الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

حتى لا نصاب بالفتور في رمضان


عناصر المادة
الخطبة الأولى
تنبيهات على أمور تتعلق برمضان
معرفة فضائل الصيام تمنع الفتور في رمضان
فضل صلاة التراويح والتفكر في الآيات
السحور وما أدراكم ما السحور
استوصوا بالنساء خيرا في رمضان
الخطبة الثانية
فضل العمرة في رمضان

الخطبة الأولى

00:00:05

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ سورة آل عمران 102يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا سورة النساء 1يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً الأحزاب 70-71.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

الحمد لله الذي أنعم علينا ببلوغ هذا الشهر الكريم، نحمده على آلائه العظيمة، ومننه الكبرى، وكرمه البيّن، ما أكرمه، وما أعظمه، لا إله إلا هو ولا رب سواه.

أيها المسلمون: هذه نعم الله تتجدد بمرور أيام رمضان، وهذه آلائه تتوالى علينا بتوالي ليالي هذا الشهر الفضيل، وما عشنا من يوم في رمضان فهو نعمة من الله، وما بلغنا زيادة في هذا الشهر فهو منّة من الله، فإن من عباد الله من أوقفه انتهاء أجله عن إكمال هذا الشهر الكريم، إن من الناس من أوقفته المنية عن الاستمرار في مسيرة هذا الشهر المبارك، فلله الحمد على هذه النعمة.

أيها المسلمون: إن معرفة نعمة الله علينا في هذا الشهر هو الذي يجدد النشاط في النفس، ويبعث العزيمة على الاستمرارية في العبادة، والوفاء بعهد الله الذي عاهدنا عليه، عهد الله علينا أن نعبده لا نشرك به شيئا، وعهد الله علينا أن نعبده دائماً وأبداً، لا نتوقف عن عبادته في زمن ونعبده في زمن، وإنما مشوار الحياة كلها عبادة لله رب العالمين قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ سورة الأنعام 162-163.

تنبيهات على أمور تتعلق برمضان

00:03:11

أيها المسلمون: فيما يلي تنبيهات على أمور تتعلق بهذا الشهر الكريم، نحن الآن على مقربة من نهاية الثلث الأول، وقد أنهينا ثلث رمضان فلا بد من حساب، كيف مضت أيام الشهر الماضية؟ وكيف انقضت لياليه؟ ذهب الثلث والثلث كثير، فماذا فعلنا وقدمنا فيما مضى؟ وهل من عملية تحسين ومضاعفة وازدياد في العبادة فيما سيأتي؟

أيها الناس: إننا نشعر بنوع من نقص العبادة، ونوع من التكاسل والفتور في وسط رمضان، هذا شيء ملاحظ، فإن الناس في العادة ينشطون في أيام رمضان الأولى لما يحسون من التغيير، ويجدون شيئاً من لذة العبادة نتيجة الشعور بالتجديد في أول الشهر، ثم ما يلبث هذا الشعور أن يبدأ في الاضمحلال ويصبح الأمر نوعاً من الرتابة في العشر الأواسط، ونلحظ هدأة الرّجْل على بعض الصلوات في المساجد خلافاً لما كان العمل عليه في أول الشهر، ونلاحظ نوعاً من القلة في قراءة القرآن في وسط الشهر عما كان عليه في أوله، ثم تأتي العشر الأواخر بعد ذلك وما فيها من القيام وليلة القدر لتنبعث بعض الهمم والعزائم مرة أخرى، لكن فكروا معي هل من الصحيح أن يحدث لدينا نوع من التكاسل ونوع من الفتور في وسط هذا الشهر؟ أم أنه ينبغي علينا استدراك ذلك، ويجب علينا ألا نخسر شيئاً من أيام رمضان، ولا نركن إلى شيء من البرود في أواسط هذا الشهر، ولعل من أسباب هذا أن بعض الناس يحسون بالعبادة في أول الشهر فإذا مر عليهم فترة فإن عبادتهم تتحول إلى عادة، وشيء رتيب، فما هي السبل لمنع هذا التحول؟ كيف نمنع تحول عبادتنا عبادة الصيام إلى عادة؟ كيف نعيد اللذة والحيوية إلى هذه العبادة ونحن في أواسط رمضان؟

أولاً: ينبغي أن نحقق التعبد في الصيام باستحضار النية أثناء القيام به، وأن العبد يصوم لرب العالمين، النية لا بد أن تكون موجودة دائماً، الصيام لله رب العالمين، والهدف من هذا الامتناع عن الملذات إرضاء رب العالمين إنما الأعمال بالنيات [رواه البخاري 1].

ثانياً: مما يمنع تحول صيامنا إلى عادة: أن نستمر في تذكر الأجر في هذا الصيام، وفضيلة العبادة في هذا الشهر الكريم، نتذكر دائماً ونعيد إلى الأذهان حديثه ﷺ: من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه[رواه البخاري 38 ومسلم 760]. فما هو الشرط لهذه المغفرة؟ إنه الاحتساب في كل الشهر ليس في أوله فقط، وإنما الاحتساب شرط في حصول المغفرة، الاحتساب في جميع أيام الشهر، في أوله، وفي وسطه، وفي آخره، فالمحتسب على الله في الأجر يشعر بكل يوم، وبكل صوم، ويرجع دائماً إلى الله يطلب المغفرة.

ثالثاً: أن نتمعن في هذا الأجر العظيم، الذي يكون بغير اعتبار عدد معين كل عمل ابن آدم له[رواه البخاري 1904 ومسلم 1151]. كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به[رواه ابن ماجه 1638].الصيام سبب لتكفير جميع الذنوب إلا الكبائر الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر[رواه مسلم 233]. لا بد ألا تغيب هذه الأحاديث عن أذهاننا ونحن الآن أشرفنا على الثلث الثاني من شهر رمضان، الصيام يشفع لك يوم القيامة يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات في النهار فشفعني فيه[رواه أحمد 6626].هكذا يقول الصيام يوم القيامة.

معرفة فضائل الصيام تمنع الفتور في رمضان

00:08:47

فضائل الصيام وأهله كثيرة متعددة: يفرح الصائم بفطره، وعند لقاء ربه، والباب المخصص الذي يدخل منه الصائمون إلى الجنة باب الريان، والخلوف الذي هو أطيب عند الله من ريح المسك، وفتح أبواب الجنة وتغليق أبواب الجحيم وسلسلة الشياطين.

مما يمنع تحول الصيام إلى عادة، مما يعيد الحيوية إلينا في وسط الشهر هذا: أن نعرف حديثه ﷺ: إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب وينادي منادٍ -كل ليلة أول الشهر وأوسط الشهر وآخر الشهر كل ليلة في جميع رمضان- يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ثم انتبهوا أيها المسلمون لهذه العبارة العظيمة في هذا الحديث، عبارة حساسة جداً تجعل الصوم عبادة لنا في جميع الشهر، عبارة تمنع من تحول صيامنا إلى عادة، عبارة تمنعنا من التكاسل والفتور، قال ﷺ: ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة[رواه الترمذي 682]. فقد تكون أنت عتيق الله من النار في أواسط هذا الشهر، فلماذا الكسل والتواني، لا بد من الانبعاث وإعادة الهمة، ونتذكر كذلك أن بعض كتب الله العظيمة نزلت في أواسط رمضان، قال ﷺ: أُنزل الإنجيل لثلاث عشرة مضت من رمضان، وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان[رواه الطبراني في الكبير 185]. فنزول الإنجيل والزبور كانا في الوسط، في وسط هذا الشهر الكريم، كما كان نزول صحف إبراهيم و التوراة في أول الشهر، ونزول القرآن العظيم في آخر الشهر.

وكذلك من الأسباب التي تمنع تحول هذه العبادة إلى عادة: التأمل فيها، والوقوف على شيء من حكم الله، توحيد المسلمين، المواساة والإحسان، أثر الجوع والعطش، والأمر بضبط النفس، أمور كثيرة، ومن الأسباب كذلك: التذكر لحديثه ﷺ: رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له[رواه الترمذي 3545]. رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر لهمن أدرك شهر رمضان ولم يغفر له فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين[رواه ابن حبان 907]. قال جبريل لمحمد: قل آمين، قال محمد ﷺ: آمين.

ومن الأسباب كذلك: تنويع العبادة في أيام الشهر، صيام، قيام، قرآن، إطعام، إنفاق، زكاة، وصدقة، وصدقات، وهكذا تتنوع العبادات فيتجدد النشاط، وتعود الحيوية.

يا عباد الله: لا تفقدوا لذة مناجاتكم وعبادتكم لله في أي جزء من هذا الشهر، وكذلك التعبير عن الابتهاج، والتذكير في مجامع الناس بعظمة هذا الشهر، وحلاوة أيامه، ولذة عبادته، وكذلك من الوسائل عد كم ذهب من الشهر، عد كم ذهب من الشهر يرجعك إلى الحقيقة، ويبين لك ما بقي فتشعر بالرغبة بمزيد من الاجتهاد، كم مضى من شهرنا؟ كم ذهب من شهرنا؟ كم ذهب؟ ذهب الثلث والثلث كثير، ومن الأسباب: مقارنة الحال بما قبله وما بعده، قارن حالك بما قبل الشهر وبما بعده؛ لتعرف عظمة هذا الشهر، لتعرف قيمة هذا الشهر قبل أن يفوت الأوان فلا تفدك المعرفة، وكذلك تذكر طول الوقت الذي سيمر حتى يأتي شهرنا مرة أخرى، تذكر طول الوقت الذي سيمر حتى يأتي هذا الشهر مرة أخرى، أشهر طويلة، عديدة، مديدة، ستبقى حتى يأتي الشهر مرة أخرى، هذا التذكر يبعث إلى ازدياد النشاط، ومضاعفة العبادة، وترك الكسل، ونفض الغبار، والقيام لله رب العالمين، وأخيراً ابتغاء وجه الله في هذا الصيام، قال ﷺ: من صام يوماً في سبيل الله يعني صابراً محتسباً، وقيل في الجهاد، من صام يوماً في سبيل الله صابراً محتسباً لأجره، من صام يوماً في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم حر جهنم عن وجهه سبعين خريفاً[رواه النسائي 2252]. وقال: من صام يوماً في سبيل الله باعد الله منه جهنم مسيرة مائة عام[رواه النسائي 2254]. وقال: من صام يوماً في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقاً كما بين السماء والأرض [رواه الترمذي 1624].وقال: من صام يوماً في سبيل الله زحزح الله وجهه عن النار بذلك سبعين خريفا[رواه أحمد 7990].

فضل صلاة التراويح والتفكر في الآيات

00:15:13

وثانياً أيها المسلمون: إن الاجتماع لقيام الليل لم يشرع إلا في رمضان، وصلاة التراويح هذه عبادة جليلة ينبغي أن تُعطى حقها، هذا القيام لا بد أن يُقام بحقه، التبكير إلى المساجد، وعدم تضييع صلاة العشاء في الجماعة الأولى، والفرض أهم من النفل.

ثانياً: ألا يكون تقصّد مساجد معينة للصلاة فيها من أجل جمال الصوت فقط وحسن النبرة، وإنما ينبغي أن يكون الالتذاذ بسماع كلام الله وفهمه أعظم من الاستلذاذ بسماع صوت القارئ ولحنه، ينبغي أن يكون الالتذاذ بسماع كلام الله وفهمه أعظم من الاستلذاذ بسماع صوت القارئ ولحنه، وهذه نقطة مفقودة عند كثير ممن يسعون ويجرون ويتنقلون في المساجد، ونريد من المسلمين أن يعقلوا كلام الله، ولا بأس أن يقبلوا على صاحب الصوت الحسن فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً ..... والتفاعل مع الألحان أكثر مما يتفطنون للمعاني ومعرفة فقه هذا القرآن وهو يتلى على مسامعهم.

ثالثاً: استحضار القلب عند الآيات، الرحمة، العذاب، الثواب، العقاب، القصص، الأمثال، أهوال القيامة، ذكر أسماء الرب وصفاته جل وعلا، فينبغي أن تكون الآذان حاضرة لإيصال هذا إلى القلوب الحاضرة الحية؛ لينبعث التذكر، ويحدث التفاعل مع سماع هذه الآيات، ونظرة إلى بعض الناس الذين يخشعون في الدعاء ما لا يخشعون في التلاوة ولا في سماع كلام الله، أمر عجيب! يتعجب المسلم من حالهم، فينبغي أن يُعرف قدر الكلام، وقدر الكلام بقدر المتكلم، كلام الله لا شيء أعلى منه، كلام الله لا شيء أحلى منه، وكلام الله لا شيء أجل منه، ولا أدعى على التقبل، ولا التذكر، ولا التأثر، ولا الخشوع، لا شيء أدعى من كلام الله إلى كل ذلك.

رابعاً: عدم رفع الصوت بالبكاء والنحيب والصياح، كان ﷺ يصلي وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء، كما تغلي القدر، بهذا الصوت المكتوم كان ﷺ يبكي في صلاته، فالإخلاص في كتم البكاء والصياح وعدم الزعيق ورفع الصوت، بكاء القلب أهم، كان بكاء السلف في الصلاة نشيجاً ودموعاً تسيل، وربما يبكي أحدهم تسيل دموعه ولا يشعر من بجانبه، هذا هو الإخلاص لا صياحاً ولا صراخاً، عليك بالتأثر الذي لا يشعر به الناس.

السحور وما أدراكم ما السحور

00:18:48

ثالثاً: السحور عبادة جليلة يغفل عنها الكثيرون، وينامون عنها وعن صلاة الفجر، ومع الأسف نجد قلة عن المتوقع في صلاة الفجر في رمضان، ومن الأسباب عدم الاستيقاظ للسحور، السحور بركة كما قال ﷺ: عليكم بهذا السحور فإنه هو الغداء المبارك[رواه الطحاوي في مشكل الآثار 5504].  هلم إلى الغداء المبارك يعني السحور[رواه النسائي 2165]. نعم السحور التمر[رواه الطبراني في الكبير 6689]. نعم السحور التمر السحور هذه الأكلة بركة فلا تدعوه، قال ﷺ: فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين[رواه أحمد 11086]. فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر[رواه مسلم 1096]. فاعتني بالسحور أولاً؛ لأن الله وملائكته يصلون على المتسحرين، ثانياً؛ لأن فيه بركة، ثالثاً؛ لأن فيه مخالفة لأهل الكتاب ويجب أن نخالف اليهود والنصارى، رابعاً؛ لأنه أعون على الصيام، خامساً؛ لأنه أضمن لأداء صلاة الفجر، فعليك به يا عبد الله ولا تفوّته، كيف وهو بركة، فيه بركة ما لا يوجد في غيره من البركات.

وعليكم كذلك بالحرص على تفطير الصائمين في الداخل والخارج من فطر صائماً فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء[رواه الترمذي 807].من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء، احرص على إطعامه وإشباعه، وإيصال الطعام إليه بغير منة ولا أذى، وإنما تحمد ربك أن هيأ لك الفرصة لأن يطعم الصائم من طعامك، وأن يشرب من شرابك، فليست الولائم التي تقام لتفطير الصائمين مجالاً للترح، ولا للبذخ، ولا للأشر والبطر، ولا للفخر والخيلاء، وإنما هي مجال لأن تتواضع لله وتشكره أن هيأ لك هذا العدد من الناس ليفطروا عندك، ويأكلوا من طعامك، وتذكر إخوانك المسلمين في أقاصي الأرض ممن لا يجدون طبقاً واحداً من الأطباق التي تزخر بها مائدتك، فاتق الله يا عبد الله.

وكذلك من الوصايا تلاوة القرآن العظيم في هذا الشهر وسيأتي له تفصيل إن شاء الله.

استوصوا بالنساء خيرا في رمضان

00:21:49

ومن الوصايا قوموا إلى نسائكم يا أيها المسلمون، يا أيها الرجال قوموا إلى نسائكم فعلموهن كيفية الصيام وآداب الصيام، قوموا إلى نسائكم اللاتي يأتين إلى المساجد فعلموهن أموراً ومنها: صلاة المرأة في بيتها خير لها، قال ﷺ وبيوتهن خير لهن[رواه أبو داود 567]. قال لأم حميد زوجة أبي حميد الساعدي: قد علمت أنك تحبين الصلاة معيثم قال لها: وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي[رواه أحمد 27090].بيّن لها أن الصلاة في قعر بيتها خير لها من الصلاة في المسجد، وكلما كانت أعمق في البيت كلما كان أفضل، وصلاتها في مسجد قومها خير لها من الصلاة في المسجد النبوي، ولكن إذا أرادت المرأة أن تذهب إلى المسجد فلا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وقد جاء الجمع بين الفقرتين في حديث واحد لا تمنعوا نسائكم المساجد وبيوتهن خير لهن[رواه أبو داود 567]. علموهن هذه المسألة.

ثانياً: قوموا إلى نسائكم فمروهن بالحجاب، الحجاب يا أيها الرجال المسلمون، يا أرباب الأسر، يا أيها الرعاة الذين يرعون شؤون العائلة: أنتم المسؤولون أمام الله كل واحد توجد امرأته في الشارع حاسرة مقصرة في الحجاب، سواءً كان قصيراً، أو لا يستر الوجه والبدن، أو شفافاً، أو ضيقاً، فهو المسؤول عنها، وهو الذي يشاركها في الإثم قطعاً، وهو الساكت عن الحق وهو الشيطان الأخرس، وهو الذي أقر الخبث في أهله، هو الذي أقر فيهم السوء، وهو الذي يراها تمشي ولا ينكر، وهو الذي يراها تسفر ولا يغير، فتباً لمعاني الرجولة كيف اضمحلت في نفسه! وكيف نقص الإيمان! وكيف زال التأثر بقول الله: قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ سورة التحريم 6. وقودها الناس أنفسهم والحجارة، هؤلاء هم وقودها، كيف ترضى أن تخرج امرأتك ولو إلى المسجد في حالة من قلة الحياء والحجاب والتقصير في اللباس الشرعي؟

لو ظهرت أظافرها مقصرة وأنت ساكت فأنت آثم ومشارك في العدوان وفتنة المسلمين، لو ظهرت أظافرها وأنت ساكت وأنت تعلم فأنت مشارك في الإثم والعدوان، كان النساء في عهد الرسول ﷺ إذا خرجن من بيوتهن إلى الصلاة يخرجن متبذلات بعيدات كل البعد عن الزينة، متلفعات بالأكسية، لا يعرفن من الغلس، لا يعرفن كأنهن غربان، أسود في أسود لا يرى منها شيء، والآن زوجاتنا، بناتنا، أخواتنا، وحتى أمهاتنا، كثير من المسلمين يعيشون حالة عجيبة من التقصير، ونندهش من هذا الشهر الذي هو فرصة للتوبة والتغيير كيف لم يحدث فيه تغير في الحجاب، زينة، ومكياج، وبهرجة، وتجمل، ولبس أحسن الثياب، وتبخر، وتطيب، وخلوة بالسائق، وهذا الزوج الذي يقر الخبث في أهله هؤلاء الناس رجالاً ونساءً ما موقفهم أمام الله؟ والسيئة تضاعف في رمضان ما لا تضاعف في غيره، تضع حجابها في السيارة فإذا نزلت إلى المسجد لبسته، كحال الرجل الذي يحمل معه المشلح فإذا وصل إلى مكان الوليمة الرسمية نزل فترجل فلبس المشلح ودخل، وهكذا يفعل هؤلاء أو بعض هؤلاء ورجالهم في غيهم سادرون، ورجالهم في سبل الشيطان ماشون منهمكون أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية[رواه النسائي 5126]. تقول ما علاقتنا؟ ما علاقتك؟ قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُسورة التحريم 6. لا لإهمال الأطفال في البيت، ولا لإحضار المزعجين إلى المساجد لإشغال المصلين والتلبيس على الإمام والتشويش على عباد الله، أوصوهن بعدم الانشغال بالقيل والقال، وارتفاع الأصوات بعد الصلاة لدرجة يسمعها الإمام والناس، أوصوهن بتراص الصفوف وسد الخلل وملء الفُرج، فصفوف النساء في المساجد مليئة بالمآسي، انصحوا نسائكم ألا يقضوا رمضان في المطبخ، وليبقين من الأوقات للعبادة فهي الأساس وهي الهدف وهي أعظم شيء في هذا الشهر، لا تكلفوهن بكثرة الطبخ، بل أنتم تنهوهن عن التمادي والتفنن وتضييع الأوقات فيه، هذا من وظيفتكم يا عباد الله، تجنبوا تحويل ليالي هذا الشهر الكريم إلى ليالي أنس مع الخلائق، ومجالس معاصي، ولعب ورق، ومسلسلات، وأغاني، وطبل، وزمر، وولائم يتفنن فيها في المأكولات وتُرمى فيها الأطعمة في براميل القمامة، الأمر أعظم من ذلك.

قد رشحوك لأمر لو فطنت له فأربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل

إذا كنا نخفف من صلاة التراويح حتى لا يشرد المتذمرون، ولا يهرب المقصرون الكسالى، وحتى يدرك أصحاب الأعمال والوظائف أعمالهم، فهذا لا يعني أن تنقطع العبادة بعد صلاة التراويح، بل بقي لك من قراءة القرآن، والصلاة مثنى مثنى إذا أردت دون أن تعيد الوتر بقي لك متسع، والنوم مبكراً، وإدراك الفجر، وأكلة السحر، مناقشة جمع الزكوات، وتوزيع الصدقات، ووصل الرحم، وبر الفقراء، قال الله تعالى: وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ سورة الذاريات 18. ولم يقل يطبلون ويزمرون، وهؤلاء الناس في الأسحار يطبلون ويزمرون، وقت النزول الإلهي، في الثلث الأخير من الليل، في شهر رمضان، في الليالي المباركة يعصون الله ، يقول الله: هل من سائل فأعطيهوأصحابنا في وادٍ آخر هل من تائب فأتوب عليه[رواه أحمد 9591]. وهؤلاء القوم في لهوهم وشغلهم عن ربهم وعن العبادة، تجنبوا قرناء السوء في هذا الشهر الفضيل، أيها الشباب دعوا الأرصفة وأقبلوا على الله، أيها الشباب دعوا الأرصفة وأقبلوا على الله، واتركوا العود، وهلم إلى التوبة وإلى هذا الموسم الفضيل.

اللهم اجعلنا ممن عمر هذا الشهر بالعبادة، اللهم أعنا فيه على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وارزقنا توبة نصوحاً، وعملاً متقبلاً، وصياماً مبروراً، وقياماً مشكوراً، اللهم إنا نبرأ إليك من تقصيرنا، اللهم إنا نسألك أن تتجاوز عما أسرفنا فيه بحق أنفسنا.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية

00:30:11

الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد ألا إله إلا هو وحده لا شريك له، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، رب العرش العظيم، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والقرآن، سبحانه، والله الذي لا إله إلا هو إنه ينبغي علينا أن نحبه أكثر من أي شيء، اللهم اجعلنا ممن يحبونك، واجعل حبك أحب إلينا من الماء البارد على الظمأ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، السراج المنير، الداعي إلى الله بإذنه، البشير النذير، الذي أدى رسالة ربه، وبلغ الدعوة، ووفى الأمانة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، الذي حبه مقدم على حب البشر أجمعين، لا يؤمن أحدكم حتى يكون رسول الله أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين، اللهم اجعل حب رسولك مما تعمر به قلوبنا.

فضل العمرة في رمضان

00:31:50

أيها المسلمون: عمرة في رمضان تعدل حجة، أجر عظيم، وموسم فضيل، وثواب جزيل، ورب كريم، أبواب الخير مشرعة، والبقية عليك يا عبد الله لإكمال المشوار، عمرة في رمضان تعدل حجة، وفضيلة هذه العمرة في جميع أيام الشهر، هذه الحجة ليست قاصرة على العمرة في العشر الأواخر، فإذا رأى المسلم أن من مصلحة عبادته استباق الازدحام الشديد الذي لا يطيقه، ويعطله عن أعماله، وعن شغله حتى في نفسه وطعامه وشرابه، فعليه أن يبادر، وإذا رأى أنها تشتيت ليالي العشر بالأسفار وفوات القيام سيتحقق فلا بأس عليه أن يعتمر في العشر الأول، أو الأواسط، أو كان ممن المصلحة في بقائه ببلده في العشر الأواخر أو يخشى عدم التمكن من حجز مكان للسفر فليبادر الآن بالذهاب، فالبيت قريب، والسبيل آمن، والأجر عظيم، كم من الناس يمتنون أن يعتمروا وأن يؤموا البيت العتيق، فلا يتمكنون، ولا يستطيعون، من ظلم ظالم، أو فقر فقير، لا يستطيعون أن يأتوا البيت العتيق، فأنت قريب والسبيل آمن ولله الحمد، فلماذا لا تبادر بالذهاب؟

ونوصي إخواننا الذي سيذهبون أي في رمضان إلى مكة والآن العطلة الدراسية قريبة، وبعدها سيعقبه سفر وأسفار، نوصي الذين يذهبون لقضاء العشر وغيرها بجوار بيت الله الحرام بما يلي:

أولاً: اغتنام الوقت في تحصيل أكبر قدر من الأجر، واجتناب الانشغال بسفاسف الأمور، كتضييع الوقت في الطبخ، والبحث عن الأطعمة، فكل مما تيسر، وكذلك الانشغال في الصف بالأسواق، -أسواق مكة- وتضييع الواجبات الأساسية، والأهداف الأساسية من رحلة العمرة.

ثانياً: إطالة المكث في بيت الله الحرام ما أمكن، والاعتكاف، فإن فيه أجراً عظيماً، حتى لا يذهب الوقت في المساكن والشقق المستأجرة فتعظم الخسارة، فصل الصلاة بالصلاة، وطف وانتظر الصلاة بعد الصلاة في المسجد الحرام، فمن جلس ينتظر الصلاة فهو صلاة.

ثالثاً: عدم إضاعة الوقت بالكلام في الحرم مع الأصحاب والأصدقاء، أو استقبال الغادين والرائحين، واستيقاف الأصحاب والفرجة على الناس والطائفين، وإنما دع الوقت الأكبر لعبادة ربك والخلوة به.

رابعاً: ربط الحزام في مسألة النوم، وعدم الإكثار منه؛ لأنك ستكون في حالة استنفار لأجل العبادة.

خامساً: عدم الاشتغال بالمفضول عن الفاضل، بأمور وأنشطة تعطل عن المقصود الأساسي لرحلة العمرة، فخذ من هذا وهذا واجعل السهم الوافر للهدف الأساسي والأعظم أجراً.

سادساً: الاستعداد الدائم والتبكير للصلوات؛ لأن بعض الناس يضيعون تكبيرة الإحرام تقصيراً، ولا يعلم قدر ثواب إدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام في الحرم إلا الله ، فهنيئاً لمن طابت سفرته، وعظمت عبادته، وأصاب بعمرته السنة.

اللهم اجعلنا من أهل السنة والقائمين بالسنة، والمحافظين على السنة، أحيينا على السنة، وأمتنا على السنة، اللهم اجعل شهرك هذا شهر نصر للإسلام والمسلمين، وشهر عزة وتمكين للمجاهدين، اللهم اقمع أعداء الدين، اللهم شردهم وشرد من خلفهم، اللهم اجعلهم عبرة للمعتبرين، اللهم أهلك اليهود وأعوانهم، وطهر بلاد المسلمين من رجسهم وأنجاسهم، اللهم إن في العباد والبلاد من اللأواء والشدة والضنك ما لا نشكوه إلا إليك، اللهم ارفع الظلم عن المظلومين، اللهم فرج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين، وفك أسر المأسورين، واجعل بلاد المسلمين على التوحيد خالصة لك قائمة لك، اللهم أقم علم الجهاد، واقمع أهل الزيغ والفساد والعناد، اللهم ارزقنا توبة نصوحا ومغفرة في هذا الشهر العظيم، نسألك بأسمائك الحسنى أنت الكريم أنت المنان أنت الحي القيوم أن تغفر لنا في ساعتنا هذه أجمعين، وأن تجعلنا من عتقائك من النار في هذه الساعة من يوم الجمعة من شهر رمضان، أنت أكرم الأكرمين، وأنت أرحم الراحمين، أنت إلهنا، لا رب لنا غيرك، ولا إله لنا سواك، سبحانك وتعاليت، وتقدست أسمائك. 

إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءوَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

وقوموا إلى صلاتكم. 

1 - رواه البخاري 1.
2 - رواه البخاري 38 ومسلم 760.
3 - رواه البخاري 1904 ومسلم 1151. 
4 - رواه ابن ماجه 1638.
5 - رواه مسلم 233. 
6 - رواه أحمد 6626.
7 - رواه الترمذي 682.
8 - رواه الطبراني في الكبير 185.
9 - رواه الترمذي 3545.
10 - رواه ابن حبان 907.
11 - رواه النسائي 2252.
12 - رواه النسائي 2254.
13 - رواه الترمذي 1624.
14 - رواه أحمد 7990.
15 - رواه الطحاوي في مشكل الآثار 5504.
16 - رواه النسائي 2165.
17 - رواه الطبراني في الكبير 6689.
18 - رواه أحمد 11086.
19 - رواه مسلم 1096. 
20 - رواه الترمذي 807.
21 - رواه أبو داود 567.
22 - رواه أحمد 27090.
23 - رواه أبو داود 567.
24 - رواه النسائي 5126.
25 - رواه أحمد 9591.