الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران:102. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباًسورة النساء:1. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماًسورة الأحزاب: 171-172.
أما بعد:
حرص الشرع وحثه على الزواج
فإن الله قال في محكم تنزيله: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةًسورة الروم:21 . وقد امتن الله على عباده بهذا، وجعل بين الزوجين مودة ورحمة دون أن يكون هناك سابق معرفة بينهما، ولا لقاء، وإنما يشعران بها بعد الزواج، وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً، وهذا من آيات الله البينات، يعرفها من جربها؛ منة من الله تعالى على عباده، وهذا النكاح من نعم الله ، فهو الذي خلقنا من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً.
عباد الله: هذه المسألة الخطيرة، وهي قضية النكاح، التي أمر الله بها في قوله: فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءسورة النساء:3. وأخبر أن النكاح من سنة المرسلين فقال: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةًسورة الرعد:38 . وحث عليه النبي ﷺ بقوله: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج[رواه البخاري: 5065، ومسلم: 1400]. وذكر فائدته بكلمتين: فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، وأمر به؛ لابتغاء الولد فقال: تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة[رواه أبو داود: 2050].ونهى عن زواج من امرأة أعجبت رجلاً؛ لأنها لا تلد، وأخبر أن النكاح من سنته، وأن من رغب عن سنته فليس منه ﷺ هذا النكاح الذي يختص به رجل بامرأة، لا يشاركه فيها غيره؛ تمييزاً عن البهائم، هذا النكاح حكمه الوجوب، إذا كان الشخص قد خاف على نفسه الحرام، قال ابن قدامة -رحمه الله تعالى-: "من يخاف على نفسه الوقوع في المحظور إن ترك النكاح، فهذا يجب عليه النكاح في قول عامة الفقهاء؛ لأنه يلزمه إعفاف نفسه، وصونها عن الحرام، وطريقه النكاح، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله- " وإن احتاج الإنسان إلى النكاح، وخشي العنت بتركه، قدمه على الحج، وقال الكاساني الحنفي -رحمه الله-: من تاقت نفسه إلى النساء، بحيث لا يمكنه الصبر عنهن، وهو قادر على المهر والنفقة، ولم يتزوج، يأثم، ثم قال: ولأن الامتناع عن الزنا واجب، ولا يتوصل إليه بالنكاح، ومالا يتوصل إلى الواجب إلا به يكون واجباً، وكذلك المرأة إذا خافت على نفسها من الوقوع في الزنا؛ وجب عليها النكاح، بأن لا تمانع الكفؤ إذا تقدم لخطبتها، وقال البهوتي -رحمه الله تعالى-: "يجب النكاح على من خاف الزنا بترك النكاح من رجل أو امرأة، سواء كان خوفه ذلك علماً أو ظناً" لو ظن، لو غلب على ظنه أنه يقع في الحرام، وجب عليه؛ لأنه يلزمه إعفاف نفسه، وصرفها عن الحرام، وطريق ذلك النكاح؛ ولذلك كان السلف لا يؤخرونه، ولا يؤجلونه، وجاء عن عبدالله ابن مسعود : " لولم يبق من أجلي إلا عشرة أيام، وأعلم أني أموت في آخرها يوماً، ولي طول النكاح فيهن، لتزوجت؛ مخافة الفتنة" وقال الإمام أحمد-رحمه الله- "ليست العزوبة من أمر الإسلام في شيء" وقال شيخ الإسلام:"والاعراض عن الأهل والأولاد ليس مما يحبه الله ورسوله، ولا هو دين الأنبياء">
وأما مسألة ترك النكاح؛ لأنه لا يجد نفقة، وهل تشترط النفقة لأجل النكاح، وجوازه؟ ذهب بعض أهل العلم إلى ذلك، وقال آخرون: كما قال صاحب منتهى الإرادات -رحمه الله-: ويجب النكاح على من يخاف بتركه الزنا، وقدر على نكاح حرة، وظاهر كلام أحمد:لا فرق بين القادر على الإنفاق والعاجز عنه، كله واجب عليه، واحتج بأنهﷺ كان يصبح وما عندهم شيء، ويمسي وما عنده شيء؛ ولأنه -عليه الصلاة والسلام- زوج رجلاً لم يقدر على خاتم من حديد، ولا وجد إلا إزارة، ولم يكن له رداء، كما رواه البخاري،وهذا في حق من يمكنه التزويج من يجد من يزوجه، من يتمكن من النكاح، أما من لا يمكنه فقد قال تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِسورة النـور:33. والاستعفاف يكون بأمور منها الصيام، وممارسة العبادات، وإطالتها، كقيام الليل، وصلوات النوافل، والرواتب، ونحوها من الأعمال الصالحة، كطلب العلم، والدعوة إلى الله، فإن في ذلك مشغلة عظيمة، لمن لم يجد النكاح، ولابد من طول الممارسة؛ ليجد العفة، فلا يكفي صيام أسبوع أو أسبوعين، ثم يقول: لم أجد العفاف، بل لابد من طول الممارسة، لمن لم يجد النكاح، وأوجب بعض أهل العلم الاقتراض لأجل النكاح الواجب، إذا كان يخشى على نفسه الحرام، ولم يجد، ونقل صالح عن الإمام أحمد أبوه، نقل عن أبيه أنه قال: "يقترض ويتزوج" إلى هذه الدرجة ذهب أهل العلم، وعقد النكاح عقد خطير، رتبت الشريعة لعقده وفسخه أحكاماً معلومة، وحدوداً معروفة؛ لأنه ينبني عليه أموراً كثيرة جداً، كنسبة الأولاد إلى أبيهم، والإرث، والمحرمية، والنفقة، وغير ذلك من الأحكام، فاعتنت الشريعة به اعتناءً بالغاً، فلابد أن يكون بولي بالغ، عاقل، يعرف الكفء من الناس، ومصلحة المرأة، لقوله ﷺ: لا نكاح إلا بولي[رواه أبو داود: 2084] . فالمرأة لا تزوج نفسها مهما بلغ عمرها، وأم سلمة مع تقدمها في السن، ووفور عقلها، قالت لولدها عمر: يا عمر، قم، فأنكح رسول الله ﷺ لما جاء؛ ليخطبها، وأحق الناس بالولاية أقربهم، فالولاية في النكاح للعصبة وهم من جهة الأب فيزوجها وليها العاصب، الأقرب فالأقرب، البداية بالأب، فالجد، فالابن، فالأخ، وهكذا، وغير العصبة لا ولاية لهم إلا بالتوكيل، كالخال، والجد لأم، ونحوهم، وإذا لم يكن الولي أهلاً للولاية يزوجها الولي الذي بعده، وإذا لم يكن لها ولي كامرأة أسلمت فإن وليها القاضي، ويجب كذلك على الولي أن يخاف الله تعالى، فلا يرفض من يتقدم لابنته؛ لأن البنت موظفة، وهو يريد الراتب، أو أنه لا يتنازل أن يزوج فلانا أو فلاناً من الناس؛ لأجل أنه يراه ليس بالمستوى في النسب، أو بالمستوى في العائلة ونحو ذلك.
الزواج سبب رئيسي للغنى وكثرة الرزق
عباد الله: وأخذ موافقة الفتاة واجبة لابد منها، لا يزوجها إلا برضاها، ويحضر العقد رجلان مقبولان في الشهادة، وكذلك تعين المرأة، ويجوز العقد عليها سواء كانت حائضاً، أو صائمة، أو غائبة عن البلد، بشرط أن يعرف رضاها، عباد الله، النكاح فيه فوائد لا تحصى، من تقريب الأسر، وابتغاء الولد، وهو سبب الغنى، وكثرة الرزق، لا كما يتوهم بعض الناس من ضعاف التوكل، قال الله تعالى: وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُم وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ.سورة النـور:32. تزوجوا وزوجوهم، انكحوا وأنكحوا، وقال ﷺ: ثلاثة حق على الله عونهم، وذكر منهم: الناكح الذي يريد العفاف[رواه الترمذي: 1655]. وقال أبوبكر : "أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح؛ ينجز لكم ما وعدكم من الغناء"، وبهذا يتبين -يا عباد الله- مما سبق من الحث على النكاح، والالتزام به، وإيجابه على من خشي على نفسه الحرام، أن كثيراً من شبابنا وفتياتنا آثمون مجرمون؛ بترك النكاح، ويتبين أن كثيراً من الأولياء آثمون؛ لردهم الرجل الذي تقدم وهو صاحب دين وخلق، ويتبين كذلك أن هذه الفتاة التي تريد إكمال الدراسة، وترد هذا الولد، مع أنه جاء وهو صاحب دين وخلق، وهي تخشى على نفسها الحرام، مما يتبين من حال مجتمعنا أنها آثمة برده، وعدم قبوله، وهكذا يعظم الإثم، وينتشر الحرام، ويفسد الناس، ويكثر البغاء، وينتشر أولاد السفاح من أجل مخالفة الدين والشريعة، لا راحة نفسية بغير زواج، ولا تفرغ للفكر، ولا اطمئنان للقلب، ولا إعانة على أمور الدنيا والآخرة إلا به، وماذا ينفعها لو أكملت دراستها فنالت شهادة لا تحتاجها في النكاح، وحالت الدراسة بينها وبين زواجها، ومن أعظم الظلم عضل المرأة وحبسها عن الزواج، مخالفة لقول الله في الكتاب العزيز: فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفسورة البقرة:232.إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض، والفساد العريض ما نشاهده اليوم من أنواع المغازلات، والمعاكسات، والعلاقات المحرمة، وفقد العفة، وزوال الطهر، وقيام الحرام، وكثرته، وانتشاره، وخروج البنات مع الأولاد في السيارات، ونحو ذلك، وما يحدث في الأسواق، هذا كله هو الفتنة والفساد العريض الذي أخبر عنه ﷺ: إلا تفعلوا، إذا ما زوجت الكفؤ، إذا رفضت من تقدم إليك من صاحب دين وخلق: إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض، معصية لله ولرسوله، وإعانة على الحرام، ولا شك أنك مشارك في الوزر الذي سيحصل بسبب منع زواج ابنته، او امتناعها، أو تأخير الشاب بنفسه، أو نحو ذلك، الجميع مشترك في الإثم الذي يحدث، والعاضل تسقط ولايته، وتعطى لمن بعده، ولا تقبل شهادته، ولا تصح إمامته في الصلاة، ولا ولايته، كما ذكر ذلك كثير من أهل العلم، إذا امتنع عن تزويج الكفؤ سقطت عدالته.
الإسلام يهدم عادات وتقاليد الجاهلية
عباد الله: ما الذي يجعل كثير من الناس، التغرب من أجل النكاح، يقولون: لا نجد الحلال في البلد، لا نجد من يزوجنا، فيريد أن يتزوج من الخارج، ويحصل على رخصة، ويدفع ما يدفع، ويتزوج، ويريد الزواج، يريد فكاك نفسه؛ ولذلك تفاجأ بأنه تزوج فلبينية من أقاصي الأرض بأي سبب؟ الظلم الذي أحدثه الناس الظلمة من الأولياء والظلمة من النساء، وظلم المجتمع بالعوائد السيئة مما جعلوه من العوائق الكثيرة، والذي يستولي على مهر ابنته إنما هو آكل الحرام، وآكل للمال بالباطل، فإنه حقها ينفق عليها، وتعطاه كاملاً، فإن رضيت بجزء منه، أو به، لأبيها فحلال عليه، وإلا فلا يجوز له أن يأخذ منه شيئا، لا يأخذ منه قرشاً، يكمله لها، ويوفيه لها، يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍسورة الشعراء:88-89. هؤلاء يتورطون أعظم الورطة في ذلك اليوم، والذين يرفضون الأكفاء من الناس، يريدون غنياً، أو يريدون نسيباً حسيباً، ولو كان لا يصلي، ولو كان من أرباب الفسق، والأسفار المحرمة، والفجور، يهمنا نسبه، لا يهمنا دينه، هذا شعارهم عندما يتقدم لابنتهم الشخص، خيانة للأمانة التي حملها الله، بقوله: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُسورة الأحزاب:72. فيقوم هذا الولي بالخيانة، والبنت بالخيانة، ويحصل الاشتراك في الإثم برد المتقدم، وعندما يأتيهم من يجده لا يكافئه يرده، ولو تبقى البنت عانس، أو يتقدم بها السن، أو تقع في الحرام، يعكفون على خطوات الشيطان، ويتبعونها، ويقولون: غير مناسب، وربما قال بعضهم له: كيف تتجرأ على دق بابنا؟ يتقدم ابن الحلال، يقولون: كيف تتجرأ على طرق بابنا؟ يا أيها الوضيع ممن أنت؟ ما هو أصلك؟ من أي بلد؟ أنت مهين، ثم تتجرأ على طرق بابنا، فيقول لهم: الدين والشريعة، فيقولون: خل الدين على جنب، عبارة شائعة، صارت مقولة لكثير من الناس، خل الدين على جنب، ما معنى خلي الدين على جنب؟ معناه: الكفر بالله معناه الخروج عن الملة، معناه: اقصاء الشريعة، معناه: تحدي الله ورسوله، معناه: الخروج من ربقة الدين، خل الدين على جنب، لا يتحاكمون إليه، لا يريدونه، يريدون أن يمشوا العادات والتقاليد، ويحكموا هذه السفاهات، وليكن ما يكون بالحرام.
عباد الله: هذه المغالاة في المهور، والزيادة فيها، والكلفة العجيبة، واشتراط الصالة، والشبكة، وارتفاع المهر، أي شيء يسبب؟ وأي عوائق يحدث؟ وقد قال النبي ﷺ: إن من يمن المرأة تيسير خطبتها وتيسير صداقها وتيسير رحمهارواه أحمد: 24478.يعني: أنها تلد بسهولة، قال عروة: وأنا أقول من عندي: ومن أول شأمها أن يكثر صداقها، وينبغي حتى على القادرين أن لا يغالوا بالمهور؛ لأن لا يسنوا السنة السيئة للناس، ولا يتسببون في حمل الآخرين على مباراتهم، وتقليدهم، فليتزوج على مهر معقول، فإذا دخل بزوجته أعطاها ما شاء، وقد قال عمر: لا تغلوا في صداق النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله، كان أولاكم بها النبي ﷺ ما أصدق رسول الله ﷺ ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية، يعني: قدرها بعض أهل العلم المعاصرين قبل سنين بمائة وأربعين ريال فقط، أكثر من اثني عشرة اوقية من الفضة، فقط يعني: هذا هو المهر؛ ولذلك اقترح بعض أهل العلم جعلوا الصداق نصفين، جزء معجل، وجزء مؤخر، حتى يتيسر للزوج الدخول، ودفع المعجل، ويتعجل بالزواج، ويعجل به.
والسعادة -أيها الناس- ليست بزيادة المهر ولا أن يقال فلانة بنت فلان مهرها كذا، ودفعوا لها كذا، هذا فخر مؤقت، ويزول بسرعة، ويحل بدل منه الشقاء والعذاب، عندما يجد امرأته النكدة، التي تسببت في ديون لا يقضيها إلا بسنوات، ويكون ذلك من أسباب الشقاء، ولا شك، ما عليك لو زوجتها بما تيسر، أعطها ما تيسر، واقبل -يا أيها الولي- ما تيسر، وستأتي البقية إن شاء الله، ويرزق الله، وتحل السعادة، والسكينة، الأولاد، وتحدث العفة بتيسير الأمور، خذ ما تيسر، ودع ما عسر، زوج مشي الحال، استدرك أمرك، بنتك عرضك، المهم أن تعفها الآن، وليس أن تنتظر الغني، أو تشترط ما تشترط.
يا عباد الله: المسألة خطيرة والله المسألة التي تحدث الآن في المجتمع، المسألة التي تحدث من إقامة العوائق مما فيه من الشر ما لا يعلم به إلا الله، نسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى الإسلام رداً جميلاً، وأن يرزقهم الفقه في كتابه، وابتاع سنة النبي ﷺ، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمن سواك، يا رب العالمين، يسر أمورنا، وحصن فروجنا، وطهر قلوبنا، واقضي ديوننا، وباعد بيننا وبين الفحشاء، إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم، وأوسعوا لإخوانكم يوسع الله لكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب الذي خلق لنا من أنفسنا أزواجاً؛ لنسكن إليها، وجعل بيننا مودة ورحمة، أشهد أن لا إله إلا الله الحي القيوم، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله، وصحبه الطيبين الطاهرين، وأزواجه، وذريته، أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
تيسير الشريعة لأمور الزواج
عباد الله:
لقد زوج النبي ﷺ رجلاً فقيراً، قال: له لما جاءت المرأة تعرض نفسها على النبي ﷺ إن لم يكن بها لك حاجة فزوجنيها ، فقال: وهل عندك من شيء؟ قال: لا والله يا رسول الله، فقال: اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئاً[رواه البخاري: 5087، وسلم: 1425]، فذهب ثم رجع فقال: لا والله ما وجدت شيئاً، فقال رسول الله ﷺ: أنظر ولو خاتماً من حديد[رواه البخاري:5030]، فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله، ولا خاتماً من حديد، ولكن هذا إزاري، قال: سهل ماله من رداء، الراوي يقول: الرجل ما له رداء فقال رسول الله ﷺ: ما تصنع بإزارك إن لبسته، لم يكن عليها منه شيء، وإن لبسته لم يكن لك عليه شيء[رواه البخاري:503 ومسلم: 1425]. فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام فرآه رسول الله ﷺ مولياً أمر به فدعي، فلما جاء قال: ماذا معاك من القرآن؟ قال: معي سورة كذا، وسورة كذا، عددها سور يحفظها، قال: تقرأهن عن ظهر قلبك، اشترط حفظ القرآن، ما أعظم شرف، حفظ القرآن، تحفظهن على ظهر قلبك قال: نعم، قال اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن، رواه البخاري،ملكتكها، المهر أن يعلمهما ما يحفظه من القرآن، زوج النبي -صلوات الله وسلامه عليه- فقيراً، وزوج دميماً قبيح المنظر، عن أنس عن قال كان رجل من أصحاب النبي ﷺ يقال له: جليبيب على في وجهه دمامة فعرض عليه -رسول الله ﷺ التزويج فقال: إذاً تجدني كاسدة، من الذي يقبل بي؟ ومن الذي يزوجني؟ فقال: غير أنك عند الله لست بكاسد[رواه أبو يعلى:3343 ]، ثم خطب له، فأنكحه، وأصر على أهل المرأة أن يقبلوا، وشفع في ذلك، حتى تزوج الرجل، وكانت زوجته من خير النساء بعد ذلك، لما رضيت بمن اختاره لها النبي ﷺ، وتلك المرأة القرشية النسيبة اختار لها أسامة ابن زيدأ قال: أنكحي أسامة[رواه مسلم: 1480].تقدم إليها قرشيان، قال هذا فيه العلة الفلانية، وهذا العلة الفلانية، هذا صعلوك، وهذا ضراب للنساء، أنكحي أسامة، فوجدت فيه الخير والبركة.
صور من تيسير مهور الزواج
عباد الله: إن من أكبر العيب أن نجعل ما ليس بعيب عيباً، وإذا قلت للناس اليوم كل واحد يأخذ بيد صاحبه ممن يظن فيه التقى، والدين، والخلق، من العزاب الذين ليسوا بمتزوجين، بل وحتى من المتزوجين، وليعرض عليه اخته أو ابنته، ويقول له: تزوجت؟ فيقول: لا، ما يمنعك من الزواج؟ عندي لك فتاة مناسبة، لو أخذ كل واحد بيد صاحبه؛ ليعرض عليه النكاح من هذه المرأة التي عنده في البيت، من أخت، أو بنت، حتى أم مطلقة، هل في ذلك عيب؟ ونخاطب العقلاء لا المجانين، نخاطب الناس الذين يتبعون الشريعة، وليس العادات، هل في ذلك عيب؟
قال البخاري -رحمه الله- باب: عرض الإنسان بنته أو أخته على أهل الخير، لاحظ فقه البخاريفي العرض، في هذا العنوان، باب: عرض الانسان ابنته، أو أخته على أهل الخير، عن ابن عمريحدث أن عمر ابن الخطاب حين تأيمت حفصة، مات زوجها من خنيس ابن حذافة السهمي، وكان هذا الرجل قد توفي بالمدينة قال عمر: فأتيت عثمان ابن عفان فعرضت عليه حفصة، فقال سأنظر في أمري، فلبثت ليالي، ثم لقيني فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا، هل قال عمر عرضنا البنت ورفض الرجل، والله لا أعرضها أبداً، أو قال هذا العيب أبداً، ذهب إلى أبي بكر ، فلقيت أبا بكرالصديق إن شئت زوجتك حفصةبنت عمر، فصمت أبوبكر، فلم يرجع إلي بشيء، وكان النبي ﷺ قد ذكرها، فلم يرد أبو بكرأن يتزوج امرأة ذكرها النبي ﷺ عن رغبة فيها’ إذاً، لو قمنا بفعل هذا، لو كل واحد عرض أخته، أو ابنته بطريقة مناسبة، ولا نقل: اعرضها كالسلعة، أو كالسيارة، وإنما بطريقة مناسبة، أمسك بيد رجل يظنه صالحاً، صاحب خلق، فقال: تعال، عندي من أزوجك بها، والله إنك كثيراً من العوائق تزول، ويكون الواسطة هذا صاحب، يسهل الأمور، ولكن أين العقلاء؟ أين الذين يتبعون الدين؟ أين المسلمون حقاً؟ أين الذين يقتدون بالسلف؟ سعيد ابن المسيبلما رآى تلميذاً له قد ماتت زوجته، زوجه في الحال، ذهب إليه زوجه في الحال، وأتى بالبنت بنفس اليوم، وقال: كرهت أن تبيت عزباً، كرهت أن تبيت أعزب؛ ولذلك جاء له بالزوجة فوراً، وفتح الباب، ودفع المرأة، وأغلق الباب، سقطت المرأة من الحياء، ثم قامت امه فجهزتها، فدخل بها.
فالمسألة -أيها المسلمون-، من يبادر إلى حمل لواء الشريعة؟ من الذي يتقدم؟ ويمسك بالأمر؟ من الذي يسير على الشريعة.
عباد الله: كفاية عوائق كفاية ما تسببنا به من المحرمات في المجتمع، لابد الأخ الأكبر قبل الأصغر، ولابد البنت الصغرى قبل البنت الكبرى، ولابد أن يكون مهر فلانه مثل مهر فلانه، ولا نرضى بالتفاوت، وهذه ليست أقل من هذه، وبنتنا ليست أقل من بنت الناس، وهذه لابد أن تكمل الدراسة، وبعد ذلك؟ وماذا ننتظر؟ نعيش في عالم الاكتشافات المتأخرة، تصر البنت على إكمال الدراسة، وأهلها يماشون رغبتها، ثم تكتشف بعد أن تصل للرابعة والعشرين، والخامسة والعشرين، وبعد ذلك، وتتوظف أنه قد فاتها شيء كثير ولم تعد مرغوبة ونادر من يتقدم إليها، والشباب يريدون الصغيرات، ونحو ذلك من الكلام، اكتشاف متأخر، وتكتشف أن فلانة من رفيقاتها ويكتشف الشاب الذي تعمد اللهو واللعب سنين طولية أن فلاناً من أصحابه صار له زوجة وبيت وأولاد ذرية مكانة في المجتمع، عفاف، سكينة، راحة نفسية، وهو إلى الآن ما تزوج، وهي إلى الآن ما تزوجت، نحن نعيش في عصر الاكتشافات المتأخرة.
ثانياً: هل صار اللهو والحرام لابد منه قبل الزواج؟ هل صار مما لا بد منه المرور بمرحلة المغازلات والمعاكسات، والتعارف بالحرام، والموعد، واللقاء، والفجور، هل صار أمراً لابد منه قبل النكاح، ولابد أن يتعرف الشاب بفتيات، ويعترفن بشباب، وتقول له في السوق أين مخرج ثمانية؟ ممكن توصلنا عليه؛ لكي يمشي معها، وما يحدث بعد ذلك، هل القضية الآن يا -أيها الناس- يا أيها العقلاء، لابد أن يمر الشاب الحرام قبل الحلال؟ لابد أن تمر الفتاة بالحرام قبل الحلال؟ أم أن الدين يقول: الستر، والعفاف، والحلال، مباشرة، وشرع الله فوق الجميع، واحد تعرف على فتاة بالهاتف، معصية لكن فيه بذرة خير، فقال: نريد الزواج، فكادت أن تغلق السماعة، وقالت: إن فتحت معي موضوع الزواج مرة ثانية لا تعرفني ولا أعرفك، معناها ماذا؟ يا عباد الله، معناها: بالحرام أهلاً وسهلاً بالحرام تعال بالحرام الباب مفتوح، بالحلال لا، بالحلال الباب موصد، بالحلال لا زواج، ثم إلى متى مجاراة المجتمع في الصالات، والشبكات، والهدايا، والملابس، والمعرض، واشتراط في البيت المؤثث إلى متى؟ وهذا الكلام كله معروف، ولكن أين الذي يطبق؟ وقد تواتر كلام أهل العلم، والخطب، والأشرطة، والدروس، والكتب، والمحاضرات، كل الكلام معروف، لكن من الذي يسارع إلى التطبيق؟ الذين يطبقون قلة، مع الأسف؛ ولذلك العلم وحده لا يكفي، لابد من العمل، لابد أن يتذكر الإنسان أن مصيره إلى القبر، وأنه إذا ما اتبع الشريعة يندم، إذا ما ندم في الدنيا سيندم في الآخرة، نسأل الله أن يصلح أحوالنا.
عباد الله: القضية خطيرة فهل يعي السامعون؟ وهل يقوم الناصحون؟ وهل يلتزم الناس؟
نسأل الله أن ينشر الفضيلة والعفاف بينا، وأن يكفينا الرذيلة والفجور.
مأساة المسلمين في البوسنة
عباد الله: لازالت مأساة أخواننا في البوسنة تتصاعد، وليس العجب من الكفار، فالكفار أعداءنا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًاسورة النساء:101. ولا ننتظر منهم شيئاً إلا المزيد من المحاربة والمواطأة والمساعدة في تقتيل إخواننا، وتجويعهم، وتشريدهم، مأساة ما عرفها هذا القرن، ما عرفها هذا القرن، شيء عجيب يحصل، شيء عجيب، والعجب من تخاذل المسلمين، والله إن دمائهم في رقابنا، والله إن تشريدهم في أعناقنا، والله إن اغتصاب نسائهم في مسؤوليتنا أمام الله، ، ولابد من المشاركة، بصدقة، بدعاء، بمساعدة، ثم بماذا حصل على الهوان الذي أدى لمحنة إخواننا، أهل البوسنة، الهوان، لماذا صرنا أمة هوان وذل، لا اكتراث... ولا يؤخذ رأينا؛ لأننا تخلفنا عن الشريعة، لو سارعنا إلى الشريعة، لو طبقنا الشريعة في أنفسنا، في بيوتنا في أولادنا، في واقعنا، صرنا أمة عزيزة، لا أحد يستطيع أن يقترب من شبر من أرضها، أو من أبنائها، فنحن بتخلفنا ومعاصينا، معاصينا نحن.
من أسباب معاصينا من أسباب محنة إخواننا في البوسنة، وكشمير، وطاجكستان إلى آخره، من أسباب تسلط أعداءنا نحن، العلة فينا لا مهرب ولا نعلق لأخطائنا على شماعات الآخرين، نحن البلاء فينا نحن، نحن فينا الخوف، نحن فينا الذل، نحن فينا المعاصي، نحن فينا ترك الصلوات، نحن فينا منع الزكوات، نحن فينا ارتكاب الزنا والفواحش، نحن فينا البيوع المحرمة والرشاوى، نحن فينا العيب كله، لو أنا صلحنا لعزة الأمة، والله ما اقترب منها أحد، فلا شك أن محنتهم تذكرنا بوجوب العودة إلى ديننا، وهذا درس عظيم، والله، محنتهم تذكرنا بوجوب عودتنا إلى ديننا؛ لكي تأخذ هذه الأمة موقعها في المقدمة، ليس في مصاف الأمم المتقدمة، وإنما في المقدمة: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍسورة آل عمران: 110. بهذا المنهج والدين فأين المنهج والدين؟ الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ
نسألك أن تنجي إخواننا المستضعفين من المؤمنين، اللهم أنجي المستضعفين من المؤمنين، اللهم أنجي المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارفع عنهم الذل، والهوان، والعذاب، اللهم ارحم قتلاهم، واشف جرحاهم، واطعم جائعهم، واحمل حافيهم واكس عاريهم، اللهم انزل عليهم الصبر واليقين، وارزقهم الصبر على ما أصابهم، واجعل من مات منهم شهيداً في سبيلك يا رب العالمين، اللهم دمر الصرب وأعوانهم، اهلك الصرب ومن شايعهم، ابطش بالصرب ومن عاونهم على هذه الجريمة في إخواننا يا رب العالمين، اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اجعل بأسهم بينهم، واجعل تدبيرهم تدميراً عليهم، اللهم فرق صفهم، وشتت شملهم، واجعل دائرة السوء عليهم، اللهم عاجلهم بنقمتك، وانزل بهم سطوتك، اللهم أنت سريع العقاب، فأسرع بعقابهم، وعجل بعذابهم، يا رب العالمين، اللهم آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واجعلنا ممن يخافك ويتقيك يا رب العالمين، اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وسنة نبيك ﷺ، واجعل بلدنا هذا آمناً مطمئناً، وسائر بلاد المسلمين، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَسورة الصافات:180-182. وقوموا إلى صلاتكم.