الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أهوال يوم القيامة
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ سورة الحج1، يقول تعالى آمراً عباده بتقواه ومخبراً لهم بما يستقبلون من أهوال يوم القيامة وزلازلها وأحوالها، قيل: الزلزلة في آخر الدنيا عند قيام الساعة، وقيل: بعد قيام الناس من قبورهم يوم نشورهم إلى عرصات القيامة، هذه الزلزلة التي تذهل المراضع، وتضع الحوامل، ويشيب الولدان، وتطير الشياطين هاربة حتى تأتي أقطار الأرض فتتلقاها الملائكة، هذا الهول والفزع والزلزال الكائن يوم القيامة، قيل: بعد الخروج من القبور كما روى الإمام أحمد وغيره عن عمران بن حصين: أن رسول الله ﷺ قال وهو في بعض أسفاره، وقد تقارب من أصحاب السير ورفع بهاتين الآيتين صوته: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ سورة الحج1-2، فلما سمع أصحابه بذلك حثوا المطي وعرفوا أنه عند قول يقوله، فلما دنوا حوله قال: أتدرون أي يوم ذلك؟ ذاك يوم ينادى آدم فيناديه ربه فيقول: يا آدم ابعث بعثك إلى النار، فيقول: يا رب وما بعث النار؟ فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون في النار وواحد في الجنة، فإذن تسعمائة وتسعة وتسعون في النار وواحد في الجنة، فأبلس الصحابة ، فلما رأى ذلك قال: أبشروا واعملوا، فوالذي نفس محمد بيده إنكم لما ما كانتا مع شيء قط إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج[رواه الترمذي3169]، وهذا الخبر من النبي ﷺ يبين أن الزلزلة ستكون في ذلك اليوم العظيم وتكون مما يشيب له الولدان في ذلك الخبر المفزع، من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون، إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌسورة الحج1 أي: أمر عظيم، وخطب جليل، وطارق مفضع، وحادث هائل، وكائن عجيب، والزلزال أيضاً هو ما يحصل للنفوس من الرعب والفزع، كما قال تعالى: هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًاسورة الأحزاب11، وجاء في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ: يقول الله تعالى: يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك والخير في يديك، فيقول: أخرج بعث النار، قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون، فذاك حين يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد[رواه البخاري3348].
وقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ سورة الحج1 أي: اخشوه في أوامره أن تتركوها، وفي نواهيه أن تقدموا عليها، والاتقاء هو الاحتراس من المكروه، والمعنى: احترسوا بطاعته عن عقوبته.
وقال ، وقال سبحانه: إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا سورة الزلزلة1 أي: حركت من أصلها، كما جاء ذلك عن ابن عباس ، وكان يقول: في النفخة الأولى يزلزلها، وقاله مجاهد، وذلك لقوله تعالى:يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُسورة النازعات6-7، ثم تزلزل زلزلة ثانية، فتخرج موتاها وهي الأثقال.
وقوله تعالى: وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَاسورة الزلزلة2 يعني: وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ سورة الإنشقاق4 ، ألقت ما فيها من الموتى، وقال النبي ﷺ: تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة، فيجيء القاتل فيقول: في هذا قتلت، ويجيء القاطع فيقول: في هذا قطعت رحمي، ويجيء السارق فيقول: في هذا قطعت يدي، ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئاً[روا مسلم1013].
وقوله : وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا سورة الزلزلة3 أي: يستنكر ويستغرب في ذلك الوقت من حال الأرض بعد أن كانت قارة ثابتة وهو مستقر على ظهرها فتقلبت الحال فصارت متحركة مضطربة قد جاءها من أمر الله ما زلزلها، ولا محيد لها عن ذلك، يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَاسورة الزلزلة4-5، قال ﷺ: أتدرون ما أخبارها؟قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها، أن تقول: عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا، فهذه أخبارها.[رواه الترمذي2429]
فهذه الأرض أمنا، وستخبر بما عملنا عليها، وتزلزل وتضطرب، وقد قال الله تعالى: إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّاسورة الواقعة4 أي: زلزلت زلزالاً شديداً، ترج بما فيها كرج الغربال بما فيه كما قال المفسرون. فينكسر كل شيء عليها من الجبال وغيرها، هذه الرجة حركة شديدة لها صوت، وقد جاء عن النبي ﷺ أن كثرة الزلازل من أشراط الساعة، كما قال ﷺ: لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج وهو القتل[رواه البخاري1036]رواه البخاري، وقوله: تكثر الزلازل، قال الحافظ رحمه الله: المراد بكثرتها شمولها ودوامها، وقد عنون عليه البخاري رحمه الله: باب ما قيل في الزلازل والآيات، أي: لما كان هبوب الريح الشديدة يوجب التخوف الذي يدفع الناس إلى الخشوع والإنابة، كانت الزلزلة ونحوها من الآيات أولى بذلك، أي: أن يرجع الناس فيه إلى الله ، وقال ﷺ للحوالي: يا ابن حوالة إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام، والساعة يومئذ أقرب من الناس من يدي هذه إلى رأسك[رواه أبو داود2483]رواه الإمام أحمد وأبو داود رحمهما الله. وهو حديث صحيح.
الزلازل
أيها المسلمون: إن هذه الزلازل من تخويفات الله تعالى كما قال : وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًاسورة الإسراء59، وقال: وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًاسورة الإسراء60، إن هذه الزلازل من بأس الله تعالى وانتقامه وغضبه وعذابه، لعل الناس يعودون إلى الله، قال : فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْسورة الأنعام43، ولكن المصيبة في قسوة القلب.
أيها المسلمون: المصيبة في قسوة القلب، لقد أهلك الله قوم شعيب بزلزال من ضمن ما أهلكهم من أنواع العذاب، فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ سورة الأعراف78، وكذلك أخذت سبعين رجلاً من بني إسرائيل الرجفة، فدعا موسى ربه أن يعيدهم، فأعادهم، لم يزايلوا قومهم في عبادتهم العجل، ولا نهوهم، ولذلك أخذتهم الرجفة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والزلازل من الآيات التي يخوف الله بها عباده كما يخوفهم بالكسوف وغيره من الآيات. هذا كلامه رحمه الله.
وقد حصل في هذه السنة الكسوف، وبعده الزلازل، ففيها آيتان لتخويف العباد قدرهما الله ، فأين المعتبرون وأين المتعظون؟ قال رحمه الله: والحوادث لها أسباب وحكم، فكونها آية يخوف الله بها عباده هي من حكمة ذلك، ولذلك كان عمر انتهز الفرصة لوعظ الناس عند حدوث زلزلة، فأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن صفية بنت أبي عبيد قالت: زلزلت الأرض على عهد عمر حتى اصطفقت السرر، فخطب عمر الناس، فقال: أحدثتم؟ لقد عجلتم، لئن عادت لأخرجن من بين ظهرانيكم، ولذلك رأى عدد من أهل العلم الصلاة حين حدوث الزلازل، وقال الشافعي رحمه الله في الصلاة للزلازل: آمر بالصلاة منفردين، ويستحب أن يصلي منفرداً ويدعو ويتضرع لئلا يكون غافلاً، وكذلك سائر الآيات كالصواعق والرياح الشديدة. نقله النووي رحمه الله في المجموع.
وقال الإمام أحمد رحمه الله: يصلى للزلزلة الدائمة؛ لأن النبي ﷺ علل الكسوف بأنه آيات يخوف الله بها عباده، والزلزلة أشد تخويفاً، فأما الرجفة فلا تبقى مدة تتسع للصلاة. ويحدث أحياناً بعد الزلزال المفاجئ توابع زلزالية وتبقى الأرض تضطرب والزلازل تتوالى فعند ذلك ينبغي الفزع إلى الصلاة وإلى ذكر الله والتضرع إليه.
وعن جعفر بن برقان قال: كتب إلينا عمر بن عبد العزيز في زلزلة كانت بالشام: أن أخرجوا يوم الاثنين من شهر كذا وكذا، ومن استطاع منكم أن يخرج صدقة فليفعل. قال الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىسورة الأعلى14-15.
وقد حدثت زلازل متعددة في التاريخ الإسلامي وكان ذهاب الناس وفزعهم إلى ذكر الله كما قال الذهبي رحمه الله في كتابه العبر في حوادث سنة مائتين واثنتين وثلاثين للهجرة: كانت الزلزلة المهولة بدمشق، ودامت ثلاث ساعات وسقطت الجدران وهرب الخلق إلى المصلى يجأرون إلى الله، ومات كثير من الناس.
وكذلك قال ابن عساكر رحمه الله: زلزلت دمشق يوم الخميس فانقطعت ربعات الجامع، وتزايلت الحجارة العظام، وسقطت القناطر والمنازل، وخرج الناس إلى المصلى يتضرعون إلى قريب من نصف النهار فسكنت.
الغفلة الحقيقية
عباد الله: إن من الغفلة الحقيقية أن تعزى الزلازل إلى الأمور والأسباب الدنيوية وننسى ما وراءها من تخويف الله للعباد.
إن من الغفلة أن نتكلم عن اضطراب الصفائح الأرضية وأن نتكلم عن الأسباب الظاهرة وننسى ما وراء ذلك من الأمور التي هي أعظم بكثير، ولذلك فإن لأهل الغفلة شأن ولأهل الإيمان شأن، كما اتضح ذلك بجلاء في مسألة الكسوف الماضية، فشتان شتان بين من ذهب إلى الصلاة وبين من هرع إلى النظارات والتلسكوبات، أو خاف فدخل بيته وأغلق الستائر ووضع عليها البطانيات، إنها لمصيبة عظيمة أن يرسل الله التخويف ثم يذهب هؤلاء في اتجاهات أخرى.
أيها المسلمون: لعل من رحمة الله تعالى بهذه الأمة هذه الابتلاءات، كما قال ﷺ: أمتي هذه أمة مرحومة إن عذابها الفتن والزلازل والقتل[رواه أبو داود4278]رواه أبو داود وهو حديث صحيح.
اللهم إنا نسألك الأمن والإيمان والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحب وترضى أنت ربنا وإلهنا، اللهم إنا نعوذ بك أن نرد على أعقابنا ونعوذ بك أن يحل بنا سخطك وعذابك، نعوذ بوجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل بنا غضبك أو ينزل علينا عذابك.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، الملك الحق المبين، أشهد أن لا إلا هو وحده لا شريك له يحيي ويميت وهو الحي الذي لا يموت، والإنس والجن يموتون، وأشهد أن محمداً رسول الله الرحمة المهداة البشير والنذير والسراج المنير صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وخلفائه وأزواجه وذريته الطيبين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
قوة الله وعظمته
عباد الله: وضرب الزلزال قبل الفجر والناس نيام، أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَسورة الأعراف97، فضرب الزلزال الساعة الثالثة قبل الفجر، لقد كانت ضربة إلهية عظيمة لعلمانيي تركيا، الذين قالوا: بعزة يهود إنا لنحن الغالبون، دمر الله عليهم وردهم إلى وراء أكثر من عشرين سنة، ورأينا كيف يدمر الله الاقتصاد في لحظات، وتذهب المصانع والمنشئات والأبنية والدور والعمارات، تجبروا بقوتهم وبطشهم وجيشهم وعملياتهم وتباهيهم باختطافاتهم فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، وابتلع البحر آلافاً في قاعدة لا يعرف عنهم شيء، كان الزلزال ابتلاءً لأهل الطاعة، وعقوبة ونقمة على أهل المعصية في الوقت نفسه، والسياح الذين ذهبوا إلى تركيا لرؤية الكسوف في العلو جاءهم أمر الله من أسفل منهم وانصدعت كثير من أماكن الفسق وفنادقه، وبقي عدد من المساجد وما حولها مهدم، وبعضها لم تصب إلا منائرها بأضرار مع بقاء بنيانها، وتجلت قدرة الله في بقاء عدد من الأحياء تحت الأنقاض، ومنهم طفل عمره أربع سنوات بقي تحت الأنقاض مائة وأربعين ساعة ستة أيام إلا أربع ساعات، يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌسورة الحديد2، إن هذا الزلزال يذكرنا بدعاء الصباح والمساء: اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحت، إنه قول الله : قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ سورة الأنعام65، قال المفسرون: الرجفة والخسف، وقال مجاهد رحمه الله: عذاب أهل التكذيب بالصيحة والزلزلة. إسناده صحيح.
نتذكر نعمة الله التي يتبلد الحس فينساها ألا وهي المذكورة في قوله تعالى: أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًاسورة النمل61، لقد سارع أعداء الله من اليهود إلى إرسال فرق الإنقاذ كلاباً بشرية وبهيمية، وعملوا ضجة إعلامية حول مساعداتهم، ثم يريدون أن يجمعوا من النصارى أموالاً للإعانة، ولا يدفعون من جيوبهم، يريدون إقناع المسلمين في تركيا بوقوفهم إلى جانبهم، وأرادوا قطع الطريق على الدعاة والخيرين الذين يعملون بصمت وإخلاص، وخصوصاً في أوقات النكبات، ويبرهنون على أن أولى الناس بالناس هم أهل الخير وأهل الدعوة الذين يفزعون للإغاثة، ولن يفلح أولئك الظلمة الكفرة الذين لعنهم الله لن يفلحوا فيما يريدون إن شاء الله.
وفقد عامة الناس، -وهذه من الفوائد العظيمة للزلزال- الثقة في جيش العلمانيين الذي لم يقم بالواجب لإنقاذ المدنيين المساكين، واتجهت جهودهم فقط إلى إنقاذ إخوانهم ونسوا أمجاد أجدادهم العثمانيين المجاهدين الذين فتحوا أجزاء عظيمة من أوروبا وكان الزلزال بالنسبة لهم في مناسبات خيراً، فقد اجتاز سليمان باشا من العثمانيين بوغازي الدردنيل، ومعه أربعون من أشجع جنوده تحت ستار الظلام، حتى إذا وصلوا إلى الضفة الأخرى قبضوا على ما كان بها من القوارب، وعادوا بها إلى الضفة المعسكرة عليها جيوشهم، فانتقل الجيش إلى ضفة أوروبا وكان عدده ثلاثين ألفاً، واحتل ميناء تزنب وساعدتهم مقادير الله بسقوط جزء من أسوار جاليبولي عقب زلزال شديد، فدخلها العثمانيون دون عناء كبير.
العبرة من الزلازل
إن في الزلزال عبرة، إن فيه لعبراً كثيرة، ففي بعض البلدان المجاورة لتركيا حصلت شائعات بأن زلزالاً سيقع، ولا يعلم الغيب إلا الله، ولكن كثيراً من الناس صدقوا ذلك، فخرجوا إلى الشوارع والحدائق، ثم تبينت غفلة المغفلين، وقد روى الجبرتي رحمه الله في تاريخه عجائب الآثار حادثة مشابهة في عام ألف ومائتين وخمس للهجرة، قال: وفي أواخر شهر جمادى الأولى أشيع في الناس أنه في ليل السابع والعشرين نصف الليل يحصل زلزلة عظيمة تستمر سبع ساعات، ونسبوا هذا القول إلى أخبار بعض الفلكيين واعتقده الخاصة فضلاً عن العامة، وصمموا على حصوله من غير دليل لهم، فلما كانت تلك الليلة خرج غالب الناس إلى الصحراء وإلى الأماكن المتسعة مثل بركة الأزبكية والفيل وخلافهما، ونزلوا في المراكب، ولم يبق في بيته إلا من ثبته الله، وباتوا ينتظرون ذلك إلى الصباح فلم يحصل شيء وأصبحوا يتضاحكون على بعضهم.
وكذلك روى حادثة مشابهة من أن زلزلة حصلت فانزعج الناس منها، وهاجوا ثم سكنوا ثم كثر اللغط بمعاودتها، فمنهم من يقول: ليلة الأربعاء.
ومنهم من أسنده لبعض النصارى واليهود، أسند العلم بالزلزال الذي سيحدث قطعاً سيحدث للنصارى واليهود، وأن رجلاً نصرانياً ذهب إلى الباشا وأخبره أن ذلك سيحصل، وقال له: احبسني وإن لم يظهر صدقي فاقتلني، وأن الباشا حبسه، وكل ذلك كذب، يقول الجبرتي: لم يحدث، لا أن ذلك الرجل قام، ولا أن الباشا حبسه، وكل ذلك من تخيلاتهم واختلاقاتهم وأكاذيبهم، ثم ذكر العبرة فقال: وما يعلم الغيب إلا الله، فدع عنك قضية التنبؤ وغيرها؛ لأنه لا يعلم الغيب إلا الله، أما أخذ الاحتياطات فمن الحكمة. وإذا كانت الرجات تتابع فليس من الحكمة أن يبقى الناس تحت السقوف والبنيان، أما أن يخاف فيخرج من غير سبب إلا تخرصات وتكهنات كما وقع في بعض البلدان فهذه نتيجته مضحكة.
نسأل الله أن يرحم موتى المسلمين، وأن يرد الغائبين، وأن يتغمد المفقودين برحمته، وأن يعوض من خسر من المسلمين خيراً من عنده، وأن يضاعف الأجر للمبتلين، وأن يعاجل الكفرة المجرمين بعقوبته ونقمته، وأن يخزي اليهود والنصارى والمشركين.
اللهم انصر المجاهدين في داغستان يا رب العالمين، اللهم انصر المجاهدين في كشمير إنك على كل شيء قدير، انصر المجاهدين في قرغستان وغيرها من بلاد المسلمين إنك على كل شيء قدير.
وقد ضرب الداغستانيون المثل العظيم في الشجاعة، وكبدوا القوات الروسية خسائر عظيمة، وخصوصاً تلك التي نزلت بقوات خاصة قد جلبوها فهزمت هزيمة شنيعة والقتلى لا يحصون، ثم انسحب المسلمون لنفاذ أسلحتهم ولم يصدق الروس الكفرة ذلك الانسحاب، وجعلوا يرددون بأنه كذب وأنه لم يحصل، وبقوا يومين لا يجرؤون على دخول القرى التي انسحب منها المجاهدون، ثم لما تبين لهم الانسحاب دخلوا يقولون: دحرناهم وهزمناهم، وكانت تلك كذبة مكشوفة ضحك لأجلها العالم.
نسأل الله أن يرفع علم الجهاد، وأن يقمع أهل الزيغ والفساد، وينشر رحمته على العباد، اللهم اجعل بلدنا هذا آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله يا رب العالمين.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.