الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
نعمة الزواج
فالحمد لله الذي جعل لنا من أنفسنا أزواجاً لنسكن إليها، وجعل بيننا مودة ورحمة،وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَاسورة النحل18. وهذا النكاح الذي شرعه الله تعالى للمسلمين، عقد التزويج، نكح فلان يطلق على عقد النكاح، وعلى وطء الزوجة، فإذا قالوا: نكح فلان فلانة أو بنت فلان، أرادوا عقد التزويج، وإذا قالوا: نكح امرأته أو زوجته لم يريدوا إلى الجماع والوطء، هذا التعاقد المقدس الشرعي بين الرجل والمرأة ضرورة فطرية، دال على أن الخلقة سوية.
قال : وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ سورة الروم21. وقال سبحانه: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا سورة الأعراف189. فالحمد لله على هذه النعمة، وهذا الدين الذي يوافق الفطرة، أمر به ، أمر به الرجال والنساء، وأمر به الأولياء، فقال : وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ سورة النور32. تأمل يا عبد الله كيف جاء لفت النظر في هذه الآية إلى الصالحين، وأن قضية الفقر ليست مشكلة كبيرة، وإنما الصلاح هو القضية الأعظم، وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ، أما قضية المال فإنها تأتي بإذن الله، إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ، إن يكن فقيراً أو عليه دين، أو ليس ذا عمل ولا وظيفة يرزقه الله ، وقد أمر به النبي ﷺ، وقال: ومن كان ذا طول فلينكح، ومن لم يجد فعليه بالصوم، فإن الصوم له وجاء[رواه ابن ماجه1846].
وقد أمر الله تعالى بالاستعفاف عند عدم القدرة، الاستعفاف بغض البصر، وعدم الاختلاط بما حرم الله، وعدم ملابسة المعاصي ولا غشيان الأماكن التي تثور الشهوات بسبب غشيانها، فلا مناظر ولا أماكن، هذه هي قاعدة الاستعفاف، وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا سورة النور33. يتركون الحرام ويبتعدون عنه، ويتعففون حتى يأتي الفرج من الله .
وقال سعيد بن جبير: "قال لي ابن عباس رضي الله عنهما: هل تزوجتَ؟ قلت: لا، قال: تزوج فإن خير هذه الأمة أكثرها نساءً".
وهذا النكاح هو شرع مؤكد من سنن المرسلين، وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً سورة الرعد38. وقال ﷺ: إني أتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني[رواه البخاري5063، ومسلم1401]. ولذلك قال العلماء: إن التزوج مع الشهوة أفضل من نوافل العبادة، لما يترتب عليه من المصالح الكثيرة والآثار الحميدة، بل إنه يكون واجباً في بعض الأحيان، وخصوصاً في هذا الزمان، فإذا خاف على نفسه الحرام، أو وقف فيه، أو أوشك، وكان في العنت وجب عليه وجوباً يأثم بتركه.
الزواج ليس وسيلة لحفظ النوع الإنساني فحسب؛ بل هو وسيلة للاطمئنان النفسي، والهدوء القلبي، والسكون الوجداني، الزواج سكن للنفس ومتاع للحياة، وطمأنينة للقلب، وإحصان للجوارح، نعمة وراحة وسنة وستر وصيانة، وهو سبب لحصول الذرية التي تنفع الإنسان في الحياة وبعد الممات، إنه عقد لازم، وميثاق غليظ، وواجب اجتماعي، وسبيل مودة ورحمة بين الرجال والنساء، يزول به سبب من أعظم أسباب اضطراب النفس البشرية، التي لا ترتاح إلا بزواله، فيكون هذا الزواج راحة للنفس وطمأنينة، فالمرأة سكن للرجل، كرامة ونعمة، تجلب إليه بصلاحها الأنس والسرور، والغبطة والحبور، وتقاسمه الغموم والهموم، ويكون بوجودها بمثابة السيد المخدوم، والملك المحشوم، فمسكين رجل بلا امرأة، ومسكينة امرأة بلا رجل، لو لم يكن في النكاح إلا سرور النبي ﷺ يوم المباهاة، يوم يباهي كل نبي بأمته، ولو لم يكن منه إلا هذا التكاثر الذي يترتب عليه سرور محمد بن عبد الله ﷺ يوم القيامة بهذه الأمة، لكان ذلك كافياً في الرغبة فيه، ولو لم يكن منه إلا ألا ينقطع عمل الإنسان بعد موته بهذا الولد الصالح الذي يدعو له بعد وفاته، لكان سبباً في الرغبة فيه، ولو لم يكن فيه إلا أن يخرج من صلبه من يشهد لله بالوحدانية، ولمحمد ﷺ بالرسالة، لكان ذلك كافياً، وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْسورة البقرة187. ولو لم يكن فيه إلا غض بصره وإحصان فرجه عن التفاته إلى حرم الله، ولو لم يكن فيه إلا تحصين امرأة يعفها الله به، ويثيبه على قضاء وطره ووطرها، فهذه من الحسنات العظيمة، لكان ذلك كافياً، ولو لم يكن فيه إلا احتساب الأجر في النفقة على المرأة في كسوتها ومسكنها، ورفع اللقمة إلى فيها، لكان ذلك كافياً، ولو لم يكن فيه إلا إغاظة أعداء الإسلام بتكثير أبناء الإسلام، لكان ذلك كافياً، ولو لم يكن فيه إلا إعفاف النفس عن الحرام، وقطع السبيل على من يروج الحرام، لكان ذلك كافياً، فكيف لو اجتمعت هذه الأسباب، كيف لو اجتمعت هذه الأسباب في نية رجل صالح؟
شروط النكاح والعقد
يا عباد الله: نظراً لأن هذا العقد مقدس جعلت له الشريعة شروطاً عظيمة، رضا الزوجين فلا يصح إجبار الرجل على نكاح من لا يريد، كما لا يجوز إجبار المرأة على نكاح من لا تريد، ولذلك قال النبي ﷺ: لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن [رواه البخاري5136، ومسلم1419]. فجعل الرضا في ذلك شرطاً، وإذا امتنعت عن الزواج فلا يجوز لوليها أن يجبرها على أحد لا تريده، كما جاءت بذلك السنة، وأرادت المرأة الأولى أن تبين لمن بعدها أنه لا يجوز للأب إجبار زواج بنته على من لا تريد، ولا للولي أن يجبر موليته على من لا تريد، فإذا خطبها شخصان وقالت: أريد هذا، ولا أريد الآخر، زوجها بمن تريد، إلا إذا لم يكن لها كفأ فعند ذلك يمتنع الولي، ولا إثم عليه في منعها، يمنعها ولا إثم عليه في منعها؛ لأنها لم تعرف مصلحة نفسها في هذه الحالة، فإذا كان الولي عاضلاً يمنع الكفء المتقدم واحداً بعد واحد، فإن القاضي يزيحه عن موقع الولاية، وينصب الولي الذي بعده، لكي يوافق على زواجها بمن لا ضير عليها من الزواج به، فالولي مهم لا بد منه، لا نكاح إلا بولي[رواه أبو داود1880]. فلا تزوج المرأة نفسها، ومن زوجت نفسها فنكاحها باطل، وإن ورد ذلك في بعض المذاهب، فإن السنة تقضي على كل شيء، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، وهذه الأدلة قاضية وملزمة، والنص متبوع، ونحن تابعون، ولا رأي لأحد مع نص رسول الله ﷺ.
المقصد من الزواج
عباد الله: إن هذا الاستخلاف في الأرض، الذي يقتضي كثرة تناس الجنس الإنساني، وحصول المقصود يتحقق بالزواج، والزواج المبكر أفضل وأكمل من تأخيره، ولو لأجل اكتمال الاستعدادات، امتثالاً لقوله تعالى: فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء سورة النساء3. ولقوله تعالى: وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ سورة النور32. ولقوله ﷺ: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج[رواه البخاري5065، ومسلم1400].
وبعض الناس يقولون: نريد الزواج من فتاة في بلد الغربة، ولكن الولي غير حاضر، فنقول: المسألة سهلة، يرسل الولي توكيلاً شرعياً من بلده إلى شخص في هذا البلد يقوم مقامه في تزويج البنت مثلاً، فيذهب هذا الموكل إلى القاضي يقوم مقام الولي، ولا حاجة إلى نكاح سر مخترم، ليس فيه شروط شرعية متحققة، لا بد إذن من اكتمال الشروط الشرعية يا عباد الله.
الكفاءة في الزواج، والأولى ذات الدين
وبعض الناس يريد إجبار ابنته على الزواج بصاحب مال يغنم من ورائه، وكذلك بعضهم يضيع ابنته، فلا يبحث لها عن الكفء، حتى أنه ربما يريد التخلص منها بأي طريقة، فعرض رجل ابنته على شخص يقول: غير كفء، على شخص غير كفء، فقال: خذها بخمسة آلاف بالتقسيط، فهل رأيتم تضييعاً يا عباد الله مثل هذا الرجل يضيع ابنته مع غير الكفء، يريد الخلاص منها؛ لأنه طلق أمها، فهذا طلق زوجته وعنده بنات منها، يريد أن يتخلص منهن بأي طريقة، فيوافق على كل أحد مضيعاً لبناته اللاتي جعله الله تعالى مؤتمناً عليهن، خان الأمانة، وضيع المسؤولية، والله سائله عما استرعاه أحفظ أم ضيع، وكذلك هؤلاء البنات اللاتي يهربن مع العشاق بزعمهن، يردن الحرام أو الزواج بمن تريد، بأي طريقة، ولو لم يوافق الولي.
وتأتي المسلسلات، وما أدراك ما هي، بهذا الحرام المنتشر، لتشجع البنات على مثل هذه الحركات، أن تهرب مع عشيقها ومحبوبها الذي لم يرض به الأب، فإن ذلك حرام ولا يجوز، وبعضهم يأتي بحيل لإجبار طرف من الأطراف على إيقاع النكاح، وأن يقع الفأس في الرأس، وكل ذلك مما ينكشف يوم القيامة وبالاً على صاحبه، ويعقد لكل صاحب غدر لواءً يوم القيامة عند أسته مرفوع، يفضح الله به بين الأولين والآخرين.
عباد الله: لما كانت الشريعة تريد إقامة البيوت على أساس الدين، رغبت الشاب في البحث عن ذات الدين، وكذلك الولي أن يبحث عن الصالحين، فجاءت بالطرفين من هنا ومن هنا، وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْسورة النور32. أنكحوهم، أنكحوا الصالحين، ومن هناك قال: فاظفر بذات الدين تربت يداك[رواه البخاري5090، ومسلم1466]. وإذا قال إنسان: فكيف أعرفها، والمصائب نسمعها تترا تتابع في هذا الزمان من بنت نظنها محشومة في عائلة نعرفها بأنها محافظة، ثم نفاجأ بالقصص العجيبة، فنقول: إن ذلك من سوء الاستقصاء ولا شك، فهلا اكتمل بحثك يا عبد الله، يا أيها الشاب: وهلا استقصيت في السؤال لكي تعرف عن حالها، وهناك سبل مشروعة من استخدام محارمك من النساء، للبحث عن حال هذه الفتاة، أليس في مدرسة يوجد فيها من يعرف حالها، أو في حي يوجد فيه جيران يعرفون حالها أو أقارب يعرفون حالها، وكذلك إذا كنا إذا أردنا نبحث عن الرجل الصالح، التمسناه في المسجد، هل هو يواظب على الصلاة فيه أم لا، فكذلك المرأة الطيبة تغشى الأماكن الطيبة، وقد صار ولله الحمد من مدارس تحفيظ القرآن وغيرها من الأماكن الطيبة ما هو مظان وجود الفتيات الطيبات، ولذلك فإن الاستقصاء والبحث والسؤال أمر في غاية الأهمية، والتماس مثل هذه الفتاة في مظان الصالحات أمر في غاية الأهمية، ولما كانت المرأة عاجزة أو ضعيفة وقليلة الحيلة في السؤال والاستقصاء عن الرجل، لم يجعل الشارع الأمر إليها، وإنما جعله إلى ولي رجل، لما كانت الفتاة المتقدم إليها عاجزة أو قليلة الحيلة في الاستقصاء عن حال الرجل فلا تستطيع أن تذهب إلى مكان عمله، ولا إلى حية، ولا أن تسأل معارفه، جعل الشارع الأمر بيد ولي رجل مؤتمن عليها، يقوم عليها، فيسأل لها عن المتقدم إليها ويعرف حاله، وهذه أمانة عظيمة لم يقم بها فقد خائن، والخيانة إثمها كبير، وذنبها شديد عظيم، فليتق الله تعالى من استؤمن، وليتق الله من سئل، ومن أشار على أخيه المسلم أو على أخته المسلمة بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه، فويل للذين يكتمون العيوب التي تمنع من النكاح، ويل الذين يكتمون حال الأزواج أو حال الشباب أو الفتيات عند السؤال، وهم يعلمون أن هذا الأمر مهم بيانه، هذه الأمانة التي إذا ضيعت حصل خلل كبير في الزواج، وكان الإنسان الخائن سبباً في عقد نكاح لا يرضى أحد الطرفين به لو كان يعلم الحقيقة، ومن غش المسلمين فليس منهم، من غشنا فليس منا[رواه مسلم101].
عباد الله: إن الصداق حق للمرأة، إنه مقابل ما استحل من فرجها، كما بين النبي ﷺ، ما أصدق النبي ﷺ امرأة من نسائه، ولا أصدقت امرأة من بناته، أكثر من ثنتي عشرة أوقية. رواه الخمسة، وصححه الترمذي، ولما اشتط الناس في أمر الصداق، وبالغوا في المغالاة فيه جعلوا بأيديهم عواقب الهلكة التي أحاطت بشبابهم وبناتهم، يخربون البيوت بأيديهم، بل يمنعون قيامها بأيديهم، بما جعلوا من المغالاة في الصداق والحفلات وغيرها من المتطلبات التي ليس عليها في هذه التكاليف العظيمة دليل ولا أثارة من علم، وجعلوا المطالب الشكلية هي الأساس الذي يدور عليه إمضاء الزواج من عدمه، مع أن شريعة الإسلام تريد إمضاءه أولاً، وهذه الأمور الشكلية إنما تيسر على الإنسان المسلم، فكيف يا عباد الله تجعل هذه الأمور مانعاً، هذه الأمور الشكلية مانعاً من تحقيق المقصود الأصلي.
نسأل الله أن يقينا شر أنفسنا، وأن يلهمنا رشدنا، وأن يتوب علينا، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، خلق فسوى، وقدر فهدى، وأشهد أن محمداً رسول الله، رسول الهدى، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى.
أنواع الزواج، والمشروع منها
عباد الله: إن الأصل في النكاح البقاء والدوام والاستمرار؛ لأنه إقامة أسرة وبيت، ومن هنا كان زواج المتعة حراماً في الإسلام؛ لأنه زواج مؤقت، محدد بوقت معين، يعلن في العقد ويتفق عليه الطرفان، يكون معلوماً لكل منهما إذا انتهى الأجل انتهى النكاح بزعمهم، فهذا استئجار على الزنا، وليس من شرع الله في شيء، زواج متعة على أربع وعشرين ساعة، على ثلاثة أيام، على أسبوع، على شهر، استئجار على الزنا ومهر بغي، لا يفعله إلا الديوثون، فأهل البدع الذي لا عقل ولا دين ولا غيره يفعلونه، وأهل السنة يقومون بما جاءت به السنة، وبعض الناس يسأل عن الزواج الذي يكون في نية صاحبة أن يطلق بعد مدة، ولكنه لا يجعل ذلك في العقد، ولا هو مشروط بين الطرفين، فهذا الزواج إن تكاملت شروطه الشرعية من رضا الطرفين والولي، والإيجاب والقبول، وانتفاء الموانع من المحرمية، من النسب والرضاع ونحو ذلك، إذا انتفت الموانع فإن العقد صحيح في الأصل، لتكامل شروطه، وعدم النص المانع له؛ ولأن نيته قد تتغير، فيتعلق بزوجته، أو يكسبه الله منها أولاداً، فتبقى عنده، ولكن بعض أهل العلم كرهه؛ لأجل ما فيه من النية المبيتة، التي لو علم بها الطرف الآخر ربما لم يوافق عليها، ولكن ينبغي أن يعلم الفرق بين هذا النكاح وبين نكاح المتعة، الذي يكون الطرفان على علم بالمدة المحددة التي إذا انقضت انتهى العقد عندهم، وأما الذي أشير إليه قبل قليل، من نية عند الزوج أو عند المتقدم كالمسافر للخارج ونحوه، إنه ليست معلنة، ولا بين الطرفين، ولا متفق عليها، ولا ينتهي النكاح إذا انتهت المدة التي في ذهنه، لا ينتهي النكاح بل هو مستمر.
وكذلك فإن بعض الناس يكثر الكلام عن النكاح الذي يقول فيه الرجل للمرأة، أتزوجك ولكن لا تشترطي علي مبيتاً، لا تشترطي علي مبيتاً ولا تطالبيني بنفقة، متى ما جئتك جئتك، وأنت تنفقين على البيت، فإذا رضيت بذلك المرأة، وهي صاحبة القرار في الطرف الآخر، إذا رضيت بذلك واكتملت الشروط الشرعية للعقد فإنها هذا صحيح، كما أفتانا بذلك شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله تعالى عليه، وأسكنه فسيح جناته.
أيها الإخوة: فإذا ما طالبت المرأة بحقها في النفقة بعد ذلك، بعد الزواج، قالت: أطالب بحقي في النفقة، قيل له: إما أن تنفق وإما أن تطلق، وأما ما دامت راضية ساكتة تنفق هي، ولا تطالبه بميت، فإن الزواج على ما هو عليه، وهو على صحته باقٍ، ولكن ينبغي أن يعلم أهل الحكمة أن مثل هذا الزواج غير مرشح للنجاح؛ لأنه كالشيء الذي لا يريد فيه صاحبه استقراراً، وربما وافقت عليه المرأة تحت الحاجة، فقالت: أنا بربع رجل، أو برجل يأتيني في الأسبوع مرة، خير من أن أبقى بقية الدهر عانسا، فهذا في الغالب ليس مرشح للاستمرار، ولكن لا بد أن نعلم الحكم الشرعي فيه، ثم بعد ذلك هل يقدم عليه الشخص أم لا، ذلك راجع إليه وإلى ما يرى فيه المصلحة.
المنكرات في الوليمة، وعند مراسيم الزواج
عباد الله: إن وليمة العرس سنة، ولكن الناس اشتطوا فيها حتى صارت حملاً ثقيلاً ينوء به الزوج، وبتكاليفه يبقى سنوات ربما وهو يسدد في تكاليف الزواج، ولما عصى الناس هذه الشريعة التي جاءت بالتيسير صارت أمورهم معسرة، وصارت شديدة، ثم لم يرضوا بذلك حتى ملؤوا الوليمة والزفاف بالمنكرات، من اختلاط النساء بالرجال، والغناء المحرم، وآلات الموسيقى، والفرق الغنائية التي تستأجر بكذا وكذا، ويدخل الزوج وبعض أقاربه في كثير من الأحيان على النساء، يدخل عليهن، وتعمل الكاميرات وآلات التصوير عملها من أولئك المصورون والمصورات، والتصوير ملعون من فعله، تصوير ذوات الأرواح، كما جاء ذلك في الحديث، وابتدعوا بدعاً كثيراً، فقالوا: نعرض فلماً وثائقياً من الزوج من صغره، وللزوجة كذلك، وفيها عرض لوقت الخطوبة، وإتيانه إليها، وماذا دار من الحديث بينهما يراه الحاضرون أو الحاضرات، تباً لهذه الأفكار الوخيمة، والابتكارات السيئة، وتنطلق الأبخرة والدخان، والألوان الحمراء والخضراء وغيرها مركزة على هذه البنت عند دخولها، والكاميرات تعمل عملها، ومعلوم وقد أخبر العارفون بهذا أنها منقولة من الديسكو، أن هذه الأنوار المسلطة، وهذه الأبخرة، وربما رافق ذلك موسيقى صاخبة، أن ذلك من فعل أهل الديسكو، وأهل الانحراف، وأهل الفسق، ومعلوم أن التشبه بالفسقة حرام، فكيف إذا كان الفعل في ذاته محرماً، فكيف إذا كانت تهدر في ذلك أموال، إسراف لا يرضاه الله ولا رسوله.
عباد الله: نمص وتزيين بالحرام من كوافيرات كافرات أو فاسقات، كان ذلك شعاراً يستعمل في الزفاف وحفلاته، ووضعاً للشعر فوق الرأس كأسنمة البخت المائلة، صنف من أهل النار حدثنا عنه محمد بن عبد الله ﷺ، وصل ووشم ونمص وتفلج، إلى آخر ذلك من الأفعال التي لعنها النبي ﷺ، لعن من فعلها، وتختم بالذهب للرجال، ووضع لآنية الذهب والفضة وأطباقهما في الحفلات، وأطقام الكرستوفل، وغيرها من الفضة، التي من أكل أو شرب بها فكأنما يجرر في بطنه نار جهنم، ورفع لصوت النساء بالغناء، نساء كبيرات في السن، بالغات، يصل الصوت عبر هذه المكبرات إلى الرجال في الصالات، أليس في ذلك فتنة، هل هذا هو الدف الذي أباحه الشارع؟ كلا والله، أباح الدف استثناءً من الآلات، آلات العزف، أباحه استثناءً ورخصة فقط، لم يبح الآلات الموسيقية الأخرى، ولا غناء النساء الكبيرات الذي يصل إلى الرجال عبر المكبرات، هذا لم يبح في الشرع؛ ولذلك كان فاعله آثماً، فلا تبدؤوا أيامكم الأولى في هذا العقد المقدس، يا معشر الشباب، لا تبدؤوه بمعصية الله، فإنه والله لا خير في زواج يبدأ بمعصية الله، ويدوم على معصية الله.
اللهم ارزقنا العفة والعفاف، اللهم ارزقنا الأمن والإيمان، اللهم ارزقنا الطهر والنظافة واليقين يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك الأمن يوم الوعيد، وأن تجعلنا من الركع السجود، اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور، اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، وآمنا في الأوطان والطور، وأرشد الأئمة وولاة الأمور، إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.