الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 هـ :: 22 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

مصيبة كوسوفا - 2


عناصر المادة
الخطبة الأولى
أحوال إخواننا في كوسوفا
حال المسلمين أمام هذه المآسي
واجبنا نحو إخواننا

الخطبة الأولى

00:00:05

الحمد لله الذي خلق فسوى وقدر فهدى، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله الرحمة المهداة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أحوال إخواننا في كوسوفا

00:00:26

أيها الإخوة: تمضي الأيام كالسنين الطوال، ولا تزال محنة إخواننا المسلمين في كوسوفا مستمرة، ويقولون عن الضربات الجوية ما يقولون، ولكن ما هي النتيجة؟ التهجير مستمر، والقتل مستمر، ولو دخل الكفار فحرروا بلاد المسلمين؛ والمؤشرات قد تدل على ذلك لكن بعد أي شيء بعد خراب البصرة، لا زال نهب المنازل ومؤسسات الأعمال، ومحلات المسلمين، وإشعال النار فيها، واحتجاز الرجال، وإرسال النساء والأطفال إلى الحدود، واستخدام رجال المسلمين دروعاً بشرية، وتسخيرهم لحفر الخنادق، والإعدامات السريعة، وخصوصاً قتل كل صاحب شهادة ومفكر ممن يستفيد منه المسلمون، وإحراق الجثث في حدائق منازل أهلها، وإخراج المسلمين من سياراتهم، وإطلاق الرصاص عليهم في الحال، ومصادرة الأموال والوثائق من الناجين عند الحدود، وجمع الرجال رهائن في المصانع، وأخذهم إلى المعسكرات والملاعب، واحتجازهم للتصفية، والنساء يعتقلن في معسكرات، والاغتصاب يستمر، وأعدمت مائتا امرأة بعد اغتصابهن مرة واحدة، واغتصبوا من المسلمين من لا يعلم إلا الله، وقالوا لامرأة بعد اغتصابها: أين تذهبون؟ الصرب في أحشائكم والصرب من حولكم؟

قطعوا جثة طفل مسلم كان يأكل حبات الفاصوليا وقالوا: كل الفاصوليا باللحم.

وأعدموا أطفالاً أمام أمهاتهم وأمسكوا بطفل ذو ثلاث سنين، ظلوا يرضوا برأسه الأرض حتى هشموه أمام أمه، وأخذت أجساد للمسلمين فصب عليها البنزين لتحرق، وعاش واحد ليروي هول المذبحة، وكيف لما أطلق الرصاص هوى إلى الأرض متظاهراً بالموت وتكدست الجثث فوقه ثم سكب البنزين، وأضرمت النيران فلما ذهب الصرب خرج من بين الجثث بالتنفس الثقيل، وزحف إلى ماء ليطفئ الحروق في جسده ليعود ويمشي ويسقط حتى أدركه من أنقذه ليروي هول المذبحة، ثم لا يعرف بعد ذلك هل قد عاش أم لا، وفي مخيمات اللاجئين أوضاع مزرية، أطفال يجرون يبحثون عن قطع من الخشب المتناثرة ليجمعوا حطباً لأمهم المسكينة، وعجوز تجري وراء سيارات لقطعة حلوى لطفل يتلوى من الجوع، وأطفال هائمون ينظرون في كل مكان، إلى السماء والأرض وفي وجوه الناس حيارى لا يعرفون إلى أين يذهبون، وأطفال ضاعوا من أمهاتهم في زحام معسكرات أو مخيمات اللاجئين المكتظة في الوحل والطين، ورجل يبحث عن شيء يثبت به خيمة بلاستيكية تحت زخ المطر والهواء والريح فلا تثبت معه، وهكذا يعيش أولئك المساكين، ونحن نعيش في أي شيء؟ حفلات الفنادق والمطاعم العائلية، ووراء الدشات، ومدن الملاهي المليئة بالمعاصي، هكذا نحن وأطفالنا، هكذا نحن ونساؤنا، والراهبات ينزلن من الشاحنات الإيطالية لنشر الكتيبات باللغة الكوسوفية وتوزيعها، ويأتي بعض الراهبات المتطوعات من النصرانية يلاعبن أطفال المسلمين ويمازحونهم، يؤدون دوراً، وقام اليهود بدور وألبسوا مائة وعشرين رجلاً قمصاناً عليها النجمة السداسية، والأوروبيون يعملون ويعطون طفلة لعبة والناس يتجمهرون ويصور المعطي النصراني نفسه بجانب الطفلة المسلمة، ثم يكتب تحقيقاً إلى جريدته أو مجلته، لعبة لكل طفل، ولم يعط إلا تلك الطفلة.

غائباً ما زال عني الحلم فمتى في خاطري يبتسم
دمرتنا هذه الحرب التي لم تزل في دارنا تحتدم
ألف وابؤساه من يسمعني أترى قومي بحالي علموا
أرضنا ما بين دار هدمت فوق ما فيها وأخرى تهدم
سل بيوت الله ماذا نالها بعد أن شرد عنها المسلم

كان العثمانيون المسلمون لا يفتحون بلداً من بلاد البوسنة وكوسوفا وغيرها إلا ويبنوا فيها مسجداً أول إجراء يتخذونه، ولما تراجع المسلمون عن دينهم بقيت بعض المساجد مقفلة، ولكنها شاهدة على تنظيم أولئك الفاتحين، كسرت المساجد، وهدمت، وأحرقت، وبقيت المفاتيح مع بعض الناجين إلى الحدود ليعرضوها على بعض من رآها، قال: المسجد هدم وسوي بالأرض، وهذا مفتاحه.

سل بيوت الله ماذا نالها بعد أن شرد عنها المسلم
شرب الصرب دمي واحسرتى هل سيطفي عطش الذئب الدم
سرقوا اللقمة من أفواهنا واستباحوا أرضنا واقتسموا
أين منا الحلف بالأمس ألم يدري عما خططوا أو رسموا
ماله لم ينتفض إلا وقد سملت عين وشلت قدم
مال هذا الحلف بل شكراً له فلقد أعطى وقومي حرموا
أنا لا أعلم عن نياتهم يعلم الله بما قد أبرموا
إنما أسأل عن مليارنا عن بني قومي لماذا وجموا
أيها المليار هل أنت على أرضنا؟ هل لك وجه وفم

حال المسلمين أمام هذه المآسي

00:07:30

أين المسلمون؟ أين المسلمون؟

تسارعت وتيرة التهجير تحت القصف، واستعر القتل في المسلمين، والنتيجة الخسارة في النهاية نتيجة كل ما حصل ما هي؟ على رؤوس المسلمين، بغض النظر عن النتائج وعن الدوافع وعن الأسباب وعما بينهم، وعن مؤامراتهم وعن خلافاتهم، وعن نهاية المسرحية وكيف ستكون، ولكن في النهاية ننظر حولنا فلا نرى إلا مآسي إخواننا تتزايد.

فمتى تبصر يا مليارنا؟ ومتى يرفع عنك الصمم
ومتى يمتد جسر بيننا فوق بحر موجه يلتطم
أيها الأحباب يا من بيننا عروة وثقى بها نعتصم
قلب كوسوفو التي ترقبكم مجمر أحزانه تضطرب
أيها المليار لو ناصرنا منك مليون لزال الألم
لو سرى فوج إلينا في الدجى لانجلت عنا وعنه الظلم
ولو اهتزت سيف حرة لرأينا المعتدي ينهزم

أيها الإخوة: لا حل والله لهذا إلا الجهاد في سبيل الله، هذا هو، لا يمكن أن يرفع الذل عن الأمة إلا هذا، ولكن كيف تجاهد أمة غرقت في الأوحال والشهوات، غرقت في المعاصي؟ لا بد أولاً أن تنتشل نفسها من المعاصي لتجاهد، لا بد أن تتحرر من الشهوات، كيف يجاهد من هو غارق في المعاصي وحب الدنيا، وغارق في اللذات والملاهي، كيف يجاهد؟ أليس قبل ذلك يحرر نفسه من هذه الشهوات لكي يجاهد بنفسه، وإلا كيف سيجاهد؟

وتبقى لنا أموال نرسلها وتفاعلات طيبة قد حصلت، ولو قدر لها أن تأخذ طريقها الصحيح ولم تمتد إليها أيدي ناهب أو سارق ووصلت إلى أهلها الحقيقين لكان في ذلك خير عظيم، وحدث من ذلك أمور طيبة ولله الحمد.

أيها الأحباب يا من بيننا عروة وثقى بها نعتصم
قلب كوسوفو التي ترقبكم مجمر أحزانه تضطرب
خبزكم زاد على حاجتكم ولدينا جوعنا والسقم
لو بعثتم درهماً لابتسمت أسر ليس لديها درهم

واجبنا نحو إخواننا

00:10:22

فبقي لنا الدعاء إلى الله ، بقي لدينا أيها الإخوة صدقات نرسلها ودعوات نبعثها إلى الله ، لعل الله أن ينقذ بها إخواننا، ولعل هناك خير في هذه الأزمة، فإنه من المعلوم أيها الإخوة ولا يصح إخفاء الحقائق أن التجهيل قد صب على المسلمين في تلك البلاد صباً، وعزلوا عن الإسلام عزلاً في مناهج التعليم وفي الحياة وفي غير ذلك، تحت الشيوعية، ولذلك تراهم فعلاً النساء لا يعرف بينهن الحجاب، الرجال في السجائر، وهناك خمر، المصلون قلة، معسكر وجد فيه ثلاثة مصلين، وقام بعض الدعاة بدورهم فصاروا ثلاثة صفوف، إذن الأرضية خصبة للدعوة، لعل هؤلاء البعيدين عن الإسلام قد أخرجوا من ديارهم ليقوم الدعاة بينهم بالعمل، وتصل إليهم صدقات تربطهم بالأمة التي ينتمون إليها، مهما حصل من التجهيل عندهم فإن أقوال الشهود الذين رأوهم تقول: بأن هؤلاء عندهم اعتزاز بكلمة مسلم، ويعرفون انتماءهم للإسلام ولو لم يعرفوا شيئاً من الدين، ولذلك فإمكانية قبولهم للإسلام كبيرة جداً، وينبغي أن توجه الجهود إلى الدعوة، وإحياء الجهاد في نفوس شبابهم؛ لأن من رفعوا ألوية القتال عندهم في الغالب جلهم علمانيون قوميون وطنيون لا يرفعون راية إسلامية من التجهيل الذي أصابهم، فالذي ينبغي إذن أن توجه له الجهود الدعوة أولاً، إطعام في يوم ذي مسغبة ودعوة إلى الله، وتعليم أولئك أن العزة لا ينالونها إلا بالجهاد في سبيل الله، هذه الثلاثة التي ينبغي أن توجه لها الجهود، ونحن بدورنا ينبغي أن نعود إلى ديننا لنكون على مستوى إنقاذ إخواننا الذين يعيشون في البؤس هناك، وفي غيرها من أقطار المسلمين.

اللهم هيئ لنا من أمرنا رشداً، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، ويحكم فيه بما أنزلت، وينصر فيه المسلمون يا رب العالمين، اللهم ارحم ضعفاءنا، اللهم ارحم ضعفاءنا، اللهم ارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، اللهم أنج المستضعفين من المسلمين، اللهم أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف يا رب العالمين، اللهم دمر الصرب والصليبين، اجعل بأسهم بينهم، اجعل خلافاتهم تدميراً عليهم، اللهم خالف بين كلمتهم، وألق الرعب في قلوبهم، وصب عليهم سوط عذاب إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.

وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.