الخميس 6 جمادى الأولى 1446 هـ :: 7 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

مكانة الوحي عند الصحابة 1


عناصر المادة
الخطبة الأولى
من لوازم الإيمان وجوب الإحتكام إلى الله ورسوله
تقديم العقل على النقل من صفات أهل البدع
العقول الصريحة لا تتصادم مع النصوص الصحيحة
لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق
الخطبة الثانية
التمسك بالإسلام سبب للنصر والتمكين
حكمة الله تعالى تتجلى في تشريعاته العظيمة

الخطبة الأولى

00:00:05

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ  [سورة آل عمران:102]يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباًالنساء:1.يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماًالأحزاب:70-71.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمداً ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

من لوازم الإيمان وجوب الإحتكام إلى الله ورسوله

00:01:28

أيها الإخوة المسلمون: يقول الله في محكم تنزيله: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً النساء:65. هذه الآية -أيها الإخوة- فيها قاعدة عظيمة من قواعد الشرع المطهر، وفيها أساس مهم جداً لكل مسلم يريد أن يسير على نور من الله وهدى ومصيرا، حقيقة مهمة، أقسم الله تعالى عليها بنفسه فقال : فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ فأقسم بنفسه على هذه الحقيقة ثم نفى الإيمان على من لم يعتقد بهذه الحقيقة، فقال: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ ما هي هذه الحقيقة؟ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْفي ما وقع بينهم من الاختلاف، وما هنا -أيها الإخوة- تفيد الأمر العظيم والصغير، والجليل والحقير، فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ من الأمور الصغيرة والكبيرة، ولم يكتف الله بنفي الإيمان ولم يكتف الله بمجرد الإيمان في هذه الآية حتى عطف عليه نفي الحرج، فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ، هل اكتفى بالإيمان فقط؟ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْهل يكفي هذا فقط؟ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً بعد التحكم إلى القرآن والسنة.

يجب أيها الإخوة أن لا يبقى في نفس واحد منا يجب أن لا يبقى شيء في نفس كل واحد منا من الحرج فيشعر بأن الحكم من القرآن والسنة، فيه شيء من الظلم، أو فيه شيء من الجور تعالى الله عن ذلك، وهل اكتفت الآية بهذا الشرط؟ عدم وقوع الحرج في النفس وبقاءه فيها، كلا وإنما أضيف شرط آخر ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً يجب التسليم الكامل لأوامر الله تعالى وأحكامه.

أيها الإخوة: أقسم الله بنفسه نفي الإيمان عن من لا يحكم الرسول ﷺ في أي خلاف يقع بينه وبين أي واحد من البشر، في جميع أمور الحياة الصغيرة والكبيرة، وأوجب استخراج الحرج من النفس، وعدم ادخال الحرج في النفس أصلاً، وكذلك التسليم المطلق لأوامر الله وأحكامه، هذه الآية لها قصص وأسباب نزول فمن أسباب نزولها:

أن الزبير بن العوام ابن عمة رسول الله ﷺ تخاصم هو ورجل من الأنصار من أهل بدر، تخاصم هو وإياه على الماء الذي يأتي من بستان الزبير إلى بستان هذا الرجل؛ لأن الماء كان يمر أولاً على بستان الزبير، فجاء هذا الرجل الأنصاري إلى الزبير فقال له: دع الماء يمر إلى بستاني، فاختصم هو وإياه، فذهبا إلى رسول الله ﷺ فاشتكيا إليه، فقال رسول الله ﷺ للزبير: اسق أرضك ودع الماء يمر إلى جارك، اسق أرضك ثم إذا انتهيت من سقي الأرض دع الماء يمر إلى جارك، فقال هذا الرجل: أن كان ابن عمتك، أن كان ابن عتمك حكمت له بهذا الحكم، يعني؛ لأن الزبير ابن عمتك حكمت له بأن يسقي أولاً ثم يسمح للماء بأن يأتي إلي، هذا اتهام خطير للرسول ﷺ بأنه لا يحكم بما أنزل الله، وإنما يحكم بناءً على القرابات، وبناءً على الصلات، وأنه يحابي فغضب رسول الله ﷺ غضباً شديداً فقال للزبير: اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر ثم ارسل الماء إلى جارك[1]، اسق أرضك ثم احبس الماء في الأرض حتى تتغطى الأرض ويرجع الماء إلى الجدار .... فيه ثم بعد ذلك دعه يمر إلى جارك، يعني: أعطاه زيادة في الماء للزبير، زيادة في الماء عن الأمر الذي كان أول، عقوبة لهذا الرجل الذي اتهم رسول الله ﷺ بأنه حكم عن هوى وعن اتباع وعن الميل إلى القرابة، فقدم قرابته على الحق، فعاقبه ﷺ بنكاية وزيادة في أن الزبير يبقي الماء في أرضه زيادة، عن ما كان ﷺ قد حكم أولاً فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَسورة النساء:65.

وسبب آخر من أسباب النزول: رواه ابن أبي حاكم -رحمه الله تعالى- في التفسير وغيره، أن رجلين اختصما إلى رسول الله ﷺ، فقضى للحق على المبطل، قضى للحق على صاحب الباطل، قضى عليه، وقضى بالحق لصاحب الحق، فقال المقضي عليه: لا أرضى، قال المقضي عليه: لا أرضى، فقال صاحبه: فماذا تريد قال: نذهب إلى أبي بكر الصديق، فذهبا إليه، فقال الذي قضي له: قد اختصمنا إلى النبي ﷺ فقضى لي، فقال أبو بكر: فأنتما على ما قضى به النبي ﷺ، ما يمكن أن ترجعوا عن القضاء الذي قضى به ﷺ، فأبى صاحبه أن يرضى، الرجل الآخر قال: ما أرضى بكلام أبي بكر الصديق: قال فأتيا إلى عمر بن الخطاب، قال: نأتي إلى عمر بن الخطاب فأتياه، فقال المقضي عليه: قد اختصمنا إلى النبي ﷺ، فقضى لي عليه، فأبى أن يرضى، فسأله عمر فقال: كذلك، عمر سأل الرجل الآخر: هل ما قال صاحبك حق أنكما ذهبتما إلى الرسول ﷺ فقضى له؟، فقال: نعم، فقال: كذلك الأمر فعلاً، فدخل عمر منزله، قال: أمهلاني، وخرج وقد لف السيف بالرداء، وسل السيف، فضرب به رأس الذي أبى أن يرضى فقتله، فضرب به الذي أبى أن يرضى فقتله. فلما بلغ النبي ﷺقال: ما كان لعمر أن يقتل رجلاً مؤمناً عمر لا يفعل هذا فانزل الله : فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماًالنساء:65.

تقديم العقل على النقل من صفات أهل البدع

00:07:40

هذا الرجل الذي رفض حكم الرسول ﷺ رجل كافر، وهو يذهب إلى الناس الآخرين مع أن الرسول قد قضى في الأمر، وانتهى الأمر، لكن ما رضى بحكم الرسول ﷺ، فقتله عمر، قتله بسيفه، وهذه القصة رويت من وجوه عديدة.

قال ابن تيمية -رحمه الله- في الصارم المسلول: وهذا المرسل له شاهد من وجه آخر، يسمح للاعتبار، وقد رويت هذه القصة، من غير هاذين الوجهين، وسندها على العموم حسنٌ.

إذاً أيها الإخوة: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْسورة الأحزاب:36 إذا جاء الحكم في القرآن والسنة، ما يمكن لأي واحد من السلمين أن يكون له الخيرة في أمره بعد قضاء الله ، وقال : فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ

إذا جاء الحكم في القرآن والسنة، ما يمكن لأي واحد من السلمين أن يكون له الخيرة في أمره بعد قضاء الله ، وقال : فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَالقصص:50 فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْسورة القصص:50 

فقسم الله الأمر إلى شيئين لا ثالث لهما، الأمر الأول: الاستجابة لرسول ﷺ، فإن لم تحصل الاستجابة فهذا يعني، ماذا يعني الأمر؟ أنه اتباع للهوى، لو ما حصلت الاستجابة لرسول ﷺ فهذا يعني أن الأمر الآخر اتباع الهوى، كثير من المسلمين اليوم لا يرضون بحكم الله ولا بحكم رسوله، في أمور حياتهم، ويناقشون في أمور كثيرة، وفي أمور كثيرة، ويقدمون عقولهم القاصرة، على نصوص القرآن والسنة، وإذا جاءتهم الأحكام أعرضوا عنها، ونبذوها وراء ظهورهم، وسلطوا على آيات الذكر الحكيم، وعلى أحاديث سيد المرسلين، سهام الدحض والإبطال، والنبذ، والتحريف حتى لا يجعلوا هذا النصوص أشياء مسلمة يتبعونها، فيتبعون أهواءهم ويعرضون عن كتاب الله، وينبذونه وراءهم ظهريا، قاتلهم الله أنى يؤفكون.

 

تقديم العقل على النقل، تقديم العقل على نصوص القرآن والسنة من أكثر المصائب وأكبرها وأعظمها، أي: التي أبتلي بها المؤمنون المسلمون، التي ابتلي بها الإسلام في أهله الذين يزعمون اتباعه في القديم والحديث.

وقديماً قدمت المعتزلة العقل على النقل، فأبطلوا آيات الله وصفاته، ودعموا زعماً كافراً أوصل بهم إلى أن القرآن مخلوق، وفي هذا العصر قامت هذه البدعة بين المسلمين، ولم تأخذ هذا الاسم، اسم المعتزلة، وإنما أخذت هذه الفكرة، فإن هذه الفكرة تقديم العقل على نصوص القرآن والسنة موجودة الآن بين كثير من أبناء المسلمين، ومبثوثة في كثير من كتب من يؤلف تحت كتاب الإسلام، تقديم العقل على النقل، تحكيم العقل في نصوص القرآن والسنة، يأخذ الآية والحديث فإن أعجباه ودخلا عقله، العقل المنحرف القاصر – طبعاً- أخذ به، وإلا رفضه.

العقول الصريحة لا تتصادم مع النصوص الصحيحة

00:10:56

وإلا -أيها الإخوة- فإن العقل الصحيح، العقل الذي ليس فيه داء وليس به بلاء لا يخالف النقل الصحيح مطلقاً، العقل الصحيح، العقل الصريح الذي ليس فيه شائبة لا يخالف النقل الصحيح عن الله ورسوله نهائياً؛ لأن الشريعة جاءت موافقة للمعقول، لا يمكن أن يكون هناك عقل صريح  يتصادم مع نص صحيح، لا يمكن -أيها الإخوة-؛ لذلك حدثت على عهد الرسول ﷺ وقائع في هذا الباب فمنها مثلاً:

ما رواه البخاري -رحمه الله تعالى-، عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قضى في امرأتين من هذيل اقتتلتا فرمت إحداهما الأخرى بحجر فأصابت بطنها وهي حامل، أصابت بطنها وهي حامل، فقتلت ولدها، امرأتين اختصمتا مع بعضهما واحدة رجمت الأخرى بحجر فقتلت ولدها الذي في بطنها، فاختصموا إلى النبي ﷺ فقضى أن دية ما في بطنها غرة عبد أو أمة، قضى، قال الرسول ﷺ: هذه المرأة التي قتلت جنين تلك المرأة عليها أن تدفع عبد أو أمة، تدفعه إلى تلك المرأة دية وجزاءً لما فعلته.

هذا حكم الله وحكم الرسول ﷺ في امرأة تقتل جنيناً، جنين امرأة أخرى، قال بعض العلماء: هذا إذا كان الجنين ميتاً أما، إن كان حياً ففيه الدية كاملة، فجاء زوج هذه المرأة ووليها، جاء ولي هذه المرأة إلى الرسول ﷺ، ولي المرأة التي غرمت الي عليها إخراج العبد والأمة، قال يا رسول: كيف أغرم يا رسول الله، من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل فمثل ذلك يطل؟ يقول هذا الرجل: بهذا السجع كيف اغرم يا رسول الله؟ كيف تحط علي غرامة إنسان أو شيء لا شرب ولا أكل في بطن أمه، ولا نطق ولا استهل ولا استهل بالكلام، ولا صرخ، فمثل ذلك يطل، مثل هذا الشيء الذي سقط من بطن المرأة المفروض أن يهدر ليس له حرمة، كيف تحكم علي بأن علي إخراج عبد أو أمة ودفعها لتلك المرأة؟

فقال رسول الله ﷺ: إنما هذا من إخوان الكهان[رواه البخاري:5760، ومسلم:1681]،  أو في رواية أخرى: سجع كسجع الجاهلية[رواه النسائي:4823]،  إنما هذا من إخوان الكهان، الكهان كفرة، الكهان الذين يدعون ما في الغيب، ويشرعون للناس كفرة.

قال -رسول الله ﷺ: هذا الرجل من إخوان الكهان، لماذا؟ الرسول ﷺ حكم في هذا الأمر حكم وانتهى، والرسول وحي يوحى لا ينطق عن الهوى، ثم يأتي هذا الرجل يقول: ويناقش بعقله القاصر، يقول: هذا جنين سقط لا أكل ولا شرب ولا نطق كيف تغرمني ديته؟ بماذا حكم؟ حكم بعقله القاصر بماذا اصطدم؟ اصطدم مع النص، مع الحكم الذي نطق به الرسول ﷺ، فماذا قال الرسول ﷺ هذا من إخوان الكهان، هذا من إخوان الكهان الكفرة.

وكذلك -أيها الإخوة- عن علي بإسناد قال الحافظ أنه حسن، لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، ولقد رأيت -رسول الله ﷺ يمسح على ظاهر خفه، المسح على الخفين من أحكام الدين، ومن الأمور الجائزة التي رفع بها الحرج عن الأمة، ومن الرخص المعتبرة بالشريعة لو إنسان استخدم عقله في المسح على الخفين سنة الرسول ﷺ بالمسح عن الخفين أن يمسح على ظاهر الخف على ظهر القدم، وليس على بطنها، لو جاء إنسان الآن وقال: إن بطن الخف بطن الرجل هو الذي تجتمع فيه الأوساخ؛ لأنه هو الذي يباشر الأرض، ويلامس الأرض، وهو القريب من الأرض، الخف ليه امسح على أعلى الخف، لا أنا امسح على أسفل الخف؛ لأن الوسخ في أسفل الخف لماذا أترك أسفل الخف الذي عليه الوسخ وامسح أعلى الخف؟

إذاً ماذا فعل هذا الرجل من جريمة؟ فعل جريمة كبيرة وهي: أنه رفض سنة -الرسول ﷺ، واعتمد على عقله القاصر، الرسول ﷺ هو الذي أمرنا أن نمسح على أعلى الخف، هو الذي أمرنا أن نمسح على أعلى الخف، ما يمكن نحن أن نأتي ونقول: نريد أن نمسح في أسفل الخف، هذا ضلال ومخالفة لسنة الرسول ﷺ.

وعن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم[رواه البخاري:5758]،  يقول ابن عمر للناس الذين معه إذا واحد استأذنته امرأته بالذهاب إلى المسجد فلا يمنعها، فقال بلال بن عبد الله: واحد من الموجودين قال: والله لنمنعهن، ابن عمر يقول: يقول: الرسول الله ﷺ: إذا واحد رجل استأذنت منه امرأته للذهاب إلى المسجد، وما كان هناك من مفسدة من تبرج هذه المرأة أو تعطرها ما هي مفسدة فليسمح لها بالذهاب إلى المسجد، لا يمنعها هذا الرجل ماذا قال؟ قال: والله لنمنعهن، وابن عمر يقول أمامه أن الرسول قال: لا تمنعهن، فأقبل عليه عبد الله بن عمر أقبل على هذا الرجل فسبه سباً سيئاً ما سمعته سبه مثله، سبه سباً سيئاً لهذا الرجل المعترض، وقال: أخبرك عن رسول الله ﷺ وتقول: والله لنمنعهن.

وفي رواية أخرى: في جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر، قال له: لعنك الله، لعنك الله، أقول: رسول الله ﷺ أمر أن لا يمنعن، يقول: لعنك الله لعنك الله، أقول الرسول ﷺ: أخبر أن لا يمنعن، هذا الرجل استخدم عقله وهواه، قال: والله لنمنعهن يخالف أمر الرسول ﷺ فاستحق من ابن عمر هذا الشتم وهذا السب، وهذا اللعن، جزاءً وفاقاً لما أقترف لسانه من هذه الفرية العظيمة.

إذاً -أيها الإخوة- لو سأل إنسان فقال: ما دور العقل؟ لو قال الإنسان: فما دور العقل، أخبركم بأن للعقل أدواراً كثيرة أدواراً كثيرة يلعبها العقل في تحقيق الاستخلاف في الأرض، تعمير الأرض كيف يكون؟ لا بد أن تعمر في منهج الله، ولا بد في التعمير من الاستخدام للعقل، لااستخدام العقل في مصادمة الأحكام، والنصوص الشرعية، وإنما استخدام العقل في سائر أنواع المباحات اخترع أي اختراع شأت بعقلك في أمر من الأمور الدنيوية، لكن لا يكون أمراً قد حرمته الشريعة، من الذي قال لك لا تستخدمه؟ تاجر بأي نوع من التجارات واستخدم عقلك في التجارة، لكن لا تأتي بشيء محرم في بيعك وشراك، عمر عمارة كيف ما شئت، وأخترع تصميماً كيف ما شئت لا يكون فيه معارضة لأمر في القرآن والسنة، بل أكثر من ذلك إذا أمرك إنسان بأمر، إذا أمرك الإنسان بأمر واستدل على كلامه بنص من الشرع، وهذا النص ليس دليلاً فتستخدم عقلك في الوصول إلى الحق، وتقول في نفسك وأنت تراجع نصوص القرآن والسنة هل ما يأمرني به هذا الرجل حق أم لا؟ هل الدليل الذي أتى به إلي قال العلماء: بأنه دليل صحيح في هذه المسألة أم لا؟

إليكم هذه القصة الصحيحة، ساق ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره عند قول الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاًالنساء:59.

لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق

00:20:07

أخرج الإمام أحمد بسنده إلى علي قال: بعث رسول الله ﷺ سرية جيش صغير -قطعة من الجيش-، واستعمل عليها رجلاً من الأنصار حط أمير على هذه السرية، فلما خرجوا وجد عليهم في شيء، يعني: أغضبوه، عصوا أمره في قضية من القضايا، فوجد في نفسه عليهم، قال هذا الرجل للرجال الذين معه: أليس قد أمركم رسول ﷺ أن تطيعوني، فقالوا: بلا، أنت أميرنا ولا بد أن نطيعك، قال: فاجمعوا لي حطباً، ثم دعا بنار فأضرمها بالحطب، فاشتدت النار، وتعالت ألسنة الحطب، ثم قال لهم: عزمت عليكم لتدخلنها، لا بد أن تدخلوا هذه النار، أنا أميركم وآمركم أن تدخلوا النار، ولا بد أن تطيعوني؛ لأن رسول الله أمركم أن تطيعوني، فهم القوم أن يدخلوها، كاد القوم أن يدخلوا في هذه النار، كاد القوم أن يدخلوها من باب الطاعة، من باب الطاعة لأولي الأمر، من باب الطاعة لأميرهم، فقال لهم شاب منهم: كان فيه عقل راجح، قال لهم شاب منهم: إنما فررتم إلى -رسول الله ﷺ من النار، أنتم لماذا آمنتم بالرسول ﷺ، ودعوة الرسول ﷺ، أليس أمنتم بها فراراً من النار؟ أليس الأمر كذلك؟ فلا تعجلوا، انتظروا حتى تلقوا رسول الله ﷺ فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوها، قال: فرجعوا إلى -رسول الله ﷺ فأخبروه فقال له: لو دخلتموها ما خرجتم منها أبداً، ولبقيتم في نار جهنم في الآخرة، نار في الدنيا، ونار في الآخرة ما خرجتم منها أبداً، إنما الطاعة في المعروف إنما الطاعة في المعروف[رواه أحمد:622]،  ليست الطاعة في المعصية، فانظر كيف استخدم هذا الرجل عقله في الرجوع إلى نصوص القرآن والسنة الأخرى لما حصلت هذه الشبهة من استخدام هذا الدليل الذي ليس في محله.

فإذا -أيها الإخوة- عندما يكون أمراً في معصية لا يطيع الإنسان مطلقاً؛ لأن الرسول ﷺ قال: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق[ رواه الطبراني:381]، لكن نفس قضية النار هذه، الرسول أخبر أن الدجال عندما يظهر في آخر الزمان يكون معه جنة ونار، فقال الرسول ﷺ: فناره جنة، وجنته نار[رواه مسلم:2934]، الدجال يأتي إلى الناس ويمتحنهم، ويطلب منهم أن يؤمنوا أنه ربهم، فإذا عصوه ألقاهم في النار الذي معه، معه نار وجنة، فتنة من الله، وإذا أطاعوه أدخله في الجنة الذي معه، فقال رسول الله ﷺ: فناره جنة عرضها السماوات والأرض، وجنته نار، يعني: لا تغرنكم المظاهر في ذلك الزمن، وفي ذلك الوقت، ناره جنة، يا ناس ناره جنة وجنته نار، فنحن لو طلع الدجال الآن بيننا ومعه هذه الجنة والنار، وقال: من كفر بي أدخلته ناري التي معه، ندخل النار أم الجنة التي معه، ندخل النار التي معه؛ لأن فيها نص من الرسول ﷺ.

في يوم القيامة -أيها الإخوة- الله حكمٌ عدلٌ لا يظلم أحداً، هناك أناس في الأدغال وفي أقاصي الأرض ما وصلتهم دعوة ولا نبوة ولا رسالة أبداً، ما وصل إليهم شيء، ما وصل ما سمعوا شيئاً أبداً، لا سمعوا عن النبي ولا عن الرسالة، ولا عن شيء، واحد مجنون ولد مجنوناً لا عقل له، وسار في الدنيا هكذا ما له عقل مجنون، لا يصلي ولا يزكي ولا يفعل شيء ولا يؤمن، ما عنده عقل مجنون، هؤلاء الناس كيف يكون عقابهم وحسابهم وتنعيمهم وتعذيبهم كيف يكون؟ الله عادل هؤلاء الناس يوم القيامة يعقد الله لهم امتحاناً، ما هو الامتحان؟ يأخذ عليهم الميثاق ليطيعونه، يقول: إن أمرتكم بأمر أتطيعوني [رواه الحاكم:8390] ، يقولون: نعم هذا هو الامتحان، هذا هو الشرط، فيقال لهم: ألقوا أنفسكم في النار، يوم القيامة يقال لهم، لهؤلاء الفئة من الناس بهذه المواصفات: ألقوا أنفسكم في النار، فيقول الرسولﷺ في الحديث الصحيح الذي جاء في أمر هؤلاء: فمن وقع فيها دخل الجنة، ومن لم يقع فيها سحب إليها لماذا؛ لأن الأمر فيه نص الله أمرهم أن يطيعوه، ثم أمرهم أن يلقوا أنفسهم في النار، فمن ألقى نفسه في النار دخل الجنة، ومن عصى هذا الأمر سحب إلى النار وأدخل فيها، فإذاً -أيها الإخوة- لا بد بأي حال من الأحوال أن يأتينا دليل نص في مسألة ثم نقول: نحن نشك ونحن نرفض، وهذا ما هو في هذا المكان، نحن نرى خلاف هذا الرأي وأنا أرى المصلحة في غير هذا الأمر، وأرى أن هذا ضلال، هذا كفر بالله العظيم، لا يجوز مطلقاً أن يعارض الله تعالى، وأن يعارض الرسول ﷺ، وفقنا الله وإياكم لاتباع الحق ظاهراً وباطلاً وأن نكون وقافين عند أدلة الشرع منفذين لها ومطبقين وصلى الله على نبينا محمد.

الخطبة الثانية

00:25:50

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

التمسك بالإسلام سبب للنصر والتمكين

00:26:00

أيها الإخوة: هذا المبدأ الذي أشرنا إليه في الخطبة الماضية، نرى اليوم في حياة المسلمين وواقعهم مخالفة عظيمة، وشنيعة لهذا الأمر بالتسليم، بالتسليم لأحكام الله تعالى، اليوم كثير من الناس لا يسلمون بأحكام الله للأسف، بل إنهم يعادون أحكام الله، ويعادون شرع الله تعالى، يعادون شرع الله تعالى، لا يقدمون شرع الله في حياتهم، الذي يتعامل بالربا، ما هو موقفه من قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَاالبقرة:278، الذي يزني ما هو موقفه من قوله تعالى: وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماًالفرقان:68، وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاًالإسراء:32 والذي يسرق، والذي ينهب، والذي يرتشي، والذي يعصي والديه، والذي يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والذي ينظر إلى المرأة الأجنبية، والذي يصافح المرأة الأجنبية، هؤلاء الناس ما هو موقفهم من هذه النصوص؟ إنهم لا يسلمون بها، لو أنهم سلموا بها لما وقعوا في هذه المنكرات، ولو أن الإنسان وقع في منكر فيجب عليه أن يتوب، ويرجع إلى الله ويطبق حكم الله تعالى هذه مسألة.

المسألة الأخرى: خذ كثيراً من الأشياء التي يتناقش فيها الناس اليوم، وسأضرب إليكم أمثلة، نحن الآن في عصر المثقفين، نعاني مع هؤلاء المثقفين من أزمات ومشاكل منها: أنهم يحكمون عقولهم، بعضهم درسوا علوم، درسوا وأخذوا شهادات عليا، فإذا رجعوا وعرضت عليهم نصوص القرآن والسنة جعلوا ينفونها ويرفضونها، هؤلاء الناس لو فتحوا كتبهم من العلوم الدنيوية، وشاهدوا فيها نظريات فإنهم يؤمنون بهذه النظريات، الأمر أقرب من ذلك، أنت إذا ذهبت إلى طبيب، وعرضت نفسك عليه، ووصف لك الطبيب دواءً، فأنت تقول للطبيب: أنت لا تفهم شيئاً، والدواء الذي أعطيتني إياه خطأ، والدواء هو شيء آخر، بدون علم منك، الناس لا يفعلون هذا، بل أنهم يلتزمون بكلام الطبيب وأوامر الطبيب، ويحرصون على أخذ الدواء ساعة بساعة ووقت بوقت ولا يحيدون على ذلك والطبيب بشر يخطئ ويصيب فكيف بأوامر الله التي ليس فيها خطأ، هذا القرآن كلام الله، والرسول ﷺ المعصوم الكلام الذي ليس فيه خطأ، ولا احتمال للخطأ يرفض، ويرد، وكلام أهل خبرة الدنيا الذي يصيبون ويخطئون يؤخذ على الرأس والعين.

إن جئت إلى الناس اليوم وقلت لهم: إن الرسول ﷺ يقول في حديث صحيح للبخاري: إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه ثم ليطرحه، فإن على أحد جناحيه داءً وعلى الأخرى دواء[رواه البخاري:5782]،  لو قلت للناس: إن الرسول ﷺ يقول: إذا وقع الذباب في السائل فأغمس الذبابة ثم أخرجها وألقها، فإن في أحد الجناحين داء وفي الأخرى دواء، ماذا يقولون لك؟ يقولون: بلا قرف وبلا وساخة، وما هذا الدليل؟ وما هذه الأحاديث التي تأتي بها؟ يعترضون على كلام الرسول ﷺ بماذا؟ بعقولهم القاصرة ينفون الحديث، ويزعمون بأن الإسلام دين الوساخة والقذر، الله ما أمرك أن تفعل هذا الأمر، ما أمرك أمراً أن تغمسه وتطرحه، هو أخبرك بهذا الخبر، إن شئت أن تفعل وإن شئت ألا تفعل، إن كانت نفسك تتقزز لا تفعل هذا الفعل، لكن لا يصل بك الأمر إلى التهويل وتقول: ما هو معقول بأن الإسلام يأمر بهذا! لكن إذا جاء العلم الحديث اليوم، -وقد حصل هذا الكلام- وأثبت على أن أحد جناحي الذباب جراثيم، وعلى الجناح الآخر مواد مضادة لهذه الجراثيم فإذا غمست فأن هذه المواد تتعادل مع بعضها ويبطل الواحد منها الآخر فليس هناك ضرر وأثبتنا لك هذا الكلام بالحقائق العلمية، أخذته على الرأس والعين، وهذاك الوقت تقول: سبحان الله هذه المعجزات العلمية للإسلام.

لكن قبل هذا لم أخبرك بحديث صحيح بصحيح البخاري مثل هذا الحديث قد ترده بعقلك، وتقول: هذا غير معقول غير معقول مثال آخر:

نحن نبدأ -أيها الأخوة- في الحج بالصفا ثم المروة لماذا لا نبدأ بالمروة أولاً؟ لماذا لا نبدأ بالمروة أولاً لماذا؟ لماذا نبدأ بالصفا؛ لأن الرسول ﷺ فعل هذا ونحن لا نعيب عن أمره صلى الصلوات في أوقاتها وعدد ركعاتها، وكيفيتها لا نخالف فيه، ما نقول لواحد يقول لماذا نصلي الفجر في ذلك الوقت الذي يحلو فيه النوم؟ أفلا صلينها بعد طلوع الشمس هذا ضلال، هذا ضلال، واستخدام للعقل، في مواجهة النصوص إبليس -لعنه الله- ما هو خطؤه؟ ما هو خطأ إبليس لما قال الله له: أمره بالسجود لآدم استخدم عقله وصادم النص وقال: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ما اسجد استخدم إبليس عقله ورفض النص، رفض الأمر؛ كثير من الناس اليوم يشبهون إبليس بالضبط، ويفعلون مثل ما فعل إبليس.

استخدم إبليس عقله ورفض النص، رفض الأمر؛ كثير من الناس اليوم يشبهون إبليس بالضبط، ويفعلون مثل ما فعل إبليس.

حكمة الله تعالى تتجلى في تشريعاته العظيمة

00:31:35

لماذا سمينا مسلمين أيها الإخوة؟ لماذا قال الله عن إبراهيم قال له ربه: أَسْلِمْ سورة البقرة:131  قَالَ أَسْلَمْتُما هو الإسلام؟ هو الاستسلام لله، هل نحن مستسلمون، كذلك يا إخوان قضية الغيبيات، الجنة والنار، ونعيم الجنة وعذاب النار، كثير من الناس يردون هذه الأشياء فإذا سمع آية: َجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ سورة آل عمران: 133،  يقول: ما هو معقولَ جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُوالنار أين تذهب النار؟ ولو شاء الله لجعل النار في رأسه، والله على كل شيء قدير.

وهذه النصوص فوق الأشياء، صفات الله وأسمائه ومعانيها، يجب أن نأخذها من غير تحريف ونسلم بها، ولا نحكم عقولنا في هذه الغيبيات، قطع اليد بهذا الحد، الرسول ﷺ قطع يد إنسان لما سرق من ... بثلاثة دراهم، ودية اليد في الإسلام خمس مائة دينار من الذهب، جاء أبو العلاء المعري فقال في شعره يقول:

يد بخمس مئين عسجد وديت ما بالها قطعت في ربع دينار

إلحاد، يعترض على الله يقول: دية اليد خمس مائة دينار من ذهب أو درهم من ذهب، كيف تقطع في ثلاثة دراهم؟ كيف تقطع في ثلاثة دراهم؟، وديتها في الشريعة كذا، فرد عليه بعض شعراء المسلمين يقول: عز الأمانة أغلاها، الأمانة ترفع سعر، اليد فمن قطع يداً أمينة يبنيهابأشياء عظيمة:

عز الأمانة أغلاها، وأرخصها ذل الخيانة فأفهم حكمة الباري

إذا صارت اليد خائنة تقطع في ثلاثة دراهم ولا إشكال، كثير من الناس اليوم لو أن إنسان اتخذ نعلاً نظيفاً مخصصاً للمسجد، فصلى بنعليه في المسجد، نعليه نظيف، ماذا يقول الناس إذا رأوه: يعترضون، والرسول ﷺ صلى في نعليه في المسجد، صلى في نعليه، وكان يخفقهما في التراب، لو كانت عندك نعل نظيفة من السنة أن تصلي بها في المسجد، بشرط أن تكون نظيفة وطاهرة، لو أن إنسان جاء وأعترض عليك ووضحت له الدليل، وما زال يعترض فهذا إنسان فيه نفاق، وفيه كفر، وفيه خصال من خصال الكفر.

كذلك -أيها الإخوة- لماذا جعل الله الطلاق بيد الرجل؟ لماذا لم يجعل الطلاق بيد المرأة؟ يقول: دعاة تحرير المرأة اليوم ويحكمون عقولهم، يقولون: المرأة نصف المجتمع، لماذا لا تخرج المرأة إلى العمل؟ لماذا لا نستفيد من طاقات المرأة؟ ماذا يقول الله تعالى في كتابه: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ الأحزاب:33 وقرن من القرار، والجلوس، والمكث في بيوتكن، وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّالأحزاب:33يأتي هؤلاء ويقولوا: أخرجوا المرأة من البيت ... وظيفتها في تربية الأولاد وخدمة الزوج، وأشغلوها في الأعمال وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّالأحزاب:33، لماذا تخالف أمر الله؟ يقول: لأني أرى مصالح في عقلي، مصالح في خروج المرأة، والأمثلة كثيرة.

أيها الإخوة: الأمثلة كثيرة، يجب أن يكون موقفنا من هؤلاء الناس: ما وقفت منه عائشة لما جاءتها إحدى النساء فقالت: لماذا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة؟ المرأة الحائض لماذا تؤمر بقضاء الصوم ولا تؤمر بقضاء الصلاة، لماذا؟ فقالت لها عائشة: أحرورية أنتِ؟ هل أنت من الطائفة من الخوارج التي تقول وتعتقد بأن المرأة تقضي الصيام والصلاة؟ قالت: لست بحرورية ولكني أسأل، ماذا أجابت عائشة؟ هل قالت لها أن الصيام قليل فيجب أن تقضيه وما في عليك حرج، أما الصلوات فكثيرة، ولذلك عليك حرج، فلذلك ما عليك قضاءها ما أجابت بهذا، إنما قالت عائشة لما سؤلت: كنا على عهد الرسول ﷺ نؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة، انتهينا، هذا هو الجواب، كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة، كثير من الناس اليوم لا يقتنعون حتى تأتي لهم بأدلة عقلية على صحة هذا الكلام، ما يكتفي بالآية ولا بالحديث، هل هؤلاء مسلمون أيها الإخوة؟ هل هؤلاء مسلمون؟ وصلوا على نبيكم محمد ﷺ فإن بالصلاة عليه أجراً زائداً لمن صلى عليه في يوم جمعة وليلة الجمعة، فصلوا عليه وسلموا تسليماً كثيرا.

اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى، وصفاتك العلى، أن تجعل القرآن الكريم ربيعاً لقلوبنا، ونور صدورنا، وهادياً لنا إلى الخير، اللهم علمنا منه ما جهلنا، وذكرنا منه ما نسينا، ورزقنا الاستسلام له، وعدم الاعتراض عليه، وارزقنا تطبيق السنة، واتباعها من غير اعتراض يا رب العالمين.

وقوموا إلى صلاتكم، يرحمكم الله، ومعذرة على إطالتي أيها الإخوة.

  1. ​[رواه البخاري:2359، ومسلم:2357]​
1 - رواه البخاري:5760، ومسلم:1681
2 - رواه النسائي:4823
3 - رواه البخاري:5758
4 - رواه أحمد:622
5 - رواه الطبراني:381
6 - رواه مسلم:2934
7 - رواه الحاكم:8390
8 - رواه البخاري:5782