الخميس 28 ربيع الآخر 1446 هـ :: 31 أكتوبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

التوفيق .. المعنى والمجالات والأسباب


عناصر المادة
الخطبة الأولى
التوفيق من الله 
من توفيق الله للعبد أن يوفقه للتوحيد والحق
أسباب التوفيق
الخطبة الثانية
حرمة تهنئة الكفار بأعيادهم.
أسباب عدم جواز مشاركة الكفار في أعيادهم

الخطبة الأولى

00:00:07

الحمد لله أحمده وأستعينه وأستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

عباد الله:

التوفيق من الله

00:00:31

التوفيق كلمة جميلة يتمناها كل إنسان، والتوفيق يعود إلى إصابة الخير والحق والصواب، والتوفيق من الله كما قال ذلك النبي الكريم: وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ سورة هود 88. ومن وفقه الله تعالى فقد أوتي الخير كله، والموفق من أهل الجنة، كما قال النبي ﷺ ذات يوم في خطبته: ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا فقال في خطبته: وأهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط، متصدق، موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى، وعفيف متعفف ذو عيال[أخرجه مسلم 2865]. الحديث رواه مسلم رحمه الله.

وعن عبد الله بن عباس: أن رجلاً أتى النبي ﷺ فقال: يا نبي الله إني شيخ كبير عليل يشق علي القيام، فأمرني بليلة لعل الله يوفقني فيها لليلة القدر قال: عليك بالسابعة[أخرجه أحمد 2150]. رواه الإمام أحمد رحمه الله.

ولذلك قال ﷺ لما سئل عن ليلة القدر قال: فإنها في وتر في إحدى وعشرين، أو ثلاث وعشرين، أو خمس وعشرين، أو سبع وعشرين، أو تسع وعشرين، أو في آخر ليلة، فمن قامها ابتغاءها إيماناً واحتساباً، ثم وفقت له غفر له ما تقدم من ذنبه[أخرجه أحمد 22205].

وقد وفق الله نبينا محمداً ﷺ قبل البعثة وبعدها، قبل البعثة لأمور، فمن ذلك ما رواه جبير بن مطعم وكان من سادات المشركين في الجاهلية، قال: رأيت رسول اللهﷺ قبل أن ينزل عليه، وإنه لواقف على بعير له بعرفات مع الناس، وكان القرشيون يسمون أنفسهم بالحمس، ولا يقفون مع الناس بعرفات، ولا يجاوزون مزدلفة، ويقولون: نحن أهل الحرم، لا نخرج من الحرم، وبقية العرب والحجاج يخرجون إلى عرفة، وكان ﷺ يخرج مع الخارجين إلى عرفة، وكان الحج معروفاً قبل الإسلام، فقال جبير رضي الله تعالى عنه: وإنه لواقف على بعير له بعرفات مع الناس، حتى يدفع معهم منها توفيقاً من الله له[أخرجه أحمد 16316]. رواه الإمام أحمد رحمه الله، ورجاله ثقات.

وعن أبي أيوب: أن أعرابياً عرض لرسول الله ﷺ، وهو في سفر، فأخذ بخطام ناقته أو بزمامها، ثم قال: يا رسول الله أخبرني بما يقربني من الجنة، وما يباعدني من النار، قال: فكف النبي ﷺ، ثم نظر في أصحابه، ثم قال: لقد وفق قال: كيف قلت؟ فأعاد فقال النبي ﷺ: تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم، دع الناقة[أخرجه مسلم 13]. رواه مسلم رحمه الله تعالى.

من توفيق الله للعبد أن يوفقه للتوحيد والحق

00:05:11

ومن توفيق الله تعالى للعبد بعد أن يوفقه إلى أن يعبد الله لا يشرك به شيئاً أن يوفقه للتوحيد، أن يوفقه لسلوك سبيل أهل السنة، أن يوفقه للحق، وكثير من الناس محرومون من الحق، فإذا وفق للحق هدي إلى صراط مستقيم، وصار من أهل الجنة، ليس كل إنسان موفق للحق، كم من مريد للحق لا يصيبه، هذا في الحياة إذا وفق الإنسان ففي آخر لحظة من عمره يكون التوفيق عظيم الأثر، فعن أنس قال: قال رسول الله ﷺ: إذا أراد الله بعبد خيراً استعمله فقيل: كيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: يوفقه لعمل صالح قبل الموت[أخرجه الترمذي 2142]. رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح، ورواه الإمام أحمد رحمه الله عن أنس: أن النبي ﷺ قال: لا عليكم أن لا تعجبوا بأحد حتى تنظروا بما يختم له، فإن العامل يعمل زماناً من عمره، أو برهة من دهره بعمل صالح، لو مات عليه دخل الجنة، ثم يتحول فيعمل عملاً سيئاً، وإن العبد ليعمل البرهة من دهره بعمل سيئ لو مات عليه دخل النار، ثم يتحول فيعمل عملاً صالحاً، وإذا أراد الله بعد خيراً استعمله قبل موته قالوا: يا رسول الله وكيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه[أخرجه أحمد 11804]. والإنسان إذا وفق للحق أصاب السنة في عباداته، ولذلك لما رأى عمر رجلاً كان نصرانياً يقال له: الصُّبي بن معبد، أسلم فأراد الجهاد، فقيل له: ابدأ بالحج، فأتى الأشعري فأمره أن يهل بالحج والعمرة جميعاً، ففعل، فلما مر به عمر قال: هديت لسنة نبيك، وقال: سمعته مرة يقول لهذا الرجل: وفقت لسنة نبيك ﷺ، فمن ساق الهدي من خارج الحرم فإن السنة في حقه أن يكون قارناً، فيلبي بحج وعمرة، ويكون ذلك من الله توفيقاً له في إصابة سنة النبي ﷺ.

وكان ذلك دأب العلماء، يطلبون من الله التوفيق في الفتاوى عندما يتعرضون للأسئلة، فقد روى الإمام أحمد رحمه الله عن عبد الله بن عتبة قال: أُتي عبد الله بن مسعود فسئل عن رجل تزوج امرأة ولم يكن سمى لها صداقاً، فمات قبل أن يدخل بها، ما هو الحكم؟ فلم يقل فيها شيئاً، فرجعوا ثم أتوه فسألوه، فقال: سأقول فيها بجهد رأيي، فإن أصبت فالله يوفقني لذلك، وإن أخطأت فهو مني، فالتوفيق مصدره من الله يجعله الله على لسان أوليائه، وأهل دينه، والعالمين بشرعه المريدين للحق، لها صداق نسائها، لها مثل مهر نسائها، ولها الميراث، وعليها العدة، هذا حكم من مات ولم يدخل بزوجته بعد أن عقد عليها، ولم يسم مهراً، لها صداق نسائها، ولها الميراث، وعليها العدة، فقام رجل من أشجع، فقال: أشهد على النبي ﷺ أنه قضى بذلك[أخرجه أحمد 4088]. فوافق قضاء ابن مسعود قضاء النبي ﷺ، ولم يكن سمعه منه، ولا علمه من قبل حتى قام ذلك الرجل فأخبر به، توفيق من الله لابن مسعود رضي الله تعالى عنه.

وكذلك القضاة إذا أرادوا الخير وفقهم الله للفصل بين الخصوم، فإن القضايا تلتبس، وبعض الناس ألحن بحجته من بعض، فإذا كان القاضي مريداً للخير حريصاً عليه، خائفاً من الله، وفقه الله للحق، واكتشاف الصواب والفصل بين المتخاصمين.

عن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب اختصم إليه مسلم ويهودي، فرأى عمر أن الحق لليهودي، فقضى له، فقال له اليهودي: والله لقد قضيت بالحق، فضربه عمر بن الخطاب بالدرة - وكانت له عصاً يؤدب بها – هل اليهود الذي يحكم أن هذا حق أم لا؟ فضربه عمر بالدرة، ثم قال: وما يدريك؟ فقال له اليهودي: إنا نجد أنه ليس قاضٍ يقضي بالحق إلا كان عن يمينه ملك وعن شماله ملك يسددانه ويوفقانه للحق، ما دام مع الحق، فإذا ترك الحق عرجا وتركاه[أخرجه مالك 1425]. رواه مالك رحمه الله في الموطأ.

فيسدد الله بملائكته أهل الخير، يثبتهم، ويلقي الحق على لسانهم، من هؤلاء الملائكة الذي يسددون عباده الصالحين، من وظائف الملائكة تثبيت المؤمنين، من وظائف الملائكة أنهم يأمرون الناس بالخير، وكل إيعاز بالخير في نفسك هو من الملك، وإذا كان الإنسان مريداً للحق وفقه الله، وأعانه بالملكين فيسددانه.

ومن التوفيق أيها الإخوة: أن يصيب الإنسان صاحب علم يستفيد منه، فإن كثيراً من الناس أصابوا أهل بدعة، وبعضهم أصاب جاهلاً، فأضله عن الحق، ولكن إذا وفق لصاحب سنة وعلم فهو المطلوب، وهكذا يجب أن يكون الشاب كما قال بعض السلف: إذا وفق لصاحب سنة أعظم نعمة يمن الله بها عليه، أن يوفقه لصاحب سنة يأخذ بيده إلى الحق.

عن يحيى بن يعمر قال: كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني، فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن حاجين أو معتمرين فقلنا – أمنية صادقة –: لو لقينا أحداً من أصحاب رسول الله ﷺ فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر، فوفق لنا – وهذه العبارة التي استعملاها – فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلاً المسجد، فاكتنفته أنا وصاحبي، أحدنا عن يمينه، والآخر عن شماله، فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي، فقلت: أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرؤون القرآن، ويتقفرون العلم، وذكر من شأنهم، وأنهم يزعمون أن لا قدر – أن الله لم يكتب المقادير – وأن الأمر أُنُف أي: مستأنف، كله جديد، ليس بتقدير من الله، قال: فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم براء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر، ثم قال: حدثني أبي عمر بن الخطاب، وساق حديث جبريل وفيه: وتؤمن بالقدر خيره وشره[أخرجه مسلم 8].

وكذلك قال خيثمة بن أبي سبرة: أتيت المدينة فسألت الله أن ييسر لي جليساً صالحاً فيسر لي أبا هريرة فجلست إليه، فقلت: إني سألت الله أن ييسر لي جليساً صالحاً، فوفقت لي، فقال لي: ممن أنت؟[أخرجه الترمذي 3811]. الحديث رواه الترمذي.

هكذا كان الذين يسافرون لطلب العلم، ولقاء العلماء، يصدقون مع الله في النية، فيوفق الله لهم من الصحابة ومن الصالحين، ومن العلماء من يصحبونه فيدلونهم على الخير.

وكذلك فإن الأئمة رحمهم الله تعالى كانوا يسألون عن المسألة إذا سئلوا عنها هل وقعت أم لا؛ لأنها إذا وقعت كان من الله توفيق لأحد من الأمة أن يفتي فيها بحق، وكانوا أيضاً يلتمسون التوفيق في مستهل مصنافاتهم، فهذا الإمام مسلم رحمه الله يقول في أول صحيحه: بعون الله نبتدئ وإياه نستكفي، وما توفيقنا إلا بالله .

عباد الله: التوفيق هو إصابة الخير والحق والصواب، والتوفيق كما عرفه بعض العلماء: أن لا يكلك الله إلى نفسك، والخذلان: أن يكلك الله إلى نفسك.

أسباب التوفيق

00:16:09

والتوفيق مبناه على أمور، له أسباب فمنها: صدق النية وصلاحها، قال عن الحكمين بين الزوجين المتخاصمين: فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَاسورة النساء 35. انظر كيف تنعكس نية الحكمين على العلاقة بين الزوجين، إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا قيل: الحكمين، وقيل: الزوجين، إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا فالتوفيق متى يأتي؟ لما تصدق النية، عندما يريدون الصلاح والإصلاح، يوفق الله تعالى.

وكذلك من أسبابه العظيمة، ما اقترن به في قول العبد الصالح: وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُسورة هود 88. الاعتقاد بأن التوفيق من الله، التوكل على الله، وتفويض الأمور إليه، والرجوع إلى الله بالتوبة والإنابة عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ.

إذاً: صلاح النية، واعتقاد أن التوفيق من الله، والتوبة والرجوع إلى الله، والتوكل على الله، من أسباب التوفيق.

وسادساً: إرادة الآخرة كما قال ﷺ: من كانت الآخرة همه جمع الله شمله وأتته الدنيا وهي راغمة.

وسابعاً: صلاة الاستخارة، وهي توكل على الله، وطلب التوفيق منه في خير الأمرين.

وكذلك: الدعاء بالتوفيق وهو من صلاة الاستخارة وفيها.

وكذلك المشورة والاستشارة: ما تشاور قوم قط إلا هداهم الله لأرشد أمرهم، هكذا يكون الأمر إذاً، استشارة واستخارة، والتأني وعدم التعجل، والاقتصاد كذلك من أسباب التوفيق في المعيشة، والبكور من أسباب التوفيق في التجارة، والتسمية عند الجماع من أسباب التوفيق للولد الصالح.

وهكذا -أيها الإخوة- التوكل على الله وبذل الأسباب، وهكذا نوصي به أولادنا وإخواننا من الطلاب في مستهل اختباراتهم، نسأل الله تعالى لهم التوفيق، أن يجعله حليفهم، وأن يجعل ما درسوه عوناً لهم على طاعته، وأن يوفقنا جميعاً لكل خير، ويباعد بيننا وبين كل شر.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:19:29

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، أشهد أن لا إله الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله: نحن نحتك بعدد كبير من الكفار يكونون بيننا في الأعمال والأشغال، وهؤلاء قادمون على عيد لهم، وسلسلة من الاحتفالات، ونحن يهمنا معشر المسلمين أن ننجو بديننا، وأن نكون على يقين من سنة نبينا، وأن نعرف عقيدتنا وما توجبه علينا وما تمليه.

حرمة تهنئة الكفار بأعيادهم.

00:20:10

أيها الإخوة: إن تهنئة الكفار بعيد الكرسمس، أو غيره من أعيادهم الدينية حرام بالاتفاق، كما نقل ذلك ابن القيم رحمه الله في كتابه أحكام أهل الذمة حيث قال: "وأما التهنئة بشعائر الكفار المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول: عيد مبارك عليك -بالعربي أو بالإنجليزي طبعاً- فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد، ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثماً عند الله وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر، وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام، ونحوه".

إذاً لو قال مسلم لنصراني: تهنأ بعيدك، أسوأ من أن يقول له: تهنأ بشرب الخمر، لماذا؟ لأن تهنأ بعيدك، يهنئه بعقيدته التي منها عيده، يهنئه بأصل دينه الذي اختص بهذا العيد؛ لأن لكل قوم عيد، الأعياد من شعائر العقائد وعلاماتها، "وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه، وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه". انتهى كلامه رحمه الله.

وإنما كانت تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية حراماً وبهذه المثابة التي ذكرها ابن القيم رحمه الله؛ لأن فيها إقراراً لما هم عليه من شعائر الكفر، ورضاً به لهم، التهنئة رضا، التهنئة إقرار، وإن كان هو لا يرضى بهذا الكفر لنفسه لكن يحرم على المسلم أن يرضى بشعائر الكفر أو يهنئ بها غيره؛ لأن الله تعالى: إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَسورة الزمر 7. فإذا كان الله لا يرضى بالكفر للنصراني، فيجب علينا أن لا نرضى بالكفر لهم، ومن إعلان الرضا تهنئتهم بأعيادهم.

وإذا هنؤونا بأعيادنا فإننا لا نبادلهم بالمثل؛ لأننا لسنا وإياهم سواء، فنحن على الحق وهم على الباطل، فكيف نقيس هذا على هذا، ولا يكون هذا من باب رد الجميل، ولا المعروف مقابل المعروف، بل هو منكر مقابل المعروف، وإذا هنؤونا بأعيادهم؛ لأنه سيدخل كثير من هؤلاء الموظفين على المسلمين، هؤلاء الكفرة على المسلمين، ويقولون لهم: ميري كرسمس، وغيرها من العبارات، الكافر سيبتدئ، قال: فإننا لا نجيبهم على ذلك؛ لأنها ليست بأعياد لنا، ولأنها أعياد لا يرضاها الله تعالى: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَسورة آل عمران 85. وإجابة المسلم دعوتهم بهذه المناسبة حرام؛ لأنها أعظم من تهنئتهم بها، التهنئة كلمة أما الإجابة والمشاركة أعظم وأعظم، لما في ذلك من مشاركتهم فيها.

وكذلك يحرم على المسلمين التشبه بالكفار بإقامة الحفلات بهذه المناسبة، امرأة مسلمة تتصل على نساء مسلمات بالهاتف، تقول لهن: لا تنسين كرسمس دينر في المكان الفلاني. وهذا حصل في هذه السنة، امرأة مسلمة تتصل على نساء مسلمات، الدعوة ليس فيها كفار، عشاء العيد، عيد النصارى، مناسبة للاحتفال وشراء الأغراض وإظهار الفرحة مع النصارى، ومن أحب قوماً حشر معهم.

ويحرم على المسلمين التشبه بالكفار بإقامة الحفلات بهذه المناسبة أو تبادل الهدايا أو توزيع الحلوى أو أطباق الطعام أو تعطيل الأعمال ونحو ذلك لقول النبي ﷺ: من تشبه بقوم فهو منهم[أخرجه أبو داود 4031].

قال شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم" : "مشابهتهم في بعض أعيادهم توجب سرور قلوبهم، بما هم عليه من الباطل، وربما أطمعهم ذلك في انتهاز الفرص واستذلال الضعفاء، ومن فعل شيئاً من ذلك فهو آثم". انتهى كلامه رحمه الله.

ومن فعل شيئاً من ذلك فهو آثم، سواءً فعله مجاملة؛ لأنه يقول لك: الكافر معي في المكتب، فهو آثم سواء فعله مجاملة أو تودداً أو حياءً أو لغير ذلك من الأسباب، لماذا؟ لأنه من المداهنة في دين الله، ومن أسباب تقوية نفوس الكفار وفخرهم بدينهم، والله المسؤول أن يعز المسلمين بدينهم، ويرزقهم الثبات عليه وينصرهم على أعدائهم.

أسباب عدم جواز مشاركة الكفار في أعيادهم

00:26:01

فإذا قال قائل: حفظنا أشياء نقولها لهؤلاء المفتونين، فنقول في نقاط محددة: لا يجوز مشاركة الكفار في أعيادهم للأمور التالية:

أولاً: لأنه: من التشبه من تشبه بقوم فهو منهم[أخرجه أبو داود 4031].

ثانياً: أنه مشاركة لهم في فرحتهم، وهذا نوع من المودة والمحبة بلا شك، وقد قال الله: لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءسورة المائدة 51. وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ سورة الممتحنة 1.

ثالثاً: إن العيد قضية دينية عقدية وليست عادات دنيوية، والذي يقول: إنها عادات دنيوية جاهل؛ لأن النبي ﷺ قال: إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا، فإذاً الأعياد مسألة اختصاصات، ليست مثل الأكل بالملعقة، الأعياد اختصاصات للأقوام، كل قوم يتميزون عن الآخرين بعيدهم، وهذا عيدنا وذاك عيدهم، والنيروز عيد الفرس المجوس، وهكذا تتميز الأمم بالأعياد.

ورابعاً: قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَسورة الفرقان 72. قال ابن كثير رحمه في تفسيره: قال أبو العالية وطاووس وابن سيرين والضحاك والربيع بن أنس وغيرهم: هو أعياد المشركين، وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ هو أعياد المشركين.

ولا يجوز إهداء أحدهم بطاقات الأعياد، أو بيعها عليهم، وكذلك جميع لوازم أعيادهم من الأنوار والأشجار، والمأكولات، في جميع أعيادهم، لا الديك الرومي ولا غيره، ولا الحلويات التي على هيئة العكاز الخاصة بأعيادهم، ولا غيرها، ولا تقبل تهنئتهم في ذلك، والآن من الآن هم يعدون لاحتفالات في عيدهم عام ألفين (2000) وستكون حافلة بأكبر قدر ممكن من الفسق والفجور، وسيصادف ذلك عندنا آخر العشر الأواخر من رمضان، أي أن ذلك ربما يكون في ليلة القدر.

أيها الإخوة: نحن نتجه وإياهم الآن إلى مفاصلات ومفارقات، وهؤلاء الفرقة الضائعة من المسلمين في الوسط إما إلى هؤلاء وإما إلى هؤلاء، إما إلى رمضان والصيام والمساجد، وإما إلى السفر إلى الفنادق وإلى أماكن الاحتفالات، فأي الفريقين خير مقاماً وأحسن ندياً.

وأما بالنسبة للصيام في النصف الثاني من شعبان، فإنه قد ورد عن النبي ﷺ أنه قال: إذا انتصف شعبان فلا تصوموا[أخرجه أبو دواد 2337]. وفي رواية: إذا بقي نصف من شعبان فلا تصوموا[أخرجه الترمذي 738]. قد حمله بعض الأئمة على من لم يكن له عادة من قبل، فهو يأتي إلى قرب رمضان ويصوم، فيكون ذلك من نوع المواصلة وربما يضعفه ذلك عن الدخول بنشاط في رمضان، لكن من كانت له عادة معتادة كصيام يوم أو إفطار يوم أو صيام الاثنين والخميس فإنه يصوم في النصف الأول والثاني، ولا حرج عليه، بل قول جمهور العلماء باستحباب الصيام في شعبان في أوله، في نصفه الأول وفي نصفه الثاني.

نسأل الله تعالى أن يبارك لنا في شعبان، وأن يبلغنا رمضان، وأن يعتقنا من النيران.

1 - أخرجه مسلم 2865
2 - أخرجه أحمد 2150
3 - أخرجه أحمد 22205
4 - أخرجه أحمد 16316
5 - أخرجه مسلم 13
6 - أخرجه الترمذي 2142
7 - أخرجه أحمد 11804
8 - أخرجه أحمد 4088
9 - أخرجه مالك 1425
10 - أخرجه مسلم 8
11 - أخرجه الترمذي 3811
12 - أخرجه أبو داود 4031
13 - أخرجه أبو داود 4031
14 - أخرجه أبو دواد 2337
15 - أخرجه الترمذي 738