الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

تعظيم الله


عناصر المادة
الخطبة الأولى
عظمة الله
أفعال الله وحكمته في ذلك من أجل المسائل الإلهية
قواعد في أفعاله 
الرضا بأفعال الله لا بمفعولاته
حكمة الله في أعدائه
الخطبة الثانية
التفكر في أفعاله سبحانه في خلقه
الإجازة وكيفية استغلالها

الخطبة الأولى

00:00:07

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

عظمة الله

00:00:30

الحمد لله أحق من ذكر، وأحق من شكر، وأحق من حمد، وأحق من عبد، أقرب شهيد، وأدنى حفيظ، حال دون النفوس، وأخذ بالنواصي، عنت الوجوه له سبحانه، وهو السميع البصير، له الأسماء الحسنى، والصفات العلى، والأفعال العظيمة، وأفعاله دالة على حكمته، إنه أمر عظيم، وفهم دقيق، يحتاجه الكبير والصغير، والعالم وغير العالم؛ أن ينظر المسلم في أفعال ربه ، وأن يتأمل فيها، وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سورة الأنعام:13يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُسورة الأنعام:14، وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِسورة الأنعام:59، وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةًسورة الأنعام:61، ينجيكم من الكرب، وإن شاء أرسل بالعذاب، يسمع الأصوات على اختلاف اللغات، وتنوع الحاجات، وتعدد الأشخاص، فلا يشغله شيء عن شيء، فيعلم ما يقولون، فيجيب هذا، ويؤخر هذا،  يا عبادي لو أن أولكم، وآخركم، وأنسكم، وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل إلى البحv[ رواه مسلم (2577) ]، كان أبو إدريس الخولاني رحمه الله إذا حدث بهذا الحديث جثا على ركبتيه، وقال الإمام أحمد: هو أشرف حديث لأهل الشام.

أفعال الله وحكمته في ذلك من أجل المسائل الإلهية

00:02:53

عباد الله: مسألة غايات أفعال الله، ونهاية حكمته؛ مسألة عظيمة، ولعلها كما قال شيخ الإسلام: أجل المسائل الإلهية، فهو يفعل ما يشاء، فأفعاله:

أولاً: خير كلها، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك[ رواه مسلم (771) ]، فأفعاله فضل، وعدل، وحكمة، ورحمة.

وثانياً: أنها مبنية على الحكمة، ومنزهة عن العبث، وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَسورة الدخان:38 وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًاسورة ص:27، أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًاسورة المؤمنون:115، ولذلك فإن تحريمه تعالى لما حرم لأجل ما في تلك المحرمات من المفاسد، وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاًسورة الإسراء:32، وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ سورة الأحزاب:53، ثم ذكر العلة: ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ، وأمر بما أمر به وقاية للإنسان من فتنة الشهوة، فقال: يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَسورة البقرة:185، وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا سورة النساء:27، فلا يفعل شيئاً سبحانه إلا لمصلحة وحكمة، فأفعاله صادرة عن حكمته، وأفعاله دائرة بين الفضل والعدل، فالحسنة بعشر أمثالها فضل، والسيئة بمثلها عدل، ، وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِسورة فصلت:46.

وهو سبحانه يفعل ما يشاء، ولا بد أن يكون في فعله حكمة؛ وإن خفيت علينا، فلو قال قائل: لماذا خلق الله الفقر؟ ولماذا خلق الله الأوجاع والآلام؟، ولماذا خلق الله الذباب والبعوض؟

فنقول: لحكمة يعلمها سبحانه، فمن ذلك أنه يذل به الجبابرة، ويذكرنا بالآلام والأوجاع الموجودة في هذه الدنيا بالفرق بينها وبين الدار الآخرة في جنات النعيم، فإذا انشغل الناس عن الآخرة ذكرهم بشيء مما يمسهم من فقر، أو مرض، أو تعب ونصب.

ولو قلت: هذا الطفل يمرض، فلله في مرض هذا الطفل حكم نوقن بذلك ونؤمن بها، وهو يذكر عباده الرحمة، ويحرك في قلوبهم العطف، وهذا البكاء للطفل إذا ولد يوسع مجاري النفس، ويصلب العروق، ويقوي الأعصاب، وهكذا في قبض الصغار، وترك بعض الكبار حتى يصيبهم الهرم.

وتتذكر نعمة الصحة إذا رأيت المريض والمبتلى، وصاحب العاهة، ولتعلم أن الله يخلق ما يشاء، ويفعل ما يشاء، ويذكر الأصحاء نعمة الصحة بهؤلاء المرضى، ويذكر الأغنياء نعمة المال بهذا الفقر الذي يرونه، ويكفر السيئات بالمصائب، وهي حكمة بالغة، وتكون العقوبات على أعدائه بالمصائب؛ فيريهم بأسه، وشدته ، فأفعاله تبع لحكمته.

خلقنا ليبلونا، أرسل رسوله رحمة للعالمين، وإذا سلط الخراب، والدمار، والقتل، والحروب؛ فليرجعوا إليه،وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَسورة الأنعام:42،وقال تعالى: فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْسورة الأنعام:43.

ولو قال قائل: ما فائدة هذه الحروب، وهذه المصائب، وهذه النوازل، وهذه الشدائد؟

فنقول: لعلهم يرجعون، لعلهم يتوبون، لعلهم يذكرون، لعلهم من غفلتهم يستيقظون.

عباد الله: وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَسورة المؤمنون:76.

قواعد في أفعاله

00:08:23

ومن القواعد في أفعاله :

- أنه لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَسورة الأنبياء:23، كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍسورة الرحمن:29، يغني فقيراً،ويجبر كسيراً، يعطي قوماً ويمنع آخرين، يميت ويحيي، يرفع ويخفض، لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِسورة الرعد:41، من الذي يسأله؟ من ذا الذي يحاسبه؟ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَسورة الحجر:92- 93،وهو يحاسبهم سبحانه على أفعالهم، ويؤاخذهم بذنوبهم.

ومهما بلغ الجبار في جبروته، فإن له عند الله أجلاً، فيبتليه بما يشاء سبحانه، وربما أذلته بعوضة.

- أن أفعاله متعلق بمشيئته، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُالبقرة:105، يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُالبقرة:212، وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُالبقرة:213، يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُالبقرة:269، فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُالبقرة:284، يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُالبقرة:212، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُالتوبة:15، اللهم تب علينا أجمعين، نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُيوسف:56، اللهم اجعلنا في رحمتك يا أرحم الراحمين، وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُالقصص:68، يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَالشورى:49، أرأيتم قدرته؟ أعرفتم عظمته؟.

- أن أفعاله منزهة عن مماثلة أفعال المخلوقين، فالمخلوق جاهل ظالم (ظلوم جهول) كما وصفه الله، لا يعلم الغيب، ولا يعرف المستقبل، فيعمل أمراً لشيء فإذا به يفاجأ من الناحية الأخرى، قال بعضهم في عُمان: كنا نتحسب من الماء من جهة البحر، فإذا به يأتي سيولاً من الجبل من خلفنا.

عباد الله: الله يبتلي من يشاء بما يشاء، وهو الذي يفعل ما يشاء، ومن الذي يشابه أفعال الله بفعله؟ ينزل الغيث، قالوا: فعلنا وفعلنا في إنزال المطر، وإذا تأملت بعين البصيرة، وجدت أن تدخل أكثر البشر في الطبيعة يفسدها، لدرجة أنهم يتراجعون عن كثير مما يسمونه منجزات علمية؛ لأنهم يرون أثر فسادهم في الطبيعة التي خلقها الله، ويستسلمون لموازين الطبيعة التي خلقها ، ونقول لمن يزعم إنزال المطر: أأنتم أتيتم برياح فسقتم سحاباً فراكمتموه في السماء كيف تشاءون بحساباتكم، ثم أنزلتم منهم المطر بالقدر الذي تريدون؟ كلا والله، خابوا وخسئوا، فإن الله تعالى هو الذي ينزل الغيث.

عباد الله: مهما فعل البشر من شيء فإنما هو بتمكين الله، فلولا تمكين الله لهم ما قدروا على أن يفعلوا، وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَسورة الصافات:96.

الرضا بأفعال الله لا بمفعولاته

00:12:43

ومن مسائل الأفعال: أننا في أمور المعاصي إذا حدثت، نعلم أنها تحدث بقضاء الله وقدره، فلا يخرج عن قدر الله شيء، فإن الرضا في هذه الحالة بأفعال الله لا بمفعولاته، بمعنى: أنك ترضى بما قدر، ولكن لا ترضى بالفاحشة، ولا ترضى بالزنا، ولا ترضى بالحرام الذي يحصل منك أو من غيرك، ولذلك ننهى عن المنكر، وننصح، ونبين، ونحذر، ونعترض على صاحب المنكر.

- إن أفعال الله جميعاً مبنية على قدر سابق منه ، وهذا من أركان الإيمان؛ أن تؤمن بالقدر خيره وشره، فكل ما يفعله الله فقد أرده سلفاً، وكتبه، وقدره .

ومن أسمائه تؤخذ الصفات، ومن صفاته تعرف الأفعال، ولكن لا يشتق من الفعل اسماً إلا إذا سمى به نفسه، ولذلك نقول في السميع: له صفة السمع، وهو يسمع، وهذا من أفعاله، وأما بالنسبة لأفعاله فهو سبحانه يأتي ويجيء، ويستوي، ويمسك، ويبطش، ويمكر، ولكن لا تؤخذ من هذه الأفعال أسماء فلا نقول: الآتي، والآخذ، والباطش.. ونحو ذلك؛ لأننا لا نسمي الله إلا بما سمى به نفسه،وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًاسورة طـه:110.

عباد الله: إن الله قدر كل شيء، عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له[ رواه مسلم (2999) ].

- أن أفعاله حسنة عظيمة، وهو القائم على كل نفس بما كسبت، يحاسبهم كيف يشاء، وكثير من الناس لا يتفكر، ولا يدرك في كثير من الأحيان أفعال الله العظيمة مثل: أنه القائم على كل نفس بما كسبت، ويمسك السموات أن تقع على الأرض، فمن نعمته أنه يمسكها وإلا لوقعت علينا، وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُسورة البقرة:255 لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، بينما البشر لا بد لهم من نوم، فلو وقف إنسان بقارورتين زجاجيتين؛ فإلى كم يصمد؟ سيصيبه النعاس، ثم يشرع في النوم؛ فتقع الزجاجات، وتتكسر،وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِسورة الحـج:65، لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌسورة البقرة:255، وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌسورة الحـج:65.

حكمة الله في أعدائه

00:16:30

عباد الله: أفعاله في أعدائه مشهودة معلومة، فهو يستدرجهم، ويملي لهم، ويمكر بهم، ويخادعهم، ويستهزئ بهم، إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًاسورة آل عمران:178،سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَسورة القلم:44،أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ ۝ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَسورة المؤمنون:55-56، وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَاسورة التوبة:85، وكثيراً ما كان المال وبالاً على صاحبه، وعذاباً من الهموم والغموم، وكم من الناس أصابتهم السكتات، والجلطات؛ بسبب مال فقدوه، ولو كان ربما فقيراً لما أصابه الذي أصابه.

عباد الله: إن المؤمن لا يأمن مكر الله، بل يبقى حذراً خائفاً أن يمسه شيء من ربه بعقوبة على ذنب.

اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.

الخطبة الثانية

00:18:07

الحمد لله أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، وأشهد أن محمداً رسول الله، عبده وأمينه، وصفيه من خلقه وحبيبه، أشهد أنه رسول الله حقاً، والداعي إلى سبيله صدقاً، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد، وعلى آله، وذريته الطيبين، وأزواجه، وخلفائه الميامين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

التفكر في أفعاله سبحانه في خلقه

00:18:51

عباد الله: هذا ربكم خلق كل شيء: هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِسورة لقمان:11، ذو الفضل العظيم، الواسع العليم، والعزيز الحكيم، ابتلى إبراهيم بكلمات، وسمع نداء يونس في الظلمات، واستجاب لزكريا فوهبه على الكبر يحيى هادياً مهدياً،وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّاسورة مريم:13، أزال الكرب عن أيوب، و ألان لداود الحديد، وسخر الريح لسليمان، وفلق البحر لموسى، ورُفع إليه عيسى، وشق القمر لمحمد ﷺ، نجّى هوداً وأهلك قومه، ونجّى صالحاً من الظالمين فأصبحوا في ديارهم جاثمين، وجعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم، وفدى إسماعيل بذبح عظيم، وجعل عيسى وأمه آية للعالمين، ونجّى لوطاً وأرسل على قومه حجارة من سجيل منضود، ونجّى شعيباً برحمته، وأهلك أهل مدين بعدله:أَلاَ بُعْدًا لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُسورة هود:95، أغرق فرعون وقومه، ونجاه ببدنه ليكون لمن خلفه آية، وخسف بقارون وبداره الأرض، وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُسورة القصص:82،،أضحك وأبكى، وأمات وأحيا، وأسعد وأشقى، وأوجد وأبلى، رفع وخفض، وأعز وأذل، وأعطى ومنع، ورفع ووضع، هدى نوحاً وأضل ابنه، واختار إبراهيم وأبعد أباه، وأنقذ لوطاً وأهلك امرأته، ولعن فرعون وهدى زوجته، واصطفى محمداً ﷺ ومقت عمه:تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّسورة المسد:1، فعم عاداه،وعم دافع عنه ولكن لم يتبع منهجه ولم يدخل دينه،وعم تأخر إسلامه،وعم أسد الله وأسد رسوله سيد الشهداء، من الذي كتب لهذا هذا؟ إنه سبحانه الذي يفعل ما يشاء.

واستخرج من أنصار دعوته أبناء لألد خصومه: خالد بن الوليد بن من؟ ابن الوليد بن المغيرة الصنديد الكذاب المشرك، وعكرمة ابن من؟ ابن أبي جهل، يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّسورة الروم:19،يخرج قادة الإسلام من ظهور أئمة الكفر، يهدي من يشاء .

يرغم أنوف الطغاة،ويخفض رءوس الظلمة،ويمزق شمل الجبابرة، أهلك النمرود،وهزم أبرهة بطير أبابيل، وعذب امرأة في هرة، وغفر لبغي سقت كلباً، سبحانه، فهذه حبستها لا أطعمتها ولا سقتها، منعت عنها فضل الله، وفضل ما لم تعمل يداها، وتلك سقته من العطش،وقام بقلبها من رحمة كل ذات كبد رطبة ما جعله يغفر لها سبحانه.

انظر بعين التفكر إلى اختياره لآدم حظي بسجود ملائكته، وإلى نوح نجاه من الغرق بسفينته، وإلى إبراهيم كساه حلة خُلته، وإلى إسماعيل أعان الخليل على بناء كعبته، وافتداه بذبح عظيم من ضجعته، وإلى لوط نجاه من أهله وعشيرته، وإلى شعيب فأعطاه الفصاحة في خطبته، وإلى يوسف فأراه البرهان في همته: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِسورة يوسف:24، وإلى موسى فكلمه، وإلى داود فألان الحديد له على حدته، وإلى سليمان فسخر له الريح يتنقل بها في مملكته، وإلى أيوب فيا طوبى لركضته، وإلى يونس فسمع نداءه في ظلمته، وإلى زكريا فقرن سؤله ببشارته، وإلى عيسى فكم أقام ميتاً من حفرته، وإلى محمد ﷺ فخصه ليلة المعراج بالقرب من حضرته، والوصول إلى سدرته، يجلي المقادير كيف يشاء، يسبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته، من تقرب إليه شبراً تقرب إليه ذراعاً، ومن تقرب إليه ذراعاً تقرب إليه باعاً، ومن أتاه يمشي أتاه هرولة.[ كما في حديث رواه البخاري (7405) ومسلم (2675) ]  إذا ناديته سمعك، وإذا سألته أعطاك، فأين أنت منه؟ وماذا عملت في عبادته؟ وماذا قدمت لطاعته؟

انظر يا عبد الله أين مكانك من ربك؟ اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من أهل طاعتك، ولا تذلنا بمعصيتك يا أرحم الراحمين، هو الله الواحد، الأحد، الفرد، الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، رفع السماء بغير عمد ترونها، وبالكواكب زينها، والجبال نصبها، والأرض سطحها، وذللها وقال: فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَاسورة الملك:15.

وانظر يا عبد الله في عجائب أفعال الله، يردي الطبيب، ويشفي المريض، ويرزق الجنين في الظلمات، وانظر في الثعبان من أحياه والسم يملؤ فاه، والشهد من حلّاه، واللبن من بين فرث ودم من صفاه، والهواء تحسه الأيدي ولا تراه من أخفاه، والبدر من أتمه وأسراه، والنخل من شق نواه، والجبل من أرساه، والصخر من فجر منه المياه، والنهر من أجراه، والبحر من أطغاه، والصبح من أسفره، وصاغ ضحاه، والليل من حاك دجاه.

جعل النوم وفاة، واليقظة منه بعثة وحياة، وجعله لنا آية، يرينا النشور،كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى سورة البقرة:73، هذه الموتة الصغرى؛ تذكرنا بالموتة الكبرى.

علموا أبناءكم وبناتكم أفعال الله، ذكروهم بعظمة الله.

الإجازة وكيفية استغلالها

00:27:04

أيها الإخوة: هذه الإجازة فماذا ستملؤن بها فراغ أولادكم؟ إن العلم من أعظم ما تملأ به الأوقات، والعلم بالله، وأسمائه وصفاته، وأفعاله؛ رأس العلوم، وأشرف العلوم أن يتعلم العبد أفعال المولى سبحانه، وأن يتفكر فيما يجري الله به المقادير، أن تنظر في الواقع فتعلم ماذا يفعل ربك مما تراه مما أراك، ومما أسمعك، تتلمس الحكم فتقول: سبحان الله، وتثني على ربك في كل حال، وهذه العبودية قليل من الناس الذين يأتونها ويحسون بها، والتعبد بالتفكر في أفعال الله، وتلمس الحكم؛ يزيد الإيمان، والعلم بالله من أعظم ما نحتاج إليه، بل هو أعظم ما نحتاج إليه.

وكذلك نعلم أولادنا سيرة محمد بن عبد الله ﷺ، حبيب الله، الرحمة، والسراج المنير، نحفظهم الأذكار التي علمنا إياها رسول الله ﷺ، وقراءة الكتب النافعة، وزيارة الصالحين، وصلة الأرحام، وزيارة المقابر، وعيادة المرضى، والدعوة إلى الله، والسفر للطاعة، والعمرة، والدروس العائلية، والرياضات المباحة، والدورات النافعة، كن مع أولادك، اجعل لهم من وقتك نصيباً لأجل أن تربيهم؛ لأنها أمانة في عنقك ستسأل عنها يوم القيامة.

اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من أهل التقوى يا رب العالمين، هيئ لنا من أمرنا رشداً، اللهم إنا نسألك أن تجعل شغلنا في طاعتك، اللهم إنا نسألك أن تغفر لنا أجمعين، وأن ترحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم تب علينا، لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا كرباً إلا نفسته، ولا عسيراً إلا يسرته، ارحم موتانا، واشف مرضانا، واستر عيوبنا، وارحم ضعفنا، واغفر لنا إسرافنا في أمرنا، اللهم انصرنا على من بغى علينا، وآتنا سؤلنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً إنك أنت العليم الحكيم، اللهم اجعلنا في بلادنا آمنين مطمئنين، وسائر بلاد المسلمين، اللهم من أراد بلادنا، وبلاد المسلمين بسوء فامكر به، وكف يده، وأشغله بنفسه، وابطش به، اللهم إنا نسألك أن تجعلنا ممن قاموا من مجلسهم مغفوراً لهم يا رب العالمين.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

1 - رواه مسلم (2577)
2 - رواه مسلم (771)
3 - رواه مسلم (2999)
4 - كما في حديث رواه البخاري (7405) ومسلم (2675)