الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهديه الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمدٍ ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محُدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلاله، وكل ضلالةٍ في النار.
أهمية الأمثال في القرآن
عباد الله: لقد أنزل الله كتابه فيه كل شيءٍ يحتاجهُ الناس، ما فرط فيه من شيء، فيهِ الإيمان والتوحيد، والحلال والحرام، والقصص والأمثال، والعبر والعظات، أنزله نوراً وبركةً، وهدىً للناس، أنزلهُ تبياناً لكل شيء، جاء فيه موعظةٌ من ربِنا وشفاء، ومما أنزلَ الله في كتابه "الأمثال"، ضربها لعلنا نعقل، قصها لعلنا نتعظ، أوردها لعلنا نتذكر، ومن هذه الأمثال العظيمة في القرآن، ولا يعقلها إلا العالمون، وكان بعض السلف إذا لم يعرف معنى مثل في القرآن بكى، فقيل: ما يبكيك، قال: لستُ بعالم، وقد قال الله: وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ سورة العنكبوت43، عن هذهِ الأمثال، فاتني العلم.
مثل من يعمل بطاعة الله، ثم ينحرف
يقول ربنا سبحانه: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ سورة البقرة266، إذاً المسألة تحتاج إلى تفكير، فلنتفكر يا عباد الله، ولن تتبين الآيات إلا بالتفكر، أيودُ أحدكم : أيحب أي واحد منا، الكلام موجه للجميع، لي ولك وله، أيودُ أحدكم بهذا الاستفهام الذي فيه تلطف أيود أحدكم أن تكون له جنة، بستان عظيم ملتف الأشجار، ما هي أنواع الشجر التي فيه؟
من نخيلٍ وأعنابٍ، وهذه من أجود الثمار، وأرقاها، وأعلاها، وأغلاها، وأنفعها، هذه التي يكون منها القوت، والغذاء، والدواء، وتؤكل رطبة ويابسة، وتُدخر، وتجتنى من الثمر، وهي أنواع منوعة، وألوان وأشكال، وهي فاكهة وغذاء في وقتٍ واحد، يُتفكه بالرطب، ويُتغذى بالتمر، يتفكه بالعنب ويتغذى بالزبيب، هذه الأشجار من الأنواع التي تنفع باستمرار في ثمرها، في خوصها، في ليفها، في جريدها، في سعفها، ويُصنع من ثمرها أنواع من الأطعمة، أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار فلا يحتاجُ إلى مؤنة في سقيها، ولا إلى كُلفةٍ في استخراج مائِها، ولا إلى جهدٍ في إجرائهِ بين أشجارها؛ لأن الأنهار تجري من خلالها، تجري من تحتها الأنهار، لم يتعب في استخراج الماء، لم يتعب في السقي، جنة نفيسة، ليس فقط في وجود أرقى الثمار، النخيل والأعناب، ولا فقط في جريان الماء خلال أشجارها، ولكن أيضاً لهُ فيها من كل الثمرات، الثمرات الأخرى، أنواع منوعة غير النخيل والأعناب، ولهُ فيها من كل الثمرات، كل الثمرات، كل الأشجار، كل الأنواع على ما يشتهي يأكلُ يبيع البستان يغطيه ويغطي نفقاته ونفقات أهله، ويفيض ويزيد، البستان هذا مصدرُ رزقه، ومصدرُ عيشه، ومصدر ادخاره فيما يأكل، وفيما يبيع، يكفيه ويغطيه وزيادة، وعلى ما يحب ويشتهي من كل الثمرات هذه الجنة، وهذا البستان نفيس للغاية في التنوع، في السهولة، حتى المنظر الجذاب الأخّاذ الجميل للنخيل والأعناب والثمرات الأخرى، هذا وضع البستان.
فما وضعُ الرجل؟ وما هي حالته الاجتماعية؟
قال الله تعالى: وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ تقدمت بهِ السن، لان ما اشتد، واشتد ما لان، تقدمت به السنُ، ووهنَ العظمُ، واشتعلَ الرأسُ شيباً، أصابه الكبرُ في ضعفه ووهنه، فلم يعد قادراً على الكسب كما كان في شبابه، والإنسان في آخر العمر يحتاج إلى مصدر سهل للرزق، يحتاج إلى شيء يُدر عليه من غير تعب وجهد لأنه قد أصابه الكبر، فكيف يكونُ البستانُ بالنسبةِ إليهِ في الحاجة، وسد الحاجات، لقد تعلقَ قلبه بهذا البستان من جهتين: من جهةِ نفاسةِ البستان، ومن جهةِ تقدمِ سنه، ويشيب الإنسانُ وتشبُ معهُ خصلتان: حبُ المال، وحبُ طول العمر.
أخبر النبي ﷺ أنه: كلما تقدمت السن بالإنسان يشيب يضعف إلا خصلتان لا تشيبان ولا تضعفان: الحرص على المال، والرغبة في طول العمر، إذاً اشتد حرصه على المال، لكبر سنه وحاجته، وكذلك نفاسة هذا البستان وجودته، ليس هذا فقط، بل وله ذريةٌ ضعفاءُ، أصابه الكبر وله ذريةٌ ضعفاءُ، صغار، عجزة، زمنى، مطلقات، نساء لا يقوين على العمل، له ذرية ضعفاء لو مات صاروا أيتاماً مثلاً، ذرية ضعفاء غير قادرين على الكسب، فهو يريدُ البستان له ولهم، وهذا مصدر العيش لهم من بعده، ومما يطمئنه نفسياً على ذريته، كل واحد فينا لو كان عنده ذرية وأولاد وتقدمت به السن، يخشى عليهم من بعده، ويتمنى أن يترك لهم مصدراً داراً كعقارٍ ومزرعةٍ ونحوها، ليأكلوا ويعيشوا منها، أصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فازداد الأمر في الحرص قوة وفي التعلق شدة بهذا البستان، صار الأمل فيه كل الأمل، وبينما هو كذلك في هذه الحاجة وهذا التعلق وهذا الانجذاب وشدة الحرص، حصلت مفاجأة بل مصيبةٌ وكارثة ٌ كبرى، بل فجيعةٌ عظيمة وداهيةٌ دهياء ما هي؟
فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ، الإعصار: عمود الريح والزوبعة الشديدة، الإعصار أشد من الريح، كما قال في المثلِ: "إن كنتَ ريحاً فقد لاقيتَ إعصاراً "، عمود بين السماء والأرض بشدةٍ، وينتقلُ مدمراً مخرباً، إعصار لا يأتي على شيءٍ إلا جعلهُ دماراً، وليس هذا فقط، بل فيه نار، إعصار دمار نار على هذا البستان، إعصارٌ فيه نار فاحترقت، قلعت، واخربت، وما بقيَ لا يصلحُ أن يُتخذَ شيئاً؛ لأن النار قد أحرقته حتى الحطام لم يعد مفيداً، إعصارٌ فيه نارٌ فاحترقت فكيف تكونُ الخيبة، وكيفَ يكون انهيار الآمال وكيف يكونُ وقعُ المصيبة، كيف تكونُ حالته النفسية، هنا قال الله: كَذَلِكَ الآن يضرب الله الآيات للناس، يضرب الأمثال يقول: لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ، ليست القضية فقط أن يذكرَ لنا مأساةً تنتهي بهذه النهاية المفجعة، دون أن يكونَ هناك وراء هذا شيءٌ، فما هو الشيءُ يا عباد الله؟ ما هو؟
هذا مثل ضربه الله لشيء ليست فقط قصة مؤلمة وخيبة أمل مدوية، لكن وراء القصة هذه معنى عظيم، لابد أن يكونَ هناك مرادٌ كبير من وراء إيراد هذه القصة وهذا المثل، فما هو؟
هذا مجال تفكر الذي يريده الله منك يا عبد الله، هذا مجال التدبر الذي يريده الله منك يا عبد الله فكر وتدبر، هذا المثل ضربه لأي شيء؟
عمر كان جالساً مع أصحابه، وفيه ابن عباس ذلك الشاب الصغير، فسأل عمر عن الآية، قالوا: الله أعلم، قال: قولوا نعلم أو لا نعلم، قال ابن عباس: في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين، قال: تكلم يا ابن أخي، قال : هو مثل ضربه الله لشيء، ضربه الله لعمل، قال: ما هو، قال: لعمل، فأخبره عمر أن هذا مثل ضربه الله لرجلٍ كان يعمل بطاعة الله مدة من الزمن، ثم انتكس، وانحرف، وانجرف، وعملَ بمعصية الله، سيئات أذهبت الحسنات، وأحبطت ما سبق، وانهار كل شيء، قال المفسرون: هذا مثل ضربه الله لهذا المنتكس الذي كان يعمل بالحسنات ثم انتكس فصار يعمل بالسيئات فأحبطت الحسنات، ذهبت الحسنات، الحسنات كانت مونقة موردة يانعة أنواع وأشكال من الحسنات، مزهرة جميلة ذاتُ طعم، لكن إعصار الانتكاس والنكوص على العقبين والردة وعمل السيئات بعد الحسنات والتغيير والتبديل والرجوع أذهبها أحبطها أتلفها، وهذا مثال أيضاً للمرائي، يعمل حسنات فيما يظهر للناس، أو يبدأُ مخلصاً، ثم يدخل في الرياء، فيُغِير على حسناته بإعصار الرياء، فيمحوها، أو إنسان صاحب صدقات لكن يمُن في الصدقة ويؤذي، فيهب إعصار المن والأذى على حسنات صدقاته، فيتلفها ويُذهبها، فإذا جاء يوم القيامة، وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا سورة الفرقان23.
أيود أحدكم أن تكون له حسنات ثم ينتكس فيعمل بالسيئات، فيُذهب ما سبق، أيود أحدكم أن تكون له صدقات فلا يزال يُغير على حسنات صدقاته بالرياء والمن والأذى، حتى لا يبقي منها شيئاً، فإذا جاء يوم القيامة أحوج ما يكون إليها وقد قربت الجنةُ والنار، وجُمع المؤمنون والكفار والبررة والفجار، ووضع الكتاب وجيء بالنبيين، وحاصرت الملائكة بأطواقها الثقلين من الجن والأنس، وضع الكتاب والميزان، وجاء وهو يرى ما أمامه من نار تلظى، يسمعون لها زفيرًا وشهيقًا، الآن أشد الحاجة أشد الحاجة إلى الحسنات، حسنات تنجيه، ومن النار تقيه وفي الجنةِ تدخلهُ، لكن لا شيء هباءً منثوراً، فيقول لنا: " أيها العباد أُثبتوا على الطاعة، يا أيها المسلمون استمروا على الدين لا تغيروا، لا تبدلوا، لا تنتكسوا، لا تنكسوا على العقبين، لا ترتدوا، اعملوا أعمالًا خالصة له حتى تلقوها عنده، وهو كريم يضاعف لمن أخلص له.
اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم اجعلنا ثابتين على الحق حتى نلقاك يا رب العالمين، نسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد، اللهم إنا نسألك أن تجعلنا بدينك مستمسكين، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله أشهد أن لا إله إلا الله، وسبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، والله أكبر، وأشهد أن محمداً عبد الله، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله، الرحمة المهداة البشير والنذير والسراج المنير، صاحب الحوض المورود، والمقام والشافع المشفع في اليوم المشهود اللهم صلِ وسلم وبارك عليه وعلى ذريته الطيبين وآله وأصحابه الميامين وأزواجه وخلفاءه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وارض اللهم عنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
مثال الحور بعد الكور
عباد الله: هذه قضية الثبات على الدين، وعدم التغيير والتبديل، هذه قضية التمسك بالدين وعدم الضلالة بعد الهداية، هذه قضية الاستعاذة من الحور بعد الكور، الذي كان عليه ﷺ يقوله في دعائه: "والحور النقص والكور الزيادة"، هذه قضية خطيرة جداً، كم من الناس اليوم يضلون، يسافر الخارج ينحرف، يدخل في سن المراهقة ينتكس، يكون مستقيماً فيتعرف على امرأة فتزله في النار، يقرأ رواية من الروايات، يشاهد فلماً من الأفلام، يدخل على موقع من المواقع، ما بالنا اليوم نجد في بعض المسلمين إلحاداً وانتكاساً، لماذا؟
فتزل قدماٌ بعد ثبوتها، وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَاحفظ القرآن، فهم الآيات، آتيناه: أعطيناه، وهبناه، يسر لنا له، آتيناه آياتنا، ما ينقصه علم، لكن ما الذي حصل بعد الإيتاء وبعد النعمة العظيمة، آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا، أرأيتم انسلاخ الحية من جلدها، أرأيتم ذلك الخروج الكلي، آتيناه آياتنا فانسلخ منها، ما ترك آية أو آيتين أو سور، أو بعض الأحكام، انسلاخ، والآن بعض المسلمين يتنصر، أو يكفر انسلاخ، فانسلخ: تعبير قرآني مدهش، فانسلخ منها، ترك كلي، فإذا انسلخ منها هل سيتركه الشيطان بمفرده؟ لا، أول ما يقرر لما غووا أغويناهم، وإلا الله ما يغوي بدون إرادة الشر من العبد، الله لا يكافئ من آتاه آياته، يؤتي رجل آياته ثم يضله، لا هو، وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى سورة فصلت17، فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ سورة الصف5، ولذلك انسلخ منها فاتبعه الشيطان، وتأمل في كلمة: "اتبعه" ما يترك الشيطان أبداً مثل هذه الفرائس، اتبعه، اتبعه، حذو القذة بالقذه، واتبعه في اللغة: "يعني لحقه فأدركه وليس مجرد سار وراءه، وفرعون وجنوده، قال الله: فَأَتْبَعُوهُم سورة الشعراء60 يعني: لحقوهم وأدركوهم، فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ، في فرق بين عصى ربه وغوى، وبين الغاويين، هذا غاوي لنفسه ليس غوى مرة، أو غوى جزئياً، لا فكان من الغاوين، اسم فاعل: الغاويين، غوى غاوي غواية، أثيمة، أليمة، مصيبة، وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا، يعني: بالآيات، فالقرآن يرفع، والانتكاس هذا والضلال يهبط بالإنسان، ولو شئنا لرفعناه بها في الدنيا وفي الآخرة، القرآن يرفع في الدنيا وفي الآخرة، وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُهو الذي أراد ذلك، الله يريد العلو، هذا يريد السفول، الله يريد الارتفاع، هذا يريد النزول، ولو شئنا لرفعناه بها، ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه، فمثلهُ هنا، هنا لابد أن تنفتح الأسماع والأبصار والبصائر والعقول والقلوب؛ لأن فيه ضرب مثل، لأن الله يضرب مثلاً، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِأخس الحيوانات، وأحطها، وأنذلها، وأشدها حرصاً وهلعاً، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث سورة الأعراف175 الكلب من صفاته: أنه يلهث إذا جاع، ويلهث إذا شبع، ويلهث إذا عطش، ويلهث إذا ارتوى، ويلهث إذا مرض، ويلهث إذا صحّ، في جميع الحالات يلهث، إن تحمل عليه يلهث، وإن تتركه يلهث، لزوم الحالة السيئة لهذا الإنسان، خلاص مثلهُ كمثلِ الكلب، في الخِسة في أحط الأحوال سيئ، إنسان سيئ في كل الحالات لا يرجى منه خير أبداً، لا في صحة، ولا في مرض، ولا في غنى، ولا في فقر، ولا في مجيء، ولا في إتيان، لا إذا أتيته ولا إذا تركته ما في فائدة، إن تحمل عليه يلهث، وإن تتركه يلهث، هذا مثل آخر يصب باتجاه المثل الأول، الانتكاس والرجوع إلى الضلالة بعد الهداية، وإلى الزلل بعد الثبات، إلى البدعة بعد السنة، وإلى الكفر بعد الإسلام، وإلى الشرك بعد التوحيد، وهكذا ما عاد العلم له أثر، ولا الآيات لها أثر، كان واحد من المسلمين في غزوة من الغزوات أتوا على حصن للروم فحاصروه، فاستعصى عليهم، وطال الحصارُ أياماً، فبرزت فتاةٌ من الروم النصارى متزينة لشاب من هؤلاء، فأغوته، فأؤخذ بجمالها وجعلت تشير إليه ومن بعيد، فراسلها كيف الطريق إليكِ، قالت: أن تتنصر فأواعدك مكاناً فأدخلُك، فأشار لها بالإيجاب، ففتحت له فدخل فلم يفجأ المسلمين، إلا صاحبهم معها من فوق، فنادوه حاولوا ذكروه وعظوه لا فائدة، هو الضلال يحدث والزيغ إذا أراد الله في لحظات ينتكس الإنسان فلما يئسوا ذهبوا، فمروا عليه بعد سنة على الحصن، فوجدوه فأشاروا إليه، وكان هذا حافظاً، كان يحفظ القرآن، قالوا له: يا فلان، ما فعلت صلاتك، ما فعل صيامك، ما فعل قرآنك، فقال لهم: نسيته كله إلا آيةً واحدة: رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَسورة الحجر2.
اللهم إنا نسألك الثبات حتى الممات يا رب العالمين، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمةً، إنك أنت الوهاب، اللهم إنا نعوذُ بك من الحور بعد الكور، ونعوذ بك من الضلالة بعد الهداية، يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، يا رب العالمين ارحمنا واغفر لنا، اللهم اقض ديوننا، وارحم موتانا، واشف مرضانا، واستر عيوبنا، واغفر ذنوبنا، واجمع على الحق كلمتنا، اللهم هب لنا من لدنك رحمة، هب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب، اللهم أصلح نياتنا وذرياتنا، وهب لنا من ذرياتنا قرة أعين، واجعلنا للمتقين إماماً، اغفر لنا ولوالدينا يا أرحم الراحمين، اللهم إنا نسألك لإخواننا المستضعفين في الشام وبورما، وسائر الأرض، الرحمة رحمتك يا أرحم الراحمين، ليس لها من دونك كاشفة، اللهم إنه قد أصاب إخواننا من الضراء ما لم يعلمه إلا أنت، اللهم نزل بهم من البأساء ما لم يعلمه إلا أنت، ولا يحيط به إلا أنت، اللهم اكشف البلوى، اللهم اكشف الضر، اللهم ارفع البأس، يا رب العالمين، اطعم جائعهم، وآوي شريدهم، واحمل حافيهم، اللهم أمن خائفهم، وارحم ميتهم، واشف مريضهم، وأبرئ جريحهم، واجمع على الحق كلمتهم، وانصرهم يا رب العالمين، أنزل عليهم نصرك، اللهم عليك بالمجرمين، اللهم دمرهم تدميراً، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنا نسألك أن تأخذهم أخذاً أليماً شديداً يا جبار، اللهم آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءوَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نِعمهِ يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.