الخميس 28 ربيع الآخر 1446 هـ :: 31 أكتوبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

انصر نبيك يا مسلم


عناصر المادة
الخطبة الأولى
فضائل ومناقب النبي ﷺ
شهادات الكفار للنبي ﷺ
آثار النبوة على نبينا ﷺ
الخطبة الثانية
حقد الكفار على النبي ﷺ
حكم سب النبي ﷺ وعقوبته
واجبنا نحو النبي عليه الصلاة والسلام

الخطبة الأولى

00:00:07

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

فضائل ومناقب النبي ﷺ

00:00:30

فقد قال تعالى في كتابه العزيز: لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌسورة التوبة128، إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًاسورة الأحزاب56 قرن اسمه باسمه في الأذان، وجعل شأنه عالياً، وتفضل عليه بالوحي والرسالة، واصطفاه من بين خلقه ليكون خاتم النبيين: وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًاسورة النساء113، وجعل له لواء الحمد والمقام المحمود، هذا نبينا ﷺ أفضل الأنبياء إمامهم يوم القيامة وقائد الغر المحجلين يوم الدين ويوم يرجع الأنبياء إليه للشفاعة ليقضى بين الخلائق.

فيقوم هؤلاء الكفرة اليوم بشن الغارات على شخص محمد بن عبد الله ﷺ ليبوء بالإثم في البداية، والمسلسل طويل من قبلهم، صحيفة دنمركية للرسومات الساخرة التي تستهزئ بأعظم رجل وطأت قدماه الثرى، صورة آثمة وقحة وقاحة الكفر وأهله ليكون في ذلك الرسم عمامة تشبه قنبلة ملفوفة حول رأس رجل، كأنهم بل صرحوا أنه إرهابي، وهذا من شدة ما أرهبهم، ثم تأتي جريدة أخرى نرويجية لتنكأ الجراح وتشن الغارة من جديد لتعيد نشر الرسوم الوقحة التي نشرت من قبل: أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَسورة الذاريات53، فيا لله ماذا بقي في الحياة من لذة عندما ينال من مقام محمد ﷺ ثم لا ينتصر له؟ وماذا نقول تجاه هذا العداء السافر والتهكم المكشوف هل نغمض أعيننا أو نصم آذاننا أو نطبق أفواهنا وفي القلب عرق ينبض، والذي كرم محمد وأعلى مكانته ﷺ لبطن الأرض أحب إلينا من ظاهرها إن عجزنا أن ننطق بالحق وندافع عن نبينا ﷺ، ألا جفت أقلام وشلت سواعد قد امتنعت عن تسطير الأحرف والنطق بالكلمات للذود عن حوض النبي ﷺ، فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم فداء.

وهكذا يا عباد الله يسفر هؤلاء أعداء الدين من أهل الكتاب وغيرهم عن وجوههم القبيحة مرات كثيرة بصور مختلفة، وتعاد الصورة مرة أخرى والتأريخ يعيده الله : إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ۝ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ۝ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُسورة الكوثر1-3 الشانئ العدو المبغض الساب الشاتم هذا منقطع الذكر قليل الأثر، هذا هو الذي لا عقب له، ولا يبقى له نسل ولا حسن ذكر، أما أنت يا محمد ﷺ فتبقى ذريتك وصيتك الحسن بين العباد وآثار فضلك إلى يوم القيامة، ولك في الآخرة نهر الكوثر والخير الكثير.

عباد الله: لما قام قريش يسبونه ﷺ، وقامت تلك المرأة تقول: "مذمماً عصينا ودينه أبينا"، قال ﷺ:  ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم، يشتمون مذمماً ويلعنون مذمماً وأنا محمد [رواه البخاري3533]رواه البخاري ومسلم.

وهكذا دافع الله عن نبيه ﷺ، وذكره بالمقام العظيم في كتابه، وأنزل هذه السور وغيرها من الآيات للدفاع عن محمد ﷺ: ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ۝ مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ۝ وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ ۝ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ سورة القلم1-4 ، أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ۝ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ ۝ الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ ۝ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَسورة الشرح1-4، وهكذا رفع ذكره وخفض شانئيه وشأنهم.

تقوم الرسومات الكركاتورية الساخرة اليوم بالاستهزاء بنبينا ﷺ في رسمها ورمزها، ولكن ليس نبينا بالصورة التي رسموها ولا بالخلق الذي وصفوه، فوجهه ﷺ هو الضياء، والطهر، والقداسة، والبهاء، أعظم استنارة وضياء من القمر ليلة البدر، يفيض سماحة وبشراً وسروراً، طلعته آسرة تأخذ بالألباب، وكل من رآه عرف صدقه في وجهه، ومنهم من ارتعدت فرائصه وهو ينظر إليه، ومنهم من بكى إجلالاً له وإعجاباً، وما كان ﷺ عابساً ولا مكشراً، إنه ﷺ كان أشد حياء من العذراء في خدرها، إذا سر استنار وجهه كأنه قطعة قمر أهدب الأشفار أكحل العينين كأنه سبيكة فضة، مليح الوجه، يقول أنس رضي الله عنهما: "ما مسست حريراً ألين من كف رسول الله ﷺ"[رواه البخاري3561]، كان ﷺ يعرف بريح الطيب إذا أقبل، كان ﷺ أحسن الناس خلقاً وأكرمهم وأتقاهم، كان ﷺ لا يستكبر أن يمشي مع المساكين، تأخذ الجارية الصغيرة بيده فينطلق لقضاء حاجتها، كان يزور الأمصار، ويسلم على صبيانهم، ويأتي ضعفاءهم ويزورهم، ويعود المرضى، ويشهد الجنائز، كان ﷺ يجلس على الأرض، ويأكل على الأرض، ويعتقل الشاة فيحلبها، كان يخصف نعله، ويخيط ثوبه ويفليه، ويحلب شاته ويخدم نفسه، كان يبيت الليالي طاوياً لا يجد عشاء، وكان لا يجد ما يملأ بطنه من الدقل وهو التمر الرديء، وكان يعصب الحجر على بطنه من الجوع مرات، يقبل الهدية ولا يأخذ الصدقة، كان أشجع الناس إذا احمر البأس اتقوا به في القتال، تمر به الهرة فيسغي لها الإناء لتشرب منه، كان ﷺ عفواً يغفر ويصفح، حتى عفا عن ذلك المشرك الذي اخترط سيفه ورفعه عليه صلتاً قال: من يمنعك مني؟ قال: الله[رواه البخاري2910]، فشلت يد المشرك وسقط السيف من يده، كان سخياً كريماً أجود الناس، كان ﷺ عظيماً في أخلاقه وآدابه وخلقته.

ألم تر أن الله خلد ذكره إذ قال في الخمس المؤذن أشهد
وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد

أوفر الناس عقلاً، وأسدهم رأياً، وأصحهم فكرة، وأسخاهم يداً، وأنداهم راحة، وأجودهم نفساً، يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، يجود ويقول: أنفق يا بلال ولا تخشى من ذي العرش إقلالاً[رواه البزار1366]، أرحب الناس صدراً، وأوسعهم حلماً، لا يزيده جهل الجاهلين عليه إلا عفواً، أعظم الناس تواضعاً، لا يتميز عن أصحابه بمظهر، ألين الناس عريكة، وأسهلهم طبعاً، ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما، لا يغضب لنفسه فإذا انتهكت حرمات الله لم يقم لغضبه شيء ولا يستطيع أن يقف أحد في طريقه كأنما يفقأ في وجهه حب الرمان تعظيماً لحرمات الله وغضباً لها.

أشجع الناس قلباً، وأقواهم إرادة، يخوض الغمار قائلاً:

أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب

أعف الناس لساناً، وأوضحهم بياناً، يسوق الألفاظ مفصلة كالدرر مشرقة كالنور، هو طاهر كالفضيلة، إنه صاحب العفة، يقيم الحدود ويقسم بالعدل بين الناس، هو أسمح الخليقة روحاً وأعلاه نفساً وأزكاها وأعرفها بالله، أشد الناس في أمر الله، أخشى الناس لله، يؤتي كل ذي حق حقه، قضى زهرة شبابه مع امرأة من قريش تكبره بخمس عشرة سنة قد تزوجت من قبل وما تزوج بعدها لاستمتاع مجرد بل كان في زواجه ﷺ مصالح عظيمة.

أرفق الناس بالضعفاء، وأعظمهم رحمة بالمساكين، شملت رحمته حتى البهيمة فهو ينهى أن يحد شفرته، أي: الجزار بحضرة الشاة وهي تلحظ إليه وأن تذبح شاة بحضرة أخرى، وهكذا أخبر أن امرأة دخلت النار في هرة حبستها، إنه أمين الله على وحيه، ومصطفاه من خلقه، اختاره الله وبعثه رحمة للعالمين، وحمل هداية رب السماء إلى أهل الأرض، نور النبوة مشكاتها وشعاعها، ينطلق من لسانه:

خلقت مبرأً من كل عيب كأنك قد خلقت كما تشاء

شهادات الكفار للنبي ﷺ

00:10:30

عباد الله: لقد أنصف بعض الكفار نبينا ﷺ لما قرؤوا سيرته من عظم أخلاقه، ومن عظم هذه الحياة التي تركت وراءه مسطرة، فرضوان الله عن أصحاب ما فوتوا صغيرة ولا كبيرة إلا ونقلوها من شأنه ﷺ، ولا يوجد رجل في العالم لا في القديم ولا في الحديث، لا من المسلمين ولا من الكفار، سيرته منقولة بهذه الدقة، فهل رأيت في العالم من نقلت صفته وسيرته وأحداث حياته كمحمد ﷺ؟ ولذلك يقول مايكل هارت في الخالدين المائة وقد جعل على رأسهم سيدنا محمداً ﷺ: لقد اخترت محمداً ﷺ في أول هذه القائمة؛ لأنه هو الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحاً مطلقاً على المستوى الديني والدنيوي، قد دعا إلى الإسلام، وأصبح قائداً سياسياً، وعسكرياً، ودينياً، وبعد ثلاث عشرة سنة من وفاته فإن أثر محمد ما يزال قوياً متجدداً، وقال: ولما كان محمد ﷺ قوة جبارة لا يستهان بها فيمكن أن يقال أيضاً: إنه أعظم زعيم سياسي عرفه التاريخ.

أما برنارد شو الإنجليزي وله مؤلف اسمه: محمد، قد أحرقته سلطات بلاده يقول فيه: إن العالم أحوج ما يكون إلى رجل في تفكير محمد ﷺ، وإن رجال الدين في القرون الوسطى ونتيجة للجهل أو التعصب قد رسموا لدين محمد صورة قاتمة، لقد كانوا يعتبرونه عدواً للمسيحية، لكنني اطلعت على أمر هذا الرجل فوجدته أعجوبة خارقة، وتوصلت إلى أنه لم يكن عدواً للمسيحية بل يجب أن يسمى منقذ البشرية، وفي رأيي أنه لو تولى أمر العالم اليوم لوفق في حل مشكلاتنا بما يؤمن السعادة والسلام التي يرنو إليها البشر.

ويقول آن بيزيت: من المستحيل لأي شخص يدرس حياة وشخصية نبي العرب العظيم ويعرف كيف عاش وكيف علم الناس إلا أن يشعر بتبجيل هذا النبي الجليل أحد رسل الله العظماء، هل تقصد أن تخبرني أن رجلاً في عنفوان شبابه لم يتعد الرابعة والعشرين من عمره بعد أن تزوج من امرأة أكبر منه بكثير وظل وفياً لها طيلة ستة وعشرين عاماً ثم عندما بلغ الخمسين من عمره السن التي تخلو فيها شهوات الجسد تزوج لإشباع رغباته وشهواته، ليس هكذا يكون الحكم على حياة الأشخاص.

أما تولستوي الأديب العالمي فيقول: يكفي محمداً فخراً أنه خلص أمة ذليلة دموية من مخالب شياطين العادات الذميمة وفتح على وجوههم طريق الرقي والتقدم، وإن شريعة محمد ستسود العالم لانسجامها مع العقل والحكمة.

أما شبرك النمساوي فيقول: إن البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها، إذ أنه رغم أميته استطاع قبل بضعة عشر قرناً أن يأتي بتشريع سنكون نحن الأوربيين أسعد ما نكون إذا توصلنا إلى قمته.

وهكذا يصفه إدوار منته الفرنسي: عرف محمد ﷺ بخلوص النية والملاطفة وإنصافه في الحكم ونزاهة التعبير عن الفكر والتحقق.

وقال الإنجليزي تومس كارليل الحائز على جائزة نوبل في كتابه الأبطال: لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد متحدث في هذا العصر أن يصغي إلى ما يقال: من أن دين الإسلام كذب، وأن محمداً خداع مزور، وقد رأيناه طول حياته راسخ المبدأ صادق العزم كريماً براً رؤوفاً تقياً فاضلاً حراً، رجلاً شديد الجد مخلصاً، وهو مع ذلك سهل الجانب لين العريكة جم البشر والطلاقة، حميد العشرة حلو الإيناس، بل ربما مازح وداعب، كان عادلاً صادق النية ذكي اللب شهم الفؤاد، كأن ما بين جنبيه مصابيح كل ليل بهيم ممتلئاً نوراً، رجلاً عظيماً بفطرته لم تثقفه مدرسة ولا هذبه معلم وهو غني عن ذلك.

أما كوت الألماني فيقول: إننا أهل أوروبا بجميع مفاهيمنا لم نصل بعد إلى ما وصل إليه محمد ﷺ، وسوف لا يتقدم عليه أحد، ولقد بحثت في التاريخ عن مثل أعلى لهذا الإنسان فوجدته في النبي محمد، وهكذا وجب أن يظهر الحق ويعلو، كما نجح محمد الذي أخضع العالم كله بكلمة التوحيد.

وهكذا وهكذا تتوالى الشهادة من الأعداء ومن مخالفيه ﷺ في الدين، ومهما كان من الملاحظات على بعضها؛ لأن الذين أطلقوها من غير المسلمين، وبعضهم يجهل حقيقة الوحي ولا يقر بختم النبوة ولا بأن دين محمد ﷺ يجب الدخول فيه، فإن هذه الشهادات كافية بأن سيرة النبي ﷺ قد أخضعت أقلام أولئك الكتاب، وأنهم لما اطلعوا على شيء من حياته ذلوا ولم يملكوا أنفسهم من تسطير هذه الكلمات، فيأتي هؤلاء اليوم من الكفرة الذين لا يعترفون حتى بما سطره أدباؤهم وبعض كتابهم ومنصفيهم لا يرونه شيئاً ليقوموا بالاعتداء على شخص محمد ﷺ.

آثار النبوة على نبينا ﷺ

00:16:33

عباد الله: إن نبينا ﷺ صادق، ولما رآه أحد أكابر ثقيف قال له: لأقول لك كلمة واحدة: إن كنت صادقاً فأنت أجل في عيني من أن أرد عليك، وإن كنت كاذباً فأنت أحقر من أن أرد عليك.

لو لم تكن فيه آيات مبينة كانت بديهته تنبيك بالخبر

كل من رآه عرف من وجهه أنه صادق، وما من أحد ادعى النبوة من الكذابين إلا وظهر عليه من الجهل والكذب والفجور واستحواذ الشياطين ما فضحه، وما من أحد ادعى النبوة من الصادقين إلا وقد ظهر عليه من العلم والصدق والبر وأنواع الخيرات ما ميزه، وهكذا قال تعالى: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ ۝ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ۝ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَسورة الشعراء221-223.

إن خديجة رضي الله عنها وهي زوجته قالت له لما رجع خائفاً من الغار: كلا أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبداً، فوالله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، ولما عرف ورقة بن نوفل ماذا حصل لنبينا في الغار، وسمع أول ما نزل عليه قال: هذا الناموس الذي أنزل على موسى، لقد عرفه بحيرى الراهب بصفته وهو صغير، وهكذا اعترف له عبد الله بن سلام بما في التوراة، وهكذا عرفته الجن لما سمعوا كلامه، أرسل الله إليه نفراً من الجن يستمعون القرآن فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ ۝ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىسورة الأحقاف29-30.

وهكذا عرفه ملك الروم هرقل لما سأل أبا سفيان أسئلة فأجابه عنها، ثم قال له هرقل: سألتك عن نسبه، فذكرت أنه فيكم ذو نسب، فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها، وسألتك: هل قال أحد منكم هذا القول، فذكرت أن لا، فقلت: لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يأتسي بقول قيل قبله، وسألتك: هل كان من آبائه من ملك؟ فذكرت أن لا، فقلت: فلو كان من آبائه من ملك قلت: رجل يطلب ملك أبيه، وسألتك: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فذكرت أن لا، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله، وسألتك: أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه وهم أتباع الرسل، وسألتك: أيزيدون أم ينقصون؟ فذكرت أنهم يزيدون، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم، وسألتك: أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب، وسألتك: هل يغدر؟ فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر، وسألتك: بم يأمركم؟ فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف، فإن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج -هرقل كان عنده من العلم-، لم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه.[رواه البخاري7] ولكن منع حب الرئاسة بعد ذلك هرقل من الدخول في الدين، وكان يجب عليه أن يترك ملكه وبلده ويأتي مهاجراً إلى النبي ﷺ ويعلن الدخول في دينه كما فعل النجاشي وأمره النبي ﷺ بالبقاء في بلده للمصالح العظيمة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولهذا أخبرت الأنبياء المتقدمون: أن المتنبئ الكذاب لا يدوم إلا مدة يسيرة، وهذه من بعض حجج ملوك النصارى الذين يقال إنهم من ولد قيصر هذا أو من غيرهم، حيث رأى رجلاً يسب النبي ﷺ من رؤوس النصارى ويرميه بالكذب، فجمع علماء النصارى وسألهم عن المتنبئ الكذاب كم تبقى نبوته فأخبروه بما عندهم من النقل عن الأنبياء أن الكذاب المفتري لا يبقى إلا كذا وكذا سنة، لا يبقى إلا شيئاً يسيراً ثم يضمحل ذكره لمدة قريبة من ثلاثين سنة ونحو ذلك، فقال لهم: هذا دين محمد له أكثر من خمسمائة أو ستمائة سنة في ذلك الوقت الذي حدثت فيه القصة، وهو ظاهر مقبول متبوع فكيف يكون هذا كذاباً؟ ثم ضرب عنق النصراني من أصحابه ورعيته.

عباد الله: كل من نظر في دين هذا النبي الكريم، كل من نظر في الوحي الذي جاء به هذا الرسول العظيم يعرف صدقه: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَسورة البقرة 146 إي والله يعرفون محمداً ﷺ بوصفه كما يعرفون أبناءهم: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ۝ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَسورة البقرة146-147.

وهكذا لما سمع النجاشي صدر سورة مريم سمع بعض ما أنزل على محمد ﷺ من جعفر بن أبي طالب وغيره من الصحابة قال: "إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة".

أيها المسلمون: نبينا عندنا في مقام عظيم، وفي نفوسنا له منزلة كبيرة، ونحن نعلم أن من سبه ﷺ إن كان مسلماً فإنه يصبح مرتداً بهذا السب، ولا تمنع توبته من قتله على القول الراجح؛ لأن حق الله يسقط بالتوبة، أما حق محمد بن عبد الله فكيف يتم التنازل عنه وصاحب الحق قد مات؟ ولذلك يبقى الأمر في إقامة الحد عليه بالموت، وإذا صدق في التوبة تنفعه عند الله، هذا قول عدد من أهل العلم، كما نصر ذلك شيخ الإسلام وبينه في كتابه العظيم الصارم المسلول على شاتم الرسول، وأما من الكفار فإن النبي ﷺ قد جرد كتائب لقتل هؤلاء، كما فعل ببعض اليهود الذين وقعوا فيه وسبوه وشتموه في شعرهم، وجعلوا بعض القينات المغنيات عندهم يغنين بشتمه ﷺ، فأرسل إليهم من اغتالهم على فرشهم وفي عقر دارهم، تلك حرمة محمد بن عبد الله ﷺ، فقد آن لنفوس المؤمنين أن تنطلق بنصرة نبيها وأن تدفع أولئك الشانئين.

اللهم انصر سنة محمد بن عبد الله في العالمين، اللهم زد ذكره رفعة وأعلي وزد في دينه علواً، اللهم إنا نسألك أن تكبت عدوه وأن تنشر سنته في العالمين وأن تعلي دينه فوق سائر أهل الأرض يا أرحم الراحمين، اللهم أرنا فيمن سبه مصيراً أسوداً، اللهم انتقم لنبيك، اللهم انتقم لنبيك، اللهم انتقم لنبيك، إنك عزيز ذو انتقام.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:24:08

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله قيوم السموات والأرضين، الحمد لله رافع السماء بلا عمد، الحمد لله استغنى عن والدة والولد، الحمد لله لم يكن له كفواً أحد، الحمد لله الذي ليس له صاحبة ولم يتخذ ولداً وخلق كل شيء، والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله البشير والنذير والسراج المنير وحامل لواء الحمد والشافع المشفع يوم الدين، أول الناس قياماً من القبور، وأول الناس يسير إلى ساحة البعث والعرض والنشور، وأول الناس وروداً على حوضه، وأول الناس عبوراً للصراط، وأول الناس دخولاً الجنة، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه، اللهم أعل شأنه، اللهم ارفع درجته، اللهم اجعلنا من أهل شفاعته، أشهد أنه رسول الله حقاً، والداعي إلى سبيله صدقاً، بلغ الرسالة، تركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، بلغ الأمانة وأدى الرسالة ونصح الأمة، علمنا فأحسن تعليمنا، وأدبنا فأحسن تأديبنا، عليه الصلاة والسلام، اللهم ارض عن أصحابه وعن آله وزوجته وذريته الطيبين الطاهرين وعن خلفائه الميامين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

حقد الكفار على النبي ﷺ

00:25:37

عباد الله: لعله جس نبض، ويريد هؤلاء اليهود والنصارى أن يعلموا ماذا في الأمة من حس وماذا بقي فيها من غيرة، وكذلك فإن عداوتهم لأهل الإسلام ولنبيه باقية إلى قيام الساعة، حتى ينزل عيسى فيقضي عليهم، ولا شك أن من عداوتهم أن يسبوا نبينا ونحن نتوقع هذا منهم، وأن يهاجموه في وسائل إعلامهم، وأن يسيروا سيرة كفار قريش الذين كانوا يشوهون سمعة نبينا في محافل الحجاج ولكن الله لهم بالمرصاد، فنصر الله نبيه عليهم، وهكذا ينصر الله نبيه في هذا الزمان وفي كل زمان، وكل من تعرض لذاته الكريمة ووقع فيه كما وقع هؤلاء بعض الدنماركيين والنرويجيين ومن لف لفهم، وتعرضوا لنبينا الكريم بالبذاءة والسخرية والاستهزاء، ويرفضون الاعتذار ويقولون: حرية الرأي، حرية الكفر، فإذا سبت ملكتهم وسب نظامهم ودولتهم فماذا عساهم يقولون؟ يسنون القوانين في عقوبة من سب نظامهم ودولتهم وملكتهم، ولكن عندما تأتي القضية إلى نبينا الذي يجب على ملكتهم ورؤسائهم الإيمان به تصبح المسألة تصبح القضية حرية رأي، حرية الكفر، حرية الهجوم على النبي الكريم ﷺ.

عباد الله: هكذا إذن فعل هؤلاء، وقبلهم من النصارى في أمريكا وغيرها كما قال جري فالويل: أنا أعتقد أن محمداً كان إرهابياً، وفي اعتقادي المسيح وضع مثال الحب كما فعل موسى، وأنا أعتقد أن محمداً وضع مثالاً عكسياً، ويتهمه وحاشاه عليه الصلاة والسلام بأنه كان لصاً وقاطع طريق.

أما باك ربورتسن الحاقد الآخر في الولايات المتحدة يقول عن نبينا ﷺ: كان مجرد متطرف ذو عيون متوحشة تتحرك عبثاً من الجنون.

وصاحبه جري فاينز يقول عن النبي ﷺ: إنه يتملكه الشيطان.

وجيمس واكرت يتهمه بالشذوذ.

هكذا أيها الإخوة المسلسل معروف من هؤلاء اليهود والنصارى بأقلام ورسومات، في وسائل إعلامهم، لقد أغاضهم محمداً ﷺ، لقد أغاضهم انتشار دينه، لقد أغاضتهم شريعة الجهاد التي جاء بها ﷺ، لقد أغاضتهم قوة الإسلام، لقد أغاضتهم هذه الشريعة التي ليس عندهم مثلها، أغاضهم سرعة انتشار الإسلام، أغاضهم أن الإسلام أول دين في العالم في سرعة الانتشار، لقد أغاضهم هذا التوقير والاحترام الذي يحظى به نبينا ﷺ بيننا مع تقصير كثير من المسلمين.

حكم سب النبي ﷺ وعقوبته

00:28:39

عباد الله: من سخر بالنبي ﷺما حكمه؟

قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ ۝ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْسورة التوبة65-66.

روى أبو داود عن علي : "أن يهودية كانت تشتم النبي ﷺ وتقع فيه، فخنقها رجل حتى ماتت، فأبطل رسول الله ﷺ دمها"[رواه أبو داود4362]، قال شيخ الإسلام: وهذا الحديث جيد وله شاهد من حديث ابن عباس.

وفي قصة الأعمى المعروفة المشهورة الذي كانت له أم ولد ترعاه له منها ابنان كاللؤلؤتين، فوضع ذلك الرمح القصير في بطنها واتكأ عليها حتى ماتت؛ لأنها كانت تشتم النبي ﷺ وتقع فيه.

ولما أغلظ رجل لأبي بكر الصديق، قال أبو برزة الأسلمي للصديق: أقتله، فانتهرني، يقول أبو برزة، وقال: "ليس هذا لأحد بعد رسول الله ﷺ".

أيها المسلمون، يا عباد الله:

إن سب النبي ﷺ من أعظم المحرمات وكفر وردة عن الإسلام بإجماع العلماء، سواء فعل ذلك القائل جاداً أم هازلاً، وفاعله يقتل ولو تاب كما تقدم مسلماً كان أو كافراً.

وإن عقوبة من سب النبي ﷺ في الدنيا أن الله يذيقه من العذاب المهين، فالله يدافع عن الذين آمنوا، والنبي عليه الصلاة والسلام رأس المؤمنين، وقال: وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِسورة المائدة67، وقال: إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَسورة الحجر95، وقال: فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُسورة البقرة137، وقال: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُسورة الزمر36، قال الشيخ السعدي رحمه الله: وقد فعل تعالى فما تظاهر أحد -يعني: أعلن- بالاستهزاء برسول الله ﷺ وبما جاء به إلا أهلكه الله وقتله شر قتلة.

أيها المسلمون: لقد جاءت الروايات مبينة لهذا، فأخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي وأبو نعيم في الدلائل وابن مردويه بسند حسن عن ابن عباس في قوله: إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَسورة الحجر95 قال: المستهزئون الوليد بن المغيرة، والأسود بن عبد يغوث، والأسود بن المطلب، والحارث السهمي، والعاص بن وائل، فأتاه جبريل فشكاهم إليه رسول الله ﷺ، فقال: أريني إياهم، فأراه كل واحد منهم، وجبريل يشير إلى كل واحد منهم في موضع من جسده ويقول: كفيتكه، والنبي ﷺ يقول: ما صنعت شيئاً، فأما الوليد فمر برجل من خزاعة وهو يريش نبلاً فأصب أكحله فقطعه، انقطع عرق فأدى إلى هلاكه، وأما الأسود بن المطلب فنزل تحت سمرة فجعل يقول: يا بني ألا تدفعون عني قد هلكت وطعنت بالشوك في عيني، فجعلوا يقولون: ما نرى شيئاً، فلم يزل كذلك حتى عتمت عيناه، وأما الأسود بن عبد يغوث فخرج في رأسه قروح فمات منها، وأما الحارث فأخذه الماء الأصفر في بطنه حتى خرج خرؤه من فيه فمات منه، وأما العاص فركب إلى الطائف فربض على شبرقة فدخل من أخمص قدمه شوكة فقتلته.

وهكذا بعض أعداء النبي ﷺ كان مع أبيه في سفر فنزلوا منزلاً وهم على الشرك فقال أبوه: إني أخاف من أصحاب محمد على ولدي، إني أخاف من السباع، اجعلوا حوله الأمتعة وناموا حوله، فجاء أسد وهم نيام فشمهم حتى وصل إليه فافترسه.

عباد الله: قد روى أنس : "أن رجلاً نصرانياً أسلم وقرأ البقرة وآل عمران، فكان يكتب للنبي ﷺ، يعني: يكتب الوحي، فعاد نصرانياً ارتد، وكان يقول: ما يدري محمد إلا ما كتبت له، ادعى أن هذا القرآن منه، فأماته الله فدفنوه، أي: النصارى الذين عندهم في الشام الذين لجأ إليه، فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه، لما هرب منهم نبشوا عن صاحبنا فألقوه، فحفروا له فأعمقوا فأصبح وقد لفظته الأرض لليوم الثاني، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه، نبشوا عن صاحبنا لما هرب منهم فألقوه، فحفروا له وأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا، فأصبح وقد لفظته الأرض، فعلموا أنه ليس من الناس، يعني: هذا الاستخراج من الأرض ليس فعل بشر، فألقوه.."[رواه البخاري3617] الحديث رواه البخاري ومسلم.

عندما تكون الأمة في عافية والدين في قوة في نفوس المسلمين ترى النموذج العظيم من ذينك الفتيين الصغيرين بينهما عبد الرحمن بن عوف، كل منهما يسأل عن أبي جهل أين هو أين هو، ما هذا الحماس؟ ولماذا السؤال؟ "إني أخبرت أنه يسب رسول الله ﷺ، والذي نفسي بيده لأن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا"، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وإن الله منتقم لرسوله ممن طعن عليه وسبه ومظهر لدينه ولكذب الكاذب إذا لم يمكن للناس أن يقيموا عليه الحد، مثل هؤلاء الكفرة اليوم في بلادهم في حراسة، فيقول المسلمون: لا نستطيع الوصول إليهم وليسوا تحت سلطاننا لإقامة الحد عليهم، قال شيخ الإسلام: وإن الله منتقم لرسوله ممن طعن عليه وسبه إذا لم يمكن الناس أن يقيموا عليه الحد.

ونظير هذا ما حدثناه أعداد من المسلمين العدول أهل الفقه والخبرة عما جربوه مرات متعددة في حصر الحصون والمدائن التي بالسواحل الشامية لما حصر المسلمون فيها بني الأصفر، يعني: الروم النصارى، في زماننا، قالوا: كنا نحن نحصر الحصن الشهر أو أكثر من الشهر وهو ممتنع علينا، حتى نكاد نيأس منه، حتى إذا تعرض أهله لسب رسول الله والوقيعة في عرضه تعجلنا فتحه وتيسر ولم يكد يتأخر إلا يوماً أو يومين أو نحو ذلك، ثم يفتح المكان عنوة، ويكون فيه ملحمة عظيمة، قال قادة الفتح المسلمين القادة العسكريون لأهل الإسلام، شهادات من أرض المعركة ومن الجبهات: حتى إنا كنا لنتباشر بتعجيل الفتح إذا سمعناهم يقعون فيه، مع امتلاء القلوب غيضاً عليهم بما قالوه فيه، وهكذا يقول شيخ الإسلام: حدثني بعض أصحابنا الثقات: أن المسلمين من أهل الغرب، يعني: المغرب، حالهم مع النصارى كذلك.

عباد الله: لقد وضع هرقل الكتاب الذي جاءه في قصبة من ذهب تعظيماً له، ولم يزل أولاده يتوارثونه، حتى كان عند ملك الفرنج الذي تغلب على طليطلة، ثم كان عند سبطه، يقول بعض مؤرخي الإسلام السهيلي: حدثني بعض أصحابنا: أن عبد الملك بن سعد أحد قواد المسلمين اجتمع بذلك الملك فأخرج له الكتاب، فلما رآه المسلم استعبر، دمعت عيناه وبكى وسأل: أن يمكنه من تقبيله، فامتنع الملك الكافر أن يمكنه من تقبيل الخطاب.

وذكر ابن حجر عن سيف الدين فليح المنصوري: أن ملك الفرنج أطلعه على صندوق مصفح بذهب، فأخرج منه مقلمة من ذهب، فأخرج منها كتاباً قد زالت أكثر حروفه وقد التصقت عليه خرقة حرير، قال: هذا كتاب نبيكم إلى جدي قيصر ما زلنا نتوارثه إلى الآن، وأوصانا آباؤنا أنه ما دام هذا الكتاب عندنا لا يزال الملك فينا، فنحن نحفظه غاية الحفظ، ونعظمه، ونكتمه عن النصارى ليدوم الملك فينا.

أيها المسلمون: في التاريخ عبر وآيات في الحاضر والماضي: ذكر الشيخ أحمد شاكر رحمه الله المصري عن والده محمد شاكر وكيل الأزهر سابقاً، وكان هنالك خطيب مفوه متكلم فصيح يمدح أحد الأمراء عندما أكرم طه حسين، فقال ذلك الخطيب في خطبته لما جاء طه حسين أعمى البصر والبصيرة الذي قال: إنه يجب قبول الحضارة الغربية بحلوها ومرها، واتباع سنن الكفرة في كل شيء، الذي طعن في القرآن وفي العربية.

لما جاء طه حسين إلى ذلك الكبير من الكبراء قام الخطيب يمدح ذلك الكبير فقال: جاءه الأعمى فما عبس بوجهه وما تولى، جاءه الأعمى فما عبس في وجهه ولا تولى، وماذا يعني هذا الكلام؟ غمز وإساءة للنبي ﷺ؛ لأن الله قال عن قصته ﷺ مع ابن أم مكتوم: عَبَسَ وَتَوَلَّى ۝ أَن جَاءهُ الْأَعْمَىسورة عبس1-2 وعاتب نبينا ﷺ، مع أن موقفه ذلك كان بسبب: أن ابن أم مكتوم قد أشغله عن دعوة كبراء قريش، وأراد الله أن يعلم نبيه الاهتمام بابن أم مكتوم حتى ولو على حساب كبراء قريش.

عباد الله: هذه اللمزة في هذه الكلمة خطيرة جداً، فلما صلى الخطيب هذا بالناس قام الشيخ محمد شاكر رحمه الله وقال للناس: الصلاة خلفه باطلة، وأمرهم أن يعيدوا الصلاة؛ لأن الخطيب كفر بتلك الكلمة الذي تعتبر تجريحاً وتعريضاً بالنبي ﷺ، وما عاقبة هذا المجرم؟

قال الشيخ أحمد شاكر: ولم يدع الله لهذا المجرم جرمه في الدنيا قبل أن يجزيه جزاءه في الأخرى، فأقسم بالله لقد رأيته بعيني رأسي بعد بضع سنين وبعد أن كان عالياً منتفخاً مستعزاً بمن لاذ بهم رأيته مهيناً ذليلاً خادماً على باب مسجد من مساجد القاهرة يتلقى نعال المصلين ليحفظها في ذلة وصغار، حتى لقد خجلت أن يراني وأنا أعرفه وهو يعرفني لا شفقة عليه، فما كان موضعاً للشفقة ولا شماتة فيه ولكن لما رأيت من العبرة والعظة.

ذهب أحدهم لنيل شهادة من الشهادات العليا خارج البلاد، فلما أتم دراسته وهي تتعلق بسيرة النبي ﷺ، طلب منه أستاذه من النصارى أن يسجل في رسالته ما فيه انتقاص من النبي ﷺ وتعريض، فتردد الرجل بين القبول والرفض واختار الدنيا في النهاية على الآخرة، وأجابهم إلى ما أرادوه طمعاً في الشهادة الملوثة، فلما عاد إلى بلده فوجئ بهلاك جميع أولاده وأهله في حادث مفاجئ، ولعذاب الآخرة أشد وأنكى.

واجبنا نحو النبي عليه الصلاة والسلام

00:39:06

يا عباد الله: الله قال لنا: فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ أي: قاموا في نصرة ﷺ، وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ سورة الأعراف157 فوجب القيام بنصرة نبي الإسلام بجميع الوسائل الممكنة في هذا الزمان، ومن ذلك:

الاحتجاج بكافة الوسائل من الساسة والعامة والكبار والصغار بجميع الوسائل، والاحتجاج على مستوى الهيئات الشرعية ودور الفتيا والجامعات الإسلامية، وكذلك المنظمات الإسلامية، وإعلان الاستنكار من الشخصيات العلمية والقدوات الثقافية والقيادات الشرعية، وإعلان هذا النكير على المنابر وغيرها.

ورابعاً: المواجهة على مستوى المراكز الإسلامية الموجودة في الغرب والشرق في الرد على هذه الحملة واستنكارها.

وخامساً: المواجهة على المستوى الفردي بإرسال الرسائل الإلكترونية المتضمنة للاحتجاج والرد والاستنكار إلى المنظمات والجامعات والأفراد المؤثرين في الغرب، ولو نفر من المسلمين فرقة احتسبت بإرسال هذه الرسائل الكثيرة جداً إلى تلك المنظمات والجهات والأفراد سيكون لها أثر لافت.

وسادساً: استئجار ساعات البرامج في المحطات الإذاعية والتلفزيونية للذب عن نبي الإسلام، وأن يتكلم القاصي والداني من المسلمين ممن يستطيع في اتصالاتهم على البرامج الفضائية المباشرة لبيان غيرة المسلمين على نبيهم وقيامهم بذلك.

وسابعاً: كتابة المقالات القوية الرصينة التي تنشر في المجلات والصحف، وأن تترجم بلغات مختلفة وترسل إلى تلك الوسائل السيارة، وكذلك إنتاج الكتب وغيرها، بل الأفلام التي تبين عظمة دين الإسلام، وليس فيها محاذير شرعية كما فعله بعضهم من تمثيل شخصية النبي ﷺ وأصحابه كلا، بل إنتاج الأفلام المؤثرة التي تبين نور الإسلام وعظمة هذا الدين الذي جاء به نبي الإسلام.

وتاسعاً: عقد اللقاءات وإلقاء الكلمات في المنتديات والملتقيات العامة.

وعاشراً: إصدار البيانات الاستنكارية من الجهات المختلفة وغشيان المنتديات الإلكترونية والغرف الإلكترونية، وبث هذا الاستنكار.

والحادي عشر: إقامة المعارض الدولية المتنقلة والثابتة في الأماكن المختلفة لبيان شأن نبي الإسلام ﷺ وسيرة هذا النبي الكريم.

وكذلك تبادل الحوارات وفتح الحوارات مع كل من يمكن الوصول إليه وحشد الجهود، وإعداد البرامج للتعريف، وإصدار المجلات، والمطالبة بصياغة نموذج رسالة استنكار باللغات المختلفة جاهزة للإرسال، ومراسلة السفارات المعنية بها.

وكذلك الكتابة للجريدة التي نشرت هذه الرسوم ومطالبة هذه الجريدة وغيرها ممن نشر بالاعتذار للعالم الإسلامي جميعاً عما نشروه من الإساءات.

عباد الله: ينبغي أن تتكون في المسلمين مجموعات وقواعد بيانات ومواقع، ينبغي أن تكون هنالك مجاميع تنشر وتدافع وتذب عن محمد ﷺ.

عباد الله: تبادل العناوين والتعريف بكيفية الكتابة والاستنكار أقل ما نقوم به، وتعريف الكفار الذين يعيشون بيننا بنبينا ﷺ وسيرته، فهو الذي جاء الوحي عن طريقه، محمد ﷺ يجب أن يكون أحب إلينا من النفس والأهل والمال والولد، محمد ﷺ له الفضل العظيم علينا بعد الله، من الذي أيقظنا من الجهالة والعمى؟ من الذي أتى بهذا الدين من عند الله؟ من الذي كان قدوة؟ من الذي طبق هذا الدين عملياً؟ من الذي قدمه لنا سيرة فتحت أبواب السعادة على يديه، ومواطن الرحمة والقرب من الله بسببه، وزالت العداوات وألف بين القلوب، أقر العدل وانتشار الإسلام في العالم؟

ولسوف يبعثه الإله مقامه الـ محمود بعث مقرب منان
وله الوسيلة وهي أرفع رتبة خلصت له في جنة الحيوان
صلى عليه ذو المعارج ربه أزكى صلاة مارس الحسنان

عباد الله: وعندما قام ذلك المؤلف الآثم في بلاد الدنمارك بصنع ذلك الكتاب شلت يمينه الذي يتهجم فيه على دين الإسلام، وأراد رسام سخرية يرسم له رسمة يجعلها على غلاف الكتاب، فأحجم الرسامون لما رأوا من مصير فاندوخ الهولندي فسمعت بذلك تلك الصحيفة المجرمة فجن جنونهم كيف لا يتجرأ على المطلوب في عقر دارهم، فاستكتبت أربعين من الرسامين وجعلت مسابقة فأحجم ثمانية وعشرون منهم واستجاب اثني عشر من المجرمين الذين يفسدون ولا يصلحون ليرسموا تلك الرسوم المستهزئة بنبينا ﷺ، ويقوم المسلمون في تلك البلاد يحاولون يناصحون يتكلمون فترفض الجريدة الاعتذار ويذهبون لكبيرهم في الوزارة فيرفض استقبالهم وهو يستقبل المرتدة الصومالية ويمنحها وساماً لأنها تريد إنتاج فيلم يطعن في دين الإسلام ونبي الإسلام وشريعة الله والحجاب والأحكام، تشجيع الذين يريدون الطعن في دين الإسلام، سياسة ينتهجونها ويرفض التدخل في الموضوع، ويرفع المسلمون قضية فيرفض القاضي النظر فيها ويقول: أين الجريمة؟ أعمى البصيرة لم ير الجريمة، وهذا متوقع من مثل أولئك القوم، يتشدقون باحترام الأديان وعندما يأتي الواقع فإن العداء للسامية كما يقولون يعاقب عليه القانون أما الطعن في نبي الإسلام فليس عليه من ملام.

عباد الله: عندما يطعن هؤلاء في عفة نبينا ﷺ وأخلاق نبينا ﷺ ورجولة نبينا ﷺ، كما تدل على ذلك الرسومات الشنيعة القبيحة التي هم أولى بها وهم أهلها وأحق بها، فعند ذلك لا بد أن تثور ثائرة المسلمين، لا بد، ولقد رأينا ولله الحمد نماذج طيبة مباركة، ورأينا استنكاراً عاماً وخاصاً وأموراً تحتذى في سحب السفراء، ورأينا أيضاً تلك الثورة العظيمة للمسلمين من أجل نبيهم الكريم والهبة التي حصلت عندهم، وهم يريدون التعبير بأي شكل عنهم، بأي طريقة، حتى المقاطعة لو ما كان من التعبير إلا أن يقاطعوا بضائع القوم، وقد يقول قائل: إنها مليار ونصف مليار من الريالات في السنة وربما لا تمثل شيئاً كبيراً لهم، والحقيقة أيها الإخوة أنها تمثل شيئاً موجعاً لهم؛ لأن عبدة الدرهم والدينار يفهمون بهذا الأسلوب لا بغيره، ومهما كان من الأرباح التي تفوت فإنها بالنسبة لهم مخيفة، خصوصاً إذا بدأت القضية ببلاد الحرمين ثم توسعت إلى بلدان العالم الإسلامي الأخرى فكيف لو قاطع المسلمون في أنحاء العالم بضائع القوم؟ ولذلك فإن قناتهم الأولى قد تكلمت في الموضوع وصحفهم قد أثارت المخاوف وبدؤوا بخطة لكبح جماح هذ

1 - رواه البخاري3533
2 - رواه البخاري3561
3 - رواه البخاري2910
4 - رواه البزار1366
5 - رواه البخاري7 
6 - رواه أبو داود4362
7 - رواه البخاري3617 
  • أحمد اسماعيل قدادة

    أحسن الله لك يا شيخ. لا تنسنا من صالح دعائك. أحبك ب لله