الأربعاء 12 جمادى الأولى 1446 هـ :: 13 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

الفزع إلى الله وقت الشدائد


عناصر المادة
الخطبة الأولى
أهمية اليقين بوعد الله في علاج القلق
تأمين المستقبل يكون بالتوكل على الله
قدرة الله في تصريف الأمور وتقسيم الأرزاق
الناس فقراء إلى الله
أحوال الناس في تقلب دائم
الخطبة الثانية
الفرق بين من تعلق بالمال ومن تعلق بالله عند الأزمات
ضعف الإيمان سبب لعدم تحمل الأزمات
كيف نواجه الأزمات؟

الخطبة الأولى

00:00:04

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

أهمية اليقين بوعد الله في علاج القلق

00:00:28

فإن الناظر في حال العالم اليوم  -عباد الله- يرى أن مما يسيطر عليه القلقُ والفزعُ، والهلعُ والذعرُ؛ وذلك بسبب ما حصل فيه من اضطراب أوضاع العالم المالية، وقد ذكر ربنا في كتابه أوصافاً للإنسان أنه خُلق هلوعاً: إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً ۝ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاًالمعارج:20-21، الجزع والهلع.

الهلع والذعر لما يصيبه، ومقاومة هذا -عباد الله- بأن يعلم العبد أن الله هو خالق الخلق، ومدبر الأكوان.

أن يوقن بأنه كما قال في كتابه: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍالأنعام:59.

أن يوقن بأن الله بيده خزائن السموات والأرض.

أن يوقن بأن ما عندكم ينفد، وما عند الله لا ينفد.

تأمين المستقبل يكون بالتوكل على الله

00:02:03

أن يوقن بأن الذي يتوكل على ربه فإنما يأوي إلى ركن شديد، وأن يوقن بأن الله هو الذي ينجِّي من الكربات، من كربات البحر، ومن الكربات المالية، ومن جميع أنواع الكُرب، كما قال في كتابه: قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ۝ قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَالأنعام:63-64، وهكذا يؤمن العبد أيضاً بأن المستقبل بيد الله، وأنه لا يمكن لأحد أن يؤمن مستقبله، ومن قال: أنا أمَّنت مستقبلي، أو أمَّنت مستقبل أولادي فهو واهم؛ لأن هنالك مفاجآت، وأحداث عظام لا يعلمها إلا الله، وكم من الناس قد اعتمدوا على أرصدة فتبخرت، وكم من الناس قد اعتمدوا على أشياء فتلفت واحترقت، ولذلك فإن علم الغيب عند الله، وتأمين المستقبل بيد الله؛ فهو الذي يعلم الأمور والحقائق، والبواطن والمآلات.

والعباد مهما حاولوا استشراف المستقبل فإنهم يضلون، ويخطئون، ويزلون: لِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَالأنعام:67، فمن الذي يعلم مستقر الأنباء؟ من الذي يعلم مستقر الأحوال؟ إنه الله الواحد العزيز القهار ، ولذلك أخبرنا أنه لا يعلم الغيب إلا هو.

قدرة الله في تصريف الأمور وتقسيم الأرزاق

00:04:18

قهر عباده بأمور ومنها هذا، أنهم مهما حاولوا استكشاف المستقبل لا يستطيعون أن يعلموا ماذا سيحدث غداً؟! وهكذا ترى اليوم في التذبذبات المالية، واضطرابات الأسواق، يوم تصعد، ويوم تهبط، ولا يدرون ماذا يفعلون، ولذلك يُعبر بعضهم، فيقول: المستقبل ضبابي، المستقبل المالي غامض، فاعترفوا بعجزهم.

كبار الخبراء يقولون: المستقبل المالي غامض، والأمور ضبابية، فمن الذي يعلم المستقبل؟ ويعلم ما فيه؟ ، لا إله غيره، ولا رب سواه، ولا يعلم الغيب إلا هو .

ومن الأمور التي تهدِّأ النفوس أن يعلم العبد أن الله هو الرزاق: إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ۝ فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ۝ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ۝ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ...الأنعام:95-98، وهكذا الدواب يعلم الله رزقها، ومستقرها، ومستودعها.

تفكر -يا عبد الله- في قضية المستقر والمستودع: وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ ۝ وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍالأنعام:98-99، جعل الرزق في نباتات، هذا رزقه، والناس يتوكلون على أرصدة وهمية، وأرصدة تتبخر: وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُتَرَاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ... الأنعام:95-99 لماذا؟ رزقاً للعباد: وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِالبقرة: من الآية22 لماذا؟ رزقاً للعباد، فهو الذي يرزقهم، ويجعلون له شركاء! ويكفرون به! ويتوكلون على غيره!.

الناس فقراء إلى الله

00:07:41

وهو الواحد القهار، المستغني عن خلقه؛ يحتاجونه، ولا يحتاج إليهم، سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ.. فاطر: من الآية15، هذه من الآيات التي تقرأ في الأزمات، ويدرك به العباد معانٍ عظيمة قد لا يحسِّون بها في غيرها، في غير أحوال الاضطراب: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِفاطر: من الآية15، أنتم الفقراء ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُفاطر:15؛ فالفقير يحتاج إليه كي يغنيه، والمريض يحتاج إليه كي يشفيه، وهذا المضطر، وصاحب الكربة يحتاج إليه كي يُنجيه، وإذا شح المطر عجَّوا إليه بالاستسقاء، وإذا قل الرزق ألحُّوا عليه بالدعاء، فهو الذي يرزق، وهو الذي يُفقر، وهو الذي يُغني، وهو الذي يُحيي، وهو الذي يميت: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ آل عمران:26، فإذا أدرت أن تعتمد على أحد اليوم فاعتمد على الله، وإذا أدرت أن تسأل فسأل الله، وإذا أردت أن ترجع إلى أحد في وقت الفزع فارجع إليه..

.................... فإنه الركن إن خانتك أركان

عباد الله: ربكم يبتلي عباده بالشدة والرخاء، والسراء والضراء، ينظر ماذا يفعلون؟ وكيف يعملون؟ يقلِّب الأحوال على عباده: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍالرحمن: من الآية29 ؛ ولذلك فإنه ينبغي على العبد إذا صار في حال الاضطراب، والأمر المريج أن يفزع إلى ربه: وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُالإسراء:67، وهكذا فإنه مع الإنسان، والإنسان يطغى: كَلَّا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى ۝ أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى العلق:6-7؛ فإذا اغتنى لم يلجأ إلى الله: وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْأِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍفصلت:51.

أحوال الناس في تقلب دائم

00:11:04

تقلُّب الأحوال بالناس، وأنت تسمع على مر الأخبار في العالم اليوم أناس كانوا في قمة الثراء، فصاروا مفلسين، وكذلك فقدان للوظائف؛ يسمع الواحد ويضطرب، فمن الذي يُفزَع إليه؟ عيادات نفسية؟ إلى المحللين؟ إلى الخبراء؟ إلى الشاشات؟ إلى من؟ إلى الله .

وإن من العجب العُجاب ما يحدث لبعض الناس إذا أصابتهم مصائب، وسنرى فعل هؤلاء، وكيف يكون موقف المؤمن وهو يقارن أفعالهم راجعاً إلى الكتاب والسنة؟.

اللهم إنا نسألك الأمن والإيمان، والرزق والاستغناء عن الخلق يا رحمن، اكفنا بحلالك عن حرامك، واغننا بفضلك عن من سواك، اللهم وسع لنا في أرزاقنا، وبارك لنا فيما آتيتنا، واجعل ما آتيتنا عوناً لنا على طاعتك.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:12:47

الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا هو الحي القيوم، وسبحان الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، الفرد فلا ند له، والإله فلا شريك له، خلق فسوى، وهدانا النجدين، وعرَّفنا طريق الخير والشر .

أنزل علينا الكتاب، وبعث إلينا في الأميين رسولاً منا يتلو علينا آياته، ويعلمنا الكتاب والحكمة.

وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، اختاره الله واصطفاه، وبعثه رحمة للعالمين، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وذريته الطيبين، وأزواجه وخلفائه الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

الفرق بين من تعلق بالمال ومن تعلق بالله عند الأزمات

00:14:03

عباد الله: ماذا يقع في نفس المسلم وهو يقرأ أخبار الناس؟

"تبخرت مدخرات مستثمرين تأثراً بالأزمة الاقتصادية العالمية وسط حالات من الهلع والذهول والاكتئاب" هذه القضية: هلع ذهول اكتئاب.

"ويقضي المستثمرون نهارهم أمام الشاشات، وليلهم في متابعة الفضائيات، لا حديث سوى التحسر على أموالهم التي تبخرت" مفردة "التحسر" من المفردات الأخرى، "التحسر" لماذا؟ لما صارت الأموال في نفوسنا لها وزن كبير، والتعلق بها في النفوس عظيم، والأمر كما قال الله :وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌالعاديات:8 يعني المال، وقال: وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاًالفجر:20 تعلقت النفوس بالأموال، في بعض الأحيان أكثر من التعلق بالله الواحد المتعال.

لما تتعلق النفوس بالأموال أكثر من الواحد المتعال معناها أنه يوجد خلل؛ ولذلك إذا حدث مثل هذا الحدث، فإن الهلع، والاكتئاب، والتحسر هذا شيء متوقع جداً، لماذا؟ لأن المال عندهم هو كل شيء؛ فمستعد الواحد منهم إذا خسر ماله أن ينتحر؛ لأنه -عند نفسه- ماذا بقي له من الدنيا؟ المؤمن بقيَ له إيمانه، بقيت له صلته بالله، بقيَ له رفع اليدين بالدعاء لربه، بقيت له صلاته، بقيَ له صيامه، بقيَ له ذكره وتلاوته لكتاب الله، بقيت له الأخوة في الله، بقيت له الدعوة إلى الله، بقيَ له بر الوالدين، بقي له صلة الرحم، بقي له حسن الخُلُق، والمعاملة بالحسنى، بقيت للمؤمن أشياء كثيرة ولو خسر ماله، لكن أهل الهلع، والذين تعلقت نفوسهم بالمال إلى الحد الأقصى، إذا خسر ماله ماذا بقيَ له؟ لا شيء، ولذلك يقدم على الانتحار، فَهْم طبيعة الدنيا، ولماذا نحن نعيش فيها؟ في ظل الأزمة في غاية الأهمية: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِالذاريات:56.

هناك عجائب ستحدث في العالم، هنالك أمور كثيرة، ونحن لا ندري ماذا بعد هذه التحولات، ولذلك لا حل إلا باللجوء إلى الله، سلم أمرك لربك، وفوض إليه سبحانه، التوكل تفويض، والإنسان إذا حوصر، وإذا أصابه الكرب، وإذا أصابته الشدة:وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِغافر: من الآية44 هذا شعار المسلم، توكلت عليه ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه أنيب.

ضعف الإيمان سبب لعدم تحمل الأزمات

00:17:48

وإن اجتمعوا لا حديث سوى التحسر على أموالهم التي تبخرت بعد أن فقدوا أكثر من ستين بالمائة من مدخراتهم في بعض البلدان، ولاحظ أحد أطباء مستشفى كذا أن حالات أمراض الضغط والسكر ارتفعت بمعدل ثلاثين في المائة منذ بدء الانهيار" ثلاثين! الثلث، والثلث كثير[رواه البخاري برقم (5354)، ومسلم برقم (1628) بلفظه]، لماذا لا نتحمل الصدمات؟ ضعف الإيمان بالله؟ ضعف الإيمان بالقضاء والقدر؟ ضعف الإيمان بقوله:  ما أصابك لم يكن ليخطأك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك[رواه أبو داود برقم (4699)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5244)]؟ ضعف الإيمان بقوله: لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك؟ ضعف الإيمان بقوله: رفعت الأقلام وجفت الصحف[رواه الترمذي برقم (2516)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7957)]؟ ضعف الإيمان بقوله في كتابه: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَاالحديد: من الآية22؟ سبحان الله! إِلَّا فِي كِتَابٍ يعني مكتوبة عنده من قبل أن نبرأها، ونخلقها، ونوجدها في الواقع؟ ضعف الإيمان بقوله: مَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ (النساء: من الآية79)؟ لأن الإنسان يتلفت، ويقول: من أُتينا؟ ما الذي حدث؟ من أين هذا؟ قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْآل عمران: من الآية165.

أيها الإخوة: المصيبة المالية التي حصلت في العالم لم تكن بآفة سماوية، ولا بزلزال، ولا بتسونامي، ولا بحدث أجراه الله من جنس الفيضانات، والبراكين، لا، كان شيئاً مما عملته أيدي البشر، هم عملوه، وهم جَنَوه، هم زَرعُوه، وهم حصدوه، هم السبب فيه، وهذه آية كبيرة وعظيمة.

"ويتداول المستثمرون حكاية شخص توفي بسكتة قلبية أصابته بعد أن فقد خمسين مليون كذا في أسواق الأسهم المحلية والعالمية، وآخرين أصيبوا بجلطات دماغية، ويتلقون العلاج" واضح جداً أن الأزمة كشفت الخلل في الإيمان بالقضاء والقدر؛ لذلك صار الوارد قوي، والجسد ضعيف لم يتحمل.

الوارد قوي، والقلب ضعيف فانهار، فالنتيجة صارت جلطة، سكتة، اكتئاب، انهيار نفسي، ونُكمِل، قرَّاء الطالع والمشعوِذون زادت شعبيتهم خلال الأسابيع الأخيرة، كذلك المواقع الالكترونية التي تنشر الأبراج، والتي بات بعض المستثمرين يزرونها يومياً على أمل أن تدلهم على حظهم في اليوم التالي في أسواق الأسهم، يعني لما فقدوا الثقة في المحللين.

المحللون لا يغنون عنهم شيئاً، قالوا وأخطؤوا، وقالوا وكذبوا، بدل من اللجوء إلى الله يتم اللجوء إلى الأبراج! إلى قرَّاء الكف! إلى العرافين! سبحان الله!.

من الذي يعلم الغيب؟ العرَّاف يعلم الغيب؟! هذا قارئ الطالع يعرف الغيب؟! هذا الموقع الذي فيه أبراجك، كلام فارغ، هو أصلاً القائم على الموقع هذا هو الذي أنشأه، وألفه، وكتبه من عنده، هو الذي صفَّه أمامهم، ثم لم يخجل فلان الموظف من الإفصاح بأنه لا يراقب الأسواق العالمية، ولا أخبار الشاشات، وإنما يعتمد على قراءة برجه في اليوم التالي ليتخذ قراره بالبيع أو الشراء! يعني عدنا إلى الجاهلية الأولى، صارت القضية بالرغم من التقدم التقني هذا كله خبط عشواء، وهي مشكلة البشرية الشرك والإخلال بالتوحيد.

وآخرون -فيما يتقاذف البشر حول العالم التهم، والأسئلة، والتحليلات عن الأسباب الحقيقة وراء النكسات، والكوارث الأخيرة- يقوم أحدهم ليقول: "إن السبب فيما حصل الهيجان الشمسي" سبحان الله! رجعنا إلى قضية تأثير الكواكب في الأرض، واعتقاد أن النجوم، والشمس، والقمر تؤثر، وتفقر، وتغني، ما هذا؟ إلى هذه الدرجة! إذا صارت مثل هذه الأزمة يفقد الناس التوحيد، والتعلق بالله، وعلوم القرآن والسنة، والقواعد الأساسية، والثوابت الشرعية! وهذا لا يستطيع الصمود، فينهار ويموت، أو يكتئب وينتحر! وهذا يفزع إلى العرافين والكهان.

كيف نواجه الأزمات؟

00:23:08

أين الدين؟ أين الإيمان؟ أين التوحيد؟ بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء[رواه الترمذي برقم (3388)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5745)] من الذي يضر وينفع؟ من الذي يقدر الأمر؟ من الذي يُجري الأقدار؟ من الذي يكور الليل على النهار؟ إنه الواحد القهار ، فإليه فافزعوا، وإليه فالجؤوا، وإليه المآب؛ فبه تحصَّنوا، وبه تعوذوا، وعليه توكلوا، وإليه أنيبوا، وإليه توبوا، وإليه الأكف فارفعوا.

المؤمن يلجأ إلى الله.. هذه العبر -أيها الإخوة- من المهم جداً أن نتلمسها، ونتعلمها، ونعلمها في خضم الأحداث، ولا تدري ماذا يأتي غداً؟ فإذا لم تكن قد أعددت عدة من العلم بالله، وكتابه، وسنة نبيه ﷺ، إذا لم يكن معك زاد من التوحيد، والعلم بالكتاب والسنة تصرع وتهلك.

اللهم إنا نسألك التوحيد، والاستمساك بالعروة الوثقى يا رب العالمين، اللهم ارزقنا التقوى، والفقه في الدين، اللهم إنا نسألك أن تجعلنا في أمن وآمان، وخير وعافية يا رحمن، اللهم إنا نسألك الأمن في البلاد، والإيمان في القلوب يا رب العباد، أحينا مسلمين، وتوفنا مؤمنين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين، آمنا في أوطاننا، وأصلح ذات بيننا، وأرشد أئمتنا وولاة أمرنا، واجعلنا على الحق ثابتين يا أرحم الرحمين، اللهم إنا نعوذ بك من الزلل، والقسوة والغفلة، والعيلة والمسكنة يا غني يا كريم، اغننا من فضلك، اغننا بحلالك عن حرامك، اللهم إنا نسألك أن تبارك لنا فيما آتيتنا، اللهم إنا نسألك أن تجنبنا فقراً منسياً، وغنىً مطغياً يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم أصلحنا وأصلح أولادنا وذرياتنا وأهلينا يا رب العالمين، نسألك الهدى والرشاد، اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

1 - رواه البخاري برقم (5354)، ومسلم برقم (1628) بلفظه
2 - رواه أبو داود برقم (4699)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5244)
3 - رواه الترمذي برقم (2516)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7957)
4 - (النساء: من الآية79)
5 - رواه الترمذي برقم (3388)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5745)