الخميس 6 جمادى الأولى 1446 هـ :: 7 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

الصادعون بالحق


عناصر المادة
الخطبة الأولى
أمثلة على الاستقامة وعدم الانحراف
نماذج من الطعن في الدين
الخطبة الثانية
الغيرة على الدين
الدفاع عن الدين مسؤولية الجميع

الخطبة الأولى

00:00:07

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران102يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًاسورة النساء1يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًاسورة الأحزاب70-71،
أما بعد:

00:01:08

النجاة لأهل الاستقامة على الدين، أمر الله تعالى عباده بذلك، فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِسورة فصلت6، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ سورة آل عمران102 فالاستقامة على الدين والممات على الإسلام، والثبات على هذا الأمر رأس مال المسلم: اللهم إني أسألك الثبات على الأمر يعني: على الدين ولزوم الاستقامة عليه، والعزيمة على الرشد[رواه النسائي1304] الجد في الأمر بحيث ينجز كل ما هو رشد، والرشد هو الصلاح والفلاح والصواب، فالدين مداره على أصلين: العزم والثبات، فلذلك كان النبي ﷺ يسألهما.

عباد الله: لقد حذرنا الله تعالى من النكوص والردة وتوعد من يرتد بأنه سوف يأتي بخير منه، وأمرنا باتباع ما أنزل: اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءسورة الأعراف3، أمرنا بطاعته وطاعة رسوله ﷺ، وحذرنا من الانحراف عن ذلك: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌسورة النور63، واليوم يريد أعداء الإسلام في الداخل والخارج الصد عن سبيل الله، ويحرفون الكلم عن مواضعه، يريدون أن يبدلوا كلام الله: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُسورة القلم9 هؤلاء الذين يريدون إطفاء نور الله وتغيير أحكام الشريعة ونشر الفساد، يريدونها عوجاً ويبغونها فساداً، والله قد تكفل بنصر دينه، وهو غالب على أمره: وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ سورة الصف8، ويبعث الله لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها، أي: من درس من العمل بالكتاب والسنة، وما ذهب ونقص من الناس فيعيده الله مرة أخرى على أيدي أوليائه، ولا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته، ولا تزال طائفة من هذه الأمة ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله.

عباد الله: ومطلوب منا نحن أن نستمسك بالذي أوحي إلى نبينا ﷺ، وأن نستقيم على ذلك، إن هذا مقتضى دين الإسلام، إن هذا مقتضى التوحيد، وقد ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أصول دعوته فقال: "التمسك بدين الإسلام الذي قال الله فيه: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُسورة آل عمران85.

ثانياً: دعوة الناس إلى التوحيد، الذي قال الله فيه: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَسورة يوسف108.

ثالثاً: نهي الناس عن الشرك الذي قال الله فيه: إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍسورة المائدة72.

رابعاً: التمسك بالكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح والأئمة الأربعة.

وهكذا إلى أن يقول: ألزمنا من تحت أيدينا بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وغير ذلك من فرائض الله، ونهينا عن الربا، والمسكرات، وأنواع المنكرات".

المحاولات لهدم الدين لا تزال مستمرة، سواء كان ذلك بنشر الشرك، ومداهنة المشركين، وتقريب الكفار والرضا عن أعمالهم والذب عنهم، والتسوية بين الحق والباطل، والتوحيد والشرك، والسنة والبدعة، وما هي بسواء والله، لا يستوون عند الله

أيها المسلمون: إن دعوة التوحيد دعوة صافية نقية معروفة واضحة، إن هذا الدين لا بد من أخذه كله، ولا بد ألا نبخس هذا الدين حقه، نحن أهله، نحن عباد الله، نحن أهل الإسلام، فلا خيار لنا في هذا: وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَسورة آل عمران139، والمحاولات لهدم الدين لا تزال مستمرة، سواء كان ذلك بنشر الشرك، ومداهنة المشركين، وتقريب الكفار والرضا عن أعمالهم والذب عنهم، والتسوية بين الحق والباطل، والتوحيد والشرك، والسنة والبدعة، وما هي بسواء والله، لا يستوون عند الله، وإذا كانت الظلمات لا تستوي مع النور، والظل لا يستوي مع الحرور، والأحياء لا يستوون مع الأموات، فكذلك لا تستوي هذه عند الله، إن هنالك فرقاً كبيراً.

أمثلة على الاستقامة وعدم الانحراف

00:06:20

عباد الله: لما بعث الله محمداً ﷺ فتركهم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، قام أصحابه بعده بحراسة التوحيد وحراسة الملة والدين، وجردوا السيوف لذلك وأريقت الدماء، لأجل إقامة لا إله إلا الله، هذه الملة العظيمة التي بعث الله بها محمداً ﷺ، ومعلوم أنه في وقت قوة أهل الإسلام ما كان أهل الباطل يجرءون على أن ينالوا منه؛ ولذلك ما حفظ في عهد عمر أن أحداً استطاع أن ينشر بدعة، فقد كان لهم بالمرصاد، ومنذ أن حاول أحد الناس أن يشكك الحاضرين في مشتبهات وأن يسأل عن آيات من القرآن يجمعها يوهم الناس أن بعضها يتعارض مع بعضها، حضّر له عمر تلك العصي حتى أفرغ جميع ما في رأسه من تلك الشبهات.

ثم بدأت البدع بعد ذلك لما انكسر الباب تدخل على أهل الإسلام، فقاومها الصحابة خير المقاومة، وقاموا في إنكارها أحسن القيام، يقول واحد من السلف: كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري فقال: أخرج إليكم أبو عبد الرحمن -يعني ابن مسعود-؟ قلنا: لا، فجلس معنا حتى خرج، فلما خرج قمنا إليه جميعاً، فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد آنفاً أمراً أنكرته، قال: فما هو؟ قال: إن عشت فستراه، رأيت في المسجد قوماً حلقاً جلوساً ينتظرون الصلاة في كل حلقة رجل وفي أيديهم حصى فيقول: كبروا مائة فيكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة فيهللون مائة، ويقول: سبحوا مائة فيسبحون مائة، قال: فماذا قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئاً انتظار رأيك وانتظار أمرك؟ قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم ألا يضيع من حسناتهم، ثم مضى ومضينا معه، حتى أتى حلقة من تلك الحلق فوقف عليهم، وفي رواية: أنه كان قد وضع لثاماً فلما حضر فوقهم كشف لثامه، وأخبرهم أنه عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله ﷺ، قال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن! حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح، قال: فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن ألا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم، هؤلاء صحابة نبيكم ﷺ متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد أو مفتتحو باب ضلالة، قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن! ما أردنا إلا الخير، قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه.

عباد الله: قاوم الصحابة ولأدنى محاولة ولأدنى شبهة بدعة يقوم مالك رحمه الله ليعلن الحرب على أصحاب ذلك في المسجد النبوي، وينادي الحراس لأخذ من فعل شيئاً غير معهود لا يعهد في أيام النبي ﷺ، أي مخالفة.

ولما بلغ عبد الله بن عمر مذهب القدرية وأنهم يقولون: إن الناس يخلقون الشر والله لا يخلق هذه الأفعال، مع أن الله خالق كل شيء سبحانه، قال لمن أبلغه: فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر.

وهكذا مضى التابعون وأتباعهم والأئمة، ولما قامت فتنة خلق القرآن ثبت أحمد رحمه الله والبويطي وأحمد بن نصر وغيرهم من الأئمة ابتغاء القيام بكلمة الحق، وإنكار هذا المنكر وصد هذه البدعة، وناظر أحمد رحمه الله هؤلاء المبتدعة أمام الخليفة، يقول: أعطوني شيئاً من كتاب الله أو سنة رسوله حتى أقول به، لدرجة أن ابن أبي دؤاد المجرم قال له: وأنت لا تقول إلا بهذا وهذا، قال أحمد: وهل يقوم الإسلام إلا بهما، إلا بالكتاب والسنة؟ أتريدني أن آخذ شيئاً من غير الكتاب والسنة؟

عباد الله: إن مقاومة البدع والمحدثات ومقاومة الشرك شيء عظيم واجب؛ ولذلك كان أهل السنة إذا سمعوا بقبر عليه ضريح أو أناس يستغيثون بغير الله أتوا ذلك المكان فطهروه من الشرك؛ ولذلك فإن الصحابة رضوان الله عليهم لما فتحوا تستر وجدوا سرير ميت باق بحاله، وذكر لهم أنه دانيال من الأنبياء جسده كما هو باق، فكتب أبو موسى الأشعري إلى عمر يستشيره، فكتب عمر إليهم أن يحفروا بالنهار ثلاثة عشر قبراً ثم يدفن بالليل في واحد منها ويعفّى قبره لئلا يفتتن الناس به؛ لأن الميت يدفن ولا يبقى ظاهراً، ولئلا يصبح هذا القبر مزاراً يعبد من دون الله، أمر عمر بحفر ثلاثة عشر قبراً يدفن في واحد منها وتطم كلها، ولا يميز بينه وبينها، ويكون الدفن بالليل ولا يعرف ذلك إلا هؤلاء القلة من الصحابة؛ لئلا يتخذ هذا القبر وثناً يعبد من دون الله.

عباد الله: لقد قطع عمر الشجرة التي حصلت عندها بيعة الرضوان، لماذا؟ صيانة للتوحيد والدين.

ولما حاول بعض الناس جعل بعض الآثار مزارات يزورونها: غار حراء، وغار ثور، وجبل النور، والمساجد السبعة، ونحو ذلك، كتب العلماء التوضيح والبيان، وقال شيخ الإسلام رحمه الله: وكذلك قصد الجبال والبقاع التي حول مكة غير المشاعر: عرفة ومزدلفة ومنى، قصد الجبال والبقاع التي حول مكة كجبل حراء والجبل الذي عند منى وهو الذي يقال أنه كان فيه قبة الفداء ونحو ذلك، فإنه ليس من سنة رسول الله ﷺ زيارة شيء من ذلك بل بدعة.

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: ومعلوم أن أصحاب النبي ﷺ أعلم الناس بدين الله وأحب الناس لرسول الله ﷺ وأكملهم نصحاً لله ولعباده ولم يحيوا هذه الآثار، ولم يعظموها، ولم يدعو إلى إحيائها، ولو كان إحياؤها أو زيارتها، أمراً مشروعاً لفعله النبي ﷺ في مكة، وبعد الهجرة، أو أمر بذلك، أو فعله أصحابه، أو أرشدوا إليه، فلما لم يعرف أن أحداً منهم زار تلك الآثار، أو تتبعها، وأمر بتشييدها فليعلم بأن زيارة تلك الأماكن واعتبارها أثرية، جعلها مزارات للناس بدعة من البدع يؤدي إلى تقديس الأماكن وإلى أن ترتكب عندها أنواع الشرك والبدع.

أيها المسلمون: ولما وقع كثير من أبناء المسلمين وبناتهم مع الأسف في أعياد الكفار، يحتفلون بها تشبهاً بهم كعيد الحب وغيره، قام العلماء يبينون بأنه يحرم على المسلم الإعانة على هذا العيد، أو غيره من الأعياد المحرمة بأي شكل من أكل، أو شرب، أو بيع، أو شراء، أو صناعة، أو هدية، أو مراسلة، أو إعلان، أو غير ذلك؛ لأن ذلك كله من التعاون على الإثم والعدوان ومعصية الله والرسول، والله جل وعلا قال: وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِسورة المائدة2 ويجب على المسلم الاعتصام بالكتاب والسنة في جميع أحواله لا سيما في أوقات الفتن وكثرة الفساد، وعليه أن يكون فطناً حذراً من الوقوع في ضلالات المغضوب عليهم، والضالين، والفاسقين الذين لا يرجون لله وقاراً، ولا يرفعون بالإسلام رأساً، وعلى المسلم أن يلجأ إلى الله تعالى بطلب هدايته والثبات عليها.

ولما قام الكفرة برسم النبي ﷺ بزعمهم في رسومات ساخرة، وقام من قام بالكتابة ذماً لنبينا ﷺ قام من أهل الإسلام من أظهر الغيرة لله، أظهر الغيرة على رسول الله ﷺ لأجل ذلك، وعم من مظاهر احتجاج المسلمين وكلامهم في رفض هذا ما حصل ومن شارك فيه فإنه مأجور دفاعاً عن النبي ﷺ فإنه ﷺ قد أهدر دم امرأة كانت تقع فيه قتلها رجل مسلم كان يملكها، وكانت به معتنية أتم الاعتناء، وله منها ولدان مثل اللؤلؤتين، ومع ذلك لما وقعت في النبي ﷺ لم يتوان ذلك المسلم الأعمى أن قتلها ، وأخبر النبي ﷺ بذلك فأبطل دمها وأهدره.

نماذج من الطعن في الدين

00:18:09

عباد الله: ويقوم من يقوم بالطعن في دين الإسلام، الطعن في أحكام الشريعة، إرادة التشبه بالمشركين، وكما حصل من أتان التركي وغيره في بلاد الترك عندما أراد أن يحمل المسلمين على التشبه بالكفار، وألغى الخلافة، وألغى الأذان، وألغى اللباس لباس المسلمين وأوجب عليهم أن يضعوا بدل العمامة قبعات الكفار، فقام من قام عباد الله ببيان الحق في ذلك، ومنهم الشيخ عاطف أسكلفي رحمه الله في كتابه الذي بين تحريم التشبه بالكفار وأفتى بتحريم ارتداء ملابسهم، فأخذ ليحاكم في ذلك فقال له رئيس المحكمة: إنكم أيها الشيوخ مغرقون في السفسطة الفارغة، رجل يرتدي عمامة يكون مسلماً فإذا ارتدى قبعة صار فاسقاً، وهذا قماش وهذا قماش، فأجابه الشيخ انظر أيها القاضي إلى هذا العلم المرفوع خلفك علم تركيا فاستبدله بعلم انجلترا مثلاً ما رأيك بذلك؟ إن قبلت وإلا فهي سفسطة منك، فهذا قماش وهذا قماش، فبهت الذي كفر.

وكان لسقوط الخلافة الإسلامية وقع أليم على المسلمين، حتى قال شاعرهم:

عادت أغاني العرس رجع نواحي ونعيت بين معالم الأفراح
كفنت في ليل الزفاف بثوبه ودفنت عند تبلج الإصباح
ضجت عليك مآذن ومنابر وبكت عليك ممالك ونواحي
الهند والهة ومصر حزينة تبكي عليك بمدمع سحاح
والشام تسأل والعراق وفارس أمحى من الأرض الخلافة ماحي

وهكذا لما قام من قام يريد احتذاء النموذج الغربي تماماً، وأصدر الأوامر بنزع الحجاب لإطلاق حرية المرأة، وقال متواقحاً: إن للمرأة أن تطلق الرصاص على زوجها إذا عارض حريتها، ومنع من ارتداء أزياء المسلمين، وذهب إلى الغلو أبعد مذهب في فرض التشبه بالكفار، ومنع تعدد الزوجات، واعتبار العطلة بدلاً من يوم الجمعة واستبدال ذلك، فما كان من الناس من أهل الإسلام إلا أن قاموا لله قومة رجل واحد فغيروا ذلك كله.

عباد الله: وبعض الناس اليوم أيضاً يعتدي على أحكام الشريعة وعلى القرآن والسنة ويريد أن يغير من ذلك، فيقوم أهل الإسلام لهم ببيان الحق، وهذا هو الواجب، وإذا لم يكن من يبين الحق فمتى يتبين؟

ولما كتب بعض الكتاب ممن يحب الكفرة مريداً أن تزال كل العبارات والكلمات التي تأمر ببغضهم، وأن تحذف الآيات والأحاديث التي تنص على ذلك، وقال: إننا نحبهم محبة طبيعية كما يحب المتزوج من الكتابية زوجته، فقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله معقباً على هذا الكلام الباطل: هذا قياس مع الفارق فليس كل كافر يتصف بالزوجية التي قست عليها، فهذه محبة إن وجدت فهي خاصة بالزوجة الكتابية التي أباح الله للمسلم الزواج بها بشرط أن تكون محصنة، أي: عفيفة من الزنا، ومعلوم ما للزوج من السلطة على زوجته، وما له من التأثير عليها، فربما يكون زواجه منها وسيلة إلى إسلامها بدعوتها إلى الإسلام، ولا بد أن المسلم سيدعو زوجته الكتابية إلى الإسلام، وكثيراً ما أسلمت كتابيات بهذه الوسيلة، وقولك: إن النصوص تدل على أن البراءة يكون فقط ممن حارب وليس ممن كفر وسالم، نقول لك: هذا قيد جئت به من عندك، فالله علق البراءة على الكفر مطلقاً، أي: أن المسلم يتبرأ من الكافر سواء حارب الإسلام أو لم يحاربه، قال الله تعالى: لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ سورة آل عمران28 الكافرين عموماً لا يجوز اتخاذهم أولياء، وقال تعالى: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ سورة المجادلة22، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ سورة التوبة23 فبمجرد أن يستحب الكافر الكفر على الإيمان فإنه تجب البراءة منه وبغضه لكفره.

وعجيب أمر هؤلاء الناس يقولون: إذا جاء الكفار فحاربونا وقتلونا واحتلوا ديارنا وسفكوا دماءنا واعتدوا على أعراضنا ونهبوا أموالنا، فإننا نبغضهم ونتبرأ منه، وإذا لم يفعلوا ذلك فلا نتبرأ منهم ولا نبغضهم ولا نكرههم بل نحبهم محبة طبيعية، سبحان الله إذا فعلوا بك ضرراً أقمت الدنيا، فماذا تفعل إذا قالوا عن ربك: إنه له زوجة وولد وله صاحبة؟ سبوا الله سباً ما سبه مثلهم أحد، عندما يقال: إن الله ثالث ثلاثة، عندما يسبون الله يشتمون الله يكفرون بالله لا تكرههم، فإذا سبوك وشتموك وآذوك أنت كرهتهم، ألهذه الدرجة عندك النظرة الدونية لربك ؟ مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًاسورة نوح13، أليسوا قد كفروا بالله؟ أليس قد أشركوا به؟ أليس قد آذوا الله وشتموه وسبوه وقال: يؤذيني ابن آدم[رواه البخاري4826] يشتمني ابن آدم [رواه البخاري3193] وبين شتمه إياه وإيذاءه إياه؟ ولا يلزم من الإيذاء أن يحصل ضرر، والله لا يمكن أن ينال بضرر ولكن ما يفعله هؤلاء هو إيذاء لله وشتم لله وسب لله وشرك بالله وكفر بالله، وهذا عندنا أعظم، وهذا عندنا أشد من اعتدائهم على أموالنا ودمائنا وأعراضنا وبيوتنا؛ لأن الله عندنا أعلى وأجل ، فوجب إذن البراءة وبغض كل من كفر بالله لأجل الله وحق الله.

اللهم اجعلنا لك معظمين، وبشرعك آخذين، ولسنة نبيك ﷺ متبعين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:26:31

الحمد لله أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأزواجه وذريته في العالمين إنك حميد مجيد.

الغيرة على الدين

00:26:53

عباد الله: لا بد أن نغار لله ورسوله ودينه، لا بد أن يكون عندنا أنفة وحمية، لا بد أن نري الله من أنفسنا خيراً عندما يعتدى على الدين والشرع، عندما يراد الباطل، عندما يراد الفساد، عندما تراد المخالفة لأحكام الله ورسوله؛ لأن المجاهرة اليوم بالباطل أمر عجب، عجب عجب، المجاهرة بالشر، إعلان الكفر، إعلان الردة، إعلان التمرد على الكتاب والسنة، إعلان المعصية لله ورسوله، إعلان وتقرير لذلك، وأهل النفاق بالإضافة إلى أهل الكفر ينشرونه، ويذيعونه، وعندما تقوم عجوز شمطاء تسأل عن الحج هل حججت؟ قالت: أنا لم أحج ولن أحج، حجي في شرفتي وصلاتي في كتبي، يعني: لا حج ولا صلاة، واعتبرت الكاتبة أن الحج من العادات الوثنية، وأنه من بقايا ذلك، وأنه لا يوجد نص يوجب ارتداء النساء للحجاب، وطالبت بالمساواة في الميراث بين الرجال والنساء.. إلى آخر هذا الهراء.

عباد الله: كان الصحابة رضوان الله عليهم عندهم غيرة على الدين، بل عند أطفالهم، عند غلمانهم، عبد الرحمن بن عوف لما وقف في الصف يوم بدر قال: فنظرت عن يميني وعن شمالي فإذا بغلامين من الأنصار حديثة أسنانهما تمنيت أن أكون بين أضلع منهما، فغمزني أحدهما فقال لي: يا عم! هل تعرف أبا جهل؟ قلت: نعم، ما حاجتك إليه يا ابن أخي؟ قال: أخبرت أنه يسب رسول الله ﷺ، والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، فتعجبت لذلك، فغمزني الآخر فقال لي مثلها، عندما كان أهل العلم يرون الانحرافات يخطبون يكتبون يتكلمون ينكرون.

وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ما ترك انحرافاً في عصره ولا بدعة ولا طريقة مبتدعة إلا وحذر منها، تكلم وخطب وكتب وأبلغ وأنكر وذهب ليغير مع طلابه، وهكذا يكون أهل العلم.

وعندما طلبوا منه أن يكتب كلاماً باطلاً، رفض وأبى، فكان ذلك سبباً في أن يبتلى رحمه الله تعالى بالحبس، فلما تذمر الناس قالوا له: اخرج، قال: لن أخرج، أنتم خارجه قلقون، قالوا: اكتب أنك حُبست بسبب مسألة العرش ومسألة القرآن ونأخذ خطك بذلك ونبرر حبسك ثم نمزق الأوراق، قال: تدعونني أن أكتب بخطي أنه ليس فوق العرش إله يعبد ولا في المصاحف قرآن ولا لله في الأرض كلام، ثم رفع برأسه إلى السماء وقال: اللهم إني أشهدك على أنهم يدعونني أن أكفر بك وبكتبك ورسلك، اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين.

عباد الله: قاوم أهل العلم تلك المنكرات وتتبعوا تلك البدع والضلالات، والقيام لله بهذا من أعظم القربات عند الله؛ لأن الله يحب أن يعلى شأن الدين؛ لأن الله يريد من ينصر شرعه ودينه؛ لأنه يثيب بأعظم الثواب من قام ينافح عن الله ورسوله ودينه وشرعه.

كانت الغيرة موجودة عند أهل الإسلام، ولما قام الوضاعون يضعون الحديث على رسول الله ﷺ قام المحدثون وقام العلماء يبينون وألفوا الكتب في ذلك دفاعاً عن سنة محمد ﷺ، ولما انتشرت البدع وألوان الشرك في الجزيرة قيض الله لها شيخ الإسلام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، فقام بمحو مظاهر الشرك، وهدم القبة المبنية على قبر زيد بن الخطاب، وقطعت تلك الشجرة التي كانت يلجأ إليها من دون الله في طلب الأولاد من قبل العقيم ونحو ذلك، وهكذا وهكذا من الأمثلة الكثيرة.

وعندما نسمع اليوم عن مسلسلات وأفلام تلمز من الدين فيقوم لله أهل الغيرة، وعندما كذلك نسمع من يريد نزع الحجاب يقوم لله بالحق من أهل الغيرة على الدين، والواجب أيضاً إبراز اعترافات هؤلاء المتراجعات عن هذا الخط الذي يسمونه تحرير المرأة، كما قالت إحداهن وهي خليجية في مقال لها بعنوان وحي الكلمات، وكانت من أشد المطالبات بتحرير المرأة، والمقصود بالتحرير مما يسمونه قيود الشريعة، قالت: كبرنا وكبرت آمالنا وتطلعاتنا، نلنا كل شيء من العلم والمعرفة ما يفوق الوصف، أصبحنا كالرجل تماماً نسوق السيارة نسافر للخارج  وحدنا -يعني: بلا محرم- نلبس البنطلون ونظهر للناس، أصبحت لنا أرصدة، ووصلنا إلى المناصب القيادية، واختلطنا بالرجال، ورأينا الرجل الذي أخافنا في طفولتنا رأيناه كما هو، والمرأة غدت رجلاً، وبعد أن نلنا كل شيء وأثلجت صدورنا انتصاراتنا النسائية على الرجال، أقول لكم وبصراحة معهودة ما أجمل الأنوثة، وما أجمل المرأة التي تحتمي بالرجل ويشعرها الرجل بقوته، ويسافر معها ولا يتركها تسافر وحدها، ما أجمل ذلك، ما أجمل أن تربي أطفالها وتشرف على مملكتها وهو السيد القوي، نعم أقولها بعد تجربة، أريد أن أرجع إلى أنوثتي التي فقدتها أثناء اندفاعي في مجال الحياة والعمل.

أريد أن أرجع إلى أنوثتي التي فقدتها أثناء اندفاعي في مجال الحياة والعمل، أريد أن أرجع إلى أنوثتي التي فقدتها أثناء اندفاعي في مجال الحياة والعمل.

وهكذا لا يصح إلا الصحيح، فكيف يترك الرجال الذين أناط الله بهم الكسب، والذين في نفوسهم العمل غريزة والاكتساب لا بد لهم منه، كيف يترك هؤلاء بلا وظائف وتقدم النساء؟ ولذلك عندما تعكس الفطرة، وعندما لا يكون حاصلاً بين الناس هذا الأمر الغريزي الأصلي الموافق للخلقة، فلا شك أنه من الفساد العظيم.

الدفاع عن الدين مسؤولية الجميع

00:35:29

عباد الله: ليس القيام بأمر الله والدفاع عن الدين والغيرة هو من شأن العلماء وحدهم، ولا من شأن الدعاة وحدهم، بل ولا من شأن المتمسكين بالدين فقط، بل هو شأن عامة الناس، كلهم يجب أن يوضحوا ذلك وأن يبينوه، وأن يذبوا عن الشرع، وأن يدعوا إلى الالتزام بأحكام الدين الحنيف، والامتناع عن العمل بأي شيء فيه مخالفة لأحكام الشريعة.

ومن الأمثلة الطريفة في ذلك أن الدفاع عن الدين ليس وظيفة أهل الاستقامة فقط: ما فعله أبو محجن رحمه الله، أوتي به يوم القادسية إلى سعد بن وقاص وقد شرب الخمر، فأمر به إلى القيد، فلما التقى الناس، أي: المسلمون والمشركون، صحيح الرجل هذا يشرب الخمر لكنه يريد الجهاد في سبيل الله، ويريد الذب عن المسلمين، ويريد الطعان في هؤلاء الكافرين، فتحسر أنه مقيد والمسلمون يجاهدون، فقال:

كفى حزناً أن تطرد الخيل بالقنا وأترك مشدوداً عليَّ وثاقياً

فقال لامرأة سعد: أطلقيني ولك والله عليَّ إن سلمني الله أن أرجع حتى أضع رجلي في القيد، فإن قتلت استرحتم مني، فأشفقت المرأة لحاله فحلته وذهب أبو محجن، حتى التقى الناس، وكانت بسعد جراحة لم يستطع المشاركة فيشرف عليهم من علو، فلم يخرج يومئذ إلى الناس، فصعدوا به لينظر ويشرف على المعركة، واستعمل على الخيل خالد بن عرفطة، فوثب أبو محجن على فرس لسعد يقال لها البلقاء ثم أخذ رمحاً ثم خرج، فجعل لا يحمل على ناحية من العدو إلا هزمه من جرأته وقوته، وجعل الناس، يعني المسلمون، يقولون: هذا ملك هذا ملك، لما رأوه يصنع، وجعل سعد يقول متعجباً: الصبر صبر البلقاء والظفر ظفر أبي محجن، عجباً، سعد يتعجب، هذه الدابة فيما يظن هذا شأن دابته البلقاء والطعن طعن أبي محجن، وأبو محجن في القيد فكيف هذا؟ فلما هزم العدو رجع أبو محجن حتى وضع رجليه في القيد، فأخبرت ابنته حفصة سعداً بما كان من الأمر، فقال سعد: لا والله لا أضرب اليوم رجلاً أبلى للمسلمين ما أبلاهم، فخلى سبيله، فقال أبو محجن: قد كنت أشربها إذ يقام عليّ الحد وأطهر منها، فأما إذ، أي: أنقذتني وتركتني، فوالله لا أشربها أبداً.

وهكذا يكون الذب عن الدين مسئولية الجميع.

اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، اللهم أحينا مسلمين وتوفنا مؤمنين، وألحقنا بالصالحين، اللهم اجعلنا ممن نصر الدين، اللهم اجعلنا ممن نصر الدين، اللهم اجعلنا ممن نصر الدين يا أرحم الراحمين، اللهم إنا نسألك الأمن في البلاد، والنجاة يوم المعاد يا رب العباد، اللهم إنا نسألك أن تجعل بلادنا في أمن وعافية يا رب العالمين، من أراد بلدنا هذا بسوء وبلاد المسلمين فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، اللهم إنا نسألك أن تجعل خاتمتنا حسنة، وأن تحسن عاقبتنا في الدنيا والآخرة.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.

1 - رواه النسائي1304 
2 - رواه البخاري4826 
3 - رواه البخاري3193