الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

رأس المنافقين


عناصر المادة
الخطبة الأولى
أول مقابلة للنبي ﷺ مع رأس النفاق، وادعائه بالاسلام
عداء ابن سلول ومكائده للإسلام وأهله
صفات المنافق عبدالله ابن سلول، وأصحابه
الخطبة الثانية
موت عبدالله ابن سلول والصلاة عليه

الخطبة الأولى

00:00:06

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي، وأشهد ألا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده، ورسوله.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار

أيها الإخوة:

أول مقابلة للنبي ﷺ مع رأس النفاق، وادعائه بالاسلام

00:00:49

شخصية عجيبة؛ تلك التي سنتناولها في هذه الخطبة إن شاء الله، كان لها أثر كبير في وقتها، وقد جاءت في شأنها آيات من الكتاب العزيز، وأحاديث في سنة النبي ﷺ، وسيرته كانت أول مقابلة لهذه الشخصية مع النبي  ﷺ، في ما رواه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن أسامة بن زيد أن نبي الله ﷺ ركب على حمار على قطيفة فدكية، وأردف أسامة بن زيد وراءه؛ يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج قبل وقعت بدر، حتى مر بمجلس فيه عبد الله بن أبي بن سلول قبل أن يسلم عبد الله بن أبي أي يتظاهر بالإسلام، فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين ومن المشركين عبدة الأوثان، واليهودن والمسلمين، وفي المجلس عبد الله بن رواحة فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة، لما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر عبد الله بن أبي أنفه بردائه، ثم قال: لا تغبروا علينا، فسلم رسول الله ﷺ، ثم وقف فنزل فدعاهم إلى الله، وقرأ عليهم القرآن، فقال عبد الله بن أبي بن سلول: أيها المرء: إنه لا أحسن مما تقول، إن كان حقا فلا تؤذنا به في مجلسنا، إرجع إلى رحلك، إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقا فلا تؤذنا به في مجلسنا، فلا تؤذنا به في مجلسنا، إرجع إلى رحلك، فمن جاءك فاقصص عليه، فقال عبد الله بن رواحة: "بلى يا رسول الله فاغشنا به في مجالسنا فإنا نحب ذلك" فاستب المسلمون، والمشركون، واليهود حتى كادوا يتثاورون، فلم يزل النبي ﷺ يخفضهم، حتى سكنوا، ثم ركب النبي ﷺ دابته حتى دخل على سعد بن عبادة، فقال له النبي ﷺ: يا سعد ألم تسمع ما قال أبو حباب، يريد عبد الله بن أبي، قال كذا وكذا[رواه البخاري4566]. قال سعد بن عبادة: "اعف عنه واصفح عنه فوالذي أنزل عليك الكتاب لقد جاء الله بالحق الذي أنزل عليك، لقد اصطلح أهل هذه البحيرة أي البلدة وهي يثرب التي صارت المدينة وطيبة على أن يتوجوه، فيعصبوه بالعصابة أي يتوجوا عبد الله بن أبي ملكا عليهم، فلما أبى الله ذلك فاتت الفرصة على عبد الله بن أبي وفاته الملك للإسلام الذي جاء، فلما أبى الله ذلك بالحق الذي أعطاك الله شرق بذلك غص به وكرهه فذلك فعل به ما رأيت" فعفى عنه رسول الله ﷺ وكان النبي ﷺ وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى أي في تلك المرحلة التي جاءت بعدها مرحلة أخرى كما قال الله وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًاسورة آل عمران186. إلى آخر الآية وكان النبي ﷺ يتأول العفو ما أمره الله به حتى أذن الله فيهم ونزلت الآيات بجهاد الكفار، والمنافقين، والغلظة عليهم، وتغيرت الحال، فلما غزا رسول الله ﷺ بدرا فقتل الله به صناديد كفار قريش، قال بن أبي بن سلول ومن معه من المشركين وعبدة الأوثان: هذا أمر قد توجه أي ظهر وبان وقوي الإسلام وقام عموده، قد توجه فبايعوا الرسول ﷺ على الإسلام فأسلموا أي في الظاهر.

عداء ابن سلول ومكائده للإسلام وأهله

00:06:07

لقد اضطر بن أبي أن ينتقل من العداوة الجهرية للدين إلى العداوة السرية، والكيد للإسلام وأهله لقد فوت عليه هذا الدين الملك فشرق من أجل ملكه نافق وصار يعادي الإسلام والمسلمين ويدبر المؤامرات ويحبكها هو وأعوانه كيدا للدين والإسلام وأهله وكان مما يخفي به أمره أنه كان يقوم بعد خطبة الجمعة بعد أن كان النبي ﷺ يخطبها يدعو قومه إلى الإسلام متظاهرا أنه ينصر الله ورسوله وهكذا كان يتظاهر بالحرص على مصلحة المسلمين وقضية الجهاد وكان لا يريد المسلمين أن يخرجوا من المدينة في أحد حتى لا ينكشف هو وأصحابه ولكن الله أراد أمرا آخر فاضطر للخروج ثم انسحب وهكذا صار أمرهم في الغزوات هكذا صاروا في بقية الغزوات لا يخرجون ويتخلفون بالأعذار الواهية وإذا خرجوا خرجوا ليرجعوا أو ليثيروا الفتنة في جيش المسلمين إن ذلك الرجل كره الدين وأهله وتجرأ أن يقول النبي ﷺ وقد أخذ أنفه بردائه لا تغبروا علينا وفي رواية أخرى لبخاري أنه قال للنبي ﷺ إليك عني والله: لقد آذاني نتن حمارك فقال رجل من الأنصار والله لحمار رسول الله ﷺ أطيب ريحا منك، فغضب لعبد الله رجل من قومه فشتمه فغضب لكل، واحد منهم أصحابه فكان بينهم  ضرب بالجريد والأيدي والنعال فإذا كانت مؤامرات عبد الله بن أبي تسبب الوقيعة في المسلمين والفتنة بينهم لقد كاد النبي ﷺ وآذاه في أقرب الناس إليه في زوجته عائشة واتهم صفوان بن المعطل وإياها بفعل الفاحشة وأنزل الله براءتها من فوق سبع سماوات، وبراءة صفوان رضي الله عنهما بلغ أذاه في أهل النبي ﷺ بلغ أذاه في أهل بيته، وكان لا يتوانى لانتهاز الفرص للوقيعة بين المسلمين ولذلك فإن غزوة المريسيع غزوة بني المصطلق قد شهدت مواقف دنيئة من هذا الرجل في غاية العجب ومن ذلك ما حصل بين رجلين، مزح أحدهما مع الآخر فحصل بينهما رفع لشعار الجاهلية فلما أنكره النبي ﷺ ماذا قال عبد الله بن أبي لما سمع القصة قال أوقد فعلوها هؤلاء المهاجرون فعلوها فعلها المهاجرون كاثرونا في بلدنا وصاروا يأكلون من خيراتنا ونافسونا ثم يريدون أن يطغوا علينا فأراد أن يحيي العصبية ويعيدها جاهلية فقال: لئن لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّسورة المنافقون8. وقال أيضًا: لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّواسورة المنافقون7امنعوا الأموال عنه وعن أصحابه لا تعطوه زكاة ولا غيرها فيضطر الناس للانفضاض عنه، والأعراب الذين يأتون للمال لا يأتون فلما سمع بذلك عمر قال دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال النبي ﷺ: دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه [رواه البخاري4907، ومسلم2584]. سلك النبي ﷺ ذلك المسلك؛ إيثارا لسلامة الدين والدعوة وحتى لا يتحدث العرب الذين لا يعرفون القصة، وهم البعيدون عن المدينة، وظروفها والأحوال، والملابسات حتى لا يقال أن محمدا قتل بن أبي وهو قد تابعه وأظهر الإسلام فترك النبي ﷺ قتله فانبرا ابنه عبد الله وكان رجلا مسلما صادقا عبد الله بن عبد الله بن أبي والله يخرج الحي من الميت قال لأبيه: "والله لا تنقلب حتى تقر أنك الذليل ورسول الله ﷺ العزيز" ففعل رغما عنه حبسه على باب المدينة الحديث رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح

لقد فعل ابن أبي من المؤامرات أمرا عجيبا، ومن ذلك أنه ومن ذلك أنه خان الله ورسوله وهذا من أشنع الأمور، والله قال لنبيه: وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ أي يخونونها بالمعصية إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا، وخان الخيانات جميعا الصغرى إلى العظمى إلى خيانة دولة المسلمين وإلى التجسس لحساب العدو مع إخوانه المنافقين قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَسورة المائدة41.هل تعرفونها أيها الإخوة: هذه الآية: سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَقال أهل التفسير: وقد ذكر بن كثير رحمه الله هذه الآية في المنافقين وفي شرحها سماعون لأجل قوم آخرين سماعون لقوم آخرين أي سماعون لأجل قوم آخرين فكانوا يأتون مجالس النبي ﷺ وينقلون أحباره إلى قوم، وصفهم الله بقوله لم يأتوك سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَسورة المائدة41. فكان هناك كفار صرحاء لا يستطيعون الإتيان، وكان هؤلاء المنافقون يجلسون عند النبي ﷺ يسمعون الأخبار وينقلونها إلى قوم لم يأتوه سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِسورة المائدة41.. الآيات.

صفات المنافق عبدالله ابن سلول، وأصحابه

00:14:15

ما هي صفات عبد الله بن أبي وأصحابه؟ وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهموإذا خلوا إلى اليهود قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَسورة البقرة14. لقد كان أمرا عجيبا ذلك الذي فعله بن أبي في الطعن، وكشف عورات المسلمين، وإفشاء أسرارهم والتجسس للمشركين على المسلمين ونقل أخبار المسلمين، والتآمر على المسلمين، كانوا طابورا خامسا، وصفا خلفيا يريدون أن يظهر في المسلمين عورة تنقل إلى الكفار، وثغرة يخبر بها الكفار، واتخذوا مسجد الضرار؛ كفرا، وتفريقا، بين المؤمنين، وإرصادا لمن حارب الله ورسوله، وتستروا بالمسجد، وهو في الحقيقة ضرار للإسلام وأهله، هكذا كانوا يتسترون بالإسلام وهو على الكفر الأكبر وهكذا فعلوا عندما نصبوا ذلك الصرح ليجعلوه وكرا لمؤامراتهم حتى لا تنتبه إليهم عيون المسلمين وكانوا يحرضون الكفار على المسلمين أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْسورة الحشر11. وهكذا صنعوا أعداء الله وهكذا جاملوهم، وكانوا في صفهم قال الله تعالى عنهم: بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ۝ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًاسورة النساء138-139. فكانوا يصانعون اليهود في المدينة ليبتغوا عزة وإذا كانت الدائرة على المسلمين قالوا لقد دخلنا في الصف الأقوى أيبتغون عندهم العزة: فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا فماذا قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ۝ فَتَرَى هؤلاء هم المنافقونالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ إنها مسارعة إنها هرولة إنها ركض وسعي يسارعون فيهم: يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ ۝ وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَسورة المائدة51-53.

لقد كان أولئك المنافقون بقيادة عبد اله بن أبي يتخلفون عن الجهاد الحقيقي، ويصانعون أعداء الله، وكان من تخلفهم لا يعدون عدة ولقد كشف الله أستارهم وأسرارهم وقال: وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةًسورة التوبة46. فإذا كانوا يريدون الجهاد حقيقة لأعدوا عدة الجهاد، ولكنهم لم يعدوها كانوا يتخلفون عن النبي ﷺ بالأعذار القبيحة، وكذلك فعل عبد الله بن أبي، وكان المسلمون يكتشفون المنافق من وجهه ونصيحته لمن هي توجهه لمن ونصيحته لمن ولذلك قال بعضهم في رجل اتهمه بالنفاق: إنا لنرى وجهه ونصيحته إلى المنافقين، إنا لنرى وجهه ونصيحته إليهم إلى الأعداء وهكذا كانت سور القرآن تنزل كالتوبة، والمنافقين، والنساء، والنور؛ كاشفة لأستار هؤلاء، فإن الله تعالى لم يكن ليترك نبيه، والمؤمنين دون كشف حالهم، وسميت سورة من القرآن بالفاضحة؛ لأنها كانت تفضحهم، والعجب كيف كان شعور بن أبي، وغيره من المنافقين، والسور تنزل في فضحهم والله يقول: يقولون يقولون يقولون وهو كلامهم بالنص يقولون، وهكذا كان القرآن ينزل بكلامهم بالنص، الذي قالوه سرا اطلع الله عليه فأطلع المؤمنين عليه.

اللهم إنا نسألك البراءة من النفاق، اللهم إنا نسالك البراءة من النفاق، اللهم طهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، إنك حي قيوم سميع مجيب، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم، وأوسعوا لإخوانكم.

الخطبة الثانية

00:20:22

الحمد لله، أشهد ألا إله إلا الله، وسبحان الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأشهد أن محمدا رسول الله، الرحمة المهداة، وحامل لواء الحمد، وصاحب المقام المحمود، الشفيع المشفع يوم الدين، صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبه أجمعين

عباد الله:

موت عبدالله ابن سلول والصلاة عليه

00:20:54

وبعد حياة حافلة بالمؤامرت على الإسلام؛ مات عبد الله بن أبي بن سلول، وذهب منافقا إلى ربه، فماذا كان موقف النبي ﷺ؟ وماذا حصل في نهاية قصة ذلك الرجل؟ روى الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن بن عمر رضي الله عنهما قال لما توفي عبد الله بن أبي جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله ﷺ فسأله أن يعطيه قميصه ليكفن فيه أباه فأعطاه، ثم سأله أن يصلي عليه فقام رسول الله ﷺ ليصلي عليه، فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله ﷺ، فقال: "يارسول الله، تصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه" فقال رسول الله ﷺ: إنما خيرني الله فقال استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة وسأزيده عن السبعين، قال إنه منافق فصلى عليه رسول الله ﷺ فأنزل الله: وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِسورة التوبة84[رواه البخاري4670]. الحديث وراه البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه. قال بن حجر أحمد بن علي العسقلاني صاحب كتاب فتح الباري بشرح صحيح البخاري رحمه الله تعالى في قول البخاري: "جاء ابنه عبد الله بن عبد الله والقصة لما احتضر عبد الله أي بن أبي جاءه ابنه إلى النبي ﷺ فقال إن أبي قد احتضر فأحب أن تشهده، وتصلي عليه، قال: ما اسمك قال: الحباب قال: بل أنت عبد الله.

وكان عبد الله بن عبد الله بن أبي هذا من فضلاء الصحابة وشهد بدرا، وما بعدها، واستشهد يوم اليمامة في خلافة أبي بكر الصديق، ومن مناقبه أنه بلغه بعض مقالات، أبيه فجاء إلى النبي ﷺ يستأذنه في قتله خشي إن قتله أحد المسلمين ألا يتحمل الموقف فقال: أقتله بيدي، وأقتل أبي بيدي، قال النبي ﷺ: بل أحسن صحبته[الإصابة في تمييز الصحابة4802]. أخرجه بن مندة من حديث أبي هريرة بإسناد حسن. وكأنه كان يحمل أمر أبيه على ظاهر الإسلام فلذلك التمس من النبي ﷺ أن يحضر عنده ويصلي عليه ولا سيما وقد ورد ما يدل على أنه فعل ذلك بعهد أبيه ويؤيد ذلك ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر والطبري من طريق سعيد كلاهما عن قتادة قال أرسل عبد الله بن أبي إلى النبي ﷺ فلما دخل عليه أي على المنافق قال النبي ﷺ: أهلكك حب يهود[رواه أحمد21758 بلفظ"قد كنت أنهاك عن حب يهود]، أهلكك حب يهود،  أهلكك حب يهود، فقال يا رسول الله: إنما أرسلت إليك لتستغفر لي ولم أرسل إليك لتوبخني ثم سأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه فأجابه، وهذا مرسل مع ثقة رجاله ويعضده ما أخرجه الطبراني عن بن عباس قال لما مرض عبد الله بن أبي جاءه النبي ﷺوذكر الحديث قال بن حجر: "وكأن عبد الله أراد دفع العار عن ولده وعن عشيرته بعد موته فأظهر الرغبة في صلاة النبي ﷺووقعت إجابته إلى سؤاله بحسب ماظهر من حاله إلى أن كشف الله الغطاء عن ذلك" هذا من أحسن الأجوبة فقام رسول الله ﷺ ليصلي عليه فقام عمر فأخذ بثوب النبي ﷺ، وفي رواية فقام إليه فلما وقف عليه يريد الصلاة وثبت إليه فقلت  يا رسول الله: "أتصلي على بن أبي وقد قال يوم كذا كذا وكذا" أعدد عليه قوله يشير بذلك إلى مثل قوله لا تنفقوا على من عند رسول الله وإلى مثل قوله ليخرجن الأعز منها الأذل وقال عمر يا رسول الله أتصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه وكأن عمر فهم من قوله تعالى: إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْسورة التوبة80.  أن النبي ﷺ حتى ولو زاد على السبعين لن يغفر الله لعبد الله بن أبي ما دام قد مات على النفاق، وهذا مقتضى كلام العرب وكان النبي ﷺ، يريد أن يتألف قوم عبد الله بن أبي وولده المسلم أيضا، وكذلك فإنه كان رحيما بأمته فمشى على فهم كان قد ترائ له وقال النبي ﷺ: لو أعلم أني لو زدت على السبعين لزدت [رواه البخاري1366]. وهكذا أراد أن يزيد فطول القيام تطويلا طويلا كما جاء في بعض الطرق لهذا الحديث وقال أخر عني ياعمر فلما تأخر عنه وحصلت الصلاة نزلت الآيات والله يبين للمؤمنين نزلت الآيات: وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِسورة التوبة84. قال في رواية فذكر لنا أن النبي ﷺ قال: ما يغني عنه قميصي من الله وإني لأرجو ان يسلم بذلك ألف من قومه [رواه الطربي في تفسيره17058]. وأنزل الله تعالى وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِسورة التوبة84.

وفي حديث بن عباس فلم يمكث إلا يسيرا حتى نزلت أي الآية قال فما صلى رسول الله ﷺ على منافق بعده حتى قبضه الله، وهكذا حصل في هذه السيرة لهذا الرجل وانتهت بإعلان واضح وصريح من رب العزة بأنه لا مجاملات على حساب العقيدة وأنه لا يمكن أن يستغفر المومنون لرجل من المشركين مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ كان النبي ﷺ يعمل بالظاهر حتى يعلم الحق والحقيقة بالأدلة التي يراها في الواقع أو بما يوحيه الله إليه وبين الله تعالى لنا صفات المنافقين في سور كثيرة من القرآن وآيات متعددة لنحذر منهم وليس بعجيب ولا غريب أن تكون عدد الآيات في صدر سورة البقرة التي تتكلم عن المنافقين أضعاف عدد الايات التي تتكلم عن المؤمنين وكذلك التي تتكلم عن الكافرين الصرحاء لأن الناس ثلاثة أقسام مسلم وكافر صريح ومنافق يخفي الكفر ويظهر الإسلام، بين الله تعالى لنا صفات المنافقين في سور كثيرة من القرآن وآيات متعددة لنحذر منهم وليس بعجيب ولا غريب أن تكون عدد الآيات في صدر سورة البقرة التي تتكلم عن المنافقين أضعاف عدد الايات التي تتكلم عن المؤمنين وكذلك التي تتكلم عن الكافرين الصرحاء لأن الناس ثلاثة أقسام مسلم وكافر صريح ومنافق يخفي الكفر ويظهر الإسلام، ونظر لخفاء حال هؤلاء فقد اعتنى الله عناية بالغة بذكر صفاتهم ليحذرهم المؤمنون وهكذا كان جهادهم أمرا واجبا بنص قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُسورة التوبة73.

اللهم إنا نسألك أن تحيي الإيمان في قلوبنا، اللهم اجعل قلوبنا معمورة بالإيمان، واليقين اللهم.

1 - رواه البخاري4566
2 - رواه البخاري4907، ومسلم2584
3 - رواه البخاري4670
4 - الإصابة في تمييز الصحابة4802
5 - رواه أحمد21758 بلفظ"قد كنت أنهاك عن حب يهود
6 - رواه البخاري1366
7 - رواه الطربي في تفسيره17058