الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
الله علم الإنسان كل شيئ
اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ سورة العلق3-5. علمه بالقلم، وعلمه الكتابة، كما قال تعالى: وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ سورة البقرة282. وهذه الكتابة نعمة عظيمة بوسيلتها نقلت العلوم عبر الأجيال، ودونت كتب المعرفة، وعلم الله الإنسان ما لم يعلم، وكانت المنة العظيمة على آدم، وكان سبيلاً لبيان شرفه ومنزلته أن علمه الله أسماء الأشياء كلها، حتى القدُّوم والفأس، كما قال : وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَاسورة البقرة31. وقد جاء في حديث أنس ، عن النبي ﷺ قال: يجتمع المؤمنون يوم القيامة، فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا، فيأتون آدم فيقولون: أنت أبو الناس، خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، فاشفع لنا عند ربك[رواه البخاري4476]. الحديث رواه البخاري.
علمه، وقال للملائكة: أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء سورة البقرة31. فعجزت الملائكة، قائلين:قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَاسورة البقرة32. قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ سورة البقرة33.فنبأهم كما علمه الله.
وعلَّم يوسف تعبير الرؤيا، ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي سورة يوسف37. رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ سورة يوسف101.
وعلَّم داود صناعة الدروع، وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ سورة الأنبياء80. علمها داود لتحصن من بأس الحرب، فهل أنتم شاكرون.
وقال ممتناً على عباده: كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ سورة البقرة239. علم الشريعة أجل العلوم، فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم سورة البقرة239. والتعليم تعليم العلم للناس، علمهم الله بإنزال الكتب وإرسال الرسل، كما علمهم الصنائع المختلفة، وكل تعليم منة، وقال ﷺ: من علمه الله الرمي فتركه رغبة عنه فنعمة كفرها[رواه أحمد17321]. إن تلك نعمة كفرها ذلك الشخص. رواه الإمام أحمد، وهو حديث صحيح.
والكلب المعلَّم أعلى طبقة ومنزلة من الكلب غير المعلم، وهذا من فوائد التعليم وشرفه، يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ سورة البقرة239. يعلمه كيف يصيد، فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْسورة البقرة239. فإذا علمه، إذا صاد أن يتركه لصاحبه، جاز أخذ ما صاده الكلب، وإلا فلا يجوز أن يأخذه ما صاده الكلب لنفسه، وإذا كانت الجوارح من الكلاب والصقور بتعليمها يحل ما أخذت من الصيد، فكيف بمن هو أعلى شأناً، الإنسان، فكيف إذا كان تعليمه علم الشريعة.
الدراسة على الأبواب، وما الواجب على المتعلم؟
عباد الله: ونحن مقبلون على عام دراسي يتوجه فيه ملايين الطلاب إلى المدارس، لنا وقفات في هذه المناسبة، التي تشترك فيها البيوت جميعاً، على وقع التقريب، على المتعلم حقوق، والمعلم، وأولياء الأمور، فأما المتعلم فإنه ينبغي أن يخلص القصد لله تعالى في تعلم ما ينفعه، في تعلم أمور دينه، في تعلم ما ينفع الدين والمسلمين، وما ينفع نفسه، قال ﷺ: احرص على ما ينفعك [رواه مسلم2664]. فإذن بعد الإخلاص وحسن النية، وأن لا يكون القصد هو الدنيا فقط، وإنما نقصد وجه الله، ونقصد الأخذ بأسباب القوة للمسلمين، يكون الحرص على ما ينفع، وخصوصاً في اختيار التخصصات، احرص على ما ينفع، ورب علم ليس بنافع، بل إن هناك علوم محرمة، كالسحر ونحوه، قالﷺ في دعائه: اللهم انفعني بما علمتني، وعلمني ما ينفعي، وزدني علماً [رواه الترمذي3599]. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.
وعلى المتعلم أن يتواضع للمعلم، قال موسى للخضر: هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًاسورة الكهف66. تعلم الأدب مع المعلم من أساسيات التلقي، وكيف ينجح التلقي إذا لم يكن أدب فيه؟ قارن بين هذا وبين ما يحصل من كثير من الطلاب من إساءة الأدب مع المعلمين، وازدرائهم وانتقاصهم والاستهزاء بهم، وخصوصاً إذا كان غريباً، فيكون مستضعفاً بينهم، ولا شك أن هذه طامة، فكيف يتلقى وهو يزدري من يعلمه؟
جاء الأعرابي إلى النبي ﷺ فسلم فصلى فقال: ارجع فصل فإنك لم تصل ثلاثاً، فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني، فقال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر. [رواه البخاري757].رواه البخاري، في طلب التعليم.
وجاء الصدِّيق إلى النبي ﷺ قال: علمني دعاءً أدعو به في صلاتي، وهكذا كان أدب الطلاب مع المعلمين، وخصوصاً معلم الدين ينبغي أن يكون الأدب معه في أشده؛ لأنه يعلمك يا أيها الطالب دين الله تعالى، وخصوصاً معلم القرآن، فإنه إذا قصد وجه الله فإنه أفضل الناس بشهادة النبي ﷺ.
وعلى الطالب أن ينوع علومه ويحرص على توسعها.
احرص على كل علم تبلغ الأمل | ولا تموتن بعلم واحد كسلا |
النحل لما رعت من كل فاكهة | أبدت لنا الجوهرين الشمع والعسل |
الشمع في الليل ضوء يستضاء به | والشهد يبرئ بإذن الباري العلل |
وهكذا يكون العلم ضوء في ظلمة الجهل، ويكون شفاءً من ظلمة الشبهة، وبرأً من مرض الشهوة، ينبغي على الطالب أن يزكي نفسه عن الرذائل، وأن يستعلي بها عن السفاسف، وكثير من الطلاب يجعلون المدرسة مرتعاً للقاذورات والأوساخ، والانحرافات، وتعلم كل رذيلة ونشرها، وويل لكل معلم رذيلة، فإن عليه من الإثم، يجتمع عليه من الإثم وزر ما فعل، وجميع أوزار من علمهم، وينبغي أن تكون الهمة وترك الكسل المطية في التعلم، وينبغي على الطالب أن يتعارف بأهل الخير في المدرسة أو الجامعة التي هو فيها، أن يحرص عليهم، تعرفاً وملازمة واقتداءً وتعلماً، فهم زينة وعدة في البلاء والرخاء، وكذلك هم الحماية بإذن الله تعالى من قاذورات المجتمع وأوساخه، إنهم البيئة النظيفة، التي تنقلك يا أيها الأخ من ظلمات الجاهلية إلى نور الدين والشريعة، ومن ظلمات الجهل إلى نور العلم، ومن ظلمة البدعة إلى نور السنة، واترك الشر وأهله، وإياك وقرناء السوء، وانتق أصحابك وليكن عندك مسكة عقل تعرف كيف تنتقي أصحابك بها، إياك وتقليد الكفرة، وبعض الطلاب في الجامعات يريدون جعل الدراسة الجامعية وسيلة للانفلات من مراقبة الأهل، فمن جاء بهذه النية فليبشر بمصير سيئ وعاقبة وخيمة، إن الانتقال من مرحلة إلى مرحلة ينبغي أن يكون نقلة في ارتفاع المستوى، وتعلم الأمور النافعة الجديدة، وكذلك صقل الشخصية، وتعلم أمور لم يكن قد تعلمها من قبل، إن الذي يرتقي بنفسه إنما يعدها لحمل رسالة الإسلام في المستقبل.
كيف يتعامل الطلاب مع زملائهم ودعوتهم؟
وينبغي على الطلاب الاهتمام بدعوة الطلاب فإنهم ربما أثروا فيهم أكثر مما يؤثر بعض المدرسين، وإن الداعية إلى الله تعالى يكون له أجر بدعوته وتعليمه، من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، من غير أن ينقص من أجورهم شيء[رواه مسلم2674].
ولا شك أن ترك الفرصة تفوت بمثل هذا الاحتكاك الذي تمكنك منه الظروف المواتية، بحكم قربك من زملائك، لا شك أن هذا التفويت يدل على عدم وجود الحكمة في العقل والقلب، بل الحكمة تقتضي انتهاز الفرصة واغتنام الحال لنشر الدين وتقريب الناس إلى الشريعة، ونشر الفضيلة بينهم.
ولا يخلو أن يتعرض الطالب للتعامل مع مدرس كافر أو مبتدع، فليعرف ضوابط الشريعة في ذلك، فأما الكافر فإذا كان مسالماً فإنه يسالم، ويحسن إليه، ويدخل عليه لترغيبه في الإسلام، من المدخل الحسن، ولا يبدأ بالسلام كما نهانا النبي ﷺ عن بدء اليهود والنصارى بالسلام، وأما المبتدع فإنه إذا كان مخفياً للبدعة عاملناه معاملة المنافقين، كما عامل النبي ﷺ ابن أبي وأضرابه، ومن فوائد هذا حثهم وتشجيعهم على إخفاء بدعتهم، فأما إذا جاهروا بها، وأعلنوا وصدعوا، فليس إلا المفاصلة لا سلام ولا كلام، وتقتصر المعاملة على حدود الظرف الذي أنت فيه من دراسة أو وظيفة.
واجب المعلمين تجاه طلابهم
وأما المعلم وهو الركن الثاني في العملية التعليمية، فإن عليه من الواجبات شيئاً عظيماً، ليعلم أولاً أن تعليم الخير من الحسنات الثابتة التي يستمر أجرها بعد الموت، قال رسول الله ﷺ: إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علماً علمه ونشره، وولداً صالحاً تركه، ومصحفاً ورثه، أو مسجداً بناه[رواه ابن ماجه 242]. الحديث رواه ابن ماجه، وهو صحيح وله شواهد.
المعلم قدوة، هذا أولاً، لا يخالف فعله قوله، والمعلم يحسن التعليم، وقد قال الصحابي مخبراً عن تعليم النبي ﷺ: فوالذي نفسي بيده ما رأيت معلماً قبله ولا بعده قط أحسن تعليماً منه، والله ما نهرني ولا كهرني، وذكر الحديث.
والتيسير قد رافق الأمر بالتعليم في حديث النبي ﷺ، في وصيته إلى الوفد عند عودتهم لأهليهم، قال: علّموا، ويسروا، ولا تعسروا[رواه أحمد2556]. حديث صحيح.
والمعلم يبدأ بما يهم المتعلم، ويحثه على الحفظ، والحصة الأولى مهمة جداً في بيان الخطوط العريضة للتعامل، وكذلك في بيان أمور كثيرة ينبغي بيانها في البداية، فيبدأ منذ أن خلق الله آدم، وقبل أن يخلقه، وما هو الغرض من خلق الخلق، وكيف يسير الطالب بناءً على ذلك، ولماذا خلقنا، وما هو الغرض من وجودنا، وإلى أي شيء ينبغي أن نسعى.
ثم إن المعلم يرحم، بل هو بمنزلة الوالد، وقد قال النبي ﷺ للصاحبة: إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم[رواه أبو داود8]. وعلمهم أشياء في قضاء الحاجة، والتعليم يفرض على المعلم أن لا يبقي صغيرة ولا كبيرة تنفع الطالب إلا علمه إياها، قيل لسلمان، قال له أحد المشركين: قد علمكم نبيكم ﷺ كل شيء حتى الخراءة، فقال: أجل، لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول، أو أن نستنجي باليمين. الحديث رواه مسلم.
والتعليم تلقين وتعاهد، وليس تحفيظاً فقط، هو تحفيظ وتفهيم وتعاهد، والذي يلغي التحفيظ غبي وجاهل، لا بد من تحفيظ وتفهيم وتعاهد، وقد قال النبي ﷺ: عملوا الصبي الصلاة ابن سبع سنين، واضربوه عليها ابن عشر سنين[رواه الترمذي407]. رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، فلا بد إذن من التعاهد للمعلومات، وبالذات العمل بها، وخصوصاً في الأشياء العملية، فإن بعض المعلومات عملية، بل ينبغي أن تكون كلها كذلك.
أشرف العلوم، وكيفية طريقة التعليم
وشرف معلم القرآن قد جاء في حديث النبي ﷺ: خيركم من تعلم القرآن وعلمه[رواه البخاري5027]. فليقدر معلم القرآن، ومعلم الدين مكانته، وشرف المنزلة التي تبوأها، وينبغي أن يعلم الطلاب والولاء للإسلام، وأن يكون وظيفة المعلم إعداد الشخصيات التي تحمل هم الدين، وأن يكون هناك استخلاص للعبر من التاريخ والسير، وبالذات سيرة النبي ﷺ، وإيقاظاً لروح الجهاد في أبناء المسلمين، وخصوصاً من معلم التاريخ، والاهتمام بتعليم الآداب وخصوصاً للصغار، فإن كثيراً من أبناءنا في البيوت يشكون من سوء الأدب، وقد جاءت الشريعة بآداب كثيرة، وتدريب الطلاب على إقامة الصلاة، ورعاية صلاة الظهر في المدرسة، والمشاركة في علاج مشكلات الشباب، وخصوصاً في مرحلة المراهقة، وربما كان الشاب مستعداً للإفضاء إلى معلمه بما لا يفضي إلى والديه.
ثم لتكن القضية أمانة، حتى لا يتحول التعليم إلى غش، وشراء أسئلة، وتنتهي القضية برمي الكتب في القمامة عند الخروج من صالة الاختبار.
وإذا كانت مناهج الدين، المناهج الشرعية في مدارسنا جيدة ولله الحمد، فلا بد أن تنتهز الفرصة لإتقان تعلمها، فإن في الكتب الشرعية المدرسة في المدارس خير عظيم، لا بد من انتهازه، وتفتيح آفاق الطلاب، والتشجيع على الأسئلة، ورعاية الموهوبين، ولما رأى النبي ﷺ موهبة ابن عباس دعا له فقال: اللهم علمه الكتاب[رواه البخاري75]. وكان يخص الموهوبين، كما خصهم عمر أيضاً، والعلماء كانوا يخصون الموهوبين بعناية خاصة، شيء قد عرفه العلماء قبل أن يعرفه الغربيون، فخصوهم بالعناية، والتشجيع، وكان في الدرس منصب اسمه معيد الدرس، وهو الذي كان يعيد الدرس للطلاب الذين فاتهم فلم يحضروه.
التعليم ليس مقتصرا في المدرس فحسب
أيها الإخوة: إن التعليم ليس مقتصراً على المدارس، بل إن النبي ﷺ لما جاءه مالك بن الحويرث وأصحابه قال لهم: ارجعوا إلى أهليكم فعلموهم، فلا بد من الاهتمام بالأهل، وقال رسول الله ﷺ: ثلاثة لهم أجران: رجل كانت عنده أمة فأدبها فأحسن تأديبها، وعلمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها، فله أجران. رواه البخاري.
وكذلك تعليم النساء في البيوت سنة من عهد النبي ﷺ، كما جاء عن أبي سعيد قال: جاءت امرأة إلى رسول الله ﷺ فقالت: يا رسول الله ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يوماً نأتيك فيه، تعلمنا مما علمك الله، فقال: اجتمعن في يوم كذا وكذا، في مكان كذا وكذا [رواه البخاري7310]. فاجتمعن، فأتاهن رسول الله ﷺ، فعلمهن مما علمه الله. الحديث رواه البخاري، موعد خاص للنساء، في بيت معين، في يوم معين لتعليم النساء، حتى لا يفوت الخير النساء في البيوت، تعليم العامة وتعليم النساء، وحتى الإماء والجواري، مما جاءت به هذه الشريعة.
نسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن يجعلنا عاملين بما نتعلم، وأن يزيدنا علماً، إنه سميع مجيب حي قيوم.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي لا إله إلا هو، أشهد أنه الله الحي القيوم، ، وأشهد أن محمداً رسول الله الرحمة المهداة، البشير والنذير والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه.
واجب أولياء أمور الطلاب
عباد الله: إن على الآباء والأمهات مسؤولية عظيمة في مطلع هذا العام الدراسي، نابعة من حديث النبي ﷺ: كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته[رواه البخاري893]. وأهم ما يقوم به الأب والأم المتابعة والتسديد في الحرص على أن يكون الولد في أفضل مكان يتعلم فيه، ولا نقصد فضل الدنيا، وإنما فضل الآخرة، يتعلم فيه علماً وأدباً، ومراقبته في جليسه، من الذي يجلس بجانبه في الفصل، هذه الساعات الطويلة، فيتعلم منه ما يتعلم، ومحاسبته ومتابعته فيما يأتي به من المدرسة، فإن الانحرافات المنتشرة تؤدي إلى رجوع بعض الأولاد من المدارس بآفات، فيكون القيام عليهم ومتابعتهم وتأديبهم هم لازم للأبوين، وليس أن يشعر الأبوان بأن المسؤولية قد انتهت بإلقاء الولد إلى المدرسة، وإنما الوظيفة لا زالت مستمرة، وتعاهد الأولاد في حفظ القرآن أمر مهم، وتسجيل الولد في حلقة لتحفيظ القرآن في أحد المساجد مهمة عظيمة، وأجر كبير، وباب خير يفتحه الأب لولده، ونقلهم من سهر العطلة إلى انتظام المواعيد، لا شك أنه يحتاج إلى جهاد.
وينبغي الاقتصاد في توفير الأدوات، وعلى المدرسين أن لا يرهقوا الطلبة بأكوام الأدوات، إلا ما يحتاج إليه الأمر فعلاً، وأن تكون هناك مراعاة لحالة الأب المالية، وأن لا يحرج الولد، كما قال أحدهم لطالب في الفصل: أنت فقير نتشتري لك. لما لم يحضر إحدى الأدوات.
ينبغي أن تكون هناك مراعاة للحال المالية، وهذه قضية مهمة، ينبغي أن تعطى ما تستحق، وأن نكون بعيدين عن الإسراف، فإن كثيراً مما يشترى يرمى، ولا شك أن في هذا إهدار للمال، والنبي ﷺ نهى عن إضاعة المال.
وينبغي أيها الإخوة أن نكون فرحين بهداية أولادنا أكثر من فرحنا بنتائج متفوقة دنيوية، وأن يكون فرحنا بانتظام الولد في رفقة طيبة أفضل من فرح الكثيرين بوضع أولادهم في مدارس ينفقون عليهم فيها أقساطاً كذا وكذا، المهم هو قلبه وعقله، وليس ملابسه وأدواته، بالقدر نفسه، ينبغي الاعتناء بتوفير المستلزمات نعم ولكن مستلزمات الدين أعلى وأجل.
اللهم إنا نسألك الهداية للجميع يا رب العالمين، اللهم وفق أولادنا لما تحب وترضى، اللهم واجعل من دراستهم عوناً على طاعتك، اللهم إنا نسألك حب الخيرات، وترك المنكرات، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين، اللهم أقم علم الجهاد، واقمع أهل الزيغ والعناد، وانشر رحمتك على العباد، اللهم آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، اللهم ول على المسلمين خيارهم، وكفهم شرارهم، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءوَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.