الأحد 14 جمادى الآخرة 1446 هـ :: 15 ديسمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

حقيقة التسامح في دين الإسلام


عناصر المادة
الخطبة الأولى
مفهوم التسامح في دين الاسلام
التسامح مع غير المسلمين
مفهوم لا إكراه في الدين
أمثلة من تعامل النبي ﷺ، والسلف مع غير المسلمين
حلات لايجوز فيها التسامح مع الكفار
الخطبة الثانية
أحكام الجهاد

الخطبة الأولى

00:00:04

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

مفهوم التسامح في دين الاسلام

00:00:31

فإن التسامح في دين الإسلام بين المسلمين أمر معروف وواضح، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا، والتسامح في هذا الدين نصوصه كثيرة ومشهورة، والذين إذا ما غضبوا هم يغفرون، فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِسورة الشورى40. وتنازل المسلم لأخيه المسلم عن حقه مما يؤجر عليه عند الله ويزداد به في الدنيا والآخرة، وأما تسامح المسلمين مع غير المسلمين فإنها قضية لا بد من تسليط الضوء عليها حتى لا تختلط الأمور، ولا يحدث الانسياق وراء عدد من المروجين لأفكار أعداء الإسلام، أو المنهزمين من المسلمين، فما هو حدود التسامح تجاه أعداء الإسلام أو غير المسلمين في هذه الشريعة، ما هي حدود التسامح بين المسلم والكافر، ما معنى سماحة الإسلام، ما معنى أنه دين التسامح، ما هو المقصود بهذه العبارة وما هو  حكم الشريعة فيها.

التسامح مع غير المسلمين

00:02:18

عباد الله: لقد كانت سماحة الإسلام من أعظم أسباب سرعة انتشاره، وكانت تلك السرعة الهائلة التي طوى فيها الإسلام أكثر المعمور من الأرض تحت ظله الظليل؛ كان راجعاً إلى عدل هذه الشريعة وحكمتها، عندما رأى العباد ما لا عهد لهم به من قبل، كانوا يرزحون تحت الظلم والبغي وعبادة العباد، فجاءت هذه الشريعة لتنقذهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ورأى أصحاب البلاد المفتوحة عدل المسلمين وتعاملهم فكان في ذلك أكبر الأثر في انتشار الإسلام في البلدان، على خلاف ما ردد أعداء الدين من تصوير الفتوحات الإسلامية غزواً مادياً لنهب ثروات الأمم واغتصاب خيراتها، وحرمانها من نعم الله عليها، وتصوير هذه الفتوحات بأنها إكراه للناس بقوة السلاح على الدخول في الدين، هذه الفتوحات كانت رحمة للبلاد المفتوحة، وكان التعامل شاهداً على عظمة الدين في نفوس الفاتحين، ممن التزم به وتقيد بشرعه، وفي يوم الفتح عندما تمكن النبي ﷺ من أهل مكة الذين أخرجوه منها وكانوا قد منعوه من إبلاغ دين الله بينهم، وحالوا دون إيصال الدعوة إلى غيرهم فكفروا هم وصدوا غيرهم عن سبيل الله، ماذا فعل بهم نبي الله ﷺ لما قدر عليهم؟ هل أخذ بيوتهم؟ هل سفك دمائهم بغير قتال، هل ذبح نسائهم وأطفالهم، أم أنه أطلقهم لا تثريب عليكم اليوم، أنتم الطلقاء، وهكذا كانت فتوحات المسلمين في البلاد الأخرى، فنقرأ مصالحات أبي عبيدة بن الجراح لأهل الشام على الإبقاء على معابدهم من البيع والكنائس داخل المدن وخارجها مصونة لا يُهدم منها شيء وصالحهم على حقن دمائهم وحفظ حياتهم، ولكن لا يبنوا كنيسة جديدة، ولا يضيفوا إلى الموجود شيئاً آخر، ولا يظهروا صلبانهم ولا نواقيسهم لأن إظهار الكفر في بلاد الإسلام لا يجوز، وصالحهم على الدفاع عنهم وحمايتهم من أي اعتداء آخر مقابل مبلغ من المال مقدور عليه، يدفعه كل واحد منهم ولذلك سموا بأهل الذمة، وهؤلاء المعاهدين وأهل الذمة وفيت لهم الشروط، وشاهدوا حسن السيرة فيهم، وبهذه المعاملة رغبوا في دين الإسلام، وأقبلوا عليه وارتفعت الجزية عمَّن أسلم منهم وصاروا أخوة لنا في الدين، وهكذا تحولت بلاد مصر والشام والعراق إلى بلاد إسلامية دخلت شعوبها في الإسلام لما رأوا من عدله وحسنه، هذه الأخلاق التي عبر عنها أعداء الإسلام أيضاً.

ولما كتب يزدجرد ملك الفرس إلى ملك الصين يستمده قال للرسول قد عرفت أن حقاً على الملوك إنجاد الملوك على من غلبهم فصف لي صفة هؤلاء القوم الذين أخرجوكم من بلادكم فإني أراك تذكر قلة منهم وكثرة منكم، ولا يبلغ أمثال هؤلاء القليل الذين تصف منكم فيما أسمع من كثرتكم إلا بخير عندهم وشر فيكم، قال سل عما أحببت، قال أيوفون بالعهد، قال نعم، قال ما يقولون لكم قبل أن يقاتلوكم، قال يدعوننا إلى واحدة من ثلاث إما دينهم، فإن أجبناهم أجرونا مجراهم، أو الجزية والمنعة، أي الجزية مع الحماية، أو القتال، قال فما يحلون وما يحرمون، قال فأخبرته قال أيحرمون ما حلل لهم أو يحلون ما حرم عليهم، قلت لا، قال فإن هؤلاء القوم لا يهلكون أبداً حتى يحلوا حرامهم ويحرموا حلالهم، فكتب ملك الصين إلى ملك الفرس إن هؤلاء القوم الذين وصف لي رسولك لو يحاولون الجبال لهدوها، ولو خُلي لهم طريقهم أزالوني ما داموا على ما وصف، فسالمهم وأرض منهم بالمساكنة ولا تهيجهم ما لم يهيجوك.

مفهوم لا إكراه في الدين

00:09:00

الإسلام لا يجبر الشخص على الدخول فيه قال الله تعالى: لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِسورة البقرة256.  قال ابن كثير رحمه الله: "أي لا تكرهوا أحداً على الدخول في دين الإسلام فإنه بيّن واضح جلي في دلائله وبراهينه، لا يحتاج إلى أن يُكره أحد على الدخول فيه، بل من هداه الله للإسلام وشرح صدره ونور بصيرته دخل فيه على بينة، فأكثر الكفار دخلوا في دين الإسلام بالاقتناع، وليس بالقوة، وكانت الحرب عندما يرفض الكفار تسليم بلدانهم للمسلمين، كان المسلمون يريدون البلدان لإقامة شرع الله فيها، وتحكيم الإسلام فيها، ودعوة الناس بالحسنى، فإذا قام ملك دون ملكه وسلطان دون سلطانه وكفار يمنعون المسلمين من الدخول لتحيكم الإسلام كان القتال يقوم، من أجل أن يُقام الدين، وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّهسورة الأنفال39.  وهكذا كانت راية الإسلام تعلو في البلدان المختلفة، إن دعوة الإسلام إلى المسامحة شيء معروف لكنه ليس ذلاً ولا تنازلاً عن شيء من الدين، والكفار لا يُعاملون في الشريعة معاملة واحدة، لأنها قائمة على العدل، فهم أنواع، فمنهم كفار محاربون وكفار مسالمون، فالكفار المحاربون لا يجوز أن يُفعل لهم معروف، ولا نوع من البر، ولا الصلة، ما داموا قائمين بالحرب، إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ

إن دعوة الإسلام إلى المسامحة شيء معروف لكنه ليس ذلاً ولا تنازلاً عن شيء من الدين، والكفار لا يُعاملون في الشريعة معاملة واحدة، لأنها قائمة على العدل، فهم أنواع، فمنهم كفار محاربون وكفار مسالمون، فالكفار المحاربون لا يجوز أن يُفعل لهم معروف، ولا نوع من البر، ولا الصلة، ما داموا قائمين بالحرب، إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَسورة الممتحنة9.

إذاً: هؤلاء لا يمكن عمل المعروف معهم، ما داموا قد حملوا السلاح على المسلمين، يريدون أن يطفئوا نور الله، وكفار آخرون مسالمون، يقولون للمسلمين هذه بلادنا ادخلوها وأقيموا فيها دينكم ونحن لا نريد حرباً ولا قتالاً ولا أن نرفع عليكم سلاحاً، هؤلاء الذين يرغبون في التعامل مع المسلمين على أساس السلم والاحترام المتبادل وأن تكون الهيمنة للإسلام والحكم للإسلام، والشريعة المطبقة في البلد الإسلام لا يجوز الاعتداء عليهم بأي نوع من الاعتداء البتة.

أمثلة من تعامل النبي ﷺ، والسلف مع غير المسلمين

00:12:31

عباد الله: كان النبي ﷺ يقوم بدعوة أهل الكتاب ويزور مرضاهم طاعة لله، ولا ينهى البنت المسلمة أن تبر أمها المشركة ما دامت جاءت راغبة في الصلة غير رافعة للسلاح على المسلمين، والكافر إذا كان معاهداً أو ذمياً فلا يجوز خرق عهد الأمان معه ولا الاعتداء عليه، وقال النبي ﷺ: ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة[رواه أبو داود3052]. رواه أبو داود وحسنه الألباني.

النبي ﷺ قال: من قتل معاهداً له ذمة الله، وذمة رسوله؛ حرّم الله عليه ريح الجنة، وإن ريحها لتوجد من مسيرة سبعين خريفا.

عباد الله: لقد جاء النهي عن قتل النساء، والصبيان في الحروب فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "وجدت امرأة مقتول في بعض مغازي رسول الله ﷺ فنهى رسول الله ﷺ عن قتل النساء والصبيان"، رواه البخاري ومسلم. فإذا لم يحملوا السلاح أي النساء، والصبيان ولم يعينوا على المسلمين لم يجز مسهم بسوء ولم يجز قتلهم ولا إعمال السلاح فيهم، وقام أئمة الإسلام بالدفاع عن أهل الذمة في البلدان التي كانت تحكم بالشريعة عندما يتعرضون للظلم، فقام الأوزاعي رحمه الله يشكو والي جبل لبنان من أقرباء الخليفة إلى الخليفة لأنه أجلى جماعة من أهل الذمة لخروج نفر منهم على عامل الخراج، فقال: "لا تزر وازرة وزر أخرى"، فلا يؤخذ البرئ بجريرة المذنب، ولما عمد الوليد بن يزيد إلى إجلاء الذميين من قبرص إلى الشام تحسباً لحملة رومية اعترض الفقهاء على مسلكه، وشيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله رحمه أن يطلق التتر أسرى المسلمين دون أهل الذمة، فأصر شيخ الإسلام على التتر أن يطلقوا أهل الذمة مع المسلمين؛ لأن التتر أخذوا من الجميع أسرى، صلاح الدين الأيوبي رحمه الله لما جاءته المرأة من الكفار النصارى وهم أعداؤه تطلب منه طلباً خاصاً أن يرد إليها ولدها الصغير، أمر بالبحث عنه فوجده قد بيع مع السبي وهذا حق للمسلمين إذا حاربوا الكفار وحاربهم الكفار أن يؤخذ نساء الكفار وأولادهم سبياً يتربون عند المسلمين فيتأثروا بالإسلام فينشئوا عليه، وكان في ذلك فائدة كبيرة بدلاً من أن ينشئوا عند آبائهم الكفار، فلما وجد صلاح الدين الولد قد بيع اشتراه بماله الخاص، ووهبه لتلك المرأة، ولما أراد بعض خلفاء المسلمين أن يبادل الأسرى مع الكفار وقف المسلمون على طرف النهر والكفار على الطرف الآخر وبينهما جسر وصار يعبر واحد من أسرى المسلمين من طرف الكفار وواحد من أسرى الكفار من طرف المسلمين مبادلة الأسرى واحد بواحد، وهكذا حصلت المبادلة فانتهى المسلمون الأسرى وبقي أسرى من الكفار في يد الخليفة فرأى إظهاراً لمنة الإسلام على الكفار وكسباً للموقف أن يطلق البقية الباقية بدون مقابل، ولذلك كان حكم الشريعة في الأسرى الكفار المأخوذين إما أن يقتلوا وإما أن يسترقوا وإما أن يفادوا بالمال وإما أن يُمن عليهم بلا مقابل، ليس بحسب الهوى، لكن بحسب ما تقتضيه المصلحة الشرعية، فإن كانوا من أهل الخبرة في القتال ولو رجعوا للكفار كانوا وبالاً على أهل الإسلام يقتلون ولا يتركون، ولو كان في أخذهم سبياً مصلحة لهم وللمسلمين يؤخذون سبياً، ولو كان من المصلحة تحصيل مال مقابل لهم من أجل حاجة للمسلمين كان الفداء بالمال، وإن كان عند الكفار أسرى في المقابل من المسلمين تكون المبادلة الأسرى بالأسرى، وإن كانت المنة هي المصلحة الشرعية كسباً للموقف وتأثيراً دعوياً في الكفار يطلق الأسرى بلا مقابل، بحسب ما تقتضيه الشريعة.

حلات لايجوز فيها التسامح مع الكفار

00:18:23

لكن أيها الأخوة: التسامح إلى أي حد؟ لا شك أن التسامح مع أعداء الإسلام له حدود معينة، وهذه القضية التي يريد عدد من المنافقين والكفار أن يضيعوها، ويريدوا أن يقولوا أنه تسامح على طول الخط مهما فعل الكفار ومهما قاموا به تسامح على طول الخط، من الذي قال ذلك، وفي أي كتاب من كتب الشريعة هذا؟ أين الآية أو الحديث الدال عليه؟ بل إن الآيات والأحاديث تدل على خلاف ذلك، أنه يوجد حالات لا تسامح فيها مع الكفار، إطلاقاً والتسامح حرام وخزي وذل لا يجوز للمسلمين أن يفعلوه، فلما نقض بنو قينقاع العهد مع رسول الله ﷺ، وغدر الصائغ ويهود بني قيقناع بالمسلمين واستصرخ المسلم أهل الإسلام قاموا إليهم، ونابذوهم وهكذا كانت الحرب على بني قينقاع لغدرهم، ولما قام بنو النضير بمحاولة أخرى غادرة أيضاً وطلبوا من النبي ﷺ أن يخرج إليهم مع بعض أصحابه من أجل أن يتحاوروا حوار الأديان واشتمل اليهود على الخناجر يريدون الانفراد بالنبي ﷺ يتقدم ثلاثة ويتقدم النبي ﷺلمحاورتهم فيجهزوا عليه، اشتمل اليهود على الخناجر، فجاء الوحي إلى النبي ﷺ بالمؤامرة فرجع وتجهز وغزا بني النضير، وحرق نخيلهم إخزاءً لهم وفتاً في عضدهم، وحاصرهم حتى نزلوا على الجلاء، فخرجوا من ديارهم يجرون أذيال الخيبة والهزيمة وغادروا تلك الحصون والقلاع وسُلمت بالكامل للمسلمين، وبنو قريظة وما أدراك ما بنو قريظة عندما جاءت الأحزاب فحاصروا المدينة وابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً، وكان النبي ﷺ قد عاهد يهود بني قريظة من قبل حتى تستتب له الأمور فلما قام اليهود بالغدر والممالئة وممالئة كفار قريش على نبي الله ﷺ ونقضوا العهد وخالفوا الشروط بينهم وبين النبي ﷺ جاء جبريل بالأمر بالقتال وأخذ يهود بني قريظة بعد الحصار وهكذا من أنبت منهم الشعر الدال على بلوغه قُتل فقتل رجالهم أجمعين، وهكذا حكم فيهم سعد بن معاذ بحكم الملك من فوق سبع سماوات، بحكم الملك من فوق سبع سماوات، إذاً هذه حالات لا تسامح فيها أبداً، إذا غدروا لا مسامحة البتة.

مثال آخر: قدم أناس من عكل أو عرينة فاجتووا المدينة وسكنوا فيها، هؤلاء الأعراب وأظهروا الإسلام، فأمرهم النبي ﷺ أمر لهم بلقاح أعطاهم مجموعة من الإبل من بيت المال صدقة يتصدق عليهم من ألبانها ليشربوا منها، وأعطاهم راعياً مع الإبل يخدمهم، هؤلاء لما صحوا ورجعت إليهم العافية قتلوا راعي النبي ﷺ وفقأوا عينه، وارتدوا عن الإسلام وأخذوا الإبل سرقوها وهربوا بها، فجاء الخبر إلى رسول الله ﷺ في أول النهار، فبعث في آثارهم فلما ارتفع النهار جيء بهم، قوة المسلمون ما تعالى النهار إلا وجميع الكفار مرصوصين عند النبي ﷺ، موثقين، جيء بهم قدرة على الإتيان بالمجرمين فوراً، ما تعالى النهار إلا وهم مقيدون عند رسول الله ﷺ، هل هناك تسامح؟ هل هناك تسامح في هذه الحالة؟ إطلاقاً، ماذا فعل هؤلاء سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله، فأمر بهم رسول الله ﷺ فقطع أيديهم وأرجلهم وسمرت أعينهم كحلوا بمسامير الحديد المحماة وفقئت أعينهم كما فعلوا بالراعي، قصاصاً ثم ألقوا في الحرة على الصخور الحامية يستسقون الماء فلا يسقون وينزفون حتى الموت، جزاءً وفاقاً بما فعلوا [رواه البخاري233، ومسلم1671].  والحديث في البخاري ومسلم.

ابن خطل الذي كان يهجو رسول الله ﷺ هل يوجد تسامح مع الذي يسب النبي ﷺ، دخل عام الفتح ﷺ وعلى رأسه المغفر فلما نزعه جاء رجل فقال إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، هذا الكافر الآن يلوذ بالكعبة، فقال النبي ﷺ اقتلوه، رواه البخاري ومسلم. قتلوه يؤخذ من الكعبة ويقتل لا مسامحة، لماذا؟ كان مسلماً فأرسله النبي ﷺ مع أحد الأنصار وأعطاهم خادماً وفي الطريق قام ابن خطل فغضب عليه وقتله وارتد عن الإسلام واتخذ جاريتين تغنيان بهجاء النبي ﷺ، فكان الجزاء من جنس العمل جزاءً وفاقا، وهكذا لما جاء عقبة بن أبي معيط الذي كان يؤذي رسول الله ﷺ ويسبه جيء به مقبوضاً عليه إلى النبي ﷺ فأراد أن يقتله فقال الكافر ساب النبي ﷺ يا محمد من للصبية، أولادي الصغار، هل هناك تسامح، من للصبية قال: النار، النار لك وهكذا قُتل هذا الرجل [رواه ابو داود2686]. والحديث رواه أبو داود، وهو حديث حسن صحيح،  النار عبارة عن الضياع إن صلحت النار أن تكون كافلة فهي فيها، إن صلحت النار أن تكون كافية لصبيتك تصلح أنت عندئذ لكفالتهم، ليس لك بقاء على وجه الأرض ولا تستحق المعيشة، ويقتل وهكذا لما قامت امرأة تشتم النبي ﷺ عند رجل أعمى من المسلمين فأخذ المغول فوضعه في بطنها واتكأ عليها فقتلها، فأهدر النبي ﷺ دم تلك المرأة وقال: ألا اشهدوا أن دمها هدر[رواه ابو داود4361]. رواه أبو داود.

فلا تسامح في الحدود الشرعية وساب النبي ﷺ يقتل وهكذا يقام الحد ولا تسامح، حد الردة أيضاً ولذلك لما جاء معاذ بن جبل إلى أبي موسى وهما باليمن فألقى أبو موسى وسادة إكراماً لمعاذ، قال انزل وإذا رجل عنده موثق قال: "ما هذا؟" قال: "كان يهودياً فأسلم ثم تهود، ارتد، اجلس"، قال: "لا أجلس حتى يقتل قضاء الله ورسوله، ثلاث مرات"، فأمر به فقتل، حد الردة لا بد أن يقام والحدود الأخرى أيضاً إذا بلغت الحاكم والقاضي لا شفاعة ولا تسامح أتشفع في حد من حدود الله، إذاً القضية أيها الأخوة: واضحة جداً لا يمكن التسامح في هذه الحالات، فمن زعم أن التسامح على طول الخط فهو ضال مضل كذاب مفترٍ على هذه الشريعة، هناك رحمة في الدين نعم، لعن الله من فرق بين والده وولدها، لا يباع الطفل ولو كان في السبي وتباع أمه إلى شخص آخر، يباعان جميعاً، لا يفرق بين الوالده وولدها، حتى في سبيل الكفار رحمة بالوالدة، هناك تسامح في حالات كما مر معنا نعم، ولكن في الحالات الأخرى لا، فينبغي أن نعرف إذاً ما حقيقة التسامح في دين الإسلام.

نسأل الله أن يجعلنا من المتخلقين بأخلاق هذا الدين. اللهم أحينا مسلمين وتوفنا مؤمنين وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:30:19

الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله، الملك، الحق، المبين، وأشهد أن نبينا محمداً رسول الله ﷺ وعلى آله، وصحبه، أجمعيين.

عباد الله: لقد قام أئمة الإسلام وقادة الدين بضرب المثل في عزة الإسلام وعدم إسقاط حقوق الشريعة، ولما كتب نقفور ملك الروم إلى هارون الرشيد من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب أما بعد: فإن الملكة التي كانت قبلي حملت إليك من أموالها ما كنت حقيقاً بحمل أضعافها إليها، يجب أن ترد أكثر مما أعطتك، لكن ذلك لضعف النساء وحمقهن، فإذا قرأت كتابي هذا فاردد ما حصل لك من أموالها، وافتد نفسك بما تقع به المصادرة لك قبل أن أصادر أموالك، وإلا فالسيف بيننا وبينك، فلما قرأ الرشيد الكتاب، هذه عزة المسلم استفزه الغضب حتى لم يقدر أحد أن ينظر إليه دون أن يخاطبه، وتفرق جلسائه، فدعا بدواة وكتب على ظهر الكتاب "بسم الله الرحمن الرحيم من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة، قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة -هذه عزة الإسلام، وليس تسامح، وضعف وذل ومهانة، عند القدرة جهاد-

قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة والجواب ما تراه دون ما تسمعه". ثم سار من يومه من يومه سار بجيوش المسلمين ففتح وغنم حتى جاء بلاد نقفور حتى اضطر نقفور إلى طلب المصالحة على خراج يحمله كل سنة إلى هارون، فأجابه إلى ذلك.

وهكذا يقوم حاكم آخر، وخليفة من خلفاء المسلمين يبلغه أن ملك الروم جاء أهل ملطية المسلمين فأوقع فيهم مقتلة عظيمة خلقاً كثيراً قتلهم وأسر ما لا يحصون كثرة، وقطع آذان أسرى المسلمين وأنوفهم، وسمل أعينهم وكان من جملة من أسر ألف امرأة من المسلمات فلما سمع الخليفة بذلك انزعج جداً وصرخ في قصره بالنفير ثم نهض من فوره وأمر بتعبئة الجيوش، واستدعى القاضي والشهود فأشهدهم أن ما يملكه ثلثه صدقه وثلثه لولده وثلثه لمواليه، وقال للأمراء أي بلاد الروم أمنع، قالوا عمورية لم يعرض لها أحد منذ كان الإسلام فاستدعى الجيوش وتجهز جهازاً لم يجهزه أحداً كان قبله، وأخذ معه من آلالات الحرب شيئاً لم يُسمع بمثله وسار إلى عمورية في جحافل عظيمة فأنكاهم نكاية عظيمة وقتل من الكفار ثلاثين ألفاً، وهكذا فعل عبد الرحمن الناصر رحمه الله في بلاد الأندلس لما تحداه ليون ونافار من النصارى من ملوكم فقام ليثبت عزة الإسلام فهربوا أمامه لا يهتدون سبيلاً ولا يجدون حيلة والمسلمون على آثارهم يقتلون من أدركوه حتى حجزهم الظلام، وصلاح الدين الأيوبي لما قدر على أرناط، أرناط صاحب الكرك النصراني الذي كان يغير على قوافل الحجاج فيقتلهم، حجاج المسلمين، ويسب النبي ﷺ يستخف به، لما قدر عليه صلاح الدين وجيء به إليه، هل هنا مجال للمسامحة، هل يوجد تسامح هنا؟ إطلاقاً. قال له أنا أنتصر لمحمد ﷺ منك ثم عرض عليه الإسلام فأبى فقتله صلاح الدين بيده قتله بيده، وهكذا.

أحكام الجهاد

00:35:50

أيها الأخوة: وهنا مسألة مهمة وهي الفرق بين جهاد المسلمين، وقتالهم للكفار وقتال الكفار للمسلمين، ماذا يفعل المسلمون إذا قاتلوا الكفار، قلنا لا يقتلون صبياً ولا امرأة لا يتعمدون قتل النساء والأطفال وإذا كان هناك فتح للمسلمين سلمت البلد إليهم لا يغدرون بها، إذا أهل البلد سلموا أن يبقوا في البلد في ديارهم، تبقى الديار لهم، لا يخرجونهم من بيوتهم ولا يغتصبونها منهم، وكذلك إذا صالحوهم على الذمة أُخذ المال وأُمن الكفار، وبقيت معابدهم كما هي بشرط ألا يظهروا الكفر، أما الكفرة إذا قاتلوا المسلمين فماذا كانوا يفعلون؟ الذين يقولون اليوم الحضارة الغربية أحسن من الحضارة الإسلامية، الذين يقولون الحضارة الغربية أحسن من الحضارة الإسلامية هؤلاء كفار وأيضاً مغالطون للحقائق ظلمة، كفرة، ظلمة أوباش، فلنقرأ إذاً بعض ما كتبه بعض مؤرخي الكفار عن النصارى لما دخلوا بيت المقدس، ماذا فعلوا فيها لنعرف الفرق بين طريقة الفاتحين المسلمين إذا دخلوا بلداً وبين الكفار إذا دخلوا بلداً مسلماً، يقول وليم الصوري نصراني عن أصحابه الذين دخلوا بيت المقدس وكان المسلمون فيه، لا يرعون أمان ولو طلب المسلمون ونزلوا عليه، يعطونهم الأمان ثم يغدرون بهم، قال اندفعوا أي النصارى هنا وهناك خلال شوارع ومساحات المدينة، مستلين سيوفهم وبحماية دروعهم وخوذهم وقتلوا جميع من صادفوا من الأعداء، يعني يقصد المسلمين، بصرف النظر عن العمر أو الحالة ودون التمييز وقد انتشرت المذابح المخيفة في كل مكان، وتكدست الرؤوس المقطوعة في كل ناحية، بحيث تعذر الانتقال على الفور من مكان لآخر إلا على جثث المقتولين، وكان سفك الدماء رهيباً جداً لدرجة عانى فيها حتى المنتصرون من أحاسيس الرعب والاشمئزاز وغمر المكان كله دم الضحايا، وبات من المحال النظر إلى الأعداد الكبيرة من المفتولين دون هلع، وكانت الأرض مغطاة بدم القتلى، ولم يكن مشهد الجثث التي فصلت الرؤوس عنها والأضلاع المبتورة المتناثرة هذا فرق المسلمون لا يمثلون بجثث القتلى، الكفار يقطعون الأعضاء وما فعلوه في هذا الزمان في البوسنة وكوسوفا وغيرها وما يفعله النصارى في الشيشان والهندوس في كشمير شيء معروف فظيع، كان هؤلاء الملطخون بالدم من رؤوسهم إلى أقدامهم يتتبعون السكان من الكبار والصغار الأطفال النساء الشيوخ في كل مكان من أزقة المدينة يدخلونها عليهم في الشوارع الكبيرة والصغيرة ويأخذون من الطرق الفرعية كل من قدروا عليه يسحبونهم ويذبحونهم كالأغنام قبضوا على أرباب الأسر وزوجاتهم وأطفالهم وقتلت هؤلاء الضحايا وقذف بهم من مكان مرتفع حيث هلكوا بشكل مأساوي وكانوا يأخذون الأطفال الصغار يضربون الجدران برؤوسهم حتى تتفت رؤوس صبيان المسلمين الصغار على تلك الجدران. هذه الحضارة الغربية التي هي أحسن من الإسلام كما يقولون اليوم.

وأدعى كل واحد من المغيرين ملكية دائمة للمنزل الذي كان قد اقتحمه وذلك بالإضافة إلى تملك كل ما كان موجوداً فيه، هكذا إذاً سلبوا بيوت الناس، بعد العهد والأمان وصلت دماؤهم لمستوى الركب، وأخذ بعض الناس وجعلوا في مبنى ثم أحرق المبنى بمن فيه، وهكذا يفعل اليهود والنصارى هذه الحضارة. هذا ما يفعلونه ويأخذ اليهود اليوم يأخذون هؤلاء الصبية يفعلون فيهم الأفاعيل، وكذلك النسوة وصور الذل والإهانة على المعابر موجودة، أوقفوا شيخاً كبيراً على حمار له لأن الطرق مغلقة، أجبره الجندي اليهودي على النزول وتقبيل دبر الحمار وإلا قتله، وهكذا تقبيل حذاء الجندي اليهودي ثم يركله فيكسر أسنانه، هذه حضارتهم. يتباهون بالمعونات ثم يقصفون الناس على رؤوسهم أين الرحمة في هذه الحضارة؟ عندما تجرب الأسلحة في الشعوب المسكينة المغلوبة أين الرحمة في هذه الحضارة؟

أيها الأخوة: وتعاني الشعوب المسلمة ما تعاني وهؤلاء الآن اللاجئون الأفغان تنتشر بينهم الأمراض أمراض خطيرة وبعضها نزيف حتى الموت، بعد أن كانوا آمنين في بيوتهم ماذا فعلت الحضارة؟ أيها الأخوة ولذلك فإنه لا بد من نجدة إخواننا المسلمين والصدقة لهم وتقديم المعونات ولذلك فإن من الواجب علينا أن نساعد ونعين بقدر الإمكان وسيكون لذلك إن شاء الله بعد الخطبة والصلاة مجال لتقديم الصدقات لإخواننا المنكوبين في بلاد الأفغان.

اللهم إنا نسألك النصر للإسلام وأهله يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك أن ترفع علم الجهاد، وأن تقمع الزيغ، والفساد، والعناد، وأن تنشر رحمتك على العباد، اللهم عاجل اليهود، والصليبيين بنقمتك يا رب العالمين، زلزل الأرض من تحت أقدامهم، وأنزل عليهم عذاباً من فوقهم، وأرنا فيهم آية من آياتك يا رب العالمين، اللهم من أراد بلاد المسلمين بسوء فاجعل كيده في نحره، وامكر به، وزلزله وخذه أخذ عزيز مقتدر يا عزيز يا مقتدر، اللهم إنا نسألك أن تجعل فرج المسلمين قريباً، اللهم اجعلنا في بلادنا آمنين مطمئنين آمنا في الأوطان والدور وأصلح الأئمة وولاة الأمور، ووفق ولاة المسلمين للعمل بكتابك وسنة نبيك ﷺ، وإقامة الجهاد في الأمة يا رب العالمين، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

1 - رواه أبو داود3052
2 - رواه البخاري233، ومسلم1671
3 - رواه ابو داود2686
4 - رواه ابو داود4361