السبت 22 جمادى الأولى 1446 هـ :: 23 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

الإحساس العلمي بإعجاز القرآن 3


عناصر المادة
الخطبة الأولى
الحكمة في حصر التطليقات
موعظة وتوجيه
عَضْل المطلقات
الخطبة الثانية
حكمة الله تتجلى في تشريعاته

الخطبة الأولى

00:00:07

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

الحكمة في حصر التطليقات

00:00:34

فقد سمعنا شيئاً من أحكام الله فيما يتعلق بالحياة الزوجية، وكيف جاءت هذه الشريعة لتنظيم العلاقة بين الزوجين، أرادها الله أسرة إسلامية فيها الطهر والنقاء، أرادها تسلسلاً للجنس البشري، نسلاً صالحاً يتربى في كنف الأسرة، والله يعلم أن من طبيعة البشر حصول التنازع بينهم، وأن هذه الحياة الزوجية قد لا تستقيم، ويكون استمرارها أحياناً أعظم في المفسدة من قطعها، فلذلك جاءت الأحكام بتنظيم عقد الأسرة كما جاءت بتنظيم فراق الزوجين، ففراق الزوجين في الإسلام ليس فوضى، وإنما هو قوانين، وأحكام جاءت في كتاب الله وسنة نبيه ﷺ.

الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فيهما رجعة، ماذا يحدث بعد هاتين المرتين؟ في كل واحدة إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان، رجعة إذا أراد الإصلاح، وإذا لم يرد زوجته ترك العدة تمضي وتنقضي حتى تذهب في حال سبيلها، لكن هذا الذهاب لا يكون أيضاً ذهاب سباب وشتائم، وإنما هو فراق بإحسان يمتعها عند الفراق بشيء يجبر كسرها، ويطيب قلبها، ولذلك فإن المتاع بالمعروف هو حق على المحسنين، وهو على المتقين أيضاً، فالتقوى والإحسان تقتضيان أن يكون هناك تمتيع للزوجة المطلقة حتى تخرج من بيت زوجها، ومعها شيء يجبر ذلك الكسر، ويطيب القلب، وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أيها الأزواج أَن تَأْخُذُواْ بغير رضا الزوجات، مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّوأعطيتموهن من المهر لا شيئاً قليلاً، ولا كثيراً، إلا في حالة: أن يظن الزوجان، ويتوقعا أن لا يقيما حدود الله، ولا يعطي كل منهما الآخر حقه، فتخاف الزوجة إن استمرت مع الزوج أن تعصي الله فيه، فلا تطيع له أمراً، وتظهر النشوز وسوء الخلق؛ فتأثم، ويخاف الزوج إن لم تطعه أن يتعدى عليها، فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِسورة البقرة:229، فلا جناح عليكم حينئذ، لا إثم، ولا حرج على الرجل في الأخذ، ولا على المرأة في طلب الخلع، لكن أن تأتي امرأة تطلب الخلع من زوجها بلا سبب فهن المنافقات، هؤلاء المختلعات والمنتزعات، وأيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس؛ فحرام عليها رائحة الجنة[رواه أحمد (21874)].

هذه أحكام الله، وهذه حدوده فَلاَ تَعْتَدُوهَا لا تتجاوزوها، وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ، ويتجاوز أحكامه، فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَسورة البقرة:229، ولا يجوز طلب الخلع مع استقامة الحال، والشرع قد اعتنى بالمحافظة على الأسرة، وعدم تفكيكها، ولكن عندما يكون إنهاء العلاقة في بعض الأحيان أهون من الاستمرار فيها جاءت الشريعة بالكيفية الصحيحة للإنهاء، هذه الكيفية التي هي مبنية على حسن الخلق، فإذا جاءت الطلقة الثالثة: فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ سورة البقرة:230، أن تجرب إذن حياة أخرى، أن تكون مع رجل آخر، هذا الرجل الآخر ينكحها نكاحاً صحيحاً، نكاحاً شرعياً، نكاح رغبة، لا نكاح تحليل، فأما إن جاء لصاحبه يقول له: يا صاحبي لقد وقعت الكارثة! ماذا حصل؟ طلقت زوجتي الطلقة الثالثة والأخيرة، وبيننا هؤلاء الأولاد، وأنا أريد منك خدمة، ما هي؟ أن تتزوجها، لكي تطلقها حتى أتمكن من الرجوع إليها، إن بيننا ستة أولاد، لا أدري ماذا أفعل بهم، فإذا فعل صاحبه ذلك؛ فهو وصاحبه ملعونان؛ لأن النبي ﷺ قال: لعن الله المحلِّل، والمحلَّل له[رواه أبو داود (2076)]، وأخبر النبي ﷺ عنه بأنه تيس مستعار [رواه ابن ماجه (1936)] تقبيحاً لهذا الفعل؛ ولأنه تحايل على أحكام الله، ولأنه مخادعة، ولما سئل ابن عمر في رجل أراد أن يتطوع بالزواج من مطلقة أخيه ثلاثاً، فقال: "كنا نعد هذا سفاحاً على عهد رسول الله ﷺ" [رواه الحاكم في المستدرك (2806)]، فلو قال قائل: ماذا لو جاء شخص بدون اتفاق مع الزوج الأول، ولا مع أهل الزوجة، وعمل ذلك من تلقاء نفسه، يظنها خدمة يسديها إلى صاحبه لإعادة تلك الأسرة مرة أخرى؟ إن ذلك أيضاً محرم، ولذلك لما سئل ابن عمر عن الرجل يتطوع بالزواج من مطلقة أخيه ثلاثاً ليطلقها، فيحلها له، قال: "كنا نعد هذا سفاحاً على عهد رسول الله ﷺ"، وربما يظن بعض الناس أنه يحسن وهو يسيء، ولذلك: فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، فلا يجوز للأول أن يرجع إليها إلا إذا نكحها الثاني نكاحاً صحيحاً، نكاح رغبة، نكاحاً يطأها فيه: حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ سورة البقرة:230، يعني: يطؤها هذا الثاني، عند ذلك إذا حصل خلاف، إذا طلقها الثاني، وانتهت عدتها جاز للأول أن يرجع إليها بعقد جديد.

موعظة وتوجيه

00:07:36

عباد الله: إن الله يعلم ما يصلح النفوس، وإذا انتهت العدة، فماذا يفعل المسلم؟ إنه يسرحها بإحسان، وإذا طلق المرة الأولى أو الثانية لا يجوز للزوج أن يستعيد المطلقة في العدة إذا أراد الإضرار؛ لأن الله قال: وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْسورة البقرة:231، إذن وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء طلاقاً رجعياً، فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ، قاربن انتهاء العدة، فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ راجعوهن إن شئتم بالمعروف الذي عرفه الشرع، وعرفه الناس من حسن الصحبة والمعاشرة، أَوْ سَرِّحُوهُنَّ اتركوهن بلا مراجعة حتى تنقضي العدة تماماً، فتخرج من عصمة الزوج، فيفارقها بالمعروف، فيخرجها إلى بيت أهلها مكرمة، ويمتعها بما يطيب خاطرها من غير مخاصمة ولا شتائم، وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ، لا تراجعوهن إذا لم يكن لكم بهن رغبة، وإنما تريدون الإضرار بالزوجة بسوء العشرة، أو تطويل العدة، تطويل المدة، ومنعها من الزواج بآخر، ومضارة المسلم حرام بأي شيء وقع: وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ، لتقعوا في العدوان على الزوجات، بظلمهن بتطويل المدة، أو إلجائها إلى الافتداء بالمال لتطلب الخلع، ليجبرها على الدفع، وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَهذا الإمساك المضر، هذا الإمساك المؤدي للعدوان فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ، إنه في الحقيقة يضر بنفسه، بالإضافة إلى ظلم زوجته؛ لأنه جلب على نفسه العقوبة والإثم، وظلم الغير هو ظلم للنفس في الحقيقية؛ لأنه يعرضها لعقاب الله، والزوج إذا لم يجد ما ينفق على زوجته، ولم تصبر عليه، فإنه يتأكد عليه أن يطلقها؛ لأن إمساكها حين إذن لا يكون إمساكاً بالمعروف.

لاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًاسورة البقرة:231، يا أيها الأزواج، لاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ التي يبين لكم فيها أحكامه، لا تجعلوها موضعاً للاستهزاء والاستخفاف واللعب، لا تتهاونوا بها، أو تتركوا العمل بها، ولذلك فقد نص العلماء على أن المطلق الجاد والهازل في حكم الطلاق واحد، وأن الكل واقع؛ لأن النبي ﷺ قال: ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة[رواه الترمذي (1184)]، فلو قال: أنت طالق، ثم قال: أنا كنت أمزح، أنا أردت أن أرعبها، أنا أردت أن أهزها، فيقال له: هذا طلاق واقع، ولو أرجعها هازلاً، فقد وقعت الرجعة، في هذا الحديث الحسن الذي رواه أبو داود، والذي يبين الآية: وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْسورة البقرة:231 بدلاً من الاستهزاء، بدلاً من التلاعب بالأحكام اذكروا نعمة الله عليكم بالقلب واللسان والجوارح، نعمة الله بالإسلام، وببعثة محمد خير الأنام ﷺ، وبإنزال هذه الشريعة وتبيين الأحكام، وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ، دائماً يجب أن نتذكر هذه الآية: وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْسورة البقرة:231، أنعم عليكم بالإسلام، وببعثة نبي الإسلام، وبشريعة الإسلام، اذكروا ذلك بقلوبكم، واشكروا ربكم بألسنتكم، احمدوه، وأثنوا عليه، وبجوارحكم: اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًاسورة سبأ:13.

وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ، القرآن والسنة، يَعِظُكُم بِهِ، يذكركم، ويخوفكم، ويأمركم، وينهاكم لأي شيء؟ لتعملوا بهما، وَاتَّقُواْ اللّهَخافوا عقابه، امتثلوا أمره، اتركوا مخالفته، وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌسورة البقرة:231.

إذن كل أجل، كل كتاب له أجل، ولِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ سورة الرعد:38، والطلاق له أجل، وهي العدة إذا انقضت، عدة المرأة التي تحيض ثلاث حيضات، وعدة الكبيرة التي لا تحيض ثلاثة أشهر، وعدة الحامل أن تضع حملها، والتي طلقها ولم يدخل بها، ولم يخل بها خلوة كاملة فليس لها عدة: فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَاسورة الأحزاب:49.

عَضْل المطلقات

00:12:46

إن هذه العدد أحكام، إن هذه العدد فقه عظيم، وقد فهم بعض العلماء من ظاهر الآية: فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّسورة الطلاق:2، أن نهاية العدة بنهاية الحيضة الثالثة بقي إلى الاغتسال، فترة يسيرة جداً، فهم بعض العلماء أنه يمكن أن يراجعها ما لم تغتسل، فإذا اغتسلت من الحيضة الثالثة، بنهاية الحيضة الثالثة إذا نزل الطهر، إذا اغتسلت فلا مراجعة، تخرج من عصمته، لقد نصت الآية على أن الإمساك بمعروف، إمساك بمعروف، هذا واجب؛ لأن المضارة لا تجوز، ومضارة المسلم حرام: من ضارَّ ضارَّ الله به[رواه الترمذي (1940)]، والمعصية ظلم للنفس، عندما قال: وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ سورة البقرة:231، رد على الذين يقولون: نحن أحرار نفعل بأنفسنا ما نشاء، حرية، لو قال: اتركني؛ أنا حر أفعل ما أشاء، وأنا سأعذب أنت ما لك دخل فيني، أنا سأعذب، وأنا أصبر على العذاب، فقد قال الله: فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ، فإذن لو قال: أنا حر أفعل ما أشاء، وأنا حر في نفسي، فقد قال الله: فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ، ويجب منع الظلم حتى عن الظالم أن يكف، يجب أن يكف عن ظلمه.

وإن اتخاذ آيات الله هزواً درجات، فقد تكون مخالفة درجة، والمزاح درجة، وسخرية درجة، وقد قال العلماء: إن الاستغفار مع الإصرار نوع من الاستهزاء، قالوا: إن الذي يفعل ويستغفر -وهو يفعل، وهو يفعل!- إنه درجة من الاستهزاء.

عباد الله: قال ربنا بعد ذلك: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ، يا أيها الأزواج، إذا طلقتم الزوجات فبلغن أجلهن، وانقضت عدتهن: فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّلا تمنعونهن يا أيها الأولياء، ويا أيها الأزواج، كيف يمنعها الزوج؟ وكيف يمنعها الولي؟ أما الولي فواضح، لا تعضلوهن يا أيها الأولياء، لا تعضلوهن أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ بعقد جديد، إذا انتهت العدة، وأرادت أن ترجع إليه بعد الطلقة الأولى، أو الطلقة الثانية، إذا انتهت العدة فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ، لا تمنعها من العودة إليه بعقد جديد إذا أرادت ذلك، وأراد ذلك، وكان فيه مصلحة، أما أن يمنعها، فإن بعض الرجال في الجاهلية كان إذا طلق زوجته يمنعها من الزواج بغيره غيرة وأنفة وحمية، ويقول: إذا طلقت امرأة لا أحد يأخذها بعدي، ويزعمون أن ذلك أنفة وحمية، إنها حمية الجاهلية، ما ذنب المرأة؟ لا أنت تستفيد، ولا تتركها هي ترى شأنها بالمعروف، وبعض الرجال مستعد أن يهدد بالسلاح من يتجرأ على خطبة مطلقته! سبحان الله! ولذلك قال : وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ، أزواج جدد، ويا أيها الأولياء لا تمنعوا بناتكم، أخواتكم، من الزواج من العودة إلى الزوج الأول بعقد جديد بشروطه من التراضي والولي والشاهدين إذا كان الطلاق رجعياً: أول، ثاني إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ، إذا تراضت المرأة والخاطب بالمعروف، واتفقا على أي شيء؟ على المعروف، ما عرفه الشرع من العقد والمهر، وقد قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في الرجل يطلق امرأته طلقة، أو طلقتين، فتنقضي عدتها، ثم يبدو له تزويجها، أو أن يراجعها، وتريد المرأة ذلك، فيمنعها أولياؤها من ذلك، فنهى الله أن يمنعوها، وهذه الآية: فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ يدل على أن الولي له سلطة على المرأة، فلو جاء هؤلاء أذناب الغرب اليوم والمنافقون جاؤوا ليقولوا: أين حرية المرأة؟! لماذا تسلط الرجل على المرأة؟ المرأة الآن عاقلة عندها أهلية، تعرف مصلحة نفسها، اتركوها تتزوج هي وحدها، لا نريد ولي، ولا محرم سفر، ولا أي سلطة للرجال على النساء، هذا ظلم، لا نرضى، هؤلاء الكفار، الكفرة هؤلاء، المعاندون لله ولرسوله، يقال لهم: هذه الآيات: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ سورة البقرة:232، لو ما كان للولي سلطة، فإذن كيف يملك أن يمنعها، أو لا يمنعها؟ إذن هو له سلطة: لا نكاح إلا بولي[رواه الترمذي (1101)]، أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل[رواه الترمذي (1102)]، المرأة لا تزوج نفسها، قال ﷺ: لا نكاح إلا بولي، وقال: لا تزوج المرأة المرأة يعني أمها لا تصلح ولياً لها؟ لا، ولا تزوج المرأة نفسها[رواه ابن ماجه (1882)]حديث صحيح، رواه ابن ماجه.

فإذا لم يكن للمرأة ولي؟ قال ﷺ: السلطان ولي من لا ولي له[رواه ابن ماجه (1880)]، فيكون القاضي هنا هو الولي إذا لم يكن للمرأة ولي، إذن فلا بد من ولي، والولي لماذا وضع في الشرع؟ لأنه يستطيع أن يعرف حال الخاطب أكثر من المرأة؛ لأنه يُقدر أبعاد الأمور؛ لأنه رجل عنده عقل أكبر من عقل المرأة في الغالب، ولذلك نظره لها غالباً ما يكون أحسن من نظرها لنفسها، ولذلك جُعل الولي، لكن هذا الولي ليست سلطته مطلقة يظلم كيف شاء، ويمنع كيف شاء، ويحبس البنت الموظفة كيف يشاء، يأخذ راتبها كما يشاء، ويمنعها من الزواج على ما يشاء، لا! هذا العضل حرام، وقد قال الله في الزوجة التي تريد أن ترجع إلى زوجها الذي طلقها طلقة أولى، أو ثانية، قال للأولياء: فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّسورة البقرة:232، لا تقف في طريقها، ندما على ما حصل، وأرادا العودة، فلا تقف أنت في الطريق، ما هو سبب نزول هذه الآية؟ روى الترمذي والحديث صحيح عن معقل بن يسار : "أنه زوج أخته رجلاً من المسلمين على عهد رسول الله ﷺ"، وهذا إحسان أن الإنسان يُكرم بأخته رجلاً يزوجه إياها، "زوج أخته رجلاً من المسلمين على عهد رسول اللهﷺ، فكانت عنده ما كانت، ثم طلقها تطليقه، لم يراجعها حتى انقضت" العدة، يا إنسان، يا عبد الله، يا أيها الزوج، طلقتها، هي الآن في العدة، راجعها، لا، العدة ستنقضي، خلوها تنقضي، ستخرج من عصمتك، دعوها تخرج من عصمتي، الفرصة الأخيرة، لا، خرجت من عصمتك، هات ابنتنا، رجعت البنت إلى وليها الأول، بعد ذلك ندم، ندم، قال في القصة: "فكانت عنده ما كانت، ثم طلقها تطليقة لم يراجعها حتى انقضت العدة، فهويها وهويته" سبحان الله! بعد انتهاء العدة، وعدم القدرة على استعادة الزوجة بدون عقد؛ لأن العدة انتهت الآن جاء الهوى والرغبة في العودة، "فهويها وهويته"، والرغبة مشتركة، ثم خطبها مع الخُطَّاب، فقال له معقل -ولي المرأة، أخوها-: "يا لُكع" يا لئيم، "أكرمتك بها وزوجتكها، فطلقتها، والله لا ترجع إليك أبداً آخر ما عليك"، ولا يمكن، كما يقولون: لا تحلم، قال في الرواية: "فعلم الله حاجته إليها" يعني حاجة الزوج إلى زوجته، وحاجتها إلى بعلها، فأنزل الله: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ سورة البقرة:232، فلما سمعها معقِل قال: "سمع لربي وطاعة"، هذه هي الكلمة العظيمة، "سمع لربي وطاعة"، هذا هو الفرق بيننا وبين الصحابة، "سمع لربي وطاعة"، ثم دعاه، فقال: "أزوجك، وأكرمك" [رواه الترمذي (2981)]رواه الترمذي، هذا هو الفرق، الاستسلام للحكم الشرعي، الانقياد لأمر الله.

قال عن هذا الحكم: ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، يستثير فيهم نخوة الإيمان، يقول: هذا الحكم يؤمر به ويتذكر، ويؤمر فيمتثل ويطيع وينتفع من؟ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، الإيمان يقود للطاعة والاستسلام، ذَلِكُمْ أي: الاتعاظ والعمل بهذا الحكم، أَزْكَى لَكُمْ أصلح وأنفع، وأكثر بركة، أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُمن الذنوب ولنفوس النساء أطهر، وأشفى من الحقد على الأولياء، وأشفى لصدر المرأة من التألم؛ لأن وليها يمنعها،أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ سورة البقرة:232، يعلم ما فيه صلاحكم، ويعلم المصالح .

إن هذه القصة العظيمة التي فيها امتثال الصحابة لأمر الله، ومخالفة هوى النفس، والعمل برضا المرأة في النكاح، إنها قصة عظيمة، في آية عظيمة، كانت سبب نزولها.

اللهم اجعلنا ممن ينقاد لأمرك يا رب العالمين، اجعلنا لشرعك مستسلمين، اجعلنا بدينك عاملين، اللهم اغفر لنا أجمعين، يا أرحم الراحمين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:25:07

الحمد لله، وسبحان الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأشهد أن لا إله إلا الله رب الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

حكمة الله تتجلى في تشريعاته

00:25:27

هذا التنزيل العظيم، وهذا الذكر الكريم، وهذه الأحكام المحكمة من الحكيم ، خبير عليم، لطيف يعلم ما يصلحنا، فشرع لنا من الدين، أما أولئك الكفرة يسيرون على غير هدى، يخبطون خبط عشواء، لا يعرفون ما يصلحهن، ويسنون القوانين، ويخالفون الدين، ويتمردون على شرع أحكم الحاكمين، والمسلم يرى هذا الأحكام يتعظ يتعلم: وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَسورة المائدة:50، فيزداد إيماناً، ويزداد يقيناً، يرى هذا التنزيل الحكيم، ويرى كيف أن في هذه الآيات العظيمة التشريع الشافي والكافي، والحل الأمثل، وقد عرفنا في الآية السابقة أن الزوج في العدة يعود إلى زوجته في الطلقة الأولى والثانية، فإذا انتهت العدة، فلا سبيل له عليها إلا بعقد جديد، وأن التراضي من قبل الزوجين شرط في صحة عقد النكاح، وأنه لا يجوز للولي أن يزوج من ولاه الله عليها بغير رضاها، وفي المقابل لو أن المرأة رضيت بزوج على خلاف ما عرفه الشرع، فلوليها أن يمنعها؛ لأن الله قال: فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ سورة البقرة:232، فلو قالوا لها: إنه لا يصلي، وأنتِ مسلمة تصلين، قالت: أريده، قالوا: إنه يتعاطى المخدرات، ويشرب المسكر، قالت: ولو، أريده، قالوا: إنه يذهب إلى أماكن الفسق والفجور، ويسافر خميس وجمعة، ورُئي في أماكن مشبوهة، قالت: ولو، أريده، إذن إذا رضيت بزوج على خلاف ما عرفه الشرع؛ لأن الله قال: إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ، فإذا أرادته زوجاً، والزوج على خلاف الشرع فلوليها أن يمنعها؛ لأن التراضي هنا ما حصل بالمعروف، قالت: أنا تعلقت به، وصار بيننا علاقة بالهاتف، وطلعت ونزلت، ودخلت وخرجت، نحن الآن نريد بعض، طيب ما هي حال الرجل هذا؟ إن كان في مثل حال المرأة في الدين زيادةً ونقصاناً، فهناك نوعاً من التكافؤ، لكن قد يكون هذا ذئباً بشرياً، وهي مخدوعة مسكينة، وربما يسومها سوء العذاب، فإذن إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ، وليس بغير المعروف.

ورأينا أن الله بحكمته سبحانه أنزل من التشريع ما يراعي ندم الزوجين بعد الطلاق، وكان ممكناً أن يمنع الله الزوج من العودة إلى زوجته حتى بعد الطلقة الأولى والثانية، ولكن الله سبحانه علم ما يكون من الندم من الزوجين، وقد تكون المعاندة هي السائدة في فترة العدة، وإذا انتهت العدة وتفرقا، وحصلت البينونة ندما، وعرفنا في الآية أن العمل بأحكام الله يزكي النفس، وينمي الإيمان، وعرفنا في الآية أن الإنسان قاصر في علمه، وأن على العبد القاصر الاستسلام لأحكام الله، وأنه لا يجوز الحيلولة بين المرأة إذا أرادت خيراً، لا يجوز الحيلولة بين المرأة والرجل إذا أراد خيراً، وأرادت خيراً، وقد يتعلق بعضهما ببعض، فلماذا الحيلولة إذا لم يكن شر، إذا كان زواجه بها خيراً، فلماذا الحيلولة، لا تعضلوهن أن ينكحن، ما دام بالمعروف لماذا يحال بينه وبينها؟

اللهم إنا نسألك أن تجعلنا ممن يخافك ويتقيك يا رب العالمين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم إنا نسألك لبلدنا هذا الأمن والإيمان.

1 - رواه أحمد (21874)
2 - رواه أبو داود (2076)
3 - رواه ابن ماجه (1936) 
4 - رواه الحاكم في المستدرك (2806)
5 - رواه الترمذي (1184)
6 - رواه الترمذي (1940)
7 - رواه الترمذي (1101)
8 - رواه الترمذي (1102)
9 - رواه ابن ماجه (1882)
10 - رواه ابن ماجه (1880)
11 - رواه الترمذي (2981)