شباب قائم لله بالحجة يعرف دربه، وطريقه متدين يتعلم دين الله ينشره لا يقر منكراً، ولا يرضى به، ويقوم بالنصيحة، والتوجيه والإرشاد، والدعوة، إنه شباب فتي قوي إنه مؤمن بربه، إنه داعي إلى سبيله، إنه شباب يقاوم المنكرات في البيوت بالحكمة، والموعظة الحسنة فيحمل أهله على طاعة الله، إنهم قدوة للكبار، أما أن يتحول الشباب إلى شباب تافه لاهٍ، عار على المجتمع، ونقمة عليه إلى طاقة مدمرة، أن يتحول الشباب إلى بيئة عهر، ووكر فجور، فهذه مصيبة والله، وحتى هذه الهوايات التي بعضها مباح بدلاً من أن تكون ملحاً في الطعام، وأن يطرد بها الملل صارت هي الأساس، وهي الشغل الشاغل هي كل شيء، فإن قلت له: إن بعض الرياضة الجسمية مهم؛ لأجل أن تقبل على الطاعة بنشاط جعل الرياضة هي كل شيء، وليس عنده من العبادة شيء فصارت الوسيلة هي الغاية، وهذه هي المصيبة.
اللهم إنا نسألك صلاح شبابنا، اللهم إنا نسألك هداية شبابنا، اللهم إنا نسألك أن تجعلنا في خير وعافية، وأمن وإيمان، وسلامة واستسلام لك يا رحمان، اللهم أهدنا شباباً، وشيبا، صغاراً، وكبارا، ذكوراً، وإناث، اللهم اصلحنا واسعدنا بتقواك، واجعل عملنا في هداك إنك أنت الرحمن الرحيم.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم، وأوسعوا لإخوانكم يوسع الله لكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين أشهد أن لا إله إلا هو الحي القيوم قيوم السماوات والأرضين، واشهد أن محمداً رسول الله الرحمة المهداة، والبشير، والنذير، والسراج المنير – صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين- .
عباد الله:
حرمة الحرمين الشريفين
إن من الأمور المهمة جداً، وخصوصاً في الفتن في هذا الزمان أن تراعى حدود الله، وحرمات الله كثيرة، ومنها: حرمة مكة، والمدينة عن أبي هريرة قال: " لما فتح الله تعالى على رسوله ﷺ مكة قام رسول الله ﷺ في الناس فحمد الله وأثناء عليه ثم قال: إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وإنها لم تحل لأحدً كان قبلي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار، وإنها لن تحل لأحد بعدي[رواه البخاري:2434، ومسلم:1355]، وفي رواية :(فإن أحد ترخص بقتال رسول الله ﷺ فقولوا: إن الله قد أذن لرسوله، ولم يأذن لك[مسلم:1354]. وفي هذه الرواية: فلا ينفر صيدها، ولا يختلى شوكها، ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد، ومعني منشد: أي الذي يسأل عن هذه الضائعة من صاحبها؟ فهو يأخذها لا بنية التملك، ولكن للبحث عن صاحبها.
إن الله حبس عن مكة الفيل، منعه من الانبعاث لئلا يقدم لتخريب الكعبة كما كان يريد أبرهة، هذه الحرمة العظيمة لمكة، ومن حرمتها حبس فيل الحبشة، هؤلاء الذين قصدوا انتهاك حرمة البيت المطهر وتخريبه.
أما النبي ﷺ فإنه قصد بقتال يوم فتح مكة تطهيرها من الشرك، والأوثان، وعبادة الله يريد تعظيم البيت، وتقديسه، ولذلك فإن حل القتال بمكة للنبي ﷺ خاص بساعة الفتح للحاجة، ليس كل اليوم بعضه ساعة من نهار؛ لأجل هذه الضرورة وإلا فلا يجوز القتال فيها، ولا الترخص بقتال النبي ﷺ.
وقد دل الحديث على تحريم سفك الدماء بمكة، وحرمة القتال فيها، حرام إلى يوم القيامة، وحتى إقامة الحدود بمكة، قد أختلف العلماء فيه، فقال مالك والشافعي: يجوز إقامتها فيها، وجمهور العلماء يرون تحريم السفك مطلقاً، ومن ارتكب جرماً يضيق عليه حتى يخرج من الحرم.
إن تحريم مكة شامل حتى لصيدها لا يجوز أن تطير حمامة، ولا أن تنفرها، ولا أن تدعس على جرادة؛ لأن الجراد من الصيد؛ جرادة لا يجوز أن تقتلها بل أن شجر مكة، وحشيشها مما ينبت بنفسه حرام اقتلاعه، لا يجوز أن تكسر غصن شجرة بمكة مما ينبت من تلقاء نفسه، شوكها لا يجوز قلعها من الأرض يغطى بالرمل، ولا يجوز قلعه من الأرض، اللقطة الساقطة لا تملك لا بعد سنة، ولا غيره تأخذ للتعريف فقط، وإن عجز لقسم الأمانات، وللمحكمة.
عباد الله: إنها حرمة البيت العتيق، هذا الحرم الذي حدد معالمه إبراهيم الخليل بدلالة من جبريل، وقد قال النبي ﷺ إن إبراهيم حرم مكة، ودعا لأهلها[ رواه مسلم: 2129]سمي حرماً لتحريم الله له لتحريم الله فيه لأشياء تجوز في غيره، لأشياء تجوز بخارجه، ومع ذلك حرمها الله، حرمة مكة، وكذلك حرمة المدينة، فقد قال النبي ﷺ: وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة[رواه مسلم: 1360].
إذاً المدينة لها حرم من عير إلى ثور، لا يجوز فيها قتل الصيد، ولا قطع الشجر أيضاً، والقتال فيها استعمال السلاح مصيبة كبيرة، ولذلك فإن النبي ﷺ قال في مكة أيضاً: لا يحل لأحدكم أن يحمل بمكة السلاح، لا يحل لأحدكم أن يحمل السلاح بمكة هذا في غير الضرورة، والحاجة كما دخلها النبي ﷺ والسلاح في القرب السيوف في القراب إنها مغمدة، ولذلك لا يجوز سله، وإشهاره وإنما يتقلده للضرورة كما قال العلماء.
إنها حرمة هذا المكان العظيم يجب المحافظة عليه، وقد جاء في حديث ابن عمر مرفوعاً عند ابن حبان وصححه "إن أعتى الناس على الله ثلاثة من قتل في حرم الله [رواه ابن حبان:5996]، قال ابن مسعود : "ما من رجل يهم بسيئة فتكتب عليه إلا أن رجل لو هم بعدن أن يقتل رجلاً بالبيت الحرام إلا أذاقه الله تعالى من عذاب أليم؛ لأن الله قال: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍالحج:25.
إذاً يجب أن تراعى حرمة هذه المدينة العظيمة، وذلك المكان يجب أن يتقي المسلمون ربهم فيه، وأن يعرفوا ما جاء عن الشريعة فيه إنها لأمور مؤسفة أن يحدث أن يحدث في مكة ما حرمه الله وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍالحج:25.
قالت احدى النساء في الجاهلية توصي ابناً لها بتقديس الحرم وتعظيمه:
بني لا تظلم بمكة | لا الصغير، ولا الكبير |
بني من يظلم بمكة | يلق آفات الشرور |
بني قد جربتها | فوجدت ظالمها يبور |
وإذا كان أهل الجاهلية يعرفون ذلك، فلابد أن يكون أهل الإسلام على علم به شرعي، وحفظ لحقه يا عباد الله.
اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً، وسائر بلاد المسلمين، اللهم من أراد بلدنا بسوء فأشغله بنفسه، وجعل كيده في نحره، اللهم اجعلها عامرة بالأمن، والإيمان، والسلامة، والإسلام، اللهم إنا نسألك أن تقمع الظالمين، وأن تشل أيدي المفسدين، اللهم إنا نسألك أن تجعلنا لدينك مستسلمين، وبشرعك قائمين، اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل المسلمين.
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من أوليائك المفلحين يا رب العالمين، وأن ترزقنا الفردوس الأعلى برحمتك يا كريم، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، اللهم إنا نسألك حب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين قنا شر الفتن ما ظهر منها، وما بطن.
اللهم انصر المجاهدين في سبيلك، اللهم ثبت على الحق أقدامهم، وانصرهم على القوم الكافرين، اللهم أقم علم الجهاد، وأقمع أهل الزيغ، والفساد، وأنشر رحمتك على العباد يا من له الدنيا، والآخرة، وإليه المعاد، اللهم أذل اليهود، والصليبيين، اللهم اقمع المشركين، اللهم اضرب قلوبهم بعضهم ببعض واجعلهم صاغرين، اللهم امنح المسلمين أكتافهم، وأرضهم، وأموالهم.
اللهم إنا نسألك أن تخرج اليهود من بيت المقدس أذلة صاغرين، اللهم عجل فرج المسلمين عجل فرج المسلمين عجل فرج المسلمين يا رب العالمين.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.