الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أهمية الصلاة
أيها المسلمون: الصلاة عمود الدين، قال الله لنا: وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَسورة البقرة43، وإقامتها أداؤها كما أمر الله، وكما علمنا إياها رسول الله ﷺ، وكان من أواخر كلماته ﷺ: الصلاة الصلاة[رواه أبو داود5156]، يوصي أمته ويحرصهم عليها، وقال ﷺ: إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله الصلاة، فإن صلحت فقد أفلح ونجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر[رواه الترمذي413]، وفي رواية: فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله[رواه الطبراني في الأوسط1859]هذه الصلاة هي الهدية التي يتقرب بها إلى الملك، إلى ملك الملوك.
قال إمام أحمد رحمه الله: "إن حظهم من الإسلام على قدر حظهم من الصلاة، ورغبتهم في الإسلام على قدر رغبتهم من الصلاة".
فاعرف نفسك يا عبد الله، احذر أن تلقى الله ولا قدر للإسلام عندك، فإن قدر الإسلام في قلبك، كقدر الصلاة من قلبك.
هذه الصلاة الصلة بين العبد وربه، من عظمة دين الإسلام أنه جاء لنا بطرق تصلنا بالله، يقف أحدنا يكبر التكبيرة، تكبيرة الإحرام، فيدخل في صلة خاصة مع الله، يناجي ربه مباشرة، ويكلمه تكليماً، والله من فضله ينصب وجهه لوجه عبده، ويقبل على العبد ما أقبل العبد على الصلاة، حالة مخصوصة وتشريف عظيم، وجو مهيأ، وصلة رائعة تصل المسلم بربه، وأعطانا الأجر، الخمس بأجر خمسين، وهو الواسع، واسع الفضل والعطاء، .
إن العبد إذا قام يصلي أتي بذنوبه كلها فوضعت على رأسه وعاتقيه، فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه، فأطل السجود والركوع يا عبد لله أو قصر، فإن محو الذنوب على قدر إطالة الركوع والسجود.
وقد وقع الناس في أمر الصلاة في شأن عظيم، وكرب شديد، وحالة سيئة، حتى صار أمر الصلاة كالثوب الخلق، ولذلك وجب التنبيه على كثير من الأخطاء التي يقوم بها المصلون في صلواتهم؛ لأجل عدم الوقوع فيها.
أخطاء شائعة في الصلاة
واعلموا أن الشريعة، قد جاءت بالتحذير من أمور مكروهة، وأمور محرمة في الصلاة.
فمما جاء النهي عنه للكراهة: نهيه ﷺ عن تخصيص مكان للصلاة في المسجد، لا يصلي إلا فيه، وهو المقصود بحديث: "نهى رسول اللهﷺ عن نقرة الغراب، وافتراش السبع، وأن يوطن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير"[رواه أبو داود862]، فهو لا يصلي إلا فيه، كما أن البعير لا يجلس إلا في مكانه، هذا لغير الإمام.
ومن الحكمة في النهي عن إيطان كإيطان البعير:
أولاً: أنه قد يؤدي إلى الشهرة والرياء والسمعة.
وثانياً: أن فيه حرمان من تكثير مواضع العبادة التي تشهد له يوم القيامة.
وثالثاً: فيه وسيلة لتحويل العبادة إلى عادة.
فإذاً هو ينوع في المسجد، لا يتعمد مكاناً معيناً للصلاة فيه، فإذا جاء مبكراً صلى خلف الإمام، ثم عن يمينه، ثم عن شماله، هكذا مواضع الأفضلية في الصف، ويتمون الصف الأول فالأول، وهكذا. فلا مانع من الصلاة في المكان النظيف في البيت، والحرص على المكان الطاهر.
ومن الأمور التي نهت الشريعة المصلي عنها: كشف العاتقين في الصلاة، قال رسول الله ﷺ: لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء[رواه النسائي769]، وفي رواية لمسلم: على عاتقيه[رواه مسلم516]. فلا ينبغي لك يا عبد الله أن تصلي ولو في بيتك منفرداً لا أحد حولك، لا ينبغي لك أن تصلي وعاتقاك مكشوفان، ما بين العنق إلى الساعد، ما بين العنق إلى طرف الكتف من جهة اليد، هذا العاتق.
وقد اختلف أهل العلم في صحة صلاة مكشوف العاتقين، فالأحوط أن يعيد الصلاة إذا صلى وعاتقاه مكشوفان، ولذلك فليحذر الذين يصلون في فصل الصيف بالقميص الشيال، الذي ليس على العاتقين منه إلا حبل يسير.
ومن الأمور المكروهة في الصلاة: السدل، وتغطية الفم، والتلثم، كما جاء النهي في الحديث الصحيح: "نهى عن السدل في الصلاة، وأن يغطي الرجل فاه"[رواه أبو داود643]، وكذلك يدخل في هذا تشمير الثوب ولمه أثناء الصلاة لغير حاجة.
ويدخل في السدل كما قال بعض أهل العلم: أن يضع على عاتقيه مشلحاً، أو معطفاً لا يدخل يديه في الأكمام، ويبقى المشلح والمعطف مفتوحاً، أما إذا ضم طرفيه على بعضهما، وأغلقه فلا بأس بذلك، وإن لم يدخل يديه في الأكمام.
ومما نهي عنه أيضاً: الصلاة في الثوب الذي عليه صورة، ألم تر أنه ﷺ لما جاء إلى البيت وقد سترت عائشة طرفاً منه بقرام فيه تماثيل، سترت جانب بيتها، فقال ﷺ: أميطي عني، فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي[رواه البخاري5959]، فإذا كان يجب إزالة الصور التي تلهي المصلي فأولى إذا كان لابسها، فينبغي عليه أن لا يلبس شيئاً فيه زينه وزخارف وألوان، فضلاً عن أن يلبس قميصاً أو شيئاً عليه صورة، خصوصاً إذا كانت صورة لذوات الأرواح.
وقد بوب البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه: باب إن صلى في ثوب مصلَّب - فيه تصلايب- أو تصاوير هل تفسد صلاته.
وكذلك شاع بين بعض الناس في بعض أماكن العمل، الصلاة وهو حامل صورة، والصورة التي في إثبات الشخصية، فينبغي على من يضعون بطاقات إثبات الشخصية إذا كانت ضرورية لا بد من وضعها، إذا صلوا أن يدخلوها في جيوبهم، ولا يصلوا وهي معلقة على صدورهم.
وكذلك في الأماكن التي فيها صور، أو السجاديد التي فيها نقوش وتصاوير، فتكره الصلاة في مكان فيه أي شيء يشغل المصلي.
قال العز بن عبد السلام رحمه الله: تكره الصلاة على السجادة المزخرفة الملمعة، وكذلك على الرفيعة الفائقة - الرفيعة السميكة التي يغوص فيها-، وكذلك على الرفيعة الفائقة؛ لأن الصلاة حال تواضع وتمسكن، ولم يزل الناس في مسجد مكة والمدينة يصلون على الأرض والرمل والحصى تواضعاً لله.
فإن سألت: الصلاة على الأرض والرمل والحصى أفضل أو على السجاد؟
قلنا: الصلاة على الأرض والرمل والحصى أفضل؛ لأنها فيها مباشرة للأرض، وباشروا الأرض، تمسحوا بالأرض، فإنها بكم برة[رواه الطبراني في الصغير416]. وهو أقرب إلى التواضع والتمسكن لله رب العالمين، فإذا كان المكان نظيفاً صليت عليه بغير شيء، وإن وضعت حائلاً ليس فيه زخارف ولا تصاوير فلا بأس بذلك، وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى كراهة الصلاة في المكان الذي فيه تصاوير، وكذا غيره من أهل العلم أيضاً. وأشدها كراهة أن تكون الصورة أمام المصلي، ثم الأدنى في الكراهة: من فوق رأسه، ثم على يمينه، ثم على شماله، ثم خلفه.
وأخرج بعضهم من النهي صور ذوات الأرواح كصورة الشجر، إلا إذا كانت تشغل المصلي فتدخل في النهي.
ومن الأمور المنهي عنها أيضاً: إسبال اليدين وعدم وضعها على الصدر عند القيام في الصلاة، كما جاء في حديث سهل بن سعد قال: "كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة"[رواه البخاري740].
وعن ابن عباس : أن رسول الله ﷺ قال: إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نؤخر سحورنا ونعجل فطورنا، وأن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة[روه الطبراني في الأوسط1884].
فإذاً إسدال اليدين عند قيام القراءة في الصلاة من شعار أهل البدع، ينبغي على المسلمين أن يبتعدوا عن ذلك.
أما تغميض العينين فهو مكروه لغير حاجة، مثل: وجود زخارف، أو مناظر تشغل المصلي، فإنه يغض الطرف عنها إذا كان لا بد يغمض عينيه.
أما في الأحوال العادية ينظر إلى موضع السجود، وإلى السبابة وهي تتحرك عند جلوس التشهد.
أما الأمور المحرمة التي جاء النهي عنها فهي كثيرة، فمن ذلك:
الصلاة على القبور أو إليها، قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد[رواه البخاري437]، قاله ﷺ، وقال: إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد[رواه البزار1724].
ولا تصح الصلاة في المساجد المبنية على القبور في ظاهر مذهب الإمام أحمد رحمه الله، فإذا كان القبر أولاً، ثم بني عليه المسجد أزيل المسجد، ولا توقف، وإذا كان المسجد أولاً ثم وضع فيه القبر نبش القبر ونقل الرفات إلى المقبرة.
ولا تصح الصلاة بين القبور ولا في المقبرة لما ورد في النهي، وهذا أمر منتشر في كثير من بلدان المسلمين، فينبغي إخراج القبر إن كان القبر هو اللاحق والمسجد هو السابق، وعزله عن المسجد تماماً، وجعله خارج سور المسجد، ويستحسن أن يكون بينه وبين المسجد شارع.
ومن الأمور التي جاء النهي عنها في الصلاة نهي تحريم: إسبال الإزار في الصلاة، وهو محرم داخل الصلاة وخارجها؛ لأنه ﷺ قال: من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه[رواه البخاري3665]، وما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار[رواه البخاري5787]، والكعبان: هما العظمان الناتئان في آخر الساق، في المفصل بين القدم والساق، ففي كل رجل كعبان عن اليمين والشمال، عظمان مستديران عن اليمين والشمال، في اليمنى وفي اليسرى، كلاهما يوجد في كل واحد منهما كعبان، إذا تجاوز ثوبك أو بنطلونك هذين العظمين دخلت في الوعيد خارج الصلاة، فإذا كنت في الصلاة فالأمر أشد.
قال رسول الله ﷺ: لا ينظر الله إلى صلاة رجل يجر إزاره بطراً[رواه ابن خزيمة781].
وعن أبي هريرة قال: بينما رجل يصلي مسبلاً إزاره قال له رسول الله ﷺ: اذهب فتوضأً فذهب فتوضأ، ثم جاء فقال: اذهب فتوضأ، فقال له رجل : يا رسول الله ما لك أمرته أن يتوضأ؟ ثم سكت عنه: قال: إنه كان يصلي وهو مسبل إزاره، وإن الله لا يقبل صلاة رجل مسبل إزاره[رواه أبو داود638].
فإسبال الإزار مجاوزته الكعبين، وقال ﷺ: من أسبل إزاره في صلاته فليس من الله في حل ولا حرام[رواه أبو داود637]. فاحذر ذلك يا عبد الله.
كفوا ثيابكم عن النجاسات، ولا تنظفوا بها الشوارع، وتواضعوا لله ولا تنازعوا إزاره ورداءه، لا تنازعوا الله إزاره ورداءه، العظمة والكبرياء، فمن فعل طرحه الله في النار ولا يبالي.
ومن المنكرات الحاصلة عند بعض الناس في الصلاة انكشاف العورة أثناءها، نتيجة تفصيل الثياب أو طبيعتها، فبعضهم قد يلبس بنطلوناً ويلبس عليه قميصاً قصيراً، فعند الركوع أو السجود ينحسر القميص عن البنطلون، ويظهر بعض العورة من الخلف، ومعلوم أن ما بين السرة والركبة من العورة، من الأمام ومن الخلف، فإذا خرج بعض الظهر أو بعض العجزمن جهة العورة بطلت الصلاة.
والآباء الذين يلبسون أبناءهم السراويلات القصيرة، الشورتات، ويأمرونهم بالصلاة فيها، أو يأتون بهم إلى المساجد فيها، هم مخطئون؛ لأن رسول الله ﷺ لما قال: مروا أبناءكم بالصلاة لسبع [رواه أحمد6756]معناها مروهم بها بأركانها وواجباتها وشروطها.
وكذلك من المنكرات: الصلاة في الثياب الضيقة الضاغطة التي تصف العورة وتبين تقاطيعها، فليحذر من يلبس ثوباً أو بنطالاً يحجم العورة، وخصوصاً السوءتين، وخصوصاً الإلية بالذات، فإن كان البنطلون واسعاً غير ضيق وليس بمسبل فلا حرج في الصلاة فيه، فإن كان البنطلون واسعاً غير ضيق من جهة العورة ولا فيه تفصيل يشابه الكفرة أو موضة تشابه موضة الكفار فلا بأس من الصلاة فيه، فالسراويلات الواسعة العريضة قد علم أنها من ثياب المسلمين، أما ما كان من زي العجم، أو النصارى، واليهود، وأهل الشرك فينبغي للمسلم أن لا يتشبه بهم فيها.
ومن المنكرات الحاصلة: الصلاة في الثياب الرقيقة الشفافة التي تظهر لون البشرة وما وراءها من البدن، وتميز لون بشرته هل هو فاتح أو غامق ونحوه، هذا حرام في حق الذكر والأنثى، سواء صلى جماعة أو منفرداً، في البيت أو المسجد، فإذا لم يستر عورته لم تصح صلاته، ومعلوم أنه إذا صلى بثوب شفاف لا يكون ساتراً لعورته، قال الإمام الشافعي رحمه الله: "وإن صلى في قميص يشف عنه لم تجزه الصلاة"، ومقصود الشافعي بالقميص هو الثوب عندنا والجلابية، فإن الأقدمين كانوا يطلقون عليها قميصاً، فمن صلى اليوم بجلابية أو ثوب من هذا النوع الرقيق الذي يسمى بالسلك، وتحته سراويل قصيرة أعلى من الركبتين أو إلى منتصف الفخذ، أو أعلى من ذلك، وميز لون البشرة من وراء هذا القماش، فإن صلاته غير صحيحة؛ لأنه لم يستر عورته، انتبهوا وأنتم قادمون على فصل الصيف للبس السراويلات الطويلة تحت الثياب، وعدم الصلاة بالثياب الشفافة دون أن تستر البشرة تحتها.
ومن البدع المحدثة في الصلاة: الجهر بالنية عند تكبيرة الإحرام، فالنية من أعمال القلوب، والجهر بها خلاف السنة، وهو يؤدي إلى الوسوسة، وكثيرون يتعذبون بذلك.
قال ابن القيم رحمه الله: "كان النبي ﷺ إذا قام إلى الصلاة قال: الله أكبر، ولم يقل شيئاً قبلها، ولا تلفظ بالنية، ولا قال: أصلي صلاة كذا، ولا قال: مستقبل القبلة، ولا قال: أربع ركعات، ولا إماماً، ولا مأموماً، ولا قال: أداءً ولا قضاءً، ولا فرض الوقت، وهذه عشر بدع، لم ينقل عنه ﷺ قط بإسناد صحيح، ولا ضعيف، ولا مسند ولا مرسل لفظة واحدة منها، بل ولا من أصحابه، ولا استحسنه أحد من التابعين".
فالنية محلها القلب، والله يعلم ماذا تقول يا أيها المسلم، فلا تأت ببدع.
وكذلك من الأمور الخاطئة التي يقوم بها بعض المصلين، عدم تحريك اللسان في التكبير وقراءة القرآن، وسائر أذكار الصلاة، ويكتفي هؤلاء بتمريرها على القلب، واستعراضها استعراضاً في الذهن، وهذه ليست بقراءة، فإن القراءة في لغة العرب تتضمن تحريك اللسان وجريان النفس، وهذا لا يعني أن تجهر في الصلاة جهراً يؤذي من حولك، كلا، ولا أن تجهر في الصلاة السرية، كلا، لكن أن تزم شفتيك وتطبق عليهما لا تحرك لساناً ولا شفتين، أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِسورة البلد 8-9 ليقرأ بهما في الصلاة ويعبد بهما ربه، وهؤلاء لا يفقهون معنى القراءة، فيقفون هكذا، فأي قراءة تعتبر لهم.
اللهم إنا نسألك أن تبصرنا بسنة نبينا، وأن ترزقنا الصلاة كما كان يصلي، وأن تجعلنا في الصلاة خاشعين، وللسنة فيها متبعين، وللبدعة مجتنبين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير،هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌسورة الحديد3، رفع السماء بغير عمد ترونها، وبسط الأرض وبث فيها من كل دابة، وصرف الرياح وخلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها، وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَاسورة النحل18، الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الصلاة، وجعل لنا صلة بينه وبيننا، نقبل فيها عليه، نعبده ونشكره، ونسأله ونذكره، ، لا إله إلا هو ولا نعبد رباً غيره، ولا إله سواه، مالك الملك، وﷺ على نبينا محمد السراج المنير، والبشير النذير، الذي أرسله الله رحمة للعالمين، علمنا الصلاة، وقال: صلوا كما رأيتموني أصلي [رواه البخاري631]، وحذرنا ونبهنا من الإخلال بها، فإنها الركن الركين من أركان الإسلام، صلى الله عليه وعلى آله وتابعيه إلى يوم الدين.
أيها المسلمون: احذروا رفع أبصاركم في الصلاة، قال ﷺ: ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم، فاشتد قوله في ذلك حتى قوله: لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم[رواه البخاري750].
وكذلك الالتفات لغير حاجة هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد.
ومن المنكرات العظيمة الشائعة، التي ندر أي يسلم منها مسجد جماعة، أو جماعة يصلون، كثرة الحركة والعبث في الصلاة، تشبيك الأصابع، وقضم الأظافر، وتسوية العقال، وغطاء الرأس، والنظر في الساعة، وربط الإزرار، وإمساك الجيب، وتعديل القلم، والعبث بالشعر واللحية، والإمساك بالسواك أثناء الصلاة ونحوها من الأمور العجيبة التي يقوم بها بعضهم، ولا يفعلون ذلك أمام الرؤساء والوجهاء والأكابر، فهم لا يقدرون الله قدره، ما قدروا الله حق قدره، ولو قدروه حق قدره ما فعلوا ذلك في الصلاة، ولقاموا خاشعين ساكنين، عليهم السكينة والخشوع، كما أمر الله ورسوله: وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَسورة البقرة238،قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَسورة المؤمنون1-2.
وقد اتفق أهل العلم على أن الحركة الكثيرة المتوالية لغير حاجة في الصلاة تبطلها.
ومن الأمور العجيبة المنكرة: عدم الطمأنينة في القيام، والركوع، والسجود، والجلسة بين السجدتين، قال ﷺ: أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته ، كيف يسرق من صلاته؟ لا يتم ركوعها ولا سجودها[رواه أحمد11532].
ولا ريب أن لص الدين أسوأ عند الله من لص الدنيا، هذه صلاة المنافقين، نقر كنقر الغراب، يكاد سجوده يسبق ركوعه، يقول: آمين، عند النزول للركوع، ويقول: سمع الله لمن حمده عند النزول إلى السجود، ويقول: سبحان ربي الأعلى وهو رافع إلى الجلسة بين السجدتين، فأي صلاة هذه؟ ارجع فصل فإنك لم تصل[رواه البخاري757].
ومن المنكرات: الزيادة على الأذكار المشروعة، مثل قول بعض الناس: ربنا ولك الحمد والشكر، فكلمة الشكر لم ترد، ولم تثبت، ولا قالها رسول الله ﷺ، أهو خير أم أنتم الذين تزيدون، وإنما قال: صلوا كما رأيتموني أصلي[رواه البخاري631]، فلا تزد يا عبد الله، وقول بعض الناس: اللهم صل على سيدنا محمد، ولفظ السيادة لم ترد، هو سيدنا رغماً عناأنا سيد ولد آدم ولا فخر[رواه الترمذي3148]، ولكنه في هذا الموضع في التشهد لم يقل: أللهم صل على سيدنا محمد، كما لم يقل في الأذان: أشهد أن سيدنا محمداً رسول الله، فلم تزيد، لا تقل: هذه بدعة حسنة؛ فكل بدعة ضلالة، هذا مفهوم مهم، ليس هناك بدعة حسنة، كل بدعة ضلالة، فقل: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.
وهناك زيادات في الصلاة كثيرة؛ كقول بعض الناس: استعنا بالله، إذا قال الإمام: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ سورة الفاتحة5.
ومن المنكرات: ما يفعله الكثير من عدم تمكين الأنف والجبهة عند السجود، وكذلك رفع أصابع القدمين عن الأرض، وجعل القدمين معلقتين في الهواء، ورسول الله ﷺ قال: أمرت أن أسجد على سبع: الجبهة والأنف، واليدين، والركبتين، والقدمين[رواه البخاري812].
ومن الأخطاء: تدلية بعض الناس لرءوسهم في الركوع إلى الأسفل، بل يجب أن يكون في مستوى الظهر، وإلصاق البطن بالفخذين، وينبغي المجافاة واتباع السنة.
ومن الأخطاء: افتراش اليدين على الأرض كالكلب، وإقعاء كإقعاء الكلب، والتفات كالثعلب، ونقرة كالغراب، ورفع اليدين عند السلام يميناً وشمالاً كذنب الخيل، كأذناب الخيل، ونحن نهينا عن التشبه بالحيوانات في الصلاة، فنهينا عن افتراش كافتراش الكلب، وإقعاء كإقعائه، والتفات كالتفات الثعلب، ونقر كنقر الغراب والديك، وإيطان كإيطان البعير، والإشارة بالكفين يميناً وشمالاً عند التسليم يميناً وشمالاً كأذناب الخيل، فترفع عن فعل الحيوانات والبهائم في الصلاة.
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا ممن يحسنون وقوفهم بين يديك، وممن صلوا لوجهك ابتغاء ثوابك ومرضاتك، اللهم أنعم علينا بنعمة الإيمان واليقين، وارزقنا صحة الصلاة وإقامة عمود الدين، اللهم اجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين.
أنباء الجهاد الأفغاني
أيها الإخوة: كثير من الناس يسأل هذه الأيام عن أنباء الجهاد الأفغاني، ومن الصعب عليك أيها المسلم أن تعلم التفاصيل خصوصاً أن وكالات الأنباء العالمية ليست بأيدي المسلمين، فكيف ستعرف الأخبار الصحيحة، ووكالات الأخبار ليست بأيدي المسلمين، ولكننا نعلم شيئاً واحداً: أن أعداء الله لا يمكن أن يتركوا الجهاد في أمره، ولا يمكن أن يتركوا المسلمين في حالهم، ولا بد حتماً؛ لأن هذا مما أخبر الله به في القرآن: وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ سورة البقرة 217، ولا يزالون في محاولة بذر بذور الفتنة والفرقة بين المسلمين، وسيحاولون خطف ثمرة الجهاد ما استطاعوا، ولكن الله كفيل أن يفشلهم، وأن يرد كيدهم في نحرهم، وصار من الأمور المعتادة للمسلم أنه إذا رأى اسماً يلمع في أخبار أعداء الله عرف أنه مشبوه، وإذا رأى اسماً تشن عليه الحملات ويقال عنه: متشدد، فيعلم أنه على الصراط السوي في أمره، هذا صار من الأمور المعتادة، نتيجة غلبة أعداء الله على ما نسمع من الأخبار، لذلك فينبغي عليك يا عبد الله ألا تتسرع في قبول ما تسمع من أي مصدر، وينبغي علينا أن نتوجه إلى الله بالسؤال.
اللهم إنا نسألك وندعوك في هذه الساعة أن تنصر الموحدين المجاهدين نصراً مؤزراً، وأن تجمع كلمتهم على الحق المبين يا رب العالمين، اللهم افتح لهم فتحاً قريباً، وانصرهم نصراً عزيزاً، وأر الناس والعالم منهم الآيات الباهرات والكرامات العظيمة يا رب العالمين، اللهم اجمع شملهم على التوحيد، ونق صفوفهم من الفرقة، وأخرج منهم كل دخيل وعدو، اللهم من أراد من الأعداء أن يقطف ثمرة الجهاد ويخطفها، اللهم اجعل الجهاد عليه يا رب العالمين.
اللهم انصر المسلمين المجاهدين، اللهم افتح لنا كابول وبيت المقدس، وافتح لنا القسطنطينية وروميه، وافتح لنا أمان الله واشبيلية وقرطبة، اللهم احفظ المسلمين في سراييفو، اللهم لا تبق عدواً للمسلمين إلا أهلكته، اللهم إنهم يذبحون أولادنا ونساءنا اللهم خذهم أخذ عزيز مقتدر، أنت القوي لا يعجزك شيء، اللهم احفظ المسلمين بحفظك، اللهم تول أمرهم، وحسن شأنهم، وزين حالهم، وقوهم، اللهم ارحم ضعفهم، اللهم إنهم عراة فاكسهم، وحفاة فاحملهم، وجياع فأطعمهم، اللهم إنهم ضعفاء فانصرهم، لا حول ولا قوة إلا بك، أنت القوي الجبار، اللهم أحص أعداء الإسلام عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، اللهم زلزل ممالكهم، وقوض أركان دولهم، واجعلهم وأموالهم وبلادهم وأراضيهم غنيمة للإسلام والمسلمين، اللهم افتح لنا فتحاً قريباً، ونجنا برحمتك يا أرحم الراحمين، واحفظ بلدنا وبلاد المسلمين من كل سوء، وفتنة وشر وكرب يا رب العالمين، اللهم ارفع عنا كل منكر، وأزله من بين ظهرانينا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، إن هي إلا رحمتك، اللهم اجعلنا ممن أصبنا من تلك الرحمة.
إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءوَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.