الأربعاء 10 جمادى الآخرة 1446 هـ :: 11 ديسمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

إطلاق الحريات


عناصر المادة
الخطبة الأولى
الدخول في الإسلام كافة والعمل بالدين كله
الحرية عند المسلمين مقيدة بشرع الله تعالى
معنى الحرية عند غير المسلمين
الخطبة الثانية
الفرق بين نظام الإسلام ونظام الديمقراطية
الفرق بين الشورى في الإسلام والشورى في الديمقراطية

الخطبة الأولى

00:00:05

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله:

الدخول في الإسلام كافة والعمل بالدين كله

00:00:20

قد أمرنا الله بالدخول في شرعه كافة، فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌسورة البقرة 208. لا تتركوا شيئاً من شعائر الدين، خذوه كما أنزله الله، و اعملوا به، سلموا له وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وما يقدمه مما يوحي به إلى أوليائه، فيصادمون شرع الله، وقد نسخ الإسلام كل الشرائع السابقة، ومن باب أولى أن كل ما يخالف الدين مما يظهر من أذهان البشر، فإنه تحت الأقدام أيضاً، فإذا كان الإسلام نسخ شرائع صحيحة سابقة كالتوراة والإنجيل، فما بالك إذاً بمذاهب ظهرت بعد الإسلام، وقامت تصادم حكم الإسلام، فإن إبطالها من باب أولى، والشريعة عقيدة، وعبادة، مبادئ، وحياة، والمسلم يعتز بدينه، وهو يعلم بأن الله قد أنزله لمصلحته، وأن التمسك بالدين هذا هو معقد حياة المسلم يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍسورة المائدة 54. إن المسلم يفقه دينه فيهتدي بسنة رب العالمين، لا يحيد عنها، وإنه يأخذه من الكتاب والسنة، إنه يرجع فيه إلى أهل العلم، ولا يقلد الجهال، ولا يكون تبعاً لأكثر الناس، قال عبد الله بن مسعود : "لا يكونن أحدكم إمعة، قالوا: وما الإمعة يا أبا عبد الرحمن؟ قال: يقول: إنما أنا مع الناس إن اهتدوا اهتديت، وإن ضلوا ضللت، ألا ليوطن أحدكم نفسه على إن كفر الناس، أن لا يكفر".

وهكذا لا يقلد المسلم أهل الباطل، ولا يتشبه بهم، ولا يحاكيهم، بل إن التقليد مظهر من مظاهر الهزيمة النفسية، ولما انهزم كثير من المسلمين أمام مد الغرب، قلدوهم فيما يأتي منهم، ومن ذلك العادات، والتقاليد، والألبسة، ونمط الحياة، والأسماء، والأعياد، والاحتفالات، وغير ذلك، ومن أخطر ما حصل به التشبه، والتأثر بنظم الحياة العامة، وما يسمى بالقيم الغربية، التي تقوم على عناوين براقة، مثل: الحرية، المساواة، الديمقراطية، والمسلم لا تغره العناوين البراقة، ولا الأسماء اللماعة، بل إنه يعود بعرضها إلى الكتاب والسنة؛ لينظر في حكمها الشرعي.

عباد الله: وعندما يتبجح الغرب بقضية إطلاق الحريات، فإن المسلم يعود إلى الحق، ويدرس هذه القضية، ما معنى إطلاق الحريات؟ وماذا يريد أولئك القوم؟ يقولون: لك الحرية المطلقة، ما لم تصطدم مع حرية الآخرين، فإذا كان لا يصطدم مع حرية الآخرين، أن تشرب الخمر، وتأكل الخنزير، والميتة، وترتكب الفواحش، فلا بأس بذلك عندهم، أما في شريعتنا: فإن الإنسان حر ما لم تتعارض الحرية مع شريعة رب العالمين، وقمة الحرية عندنا كمال العبودية لله تعالى، وكلما كان الإنسان لله أعبد كانت حريته أتم وأكمل، ولذلك فالأحرار الحقيقيون هم العبّاد لله تعالى.

ومما زادني شرفاً وتيهاً وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا

ولذلك إذا ثارت شهوة الإنسان إلى الانحراف، ومال به هوى النفس إلى المعصية، فإن الحرية الحقيقية أن يُلزم ذلك وأن يقيده بطاعة الله ، إن الحرية التي يتمرد فيها الإنسان على شهوته، وينتصر على هواه المنحرف، وإن العبودية هي حرية النفس في الولوغ في أودية الدنيا، دون ضوابط شرعية، في الشهوات، والأموال، والعلاقات، ونحو ذلك.

الحرية عند المسلمين مقيدة بشرع الله تعالى

00:07:04

حرية الإنسان في الإسلام مقيدة بشريعة رب العالمين، والحريات عندهم مطلقة إلا ما اصطدم مع حريات الآخرين بزعمهم، ثم سيختلفون متى يصطدم؟ ومتى لا يصطدم؟

ولو مشى إنسان عارياً في الشارع عندهم، هل يصطدم هذا بحرية الآخرين أم لا؟ فإن منهم من يقول: لا يصطدم، ومنهم من قد يقول: يصطدم، ولذلك لا يمكن أن تتفق عقول أولئك القوم على شيء واحد في هذا، وهاهم يغيرون في قوانينهم حذفاً، وإضافة؛ لأنهم لا يتوصلون أبداً إلى اتفاق واحد على كل شيء، فيما يقيد الحريات، وهنا تكمن أهمية الشريعة التي أنزلها رب العالمين، فإن الله خلق العباد، ويعلم ما يصلح لهم، والعباد قد يجهلون مصلحة أنفسهم.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: "والرسالة ضرورية للعباد لا بد لهم منها، وحاجتهم إليها فوق حاجتهم إلى كل شيء، والرسالة روح العالم، ونوره، وحياته، فأيّ صلاح للعالم إذا عدم الروح، والحياة، والنور، والدنيا مظلمة ملعونة إلا ما طلعت عليه شمس الرسالة، وكذلك العبد ما لم تشرق في قلبه شمس الرسالة، ويناله من حياتها، وروحها، فهو في الظلمة، وهو من الأموات، قال تعالى: أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَاسورة الأنعام 122.

معنى الحرية عند غير المسلمين

00:09:07

إن الحرية عند أولئك القوم: تقتضي أن تعتنق ما شئت، فإن شئت أن تكون يهودياً، أو نصرانياً، أو بوذياً، أو مجوسياً، أو لا دينياً، ملحداً، فأنت وشأنك، أنت حر، تختار ما شئت، ونحو ذلك من أنواع الأديان الكثيرة التي تبلغ الآلاف المؤلفة مما يوجد على وجه الأرض مما أغوى به الشيطان الناس، الحرية عندهم: أنه يحق لكل فرد أن ينشر ما شاء من الأفكار، بأي طريقة، مكتوبة، أو منطوقة، أو مرئية، فإذا كان يعتنق ديانة وثنية، أو غيرها، فإن له أن ينشرها في جميع الوسائل، وأيضاً فإن الحرية عندهم: تقتضي الحرية الجنسية، والإباحية المطلقة للجميع من المراهقين، والمراهقات، فإذا زنت برضاها فليس عليها شيء، ولا على من زنا بها، وإذا حملت فأرادت أن تجهض فلتجهض، ولماذا لا تجهض؟ أليست حرة أن تحمل، أو لا تحمل، أو تكمل الحمل، أو لا تكمل؟ ولذلك فإن قوانينهم قد نصت عالمياً: على جواز إقامة العلاقات الجنسية خارج حدود الأسرة.

بل إن تعريف الأسرة قد تغير، وأنه لا يشترط أن يكون فيه نكاح، وزواج بين ذكر وأنثى، فيمكن أن تكون أسرة من رجل ورجل، وامرأة وامرأة، الحرية عندهم تعطي الأبناء والأولاد كل الاختيارات، فإذا أراد أن يخرج على أبيه، وعلى أسرته، على أهله، متى شاء، كيف شاء، فإنه يخرج، ولا يحق للأب أن يمنع ابنته أن تخرج مع من شاءت، في أي ساعة شاءت، من ليل أو نهار؛ لأن الولد له حرية من ذكر وأنثى، وتقيم العلاقات مع من شاءت، وأيضاً فإن الحرية تقتضي: أن ينشر ما يريده الناس، من أنواع الدعارة، والفجور، والإباحية والشذوذ؛ ولذلك فإنه يجوز عندهم أن توجد النوادي الجنسية الإباحية، والمجلات الجنسية الإباحية، والقنوات الجنسية الإباحية، والذي يريدها فهي موجودة، والذي لا يريدها لا يذهب إليها، ولا يدخلها ولا يتفرج عليها، حرية، وكذلك الحرية مطلقة عندهم في المال، فإذا أردت أن تشتري ما شئت سواء كان تافهاً سخيفاً، سواءً كان يغطي العقل، أو يضر البدن، افعل ما شئت، إنه عقلك، وإنه بدنك، وكذلك فإذا شئت أن تورث كلباً من الكلاب كل ممتلكاتك فلك ذلك، ولما ورثت ثرية غربية أربعة ونصف مليون دولار لكلابها، كتبت في شروط الوصية: أن تكون الكلاب في أماكن مكيفة في الصيف، ودافئة في الشتاء، والطعام تحت إشراف طبيب خاص، ولذلك تنفق البلايين عندهم على الكلاب، والقطط، وعندهم ملايين يعيشون تحت مستوى الفقر؛ لأنها حرية، فانفق ما شئت، على ما شئت، كيف شئت، هذه هي الحرية.

ثم أتبعت القضية بالديمقراطية، والديمقراطية: ديمُس كراتُس، ديمُس: الشعب، وكراتُس: الحكم والسلطة، يعني: حكم الشعب للشعب، فالشعب هو الذي يختار القانون الذي يحكمه، فينتخب ممثلين، وهؤلاء الممثلون للشعب يضعون القوانين، إنها حرية، يضع الشعب من القوانين ما شاء، ويغير متى شاء، كيف شاء عبر هؤلاء الممثلين.

أيها الإخوة: إن هذا التسرب الخطير جداً، الذي يحدث اليوم إلى المسلمين، من نتاج ذلك العفن، والانحراف، والجاهلية، في غاية الخطورة، إن الفارق الكبير جداً بيننا وبينهم: أننا نؤمن أن الله خلقنا، وخلقنا لعبادته، وأننا عباد مأمورون ومكلفون، وأن الحكم فينا لله، هو الذي يحكم فينا كيف شاء، فهو خلقنا، وهو الذي يعلم ما يصلح لخلقه، ولذلك قال تعالى: إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَسورة يوسف 40. فالحكم لله وحده، هو الذي يأمر بما يشاء، وينهى عما يشاء، ويُشرّع الأحكام كيف يشاء، أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ المستقيم الذي يوصل إليه ، غير معوج، فيه كل خير، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَلا يعلمون حقائق الأشياء، لا يعلمون المصلحة المطلقة، والله يعلم المصالح جميعاً، والمفاسد جميعاً، ولذلك يُشرّع لعباده ما يشاء.

وقد قال سبحانه: قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَسورة الأنعام 57. وقال : أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُسورة الشورى 21. فإذا قام ناس بعمل شريعة لم يأذن بها الله، فإنها باطلة ومردودة؛ لأن الله له الحكم وهو الحكم من أسمائه الحكم.

وإذا نظرنا في حال هؤلاء القوم، الذين يدّعون الحرية للشعب، في أن يضع من القوانين ما شاء، نجد أن هذا وهماً، فقد كان لديهم فيما مضى طبقة النبلاء، والأشراف، والإقطاعيين من الملاك، الذين يضعون القوانين، وفي العصر الحديث صار الأغنياء، وأصحاب رؤوس الأموال الكبار، وهم الرأس ماليون، والشركات الكبرى العالمية، هي التي تتحكم في القوانين، فهي التي تملك الأحزاب، ووسائل الإعلام، وتوجه هؤلاء الرعاع يميناً، وشمالاً، كيف شاءت، توهمهم أنهم أصحاب قرار، ولكن في الحقيقة ليسوا بأصحاب قرار، والحكم المقصود هنا هو التشريع، فيظن بعض الناس أنه إذا كان هؤلاء لهم ممثلون يضعون القوانين، فإنهم قد حصلوا على حريتهم وما يريدون، ولكن هذا اغترار زائف، وفي الشريعة والحمد لله قانون يحكم، وقضاة، وأئمة مكلفون شرعاً بتطبيق شرع الله، فليست المسألة عندنا كما عند أولئك القوم، حريات، وممثلون يضعون القوانين، وإنما شرع رب العالمين، وقضاة، وأئمة، وحكّام يحكمون بشرع رب العالمين، أما عند القوم فحرية الرأي، وحرية الاعتقاد، والحرية الشخصية، ونحو ذلك من الأشياء، التي توهم الناس أن في ذلك رغد، وفيه فوائد لهم، والأمر كما قال الشاعر:

على وجه مي مسحة من ملاحة وتحت الثياب العار لو كان بادياً

ولو قورن هذا بالاستبداد والظلم المطلق، فسيكون أفضل منه ولا شك، ولكن عندما يقال: العور أحسن من العمى، فهذا لا يعني أن العور شيء طيب، وبعض الناس إذا قارنوا ما لدى الغرب من هذه الديمقراطيات، بالاستبداد والظلم، قالوا: إن ما عندهم خير كثير، ولكن في الحقيقة عبيد لشهواتهم وأهوائهم، ومن يوجههم، ويهيمن عليهم، من أصحاب المصالح، والشركات الكبرى، والذين يملكون وسائل الإعلام، ولذلك فإن المسلم الصادق المبصر، لا ينخدع بكل هذا، فهو يرفض الظلم والاستبداد، ويرفض هذه الأشياء الزائفة، وهذه المذاهب الضالة التي تأتي من أولئك الكفار.

عباد الله: إن في الإسلام نظاماً عظيماً للشورى، إن هناك نظام في الشورى لو طبقه المسلمون يسعدون بخير عظيم.

نسأل الله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:22:00

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، ملك يوم الدين، أشهد أن لا إله إلا هو رب الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين:

الفرق بين نظام الإسلام ونظام الديمقراطية

00:22:23

عباد الله: في الإسلام شريعة في الكتاب والسنة، وظيفة الإمام أن يحمل الناس عليها، والقضاة أن يحكموا بها بين الناس، والعلماء أن يفتوا بها للناس، وفي الإسلام نظام شورى، هذه الشورى لأهل الشورى، يتحاورون على ضوء الشريعة؛ لضبط حياة الناس بحسب الكتاب والسنة، وفي الحياة أمور مسكوت عنها في الشرع، فهي على الإباحة، تحتاج إلى تنظيم، وتحتاج إلى ضوابط، تركت الشريعة فيها المجال للناس من الحكّام وأهل الشورى، لوضع الضوابط لها بحيث لا تتعارض مع الكتاب والسنة، فيقوم أهل الشورى وهم أهل العقل والاختصاص، وجهاء الناس من أهل العلم والخبرة، علم بالشريعة وخبرة بالحياة، خبرة طبية، خبرة اقتصادية، خبرة اجتماعية، مع علماء الشريعة، يقومون بالتباحث، والتناقش، والمناقشة، والحوار؛ لأجل ضبط التفاصيل التي جعلت الشريعة فيها فسحة للناس، أما تغيير أحكام شرعية، أما وضع أنظمة، وقوانين تخالف الكتاب والسنة فهذا كفر، وليس من الشورى في شيء.

أما الديمقراطية: فإنها تضع كل شيء بموجب تلك الديمقراطية، يمكن أن يكون للناس أشياء تتعلق بعقيدتهم، وأشياء تتعلق بقوانين الميراث، والنكاح، والطلاق مثلاً، فهم يقومون بحسب هذه البرلمانات بإصدار تشريعات في أمور انتهى منها الشرع، وحكم بها، وأنزلها، فيمكن للبرلمانات عندهم باسم الديمقراطية أن تضع نظاماً لتوريث الذكور والإناث، أو لتوريث الأقارب، وتحديد من الذي يرث ممن لا يرث، وتحديد كم يرث، مع أن هذه مسألة محسومة في شريعة رب العالمين، ويمكن لهذه البرلمانات أيضاً باسم الديمقراطية أن تضع للناس قوانين في النكاح، والطلاق، مع أن هذه المسائل محسومة في شريعة رب العالمين، قد أنزل بها قرآناً وسنة، كذلك فلنتأمل كيف يكون أهل الحل والعقد، أهل الشورى في الإسلام، من أهل العلم، والعقلاء، والخبراء، وأما في تلك الديمقراطيات الغربية، فعند الانتخاب يكون الكل متساوٍ، جاهل، أو عالم، ذكي، أو غبي، كبير، صغير، رشيد، سفيه، وعندما تكلم العلماء في العدالة الموجودة في شريعتنا، وبيّنوا شروط العدالة، وهذه الشروط لا بد منها في أهل الشورى، الإسلام، البلوغ، العقل، الاستقامة، الأمانة، الحكمة، المعرفة بالمفاضلة والموازنة، ونحو ذلك، والخبرة فيما يحتاج إليه الناس، الديمقراطية تفتح الباب على مصراعيه للردة، والزندقة، وتقول بإنشاء الأحزاب، والتعددية على أي مذهب، وملة، ونحلة، أما شرع رب العالمين فليس فيه إلا دين واحد، وملة واحدة إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُسورة آل عمران 19. إنه إسلام واحد وليس هناك إسلامات، إنها ملة واحدة مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَسورة البقرة 135. إن هذه الديمقراطيات عندهم تفتح الباب على مصراعيه للشهوات والإباحية، من خمور، ومجون، وفسق، وزنا، ونحو ذلك، بل وتقنن القوانين لحمايتها تحت شعار حماية الحرية الشخصية، بل إنها تفتح باب التفرق والاختلاف؛ لتمزيق مجتمع المسلمين إذا ما أخذت وطبقت كما هي.

إن مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحسب الديمقراطية مرفوضة؛ لأن الذي ينهى عن المنكر يخالف الحريات، النهي عن المنكر مخالف لمبدأ الحريات المطلقة، ولذلك لا يمكن أن يكون مبدأ الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مقبولاً بحسب القواعد الديمقراطية، إن الديمقراطية تقتضي حكم الأغلبية ولو كانوا غوغاء، ولو كانوا جهلة، ولذلك إذا اجتمع عندهم عدد يريدون شاذاً في البرلمان، انتخب شاذ في البرلمان يمثل الشواذ، وإذا اجتمع عدد يريد سحاقية كان في البرلمان من يمثل السحاقيات من النساء -المرأة التي تأتي المرأة- وهكذا، إذا كان منهم من يريد الإجهاض أكثرية، كانت هكذا القوانين في البرلمان تجيز الإجهاض، وعلى هذا فقس، وقد قال تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِسورة الزمر 9. فكيف تتساوى الأصوات؟ هل يستوي صوت العالم وصوت الجاهل في الإسلام؟ هل يستوي صوت صاحب الخبرة، الطبيب الذي درس الطب، والمهندس الذي درس الهندسة، والذي درس علم الأرض، وغير ذلك من أنواع العلوم، مع هذا العامل، أو الذي يعمل في النظافة لا يفقه من هذه العلوم شيئاً، فيستويان في الأصوات والوزن؟ في الديمقراطية نعم هم يستوون، هذا كهذا، ولذلك ينتخب ممثل البرلمان الذي يضع للناس القوانين، ينتخبه الزبال، والدكتور بصوت متساوٍ، ولذلك يصل إلى البرلمانات عندهم من حثالة الناس من يصل، وبالإضافة إلى ذلك فإن أصحاب الأموال، والشركات الكبرى، والذين يملكون وسائل الإعلام يوجهون الناس في الانتخاب، وكثير من الناس غوغاء ولا رأي لهم، وأتباع كل ناعق، وقد قال : وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِسورة الأنعام 116.

الفرق بين الشورى في الإسلام والشورى في الديمقراطية

00:31:29

عباد الله: إن فرقاً كبيراً بين نظام الحكم في الإسلام والشورى، وبين الديمقراطية الكافرة، فإن الشورى يعلن فيها أن الحكم لله في التشريع، والقضاء، والحكم، وينفذ ما جاء في الكتاب والسنة، والحاكم يشاور أهل الحل والعقد فيما يحتاج للتشاور؛ لقوله تعالى: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْسورة الشورى 38. وقال:وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِسورة آل عمران 159. وأما في تلك الديمقراطية فإن الحكم للشعب الذي يمثله ممثلون في البرلمان، انتخبوا بطريقة عشوائية، كان الصوت فيها متساوٍ عند الجميع، وكان أرباب الأموال والإعلام القوة الطاغية المؤثرة في ذلك، فلذلك ترى كثيراً من برلماناتهم يراعون مصالح تلك الشركات الكبرى.

عباد الله: إن الشورى يُرجَع فيها لأهل الحل والعقد في كل أصحاب تخصص من التخصصات، فإذا كانت القضية طبية استشير من أهل الحل والعقد الأطباء، وإذا كانت اقتصادية الاقتصاديون، وهكذا.

الشورى النتيجة فيها مردودة للكتاب والسنة، على منهج وفهم السلف الصالح، أما الديمقراطية فإن الحكم يؤخذ بالأكثرية، فإذا صوّت الأكثرية في إباحة الخمر مثلاً فإن لهم ذلك، قال : وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِسورة الأنعام 116.

في الشورى ونظام الحكم الإسلامي لا تتولى المرأة المناصب العامة كالإمامة، والقضاء، وقد قال ﷺ: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة[أخرجه البخاري 4425]. أما في الديمقراطيات فإن المرأة تتولى أي منصب حتى لو كانت الرئاسة العامة، والقضاء العام، وتكون رئيسة للمحكمة العليا، والله قال: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَىسورة آل عمران 36. وقال: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءسورة النساء 34. وعندما يوضع القضاة فيجب أن يكون لهم شروط، وكذلك نظام الإمامة في الإسلام.

عباد الله: إنه لا يمكن بحسب نظام الحكم والشورى في الإسلام: أن يصوّت على حكم شرعي هل تريدونه أو لا تريدونه؟ هذا غير قابل للتصويت، فلا يمكن أن يصوّت مثلاً على تعدد الزوجات، هل تريدونه أو لا تريدونه؟ ولا يمكن أن يصوّت على النظام الإسلامي في الاقتصاد، أو على الربا، هل تريدونه أو لا تريدونه؟ ولا يمكن أن يصوّت على الولي في النكاح، فيقال: هل تريدونه أو لا تريدونه؟ لا يمكن أن يحدث هذا في نظام الحكم والشورى في الإسلام، أما عند الكفرة فهذا يحدث وأكثر منه بكثير.

عباد  الله: إننا في غمرة ما يعيشه العالم اليوم من أمواج الاضطرابات، والتداخل، والتدافع، يتأثر كثير من المسلمين بما يطرحه الغرب عليهم، ونحن عندنا دين مستقل قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ۝ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ۝ وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ۝ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ ۝ وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ۝ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِسورة الكافرون 1-6. لي ديني المستقل عن أديانكم، ولي شرعي المختلف عن شرائعكم، ولي منهجي الذي هو متميز عن مناهجكم.

اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، أحينا مسلمين، وتوفنا مؤمنين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين، اللهم فقهنا في الدين، اللهم إنا نسألك الثبات على الدين حتى الممات، يا رب السماوات، اغفر لنا ما قدمنا، وما أخرنا، وما أسررنا، وما أعلنا، وما أسرفنا، أنت المقدم، وأنت المؤخر، وأنت على كل شيء قدير، اللهم اجعل بلدنا هذا آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، آمنا في الأوطان والدور، وأرشد الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

1 - أخرجه البخاري 4425