الأحد 23 جمادى الأولى 1446 هـ :: 24 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

خطبة عيد الفطر 1433هـ


عناصر المادة
الخطبة الأولى
ارتباط العيد بالعبادة
الخطبة الثانية
أعمال يوم العيد، وجواز الدف للنساء
العبادة بعد رمضان

الخطبة الأولى

00:00:07

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده، ورسوله.

أما بعد:

فالحمد لله الذي أتم علينا النعمة، وأكمل لنا العدة، وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْسورة البقرة185.

أشهد أن لا إله إلا الله، الحي القيوم، وأشهد أن محمداً عبد الله، ورسوله، صلى الله عليه، وعلى وآله، وصحبه أجمعين.

ارتباط العيد بالعبادة

00:01:02

عباد الله، أيها الأحباب: ها قد أكملنا رمضان، فلله الحمد، وله المنة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، أتم الله النعمة بإتمام الشهر، وحق لنا أن نفرح، فللصائم فرحة إذا أكمل يومه، فكيف إذا أكمل شهره؟ للصائم فرحة عندما يتم شهره، وهكذا عيدنا عيد فرح، بإتمام نعمة الله علينا، بتمام شهرنا، وجاء هذا العيد متوجاً لتلك الطاعة، فانظروا كيف كانت أعيادنا توحيداً لله تعالى، وتكبيراً له، وإعلاناً لهذا التوحيد، انظروا كيف كانت أعيادنا مرتبطة بعباداتنا، فهذا عيد الفطر مرتبط بعبادة الصيام، ركن من أركان الإسلام، وعيد الأضحى مرتبط بعبادة الحج، ركن آخر من أركان الإسلام، فهذه أعيادنا عيدان لا غير، عيد الفطر، وعيد الأضحى، نوحد فيها ربنا، ونعبده، ونصلي له، ونقوم من أجله ، لا نشرك به أحداً، وتأملوا في أعياد العالم، أعياد شرك، أو أعياد فسق وفجور، أما أعيادنا فأعياد طاعة، وعبادة، أعيادنا من الله، وأعيادهم من الهوى، فالحمد لله الذي أكرمنا بهذه الأعياد، كما أخبر النبي ﷺ الأنصار: قد أبدلكم الله بهماعيدين، يومين؛ عيد الفطر يوم الفطر ويوم الأضحى[رواه النسائي1556]. فالحمد لله رب العالمين، افخروا أيها المسلمون بدينكم، افخروا، واعتزوا به، فإنه والله لا يوجد مثله، من غيرنا من أهل الأرض عنده صلاة كصلاتنا، وصيام كصيامنا، مَن مِن أهل الأرض عنده كتاب ككتابنا، وأحكام كأحكامنا، فلنا العزة كما قال الله: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَسورة المنافقون8. مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا سورة فاطر10. الحمد لله أننا لسنا في ذل في ديننا، وقد قال لنا ربنا: وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ سورة آل عمران139.نحن الأعلون ديناً في العالم، نحن الأعلون منهجاً، نحن الأعلون عبادة.

عباد الله: دين الفرح، ودين العبادة ليس فيه انغماس في معاصٍ، أو ترف، وإنما هو تواضع لله ، فاعتبروا بمن بطر ممن قال: رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍسورة سبأ19. اشتهت زوجة المعتمد - وكان في الأندلس - أن تمشي في الطين، وتحمل القربة لما رأت جارية تفعل ذلك فأمر المعتمد بنثر المسك، والكافور، والزعفران، وأن تخوض زوجته بقربة مسك برجليها في هذا الخليط، ودارت الأيام، وأخذ الرجل أسيراً في بلدة أغمات هو وأهله جميعاً، فلما جاء يوم العيد، أطلت بناته عليه فقال:

فيما مضى كنت بالأعياد مسروراً فجاءك العيد في أغمات مأسوراً
ترى بناتك في الأطمار جائعة يغزلن للناس ما يملكن قطميراً
برزن نحوك للتسليم خاشعة أبصارهن حسيرات مكاسيراً
يطأن في الطين والأقدام حافية كأنها لم تطأ مسكاً وكافوراً

عباد الله: عيدنا عيد صلة، وليس عيد قطيعة، صلوا الأرحام، رحمكم الله، لا تقطعوها، وإن قطعها الطرف الآخر، وإخوانكم المسلمين لا تدابروهم.

أيهجر مسلم فينا أخاه سنيناً لا يمد له يمينه
فأين عرى السماحة والتآخي وأين عرى إخوتنا المتينة
بنينا بالمحبة ما بنينا وما باع امرؤ بالهجر دينه
علام نسد أبواب التآخي ونسكن قاع أحقاد دفينة

يا عبد الله: يا أمة الله: إذا لبست جديداً في العيد، فاذكر نعمة اللباس، إنها نعمة ربك عليك، واذكر لباس التقوى الذي هو خير، واذكر دعاء اللبس الذي فيه اعتراف لله بالنعمة، واذكر كسوة الفقير.

يا أيها المسلمون، يا عباد الله: هذه أمتنا، يمر عليها العيد، وفيها جراحات في الشام، وبورما، وغيرها، لكن هذه أمة مرحومة، جعل عذابها في دنياها، القتل، والفتن، والمحن، كما أخبرنا النبي ﷺ، لكن اذكروا ثلاثة عشر قرناً من الزمان، كنا سادة العالم، اذكروا منذ أن قامت دولة الإسلام في المدينة، إلى هذه الخلافات التي كانت.

ملكنا هذه الدنيا قروناً وأخضعها جدود خالدونا
وسطرنا صحائف من ضياء فما نسي الزمان ولا نسينا
وكنا حين يأخذنا ولي بطغيان ندوس له الجبينا
وكنا حين يرمينا أناس نؤدبهم أباة صابرينا

ولذلك فإننا نعزي أنفسنا في مصائب أهل الإسلام اليوم، بأن الله تعالى يهلك الظالمين، لقد هلك النمرود، وذهب فرعون، هلك أبرهة، وقتل أبو جهل، وهكذا، أخزى الله هولاكو، وجنكزخان، وسيخزي الله بقية المجرمين، ويأخذ الله الظالمين، وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَسورة إبراهيم 42. والأمة موعودة بالنصر، فأبشروا يا عباد الله، لايمكن إطفاء نور الله ، لا يمكن إطفاء نور الله ، وإننا على يقين بأن الله سيكشف الغمة، وأنه سيرفع الشدة، ويزيل المحنة.

عباد الله، أيها الأحباب: لقد صمتم ثلاثين يوماً وقمتم ثلاثين ليلة، وجئتم تطلبون ربكم، فلعلكم تقبضون اليوم جوائزكم، وترجعون إلى منازلكم، وقد نلتم ما نلتم، فافتخروا بهذه الدين، واعتزوا بهذا الدين، ولله الحمد والمنة، هذا يوم فيه غفران للذنوب، هذا يوم يفرح المؤمنون فيه بنعمة الله، لماذا لا نفرح وقد قال ربنا: قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْسورة يونس58. لقد فرحنا بإتمام الصيام، لقد فرحنا بهذه الفرحة الشرعية، وإن لله على المؤمنين نعماً يفرحون فيها بفضل الله كما إذا انتصر المسلمون، قال تعالى: وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ۝ بِنَصْرِ اللَّهِسورة الروم4-5.وهكذا الفرحة بالعيد فيها إدخال السرور على الأهل، واعلم يا عبد الله: أن ديناراً أنفقته في سبيل الله، وديناراً أنفقته على أهلك، ديناراً أنفقته في رقبة، وديناراً تصدقت به على مسكين، أعظمها أجراً، الذي أنفقته على أهلك، فوسع عليهم، يوسع الله عليك، واعدلوا في العيديات بين الأبناء، رحمكم الله، وبين البنات، كما هي قاعدة الشريعة في الميراث، وأيضاً فإنكم في هذا العيد، والحمد لله، قد قمتم بعبادات عظيمة، ومنها هذه العبادة صلاة العيد، يمشي إليها مشياً، وهذا هو الأفضل، أو بعض المشوار مشياً، وكذلك يأتونها بعدما أكلوا تمرات؛ إعلاناً بانتهاء الصيام، وكذلك يوترون بها وتراً والله وتر، يحب الوتر، وكذلك ليس لها أذان، ولا إقامة، ولا ينادى لها، صلاة العيد، ولا غير ذلك، فإن سنة النبي ﷺأن صلاة العيد لا ينادى لها، كما جاء ذلك في الأحاديث الصحيحة.

نسأل الله أن يتم علينا النعمة، وأن يعظم لنا الفرحة، وأن يقر أعيننا بنصر الإسلام، والمسلمين.

اللهم ارزقنا فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:11:59

الحمد لله على نعمائه، والشكر له على توفيقه، وآلائه، وأشهد أن لا إله إلا هو، وحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبة، ولا ولداً، وأشهد أن محمداً عبد الله، ورسوله، دعا إلى الله، ولم يشرك به أحداً.

أعمال يوم العيد، وجواز الدف للنساء

00:12:19

عباد الله: أدخلوا الفرحة على أهاليكم، ووسعوا عليهم، وسع الله عليكم، واسمحوا لهم باللعب المباح، فإن النبي ﷺ، قد أذن للنساء في هذا اليوم، بضرب الدف، وقال: دعهما يا أبا بكر، إن لكل قوم عيد، وإن عيدنا هذا اليوم[رواه البخاري3931] بالكلمات الطيبة بضرب الدف للنساء، ولو وصل الصوت إلى الرجال، وغناء البنات الصغيرات بالكلمات المباحات.

أنتم قد جئتم بأهليكم، وهذا تنفيذ لأمر النبي ﷺ، الذي أمر بجلب النساء إلى صلاة العيد، والتي ليس عندها جلباب؛ أمرها أن تخرج، وأن تستعير جلباباً من صاحبتها، وأختها، وكذلك أمر النساء بالخروج، حتى الحُيَّض، فإن قال قائل: هذه الحائض لا تصلي، ولا تجلس في المسجد فلماذا تأتي؟ فالجواب، قد أخبر عنه ﷺ لما قال: يشهدن الخير، ودعوة المسلمين [رواه الطبراني في الاوسط8464]. فاعلموا أن صلاتكم، ومجيئكم، واجتماعكم اليوم، هو خير عظيم، وفيه بركة من الله تنالها حتى النساء اللاتي عندهن العذر، فالحمد لله الذي جعل لنا هذا الجمع العظيم، وهذا المشهد الكريم، الذي نفخر فيه ونفرح.

عباد الله: تشرع الصدقة في هذا اليوم، فإن النبي ﷺ، قد أمر النساء، وحثهن، وجعل يرغبهن في الصدقة فجعلن يتصدقن، حتى رمين بأقراط وحلي، ولذلك إذا أعطاك الله، فأعط عباده، و من سره أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره، فليصل رحمه[رواه البخاري5985]. ومن صلة الرحم؛ إعطاء الأرحام، والأقارب.

أيها المسلمون، يا عباد الله: في هذا اليوم، إخراج زكاة الفطر قبل صلاة العيد، ولذلك من وكلَّ في زكاة الفطر فليتأكد.

العبادة بعد رمضان

00:14:53

عباد الله: لا تتركوا العبادة بعد رمضان، ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً، وكما كان الصيام في شعبان كالسنة القبلية لرمضان؛ فإن ستة شوال كالسنة البعدية لرمضان، كما في الصِّلاة، هذا صيام ستة من شوال، لو شئتم أن تبدؤوه من غدٍ، فلا بأس، ولا حرج، متتابعاً، أو متفرقاً، لا بأس، ولا حرج، بعد القضاء، إن كان هناك قضاء، وبنية من الليل؛ ليكتمل الأجر.

رحمكم الله، إذا رجعتم الآن، خالفوا الطريق في عودتكم، حتى يشهد لكم الطريقان عند الله، ولو كان جزئاً من مخالفة الطريق فإن النبي ﷺ لما رجع من صلاة العيد خالف الطريق، ليشهد له الطريقان عند الله، وليذكر الله هنا، وهنا، وليجيب على الناس هنا، وهنا، وليزور إخوانه هنا، وهنا، وليصل أقاربه هنا، وهنا، بل قال العلماء: حتى يغيظ أعداء الله هنا، وهنا، وهكذا يكون المسلم في تطبيق سنة محمدٍ ﷺ.

اللهم بارك لنا فيما آتيتنا، وأنعم علينا يا ربنا، واغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وأخرجنا من ذنبونا كيوم ولدتنا أمهاتنا، اللهم اقض ديوننا، واستر عيوبنا، اللهم ثبت حجتنا، وثقل موازيننا، اللهم اشف مرضانا، وارحم موتانا، اللهم انصر المستضعفين في أرجاء الأرض، يا رب العالمين، كن لهم ولياً، ونصيراً، ومعيناً، يا ربنا، اللهم ثبت أقدامهم، وانصرهم على القوم الكافرين، اللهم فرج عن إخواننا في الشام، وبورما، وسائر الأرض، اللهم إنا نسألك أن تفرغ عليهم صبراً، وأن تثبت أقدامهم، وأن تنصرهم على القوم الكافرين، اللهم أبرئ جريحهم، واشف مريضهم، احمل حافيهم، وآو طريدهم، وشريدهم، وارحم ميتهم، وتقبل شهيدهم، اللهم اطعم جائعهم واكس عاريهم، يا ربنا يا ذا الجلال، والإكرام اغفر لنا، ولآبائنا، وأمهاتنا، وهب لنا من أزواجنا، وذرياتنا قرة أعين، واجعلنا للمتقين إماماً، أصلح بيوتنا، وأصلح علاقاتنا، وألف ذات بيننا، آمنا في الأوطان، والدور، وأصلح الأئمة، وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، واجعل بلدنا هذا آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً، وسائر بلاد المسلمين، احفظ علينا أمننا، وإيماننا يا ربنا وارزقنا من الثمرات، ووسع علينا يا أرحم الراحمين، واختم لنا شهر رمضان بغفرانك، والعتق من نيرانك، إنك أنت الغفور الرحيم.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

1 - رواه النسائي1556
2 - رواه البخاري3931 
3 - رواه الطبراني في الاوسط8464
4 - رواه البخاري5985