الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

المؤمن بين الناس


عناصر المادة
الخطبة الاولى
المؤمن مثل النخلة
وجه الشبه بين المؤمن والنخلة
المؤمن مثل النحلة
الخطبة الثانية
فضائل شهر شعبان
محنة المسلمين في الشيشان

الخطبة الاولى

00:00:07

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران102يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباًسورة النساء1يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماًسورة الأحزاب70-71.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

المؤمن مثل النخلة

00:01:22

حديثنا في هذه الخطبة أيها الإخوة: عن مثلين عظيمين، في نقطة بين حرفين، وعن أمرين مهمين، بين الشين والنون.

أيها المسلمون: فأما المثلان العظيمان فإنهما مثلان ضربهما النبي ﷺ للمؤمن، كما جاء في الصحيحين عن مجاهد قال: صحبت ابن عمر إلى المدينة فقال: كنا عند النبي ﷺ فأتي بجمار، وهو قلب النخلة، وفي رواية: كنت عند النبي ﷺ، وهو يأكل جماراً، فقال: إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وإنها مثل المسلم، فحدثوني ما هي؟[رواه البخاري61، ومسلم2811]. وفي رواية لابن حبان: من يخبرني عن شجرة مثل المؤمن، أصلها ثابت وفرعها في السماء [رواه ابن حبان243]. وفي رواية: إن من الشجر لما بركته كبركة المسلم[رواه البخاري5444]، وفي رواية: أخبرني بشجرة كالرجل المسلم، لا يتحات ورقها، ولا، ولا، ولا [رواه البخاري5444]. فوقع الناس في شجر البوادي، قال عبد الله: ووقع في نفسي أنها النخلة فاستحييت. وفي رواية ابن عوانة: فظننت أنها النخلة من أجل الجمار الذي أتي به. وفي رواية: فأردت أن أقول: هي النخلة، فإذا أنا أصغر القوم. وفي رواية: فإذا أنا عاشر عشرة أنا أحدثهم، يعني أصغرهم سناً، وفي رواية: فرأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان فكرهت أن أتكلم، ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله، قال: هي النخلة[رواه البخاري61، ومسلم2811]. فلما قمنا قلت لعمر: يا أبتاه. وفي رواية: فحدثت أبي بما وقع في نفسي، فقال: لأن تكون قلتها أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا. وفي رواية ابن حبان: أحب إلي من أن يكون لي حمر النعم.

شبه النبي ﷺ المؤمن بالنخلة في هذا الحديث، وفيه أنواع من الشبه والتقارب بين المؤمن والنخلة، فمن جهة فإن ورق النخلة لا يسقط، وكذا المؤمن لا تسقط له دعوة، وبركة النخلة موجودة في جميع أجزائها، مستمرة في جميع أحوالها، فمن حين تطلع إلى أن تيبس، تؤكل أنواعاً، فيؤكل ثمرها بلحاً، ويؤكل رطباً، ويؤكل تمراً، ويؤكل حشفاً يابساً، فكل ثمار النخلة تؤكل، في جميع الأوقات والأزمان، وتخزن وينتفع بها، وتؤكل من الشجرة أيضاً، وفي ذلك مثل للمؤمن الذي ينتفع به في كل زمان وفي كل حين، ينتفع بالمؤمن، بأقواله وأفعاله، وهديه وسيرته، وسمته ومظهره، ينتفع بالمؤمن في كل حين؛ لأنه يمتثل أوامر الله ، ثم إن هذه النخلة ينتفع بجميع أجزائها، فينتفع بالثمر، وينتفع بالسعف، ويصنع الخوص، ويصنع من الخوص أشياء، وينتفع بالجمار وهو قلبها فيؤكل، وحتى النوى فهو علف للدواب، والليف يصنع منه الحبال، وغير ذلك مما لا يخفى، ففي النخلة أشياء كثيرة يستفاد منها، بل إنه يستفاد منها كلها، وكذلك المسلم المؤمن الممتثل لأوامر الله يستفاد من كلامه، يستفاد من مشيه، يستفاد من ملابسه وهندامه، يستفاد من تصرفاته وأحواله، يستفاد منه في جميع الأوضاع، وفي جميع الأشياء، يستفاد من لسانه، ويستفاد من يده، ويستفاد من تفكيره.

وجه الشبه بين المؤمن والنخلة

00:06:29

وهكذا المسلم المؤمن الممتثل لأمر الله نفعه مستمر، وهذه النخلة حتى بعد قطعها يستفاد منها مما يجعل منها من الحطب، ومما يؤكل من جوفها من الجمار، حتى بعد قلعها، وحتى بعد موتها يستفاد منها، ويصف السعف في السقف فيكون ظلاً ظليلاً، ويكون مكناً من المطر، وكذلك المؤمن يستفاد منه حتى بعد موته، بالعلم الذي يتركه، والخير الذي يدعه، والأولاد الصالحين الذين يربيهم، ويكونون خلفة صالحة له، ويستفاد من ماله الحلال لورثته من بعده، وهكذا المؤمن يستفاد من سيرته الحسنة حتى بعد موته، وهذه سير الأنبياء والصحابة والتابعين والخلفاء والأئمة العلماء، والشهداء والأتقياء، لا تزال الكتب بها مسطرة، ولا تزال الأخبار منقولة والفوائد متعددة، نقتدي بهم بعد موتهم.

وقوله ﷺ: ولا، ولا، ولا، كما جاء عن الراوي نقلاً عنه ﷺ: قيل لا ينقطع ثمرها ولا يعدم فيؤها، ولا يبطل نفعها.

وكذلك فإن النخلة هي الشجرة المعنية بقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء، في جهة العلو، ارتفعت سامقة، أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء ۝ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَسورة إبراهيم24-25. وهذا المؤمن دينه ثابت، أصل دينه ثابت، كثبات جذع النخلة في الأرض، وجذورها ممتدة، ومتشعبة، يصعب قلعها، وهكذا المؤمن فإنه ثابت، دينه ثابت، جذوره متوغلة في أرض الإيمان، مسقية بماء الإيمان، ولذلك يصعب اقتلاعه، والقضاء عليه، ويكون عمله الصالح مورقاً عن هذا الأصل الثابت، فكما أن فروع النخلة عالية في السماء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا، فكذلك المؤمن يؤتي أكله كل حين بإذن ربه، وكما أن أكل النخلة حلو مفيد فكذلك هذا العمل الصالح من المؤمن مفيد، يخرج منه ويصعد إلى السماء، إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُسورة فاطر10. يصعد إلى السماء كما تصعد النخلة عالية، وبالجملة يقول النبي ﷺ: مثل المؤمن مثل النخلة ما أتاك منها نفعك[رواه البزار5915،دون لفظ(ما أتاك منها نفعك)]. فهذه الرواية التي سندها صحيح عند البزار عن ابن عمر مرفوعاً، تفيد الشبه العام بين المؤمن والنخلة، وهذا الحديث الذي ذكره ابن عمر رضي الله تعالى عنه، وذكره البخاري رحمه الله في كتاب العلم، وفي مواضع متعددة من صحيحه، ورواه بعض أهل السنن، بالإضافة إلى الإمام مسلم رحمه الله فيه فوائد متعددة لطالب العلم، وللشيوخ وأهل العلم، فمن ذلك أن الملغز له ينبغي أن يتفطن للقرائن الواقعة عند السؤال، فهذا ابن عمر ربط بين الجمار الذي وضع بين يدي النبي ﷺ وبين السؤال واللغز الذي طرحه ﷺ، وكذلك فإن الملغز ينبغي له أن لا يبالغ في التعمية، بحيث لا يجعل للمغلز باباً يدخل منه، بل كل ما قربه كان أوقع في نفس سامعه، وكذلك فإن للعالم أن يمتحن الطلبة بما يخفى، مع بيانه لهم إن لم يفهموه، وفي هذا الحديث التحريض على فهم العلم، وفيه استحباب الحياء ما لم يؤد إلى تفويت مصلحة، ولذلك فإن عمر تمنى أن ابنه لم يسكت، وفيه بركة هذه الشجرة العظيمة، وأن الجمار بيعه جائز، وأن الشجرة الطيبة في القرآن هي النخلة، وأن تشبيه الشيء بالشيء لا يلزم أن يكون نظيره من جميع الوجوه، وفيه توقير الكبير، وتقديم الصغير أباه في القول، وكذلك أن العالم الكبير مثل أبي بكر وعمر في المجلس قد يخفى عليه ما يدركه من هو دونه في السن؛ لأن العلم مواهب، والله يؤتي ملكه من يشاء، ويؤتي علمه من يشاء، وفيه فضيلة لابن عمر رضي الله عنهما.

المؤمن مثل النحلة

00:12:24

أما المثل الثاني الذي ضربه النبي ﷺ للمؤمن: فهو ما أخرجه البيهقي في الأدب وغيره كابن حبان رحمه الله، ورواه الإمام أحمد أيضاً، وهو حديث حسن بطرقه، قال النبي ﷺ: مثل المؤمن مثل النحلة، وقال في الحديث السابق: مثل النخلة، والفرق بينهما نقطة على الحاء غير منقوطة، الحاء في النحلة، وهي منقوطة في النخلة، ولكن كلاهما صحيح، وهما مثلان مفيدان، ومثلان جميلان وهما من روائع أدب النبي ﷺ، يقول: مثل المؤمن مثل النحلة إن أكلت أكلت طيباً، وإن وضعت وضعت طيباً، وإن وقعت على عود نخر لم تكسره، ومثل المؤمن مثل سبيكة الذهب، إن نفخت عليها احمرت، وإن وزنت لم تنقص [رواه البيهقي في شعب الايمان5382]. محافظة على أوضاعها في جميع الحالات، وعند الابتلاء والفتنة يظهر المعدن الصافي وتنتفي الشوائب، وكذلك يمحص الله المؤمن بأنواع الابتلاءات، مثل المؤمن مثل النحلة، لا تأكل إلا طيباً، ولا تضع إلا طيباً، فالنحلة حذقة فطنة، قليلة الأذى، منفعتها شاملة، وهي قنوعة، وساعية بالليل، وتتنزه عن الأقذار، وأكلها طيب، ولا تأكل من أكل غيرها، وهي مطيعة لأميرها، وإن للنحل آفات ينقطع بها العمل، مثل الظلمة والغيم والريح والدخان والماء والنار، وكذلك المؤمن له آفات تفقره من عمله، كظلمة الغفلة وغيم الشك، وريح الفتنة، ودخان الحرام، ونار الهوى، المؤمن كالنحلة لا يأكل إلا طيباً، شبهه بالنحلة في أن أكله طيب لا يأكل من الحرام، هو بعيد عنه، أكله من الحلال المحض، يتحرى الحلال، لا يقع على حرام ولا على شبهة، وإنما حلال خالص، كما تقع النحل، كما يقع النحل على الحلال الخالص، فيمص من رحيق الأزهار المتنوعة، وكذلك المؤمن يأخذ من العلم المفيد، يأخذ من العلم المفيد والمسائل النافعة بجميع أنواعها، يأخذ كل ما يصلح له، ينوع مصادر العلم، ويتلقى عن الطيب، عن أهل العلم الطيبين، فيتفاعل هذا العلم في نفسه، وهذا الإيمان، فينتجان العمل الصالح المتنوع، الشافي لنفسه، الذي يدرك به مراتب الدرجات العلى عند ربه، كما أن النحل يتفاعل في بطونها هذا الرحيق الذي امتصته فتخرج به عسلاً مختلفاً ألوانه، فيه شفاء للناس، وهكذا الأعمال، أعمال المؤمن فيها شفاء له ولغيره، وفيه منافع للناس، وهكذا النحلة مؤونتها قليلة ونفعها كثير، والمؤمن كذلك مؤونته قليلة، وهو قنوع ليس بثقيل ظل، ونفعه كثير، وهذه النحلة إن وقعت على عود نخر لم تكسره، وكذلك المؤمن، فإنه خفيف الظل ليس بثقيله، خفيف الوطأة ليس بثقيلها، وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًاسورة الفرقان63. يمشون بتواضع وتأدب، لا مشية المتغطرس المتعنت الذي يظن أنه سيخرق الأرض أو يبلغ الجبال طولاً، وكذلك النحلة إذا وردت على ماء لا تكدره، قال علي : كونوا في الدنيا كالنحلة، كل الطير يستضعفها، وما علموا ما في بطنها من النفع والشفاء، وهكذا المؤمن قد يحتقر، وينظر إليه بتواضع، وينظر إليه بعين القلة، ولكنه يشتمل في أثوابه على نفسه أسد هصور في شجاعته وجرأته في قوله بالحق، وعمله به، وأمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر، وهو كذلك فيه نفع عظيم، لكنه لا يظهر أعماله الصالحة، لا رياء عنده، ولا تصنع ولا سمعه، بل عنده إخلاص، يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِسورة البقرة273. يحسبه الناس ضعيفاً، وهو عند الله عظيم.

وهكذا النحلة أيضاً لا تأكل بمرادها، وبشهوة منها بمقدار ما تأكل ربها لها، كما قال الله: كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ سورة النحل69. فتأكل من الحلو والمر، لا تتعداه إلى غيره من غير تخليط، ولذلك طاب عسلها لذة، وحلاوة، وشفاءً، وكذلك المؤمن لا يأكل إلا طيباً، ولو صبر على مر العيش، فإن أكله حلال، فيكون عديم الوقوع في الحرام والشبهات، لا تهوى نفسه هذا الحرام، ولو كان ما كان من الجمال في الظاهر، واللذة الظاهرة، فإنه في الباطن مر مر العلقم، فإن الحرام أمر من العلقم، لو كان الحرام طعاماً يستطعم لوجدناه أمر من العلقم، وكذلك المسلم صلح باطنه وظاهره، أفعاله طيبة، وأخلاقه ذكية، وأعماله صالحة، ولا يمكن أن تكون الأعمال صالحة إلا بعد طيب الغذاء، وبقدر حل الغذاء تنمو أعماله وتذكو، كما أن النحلة يعذب عسلها ويحلوا، فكذلك عمل المؤمن نابع من كسبه الحلال، المؤمن مثله كمثل النحلة لا تأكل إلا طيباً ولا تضع إلا طيباً، وهو في تعاونه مع المؤمنين، وفي انقياده بالمعروف لأميره، بالمعروف والطاعة، فإنه يثمر حسن النتاج، وهو يدافع عن عرين الإسلام ضد الأعداء، كما تدافع النحلة عن عرينها، وعن عريشها، وعن خليتها، تدافع أشد المدافعة، والمؤمن كذلك يدافع عن عرين الدين، ويلسع كل من أراد أن يقدم على هدم الإسلام بشبهة أو بقوة، فيدفعه المؤمن بقوة إيمانه، وقوة جسده، ويستعمل أنواع القوى في دفع الأذى عن الدين وأهله، هذان مثلان عظيمان مثل بهما ﷺ للمؤمن النخلة والنحلة.

نسأل الله أن نكون ممن مثل بهم ﷺ في هذين المثلين، وأن يرزقنا العلم الصالح، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، إنه جواد كريم رؤوف رحيم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

وافسحوا لإخوانكم الواقفين يفسح الله لكم.

الخطبة الثانية

00:21:05

الحمد لله رب العالمين، الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى، أحمده وأشكره على إنعامه وآلائه الجزيلة، لا يستحق الحمد بحق إلا هو، على السراء والضراء، لا يحمد على مكروه إلا هو، فالحمد لله على كل حال، أشهد أنه هو الحي القيوم، مالك الملك، هو الغني ونحن الفقراء، وهو القوي ونحن الضعفاء ، وأشهد أن محمداً رسول الله ﷺ، هو النبي الأمي، والبشير النذير، والسراج المنير، والشافع المشفع، إمام الأنبياء، وسيد الحنفاء، وصاحب الحوض المورود، والشفاعة العظمى والمقام المحمود، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وعلى آله وأزواجه وذريته، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

فضائل شهر شعبان

00:22:25

أما الأمران المبدوءان بالشين، والمختومان بالألف والنون فيما سنتحدث عنه في بقية هذه الخطبة، فهما شعبان وشيشان، أما شعبان فإنه شهر عظيم من شهور الله، وهو من الشهور الاثني عشر التي أذن الله تعالى أن تكون هي الشهور المعتبرة الشرعية، إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَسورة التوبة36. قيل: إنه سمي بشعبان لأن العرب كانوا يتشعبون فيه، يعني: يتفرقون في طلب المياه. وقيل: للغارات. وقيل: لأنه شعب، أي: ظهر بين شهر رجب وشهر رمضان. كان له في نفس النبي ﷺ مكانة عظيمة، حتى قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله ﷺ يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، وما رأيت رسول الله ﷺ استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياماً منه في شعبان. وقالت عائشة رضي الله عنها: ولا صام شهراً كاملاً قط منذ قدم المدينة غير رمضان، والسبب ما جاء في الحديث الصحيح عن أسامة بن زيد قال: قلت: يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: ذلك شهر يغفل الناس عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم[رواه النسائي2357].

قال ابن حجر رحمه الله تعالى: كان صيامه في شعبان تطوعاً، أكثر من صيامه فيما سواه – من جهة التطوع – وكان يصوم معظم شعبان.

وقال بعضهم: كان يصوم من أوله ومن آخره ومن أثنائه، فلا يخلي شيئاً من صيام، لا يخلي شيئاً من شعبان من صيام.

فاهتدوا واقتدوا بهدي نبيكم ﷺ في الإكثار من الصيام في شعبان، فهو شهر عظيم ترفع الأعمال فيه إلى رب العالمين، وهو جدير بأن يصام في أكثره، كما فعل النبي ﷺ، وفيه تدريب لما سنقدم عليه إن شاء الله من صيام رمضان نسأل الله أن يبلغنا إياه، وحثوا النساء ومن عليه قضاء بأن يسارع إلى قضاء ما عليه من رمضان الماضي قبل أن يدخل رمضان الجديد، وأن ينتهز ما بقي من أيام شعبان في قضاء ما عليه، فالجو بارد والأمر متيسر والقضاء سهل، والحمد لله الذي رضي لنا عدة من أيام أخر، ولم يقل: إذا كان رمضان في الصيف فاقضوه في حر، وإنما رضي لنا أن نقضي الأيام التي فاتتنا ولو كانت في حر رضي لنا أن نقضيها في البرد، فالحمد لله على تيسيره وإحسانه.

محنة المسلمين في الشيشان

00:26:04

أما بالنسبة للشيشان، وهو في اللفظ مشابه لشعبان، ومحنة الشيشان تشتد الآن عند دخول شعبان، فإنه أيها الإخوة ولا شك حلقة من حلاقات التآمر المستمر على الإسلام وأهله، ولا شك أنها محنة جديدة من المحن الكثيرة التي تمر وتعصف بالمسلمين، مكر الليل والنهار، يمكرون بالمسلمين، والله خير الماكرين، وسيمكر بهم ، متى شاء كيف شاء ، هذا الشعب المسلم الذي لم يدخله الإسلام بقوة السلاح؛ لأنهم في منطقة نائية لم تصل إليها جيوش الفاتحين، وإنما دخل الإسلام بلاد الشيشان في وقت متأخر، في القرن السابع عشر الميلادي، بسفر بعض الدعاة من بلاد داغستان المجاورة إلى تلك البلاد نشروا فيها الدين، فصار معظم شعب الشيشان شعب مسلم، ثم بدأت الحملات الصليبية من روسيا القيصرية على تلك البلاد المسلمة، في القرن الثامن عشر اشتدت لتركيع تلك البلاد لروسيا القيصرية النصرانية، واستمرت الحملة في القرن التاسع عشر على ذلك الشعب المسلم، وحصل ما حصل من التقتيل والتشريد، ولكن الله قيض للمسلمين من قام بأمرهم في تلك الفترة من الزمن، وقام الإمام منصور أوشورما الشيشاني بمحاربة الجيوش الروسية القيصرية في القرن الثامن عشر، في الحملة الصليبية التي بدأت على بلاد الشيشان، وكسرهم في معركة مشهورة، وهي معركة الجيش الذي أرسلته النصرانية ملكة الروس كاترينا الثانية في سنة 1785 للميلاد، بقيادة العقيد بيري، حيث قتل الإمام منصور العقيد بيري بنفسه في المعركة، وخسر الروس سبعة ضباط وألف جندي وولوا هاربين، ثم بعد ذلك قتل ذلك الإمام واستولى الروس في حملات متتابعة على بلاد الشيشان، وعندما نشبت حرب القرم الثانية في سنة 1787 للميلاد استطاع الإمام شامل وهو أشهر الأئمة الذين ظهروا عندهم من مقاومة الروس في داغستان حتى سنة 1839 ثم هزم في معركة أخولكو، ولكن الشيشان أمدوه بقوات، فأعاد بناء جيشه وأعاد الاستيلاء على بلاد الداغستان وضم الشيشان وخسر الروس في معركة واحدة خمسة عشر ألف جندي وضابط بين قتيل وجريح، في عام 1844 للميلاد.

ثم بعد ذلك توفي ذلك الإمام واستولى الشيوعيون على بلاد المسلمين، وفي عام 1944 للميلاد نفي الشعب الشيشاني بأكمله إلى سيبيريا وكازاخستان، حيث هلك من المسلمين مائتان وخمسون ألفاً، ربع مليون في الجوع والبرد ومعسكرات التعذيب، هذا ما فعله الشيوعيون بالمسلمين.

ثم حدث ما حدث من استقلالهم في هذه السنين المتأخرة، نسأل الله أن يقيض لهم أئمة هدى ينقلونهم من تعصب المذاهب إلى السنة، ومن تيارات الصوفية إلى العقيدة الصحيحة، فإنهم إذا رزقوا السنة، فإنهم منصورون بإذن الله، وهم شعب مجاهد أشداء على الكفار، ولعل الله يشعل جهاداً في تلك المنطقة، في بلاد القوقاز المؤلفة من الشعوب الإسلامية الستة: الشيشان والداغستان والأنقوش والقبرطاي والشراكسة والأبخاز، هذه الشعوب الإسلامية الموجودة في بلاد القوقاز الأمل في الله أن يبعث فيهم الجهاد، وتعود روح الحمية لهذا الدين، ونسأل الله أن يهلك الروس الملاعين والنصارى الذين يؤيدونهم ويسكتون على جرائمهم، وإلى الله المشتكى من خذلان المسلمين لإخوانهم.

وقد ضربوا بلادهم الآن بالطائرات، وفي الليلة الماضية في اليوم الماضي ضربوا الجسر الجنوبي والجسر الشرقي المؤدي إلى منع اللاجئين من الخروج، ومحاصرة المدينة، ومنع المساعدين المسلمين من القدوم عليها، وفشلوا في الحملة الأخيرة في اقتحام عاصمة الشيشان نسأل الله أن يفشل خططهم، وهم سيتبعون الحملة تلو الحملة، حتى يستولوا على تلك البلدة ويقيموا فيها نظام الكفر، ولكنهم لن ينعموا عيناً بإذن الله ولن تقر أنفسهم، فإنهم وإن استولوا عليها فإن عصابات الجهاد لا عصابات الإجرام من المسلمين سيواصلون الجهاد عليهم، وستشتعل الحرب الجهادية في ذلك المكان بإذن الله ، وفرصة لتكاتف الشعوب الإسلامية، وكسر الحواجز التي اصطنعها الكفار بين أقاليم المسلمين عندما تعود هذه الشعوب الإسلامية الستة إلى التلاحم في وجه العدو الذي أسفر عن قناع جديد، ونسأل الله أن يعلي راية الجهاد في سائر أمصار المسلمين، وأن يدحر الكفرة وأعداء الدين، وأن ينصرنا على اليهود والنصارى والشيوعيين وسائر المنافقين، ونسأله أن يحفظ أوطان المسلمين من كل سوء وطاغوت، اللهم ادفع عنا الغلاء والربا والبلاء والزنا، والفواحش والمحن، وسائر الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين، اللهم ارحم موتانا، واشف مرضانا، واستر عيوبنا، وحسن أخلاقنا، واقض ديوننا، ورد غائبنا، اللهم بلغنا رمضان يا رب العالمين، وارزقنا فيه وفي غيره من الشهور التوبة والغفران.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.

1 - رواه البخاري61، ومسلم2811
2 - رواه ابن حبان243
3 - رواه البخاري5444
4 - رواه البخاري5444
5 - رواه البخاري61، ومسلم2811
6 - رواه البزار5915،دون لفظ(ما أتاك منها نفعك)
7 - رواه البيهقي في شعب الايمان5382
8 - رواه النسائي2357