الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
الحياة السعيدة
فإن الله يعطي الحياة الطيبة للمستقيمين على شرعه، كما قال : مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةًسورة النحل97، كما أنه يعطي المعيشة الضنكا لمن يعصي الله تعالى، كما أخبر : وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا سورة طـه124، قال السلف في الحياة الطيبة: الرزق الحلال، وقيل: القناعة، وقيل: التوفيق إلى الطاعات، وقيل: المسرة والسعادة، وقيل: حلاوة العبادة ولذتها، وقيل: الاستغناء عن الخلق واتباع الحق، والحياة الطيبة تشمل جميع أنواع الراحة الدنيوية أياً كانت، وقد قال النبي ﷺ: قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً وقنعه الله بما آتاه.[رواه مسلم1054]رواه مسلم.
وأما المعيشة الضنك فإنها تكون بأمور كثيرة يحس بها العاصي، قال ابن القيم رحمه الله: "وآثار الحسنات والسيئات في القلوب، والأبدان، والأموال أمر مشهود في العالم، لا ينكروظلمه ذو عقل سليم، بل يعرفه المؤمن والكافر، والبر والفاجر، وكما أن للحسنة نوراً في القلب، وضياءً في الوجه، وقوة في البدن، وزيادة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق، فإن للسيئة في المقابل سواداً في الوجه، وظلمة في القلب، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق".
آثار وعقوبات المعاصي وأحوال العصاة
وكذلك فإن المعاصي تورث قلة التوفيق، وفساد الرأي، وخفاء الحق، وخمول الذكر، وإضاعة الأوقات، ونفرة الخلق، ومنع إجابة الدعاء، وقسوة القلب، وحرمان العلم، ولباس الذل، وضيق الصدر، والهم، والغم، وهكذا تتوالد هذه الآفات بسبب المعاصي، والحرمان من السعة في الرزق بسبب الذنوب أمر واضح، فإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه.
وقال الحسن رحمه الله لما شكى إليه رجل الجدب قال له: استغفر الله، وشكى إليه آخر الفقر فقال: استغفر الله، وشكى إليه آخر جفاف بستانه فقال: استغفر الله، وشكى إليه آخر عدم الولد فقال: استغفر الله، ثم تلا عليه قوله تعالى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًاسورة نوح10-12، ولذلك فلا تعجب إذا كانت المعاصي سبباً للطرد من وظيفة، أو تحصيل إنذار في العمل، ومتعاطو المخدرات من أشد الناس فقداً لوظائفهم بسبب معاصيهم، وقد يترتب على المعاصي إتلاف عين المال، كما وقع لأصحاب الجنة، الذين أتلف الله جنتهم وبستانهم بآفة سماوية أهلكت بستانهم وثمارهم فأحرقتها، وجعلتها هشيماً يابساً كما قال : فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِسورة القلم19-20، ولا تعجب يا عبد الله من هلاك مال العاصي؛ لأن هناك ملائكة تدعو عليه، قال النبي ﷺ: ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً[رواه البخاري1442 ومسلم1010]رواه البخاري، قال ابن حجر رحمه الله: وأما الدعاء بالتلف فيحتمل تلف ذلك المال بعينه، وقد يكون بمحق بركة المال، كما قال تعالى: يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَاسورة البقرة276، إما بأن يذهبه بالكلية من يد صاحبه، تذهبه النفقات، والفواتير، والأمراض، وغير ذلك من وجوه تنفتح على صاحب الربا تمتص ماله وتذهبه، وهذا ذهاب عين المال، وأما ذهاب البركة فلا يحس له بفائدة ولا يطعم منه خيراً، إن هذا المعنى موجود في حديث النبي ﷺ: ما أحد أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قِله.[رواه ابن ماجه2279]رواه ابن ماجه وهو حديث حسن.
وكذلك فإن هؤلاء الباعة الذين يغشون، ويدلسون، ويخفون عيوب السلع، وينزعون الملصقات المكتوب عليها بلدان التصنيع الحقيقية، ويضعون ملصقات أخرى لبلدان تصنيع وهمية، ونحو ذلك من أنواع الغش الذي يمارسونه في السوق، حتى قل ما تجد صندوق خضرة أو فاكهة إلا ووجدت الرديء في أسفله مغطى بطبقة جيدة فوقه، غش متكاثر، يقول النبي ﷺ في هؤلاء الباعة: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما[رواه البخاري2079 ومسلم1531]، ولذلك تجد كثيراً من هؤلاء الباعة بركة أكسابهم ممحوقه، لا يستمتعون بمال، فإذا حلفوا على الكذب فإن الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة[روى البخاري2087]، كما روى البخاري رحمه الله في صحيحه.
وقد أخبر النبي ﷺ عن آثار المعاصي في الحرمان من الرزق بقوله: ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين - أي القحط- وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا .[رواه ابن ماجه4019]. وقد يجعل الله هذا الحرمان أمراً داخلياً في نفس العاصي، فلو ملك كنوز الدنيا فهو لا يزال يحس بالجوع والحرمان؛ لأنه لا قناعة لديه، كما أخبر النبي ﷺ: من كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له، فتأمل في قوله ﷺ: جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله[رواه الترمذي2465]، فهما كان عنده من الأموال فلا قناعة تريحه، ويحس دائماً بأنه منقوص مبخوس، ولو كان عنده ملايين فالشره يعذبه، والحرص والجشع يحطمه، وهكذا لا يستمتع بمال.
ثم إن للمعاصي أيها الإخوة آثاراً سيئة على مرتكبيها في أنفسهم وأبدانهم بما يصابون بالمسخ والأوجاع والأسقام والأمراض، إن هذه المصائب قد تكون أوجاعاً ظاهرة، وقد تكون أوجاعاً نفسية، فأما الظاهرة فقد تكون بسبب عقوبة شرعية حدية، أي بالحدود والتعزيرات كقطع يد السارق، وجلد شارب الخمر، ورجم الزاني، ونحو ذلك، وقد تكون عقوبة قدرية في بدنه، فقد تكون على شكل مسخ كما أخبر النبي ﷺ: يكون في آخر هذه الأمة، ونحن في آخر الأمة نترقب حدوثه، يكون في آخر هذه الأمة خسف ومسخ وقذف[رواه الترمذي2185]رواه الترمذي وهو حديث صحيح، قال النبي ﷺ: ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر أي: الزنا والحرير، ثم قال: يمسخ منهم آخرون قردة وخنازير إلى يوم القيامة[رواه أبو داود4039]، فهذا مسخ حقيقي سيحدث بسبب المعاصي، فيصبح هؤلاء وقد مسخهم الله قردة وخنازير فيراهم الناس في صباح ذات يوم قردة وخنازير، فهذه عقوبة حسية جسدية بالمسخ، وقد تكون بتسليط جنود الله الكونية، مثل هذه الميكروبات والفيروسات على أجساد العصاة فيصيبهم من الآفات ما الله به عليم، كما أخبر ﷺ: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا.[رواه ابن ماجه4019].
ومن تأمل ما حصل في هذا الزمان من الأمراض العجيبة التي ليس لها علاج كمرض الإيدز وغيره عرف أن هذه الإصابات عقوبة إلهية؛ لأنه مرض لم يكن في أسلافنا الذين مضوا، فتنتشر هذه الآفات وتفتك بالملايين، ويقف الأطباء حيرا أمام هذه الأقدار الإلهية والعقوبات الربانية، لا يستطيعون بالرغم من تقدم علومهم وتطور آلاتهم وأجهزتهم، ودقة مختبراتهم أن يقضوا على هذا المرض، بل لا زال ينتشر ويتفاقم ويردي كل يوم بالآلاف وينتشر بالملايين.
وهكذا يعاقب الله على المعاصي في الدنيا، ناهيك عن غير ذلك من الأمراض الجنسية وغيرها، التي تصيب الناس بسبب وقوعهم في الزنا واللواط، وهذه القاذورات التي حرمها الله تعالى، وقد يكون المرض والألم مرضاً نفسياً وأوجاعاً داخلية ربما تفاقمت وزادت على بعض الأمراض الحسية، فالعبد قد يصيبه ألم حسي فيطرحه عن قلبه، ويقطع التفاته عنه، ويجعله في شقاء دائم، وهذه الآلام النفسية قد تكون عند بعض المسلمين بسبب تأنيب الضمير من جراء المعاصي التي وقعوا فيها، وقد تكون عند متبلدي الإحساس كآبة، ووسوسة، وهواجس، وحزناً، وخوفاً، وإقداماً على الانتحار، وإصابة بالجنون، ومن تأمل الازدياد المريع في الحالات النفسية والأمراض التي انتشرت، وزاد أعداد رواد عياداتها ومستشفياتها لعلم قدر ما تؤدي إليه المعاصي من الفتك الذريع في نفوس هؤلاء، رعب داخلي، وسوسة مستمرة، خوف، وهلع، قلق، وأرق لا يأتيه النوم بسبب أي شيء؟ المعاصي، ويطلق زوجته، ويشرد أولاده، ويهجر أقرباءه، وهكذا يعيش العصاة، مطاردون، والبلاء داخل نفوسهم، فكيف يهربون، والله يعاقبهم من الداخل والخارج.
وكذلك فقدان الأمن من أسباب المعاصي فتحدث المشكلات الكثيرة بسبب انتشارها، ويخاف الناس من بعضهم، وعلى أولادهم وممتلكاتهم بكثرة المعاصي، وتسليط الأعداء من أسباب المعاصي أيضاً، كما أخبر النبي ﷺ: يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم [رواه أبو داود4297]، فإذا نزعت المهابة من صدور أعدائنا فتسلطوا علينا بأنواع التسلط فلا عجب في ذلك، وإذا صار بأسنا بيننا بسبب المعاصي، والانحرافات العقائدية، والعملية فلا غرابة في ذلك، وإذا كان أصحاب النبي ﷺ لما عصوه في أحد وابتدروا الغنائم وتركوا المكان عوقبوا بتلك المصيبة العظيمة، كما جاء في الرواية: فلما أبوا صرف وجوههم فأصيب سبعون قتيلاً. فما بالك بنا نحن ونحن أقل إيماناً وأضعف؟!، ولذلك كان تسليط الأعداء علينا في هذا الزمان سبباً مباشراً، وطبيعياً لما حدث عندنا من الانحرافات والمعاصي، ثم إن لله جنوداً يسلطهم من ريح مدمرة، أو زلازل مهلكة، أو براكين، وهزات أرضية، وصواعق، وخسف، وغير ذلك، وحتى عامة المسلمين يحسون بهذا، ولذلك وقعت مشاجرات في تركيا بين بعض من عامة المسلمين، وأصحاب الملاهي، والخمارات، وقالوا لهم عياناً: أنتم سبب نكبتنا، وقام بعض العامة بالهجوم على شاب يقبل فتاة في الشارع بعد الزلزال بوقت، لا زالت الكارثة في أذهانهم ونفوسهم، ليقولوا وهم يهجمون: هذا سبب البلاء الذي نزل بنا، ولكن أصحاب الغفلة لا زالوا يصرون على تعليل هذه المصائب بأمور دنيوية، وأنه لا علاقة للمعاصي بالقضية، ولا لترك الإسلام، وإذا كان المكان الذي ضربه الزلزال هو الذي اتخذ فيه قرار مواجهة المسلمين، وكذلك الإصرار على تنحية شرع الله، وليتهم يتعظون، فهاهم يسنون القوانين لأجل تغيير أحكام قوامة الرجل على المرأة، بحيث تخرج وقتما تشاء، وتكون حرة في حياتها، وتشاركه في المقابل في النفقة ولا يستقل بها، وهذا عين الفساد الذي أصاب الأسر الغربية، ولكن الله إذا طمس البصائر فلن تملك لهؤلاء هادياً، ولا نوراً يدخل إلى قلوبهم.
اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله الحي القيوم أن ترزقنا التوبة من المعاصي، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين إنك سميع مجيب قريب، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ملك يوم الدين، أشهد أنه لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله: إن من أشد العقوبات على المعاصي الحرمان من نور العلم، فقد قال الله تعالى: وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُسورة البقرة282، فجعل التقوى سبب تعلم العلم، ولذلك تكون المعصية في المقابل وهي ترك للتقوى سبب الخذلان والحرمان من العلم.
"إني لأحسب الرجل ينسى العلم بالخطيئة يعملها".
وقال بعض السلف لآخر من أهل العلم يوصيه: "إني أرى الله قد ألقى على قلبك نوراً فلا تطفئه بظلمة المعصية." وصية عظيمة من مالك للشافعي، لما رأى فطنته وذكاءه، يوصي بها كل مدرس كل طالب يرى عليه مخايل الذكاء والنجابة والفهم العميق، فيقول: لا تطفئ ذلك بظلمة المعصية. وكم من نجباء وأذكياء ضاعوا في خضم المعاصي فلم ينفعهم ذكاؤهم، ولم يتوجه إلى خيرهم ونفعهم ولا نفع غيرهم من المسلمين.
وقد يكون للطائع من التوفيق في اتخاذ القرارات في الطاعات في بعض المسائل التي لا يعلم حكمها ويقع فيما لا بد من اتخاذ قرار فيه فيصيب الحق بنور الطاعة، بينما يخسر آخرون كثيرون، فلا يهديهم الله تعالى لإصابة الحق، إن من أساسيات طالب العلم البعد عن المعاصي حتى يوفقه الله للفهم ويمكنه من التعلم، وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُسورة البقرة282.
ومن الآثار الفظيعة للمعاصي والذنوب النفور الاجتماعي الذي يصاحب العاصي، فالمعاصي تلحق بصاحبها بغضاً، ومعاداة، ونبذاً اجتماعياً رهيباً، والله تعالى لما أمر بإقامة حد الزنا قال: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَسورة النور2، فأراد الله إلحاق الأذى والذل بهؤلاء، وعدم الشفقة عليهم، وأن تكون الفضيحة بحضرة مجمع من الناس ليكون أبلغ في الزجر والإهانة، ويحدث النفور الاجتماعي والبغض في قلوب الخلق.
وكذلك تغريب عام للزاني، تغريب عام فتحصل الوحشة في قلبه.
وهكذا تكون الحدود من أسباب إهانة هؤلاء، ثم إن الشهادة عند القاضي المردودة بالمعصية من آثار هذا، وقد قال : وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَسورة النور4، فالله تعالى حكم عليهم بالفسق وأمر أن لا تقبل شهادتهم، وسلب اسم الإيمان عنهم، وألحقهم بأسماء الفسق بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِسورة الحجرات11، والإنسان العاصي يسلب أسماء المدح والشرف كالمؤمن، والبر، والتقي، والمنيب، والولي، والأواب، والعابد، والخائف، ويبدل بدلاً من ذلك بأسماء الفجور، والمعصية، كالمفسد، والخبيث، والزاني، والسارق، والقاتل، والكاذب، والقاطع، والغادر، ونحو ذلك، هذه الأسماء التي تجعل له وحشة في قلوب الخلق فينفرون منه.
وإن من الشؤم أن ينبذ الإخوان في الله صاحبهم العاصي من جراء معصيته، وهو يحس بأنه لا مكان له بينهم بسبب معاصيه، ويحس بأن قلوبهم قد تغيرت عليه، وأن هناك نفرة حتى ولو لم يؤذ أحداً منهم فإنه يحس بأن العلاقات متغيرة، وأن الوحشة حالة، وأن هناك تغيراً دون سبب ظاهر لهم، ولكن الله يوحش قلوب المؤمنين على العاصي فلا يستقبلونه كما كانوا يستقبلونه، ولا يرحبون به كما كانوا يفعلون، ولا يكرمونه كما كانوا يقومون، بأي شيء؟ بمعصيته التي فعلها.
وهكذا تتراكم المعاصي على قلب العاصي فتهجره زوجته، ويستوحش منه أولاده وجيرانه، وهذه العلامة الصحية يحس بها العاصي إذا كان من حوله من عباد الله الصالحين، أما إذا كانوا من الفاسقين من مثله فإنه قد لا يحس بشيء، بل هو في غفلته معهم يعمهون، ولذلك كان الانتظام في أهل الخير من أسباب سرعة الرد إلى الحق عندما يحس العاصي بالوحشة، فيسارع إلى التوبة، والأوبة، والعودة إلى زمرة الصالحين.
نسأل الله أن يرزقنا التقوى وأن يجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
أحوال إخواننا في الشيشان
عباد الله: إن إخواننا في الشيشان يعيشون اليوم محنة عصيبة بما حشد هؤلاء الكفرة عليهم، ومن يؤيدهم من النصارى واليهود الآخرين في العالم من هذه القروض التي تتوالى، والسكوت الذي يتعاظم، وعندما يريد أهل تيمور النصارى الاستقلال يفزع إخوانهم في الغي إليهم، وعندما يريد المسلمون في الشيشان أن يكون لهم كيان مستقل فالخذلان بل والتأييد على حرمانهم من حقوقهم، ولا عجب في ذلك فإن الله قد أخبرنا أن الكافرين بعضهم أولياء بعض، ولا ينتظر من كافر حماية لمسلم أصلاً، ولو فعلوا ذلك نادراً فإنما هو لمصالحهم لا من أجل سواد عيون المسلمين، إن هؤلاء النصارى الروس يتقدمون نحو نهر تيريك الكبير، ليشكلوا حاجزاً بينهم وبين بقية بلاد الشيشان والداغستان، وتكون حينئذ المنافذ الوحيدة للسيارات والشاحنات والأفراد هي الجسور المعلقة التي يسيطرون عليها، ثم ينقلون العملاء إلى هذا المكان الذي احتلوه، ويقيموا فيه كياناً يدفعون إليه اللاجئين، ويغدقون عليه من أنواع الأموال والمزايا الدنيوية ما يجعل الشطر الآخر فقيراً معدماً، ويجعل هذا الشطر الذي صار تحت حمايتهم غنياً تقوم فيه أنواع الخدمات المختلفة، ولا شك أن هذه الخطة الخبيثة التي ستقطع جزءاً كبيراً من أراضي المسلمين إنما هي نتيجة طبيعية لمكر هؤلاء الكفرة.
نسأل الله أن يرد كيدهم في نحورهم، وأن يجعل تدبيرهم تدميراً عليهم، وأن يرزق إخواننا القيام بالجهاد الحق في ذلك المكان لنشر الإسلام، وإقامة الدين، وطرد أعداء الله النصارى الحاقدين، اللهم دمر الروس ومن والاهم، الله اجعل بأسهم بينهم، فجر بلادهم، وزلزل أقدامهم، وأنزل عليهم عذاباً من فوقهم، اللهم أحصهم عدداً واقتلهم بدداً، اللهم فرق شملهم، وشتت جمعهم، اللهم اجمع كلمة المسلمين على جهادهم، وأيقظ في قلوب المؤمنين الحمية لقتالهم، اللهم اجعلنا ممن يشد أزرهم، ويعينهم على مصابهم، اللهم اجعلنا إخوة في سبيلك متكاتفين، واغفر لنا ذنوبنا يا رب العالمين، اللهم آمنا في بلداننا يا أرحم الراحمين، واجعل بلدنا هذا آمنا مطمئناً، وسائر بلاد المسلمين، آمنا في الأوطان والدور، وأرشد الأئمة وولاة الأمور، واحفظنا بحفظك واغفر لنا يا عزيز يا غفور.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.