الإثنين 11 ربيع الآخر 1446 هـ :: 14 أكتوبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

التساهل في ستر العورات


عناصر المادة
الخطبة الأولى
الأمر بستر العورة، وما يترتب على ترك سترها
أدلة وجوب ستر العورة من القرآن الكريم
أدلة وجوب ستر العورة من السنة النبوية
من أنواع التساهل في ستر العورة، وتحذير العلماء من ذلك
حد العورات
الخطبة الثانية
من مخالفات الناس في ستر العورة

الخطبة الأولى

00:00:07

الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره،  ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعما  لنا، من يهده الله فلا مضل له،  ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران102يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا[سورة النساء1]. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًاسورة الأحزاب70-71.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

الأمر بستر العورة، وما يترتب على ترك سترها

00:01:19

أيها المسلمون: لقد جاءت الشريعة بمحاسن الأمور، وأمر شرع الله بكل ما يصلح البشرية، ولما خالفت البشرية شرع الله عمتها النكبات، وانتشرت فيها الرذائل، وصارت في الهاوية، ونزلت إلى الحضيض، ولا شك أننا في زماننا هذا، قد حصل فيه من هذا الشيء الكثير.

أيها المسلمون: حديثنا في هذه الخطبة عن أمر مهم أمرت به الشريعة، وجاء به الدين، لكن الناس ضيعوه، وترتب على ذلك ما ترتب من انتشار الرذائل والفواحش، ألا إنه حفظ العورة، الذي له أحكام كثيرة، وفروع متعددة، وأدلة كثيرة أمرت بستر العورة، العورة التي قال في شأنها أهل العلم، العورة التي سميت عورة لقبح ظهورها، ولأجل غض النظر عنها سمي العوَر عوراً، وهو النقص والعيب، ولذلك فإن العورة هي كل أمر يستحيا منه، كل ما يستحيا من ظهوره عورة، وأما في شريعة الله فإنها كل ما يجب ستره من بدن الإنسان.

والعورة كما ذكر أهل العلم: عورة نظر يجب سترها عن عين الناظر، وعورة الصلاة وهو ما يجب على الإنسان سترة حال الصلاة.

أما الذي يجب على الإنسان سترة حال الصلاة فإن أدلته في الشريعة معروفة، لكن الناس ينبغي عليهم أن لا يخلطوا بين عورة النظر وعورة الصلاة، حتى لا يحصل منهم احتجاجات فاسدة، فأنت ترى أنه يجب على الرجل أن يستر منكبيه في الصلاة لما ورد في ذلك في الحديث الصحيح، لكنه لا يجب عليه ستر المنكبين أمام رجال مثله مثلاً، وكذلك المرأة تكشف وجهها في الصلاة، لكنه لا يجوز لها كشفها في غير الصلاة، وهي تستر ساقيها مثلاً وبدنا فيها الصلاة، لكنه يجوز لها أن تكشفه أمام الزوج، فلا يحتجن محتج بعورة الصلاة على عورة النظر.

واعلموا أن الشريعة قد جاءت بالأمر بغض البصر، وقال الله : قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ۝ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّسورة النــور30-31.وقد قال ﷺ: يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الثانية[رواه أبو داود2149 بلفظ: "وليست لك الآخرة"].  لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة[رواه مسلم338]. هكذا جاء عنه ﷺ، ارتباط مسألة النظر بالعورة،  وغض الأبصار عن العورات.

أدلة وجوب ستر العورة من القرآن الكريم

00:04:35

فأما الأدلة التي جاءت في الشريعة على ستر العورة فهي كثيرة،  خذ على سبيل المثال قول الله تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍسورة الأعراف31. كيف نزلت؟ ومتى نزلت؟ وأين نزلت؟ نزلت في شأن عظيم،  كانت المرأة في الجاهلية تطوف بالبيت عريانة،  كان أهل الجاهلية يطوفون عراة،  يزعمون أن هذه الملابس التي لديهم قد عصوا فيها، فلا ينبغي أن يطوفوا فيها،  فأنزل الله يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍسورة الأعراف31. فنعى الله على أهل الجاهلية فعلهم هذا في آية أخرى كذلك فقال: وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ سورة الأعراف28. وقول الله: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْسورة النــور30.وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ سورة النــور31. دليل على غض البصر عن العورات.

وقوله تعالى: وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْسورة النــور30.وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ[سورة النــور31]. هذا كذلك دليل على وجوب ستر العورات عن النظر، فتأمل محاسن الشريعة، كيف أنها أمرت بغض البصر وأمرت بستر العورة،  لكي تعالج الموضوع من جميع جوانبه.

أدلة وجوب ستر العورة من السنة النبوية

00:06:01

أما سنة النبي ﷺ فالأحاديث الواردة فيها بستر العورة كثيرة،  ومن ذلك ما جاء في الحديث الصحيح عن الصحابي الجليل،  قال: يا نبي الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك،  قلت: فإذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: إن استطعت أن لا يراها أحد فلا يرينها، قلت: يا رسول الله فإذا كان أحدنا خالياً؟ قال: فالله أحق أن يستحيا منه من الناس[رواه أبو داود4017، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح3117]. الله أحق من الناس بالاستحياء،  أن يستحيا منه سبحانه،  الله أحق أن يستحيا منه سبحانه.

وكذلك فإنه ﷺ لما رأى رجل من الصحابة قد كشف فخذه قال: غط فخذك فإن الفخذ عورة[رواه الترمذي2798، وصححه الالباني في صحيح الجامع7906]. أمره بالتغطية، أمرهم بالستر، وكذلك أجمع أهل العلم على أنه لا بد من ستر العورات، أن ستر العورات عن العيون واجب.

فإذا قال إنسان: إذا كان الرجل خالياًَ،  فهل يجوز له أن يكشف عورته؟ أجاب أهل العلم عن ذلك،  إذا دعت الحاجة إلى ذلك مثل قضاء الحاجة من بول أو حلق عانة مثلاً أو اغتسال أو جماع لزوجته،  فإنه لا بأس بذلك،  أما إذا كان ليس هناك حاجة فإن قوله ﷺ للرجل لما سأله: إذا كان أحدنا خالياً،  قال: فالله أحق أن يستحيا منه[رواه أحمد20034، وحسنه الالباني في غاية المرام70]. قال أهل العلم: أنه لا يكشف الإنسان عورة نفسه إذا لم تدع الحاجة إلى ذلك،  وبعضهم أوجب ذلك وغلظ فيه. فإذاً كشفها لغير حاجة حتى لو كان الإنسان خالياً دون حاجة فإنه أمر مذموم.

من أنواع التساهل في ستر العورة، وتحذير العلماء من ذلك

00:08:12

واعلموا -أيها الإخوة- أن الناس تساهلوا في أشياء عديدة تساهلاً كثيراً جداً، وخصوصاً في مسألة الفخذ هذه بالنسبة للرجال؛ لأن بعض الناس عندهم منطق جاهلي يقول: العورة للنساء،  وليس للرجال عورة،  ولذلك فهم تراهم يجلسون في المجالس يرفعون رجلاً على رجل،  وقد لا يكون أحدهم لابساً تحت ثوبه سروالاً طويلاً مثلاً،  فيظهر فخذه،  فإذا جئت تنبه قال لك: الرجل ليس له عورة، كبرت كلمة، رسول الله ﷺ يقول: غط فخذك فإن الفخذ عورة[رواه الترمذي2798، وصححه الالباني في صحيح الجامع7906]وهذا يقول: الرجل ليس له عورة.

حد العورات

00:08:54

أيها الإخوة: أيها المسلمون: لقد تكلم علماؤنا في عورة الرجل للرجل، وعورة الرجل للمرأة، وعورة المرأة للمرأة، وعورة المرأة للرجل، وعروة الطفل، وعورة المرأة أمام الطفل، وعورة المرأة أمام المخنث، وعورة المرأة أمام العبد، وعورة الأمة للرجل، ونحو ذلك من الأشياء، فالمهم والخلاصة أن الرجل والمرأة إذا كانت زوجته أو أمته جاز لهما كل شيء،  بما ذلك الكشف التام، أما الرجل بالنسبة للرجل فإن العلماء قد اتفقوا على أن عورة الرجل للرجل ما بين السرة والركبة، لا يجوز له كشف ما بين سرته وركبته، وأما عورة الرجل بالنسبة للمرة الأجنبية، فإن المرأة الأجنبية كل من جاز لك نكاحها في الأصل، كل من جاز لك نكاحها فإنها امرأة أجنبية عنك،  والمرأة ماذا تنظر من الرجل، إنها تنظر إلى الرجل إذا لم يكن هناك فتنة أو شهوة، أما إذا لم تؤمن الفتنة، وثارت الشهوات فيجب عليها أن تغض بصرها كما قال الله في الآية، يجب عليها أن تغض بصرها عن الرجل أياً كان في أي مكان كان إذا حصل هناك فتنة، وهذا أمر كل واحد وكل واحدة أعلم بما نفسه، والله مطلع على الجميع،  فاتقوا الله .

أما عورة الرجل بالنسبة لمحارمه والمحارم كل من حرم عليك نكاحها لحرمتها، فإن الرجل والمحرم ومحرمه من النساء يجوز له أن ينظر إليها فيما جرت العادة بظهوره منها، على ما سنبين بعد قليل إن شاء الله.

أما المرأة بالنسبة للرجال الأجانب، فإنها على الصحيح كلها عورة،  كما قال الله : وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَاسورة النــور31.قال بعض أهل العلم: الرداء والثياب، هذا الذي لا يمكن إخفاؤه، لا يمكن إخفاء العباءة إلا ما ظهر منها، الرداء والثياب، وكذلك قال الله: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ سورة الأحزاب53.فلا بد من حجاب يحجب المرأة كلها سواءً كان جداراً أو باباً أو عباءة وخماراً ساتراً ونحو ذلك، وقال الله يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ[سورة الأحزاب59]. فالإدناء من الأعلى إلى الأسفل يستر الجسم كله.

ولما جاء صفوان بن المعطل السلمي ومر بعائشة وهي جالسة، واسترجع وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، قالت عائشة: فخمرت وجهي، سارعت رضي الله عنها إلى تغطية وجهها، هذا الحديث في صحيح البخاري.

وقال ﷺ: المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان[ رواه الترمذي1173، وصححه الألباني في صحيح الجامع 6690]. فقوله: المرأة عورة يعني: أنها كلها عورة، أمام الرجال الأجانب ليس هناك شيئاً تكشفه، هل ترى استثناءً في الحديث، المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان.

أسماء تقول: "كنا نغطي وجوهنا من الرجال"، وعائشة عندما يمر بها الرجال الأجانب وهي محرمة كاشفة وجهها مع النساء، إذا مر بها الرجال غطت وجهها، ورسول الله ﷺ لما نهى عن النقاب في الإحرام دل ذلك على أنه كان معروفاً عندهم، مستعمل، وأن المرأة كانت تستر وجهها.

أيها المسلمون: ولو قال قائل: إن هناك أقوالاً أخرى، فنقول: ما هو الأليق بعصرنا الذي نحن فيه؟ الذي كثرت فيه الفتن، وعمت فيه الشرور، أنت تراهم الآن في جميع الأماكن كاشفات عاريات إلا ما كان من أمر لا تستطيع فعله الآن، لكنها لو استطاعت فعله لفعلت، ولجرت وراء الكفرة حذو القذة بالقذة.

أما المرأة والطفل الصغير أو الأطفال، فإن هذه القضية من القضايا التي جهلها كثير من الناس،  بل وتساهلوا فيها تساهلاً شنيعاً، والخلاصة: أن الله يقول في أصناف الناس الذين يجوز للمرأة أن تبدي زينتها عندهم قال أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء سورة النور31فيجوز للمرأة أن تكشف على الطفل الصغير الذي لم يفهم أحوال النساء، بنص كتاب الله لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء، لم يفهموا أحوال النساء، ولم يميزوا بين الحسناء والشوهاء، هذا يمكن من الدخول على النساء، لكن إذا كان له التفات وصار له اهتمام وتمييز،  فإن النساء يحجبن عنه، والآن في البيوت تساهل عظيم،  تساهل شنيع، بالذات في قضية الولد الذي يكون قبيل البلوغ، إذا بلغ صار رجلاً، لكن قبيل البلوغ بسبب انتشار الأفلام والمجلات والخنأ والفواحش في المجتمع صار الأطفال لهم تمييز في مسائل جمال المرأة، والنساء بالعكس عندهن تساهل وتسيب في هذه القضية، فإذا لوحظ على الطفل التفات للمرأة وتمييز لمحاسنها وجب عليها أن تستر نفسها منه، ولا يجوز إدخاله عليها،  ولا يجوز إدخاله عليها.

وأما بالنسبة لعورة المرأة أمام المحارم، يا أيها الآباء، يا أيها الإخوان، يا أيها الأزواج، عورة المرأة بالنسبة للمحارم، فإن العلماء قد قالوا في ذلك قولين مشهورين، والذي يدل عليه الدليل والله أعلم في قول الله وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّسورة النور31. أن المرأة تظهر أمام المحرم ما يظهر غالباً أمامه في العادة، كالوجه والشعر والرقبة وما فوق القلادة، ما فوق القلادة ليس ما تحت القلادة،  وما تحت الدملج الذي عند العضد، ما تحته وليس ما فوقه، وأسفل الخلخال، هذا الذي تظهره،  وهذا الذي جرت به العادة بإظهاره، أما غير ذلك فإن بعض أهل العلم قد نصوا على أن الظهر والبطن عورة المرأة أمام المحرم، لا تظهر ظهرها ولا بطنها أمام المحرم، لا تظهر، واستدلوا بقوله تعالى: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ سورة النور31. فإذاً الذي يظهر غالباً منها كما بينا قبل قليل مثل الوجه والشعر والرقبة وما فوق القلادة وما أسفل الدملج الذي يوضع على العضد، هذا في العادة،  والخلخال وما تحته القدمين، هذا الذي يظهر أمام المحارم، وبعض العلماء شددوا في خال والعم، أكثر من تشديدهم، في الأب والأخ والابن، نظراً لأن الآية التي فيها قول الله: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ لم يرد فيها ذكر الخال والعم، فلذلك ينبغي التنبه لهذا الأمر، وينبغي عليكم يا مشعر الرجال أن تأمروا النساء في بيوتكم بالتستر والحشمة.

أما بالنسبة للصغار فإن الطفل إذا كان صغيراً أو رضيعاً فإنه لا عورة له، لا حكم لعورته، وما دون السبع قال بعض أهل العلم: إن عورته أخف من عورة الرضيع، ولكن ينبغي عليه ستر الفرجين على الأقل، يجب عليه، وينبغي على أولاء الأمور مراعاة ذلك، فإذا بلغت الأنثى تسعاً والذكر عشراً فينبغي الاعتناء التام باللباس، وعند ذلك تعلم التساهل الذي يحدث عند كثير من الناس الذين يظهرون بناتهم ذات التسع والعشر سنين بملابس قصيرة فوق الركبة أمام المحارم، ويقول: هذا عمها أو هذا ابن أخيها، وابن أختها، وهذا خال ونحو ذلك،  وعصرنا الآن كما قلنا أيها المسلمون، انتشرت فيه فواحش، عم فيه الفساد،  فينبغي أخذ الحيطة في هذا الأمر والتشديد في المسائل؛ لأنك تسمع عن جرائم تدل على انتكاس الفطرة، فلا تتساهلوا رحمكم الله في هذا الأمر، لا تتساهلوا في هذه القضية، ينبغي أن يربى أولادنا ذكوراً وإناثاً منذ الصغر التربية الستر والحشمة حتى يتعود عليه، أما أن نرخي الحبل، ثم إذا جاء وقت الحجاب المأمور به شرعاً والواجب، قلنا الآن: استصعبت النفوس الأمر، صعب بسبب عدم التعويد، وهذه قضية التساهل في لباس البنات الصغيرات قد حصل فيه جرائم،  وحصل فيه ما يندى له الجبين بسبب أن الرجل والزوج أو الأب والأم تساهل في قضية لباس البنات الصغيرات.

نحن في عصر انتكست فيه الفطر، زالت فيه العفة إلا من رحم الله، ولذلك ينبغي التشديد وعدم التهاون في هذه القضية، ولذلك العلماء بعدما بينوا أحكاماً حتى الذين قالوا: أن عورة المرأة أمام المرأة من السرة إلى الركبة، وقالوا أقوالاً أخرى في المسألة، قالوا: النظر عند خشية الفتنة حرام، حتى للمحارم فيما يجوز لهم النظر إليه من النساء قالوا: حرام، لا يجوز النظر عند خشية الفتنة، عندما كانت المجتمعات نظيفة في الماضي، عندما كان الصحابة والسلف يعيشون في مجتمعات نظيفة، ما كانت الشهوات لتثور؛ لأن المجتمع متحشم، لكن اليوم لأتفه الأسباب تثور الشهوات؛ ولذلك لا بد من الاعتناء بهذه القضية أشد الاعتناء.

نسأل الله أن يوفقنا وإياكم للخير، وأن يجعلنا من الحافظين فروجهم، اللهم اجعلنا من الذين يحفظون حدودك فلا يتعدونها، واجعلنا من الذين يغضون أبصارهم فلا ينظرون إلى الحرام، اللهم اجعل بيننا وبين الحرام برزخاً وحجراً محجوراً.

وأقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

وأرجو من إخواني أن يتقدموا ليدخل إخوانهم

الخطبة الثانية

00:20:15

الحمد لله،  لا إله إلا الله،  وسبحان الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله،  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصلى الله وسلم على نبينا المصطفى الأمين الذي بلغ رسالة ربه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم إلى يوم الدين.

من مخالفات الناس في ستر العورة

00:20:41

أيها المسلمون: لقد خالفت البشرية اليوم شرع الله في ستر العورات، خالفت البشرية شرع الله لما ابتكروا شوارع وشواطئ للعراة، خالفت البشرية شرع الله لما ظهروا بهذه المايوهات والملابس القصيرة على شواطئ البحار وغيرها وفي المسابح، لقد خالفت البشرية شرع الله في ستر العورات عندما أنتجت وسوقت الأفلام التي تظهر فيها المرأة كاشفة لعورتها أو لجزء من العورة التي أمر بها الشرع، لقد خالفت البشرية شرع الله في ستر العورات لما قامت الإعلانات التجارية تروج للبضائع، وفي كثير منها صورة امرأة،  كاشفة عن عورتها أو جزء من عورتها، في أمور لا علاقة لها بالنساء مطلقاً، كعلب البيبسي مثلاً.

لقد خالفت البشرية شرع الله عندما طبعت المجلات وعلى أغلفة هذه المجلات، فتاة الغلاف، الداعية بجمالها الصارخ،  وزينتها ومكياجها إلى الفحشاء والمنكر،  لقد خالفت البشرية شرع الله عندما دخلت النساء في الأسواق متبرجات، وترك ستر العورة، حتى بالنسبة للرجال الذين خالفوا شرع الله في هذه الألعاب الرياضية التي يزعمون أنها رياضية، وكشفوا فيها من العورات من الفخذ وغيره ما يندى له جبين المسلم الحر الكريم، لقد خالف الناس شرع الله عندما قام الاختلاط في البيت بين الرجال والنساء الأجانب، وخالفوا شرع الله في تساهلهم في ظهور أولادهم وبناتهم بالذات الذين هم قريبين من سن البلوغ بثياب قصيرة أمام الضيوف وأمام الأجانب، بل حتى أمام المحارم كشفوا ما لا يجوز كشفه.

لقد خولفت الشريعة في قضية سد الذرائع مخالفة شنيعة؛ لأنهم خالفوا الأصل فكيف لا يخالفون قاعدة سد الذرائع، وقاعدة سد منافذ الفتنة غير مراعاة في كثير من الأحوال، لقد خولف الشرع، وخولف مراراً ومراراً وتكراراً، وهذه الأشياء الوافدة إلينا، والتي نقترفها نحن بأيدينا أيها المسلمون دليل واضح على تضييع قضية ستر العورة، صارت مسالة ستر العورة الآن من المسائل الضائعة المضيعة في عالمنا وواقعنا؛ لأن من مخططات اليهود إظهار العورات وكشفها لكي يصبح المجتمع مجتمعاً إباحياً، مجتمع إباحي، حتى تشغل القضية الأذهان، ولا يبقى هناك مجال للعاقل لكي يبصر ما ينقذ به أمته.

أيها المسلمون: إن كل شر يحدث في مجتمعنا بسبب مخالفة الشريعة، ونحن الذين تساهلنا في قضايا كثيرة، نحن الذين تساهلنا في قضية كشف العورات في قضية السائق الأجنبي، والخادمة، وحتى في قضية الممرضات والمضيفات، والذهاب بالنساء إلى المستشفيات، أفلا ترون أن هذه المخالفات تستوجب عقوبة من الله، إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ ۝ مَا لَهُ مِن دَافِعٍسورة الطور7-8.

اللهم إنا نسألك رحمتك، اللهم أغثنا برحمتك، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم إنا نسألك أن تطهر قلوبنا،  الله استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا، اللهم إنا نعوذ بك من تحول عافيتك، وزوال نعمتك،وفجأة نقمتك وجميع سخطك،  اللهم إنا نسألك أن تنصر الإسلام والمسلمين، وأن تقيم علم الجهاد في ربوع العالمين، اللهم ارفع الظلم عن المستضعفين، اللهم انصر المستضعفين من المسلمين، اللهم إنا نسألك أن تنصر عبادك الموحدين، وتقيم شرعك في الأرض يا رب العالمين.

إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءوَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.

1 - رواه أبو داود2149 بلفظ: "وليست لك الآخرة"
2 - رواه مسلم338
3 - رواه أبو داود4017، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح3117
4 - رواه الترمذي2798، وصححه الالباني في صحيح الجامع7906
5 - رواه أحمد20034، وحسنه الالباني في غاية المرام70
6 - رواه الترمذي2798، وصححه الالباني في صحيح الجامع7906
7 - رواه الترمذي1173، وصححه الألباني في صحيح الجامع 6690