الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
الصدق في المعاملات
فإن المسلم يصدق مع الله ، ويصدق مع عباده فهو صادق في عبادته، وصادق في معاملاته، والله قد طلب من العباد أموراً كثيرة، فيقوم العبد بالإخلاص لله في علاقته فيما بينه وبين الله، وأما علاقته بينه وبين الخلق فإنها تقوم على الصدق وعلى الفقه، فالفقه والعلم يا عباد الله، الفقه والعلم مع الصدق أساسان في التعامل بين العباد.
آداب في المعاملات مع الناس
ولذلك فإن المسلم الذي يعلم أن الله أحل البيع وحرم الربا لا يغشى الربا أبداً، ويفعل البيع عن تراضٍ، ولا يبيع محرماً، ولا يبيع بيع جهالة وغرر، وإذا نادى المنادي لصلاة الجمعة امتثل أمر الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ سورة الجمعة9.
ولا يتشاغل إذا أقيمت صلاة الجماعة، لا يتشاغل بأي أمر إلا الخروج إلى الصلاة، فإذا أقيمت الصلاة فلا يحل لأي مسلم أن يفعل أي شيء غير الخروج لصلاة الجماعة، وقد قال الله تعالى: رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ سورة النور37-38. .
والمسلم لا يبيع أمراً محرماً، ولا شيئاً يستعان به على معصية الله كآلات اللهو وغيره؛ لأن ربه نهاه عن ذلك بقوله وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِسورة المائدة2، وكذلك فإن المسلم لا يبيع بيع عينة، فلا يبيع سيارة بخمسين ألف مؤجلة مثلاً ثم يشتريها نقداً من المشتري بأربعين مثلاً، فتكون القضية أنه أعطاه أربعين ألفاً يردها إليه خمسين ألفاً، وهذه خدعة فإذا انطلت على الأطفال فإنها لا تنطلي على رب العباد.
وكذلك فإن المسلم لا يذهب إلى جهة يقول: أريد أن أشتري سيارة من معرض أو وكالة فيعطونه شيكاً يسلمه للمعرض ويأخذ السيارة ثم يقسط قيمتها بزيادة على من أعطاه الثمن، لا يفعل ذلك لأنه يعلم أنه عمل محرم، أقرضوه الثمن بهذا الشيك ثم سدده إليهم بزيادة، وهو يعلم أنه لا بد أن تكون السلعة في حوزت البائع، فلا يقبل مثل هذه التحويلات المبنية على الخداع، وهكذا لا يسحب ببطاقات الائتمان على المكشوف بزيادة؛ لأنه يخاف الحرب من الله الذي قال في كتابه العزيز: فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ سورة البقرة279، فالمسلم يفقه الشروط الشرعية في البيوع، ولا يبيع بيعتين في بيعة، ولا يقول لشخص: أبيعك على أن تؤجرني، ولا أؤجرك على أن تشركني في العمل الفلاني، ولا يؤخذ فائدة مقابل قرض أبداً، ولا يقول: أقرضك على أن تزوجني، وكذلك فإنه لا يبخس الناس حقوقهم، ولا يغش، ولا يدلس، ولا يحلف على الكذب، فلا يخفي عيوب سيارته إذا أراد بيعها، بل يبين كل ما فيها والمسلم إذا أقرض فإنما يبتغي بعمله وجه الله والدار الآخرة والثواب والأجر من الله ، لا يريد زيادة ولا منفعة، إذا أراد فلسان حاله كما قال المؤمنون عند الإطعام: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا سورة الإنسان9 إنه يريد بقرضه الحديث الذي قال: ما من مسلم يقرض مسلماً قرضاً مرتين إلا كان كصدقتها مرة [رواه ابن ماجه2430] وهكذا إن المسلم يبتغي بإقراض المحتاج الأجر الذي في حديث النبي ﷺ: من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة[رواه مسلم2699].
وكذلك إذا اقترض من شخص اجتهد في رد المال في الوقت إذا حدد له وقتاً يؤدي الأمانة، ولا يأخذ أموال الناس يريد إتلافها؛ لأنه يعلم أن العقوبة أن الله سيتلفه. ولا ليبدد الأموال في الأسفار المحرمات ثم يقول: ليس عندي ما أرده إليك، وإنما يقترض للحاجة وينوي الرد ولا يماطل، ولا يكذب ولا يتهرب من المواعيد، ويسعى لأجل إخلاص الرد على الوجه المطلوب، إنه يتذكر أن رجلاً ممن كان قبل اقترض وعبر البحر وسعى في عمل فلما جاء وقت السداد وهو بالساحل الآخر لم يجد سفينة يأتي عليها ليسدد حسب الموعد، فأخذ خشبة فنقرها ووضع فيها المال ورماها وهو يدعو الله أن يبلغها لصاحبه فلما علم الله ما في قلبه من الصدق والحرص على أداء الأمانة، لم يقدر للجذع أن يغرق، ولا للمال أن يتفرق، ولا للخشبة أن تضيع في الأمواج ولا أن تذهب إلى ساحل آخر ولا أن يلتقطها رجل آخر، بل قدر أن تتهادى تلك الخشبة على سطح الماء لتصل إلى صاحب المال الذي خرج في وقت وصولها إلى الساحل، بقدر من الله ، أن يأخذها حطباً لأهله ثم ينشرها ليجد المال فيها، وهكذا صدق المسلم في التعامل هو الذي يؤدي إلى بلوغ النتيجة وحصول الأمنية وبراءة الذمة، إن المسلم لا يبيع بيتاً مرهوناً إلا بموافقة المرتهن، ولا يأخذ مقابلاً على كفالة؛ لأن الكفالة عقد إحسان يبتغي به وجه الله، فإذا أراد أن يأخذ شيئاً من مكفوله فإنه يأخذه أجرة لشيء يأجره إياه حقيقة أو يشاركه فيه حقيقة، وكذلك فإن المسلم لا يتوكل في أمر لا في محاماة ولا في غير ذلك من أنواع الوكلات إلا وهو يعلم أن القضية التي وكل فيها مباحة، وأن التوكيل ليس من ظالم يريد أن ينتزع به حق امرئ مسلم، وكذلك فإن المسلم يسعى في الصلح بين المسلمين يرجو ثواب الله الوارد في كتاب الله، لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا سورة النساء114 والمسلم إذا عرض عليه صلح يقبله ولا يتعنت ولا يعاند، ولا يكابر بل يتنازل كل طرف عن شيء من الحق ليحصل الصلح، لماذا؟ لأن الله ندب إليه، وأراده وقال لعباده المؤمنين: وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْسورة الأنفال1، إنه يتنازل عن شيء من الدَين أو شيء من الدية أو شيء من حقوق الشراكة لتصلح الأمور ويفعل ذلك ابتغاء وجه الله، وكذلك فإن المسلم إذا استعار شيئاً حافظ عليه، وحفظه ورده إذا انتهت المدة، أو انتهت حاجته إليه؛ لأن الله قال في كتابه: أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَسورة الماعون1-7، فيمنعون الماعون الذي استعاروه، والأدوات التي اقترضوها، إنهم بمنعهم هذه العارية من إعادتها لأهلها استحقوا الويل الذي هدد الله به، فقال في وسط السورة: فويل.
أيها المسلمون: ألا فليتق الله الناس الذين يستعيرون سيارات إخوانهم ثم لا يرقبون فيها حق العارية، ويستعير الشيء فيرده تالفاً أو يرده ناقصاً، أو يرده وهو لا يشتغل، كيف يعمل هذا والله يقول: هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُسورة الرحمن60، فإذا أتلف المسلم شيئاً أو أحد أولاده فإنه يلزمه أن يرد ثمنه إلى صاحب المال، إلى صاحب الشيء، يرد الحق أو يرد مثله، أو يرد قيمته أو يطلب المسامحة، ولا يترك الأمور ليوم القيامة، ليوم لا دينار فيه ولا درهم.
إن المسلم يا عباد الله إذا استودع شيئاً حفظه، إن الأمانة إذا أودعت عندك فإنك تقوم بحقها يا عبد الله، ابتغاء الأجر من الله، وتؤديها امتثالاً لأمر الله، إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَاسورة النساء58، إذا أعطي المسلم زكاة أو صدقة أو تبرعات ليوصلها إلى جهة معينة فإنه مؤتمن عليها يوصلها، ولا يجوز له أن يتصرف فيها؟ فلا يجوز لمسلم أبداً أن يقترض من أموال الزكاة أو الصدقات أو التبرعات المودعة عنده، لو أودع شخص عندك أمانة فلا يجوز أن تقترض منها، ولو قلت: أوفيها في آخر الشهر والراتب مضمون، فالجواب لا يمكن ذلك أبداً، لا يمكن أن تتصرف في الأمانة التي عندك، لا تقترض منها ولا تقرض منها أبداً إلا بموافقة صاحب الأمانة الذي استودعها عندك؛ لأن الأمانات والأموال المعطاة لصرفها لجهة معينة لا يجوز استعمالها وإنما تصرف فيمن وكل فيه الإنسان، إلى من وكل الإنسان بصرفه إليه، إن أمانة المسلم تفرض عليه، أنه إذا لقي شيئاً ذا قيمة فالتقطه أن يقوم بتعريفه والإعلان عنه بكل وسيلة ممكنة، في حدود المستطاع، فإذا لم يقوى على التعريف فلا يلتقط شيئاً أصلاً، وهو لا يستطيع أن يقوم بأمانة التعريف والإعلان.
عباد الله: إن هذه الأمور تميز المسلم في معاملاته، وفيما يعامل به خلق الله ، كما أنه أمين ومخلص في طهارته وصلاته وإخراج زكاته وحفظ صيامه وحجه وذكره ودعائه وتسبيحه وتلاوته، فإنه كذلك يفقه ويخلص ويصدق في معاملاته فيما بينه وبين الحق.
وللموضوع تتمة ونسأل الله أن يبارك لنا فيما آتانا، وأن يغنينا بحلاله عن حرامه، ويكفينا بفضله عمن سواه، إنه سميع مجيب قريب.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
وأوسعوا لإخوانكم يوسع الله لكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وسبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله البشير والنذير والسراج المنير، والرحمة المهداة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى هداه.
أحوال إخواننا في الشيشان
عباد الله، أيها المسلمون: إن قلوبنا مع إخواننا المسلمين في كل مكان، وإن المسلم من خلال عقيدة الولاء للمؤمنين مرتبط قلبياً بإخوانه في الأرض يعيش آلامهم وآمالهم وأحزانهم، وأفراحهم، المؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى[رواه البخاري2586].
إن مما تؤجر عليه يا عبد الله أن تفرح لنصر المسلمين، وأن تحزن لما أصاب المسلمين، هذه مشاعر نؤجر عليها، هذه مشاعر من أدلة الإيمان في القلب.
عباد الله، أيها المسلمون: إن الأخبار العجيبة التي تأتي من بلاد الشيشان فيها آيات وعبر مما أقامه الله تعالى لنا من الأدلة والبراهين في هذا الوقت الذي ضعف فيه المسلمون واستذلهم الكفرة ولكن الله يجري أقداراً، يجري في أرضه أقداراً تعيد إلى المسلم أموراً كثيرة طالما غابت عن المشهد وعن المشاعر، وآخر أخبار الساعات الماضية أن القوات الروسية التي حاولت دخول قروزني قد ردت على أعقابها برغم تقدم أرتال الدبابات وقصف المروحيات على المباني التي يتحصن فيها المجاهدون الشيشان، وكان الجنود الروس يتساقطون كالذباب برصاص القناصة المسلمين، وقد سقط في أسر المجاهدين الكافر المشرك الجنرال ميخائيل ملوفيف قائد القوات الروسية المهاجمة لقروزني، فيما اعتبر نكسة خطيرة للروس وهزيمة معنوية كبيرة، أن قائد قواتهم المهاجمة للبلدة يسقط أسيراً بأيدي المسلمين، والله يذل من يشاء ويعز من يشاء، أليس عجيباً جداً أيها الإخوة صمود المجاهدين المسلمين الذين لا يتعدى عددهم ألوفاً قليلة أمام نحو مائة وخمسين ألف جندي روسي، أليس عجيباً جداً بسالة المجاهدين المسلمين في الشيشان ومقاومتهم، وهم يمطرون صباح مساء بقنابل متعددة بعضها زنة طن، قنبلة وزنها طن، وبأسلحة كيميائية وممنوعة دولياً، وكذلك براجمات الصواريخ، وحتى صواريخ اسكد، وتحت قصف المروحيات الوحشي، وقصف مدافع الدبابات والآلة العسكرية الروسية، ومع ذلك يصمد المسلمون، أليس عجيباً أن يتحدث المحللون والخبراء العسكريون الغربيون بإعجاب عن التكتيكات العسكرية الناجحة للمجاهدين المسلمين، وابتكاراتهم في استدراج المدرعات الروسية إلى الشوارع الضيقة، ثم مهاجمتها من فرق ثلاثية، تضم قناصاً وحامل آر بي جي، ومقاتلاً بمدفع رشاش، وكذلك تكتيك الفر والكر ومهاجمة المدن التي يحتلها الروس، وإيقاع أفدح الخسائر بهم، ومن ثم الانسحاب، وكذلك تغيير مواقع الوحدات المدافعة عن قروزني تحسباً للقصف الروسي، أليس عجيباً جداً أن تصمد عاصمة المسلمين طوال هذه المدة، مكذبة كل المواعيد التي حددها كبار الساسة والعسكريون الروس، هذا مع أن المدنيين المسلمين في العاصمة لا يستطيعون الخروج من الملاجئ لدفن أي قتيل من غزارة القصف الروسي والغارات الجوية المستمرة على مدار الساعة، وقد أخبر بعض الفارين من المدينة أن بعض الناس قد صاروا هياكل، جلداً على عظم من الهزال والمجاعة من جراء الحصار، وحتى لو انسحب المجاهدون من قروزني فسيجد الروس من العمليات في المناطق الجبلية وغيرها ما سيعانون منه معاناة عظيمة إلى أن يخرجوا مطرودين إن شاء الله شر طردة من بلاد الشيشان، لقد أيد الله المجاهدين في الشيشان بصدقهم وبلائهم، ودعاء ملايين المسلمين لهم في أنحاء العالم، وقد ظهرت آثار أدعية قنوت رمضان بهذا الصمود العجيب الذي نراه، وهذه الخسائر الفادحة التي نزلت بالروس الشيوعيين والنصارى، بهؤلاء الروس الشيوعيين والنصارى، بعض الروس قد اعترفوا بثلاثة آلاف قتيل، ولكن بعض الأنباء تفيد بأن قتلاهم لا يقلون عن عشرة آلاف، هؤلاء الذين اصطبغ الثلج الأبيض بلون دمائهم، بينما قدم المسلمون مئات من المقاتلين وآلافاً من المدنيين العزل فيمن نسأل الله أن يجعلهم شهداء يوم القيامة.
لقد أرسل الله جنوده وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَسورة المدثر31، أرسل على الروس صقيعاً، وتعاني عدد من وحداتهم جوعاً، حتى باعوا أسلحتهم للمجاهدين، من يصدق أن الله يأتي بضباب يلف مدينة آرقون المحتلة حتى تدخل إليها وحدات المجاهدين فتضرب الروس ضربات موجعة وخسائر فادحة ثم تنسحب، ومن يصدق في غمرة هذا الضباب أن بعض الوحدات الروسية من المشاة الذين انسحبوا في هذا الضباب قد سقطوا في هاوية سحيقة وهم ينسحبون وأهلكهم الله ، وألقى الله الرعب في قلوب أعدائه. وتنازع ساستهم وعسكريوهم ولعن بعضهم بعضاً، وأقيل من أقيل، وتضاربت مصالحهم، وأرسل الله عليهم الارتباك فقصفت بعض الوحدات الروسية بعضها في عدد من المرات وحل في بعضهم أمراض معدية، وأصاب بعض صواريخهم بعضاً وانفجرت دبابات بنيرانهم هم.
أيها المسلمون: لو صدق المسلمون الله فهل يقف في طريقهم أحد، هل يمكن ليهود أو نصارى أو غيرهم من أعداء الإسلام أن يقفوا ولو كانت أعداد المسلمين أقل. أو عدتهم أقل، هذا مثال عملي يضربه الله لنا في بلاد الشيشان، العدد والعدة الأقل، سلاح المجاهدين من غنائم العدو، إذن أيها الإخوة الصدق مع الله والثبات على الدين هو السبب الأول للنصر، والجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة، وهذه أمثلة على مضي الجهاد واستمراره دالة على صدق النبي ﷺ فيما أخبر، ومما ينبغي له سجدة شكر، والشيء بالشيء يذكر، مقتل أركان قائد وحدات النمور الصربية الذي عاث ومقاتلوه في أرض المسلمين فساداً في البوسنة وكوسوفا، وأرداه الله في عز ثروته من الشركات التجارية في الفندق الفخم الذي كان يسهر فيه، وترملت المغنية المشهورة والممثلة التي تزوجها، ونسأل الله له أشد العذاب.
اللهم إنا نسألك أن تنصر المجاهدين وأن تعلي كلمة الدين، اللهم عجل فرج المسلمين، اللهم انصر الإسلام وأهله.
تابع آداب في المعاملات مع الناس
عباد الله: إن المؤمن يخاف ربه في علاقته معه، كذلك يخاف ربه في علاقته مع الناس، وقد سبق الحديث عن شيء من الأمثلة في خوف المسلم من ربه في تعامله مع الخلق، والله يحاسبنا عن علاقاتنا فيما بيننا بناء على هذه الحقوق التي أوجبها لبعضنا على بعض، وجعلها أحكاماً بين المسلمين، ومن ذلك أن المسلم إذا أعطى أحداً عطية ليس فيها معصية فلا يرجع في عطيته؛ لأن النبي ﷺ شبه ذلك بأشنع الصور وأقبحها فقال: العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه[رواه البخاري2589]. وقال ﷺ مستثنياً واحداً من هذا قال: لا يحل للرجل أن يعطي العطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده[رواه الترمذي1299]. رواه الخمسة وصححه الترمذي، الوالد يعدل في العطية بين أولاده كما ذكر كثير من العلماء لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِسورة النساء11على قاعدة الشريعة في الميراث والعقيقة والشهادة وغير ذلك، فلا يعطي أحداً من أولاده عطية دون الآخرين بدون مبرر وسبب شرعي، فأما إذا قامت بواحد من الأولاد حاجة ليست عند الآخرين كمرض، أو فقر، أو دين، أعطاه لسد حاجته، والمسلم كذلك لا يجور في وصيته، فلا يزيد على الثلث، ولا يوصي لوارث؛ لأنه لا وصية لوارث أبداً، فإن الله قد أعطاهم حقوقهم وبين أنصبتهم وحظوظهم فلا يجوز لأحد أن يوصي لوارثه، وكذلك لا يجوز حرمان وارث لأن الله تعالى قال في كتابه: غَيْرَ مُضَآرٍّسورة النساء12، وقال ابن عباس : "الإضرار في الوصية من الكبائر"، وإذا قام المسلم على وصية مسلم أنفذها وقام بالأمانة فيها، فيخرج حقوق الله أولاً من زكاة أو كفارات أو نذور لم يخرجها الميت، ثم يخرج حقوق الآدميين من الديون وغيرها، وينفذ ما أوصى به الميت إن كان قد أوصى بشيء، وعلى الإخوان الكبار أن لا يبخسوا إخوانهم الصغار حقوقهم، وأن لا يتعدى الذكر على الأنثى فيأخذ حقها كما يفعل عدد من الأبناء إذا مات أحد الأبوين مثلاً، وبعضهم يقسم قسمة جاهلية، كما يفعلونه بتركة الأمهات، فيقول: المال والسيولة للذكور، والذهب للإناث، تلك إذن قسمة ضيزى. وإنما يقسم الجميع كما أمر الله .
إنفاذ الوصية
عباد الله: ما الذي يحمل المسلم على إنفاذ الوصية؟ ما الذي يحمله أن يأتي بها على الوجه الذي أرادها الموصي دون زيادة ولا نقصان؟ إنه الخوف من عذاب الله، فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُسورة البقرة181، وانظر إلى الوعيد الذي ذكره الله بعد أن بين قسمة المواريث، فقال : تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ سورة النساء13-14.
الزواج وبعض أحكامه
أيها المسلمون: إن المسلم يخاف الله فيسعى للنكاح إذا خشي على نفسه الحرام، ويجتهد لذلك بكل سبيل وطريقة مبتغياً العفة، وتنفيذ ما أمر الله به ورسوله ﷺ، فليتزوج ولا يخفي أي من الطرفين ما يجب إخبار الطرف الآخر به من العيوب، والمكر والخديعة في النار، ولا يمنع المسلم الخاطب الجاد من حقه في رؤية المخطوبة لأجل عادات جاهلية وأعراف لم ينزل الله بها من سلطان، وإنما يعطي الحق لأهله، ويمكن الطرفين من رؤية بعضهما بالحلال، والعجب كل العجب ممن يسمح لابنته أن تخرج سافرة في الأسواق والشوارع وبين الرجال، ويتغاضى عن هذا العمل المحرم ثم إذا أراد الخاطب رؤيتها بما شرع الله تمنع من ذلك وتشدد فيه، والمسلم كذلك يفي بشروط النكاح؛ لأن نبيه ﷺقال: المسلمون على شروطهم[رواه الترمذي1352]، وقال: إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج[رواه البخاري2721]، والمسلم لا يغلي مهراً ليرهق الزوج، ولا يأخذ من البنت ما تحتاجه من الصداق؛ لأن الله قال: وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّسورة النساء4، وكذلك فإن المسلم يعاشر زوجته بالمعروف امتثالاً لأمر الله، وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِسورة النساء19 فيؤدي حقها في النفقة والسكنى والمبيت وعدم المضارة وعدم الإيذاء، فلا يسبها ولا يشتم أهلها، بل يحسن عشرتها؛ لأن النبي ﷺ بعث العطف في نفسه عندما قال له: فإنهن عوان عندكم [رواه الترمذي1163] يعني: أسيرات، فإذا كانت أسيرة في بيتك لا يكاد يوجد لها حول ولا قوة ولا تخرج إلا بإذنك فإن من حقها عليك أن تحسن عشرتها ما دام الشارع قد جعلها تحت سلطانك، هذا الكلام رغم أنف الذين يريدون اليوم أن يصدروا قوانين يزعمون لتحرير المرأة أو في مصلحة المرأة، فتسافر بغير إذن زوجها، هكذا يريدون الانحلال، أن تكون القضية انفلات الأسرة، أن تخرج المرأة متى ما تريد، وأن تسافر متى ما تريد، وأن تطلق نفسها متى ما تريد، ولذلك فإن المسلمين الصادقين تنبعث في نفوسهم المقاومة لهذه التيارات التي تريد اليوم أن تحطم مجتمعات المسلمين باسم تحرير المرأة، وإعطاء المرأة حقوقها، فهم يريدون أن يسنوا القوانين لإعطاء المرأة حقوقها، وكأن الله لم يعطها حقوقها، ولم ينزل قوانين من السماء، فلماذا سنوا القوانين إذا كانت هذه الشريعة موجودة، وقوانينها موجودة؟ ألم يكن الأجدر بهم أن يقولوا: هذه الشريعة نحكمها وهذه قوانين الرب نرجع إليها بدلاً من سن القوانين الجاهلية التي تريد كسر قوامة الرجل على زوجته، انتبهوا أيها المسلمون، كسر القوامة ذلك الوتر الذي يريد أن يلعب عليه هؤلاء، كسر قوامة الرجل؛ لأن قوامة الرجل إذا انكسرت عم الفساد وطم، وهكذا تتنقل القضية ولكم بحمد الله يوجد دائماً في الأمة من يقوم لله بالحجة ومن ينكر ويعترض ويبين؛ ولذلك فإن مقاومة الفساد والانحلال واجب على المسلمين جميعاً وإعلان الإنكار لأي محاولة من أولئك العابثين بشرف المسلمين وعفتهم وطهرهم يجب أن تتوالى هذه المحاولات وهذه الانكارات لإبقاء مجتمع الإسلام موافقاً لشريعة الله ، سواء الذي شرعة في العبادات أو في المعاملات بين الزوجين أو بين المبتاعين وبين غير ذلك من أحوال المجتمع كافة.
عباد الله: إن المسلم لا يكره زوجته إلا لأمر شرعي، ولو كرهها لشيء من خلقها فليصبر؛ لأن الله ندب إلى ذلك فقال: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًاسورة النساء19. وربما رزق منها بولد فجعل الله فيه خيراً كثيراً كما ذكر ابن عباس رضي الله تعالى عنه، والمسلم يحافظ على زوجته ويصونها في حجابها وخروجها ولا يسافر بها إلى أماكن المعصية ولا يرغمها على رؤية ما حرم الله، ويحفظها من أماكن المنكرات، ومن التشبه بالكافرات.
خطورة قنوات الشر
عباد الله: إن المصيبة فادحة برجال قد جلبوا هذا الدش أو هذه الصحون الفضائية وهذه الأطباق إلى بيوتهم ثم تتوالى علينا القنوات الجنسية، والذي كان لا يأتي إلا بأجهزة خاصة أو بالتشفير صار يأتي الآن بغير تشفير، وإذا كانت قناة صارت أربعاً، ثم صارت عشراً، وهكذا تتوالى هذه القنوات الإباحية بالمجان، وكم اكتشف بعض الآباء والأمهات أولادهم في أثناء غيابهم قد فتحوا على هذه المحطات، إلى متى ننتظر إذن ونحن نترك وسيلة الفساد العظمى في البيوت تعمل عملها في أبنائنا وبناتنا وأنفسنا؟
إن المصيبة فادحة برجال قد جلبوا هذا الدش أو هذه الصحون الفضائية وهذه الأطباق إلى بيوتهم ثم تتوالى علينا القنوات الجنسية، والذي كان لا يأتي إلا بأجهزة خاصة أو بالتشفير صار يأتي الآن بغير تشفير، وإذا كانت قناة صارت أربعاً، ثم صارت عشراً، وهكذا تتوالى هذه القنوات الإباحية بالمجان، وكم اكتشف بعض الآباء والأمهات أولادهم في أثناء غيابهم قد فتحوا على هذه المحطات، إلى متى ننتظر إذن ونحن نترك وسيلة الفساد العظمى في البيوت تعمل عملها في أبنائنا وبناتنا وأنفسنا؟
يا عباد الله: إن اليهود يريدونها انحلالاً كاملاً وعرضاً للعورات المكشوفة على الملأ، يريدون أن يعم الانحلال في العالم ليركبوا الحمير عند ذلك بزعمهم، فإن الناس إذا كانوا بغير دين وخلق صاروا كالبهائم، أو أحط من البهائم فعند ذلك يركبهم اليهود، فهل يتفطن المسلمون الذين يجلبون هذه الأطباق الفضائية إلى بيوتهم، إلى الخطر الداهم الذي يتهدد أبناءهم، وبناتهم، وزوجاتهم، وأنفسهم بهذه الشرور، إذا كان أول ما جاء لم يكن فيه هذه القنوات الجنسية فقد صارت الآن، فما هو موقفك يا عبد الله هل تقبل مسلسل الإفساد بالتدريج؟ هل تنطلي عليك القضية؟ هل يتبلد الحس أمام المنكر؟ هل تبقي هذا المفسد في بيتك وهل تعلم أن الله سائلك عما استرعاك، وأي تضييع أعظم من أن يذر المسلم في بيته وسيلة الإفساد تبث سمومها وشرورها بتلك الألوان والجاذبيات وأنواع المناظر على مرأى من بناته وأبنائه من هؤلاء الشباب والمراهقين، بل حتى الصغار الذين صاروا يطلعون على مناظر أرعبت بعضهم فصاروا يرتجفون من هول ما رأوا، وربما أفسدت البعض الآخر الذين انطلقوا يبحثون عن هذه الماهيات ويدققون فيما رأوا.
عباد الله: قليلاً من العودة، قليلاً من التفكير، إننا نحتاج إلى تدبر في الحال، إننا نحتاج إلى وقفة نقف بها أمام هذا التيار الهادر، وأمام هذا الإعصار الذي يعصف بديننا وأخلاقنا وعفتنا.
عباد الله: كيف برجل يفتح هذا الجهاز ثم ينادي زوجته لكي تجلس معه، فإذا تأبت ورفضت تلك المرأة التي فيها دين وعفة قال: إما أن تجلسي وإما أن تذهبي، فإذا أرادت أن تجلس مع زوجها بعدما عاد من العمل لم يكن إلا هذا الخيار الذي هو من المرارة بمكان، ثم الخيار الآخر فتنصرف كسيفة البال حزينة فإما أن تجلس وزوجها يرى المنكر وهي تحترق، وإما أن تنصرف فلا جلوس ولا حديث مع الزوج الذي وضع أمامها هذا الخيار.
عباد الله: أين تقوى الله، عباد الله أين الخوف من الله؟ عباد الله أين الذين يخافون اليوم الآخر؟
تعامل الزوج مع زوجته
يا أيها المسلم، يا عبد الله: اتق الله في نفسك وأهلك وزوجك وبيتك وأولادك، والزوج المسلم يرعى حق زوجته حتى في الفراش، فلا يطأها في حيضها، ولا يأتيها في دبرها، ويأمرها بالصلاة امتثالاً لأمر الله، وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَاسورة طه132، ويأمرها بغسل الجنابة لأجل الصلاة وخصوصاً صلاة الفجر، ولا يظلمها حقها في المبيت ويراعي العدل بين الزوجات إن كان لديه أكثر من زوجة؛ لأن النبي ﷺ أخبر أن من لم يراعي ذلك يأتي يوم القيامة وشقه مائل، وقد قال الله: فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِسورة النساء129، وكذلك فإن الزوج المسلم لا يمنع زوجته من صلة رحمها، وهو ينفق عليها وعلى أولاده، ولا يلعب المسلم بطلاق ولا يهزل فيه أبداً، فإنه أمر عظيم، ألا فليتق الله من يطلق بالثلاث دفعة واحدة، أو من يطلق في حيض أو يطلق في طهر أتاها فيه، وأعظم من ذلك الذي يسكر ويطلق، ويشرب الخمر، ويشرب الحرام الذي حرمه الله من فوق سبع سماوات، ألا فليتق الله الرجل الذي كلما أراد أن يلزم شخصاً بشيء حلف عليه بالطلاق، لا تلعبوا بكتاب الله، لا تلعبوا بأحكام الله، ارعوها حق رعايتها، ثم هذا يقول لزوجته، أنت علي مثل أمي، أنت كأمي، أنت كأمي إن لم تفعل كذا، ونحو ذلك، ألا إنه منكر من القول وزور كما قال الله : وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًاسورة المجادلة2.
وكذلك فإن الأب المسلم لا يمنع ابنته من الرجوع إلى زوجها إذا طلقها فصارت في العدة، في عدة الطلاق الرجعي؛ لأن الله قال: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَسورة البقرة228، والأب المسلم لا ينزع الولد من حضانة أمه، ولا يمنعها من رضاعه؛ لأن الله قال: لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَاسورة البقرة233، وهو ينفق على أولاده امتثالاً لأمر الله الذي قال: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِسورة الطلاق7.
آلمتني قصة سمعتها من رجل لما طلقت ابنته وردت إلى بيته قال لها: لا تحسبي أنك ستجلسين معنا في البيت مجاناً، عليك أن تواصلي العمل، وأن تدفعي لي شهرياً ألفاً وخمسمائة، وبعضهم يجبر ابنته على العمل لأخذ راتبها، وربما رفض زواجها أصلاً ليجعلها مصدر دخل له، أين الشهامة؟ أين الرجولة؟ أين المروءة؟ أين الإنفاق الذي أمر الله به الرجال؟
بعض الآداب ينبغي مراعاتها
والمسلم لا يأكل إلا الطيبات، ويرعى ما يدخل في بطنه؛ لأن أول ما ينتن من الإنسان في قبره بطنه، ويراعي قول الله: كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباًسورة البقرة168، فلا يشرب خمراً ولا يتعاطى حشيشة، ولا دخاناً خبيثاً، وينتبه لمكر الكفار في الطعام والحلويات وغيرها، في جعل الخنزير والميتة والخمر.
عباد الله: إن المسلم يحفظ يمينه فلا يكثر الحلف؛ لأن الله ذم ذلك فقال: وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍسورة القلم10، فليتق الله رجال الحلف على طرف ألسنتهم، كلما رفعوا شيئاً أو وضعوه أو حركوا ساكناً سبق اليمين إلى لسانه، أين توقير الله ، مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًاسورة نوح13، وليتق الله الذين يحلفون بغير الله، ليس منا من حلف بالأمانة[رواه أبو داود3235]، فلا يحلف المسلم بأي معظم، لا بالكعبة ولا برأس أبيه، ولا حياة أولاده، وإنما يحلف بالله العظيم إذا أراد أن يحلف على الأمر المهم الذي يحتاج إلى القسم واليمين، وكذلك فإن المسلم يراقب الله في الشهادة التي يشهدها، فهو لا يشهد إلا بعلم، فيقول كما يقول الله: وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَاسورة يوسف81، ويقيم الشهادة لله على خالصة، لا يريد من وراء الشهادة جزاء ولا شكوراً، ولا مطمعاً دنيوياً، فضلاً عن أن يشهد على زور؛ لأن ربه قال في الكتاب العزيز: وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِسورة الطلاق2، وإذا دعي حضر كما قال الله:وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْسورة البقرة282، ولذلك قال العلماء: الشهادة فرض كفاية، ولا يكتم الشهادة إذا تعينت عليه، وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُسورة البقرة283، ويشترط للوجوب عليه انتفاء الضرر؛ لأن الله قال:لاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌسورة البقرة282، فلنحذر من الذين يتسرعون في الشهادة، لا تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته.
عباد الله: إن المسلم يوقر مجالس القضاء فلا يزدري القاضي ولا يتهجم عليه، بل إنه يحترم ذلك المجلس لماذا؟ لأنه سيحكم فيه بشريعة الله ، فهذا أوان حضور الخصوم بين الذين سيقضي فيهم بالشريعة ولذلك كان توقير القاضي الذي يحكم بالشريعة من توقير الشريعة ومن توقير الدين الذي هو من توقير الله .
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا ممن استقاموا على شريعتك، اللهم اجعلنا ممن تمسكوا بدينك، اللهم اجعلنا ممن أقاموا الدين في حياتهم، لا تجعلنا ممن تعدوا حدودك، ولا انتهكوا حرماتكم، إنك أنت الرحمن الرحيم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
وأوسعوا لإخوانكم يوسع الله لكم.
الخطبة الثانية
أحوال إخواننا المجاهدين في أرض الشيشان.
عباد الله: لا يزال لواء الجهاد قائماً في أرض الشيشان، ولا شك أن في ذلك رفعة لأهل الإسلام، ولا شك أن انتصار أولئك المسلمين وصمودهم انتصار بحد ذاته رفع لرؤوس أهل الإسلام في الأرض قاطبة، وتتبين من هذه المعارك أمور كثيرة للإنسان المسلم، فيتعرى الكفر وأهله، هؤلاء الكفار الذين لبسوا على المسلمين طويلاًَ، وادعوا بأنهم أهل العدل وبأنهم يقيمونه وبأنهم يحاكمون المجرمين في محاكم العدل الدولية وغيرها، هؤلاء الذين يعدون إلى المواثيق الأممية التي تحفظ حق الشعوب قد انكشفوا في هذا المسلسل الذي يحدث في بلاد الشيشان وغيرها، نرى اجتماع الكفار على حرب الإسلام، سواء مباشرة بالسلاح واليد كما يفعل الروس أو بالمال كما يمدهم به اليهود صراحة، ويؤازرونهم معنوياً صراحة، فاليهود يقفون مع الروس في حرب الشيشان، وأولئك الكفار الذين يبذلون لهم الغطاء المعنوي والذين يعطونهم المهلة تلو المهلة، والتأجيل تلو التأجيل في العقوبات وتعليق العضوية وغيرها، إنه انكشاف حقيقي للوجه القبيح، وليس للكفار وجه حسن، وكل وجوههم قبيحة، هذه الوجوه التي أسفرت عن حرب المسلمين في هذه المعركة التي نشهدها، عباد الله، وقد انكشف فيما انكشف كذب أعداء الله الروس، انكشف أمام الملأ، فهم الذين قالوا: سنسحقهم في أيام وليالي فإذا بالحرب تمتد شهوراً، وهم والذين قالوا: إن في قروزني بضع مئات من الصبيان والمتعصبين، فإذا بهم يقولون الآن: فيها ثلاثة آلاف من خيرة المقاتلين المدربين وأصحاب الخبرات، إن هذه الحرب تكشف عن تفاهة أولئك القوم الذين يتحدثون عن الصبي الكوبي، يملؤون به وسائل إعلامهم وصبيان المسلمين تحت القصف والنيران في الشيشان، وتحت المجاعة والأوبة كالسل الرئوي وغيره في أنقوشيا، فأين عقول أولئك القوم، وأين الموازين التي يدعون إليها، إن القضية قد كشفت حقيقة على أن في العالم فراغاً في القيادة لا يحله ولا يملؤه إلا أهل الإسلام.
عباد الله: إن القضية قد كشفت فيما كشفت أيضاً أموراً من النصر وقواعده التي جاءت في كتاب الله ، لقد تبين بجلاء قول الله تعالى: وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِسورة الأنفال10، تبين في حال أولئك الشيشان الذين يقاتلون شبه منفردين بإمكاناتهم الذاتية خصوصاً وهم في قلب الحصار في عاصمتهم وفي غيرها، من الذي يمدهم الآن وهم في حصارهم إلا الله ، وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِسورة الأنفال10. لقد تبين أن من نصر الله نصره الله، إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْسورة محمد7، وهم على ما فيهم من قصور فإن الله قد أنزل عليهم تثبيتاً من عنده، فكيف إذا عاد المسلمون إلى الدين حقيقة؟ ونفوا أنواع القصور وبدلوا ذلك بأنواع من الأسباب الشرعية، إذن لاكتسحنا العالم والله.
عباد الله: لقد تبين أيضاً القاعدة التي وضعها النبي ﷺ: أن النصر مع الصبر[رواه أحمد2800]، وهكذا صبروا فنصرهم الله في مواطن كثيرة، وفي مواقع كثيرة، وقد سبق أن صمود أولئك القلة في العدد والعُدد أمام أولئك الكثرة الكاثرة في العدد والعُدد هو نصر بحد ذاته، وكل يوم يمر على المسلمين في قروزني وهي تحت سيطرتهم، وهم يقاومون هو نصر بحد ذاته، نعم إن أولئك الروس الكفرة يريدون أن يزجوا بقوىً بشرية كثيرة حتى يؤول الأمر إلى احتلال تدريجي؛ لأنهم يراهنون على أنه مهما قتل الشيشان من البشر الذين يدفعونهم فإن الكثرة في النهاية تغلب الشجاعة، ولكن الله قادر على أن يفشل خططهم وأن يردهم خائبين، ونسأل الله أن يفعل ذلك.
عباد الله: ليس النصر على العدو بكثرة العدد ولا العدد، ولا إحكام الخطط، ولا الترتيبات التي يضعها القادة، وإنما على ما ذكر الله بقوله: فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِسورة البقرة251، فإذن الله إذا جاء لم يقف أمامه شيء البتة، ومن أخذ بأسباب النصر وتوكل على الله، وصدق وأخلص فإن الله ينصره، وقد رأينا ذلك فعلاً في الواقع الذي يعيشه إخواننا في تلك البلاد، فهم الذين استردوا أرقون وقوديرمس ورفعوا رأيتهم في وسط مدينة شالي بعد أن حاصروا مئات الوحدات الخاصة الروسية في ثلاثة من المباني، وردوا الروس مرة أخرى إلى أطراف قروزني الآن في هذه اللحظات، والحمد لله رب العالمين، إن استمرار الانتصارات سيكون باعثاً للأمل في الأمة، وسيحرك في المسلمين في مناطق أخرى في العالم للجهاد والاستقلال عن الكفار ما دام النصر ممكناً، وهذا ما يرعب الكفرة أشد الرعب، فلذلك يجتمعون بقضهم وقضيضهم على حرب الإسلام وأهله، وقد كشفت المعركة فيما كشفت المنافقين من هذه الأمة، والصامتين والمكتوفين الذين لا يحركون شيئاً، فهذه الفضيحة قد حلت، ولذلك فربما تمنى بعض أولئك المنافقين أن ينتصر الروس فعلاً لتنتهي تلك المقاومة، فيستريحوا من ذلك الحصار النفسي.
عباد الله: لا ننسى أن لدعاء المسلمين أثراً وأن لإنفاقهم ومددهم لإخوانهم أثر، والله جعل المسلمين جسداً واحداً في شرعه هكذا إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر[رواه البخاري2586]، فعلى تباعد ما بيننا وبينهم من البلدان والمسافات لكننا نواليهم وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍسورة التوبة71، وكذلك ننبذ الكفرة ولو كانوا قريبين ونكرههم على قاعدة البراءة من الكفار، إن قضية الولاء والبراء تتضح أكثر فأكثر من خلال هذه الحروب وهذه الألوية للجهاد التي ينصبها الله في أماكن مختلفة من الأرض، وكلما غط المسلمون في سبات أيقظهم الله بأمر جديد، ألا ترون أن المسلسل يتداعى، وأن القضية لا تتوقف، فبعد البوسنة كوسوفا وكشمير وغير ذلك، ثم الشيشان، كلما نامت الأمة أيقظها الله بقضية جديدة تبعث الأمل وتوقظ روح الجهاد، وتحرك النفوس للبذل والعطاء والدعاء.
إن المسلسل ينبئ أن القضية مقبلة على أمر عظيم وشيء كبير والله يفعل ما يشاء، وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُسورة البقرة253.