الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فضائل الصلاة على النبي ﷺ
فإن الله يقول في كتابه العزيز: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًاسورة الأحزاب56 والمقصود من هذه الآية الكريمة أن الله أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه ﷺ عنده في الملأ الأعلى، بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين، وأن الملائكة تصلي عليه، ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه ليجمع الثناء عليهم من أهل العالمَين العلوي والسفلي جميعاً، كما قال ابن كثير رحمه الله.
صلاة الملائكة عليه الدعاء كما قال العلماء، والمقصود بالصلاة على النبي ﷺ الدعاء له بصيغة مخصوصة والتعظيم لأمره، قال العلماء: الصلاة على النبي من الله رحمته ورضوانه، وثناؤه عليه عند الملائكة، ومن الملائكة الدعاء له والاستغفار، ومن الأمة الدعاء له والاستغفار والتعظيم لأمره.
وفضيلة الصلاة على النبي ﷺ عظيمة، أتاني جبريل فقال: يا محمد أما يرضيك أن ربك يقول: إنه لا يصلي عليك من أمتك أحد صلاةً إلا صليت عليه بها عشراً، ولا يسلم عليك أحد من أمتك تسليمة إلا سلمت عليه عشراً؟ فقلت: بلى، أي ربي[رواه أحمد16363]. حديث صحيح رواه الإمام أحمد وغيره.
قال الصحابي: أصبح رسول الله ﷺ يوماً طيب النفس يرى في وجهه البشر، قالوا: يا رسول الله أصبحت اليوم طيب النفس يرى في وجهك البشر؟ قال: أجل، أتاني آت من ربي فقال: من صلى عليك من أمتك صلاة كتب الله له بها عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، ورد عليه مثلها[رواه أحمد16352]. وهذا الحديث له طرق يرتقي بها.
وجاء في بعض الروايات أن ﷺ سجد شكراً لله تعالى لما أوحي له بذلك، وما من عبد يصلي عليَّ إلا صلت عليه الملائكة ما دام يصلي عليَّ فليقلَّ العبد من ذلك أو يكثر[رواه الطبراني في الأوسط1654]. حديث حسن.
وعن ابن مسعود أن رسول الله ﷺ قال: إن لله تعالى ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام[رواه النسائي1282].
وعن عمار بن ياسر عن النبي ﷺ قال: إن لله تعالى ملك أعطاه سمع العباد فليس من أحد يصلي عليَّ إلا أبلغنيها، وإني سألت ربي أن لا يصلي عليَّ عبد صلاة إلا صلى عليه عشر أمثالها[رواه الطوسي328 في مستخرج الطوسي على الترمذي]. فإذن دعوة من النبي ﷺ من أجلنا نحن استجيبت، فكل من يصلي على النبي ﷺ تبلغ صلاته لنبينا عن طريق ملك مخصوص، وبالإضافة إلى هذا يصلي عليه الله عشر أمثالها، أكثروا الصلاة علي فإن الله وكل بي ملكاً عند قبري فإذا صلى علي رجل من أمتي قال لي ذلك الملك: يا محمد إن فلان ابن فلان بالاسم إن فلان ابن فلان صلى عليك الساعة[رواه الديلمي في الفردوس وصححه الألباني في صحيح الجامع1207]. حديث حسن.
ما من أحد يسلم عليَّ إلا رد الله عليَّ روحي حتى أرد [رواه أبو داود2041]. رواه أبو داود وهو حديث حسن. حيثما كنتم فصلوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني[رواه أبو داود2042]. حديث صحيح.
لقد مات النبي ﷺ وخرج من هذه الدنيا، والمؤمن يريد صلة بنبيه ﷺ مباشرة فجعل الله لنا هذه الوسيلة المباشرة، فنصلي على نبينا ﷺ فيبلغ بالاسم أن فلاناً صلى عليه، ثم يرد علينا السلام أيضاً، وهذه من الاستثناءات في عالم البرزخ الذي الأصل فيه أن الأموات لا يسمعون كلام الأحياء، ولكن هذا الاستثناء في هذه العبادة العظيمة بيننا وبين نبينا ﷺ، أقل القليل في حقه أن نكثر من الصلاة عليه ﷺ، هذه الصلاة التي تتضمن ذكر الله وذكر رسوله واعترافاً بحق هذا الرسول العظيم ومنزلته، واعترافاً بما فعله من المعروف لنا، فإننا نصلي عليه ﷺ صلاة تنبئ عن تصديقنا بما جاء به، واعترافنا بالحق الذي جاء به، وتدفع المؤمن إلى العمل بما جاء به ﷺ، فكيف يصلي عليه وهو يخالف أمر؟ كيف يصلي عليه وهو يعصيه؟ كيف يصلي عليه وهو لا يتبع سنته؟ كيف يصلي عليه وهو لا يهتدي بهديه؟ فهذه الصلاة النبوية تذكر المسلم بأهمية اتباع النبي ﷺ في الصغير والكبير دائماً في الحياة، ومواضعها كثيرة، وآكدها الصلاة على النبي ﷺ في آخر التشهد في الصلاة، تلك الصلاة التي عدها بعض العلماء ركناً، وقال بعضهم: بأنها واجبة، فقال ﷺ: صلوا عليَّ واجتهدوا في الدعاء وقولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
هذه الصلاة التي هي برهان حبنا له، وليس الغلو، والموالد، والشرك الذي يفعله أهل الأهواء والبدع، إنما هي تعبير شرعي وطريق صحيح إلهي نعبر به عن حبنا للنبي ﷺ، فلا بدع، ولا غلو، ولا خرافات، ولا موالد، ولا غير ذلك، وإنما هي أشياء نقولها دائماً يومياً، ليس مرة في السنة، ليس احتفال سنوي، وإنما هو يومي.
المواطن التي يستحب فيها الصلاة على النبي ﷺ
نحن نقوم بواجبنا نحو النبي ﷺ عندما نصلي عليه، هذا جزء من الواجب، وسأله الصحابة: يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ يا رسول الله أمرنا بالصلاة عليك فكيف نصلي عليك؟ فعلمهم، ومن الروايات قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد [رواه البخاري3369]. حديث صحيح.
اللهم يا الله صل على محمد ثناء الله عليه في الملأ الأعلى وعند الملائكة المقربين وعلى آل محمد أتباعه على دينه وقرابته المؤمنون، كما صليت على آل إبراهيمتوسل بفعل الله السابق لتحقيق الفعل اللاحق، فهو صلى على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، فنتوسل إليه بما فعل تعالى لكي يفعل الصلاة والبركة على محمد ﷺ وآل محمد فينزل البركة، والبركة: كثرة الخيرات ودوامها واستمرارها، إنك حميد مجيد حامد ومحمود تحمد عبادك وأولياءك الذين قاموا بأمرك، ويحمدوك على صفات كمالك، وجزيل إنعامك، حميد مجيد، ذو المجد والعظمة، وكمال السلطان.
وكذلك ورد في بعض الأحاديث ما يفيد الصلاة على النبي ﷺ في التشهد الأول أيضاً أحياناً، وفي آخر القنوت كما علم النبي ﷺ الحسن بن علي، قال: علمني رسول الله ﷺ هؤلاء الكلمات في الوتر قال: قل: اللهم اهدني فيمن هديت وبارك لي فيما أعطيت وتولني فيمن توليت وقني شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت، وصلى الله على النبي[رواه النسائي1746]. وهذا إنما هو في قنوت الوتر، وكان الصحابة يطبقون هذا، وفي قنوت صلاة الوتر في رمضان، كما جاء عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاري كانوا يلعنون الكفرة في النصف الثاني من رمضان، "اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك، ولا يؤمنون بوعدك، وخالف بينهم، وألق في قلوبهم الرعب، وألق عليهم رجزك وعذابك إله الحق، ثم يصلي على النبي ﷺ ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير، ثم يستغفر للمؤمنين" فهكذا كان يفعل إمام الصحابة في رمضان عندما يدعو في القنوت في صلاة الوتر في التراويح.
ومن المواطن العظيمة: الصلاة على النبي ﷺ بعد التكبيرة الثانية من صلاة الجنازة، قال سعيد بن المسيب رحمه الله: إن السنة في صلاة الجنازة أن يقرأ بفاتحة الكتاب ويصلي على النبي ﷺ، ثم يخلص الدعاء للميت.
ومن المواطن بعد إجابة المؤذن: فعن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي ﷺيقول: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول ثم صلوا عليَّ فإنه من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة[رواه مسلم384].
ومن المواطن: الصلاة على النبي ﷺ عند الدعاء، وقد قال ﷺ: إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله تعالى يعني: إذا دعا، والثناء عليه، ثم ليصل على النبي ثم ليدع بما شاء[رواه الترمذي3477]. وقد قال ﷺ: كل دعاء محجوب حتى يصليَّ على النبي ﷺ[رواه الطبراني في الأوسط721].
قال ابن القيم رحمه الله: وهذه المواطن التي تقدمت كلها شرعت الصلاة على النبي ﷺفيها أمام الدعاء، فمفتاح الدعاء الصلاة على النبي ﷺ، كما أن مفتاح الصلاة الطهور، وكذلك في الدعاء بالصلاة، فقد روى فضالة بن عبيد قال: سمع رسول الله ﷺ رجلاً يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالى ولم يصل على النبي ﷺ فقال رسول الله ﷺ: عَجَّل هذا، ثم دعاه فقال له أو لغيره: إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه جل وعز والثناء عليه ثم يصلي على النبي ﷺ ثم يدع بعد بما شاء[رواه أبو داود1481]
وكذلك أيضاً: الصلاة على النبي ﷺ عند دخول المسجد وعند الخروج منه، كما ورد في حديث أبي حميد وأبي أسيد قالا: قال رسول الله ﷺ: إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي ﷺ ثم ليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، فإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك[رواه مسلم713].
ومن المواطن: عند اجتماع القوم وقبل تفرقهم لقوله ﷺ: ما اجتمع قوم ثم تفرقوا عن غير ذكر الله وصلاة على النبي ﷺ إلا قاموا عن أنتن جيفة[رواه أبو داود الطيالسي1863]. وقال أيضاً: أيما قوم جلسوا فأطالوا الجلوس ثم تفرقوا قبل أن يذكروا الله تعالى أو يصلوا على نبيه كانت عليهم ترة من الله يعني: حسرة: إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم [رواه الحاكم1826].
ومن المواضع أيضاً: الصلاة على النبي ﷺ حين ذكره إذا ذكر اسمه، إذا سمعت بشأنه، فإنه قد قال: من ذكرت عنده فخطئ الصلاة عليَّ خطئ طريق الجنة[رواه الطبراني في الكبير2887]. حديث صحيح، وهذا يفيد أن ترك الصلاة على النبي ﷺ عند ذكره معصية.
وقال ﷺ: أتاني جبريل فقال: يا محمد من ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين[رواه ابن حبان في صحيحه907].
قال أبو جعفر الطحاوي رحمه الله: تجب الصلاة عليه ﷺ كلما ذكر اسمه، والبخيل من هو البخيل؟ البخيل من ذكرت عنده فلم يصل عليَّ[رواه أحمد1736]. قالها ﷺ في الحديث الصحيح.
وكذلك من المواضع أيضاً: الصلاة على النبي ﷺ في هذا اليوم العظيم وهو يوم الجمعة، وهو أفضل أيام الأسبوع، إن أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة عليَّ، إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، وذلك لما قالوا له: كيف تبلغك الصلاة وقد أرمت، أي: بلي الجسد، فقال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء[رواه أبو داود1047].
وقال ﷺ: أكثروا الصلاة عليَّ يوم الجمعة وليلة الجمعة، فمن صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه عشراً[رواه البيهقي في السنن5994].
وهكذا نعرف إذن بأن أفضلية الصلاة على النبي ﷺ ليست في نهار الجمعة وإنما في الليلة التي قبل اليوم، ليلة الجمعة ويوم الجمعة للصلاة على النبي ﷺ فيهما مزية مخصوصة وأجر وثواب عظيم.
اللهم صل على نبيك وسلم وبارك وزد يا رب العالمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته الطيبين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله: هذه الصلاة على نبينا ﷺ تكون حتى عند الهم والشدائد وطلب المغفرة، فهي سبب لدفع الهموم، وغفران الذنوب، كما جاء في مسند الإمام أحمد، والترمذي، عن أبي بن كعب قال: كان رسول الله ﷺ إذا ذهب ربع الليل قام فقال: يا أيها الناس اذكروا الله، اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه، قال أبي بن كعب: فقلت: يا رسول الله فإني أكثر الصلاة، أي الدعاء فكم أجعل لك من صلاتي؟ وكان لأبي بن كعب ورد ودعاء يدعو به في كل يوم، فكم أجعل لك في صلاتي؟ قال: ما شئت، قلت: الربع؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك، قلت: النصف؟ قال: ما شئت وإن زدت فهو خير لك، قال: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذن تكفى همك ويغفر لك ذنبك [رواه الترمذي2457]قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وفي رواية لأحمد وإسنادها جيد: إذن يكفيك الله تبارك وتعالى ما همك من دنياك وآخرتك[رواه أحمد21242].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وكان لأبي بن كعب دعاءً يدعو به لنفسه فسأل النبي ﷺ هل يجعل له منه ربعه صلاة عليه فقال: إن زدت فهو خير لك، فقال له: النصف؟ فقال: إن زدت فهو خير لك إلى أن قال: أجعل لك صلاتي كلها؟ أي: أجعل دعائي كله صلاة عليك، قال: إذن تكفى همك ويغفر لك ذنبك؛ لأن من صلى على النبي ﷺ صلى الله عليه بها عشراً، ومن صلى الله عليه كفاه همه وغفر له ذنبه.
ومن المواضع: المرور بآيات فيها ذكر النبي ﷺ، وقد قال الإمام أحمد رحمه الله: إذا مر المصلي بآية فيها ذكر النبي ﷺ فإن كان في نفل صلى عليه ﷺ، في صلاة نافلة كقيام ليل إذا قرأ الآية يصلي على النبي ﷺ، وهذا من باب التدبر للقرآن في صلاة النافلة وفي قيام الليل، كما كان ﷺإذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بآية فيها ذكر الجنة سأل، وفيها ذكر النار استعاذ، وهكذا. موضعها في صلاة النافلة وفي قيام الليل.
ومن المواطن: عند قبره ﷺ إذا زاره، قال عبد الله بن دينار: رأيت عبد الله بن عمر يقف على قبر النبي ﷺ وأبي بكر وعمر، وكان إذا قدم من سفر بدأ بقبر النبي ﷺ فيصلي عليه ولا يمس القبر، ثم يسلم على أبي بكر ثم يقول: السلام عليك يا أبت. ففي هذا بيان أن ما يفعله هؤلاء الذين يتمسحون بشبابيك القبر النبوي وبالقفص الحديدي الموجود هناك أنهم ضالون مبتدعون، وهذا نوع من الشرك أن تلتمس البركة من شباك القبر النبوي، ومن الحديد المصنوع المجعول حوله، وربما أخذ بعضهم من الغبار فتمسح به وهكذا يحدث الشرك في هذه الأمة.
ومن المواضع أيضاً: الصلاة على النبي ﷺ عند كتابة اسمه، قال سفيان الثوري رحمه الله: لو لم يكن لصاحب الحديث فائدة إلا الصلاة على رسول الله ﷺ فإنه يصلي عليه ما دام في ذلك الكتاب.
وقال عباس العنبري وعلي بن المديني: ما تركنا الصلاة على النبي ﷺ في كل حديث سمعناه، وربما عجلنا فنبيض الكتاب - أي نجعل مكاناً أبيض فارغاً - في كل حديث حتى نرجع إليه، يعني بعد الحول، العودة من درس الحديث ودرس العلم والشيخ يملي عليهم، وهم يكتبون بسرعة ولم يجدوا وقتاً لكتابة عبارة (ﷺ) يجعلون مكانها فراغاً حتى إذا رجعوا إلى بيوتهم ملئوا الفراغات بكتابة (ﷺ)، (ﷺ) لا يملون ولا يكلون.
وقد جاءت عدد من القصص عن بعض السلف أنه رؤي في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي، فقيل: بأي شيء؟ فقال: بصلاتي في كتبي على النبي ﷺ، فهكذا لا يمل من كتابة ﷺ عندما يكتب الإنسان موضوعاً، سطوراً فيها ذكره ﷺ، ومن هنا نعلم أن كتابة (ص) بين قوسين، أو (ص. ل. ع. م) اختصار، أن هذا قلة أدب مع النبي ﷺ، ولعمري ماذا يريد صاحبه، ماذا يريد صاحب هذا الاختصار؟ أن يختصر الأجر، أن يذهب عليه الأجر؟
وكذلك فإن من مواضع الصلاة على النبي ﷺ: بين تكبيرات صلاة العيد وهذا لا يعلمه كثير من الناس، قال عبد الله بن مسعود في الحديث الصحيح الذي جاء عنه معلماً: تبدأ فتكبر تكبيرة لفتح الصلاة، صلاة العيد، وتحمد ربك وتصلي على محمد ﷺ ثم تدعو وتفعل مثل ذلك ثم تكبر، وتفعل مثل ذلك، وهكذا، بين كل تكبيرتي من تكبيرات صلاة العيد حمد لله وصلاة على النبي ﷺ ودعاء.
ومن المواضع أيضاً: الصلاة على النبي ﷺ فوق الصفا، كما جاء عن عمر بن الخطاب بإسناد صحيح: إذا قدمتم فطوفوا بالبيت سبعة، وصلوا عند المقام ركعتين، ثم ائتوا الصفا فقوموا عليه من حيث ترون البيت فكبروا سبع تكبيرات بين كل تكبيرتين حمد الله وثناء عليه وصلاة على النبي ﷺ ومسألة لنفسك، وعلى المروة مثل ذلك، فإذن بين التكبيرات فوق الصفا والمروة بين التكبيرات هكذا يفعل.
ومن نسي الصلاة على النبي ﷺ فقد خسر، وباء بالذلة والهوان، فقال ﷺ: رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة[رواه الترمذي3545] أي: لأنه لم يبرهما.
ولا ننسى أيضاً: في ذكر هذا الموضوع الصلاة على بقية الأنبياء والمرسلين، إذا قلنا: موسى، نقول: ﷺ، يوسف ﷺ، نوح ﷺ، وهكذا.
حكم الصلاة على غير الأنبياء
فإن قال قائل: فهل يصلى على غير الأنبياء؟
إن كان على سبيل التبعية مثل: اللهم صل على محمد وآله وأزواجه وذريته، فهذا جائز بالإجماع، وإنما وقع النزاع فيما إذا أفرد غير الأنبياء، هل يجوز أن يقال: فلان الفلاني من العلماء أو غيرهم من الصالحين هل يجوز أن يقال: ﷺ؟
قال ابن كثير في تفسيره، قال الجمهور من العلماء: لا يجوز إفراد غير الأنبياء بالصلاة لأن هذا قد صار شعاراً للأنبياء إذا ذكروا فلا يلحق بهم غيرهم.
فلا يقال: قال أبو بكر صلى الله عليه، أو قال علي صلى الله عليه، وإن كان المعنى صحيحاً، صلى الله عليه دعاء، وإن كان صحيحاً لكن لأنها اختصت بالأنبياء فلا يقال لغيرهم حتى لا توهم العبارة المساواة، أو الغلو في هذا الشخص، وضرب مثلاً فقال: كما لا يقال: قال محمد ، وإن كان عزيزاً جليلاً، من جهة المعنى صحيحة، لكن لأن هذا من شعار ذكر الله لم يعد من الصحيح أن يقال: محمد عز وجل، مع أنه عزيز جليل.
عباد الله: إن هذه عبادة عظيمة يغفل عنها المسلم، ويفوت عليه أجر عظيم، فلابد أن نذكر أنفسنا وأبناءنا وأصحابنا بهذه العبادة، وأن ننشرها، ونحرص عليها، وأن نعلمها إن في ذلك لخير عظيم.
أحوال إخواننا في فلسطين
ونحن في هذه الأيام لا بد أن نذكر ما يحل بإخواننا المسلمين، وفي فلسطين على وجه الخصوص من الحصار والحضر، والمعاناة، والمجاعة، هذه الكارثة التي يتعرض لها اليوم ثلاث ملايين وأربعمائة ألف في فلسطين التي انتشرت البطالة فيها بينهم إلى نحو 63%، والتي يعانون منها لا يستطيعون الخروج من البيوت، محصورون في البيوت، فكيف يشترون أغراضهم، ومن أين يكسبون قوتهم. ولذلك لما قام بعض هؤلاء من الأمم المتحدة بتوزيع أكياس طحين بعضها فاسد قال لهم بعض أصحاب الدكاكين: نحن لا نريد أكياس طحين، نحن نريد زبائن لكي نعيش، ويوجد مليون ونصف المليون يعيشون على الصدقات، نفذت أموال الفلسطينيين في الضفة والقطاع، وهم غير قادرين على العمل لكسب قوتهم، ويعتمدون بشكل متزايد على الصدقات، ويبيعون مقتنياتهم الشخصية، ويستدينون، ويفعلون أي شيء لأجل البقاء، ولذلك فلا بد من مد يد العون لهم، وسوف نخصص إن شاء الله صدقاتنا في هذا اليوم في صناديق الصدقات في آخر هذا المسجد لأجل إخواننا.
نسأل الله أن يفرج عنهم، وأن يزيل كربتهم، وأن ينفس هذا الهم عنهم، وعن سائر المسلمين، اللهم العن الكفرة الذين يكذبون رسلك، ويصدون عن سبيلك، واجعل عليهم رجزك وعذابك، اللهم قاتل اليهود والصليبيين وسائر المشركين، اللهم اجعل بأسهم بينهم واجعل تدبيرهم تدميراً عليهم، اللهم إنهم يخططون لبلاد المسلمين الشر فامكر بهم يا رب العالمين، اللهم امكر بهم، اللهم اجعل بأسهم بينهم وزلزلهم وائتهم من حيث لا يحتسبون، اللهم خالف بين كلمتهم، وألق في قلوبهم الرعب، اللهم اجعلها عليهم عذاباً ونكالاً وصب عليهم سوط عذاب، وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم اجعلنا في بلادنا آمنين مطمئنين، ومن أراد بلدنا هذا بسوء فاجعل كيده في نحره، اللهم اجعل تدبيره تدميراً عليه، اللهم إنا نسألك أن تنشر علينا الأمن والإيمان، يا رحيم يا رحمان.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.