الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
الحمد لله الذي ميز أهل الإسلام على أهل الأوثان، والشرك، والكفر، وجعل أهل الإسلام كالشامة بين الناس يعرفون بعقيدتهم، ودينهم، وسمتهم، وخُلقِهم، لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًاسورة المائدة48. فحذر عن اتباع الملل الأخرى، وطرقها، ونهى نبيه ﷺ عن ذلك وأمره بالحذر، أن لا يتبع الكفار في شيء من دينهم، إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُسورة آل عمران19. وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُسورة آل عمران85. والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار فهذه الأديان الموجودة في هذا العصر سوى دين الإسلام أديان باطلة، لا تزيد متبعها من ربه إلا بعداً.
تحذير النبي ﷺ من التشبه بالكفار
عباد الله: لقد أخبرنا النبي ﷺ عن أمر سيقع في الأمة ليس حتى نستسلم له، ولكن حتى نحذر منه أيها الإخوة: عندما قال لنا: لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراعٍ، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهمقلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمنأي: من غيرهم، من غير اليهود والنصارى أعني.
وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال رسول الله ﷺ: ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل مثلاً بمثل حذو النعل بالنعل، حتى لو كان فيهم، من نكح أمه علانية كان في أمتي مثله . أخرجه الحاكم.
وقد وقع ما أخبر به النبي ﷺ، وانتشر ذلك في الأزمنة المتأخرة، من اتباع كثير من المسلمين لأعداء الله تعالى في عاداتهم وتقاليدهم، وسلوكياتهم، وقدواتهم، قلدوهم في الشعائر، قلدوهم في الأعياد، كان ذلك نتيجة لغلبة الكفار، والمغلوب مولع بتقليد الغالب، وكانت المتابعة للنصارى في كثير من الأحيان.
حكم الاحتفال بما يسمى(عيد الحب)
أيها الإخوة: إننا نجد ظاهرة في انتشار التقليد للكفرة بين شباب المسلمين ذكوراً وإناثاً ظاهرة لا تبشر بخير، ومن ذلك: ما يقدم عليه الكفرة من الاحتفال بعيد لهم يسمونه بعيد الحب، عيد وثني من عهد الرومان، عيد من الأساطير، والخرافات، دخل في النصارى من الوثنية، وكذلك قيل: اسم قديس لهم يسمى فلنتاين، اضطهده الرومان قبل دخولهم في النصرانية، وكان وقت مقتله عيداً لهم؛ لأنه يدعو إلى الحب، والتقارب ما بين الجنسين، وهذا سواء كان وثنياً، كما يدل عليه رسم كيوبيد الممثل بطفل له جناحان معه سهم وقوس، هذا إله الحب عند الرومان، من الآلهة التي يعبدونها من دون الله، أو سواء كان احتفالاً بإحياء ذكرى ذلك القسيس النصراني، فإن كلا الأمرين خطير جداً، أن يحتفل مسلم أو مسلمة بإله يعبد من دون الله من دين الوثنية الرومانية، أو بإحياء ذكرى قسيس من قساوسة النصارى، كلاهما مصيبة عظيمة، هذا التقليد النصراني الذي كان وراء إفساد كثير من الشباب والشابات، حتى أبطلته النصرانية في وقت من الأوقات، ثم رجعوا إليه مرة أخرى، يوم أناس من المسلمين بالاحتفال به، وكتابة الكلمات الغرامية، وإرسال بطاقات التهنئة مصحوبة بهذه الأشياء العاطفية، هذه الأمور الخطيرة، والخطيرة جداً على عقيدتنا وديننا، هذه المظاهر من البهجة والسرور التي تظهر في الأعياد، وتبادل الورود الحمراء تعبيراً عن الحب الذي كان عند الرومان وثنياً لعبادات من دون الله، أو عند النصارى عشقاً بين الحبيب ومحبوبته؛ ولذلك سمي بعيد العشاق، وتوزيعاً لبطاقات التهنئة المرسوم عليها صورة الإلهة الذي يعبد من دون الله، أو تبادل تلك الكلمات من العشق والغرام شعراً ونثراً، أو معها صور ضاحكة وأقوال هزلية، حتى كتب على البطاقات: "كن فلنتينياً".
هذا المفهوم النصراني أو الوثني عندما يتسلل إلى بناتنا وأبنائنا، عندما يدخل عقول المسلمين، عندما يحتفلون به ماذا يعني ذلك، إنه شعار الكفر ورب الكعبة، وتقليد النصارى والكفرة فيما هو مصادم لدين الإسلام تمام المصادمة.
ثم يا عباد الله: تأملوا فيما ينبني على ذلك من شيوع الفاحشة في الذين آمنوا، وحفلات نهارية، وسهرات ليلية، ومناسبات مختلطة راقصة، وورود، وصناديق شوكولاتة ترسل إلى الزوجات، والصديقات، والعشيقات أيضاً.
إن هذه القضية عندما تكون في عقل مسلم أنه يحتفل تقليداً للأمة الضالة، وخلطاً بين الشرك والتوحيد، والعقل، والخرافة، والآلة، والأسطورة، عندما يقع ذلك أيها المسلمون فإننا لا بد أن نعي أن الخطر جسيم، وأن القضية تمثل تهديداً جاداً لإسلامنا وعقيدتنا.
قال تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَسورة الزمر65-66. بما أن المسألة لها جذور وثنية شركية، والله قال في كتابه: إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًاسورة النساء116. وقال الله على لسان عيسى : إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍسورة المائدة72. فلا يقولن: إني لا أقصد شركاً ولا أقصد عبادة من دون الله، فهذه جذور القضية، وهذا أصلها، و من تشبه بقوم فهو منهمثم ماذا يقصد؟ يقصد إحياء المشاعر والعواطف تجاه من؟ إن قال: تجاه الصديقة، والعشيقة، فهذه مصيبة عظيمة، وطامة كبيرة، وإشاعة للفاحشة بين المؤمنين، وإن قال: أقصد مواعدات، وغراميات، وحفلات راقصة. فنقول: ألم يقل الله تعالى: وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًاسورة النساء27. إذاً هؤلاء يريدون إثارة الشهوات، وأن يميل الإنسان الضعيف، خلق ضعيفاً، يميل بقلبه إلى المحرمات، فلماذا إذاً يحدث ذلك فيما بيننا؟.
أيها المسلمون: يجب أن لا ننسى أن الأعياد في الإسلام هي عبادات تقرب إلى الله تعالى، وهي من الشعائر الدينية، تقرب إلى الله، ما هي الأعياد الشرعية؟ مثل الفطر وعيد الأضحى، ولا يوجد غيرهما في السنة، وعيد الجمعة الذي نحضره اليوم، هذه عبادات توقيفية، أعيادنا إذاً من صميم ديننا، أعيادنا لها أدلة، أعيادنا ليست اختراعات، أعيادنا ليست عادات، أعيادنا ليست تقاليد، أعيادنا ليست قابلة للتطوير، أعيادنا غير قابلة للزيادة، غير قابلة للنقصان، فأعيادنا أيها المسلمون من يتأمل النصوص الشرعية فيها يجدها أعياداً محددة مؤقتة، حتى تقديمها أو تغييرها لا يجوز.
أيها المسلمون: إن المسألة إذاً، مسألة الأعياد مسألة دينية، ثم قل لي: أليس في مشاركة هؤلاء تشبهاً بهم، مشاركة النصارى أو الوثنيين في مثل هذه الأعياد، أليس تشبهاً بهم، وقد قال الله:وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ الكاف للتشبيه، وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌسورة آل عمران105. وقال تعالى في مدح المؤمنين، وينبغي أن يكونوا كذلك، يجب أن يكونوا ممن تخشع قلوبهم لذكر الله، وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْسورة الحديد16. هؤلاء اليهود والنصارى طال عليهم العهد والزمن والوقت، غيروا دينهم، حرفوا كتبهم، ابتدعوا ما لم يشرع لهم، وتركوا ما أمرهم الله به، ثم إن نبينا ﷺ قد قال: من تشبه بقوم فهو منهم .
قال شيخ الإسلام في هذا الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وأبو داود: هذا الحديث أقل أحواله أنه يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن ظاهره وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم – لأن معنى قوله: فهو منهم ظاهره كفر المتشبه بهم- كما في قوله تعالى: وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْسورة المائدة51. قال الصنعاني رحمه الله: "فإذا تشبه بالكافر في زيه واعتقد أنه يكون بذلك مثله كفر، فإن لم يعتقد ففيه خلاف بين الفقهاء"، منهم من قال: "يكفر"، وهو ظاهر الحديث فهو منهم، ومنهم من قال: "لا يكفر ولكن يؤدب".
وقد نقل شيخ الإسلام الإجماع على حرمة التشبه بالكفار في أعيادهم في وقت الصحابة رضوان الله عليهم، قام الإجماع على ذلك.
والتشبه بالكفار فيما هو من شأنهم كعيد الحب أخطر من التشبه بهم في أزيائهم أو ملابسهم وسلوكياتهم؛ لأن دينهم إما مخترع، أو محرف، وما لم يحرف منه فهو منسوخ، فكيف إذا كانت القضية احتفالاً بعيد الحب، وتشبهاً بعبادة الأوثان كما كان عند الرومان، أو بأهل الكتاب في هذا القديس، الذي قيل: إنه شخصية خرافية، وقيل: إنه حقيقية، لكنهم غلوا فيه. فالأمران كلاهما أحلاهما مر، والمقصود كما تدندن حوله القنوات الفضائية، والاحتفالات التي تكون فيها، والبرامج المخصصة في هذه القنوات من شين وغيرها، إشاعة الفاحشة في المؤمنين، إنه مخطط كبير لكي يقبل الشباب والشابات من أبناء المسلمين على هذه الثورات الشهوانية البهيمية الحيوانية، التي يريدون من ورائها تحطيم الأمة.
قل لي يا أيها المسلم: إذا كان اليهود يخشون جهادنا فما هو الطريق لو وضعت نفسك مكان مخطِطٍ يهودي؟ يخشى أن تجتمع طاقات الأمة، والشباب فيها على غزو اليهود، أو الانتقام من النصارى، فما هي الطرق التي تذيب بها هذه الإرادات للجهاد.
كيف تحطم أمة تخشى منها؟ كيف تلهي أمة عن الواجب الذي يخشى منه هؤلاء اليهود والنصارى؟
الجواب: بإلهائهم بشتى أنواع الإلهاء، وإثارة الشهوات فيهم، وهكذا يقوم عيد الحب بدوره، وإحياؤه في هذه القنوات وفي غيرها؛ لأجل تحطيم إرادة الجهاد وتحطيم النقاء والطهر الموجود في أبناء المسلمين وبناتهم، إن المسألة إذاً خطة، والذي قد دخل فيها دون أن يعلم أنه مخطط فهو مغفل مسكين، انساق وصار أداة من الأدوات، والله تعالى لا يرضى لعباده الكفر، والله نهانا عن الذين قاتلونا في الدين أن نبرهم ونقسط إليهم، وقال: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْسورة المجادلة22. فما معنى إذاً الترويج للنصرانيات المارونيات، وغيرهن في تعليق شباب المسلمين بتلك الشخصيات، قل لي يا عبد الله، إن ظهور مثل أولئك على الشاشات، وهذه الدعايات العظيمة التي تقوم لأولئك النصرانيات الفاجرات، وغيرهن من أبناء المسلمين المتأثرين بهن عندما تعرض على الملأ وعندما يحب هؤلاء المشاهدون ويقلدون تلك الشخصيات التي تروج لمثل عيد الحب وغيره، وتنتهي الورود الحمراء من المحلات.
وتدخل داعية مسلمة إلى قاعة في مدرسة لتلقي على الطالبات محاضرة في هذا اليوم، فإذا بها تفاجأ بما يحطم المعنويات ويحبط الآمال، فترى كل بنت تقريباً في هذه الصالة إن لم يكن معها وردة حمراء، فمعها شال أحمر، أو منديل أحمر، أو شنطة حمراء، أو جورب أحمر، أو معطف أحمر، أو نوع زينة حمراء على الشعر، ونحو ذلك، المهم الاقتباس، ولو بشيء يسير من أولئك الكفرة، أي شيء أحمر في ذلك اليوم.
عباد الله: إنه لا بد أن يعي المسلمون حجم المخطط ليدركوا المؤامرة فلا ينساقوا وراءها، لا بد من تفتيح الأذهان والعقول، ولا بد من التنبيه على الكوارث الخطيرة التي تحيط بنا، وكيف يجوز أن يجعل هذا العيد الوثني النصراني وسيلة لانتشار الزنا والفواحش، مصيبة من جميع الأبعاد، وكارثة بجميع المقاسات.
الواجب علينا تجاه عيد الحب
أيها الإخوة: إن شتى المقاييس لو وزنا بها الأمر لتبين لنا بأن الخطر المحدق على شبابنا وشاباتنا من وراء ذلك كبير، والواجب علينا:
أولاً: عدم الاحتفال بهذا، أو مشاركة المحتفلين به في احتفالهم، أو الحضور معهم؛ لما سبق من الأدلة الدالة على تحريم الاحتفال بأعياد الكفار.
قال الحافظ الذهبي رحمه الله: "فإذا كان للنصارى عيد، ولليهود عيد، كانوا مختصين به، فلا يشركهم به مسلم، كما لا يشاركهم في شرعتهم ولا قبلتهم". كما نبه عليه في كتابه تشبه الخسيس بأهل الخميس.
وثانياً: عدم إعانة الكفار على احتفالهم به، لا بإهداء شيء له بمناسبته، ولا بطبع شعارات وأوراق لهم وبطاقات تهنئة فيه؛ لأنه ترويج لشعائر الكفر، والإعانة عليه حرام، وقد قال الله تعالى: وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِسورة المائدة2.
قال شيخ الإسلام: "لا يحل للمسلمين أن يتشبهوا بهم في شيء مما يختص بأعيادهم، لا من طعام، ولا لباس، ولا اغتسال، ولا إيقاد نيران، ولا تبطيل عادة –أي تقفيل الدكاكين وإيقاف الأعمال- ولا تبطيل عادة من معيشة أو عبادة أو غير ذلك، ولا يحل فعل وليمة ولا الإهداء، ولا البيع بما يستعان به على ذلك لأجل ذلك، ولا تمكين الصبيان ونحوهم من اللعب الذي في الأعياد، ولا إظهار الزينة، وبالجملة: ليس لهم أن يخصوا أعيادهم بشيء من شعائرهم، بل يكون يوم عيدهم عند المسلمين كسائر الأيام.
وقال ابن الدركماني رحمه الله: "فيأثم المسلم بمجالسة لهم، وبإعانته لهم، بذبح، وطبخ، وإعارة دابة يركبونها لمواسهم وأعيادهم".
وثالثاً: عدم إعانة من احتفل به من المسلمين، وهذا هو الغالب، بل الواجب الإنكار عليهم؛ لأن احتفال المسلمين بأعياد الكفار منكر يجب إنكاره.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "وكما لا نتشبه بهم في الأعياد، فلا يعان المسلم في ذلك، بل ينهى عن ذلك، فمن صنع دعوة مخالفة للعادة في أعيادهم لم تجب دعوته".
وانتبهوا معي لما يحدث في المجمعات السكنية، الكمباونس، من اختلاط شبابنا وبناتنا بهؤلاء الكفرة، أو ببعضهم البعض من الفسقة، والفاسقات، حفلات الرقص، والديسكو، والليزر، والدي جي، وغير ذلك من أنواع الفسق، والفجور الذي يبارزون الله به معصية، الذي يدعون إليه بعضهم بعضاً، يدعون إليه علانية، ثم يذهبون فيقيمونه في تلك الصالات.
ومن أهدى من المسلمين -يقول شيخ الإسلام- هدية في هذه الأعياد، مخالفة للعادة في سائر الأوقات غير هذا العيد لم تقبل هديته، خصوصاً إن كانت الهدية مما يستعان بها على التشبه بهم. كما ذكرنا.
والآن ترسل بطاقات تهنئة إلكترونية في الإيميل والبريد الإلكتروني لإشاعة القضية بزيادة، ولتكون المسألة شعار مطبقاً وعنواناً لكي يغرقونا في القضية، والمشكلة أيها المسلمون: أن أبناءنا وبناتنا هم الذي يوقدون القضية أكثر مما يوقدها الكفار فيما بيننا، ومعنى ذلك أن المسألة قد تغلغلت إلى درجة أننا نمنع..... بحاجة إلى أيدي خارجية لممارسة مثل هذا الأشر، والتسويق لهذا العيد الشركي والكفري المحرم، وأن ما فينا يكفينا.
وبناءً على ما قرره شيخ الإسلام رحمه الله عندما قال: "ولا يبيع المسلم ما يستعين به المسلمون على مشابهتهم في العيد"، وهذا من الإعانة على المنكر، فإنه لا يجوز للتجار المسلمين أن يتاجروا بهدايا عيد الحب من لباس، أو ورود حمراء، أو بطاقات تهنئة أو غير ذلك، وأن مكسبهم على هذا سحت وحرام، لا يرضاه لا الله تعالى ولا رسوله ﷺ، كما لا يحل لمن أهديت له هدية أن يقبلها، بل يقطعها ويمزقها، ويقول لمن أتى بها إليه نصيحة تدل على ولائه للدين، وأنه مسلم، وأنه مستقل بشخصيته، ولو هنأه يرد التهنئة، ويقول: اتق الله.
قال ابن القيم رحمه الله: "وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة فحرام بالاتفاق مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم"، ويقول: "تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر، فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم عند الله وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر، وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام، ونحو ذلك".
وعند الشباب والشابات من الحركات الخفية والكلمات المقصودة، ما يجب علينا أن نحاربه يا عباد الله.
اللهم إنا نسألك السلامة والعافية، اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، اللهم سلمنا من الشرور والآثام، والبدع، والشرك يا رب العالمين، واجعل مجتمعنا هذا طاهراً نقياً، وسائر مجتمعات المسلمين، ورد المسلمين إلى الإسلام رداً جميلاً إنك سميع مجيب.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء، والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله: إننا نشهد أن لا إله إلا الله، فمعنى ذلك أنه لا نعبد إلا الله، ونشهد أن محمد رسول الله، ومعنى ذلك: أننا لا نتبع غير رسول الله ﷺ في شيء من الدين.
أخطار لعبة البيكمون، والقمار
أيها الإخوة، أيها المسلمون: الحديث موصول، والشيء بالشيء يذكر، لقد انتشرت بين طلاب المدارس من أبنائنا وبناتنا، في هذه الآونة الأخيرة لعبة وثنية أخرى، انتشرت انتشار النار في الهشيم، ما يعرف بالبيكمون، التي استحوذت على عقول شريحة كبيرة من الطلاب والطالبات، فأسرت قلوبهم، وأصبحت شغلهم الشاغل، ينفقون ما لديهم من نقود في شراء بطاقاتها التي تتراوح من عشرة ريالات إلى ستمائة، وبعضها يصل إلى ألفين وثلاثة للكرت الواحد، يقضون به معظم أوقاتهم في متابعة تطوراتها، والبحث عن جديدها في كل مكان، ولرواجها وشدة الإقبال عليها، حتى وصل الأمر لإقامة مباريات لهذه البطاقات، يتنافس فيها عدد كبير من الطلاب، لكسب المزيد منها، والأدهى من ذلك أن عدداً ليس بالقليل من الآباء والأمهات، أصبح مهتماً بتطورات هذه اللعبة، ولا يبخل على أبنائه، بتقديم الدعم والمساندة، بل أصبحت هذه الكروت مجالاً للثواب والعقاب للأطفال، فلما أعطوها تشجيعاً وتحفيزاً على شيء يريده الأبوان، أو منعوا منها عقوبة على شيء لا يريده الأبوان، وهكذا.
وهذه القضية قضية خطيرة، والسبب في ذلك يا عباد الله أننا يجب أن لا نكون مغفلين، وأن نرجع إلى أصول الأشياء، ونعرف ما وراء الأكمة، وما هو الأصل في القضية.
شيء خرافي وثني لأحد اليابانيين المهتمين بجمع أنواع الحشرات، لما تخيل فكرة أن العالم سيغزوه عدد هائل من الحشرات والحيوانات الغريبة القادمة من الفضاء، ثم تتطور، ودخل في نظرية النشوء والارتقاء والتطور، للكافر الهالك حول هذه المسألة، وركب منها تلك الشكل والصورة في حيوان في رأس واحد، قد يتطور ويصبح له ثلاثة رؤوس، وقد يخرج له، وقد يخرج يداً أو رجلاً وأيدٍ وأرجل في مرحلة من المراحل، تتلقف هذه الفكرة شركة عالمية -مشهورة جداً في قضية الألعاب وما يسمى بالترفيه- عملاقة ننتندو لتتبنى الفكرة، وتطورها، وتستقطب لها عدداً كبيراً من المصممين، والرسامين، ليقوموا برسم نماذج هذه اللعبة، وتطوير هذه القضية، وقد فرضوا جواً من التعتيم في البداية، حتى أخرجوها بحملة إعلانية رهيبة، انتشرت في العالم انتشار النار في الهشيم، وحقق أولئك البوذيون من، ورائها أرباحاً خيالية بملايين الدولارات، وأصبح للعبة مطويات، مطبوعات، ودوريات، وأشرطة فيديو، تبثها محطات عالمية، وتستقبلها شبكات الإنترنت وغيرها.
هكذا جعلوا لها لعبة، جعلوها لعبة بين اثنين، يستخدم فيها الزهر والأوسمة، ولها طاولة معينة، والقضية خطيرة من عدة جهات:
أولاً: شيء يقدح في العقيدة تمام القدح، ويصادمها كل المصادمة، عندما تسوق فكرة مخلوق له قدرات خارقة لا تكون إلا لله ، من سياق الريح، وإحراق الأشياء بالمساحات الواسعة، وإحياء الموتى، ونحو ذلك من القدرات التي ينطوي عليها هذا المخلوق العجيب والغريب، وهكذا يتصور بعض الأطفال أنها حقيقة، وأنهم يستمدون قوة من هذا المخلوق أو من هذا الشكل، حتى أن مدرسة مرت بطالبة وهي تكتب جواباً في الاختبار فأثنت على إجاباتها تشجيعاً لها، فقالت الطالب: طبعاً؛ لأن معي بوكيمون.
وهكذا صار الأطفال يتصورون أن بإمكانهم حيازة قدرات كبيرة، حتى في إجابة في الامتحانات من وراء ذلك المصدر وهو هذه الشخصية التي صارت موجودة، يميل إليها الأطفال، إنه غزو في الصميم، واستنزاف لأموال الآباء والأمهات، حتى أن بعض بطاقاتها النادرة تصل قيمها إلى مبالغ ضخمة جداً، وبعد ذلك خطر القمار والميسر الذي ذكره الله تعالى بقوله: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُسورة المائدة90. ولا تجد صعوبة ليعترف لك الأطفال وهم يلعبون بها أنهم يلعبون قماراً، بل قد وجد أحد الدعاة إلى الله أطفالاً عند مدخل أحد المساجد يلعبون بها، فقال: ما هذا؟ فقالوا: نعلب قماراً، هكذا بالصراحة المتناهية.
ويأخذ بعضهم بطاقات بعض إذا كسب اللعبة، وصارت المسألة فيها محلات وإقبال على هذه القضية، وفكرة الحظ الموجود في القمار والميسر موجود في هذه اللعبة بلا شك.
وهذه الكلمة، والصورة، والكتابة التي هي شعائر لرموز دينية خطر آخر موجود في هذه اللعبة، التي فيها رسمة النجمة السداسية، وأنتم تعلمون رمز من، وكذلك فيها صلبان، ومثلثات وزوايات، وهي رموز لها مدلولات في الحركات الباطنية السرية العالمية، وهكذا رموز من المعتقد الشدوي عقيدة اليابان البوذيين.
أيها المسلمون: إنها مشكلة أخرى في غمرة لهو الآباء والأمهات وانشغالهم عن تتبع الخطر الذي يدخل على الأولاد، وعدم وجود أو قلة البدائل الشرعية أيضاً التي تعطى للأطفال، وهذه القلة في البدائل الشرعية التي لم يطور هؤلاء المسلمون أشياء للأطفال تنافس تلك لكن بدون محظورات شرعية، أيضاً مما زاد المسألة خطورة، وزاد هذه الأشياء انتشاراً.
ثم إن لهذه اللعبة دعايات عالمية ضخمة ومنتشرة في مجلات وقنوات وشبكات، بحيث صارت هذه اللعبة فعلاً محط اهتمام أطفال المسلمين ذكوراً وإناثاً.
أيها الإخوة: إن مثل هذه اللعبة صرعة، تذهب، تخرج وتختفي، لتظهر قضية أخرى، وثالثة ورابعة، والمشكلة في اللب والقضية أن المحور في هذه الأمور المصادمة للعقيدة، والمصادمة للأحكام الشرعية التي تنتشر حتى بين الأطفال من الذكور والإناث، ما هو دورنا إذاً؟
التوعية، الدعوة، تجريد التوحيد، محاربة الشرك وأشكال الوثنية، والدعوة إلى نبذ هذه المقامرات.
فكرة القمار والميسر أيها الإخوة موجودة في ألعاب كثيرة، وبعض الأولاد يلعبون اللعبة المذكورة بالنقود، وهكذا، إذاً يجب أن يكون لدينا وعي كافٍ، وإدراك بشأن هذه المخاطر، وأن نربي أولادنا فعلاً على دين مستقيم، وتوحيد، وعلى عقيدة صحيحة، وأن نحارب كل هذه المحرمات، ولست أعني هذا الاسم فقط، هناك أشياء كثيرة في الألعاب الإلكترونية وغيرها، والمقصود أين رقابة الآباء والأمهات على الأولاد، أين التربية، أين التوجيه، أين المتابعة.
أيها الإخوة: إننا في عصر فتن ولا شك، والقابض على دينه كالقابض على الجمر، فاتقوا الله في أولادكم، الذين قال الله كم في شأنهم: قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَسورة التحريم6.
يا عباد الله: اتقوا الله، وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِسورة البقرة281. واتقوا عذاب الله إنكم ملاقوه، واعلموا أنكم ملاقوه، وأنه محاسبكم عما عملتم، فاجعلوا أعمالكم في رضاه، واجتنبوا أسباب سخطه، واحذروا معصيته.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى، والعفاف، والغنى، اللهم ارزقنا ديناً قويماً نتبع دينك يا رب العالمين، اللهم ارزقنا الطريق القويم، الذي نتبع فيه دينك يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك أن تجنبنا المحرمات والمنكرات والفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم إنا نسألك النصر للمجاهدين، والخذلان لليهود وأعداء الدين، الله عليكم بهم فإنهم لا يعجزونك يا رب العالمين.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.