الخميس 28 ربيع الآخر 1446 هـ :: 31 أكتوبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

البكاء من خشية الله


عناصر المادة
الخطبة الأولى
الانشغال عن التدبر باليوم الآخر
حال العبد الواقف يوم القيامة
آثار عدم التفكر في اليوم الآخر
الخطبة الثانية
الاغترار بالدنيا
الثواب العظيم في عمل الخير

الخطبة الأولى

00:00:07

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران102.يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا سورة النساء1يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًاسورة الأحزاب 70-71.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

الانشغال عن التدبر باليوم الآخر

00:01:28

أيها المسلمون: لقد أخبرنا الله في كتابه، وعلى لسان نبيه محمد ﷺ أموراً كثيرة متعلقة باليوم الآخر، وذكر لنا من التفاصيل التي تقشعر منها قلوب الذين يخشون ربهم، ثم تلين قلوبهم وجلودهم إلى ذكر الله، ذكر لنا عبراً وعظات، وأخبرنا عن أمور من الأحوال والمقامات التي تكون في اليوم الآخر، وإن التفكر في اليوم الآخر من الأمور التي غابت عن أذهان كثير من المسلمين، وإلا والله لو عقلوا ما في ذلك اليوم وما يمر عليهم فيه من الشدائد والكربات لتغيرت أحوالهم، ولامتنعوا عن مقاربة كثير من الذنوب والمنكرات التي يفعلونها في حياتهم هذه.

أيها المسلمون: لقد جاءت النصوص في الكتاب والسنة عن مسألة الاحتضار، ونزع الروح وسحبها، وما يحصل بعد ذلك في القبر إلى قيام الساعة، وعن نفخة الصعق، ونفخة البعث، وما يكون في أرض المحشر من الحساب والجزاء، والأهوال في تلك العرصات، وما يحدث في مقام الشفاعة العظيمة، ومن الذي يكون من أهلها، ثم تطاير الصحف، وغير ذلك من الأمور إلى سحب أهل النار إليها، ثم يقاد أهل الجنة إلى الجنة، موفورون مكرمون لا ينقص منهم شيء.

أيها المسلمون: إن في هذه الأشياء من العبر والعظات ما غاب عن أذهاننا نتيجة ملابستنا لهذا الطين الأرضي، وهذا الوحل الدنيوي، ونتيجة الغرق في الشهوات، ومتاع الدنيا، لقد انشغلنا بالأموال والمناصب وجمع هذا الحطام الفاني، ولقد أشغلتنا أموالنا وأهلونا، وهذه العلاقات التي قامت بين الناس في مجالس لا تذكر بالله ولا باليوم الآخر، شغلنا ذلك كله عن التدبر، لما يحدث في ذلك اليوم، فليت شعري كيف يستيقظ المسلمون من هذا السبات، وكيف نستطيع جميعاً أيها الإخوة أن نحقق الغرض من ذكر هذه الأمور في القرآن والسنة، إن المتمعن في أحاديث الاحتضار وما يحدث فيها ليعلم علماً يقينياً أن المسلم يجب عليه أن يستعد لتلك الحال، فأنت إذا علمت أيها المسلم أن الملائكة تحضر الإنسان بحسب حاله فإن كان من أهل الجنة والنعيم حضرته ملائكة الرحمة، وإن كان من أهل الكفر والنفاق والفجور حضرته ملائكة العذاب، وحين تعلم نوع سحب الروح في كلٍ من الحالتين فإنك لابد أن تستعد، فأما المؤمن إذا سحبت منه روحه فإنه يكون راضياً غاية الرضا وتمام الرضا، مسروراً غاية السرور، تخرج روحه كما تسيل القطرة من في السقاء، هل رأيت كيف تتدحرج القطرة على جانب الكأس، كذلك يكون سحب روح المؤمن، ثم يكرم بأن تتلقفه تلك الملائكة الكرام، فيضعون في روحه في ذلك الكفن من الجنة، وذلك الحنوط من الجنة، ويعرج به من سماء إلى سماء، كل أهل سماء يدعون الله أن يعرج من قبلهم، وينادى بأحب أسمائه، لا شك أن النفس تتطلع لأن تكون على تلك الحال وتلك المنزلة، ولذلك يقول الله إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ سورة فصلت30، هذا حالهم من التطمين وما ينزل عليهم من السكينة عند نزع أرواحهم بخلاف الكفار والفجار الذين تسحب أرواحهم سحباً، هل رأيت سيخ الشواء المستعمل قبل أن يغسل وينظف، لو أنك لففت عليه لفافة من القطن أو الصوف ثم سحبته من هذه اللفافة الملفوفة عليه، وفيه بقايا الشواء، كيف تنزع بقايا الشواء في السيخ، كيف تنزع أجزاء هذا القطن والصوف، كذلك تنزع روح الكافر والمنافق، فلا شك أن هذا الشعور يوجب عند المسلم استعداداً وتجنباً لمثل ذلك المصير، ومثل تلك الحالة، ثم إذا علمت أيها المسلم ما يحدث في القبر من الفتنة ومن السؤال كما قال ﷺ: فبي تفتنون وعني تسألون[رواه أحمد25089]، عن رسولنا محمد ﷺ، فأما المؤمن فيقول: هو عبد الله ورسوله، وأما الكافر والمنافق فيقول: لا أدري، فيقال: لا دريت ولا تليت[رواه أحمد12271]، لا كنت عالماً دارياً، ولا كنت تالياً، فعند ذلك تأتي أنواع العذاب عليه، بما سنبينه إن شاء الله في خطبة قادمة عن هذا المطلع العظيم، وهذا الموقف الكبير في حياة البرزخ، فإن هذا يوجب عندك أيها المسلم شعوراً ولا شك بالتزام سنته ﷺ، ودافعاً في التأسي بأوامره ومحبته، والبحث عن طريقته، والسير عليها، واجتناب البدعة، واجتناب الجهل بالسنة، واجتناب معصيته ﷺ؛ لأنك ستسأل عنه يوم القيامة، ولا يظن إنسان أنه إذا كان يعرف الجواب في الدنيا أنه سيوفق لقوله في القبر؛ لأن الله يضلهم ويزيغهم أهل الكفر والنفاق، ولذلك يقولون: لا ندري، سمعنا الناس يقولون شيئاً فنحن نقوله، لا ندري، مع أنهم كانوا يدرون في الدنيا، وأنت إذا تأملت أيها المسلم ما يكون في بعث العباد من قبورهم حفاة عراة لا يملكون شيئاً، ولا يلوون على شيء لأوجب ذلك لكل إنسان له مال أن يتطلع إلى ذلك اليوم فيعلم أن حياته زائلة، وأن ماله نافد، ولا يبقى إلا ما عند الله، فيوجب هذا الشعور له مزيداً من الترقب للأعمال الصالحة والقيام بها، حتى إذا قام من قبره وجد شيئاً يستره في ذلك الموقف العظيم، وأنت إذا تأملت مثلاً تطاير الصحف يوم القيامة، فآخذ صحيفته بيمينه، وآخذ صحيفته بشماله، فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ۝ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ۝ وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًاسورة الانشقاق7-9 وأما من أوتي كتابه بشماله وأوتي كتابه وراء ظهره فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا ۝ وَيَصْلَى سَعِيرًا سورة الانشقاق11-12، ويقال له: خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ۝ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ۝ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا طولها سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُسورة الحاقة30-31.

أيها المسلمون: كم مرة تفكرنا في عاقبة تلك المصائر، وكم مرة طافت بأذهاننا الآيات والأحاديث التي تتكلم عن هول المطلع في ذلك اليوم، كم مرة تذكرنا دنو الشمس من الخلائق، كم مرة تذكرنا مقدار الحر العظيم الذي يغرق بعض الناس في عرقهم بسببه في ذلك اليوم.

أيها المسلمون: إننا والله بأشد الحاجة لتذكر تلكم المواقف، عندما تتذكر أن شفاعة النبي ﷺ هي التي تنقذ أهل الموقف من أهوال ذلك الموقف تتذكر أنك لا بد أن تعمل لتكون من أصحاب تلك الشفاعة، وليس كل الناس ينالون تلك الشفاعة، وتشعر بمعنى خاص وذوق وطعم للكلمات التي تقولها عقيب الأذان، اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمد الوسيلة، آته الوسيلة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته، ذلك المقام عند العرش، يوم يأذن له الرحمن بالشفاعة، فتشعر أنك لابد أن تعمل لتكون من أهل تلك الشفاعة؛ لأن أناساً يحرمون من تلك الشفاعة، ويذادون عن الحوض يحرمون وهم عطاشى بأشد الحاجة إلى الشرب، لكنهم لا يجدون شيئاً يشربونه، وهذا الحوض أمامهم، فيه كيزان بعدد نجوم السماء، ولكن هيهات من الذي يطاله ومن الذي يقترب منه، فهل فكرت يا عبد الله في تلك الحالة ماذا يجب عليك أن تفعل لترزق الشفاعة وتشملها في ذلك الموقف العظيم؟

واعجباً لتراك الصلاة، واعجباً لتراك الصلاة الذين لم يردعهم حتى حديثه ﷺ: أن النار لا تأكل من الناس فيها من أهل الصلاة، لا تأكل مواضع السجود. ولو عذبوا بالكبائر والذنوب التي اقترفوها فإن مواضع السجود لا تحرق منهم، أين تراك الصلاة الذين إذا علموا هذه الميزة على الأقل لكان في ذلك دافعاً لهم على الأقل للمحافظة على الصلاة، وأين الذين يحكمون بغير ما أنزل الله ويضلون الناس بغير علم عندما يلعنون من الأولين والآخرين، ويتبرأ المتبوعون من الأتباع، ويلعن الأتباع المتبوعين، ويلعنون جميعاً فيجعلون في جهنم، أين رؤوس الضلالة في ذلك الوقت، أين الكفار الذين يزعمون التمكن في الأرض والهيمنة والسيطرة في ذلك اليوم من خزي يومئذ، أين طائراتهم وأسلحتهم وسفنهم الفضائية يوم يقال لهم يوم القيامة: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ سورة الرحمن33، وهذه الآية في أرض المحشر يوم تحوط الملائكة العباد، فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍسورة الرحمن33 لكن أين السلطان؟ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِسورة غافر16، فلا مخترعات ولا وسائل تقنية، ولا أدوات متقدمة تنقذ الناس في ذلك المكان، وإنما ليس له إلا العمل الذي عمله، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا النار، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا النار، وينظر تلقاء وجهه فلا يرى إلا النار، فيا أيها المتصدقون بالقلة القليلة من المال تذكروا أنه قد ينفعكم في يوم يقول ﷺ: فاتقوا النار ولو بشق تمرة[رواه مسلم1016].

حال العبد الواقف يوم القيامة

00:14:18

أيها المسلمون: ما هي حال العبد الواقف في ذلك الموقف؟ ملائكة الله نازلة تحيط بأهل الموقف، والرحمن يأتي للفصل بين العباد، يفصل كرسيه للفصل بين الخلائق. فأين الظلمة الذين غصبوا الأراضي؟ أين الظلمة الذين أكلوا أموال الأيتام؟ أين الظلمة الذين أكلوا حقوق العمال والموظفين؟ وأين العمال الذين اختلسوا من دكاكين أرباب العمل، أين الناس في أقسام المحاسبة الذين زوروا وعملوا؟ من ذلك الموقف الذي يحاسبون فيه حساباً شديداً على أعمالهم، يطوق الظالم الذي سلب شبراً من أرض بطوق من سبع أرضين يوم القيامة، فتأمل هذا الشبر الذي غصبه، ومنار الأرض الذي أزاحه ليأكل من أرض جاره، وعرض السور الذي أكله من أرض جاره فجعله في بيته، تأمل عندما يضاعف هذا الشبر إلى سبع أرضين من تحت كل هذا العمق والكثافة تحوط عنقه يوم القيامة كيف يكون حالهم، ماذا يكون حال الذين يحبون الكفار ويتمنون لقاءهم؟ ويتمنون القرب منهم، والإقامة معهم، والاستهداء بهديهم، ماذا يكون حالهم إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ سورة البقرة166. هؤلاء الذين امتلأت قلوبهم من محبة اليهود والنصارى وغيرهم، هؤلاء ماذا يكون حالهم يوم القيامة، ألم يقل الله وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِسورة البقرة165 أين هم يوم القيامة من حديثه ﷺ: المرء مع من أحب[رواه البخاري6170]، فيحشر مع من أحب، مع الصالحين إن كان يحب الصالحين، ومع أهل الكفر والزندقة والفجور والنفاق إن كان يغشى مجالسهم ويحب أعمالهم، ويعظم شأنهم، والله إنا لنراهم أحقر من الجعلان، وإنا لنعلم أنهم مهما تمكنوا في الأرض فإن الله سيذلهم يوم القيامة، وماذا ينفع عز الدنيا، عز ساعة أو سنة أو سنين، ماذا ينفع عند الله يوم القيامة بذل يوم مقداره خمسين ألف سنة؟ يرفع للغادر لواء يوم القيامة عند استه يقال: هذه غدرة فلان بن فلان[بمعناه عند مسلم1738]، فماذا ينفع؟

ماذا ينفع التسلط والجبروت في الدنيا إذا كان الله سيحشرهم يوم القيامة أمثال الذر يطأهم الرجال بأقدامهم نتيجة التكبر الذي كانوا عليه في الدنيا.

آثار عدم التفكر في اليوم الآخر

00:17:33

أيها المسلمون: إن عدم تفكرنا بأهوال اليوم الآخر، أوقعنا في كثير من المعاصي والآثام، وصرفنا عن كثير من الطاعات والأعمال، فيا عباد الله استيقظوا، ويا أمة الإسلام أعدوا، فوالله إن الذي نقدم عليه يوم يجعل الولدان شيباً، يشيب شعر الرأس فعلاً من هول ذلك اليوم، فاتقوا إن كفرتم يوماً يجعل الولدان شيباً، السماء منفطر به، هل يقوى العباد على سماع صوت قعقعة السماء، وهي تنفطر وتنشق، ويرون الكواكب والنجوم وهي تتضارب فوق رؤوسهم، ويرون الشمس تدنو فوقهم، من الذي يتحمل ذلك الموقف، والله لو أننا تفكرنا في نعيم أهل الجنة وعذاب أهل النار ما ظلم صاحب عمل الموظفين والعمال الذين تحته، ولو تفكرنا في حال ذلك اليوم لما أقدم إنسان على اختلاس، أو ظلم لصاحب العمل الذي يعمل لديه، وهذه الأشياء تحدث يومياً، وسائل مكاتب رفع المظالم عن عدد المعاملات المرفوعة تشكو إلى الله ظلم الظالمين، فأين حال الظالم يوم القيامة من دعوة ترفع عليه في الدنيا كالشرارة تصعد إلى الله ليس بينها وبين الله حجاب، الذين يتبعون الشهوات، ويسافرون في المحرمات، ويقترفون الموبقات، عندما يعلمون أنهم يعذبون في حياة البرزخ ما بين الدنيا والآخرة قبل أن يعذبوا يوم القيامة، فهل يشتري لذة ساعة بعذاب في قبره إلى قيام الساعة؟ فليتأمل العاقل كيف يكون الحال، ولينظر في نفسه فيفكر ماذا سيقدم عليه من المآل.

اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا أن تجعلنا من الذين يخشونك في السر والعلانية، ومن الذين يعظمونك، ويوقرونك يا رب العالمين، الذين إذا أرادوا أن ينتهكوا حرماتك، وقفوا وتذكروا مطلع ذلك اليوم العظيم فارتدعوا.

اللهم تب علينا وأصلح شأننا، وارحمنا إنك أنت أرحم الراحمين.

 أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:20:30

الحمد لله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، وهو بكل شيء عليم، لا إله إلا هو وحده ، مالك الملك يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، وصلى الله وسلم على نبينا محمد علمنا فأحسن تعليمنا، ونصحنا فأدى النصيحة حق الأداء، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه إلى يوم الدين.

الاغترار بالدنيا

00:21:07

أيها المسلمون: إن الحال التي نجدها اليوم في الناس من فعل المعاصي، والظلم، واقتراف الموبقات، والابتعاد عن منهج الله لتشعرنا أن بعض الناس فعلاً ولو كانت أسماؤهم محمد، وأحمد، وعبد الله، وعبد الرحمن من الذين يقولون: إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر، إن أفعالهم لتنبئ أنهم لا يؤمنون باليوم الآخر، ولو كانوا يؤمنون باليوم الآخر لاختلفت تصرفاتهم وأعمالهم، وإن هذه الأعمال لتدلك على ما في القلب، فإن الأعمال دليل وكشاف على ما وقر في القلب، فإذا كانت هذه المعاصي تفعل بأنواعها فماذا يكون حال القلب الذي في ذلك الجسد العاصي؟

الثواب العظيم في عمل الخير

00:22:09

أيها المسلمون: إن العامل للخير عندما يسمع الآيات والأحاديث التي فيها ذكر الثواب العظيم الذي يناله أهل الخير، عندما يأتي كافل اليتيم يوم القيامة هو ورسول الله كهاتين، وعندما يأتي الذين قد أدوا الأمانات يعرف لهم معروفهم يوم القيامة، وعندما يأتي الشهداء في سبيل الله كلومهم تنضح بالدم، اللون لون الدم والريح ريح المسك، كل الناس أعمالهم تنقطع إلا الشهداء فإن أعمالهم تجرى عليهم في قبورهم إلى يوم يبعثون، وتنمى لهم في قبورهم إلى يوم يبعثون، عندما يتذكر الذي يعين الناس في الدنيا أن الله يعينه يوم القيامة، عندما يتذكر الذي يسعى مع أخيه المسلم في حاجة حتى تقضى له، وما أكثر الحاجات للناس، وما أكثر المعرضين عن قضاء الحاجات، فإن الناس اليوم لا يقضي بعضهم لبعض حاجة إلا لمصلحة، ولسان حاله يقول: أقض حاجتك لتقضي حاجتي، وأعمل لك لتعمل لي، ولذلك لو قلت لأحدهم: إنني أحتاج إلى كذا، يقول: وكم تدفع؟ يقول: ليس هناك شيء مجاناً، كم تدفع؟ عندما يتفطن هؤلاء لحديثه ﷺ: من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة[رواه مسلم2699]، يوم الكربات لفعل للناس أشياء كثيرة، و من مشى في حاجة أخيه المسلم حتى يثبتها له، وليس مخادعة يظهر له أنه يعمل ولا يعمل له وإنما لدفع الإحراج كما يقولون، من مشى في حاجة أخيه المسلم حتى يثبتها له ثبَّت الله قدمه على الصراط يوم تزل الأقدام[رواه الطبراني في الصغير861]لأقدم الناس على قضاء حوائج إخوانهم، وعلى تقديم المعروف بلا حساب، لكن لما غابت مشاهد اليوم الآخر، وغابت الثواب عن حس المؤمن المذكور عما سيكون في اليوم الآخر صار الناس قد تقطعت بهم الأسباب، لا يقضي بعضهم لبعض حاجة إلا بمعروف دنيوي ومقابل في الدنيا، نسوا ماذا يكون يوم القيامة، فبالتالي أعرضوا عن هذه الأعمال الكثيرة الصالحة، التي يحتاجونها، والإنسان لا بد أن يدخر عملاً ربما يكون هو سبب نجاته يوم القيامة، ألم يأتك نبأ الرجل الذي كان يمشي في الطريق فشاهد غصن شجرة فقال: هذا يؤذي المسلمين لأرفعنه من الطريق، فرفعه وأخره، فشكر الله له فغفر له، بسبب غصن عن الطريق أزاحه، فلماذا نحتقر أعمال المعروف، ولماذا نؤجل ونقول: سنقوم بعد سنوات بفريضة الحج لمسح ما عملناه من الذنوب والمعاصي، مع أننا نحتاج يومياً على كل سلامى من أحدكم صدقة[رواه مسلم720]، في الإنسان أكثر من ثلاثمائة وستين مفصل، على كل مفصل حسنة يجب أن يقوم بها حقاً لله تجاه نعمة المفاصل، ثلاثمائة وستين حسنة في كل يوم، ما قال: أجل ثم حج، وقد لا تتمكن من الحج، كل يوم تطلع فيه الشمس ثلاثمائة وستين حسنة، فمن الذي يفعل ذلك، ويجزئ عن ذلك ركعتان يركعهما من الضحى[رواه مسلم720]، فلو صلى الضحى ركعتين لكان قد قام بحق هذه المفاصل، ولعمل وكل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة وتعين الرجل، وتصلح بين الاثنين، وتحمل لهذا متاعه، وهكذا من إرشاد الضال، وقيادة الأعمى كله من أعمال المعروف، وأعمال المعروف تقي مصارع السوء، وصنائع المعروف في الدنيا تقي مصارع السوء يوم القيامة.

وعندما يتأمل الفقير الذي حرم من الأموال والنعم في الدنيا نعيم الجنة وما فيها مما قصه الله علينا في كتابه وما أخبرنا به رسوله ﷺ لهان عليه هذا الحرمان، فإن بعض الفقراء إذا رأى بعض الأغنياء تألم وقال: فاتني، يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُسورة القصص79، فاتني، لكن ما فاتك يا أيها المسلم، فإن فقراء أمة محمد ﷺ يدخلون قبل أغنيائها بخمسمائة عام، وإن أهل الشبع في الدنيا أشد الناس جوعاً يوم القيامة، فلا تحزن إذا ما جعت وأنت ترى موائد المترفين ترمى المأكولات عنها يومياً بالأكوام الهائلة في براميل القمامة، ولا تحزن إذا لم تستطع أن تعمل فرحاً، أو وليمة في صالة، كذا وكذا مقدار إيجارها؛ لأن هذا كله من النعيم الزائل، ولا تحزن إذا مررت بقصر مشيد فقلت: إن بيتي حجرات قليلة وضيقة إذا جاءني الضيوف اضطررت لأن ألم عفش المكان لأستقبلهم، وهكذا أفعل، فإن السعة الحقيقية في القبر يوم يوسع للمؤمن في قبره سبعون في سبعين كما ورد في الحديث الصحيح سبعون في سبعين[رواه الترمذي1071]، وينور له قبره ويملأ خضراً إلى يوم يبعثون، فكذلك الحياة في الدنيا، فكذلك الحياة في الجنة، يوم يتراءى أهل الجنة أهل الغرف فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في السماء، فكم طول وعرض الخيمة الواحدة من خيام أهل الجنة المرصعة بالدر، والجواهر، والياقوت، وأنواع النعيم، كم طولها، وكم عرضها؟ أليس في جانب منها أهل لا يرون الناس الأهلين في الجانب الآخر وكلها لرجل واحد، إذن فما بال الحزن على ما فاتك من النعيم الذي لم يقدره الله لك في الدنيا، ولو تأملنا وتأملنا لرأينا عجباً، ولزالت كثير من الغشوات عن الأعين، ولأصبح حطام الدنيا في أعيننا نسياً منسياً، ولعلمنا أن مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍسورة النحل96، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور، وأن هذه الحياة الدنيا فانية وكُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ۝ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِسورة الرحمن26-27، ولو تأملنا لهانت علينا المصائب، وكل الأكدار والأحزان؛ لأننا نعلم أننا سنقدم على يوم إذا دخلنا فيه الجنة فلا هم، ولا غم، ولا حزن، ولا أكدار حتى البول والمخاط لا يوجد، رشح أهل الجنة عندما يأكلون المسك، يلهمون التسبيح كما يلهمون النفس، كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ۝ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ۝ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّسورة الذاريات17-19، ولو قليل، ولو كانت أموالهم قليلة لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِسورة الذاريات19.

اللهم اجعلنا ممن يخافك ويتقيك، اللهم ارزقنا الجنة، اللهم اجعلنا ممن يدخلونها بغير حساب، اللهم قنا عذاب القبر وفتنة القبر، اللهم اجعلنا ممن تثبت أقدامهم على الصراط، اللهم اجعلنا ممن يرد الحوض فيشربون شربة لا يظمئون بعدها أبداً، وارزقنا شفاعة نبيك، وارزقنا شفاعة نبيك، وارزقنا شفاعة نبيك يا رب العالمين.

اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم انصرنا عليهم نصراً مؤزراً، اللهم عجل نصر المجاهدين يا رب العالمين، اللهم عجل فرجنا، لقد ضاقت بنا الأحوال والسبل وتكالب علينا الأعداء من يمين وشمال، وأنت أرحم الراحمين لا تترك عبادك، اللهم عجل نصرنا، اللهم عجل فرجنا، اللهم قرب يوماً يفرح فيه المؤمنون بنصر الله، ويدخل الناس فيه في دين الله أفواجاً.

اللهم ارزقنا حبك وحب نبيك، اللهم ارزقنا حبك وحب نبيك، واجعل حبك أحب إلينا من الماء البارد على الظمأ، اللهم اغسلنا من خطايانا بالماء والثلج والبرد، اللهم اغسلنا من ذنوبنا وأخرجنا منها كيوم ولدتنا أمهاتنا، اللهم إنا نسألك أن تكون معنا يا رب العالمين.

1 - رواه أحمد25089
2 - رواه أحمد12271
3 - رواه مسلم1016
4 - رواه البخاري6170
5 - بمعناه عند مسلم1738
6 - رواه مسلم2699
7 - رواه الطبراني في الصغير861
8 - رواه مسلم720
9 - رواه مسلم720
10 - رواه الترمذي1071