الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

احذر الشرك بالله 2


عناصر المادة
الخطبة الأولى
خطورة الشرك
شرك المحبة
عبادة الأوثان
الطائفة الممتنعة
شرك الطاعة
الخطبة الثانية
شرك السراء
ملاحظات تتعلق بالتوحيد
ضوابط في بيع التقسيط

الخطبة الأولى

00:00:07

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران102يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًاسورة النساء1يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًاسورة الأحزاب 70-71.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها المسلمون: تكلمنا في الخطبة الماضية عن بعض التفاصيل في عقيدتنا، عقيدة الإسلام، عقيدة التوحيد، عقيدة الفرقة الناجية يوم القيامة من النار، عقيدة أهل السنة الذين تمسكوا بها، والجماعة الذين اجتمعوا عليها.

خطورة الشرك

00:01:44

ونتحدث في هذا الموقف عن بعض الأمور التي تضاد العقيدة وتصادمها، إذا كان التوحيد لله أوجب الواجبات، فإن من أعظم المحرمات نقضه والإتيان بما يبطله.

أيها المسلمون: إن أنواعاً من الشرك تفشت في هذه الأمة، والشرك ظلم عظيم، والله يقول: إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءسورة النساء48، ويقول: وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍسورة الحـج31، إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِسورة النساء48، هذه خطورة الشرك، فإن المشرك ليس تحت مشيئة الله كبقية أصحاب المعاصي، لا تشمله المشيئة ولا مغفرة الله، لا يمكن أن يغفر الله له إلا إذا أحدث توبة مخصوصة من أجل هذا الشرك الذي أشركه، والأمر كما ذكر شيخ الإسلام وغيره يشمل الشرك والأكبر والأصغر، فمن أشرك بالله مطلقاً كما جاء في هذه الآية إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِسورة النساء48، لا يغفر شركاً به ولكن يغفر ما دون ذلك لمن يشاء.

أيها المسلمون: لا بد أن نعلم الشر حتى نتوقاه، نتعلم الشر لا للشر ولكن لتوقيه، والذي لا يعلم الشر من الخير قد يقع فيه.

شرك المحبة

00:03:37

أيها المسلمون: من أنواع الشرك المضادة للتوحيد والمنافية للعقيدة والهادمة لمبانيها، شرك المحبة الذين يحبون غير الله كحب الله أو أشد من الله، بخلاف المؤمنين في شأن هؤلاء وهؤلاء: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِسورة البقرة165، وهذه المحبة القلبية هذه المحبة المتضمنة للتعظيم وللأخذ عن المحبوب واتباعه في كل شيء، هذه المحبة المقتضية للعبادة لا تجوز إلا لله، فمن أحب غير الله محبة صار يرجوه بها، ويخاف منه، ويرغب إليه كحبه لله أو أشد فهو مشرك شركاً أكبر.

وها أنت ترى اليوم كثيراً من الناس ممن يزعمون الانتساب إلى الإسلام يحبون من الكفرة الذين أشركوا بالله محبة هي أشد من محبة الله أو أعظم فصاروا يرجونهم ويرغبون إليهم ويخافون منهم، ويحبونهم هذه المحبة العظيمة التي تنبئ عن خلو قلوبهم من محبة الله، أو عن الإشراك في محبة الله، أيها المسلمون هذا خطر عظيم، وصاحبه على جرف نار جهنم سيقع به لا محالة ما لم يتب إلى الله.

لقد وصل الإعجاب بالكفار ومحبتهم المحبة القلبية التي قدمنا لنا كثير من مشركي هذا العصر الدلائل عليها، على أنهم يحبون الكفار أكثر من الله ويخافونهم أكثر من الله، ويرجون منهم ما لا يرجون من الله، يرجون منهم نصراً لا يرجونه من الله، يرجون منهم ما لا يرجون من الله، إن هؤلاء المشركين يا ويلهم يوم القيامة من نار تلظى تجعل الولدان شيباً، هذه النار التي وكلت بهؤلاء وأمثالهم.

أيها المسلمون: نحن نحب الله ونحب رسوله لأن الله أمرنا أن نحب رسوله، لا نحب رسول الله ﷺ لذاته المجردة، لأن هذه صفته الخلقية، أو أن هذا اسمه فقط، لا، نحبه لأنه أرسله الله إلينا وأمرنا بمحبته؛ نحبه لأنه بلغ إلينا الأمانة وأدى الرسالة، نحبه لأنه علمنا ودلنا وأرشدنا ﷺ، فمحبته نابعة من محبة الله، ونحب أولياء الله؛ لأنهم أحبوا الله، ولأنهم أطاعوا الله فنحن نحبهم، ولو كانوا عبيداً سوداً مجدعين أشلاء فنحن نحبهم، ولو كانت أشكالهم ولو كانت ألوانهم، ولو كان خلقهم أبغض ما يكون إلى النفس، فنحن نحبهم؛ لأن المسألة ليست بالأشكال والصور، وإنما المسألة بالأعمال، وإنما المسألة بالأعمال إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم[رواه مسلم2564]. والذين يتعلقون بالدنيا يحبونها مثل محبة الله أو أشد وقعوا في الشرك أيضاً، وهو أنواع ومراتب، فمنه ما يكون شركاً أكبر، ومنه ما يكون شركاً أصغر، فحذرنا من ذلك فقال: قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَااكتسبتموها وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَالسعتها وجمالها وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَسورة التوبة24، فمن اليوم الذي يكون الرسول ﷺ أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين؟ من الذي يقدم محبة ما يحبه الله ورسوله، من الذي يقدم محبوبات المحبوب، من الذي يقدم الأمور التي يحبها الله ورسوله على مرغوبات النفس وشهواتها ومتعلقاتها.

عبادة الأوثان

00:08:46

ومن أنواع الشرك المنافية للتوحيد: عبادة الأوثان التي أخبر بها الله ورسوله مما سيقع في هذه الأمة، تقليداً للكفرة السابقين من ملل الكفر الذين مضى شأنهم فقال ﷺ: لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لاتبعتموهم، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ من المقصود بالكلام من الذين كانوا قبلكم، تتكلم عن من: اليهود والنصارى؟ قال ﷺ: فمن[رواه البخاري3456]، يعني من غيرهم، من غيرهم أقصد وأعني، إنهم هم هؤلاء اليهود والنصارى، لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه[رواه أحمد10641]، وهذه أفواج هذه الأمة تتوالى تترا متبعة ومتشبهة بهؤلاء الكفار، فلما عظموا القبور صار في أمتنا من عظم القبور، لما ألحدوا في أسماء الله وصفاته، وقالت اليهود: يد الله مغلولة، صار في هذه الأمة من ألحد في أسماء الله وصفاته، ولما زادوا عن التنزيل والوحي، وبدل أن يقولوا: حطة قالوا: حنطة، جاء في هذه الأمة من يفعل مثل فعلهم، ولما ظن اليهود أنهم يخدعون الله ويتحايلون على الشريعة وحرم الله عليهم الشحوم فأذابوها وباعوها وهي سائلة فأكلوا ثمنها ظناً منهم أنه قد خدعوا الله وأنهم لم يخالفوا أمره في الظاهر، وهم في الحقيقة مخالفون أشد المخالفة، وجد في هذه الأمة من يتحايل على شرع الله في هذه الأيام، يتحايل على الربا ويسميه بغير اسمه وهو يعلم أنه ربا، وهو يعلم أن درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ست وثلاثين زنية، ومع ذلك يتحايلون ويسمونها فوائد واستثمارات وعوائد إلى آخره، ووجد في هذه الأمة أيضاً من يخادع الله في الشريعة، ويعمل مثل الكفار نؤمن ببعض ونكفر ببعض كما آمنوا ببعض الشريعة وكفروا ببعضها وجد في هذه الأمة من يفعل ذلك أيضاً، يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، فأخذوا جزءاً وتركوا جزءاً.

فهذه يا صاح مساجد تبنى فصل كما تشاء وباتئاد

فيقولون: هذه المساجد وهذه المصاحف ماذا تريد أكثر من ذلك؟ فنقول: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْسورة البقرة85.

أيها المسلمون: إن بلاء هذه الأمة أنها في هذه الأيام لم تطبق الشريعة كاملة، ولو طبقتها كاملة لسادت العالم فإن الشريعة ليست أجزاء، إن الشريعة ليست الصلوات والزكوات والصيام والحج وتطبيق الحدود وبعض الأذكار وبعض الأمور الصالحات من الأعمال التي جاءت بها الشريعة فقط، وإنما هو أخذ للإسلام كله، فمن أخذ شيئاً وترك شيئاً فهو مضاد لما أنزل الله، فإن الله قال: خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُمسورة البقرة63، ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً سورة البقرة208، خذوا الإسلام كله، لا تأخذوا شيئاً وتتركوا شيئاً كما فعلت اليهود عليهم لعنة الله.

الطائفة الممتنعة

00:12:58

ولذلك لما سئل شيخ الإسلام عن التتر، قيل له: إن هؤلاء التتر ادعوا بالإسلام، وشهدوا أن لا إله إلا الله، وشهدوا أن محمداً رسول الله، وهذا قائد التتر معه إمام وقاضي ومؤذن، فهل نقاتلهم؟ قالوا: لا إله إلا الله وقالوا: محمد رسول الله ومع قائدهم إمام وقاضي ومؤذن وخطيب، هل نقاتلهم؟ فماذا أفتى شيخ الإسلام الفقيه؟

قال رحمه الله: كل طائفة ممتنعة من التزام شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة من هؤلاء القوم أو غيرهم فإنه يجب قتالهم حتى يلزموا شرائعه، وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين، وملتزمين ببعض شرائعه كما قاتل أبو بكر مانعي الزكاة، مانعي الزكاة أقروا بأمور كثيرة من الإسلام، لكن قالوا: لا ندفع الزكاة، ماذا فعل أبو بكر والصحابة؟ قاتلوهم، تأخذ الإسلام كله وتطبقه أو تعترف بأنك مجاهر ومعادي لله ورسوله، أما أن تكون منافقاً أو مجادلاً عن المنافقين وتقول: حسبنا من الشريعة هذا القدر، يكفي من الشريعة هذا الجزء، فهذا هو الكفر بعينه والله، وهذا يذكرني بقصة حصلت لأحد من الناس، لكنها قصة طريفة لواحد إنما تنطبق على الأمة، تنطبق على كيانات كثيرة منتشرة متوزعة في العالم اليوم، رجل جاء إلى موسم الحج، إنسان استيقظ ضميره في أمر من الأمور وهو الحج، فجاء ليحج، فلما وصل إلى المناسك والمشاعر وجلس هناك فعمل بعضها ينتظر البعض الآخر يريد أن يرتاح فجاء وقت الصلاة قيل له: قم فصلي، فقام يصلي، الصلاة التي بعدها قيل له: قم نذهب إلى الحرم، فلنذهب إلى الحرم قبل وقت من الصلاة، نذهب إلى الحرام، وهكذا مرة من المرات ينام الرجل عن صلاة الفجر، قال له إنسان: قم فصلي صلاة الفجر، قال: أنا ما جئت أصلي جئت أحج! هذا هو المفهوم الذي يريده بهذه القصة الواقعية، أنا ما جئت أصلي جئت أحج، ما هو المعنى أيها المسلمون؟ ما هو الواقع إذن الآن؟ أخذ أجزاء من الشريعة وترك الباقي، أنا ما جئت أصلي جئت أحج، هذه مشكلة المشاكل، ولذلك فإن هذا النوع من الكفر الذي حصل في هذه الأمة كما حصل في السابق مصداقاً لما أخبر به ﷺ: حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه[رواه أحمد10641]. ما يخرج في عالم الكفر مثقال ذرة من الموضات والزينات والأزياء إلا وتجده منتقلاً بالضبط إلى الكيانات أو إلى أفراد من المجتمع الإسلامي، كثر ومنتشرون، حذو القذة بالقذة، تقليد من؟ تقليد الكفرة، أليس لنا شخصيات مستقلة، أليس لنا شريعة مستقلة؟ أليس لنا مظهر إسلامي متميز؟ ما معنى سنن الفطرة؟ قص الشارب، قص الأظفار، حلق العانة، نتف الإبط، إعفاء اللحية، المضمضة والاستنشاق، وغسل البراجم وما بين الأصابع مما علق بها من الزهومة والنتن، والنظافة العامة، هذه الأشياء تميز المسلم بظاهره، الله يريد من المسلمين أن يكونوا متميزين بأشكالهم عن بقية أمم الأرض، وهؤلاء المساكين يريدون أن يذوبوا بالقوة ولو بأمور مضحكة، ولو لا يعرفون التقليد لكن يقلدون بالقوة، يريدون إذابة شخصياتهم في شخصيات الكفرة، والتقليد حذو القذة بالقذة، مثل ريش السهم المتتابعة يفعلون ذلك.

ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۝ إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًاسورة الجاثية 18-19، وكذلك كما اتخذ هؤلاء أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله، اتخذ بعض المسلمين اليوم شيئاً من الأحبار والرهبان أرباباً من دون الله، ولكن بمسميات بأسماء مختلفة الآن، بأسماء مختلفة، اتبعوهم في أي شيء؟ تحليل الحرام، وتحريم الحلال، جاء عدي بن حاتم رجل من النصارى – من نصارى العرب – أسلم، دخل على رسول الله ﷺ وهو يقرأ هذه الآية: اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِسورة التوبة31، فقلت: يا رسول الله إنهم لم يعبدوهم؟ ما أخذوا هذا الحبر وهذا الراهب ووضعوه في قبلتهم في محرابهم فعبدوه، ما فعلوا ذلك، فقال ﷺ مبيناً أشكال من العبادة يمكن أن يغفل عنها بعض السذج ويقولون: هذه ليست عبادة، أو لا يخطر ببالهم أنها عبادة، إنهم حرموا عليهم الحلال وحللوا لهم الحرام فاتبعوهم فتلك عبادتهم[رواه الطبراني في الكبير218].

شرك الطاعة

00:18:36

إذن من الشرك شرك يسمى، مهم جداً جداً معرفة هذا النوع من الشرك جداً، شرك الطاعة والاتباع، من أطاع أحداً دون الله في تحليل حرام أو تحريم حلال واتبع أحداً دون الله في تحليل حرام وتحريم حلال فهو مشرك، فهو مشرك بالله ، إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِسورة النساء48، فأين تذهبون وماذا نريد أيها الإخوة أكثر من ذلك، والله يقول في كتابه، وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَسورة الأنعام121، شرك الطاعة والاتباع، تطيع وتتبع أحد غير الله في أمر يخالف الشريعة، وأنت تعلم راضٍ بما قال لك وبما أخبرك وبما فرض عليك وبما سن لك من الشرائع والقوانين هذا شرك الطاعة والاتباع، هذه من أكبر المصائب التي ابتليت بها الأمة في هذا الوقت.

من اتبعهم هوىً عاصي لله معصية عظيمة، ومن اتبعهم رضاً كفر بالله وبكتابه وبسنة نبيه، من تبعهم رضاً بما قالوا وهو يعلم أن شريعة الله بخلاف ذلك تبعهم رضاً بذلك كافر بالله العظيم، ولذلك قال أهل العلم: من اعتقد أن شرع غير الله أفضل من شرع الله فهو كافر، ومن اعتقد أن شرع غير الله مثل شرع الله فهو أيضاً نفس الحكم، ومن اعتقد أن شرع الله أفضل، لكن يجوز الأخذ بشرع غيره والاستيراد من شرع غيره وتطبيق شرع غيره فهو أيضاً رضي بذلك، رضي بأن يشرَّع ويحكم بغير ما أنزل الله.

نسأل الله أن يرد المسلمين إلى الإسلام رداً جميلاً، ونسأله أن يجعلنا وإياكم من أوليائه وحزبه المفلحين، وأن يتوب علينا أجمعين، وأن يبصرنا بهذا الدين، وأن يجعلنا من الموحدين.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

وأرجوا من إخواني أن يتقدموا ويتقاربوا حتى يدخل إخوانهم. افسحوا يفسح الله لكم، تقاربوا ووسعوا لإخوانكم.. وسعوا الطريق لإخوانكم ليمروا ويدخلوا.

الخطبة الثانية

00:20:32

الحمد لله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير، أحمده سبحانه على هذه الشريعة، وأشكره على نعمه الجزيلة، وصلى الله وسلم على نبيه الكريم المبعوث رحمة للعالمين محمد ﷺ وعلى آله وصحبه ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين.

شرك السراء

00:20:59

أيها المسلمون: ومن أنواع الشرك شرك السراء، وهو أن تجد الناس يعبدون الله في وقت الشدة ويكفرون به في وقت الرخاء، فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّسورة العنكبوت65 وقعوا في الشرك. وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا سورة الإسراء67 وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِسورة الزمر8، ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ۝ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَسورة النحل53-54، نحتاج أن نتذكر هذا النوع من الشرك والكفر الذي يحصل في وقت الرخاء، وإذا جاء وقت الشدة، وإذا جاء وقت عصيب توجه الناس إلى رب العالمين، نحتاج أن نتذكر هذا النوع من الشرك الآن بعد أن خرجنا من تلك الأحداث العصيبة الأليمة التي مرت بنا، ومرت بالمسلمين.

أيها الناس: ينبغي أن نكون أقرب إلى الله مما سبق، إخواني إذا كنا شعرنا باللجوء إلى الله ولجأنا إليه وتضرعنا فلا ينبغي أن يغيب عن أذهاننا أبداً بطش الله وعذابه، والله إنني أحياناً أقول في نفسي: إن هذا السواد الذي في السماء، ما هو؟ توقفت الحرب واستمر هو، أليس مما يذكرنا بالله ، أليس مما يذكرنا باللجوء إليه والاستمرار في الضراعة إليه ، والناس اليوم لا يزالون يقولون: وماذا يسبب، ماذا يسبب، وهل هناك من الأمراض سرطان الجلد أو سرطان الرئة أو أنواع الربو أو أو إلى آخره ويقلق الناس على صحتهم، وأرى أن نقلق على عقيدتنا أكثر، أرى أن نقلق على العلاقة مع الله أن تكون متينة، ونسعى إليها أكثر مما نسعى في معرفة نتائج الأبحاث العلمية والأشياء التي تبين أضرار مثل هذا التلوث على الصحة، التلوث في القلب أيها الإخوة، هذا أهم إصلاحه والله، فلو متنا من هذا على عقيدة صحيحة فالحمد لله رب العالمين، ولو حصل لنا ما حصل، وقلوبنا سليمة نلقى الله بها يوم القيامة، فهذه من النعم، من أكبر النعم، أن يحصل لنا ذلك، أن نلقى الله بقلب سليم، فالذين يفكرون في أجسادهم، ولا يتعدى تفكيرهم إلى قلوبهم مساكين، مساكين فعلاً أنهم يتجهون هذا التوجه ويظنون هذا الظن، ففكروا أيها المسلمون، فكروا في العلاقة مع الله ماذا تقدمنا بعد أن جاءتنا هذه الظروف والأحداث، ماذا حصل لإيماننا زاد أم نقص؟ هل عندما رأى البعض بيته لم يمس وماله لم يمس، قال: نجوت واستمر في مشوار المعاصي، هذه النقطة الحساسة التي ينبغي الآن أن نفكر فيها.

ملاحظات تتعلق بالتوحيد

00:24:25

وأريد أن أنبه في ختام هذه الخطبة على ثلاثة أمور:

الأمر الأول: أننا ينبغي أن نحذر من دقائق الكفر وصغائر الشرك، وأن من الشرك الأصغر ما لا يغفره الله إلا بتوبة خاصة منه، فينبغي أن نكون حذرين، وأن نعلم أن أعداء الله لم يسكتوا أبداً عن إضلال هذه الأمة ونقلها من الإسلام إلى الكفر، ومن التوحيد إلى الشرك، وأن نعلم أن مساعيهم قائمة على قدم وساق من أجل ذلك، وأبسط ما تراه من الأمور هذه نشرات التبشير التي توزع على بعض المسلمين أو ترسل إليهم بالبريد دالة على استمرار الحقد والبغي والظلم والسعي لحرث هذه الأمة وجرفها عن شرع الله ، ونحن لا نخشى إن شاء الله على هؤلاء الإخوة الطيبين مرتادي المساجد أن يصبحوا نصارى يوماً من الأيام، ولكننا نخشى من حملات التشكيك في أصحاب القلوب الضعيفة، الذين ما قرؤوا كثيراً ولا تعلموا العلم الشرعي اللازم لدحض هذه الشبهات، وأيقاظة أخرى توقظنا إياها هذه الحملات أن نقول في أنفسنا: إذا كان هؤلاء يبشرون بالنار وبالكفر، ويجتهدون ويعملون من أجل ذلك، أفلا يكون بالأحق، نحن أحق بأن ندعو إلى ديننا وننشط في نشره، التبشير بالجنة والتبشير بهذا الدين الذي هو مهيمناً على الأديان الذي يجلب السعادة للمجتمعات لو تمسكت به.

والنقطة الثانية: ما أراه وألاحظه من بعض الملصقات وبعض الكتابات التي صارت تنتشر انتشار النار في الهشيم، وبعضها وليس كلها، وبعضها فيه مخالفة صريحة لهذه الشريعة وهذا الدين، وبعضها ينم عن أنواعاً من الشرك الله بها عليم، هذه الأمور التي تقدح في العقيدة، وتوصل إلى مسالك من الشرك التي ذكرناها قبل قليل ينبغي أن نحذر منها، لا نكون إمعات إن أحسن الناس أحسنا، وإن أساؤوا أسأنا معهم، كلا، لنا عقول نفكر بها، وعندنا شريعة نزن بها الأمور ونفكر، وإنني أستغرب جداً من التباهي بوضع صورة كافر على الصدر، وأقول في نفسي: هل وصل الحد بهؤلاء المساكين من المسلمين أو شباب المسلمين إلى درجة تعظيم الكفر وأهله ووضعه على صدورهم، وأضرب لكم مثالاً بما يضعه اليوم كثير من الشباب من صورة تاجر المخدرات على الفنيلة أو على القميص الذي يلبسونه، تاجر المخدرات الذي كشف أمره مراراً وآخر مرة قبل أيام قليلة تاجر المخدرات، صورة تاجر المخدرات على صدور شبابنا، أولاً: هو كافر، ويضعون صورته على صدورهم، لاعب كرة يريد إلهاء الأمة أو يراد منه المشاركة في إلهاء الأمة، ويضعون صورته عليهم، ثم يقول بعضهم معتذراً: لا هذا مسكين ما يقصد ترويج المخدرات هذا أوقعته امرأة لعوب في شراكها وجرته، سبحان الله، والله أكبر، شر البلية ما يضحك، أطم وأطم، أسوأ وأسوأ، زنا ومخدرات، اجتمعت كلها.

أيها الإخوة: لا يهم كثيراً من صاحب الصورة، لكن الذي يهم ماذا يدل وضعها على الصدر بالنسبة لإنسان مسلم يشهد أن لا إله إلا الله ويشهد أن محمداً رسول الله، ومن المفروض أن يوقن بالله وأن يحب رسول الله ﷺ، وأن يجعل قدوته ومثله أولئك الأنبياء، والصحابة، والصالحون، والمجاهدون العلماء الأخيار من هذه الأمة، فإذا به يرفع على صدره هذه الصورة، تعبر عن أي شيء، ما هي المدلولات خل عنك اسمه، خل عنك اسم الرجل، لكن وقد تتغير الصورة ويكون هناك كافر آخر، لكن التباهي بهذا ماذا يدل؟ هذا هو الشيء المقلق، والمزعج اليوم الذي نراه يحصل على صدور شبابنا وعلى صدور أناس من المسلمين في هذه الأيام.

ضوابط في بيع التقسيط

00:29:08

وأخيراً تكرر السؤال عن شركات بيع التقسيط، وقال بعض الناس: يمكن أن نشتري الآن أرضاً بالتقسيط ويمكن أن نشتري أثاثاً بالتقسيط، ويمكن أن نشتري سيارة بالتقسيط، وشركات التقسيط الآن منتشرة وصارت توسع أعمالها، فما هو الحكم الشرعي في هذه الأمور، أقول اختصاراً؛ لأن كثرة الأسئلة تدل على أن الناس الآن يرغبون في مثل هذا النوع في المعاملات ويريدون أن يشتروا أشياء لا طاقة لهم بها، ويدفعوا من ثمنها مقدماً للمستقبل.

أقول أيها الإخوة: هذه المسألة فيها ضوابط:

الضابط الأول: لا تبع ما ليس عندك، لا يجوز أن يبيعك التاجر شيئاً ليس عنده، "نهى أن تباع السلع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم"[رواه أبو داود3499]. فلا يجوز أن تبعك شركة التقسيط شيئاً ليس في مستودعاتها ولا في ملكها، ولا حازته إليها، ولا قبضته، ولا تملكته، وصار الصك أو الاستمارة ونحو ذلك باسمها هي قبل أن تبيعه عليك وتنقله إليك؛ لأن من صور الربا المكشوفة أن يقول لك: اذهب واشتري الأثاث الذي يعجبك وأنا أسدد عنك نقداً، وأنت تسدد لي القيمة بزيادة تقسيطاً، هذا ربا مكشوف، هذا سلف بزيادة، يسلفك ثمن البضاعة وأنت تسدد له بالتقسيط، هذا ربا واضح جداً، فإذن ماذا ينبغي لكي يصح البيع وتكون الصورة في البيع صحيحة؟

أن تنقل السلعة إلى ملكه، فإذا كان ممكن نقلها كالسيارات والأثاث وغيره يجب نقله إليه إلى مستودعاته، يجعل مستودعات، ليس لنا شأن به، يجعل مستودعات ينقل البضاعة إليها وبعد أن تصبح في ملكه وفي حوزته توقع معه عقد البيع، وعقد البيع قبل ذلك باطل؛ لأن البضاعة ليست عنده، ولا يجوز أن يربطك بعقد قبل أن تكون البضاعة عنده، ولا يجوز أن يقول لك: ما يضمن لي أن تشتري مني، وقع العقد الآن ثم أجلب البضاعة إلي، لا غلط، اجلب البضاعة إليك إذا أعجبتني أشتريها منك، هذا هو الحكم الشرعي في مسألة هذه الأنواع من البيوع المنتشرة الآن، فإذا كان شيء يمكن نقله كالسيارة والأثاث فيجب أن ينقل إليه، وإذا كان لها استمارة فيكون باسمه هو قبل أن يبيعها عليك، وإذا كان شيئاً يمكن نقله كالأراضي، فينبغي أن يحصل الإفراغ وأن يصبح الصك باسمه هو ثم بعد ذلك توقع معه عقد البيع بالتقسيط كما تشاء، فإذن ليكن المسلمون على علم بهذه الصورة الصحيحة للبيع والصور الغلط أو الربا التي تكون في كثير من أنواع بيوع التقسيط.

نسأل الله أن يجنبنا الحرام، وأن يرزقنا اتباع السنة، وأن ينقي مكاسبنا من الشبهات والآثام والحرام، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك، اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل المسلمين، وانصر عبادك الموحدين المجاهدين، اللهم أرنا في الكفرة يوماً تنصر فيه المسلمين عليهم، ويوماً تعز فيه هذا الدين، نسألك نصراً قريباً، نسألك نصراً عزيزاً وفتحاً قريباً، تنصر به الإسلام وأهله وتذل به الشرك وأهله.

أقول قولي هذا وأستغفر الله. وقوموا إلى صلاتكم.

1 - رواه مسلم2564
2 - رواه البخاري3456
3 - رواه أحمد10641
4 - رواه أحمد10641
5 - رواه الطبراني في الكبير218
6 - رواه أبو داود3499