الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
وجوب الحج على المستطيع
عباد الله، أيها المسلمون: إن فريضة الله على عباده بالحج قد دنا وقتها، ولما ازدادت الأسئلة عن هذا الأمر، كان من المناسب أن نتطرق إلى هذا الموضوع المهم: حج بيت الله الحرام، إلى هذا الموضوع المهم: حج بيت الله الحرام، والحج هو قصد الحرم، وعرفة في أشهر الحج للقيام بأعمال الحج؛ من الوقوف، والطواف، والسعي، وغيرها، بالشروط الشرعية، وهو فرض عين على كل مكلف مستطيع في العمر مرة، وهو ركن من أركان الإسلام، ثابتة فرضيته بالكتاب، والسنة، وإجماع أهل العلم، قال الله تعالى: وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَسورة آل عمران97. فذكر الذي يقوم بالفرض، وفي مقابله الذي كفر، إشارة إلى أن ترك الحج ليس من شأن المسلمين، وإنما هو من شأن غير المسلمين، وشروط صحة الحج؛ أن يكون مسلماً، عاقلاً، وشروط وجوب الحج: أن يملك زاداً، وراحلة، والنفقة المطلوبة، وأمن الطريق، وأن يستطيع ببدنه، فإذا كان المسلم يملك النفقة الفاضلة عن نفسه، وعمن تلزمه نفقتهم من الأهل، والأولاد، وبعد أداء حقوق الله كالزكاة، والكفارات، والنذور، وبعد أداء حقوق المخلوقين، وملك ما يستطيع به أن يستأجر، أو يذهب به لأداء مناسك الحج، وجب عليه وجوباً شرعياً أن يبادر إلى ذلك، وقد قال النبي ﷺ: تعجلوا إلى الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له[رواه أحمد2867]. وقد فهم عدد من العلماء من هذا الحديث، وجوب المبادرة إلى الإتيان بهذه الشعيرة، وعدم تأخيرها، وأن من أخرها بغير عذر يأثم، وإذا كان عنده ما يبيعه فاضلاً عن نفقته ومصلحته وعمله، فإنه يبيعه لكي يذهب به، ويستعين به على نفقة الحج، وقد ذكر النبي ﷺ أن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة[رواه أحمد7353]. وأن الحجاج والعمّار وفد الله دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم [رواه ابن ماجة2893]. وأخبر بأن الحج، والعمرة لمن سبيل الله، وبهذا استدل من ذهب من العلماء إلى جواز دفع الزكاة لغير القادر على الحج لأداء فريضته، وأخبر ﷺأن الحج يهدم ما كان قبله فيمحوا المعاصي والسيئات والآثام والأوزار المتراكمة، وقال ﷺ: تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة[رواه أحمد3669]. حديث صحيح، فهو من أبواب الغنى، وأسبابه، ومن أسباب زوال الفقر، بخلاف ما يقول بعض الناس: خسرنا كذا، وكذا في الحج، فإنها ليست خسارة؛ وإنما هي ربح والله، وأفضل الأعمال؛ الإيمان بالله وحده، ثم الجهاد، ثم حجة مبرورة كما قال النبي ﷺ: إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء، فيقول لهم: انظروا إلى عبادي جاءوني شعثاً غبراً[رواه ابن خزيمة2839]. وأكثر ما يعتق الله من عبيده من النار يوم عرفة، في يوم عرفة كما أخبر النبي ﷺ.
والحج هو: جهاد كل ضعيف، المرأة جهادها الحج، كما قال ﷺ، وقال للرجل: أما خروجك من بيتك تؤم البيت الحرام فإن لك بكل وطأة تطأها راحلتك يكتب الله لك بها حسنة، ويمحو عنك بها سيئة، وأما وقوفك بعرفة فإن الله ينزل إلى السماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة، فيقول: هؤلاء عبادي جاؤوني شعثاً غبراً من كل فج عميق يرجون رحمتي ويخافون عذابي ولم يروني، فكيف لو رأوني؟ فلو كان عليك مثل رمل عالج – وهي صحراء كثيرة الرمل- أو مثل أيام الدنيا أو مثل قطر السماء ذنوباً غسلها الله عنك، وأما رميك الجمار فإنه مدخور لك وأما حلقك رأسك فإن لك بك شعرة تسقط حسنة، فإذا طفت بالبيت خرجت من ذنوبك كيوم ولدتك أمك. رواه الطبراني، [رواه الطبراني في المعجم الكبير13566]، وهو حديث حسن.
عباد الله: إن أجر الحج يدل على أن المسألة ليست مسألة تجارة، كما اتخذها البعض يساومون فيها، ويريدون أن يأخذوا حججاً عن الناس، المسألة مسألة أجر وفضيلة، لا مسألة مال، وأرباح دنيوية.
عباد الله: من وجب عليه الحج فلا بد أن يبادر، ولا يؤخر، ولا يسوف فإن المرض قد يداهم، والموت قد يفاجئ، ويندم بعد ذلك لمَ لم يحج ؟، لا يدري أحدكم ما يعرض له، وقال ﷺ: عجلوا الخروج إلى مكة فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له من مرض أو حاجة[رواه البيهقي8695].
ولذلك قال العلماء في حج الفريضة: إن المرأة إذا لم يأذن لها زوجها بالخروج، ومعها محرم خرجت بغير إذنه، وكذلك الولد إذا بلغ، واستطاع الذهاب خرج إلى الحج، ولو بغير إذن والديه؛ لأن طاعة الله مقدمة على طاعة كل أحد، ولكن عليه أن يطيب خاطرهما، وكذلك أصحاب الأعمال يخرجون من أعمالهم لأداء حج الفريضة، لا يقدمون مصلحة عمل، ولا مصلحة شخص، وإنما يقدمون مصلحة الدين، فأما إذا غلبوا على أمرهم فإنهم معذورون، والله تعالى أعلم بالنوايا، والأحوال.
حكم الحج على أصحاب الديون والأقساط
وكذلك فإن أصحاب الديون يسألون ماذا نعمل، وقد كثرت الديون، لقد كثرت الديون في هذا الزمن كثرة بالغة، بأسباب منها ما هو معذور فيه الإنسان، ومنها ما هو ليس كذلك، من رغبة في التوسع في الدنيا، أو حرص على الكماليات، وعلى أية حال فإن الإنسان إذا كان مطالباً بالدين قدم الدين على الحج، ولا يجب عليه الحج ما دام مطالباً بالدين، ولا يحج إلا بعد الوفاء، ومهما كان المبلغ المتوفر عنده، ومهما كانت ديونه كثيرة، فإن تقديم الوفاء بالدين إذا كان مطالباً به هو الذي ينبغي عليه.
وأما إذا كان الذي عليه الدين استأذن ممن استدان منه فأذن له، أو علم من حاله أنه يسامحه، فإنه يحج، وقد يكون الحج سبباً في قضاء دينه.
وكذلك فإن أصحاب الأقساط في السيارات، والعقارات، وغيرها ما داموا منتظمين في سداد الأقساط، وعندهم ما يؤدونه عند حلول موعد كل قسط، فلا بأس إذا حجوا؛ لأنهم يقومون بما يجب عليهم في كل قسط، وعموماً فإن الإذن والسماح من صاحب المال يجيز للذي عليه الدين أن يذهب، وكذلك يجوز للإنسان أن يحج بمال غيره الذي وهبه له متبرعاً به إليه، ولو كان حج الفريضة، فلو حج من مال غيره الذي أعطاه إياه، أو أهداه، أو وهبه، أو حمله على نفقته، أو استضافه، فنزل ضيفاً على شركة، أو جهة حكومية، فإن حج الفريضة صحيح، نعم الأفضل أن يكون من ماله، ولكن إن لم يكن من ماله فكان من مال حلال فلا حرج عليه مطلقاً أن يحج به، ولو حج الفريضة، وإيانا والمال الحرام، فإن المال الحرام كم كان سبباً في منع الأجر، وحصول الوزر، واستجلاب غضب الرب، الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يلح في الدعاء يا رب يا رب وأنى يستجاب له[رواه مسلم بمعناه1015]. لماذا؟ لأن المطعم حرام، والملبس حرام، والنفقة حرام، والزاد حرام، والراحلة حرام، وما يدفعه لأصحاب الحملات حرام، فكيف يقبل الله منه؟
أحكام المرأة في الحج
عباد الله: وأما بالنسبة للمرأة؛ فإنه لا يجوز لها أن تخرج بغير محرم، وقد أمر النبي ﷺ الرجل المكتتب في جهاد أن يترك الجهاد، وينطلق ليحج مع امرأته التي ذهبت قبله، بدون محرم حرصاً على النساء، وسلامة النساء، وخصوصاً في هذا الزمان، الذي عمت فيه الفتن، وأثيرت الشهوات، وانطلقت الغرائز من كل عقال، لا يجوز التفريط مطلقاً في ذهاب النساء بغير محرم، ولا يجب عليها أن تذهب بغير محرم، إنها لو لم تجد محرماً فقعدت بدون حج فريضة فلا تأثم، ولكن إن ذهبت بغير محرم خالفت، وعصت، ولذلك لا تذهب امرأة بغير محرم، مسلم، بالغ، عاقل، ممن يحرم عليها تحريماً مؤدباً.
وأما المرأة في عدة الوفاة، فلا تخرج للحج، وأما المرأة المطلقة، فإن كان الزوج قد طردها من بيته، آثماً، عاصياً، جاز لها الخروج من غير إذنه، فإما إن كانت عنده فإن كان حج فريضة فلا بد أن تذهب، وإن كان غير فريضة فلا بد من إذنه، واستثنى العلماء بعض العلماء المطلقة طلاقاً غير رجعيٍ، التي طلقت ثلاثاً تذهب بغير إذن؛ لأنها لم يعد لها بقاء عند الزوج، وانتبهوا رحمكم الله لحج الخادمة، فالخادمة امرأة لم تخرج عن كونها امرأة يشترط لها ما يشترط للمرأة، المحرم للحج، وإن كان العقد المكتوب بينك وبينها أنك تسعى لها في حجها، فسعيك مقيد بالشرع، فإن وجدَت محرماً سعيت لها، وأنت مأجور، وإن لم تجد محرماً؛ فلا يجوز لها الذهاب، وكم ممن ذهبن من هؤلاء في بعض الحملات، حصل لهم من الأذى والإيذاء، وحصل عليهن مما كان يخشى أمر عظيم، فأما إذا أصرّت الخادمة فإنك تعظها، وتذكرها، وتبين لها الحكم الشرعي، ثم إذا خرجت فإنها تتحمل ذنبها.
عباد الله: إن المرأة التي تخرج بمحرم نفقة المحرم عليها، إلا إذا تبرع هو بالذهاب معها من ماله، فإنه يكون مأجوراً، وأما المرأة المرضع، فإن تقديم مصلحة الولد بالرضاع هو المقدم، فإن تراضى الأبوان على الفطام، ولم يكن الفطام يضر بالولد ذهبت إلى الحج، وكذلك إن تيسر مكان يضعان فيه الأولاد في مكة، أو قريب منها، أو في البلد فعلوا ذلك، وذهبوا إلى الحج، وعادوا مسرعين بغير تأخر عن أولادهم.
والمسلم إذا لم يحج الفريضة فمات وجب أداء الحج عنه من ماله، فإن تبرع به متبرع فهو مأجور، والحج صحيح، ويجوز أن يحج عنه أكثر من شخص من أولاده، مثلاً، قال ﷺ: حج عن أبيك واعتمر[رواه الترمذي930]. ويجوز التطوع عن الميت كذلك، ولكن الحي أولى بأن يتطوع عن نفسه، ويدعو لميته، ويشترط فيمن ينوب عن شخص للحج أن يكون قد حج عن نفسه أولاً لقوله ﷺ: حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة [رواه أبو داود1811]. وكذلك إذا أراد الإنسان أن يستنيب، فإنه يستنيب إنساناً يخاف الله، ويعي الحج، ويفهم أركانه، وواجباته، ويأتي به على السنة، إتباع السنة، أمر مهم يا عباد الله : ولا يأخذ من مريدي التجارة الذين اتخذوا أداء الحج عن الآخرين طريقاً إلى الدنيا، فجعلوا الحج وسيلة، والكسب هو الغاية، هؤلاء لا خلاق لهم عند الله، ومن عجز عن الحج عجزاً كلياً، عنده به مرض لا يرجى زواله، فإنه ينيب من يحج الفريضة عنه، غير القادر، وإما إذا كان الإنسان قادراً، فإنه لا بد أن يحج هو، والحج لا يشترى بالمال، وإذا كان عنده عذر يرجى زواله، كبعض أهالي المقيمين في هذه البلاد، أهاليهم في بلاد أخرى، يقول: أمي، هل أحج عن أمي، وهي في بلد آخر؟ فنقول: لعلها تتمكن في المستقبل، ما دام لديها صحة، وما دامت تستطيع، ولكن يحبسها مال، أو إجراء من الإجراءات، فلتنتظر حتى تحج هي بنفسها، فإن ماتت، أو عجزت فهي معذورة، وتحج عنها أنت في تلك الحال، ومن عنده مال من أي جهة حلال، كإعانات، أو صدقات، فإنه يحج بها ولا حرج، ولا يستنيب الإنسان، لا يخرج المسلم نائباً عن شخص لا يصلين أو عن كافر، فإن الحج لا يجوز عن كافر مطلقاً، وإذا أراد الإنسان أن يحج عن أبويه العاجزين، أو الميتين قدم الأم؛ لأن الأم مقدمة في البر، مقدمة بالبر في الشريعة، وكذلك فإن الإنسان إذا أخذ مالاً ليحج عن غيره، فزاد منه فالأصل أن يعيد إليهم الباقي إلا إذا سامحوه به.
عباد الله: إن هذا الحج أمر عظيم، لا يصلح التساهل فيه أبداً، ولا يصلح التقاعس عنه مطلقاً، ويجب أداؤه على حسب السنة النبوية خذوا عني مناسككم[رواه البيهقي9524]. كما قال ﷺ.
ومن أراد أن يذهب من الآن إلى الحجاز، وهو ناوٍ الحج فلا بد أن يحرم به من الميقات، أو يرجع إلى الميقات ليحرم منه إذا تجاوز الميقات، أو يأتي بعمرة التمتع، ثم يتحلل، وينتظر إتيان وقت الحج ليحرم بالحج، ومن حج عن غيره فإن الأركان، والواجبات لمن أنابه، وله السنن، والأذكار، ويشاركه هو في الأجر، وإذا احتسب فإنه يرجى له مثل أجر من استنابه، أو أكثر.
من أراد أن يذهب من الآن إلى الحجاز، وهو ناوٍ الحج فلا بد أن يحرم به من الميقات، أو يرجع إلى الميقات ليحرم منه إذا تجاوز الميقات، أو يأتي بعمرة التمتع، ثم يتحلل، وينتظر إتيان وقت الحج ليحرم بالحج، ومن حج عن غيره فإن الأركان، والواجبات لمن أنابه، وله السنن، والأذكار، ويشاركه هو في الأجر، وإذا احتسب فإنه يرجى له مثل أجر من استنابه، أو أكثر.
عباد الله: إن هذه الفريضة التي فرط بها بعض الناس يستحق أن يولى لها اهتمام خاص، وعناية فائقة؛ لأنها ركن الدين العظيم، فلا يجوز التخلف، ولا التقاعس، ولا الإهمال، وينبغي على أصحاب الحملات أن يضعوا مصلحة الحجاج الشريعة نصب أعينهم، وأن لا يفرطوا في العقود المبرمة بينهم وبين الحجيج، وأن لا يوفروا المال على حساب تفويت شعيرة من الشعائر، ولو كانت سنة من السنن، كالبقاء يوم التروية في منى ونحو ذلك، يقدموا مصلحة الحج على مصالحهم الشخصية، هذا ما ينبغي عليهم، لا أن يجعلوا المال هو الهدف، ويضحون من أجله بسنن، أو بمصالح الحجاج، أو بالعقد الذي أبرموه، أو يخلّو ببعض شروطه.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من عباده الأتقياء، الحريصين على دينه المقيمين لشرعه.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا الله، وسبحان الله، ولا حول، ولا قوة إلا بالله، وأشهد أن محمداً رسول الله، الرحمة المهداة، صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبهن ومن والاه.
عباد الله، أيها المسلمون:
مأساة كوسوفو
لقد دهم بإخواننا في بلاد كوسوفو، من العدو ما دهمهم، وأصبحوا تحت وطأت نيرانهم، وعدوانهم، إن تاريخ المسلمين في كوسوفو يرجع إلى أيام الفتح العثماني لبلاد البلقان، في أواخر القرن الرابع عشر الميلادي، لما هزم الفاتحون المسلمون الجنود الصليبيين، الذين كانت جنودهم مكونة من سبعة جيوش لبلادها في سهل كوسوفو، في عام 1399 ميلادي، وأقيمت دولة الإسلام في تلك الديار، ولا زال المسلمون أعزة حتى خرج العثمانيون من منطقة البلقان، وبعد مرور ستمائة سنة في عام 1989 للميلاد، اجتمعت أعداد هائلة من الصرب في تلك المنطقة، وحضر زعيمهم مينوسوفيتش إلى تلك المنطقة، وقال بالحرف الواحد: معركة كوسوفو بدأت قبل ستة قرون وانتهت اليوم، ونحن مستعدون أن نضحي بثلاثمائة ألف مقاتل صربي لاستئصال الإسلام من سراييفو إلى مكة، وانخفضت مساحة تلك البلاد بما نهبوه منها، يسكنها مليونان ونصف مليون نسمة من المسلمين، غالبيتهم من المسلمين، وعاصمتها بشتيلا، التي ترزح تحت الحقد الصليبي، وبقية بلاد المسلمين في تلك المناطق الغنية بالمعادن، ويريد الصرب أن يضموها إليهم بالقوة؛ لإقامة دولة صربيا الكبرى في تلك المنطقة، وطردوا جميع العمال المسلمين من وظائفهم قبل ثمانية أعوام، وهم يريدون تحقيق حلمهم الكبير في طرد المسلمين، وتوطين الصرب في أماكنهم، وهذه الخطة التي تحدث الآن على مرأى من العالم، ومسمع، ويطمعون في الأهمية الإستراتيجية لذلك الإقليم المسلم، لقد كان المسلمون يرزحون تحت نيل الشيوعية في تلك البلاد إلى فترة قريبة، وحصلت عملية التجهيل بالدين، وكثير من المسلمين أصبحوا لا يعرفون الإسلام، حتى بدأت بوادر الصحوة الإسلامية المباركة تظهر في ذلك الإقليم، وفي البلقان عموماً، ورجع عدد من أهل كوسوفو إلى الإسلام، وامتلأت المساجد التي كانت مهجورة، أو مغشية من كبار السن، صارت معمورة بالمصلين من مختلف الأعمار، وخصوصاً الشباب، والطلاب، لقد استهدفوا بإفقارها انتشار السرقة، والدعارة فيها، وهاجر أكثر من سبعمائة ألف مسلم أغلبهم من الشباب من تلك الديار للبحث عن الرزق، بعد خطة الإفقار التي عمد إليها النصارى، وتلّقف عدد من هؤلاء المؤسسات الكنسية التنصيرية، التي توفر لهم المسكن، والطعام، والراتب الشهري؛ لكي يعتنقوا النصرانية، وأحوال أهلها في تدهور صحي؛ لأن المرافق الصحية يسيطر عليها الصرب، وقد جعلت قوات الشرطة الصربية في تلك المناطق المخافر، والسجون، ويوجد ثاني أكبر سجن في أوروبا في إقليم كوسوفو الممتلئ اليوم بإخواننا المسلمين، في زنازين متعددة، في كل زنزانة، وفي كل قسم صنف من أصناف الجرائم التي يسميها الصرب بالجرائم، وبعض الناس لا يدرى عنهم، ولا يعلم حالهم، ويعتقل المسلمون الألبان، وكثير ممن ينقلون الأخبار في العالمن يرفضون أن يقولوا عن سكان كوسوفو أنهم مسلمون، ويصرون على أن ينعتوهم بأنهم المنحدرون من أصول ألبانية، ولا يريدون مطلقاً أن يذكروا اسم الإسلام؛ لأنهم يعرفون أن ذكر اسم الإسلام، ووصف سكان كوسوفو بالمسلمين يجعل المسلمين في العالم يمدون أيدي التعاون إليهم، ويثيروا الحمية في النفوس لنصرة إخوانهم.
أيها الإخوة، أيها المسلمون: لقد بدأت حرب الإبادة في الإقليم من مدة، وتوجهت الجيوش الصربية، بالمدرعات، والسيارات الثقيلة، والطائرات المروحية، والجنود المدججين بالسلاح، إلى قرى إخواننا هناك، طريقتهم أن يحاصروا قرية قرية، فيدكونها على رؤوس أهلها، ويأخذون من فيها في سن الشباب إلى المعتقلات، والنساء إلى الاغتصاب، والأطفال إلى أعمال التسخير، وقد شاركت المروحيات الصربية في المعارك الأخيرة، فدكت البيوت على رؤوس أهلها وساكنيها، واقتحموا البيوت بمدرعاتهم، ورموا من فيها من الرجال، والنساء، والأطفال، فحصلت مجازر رهيبة، ولا يغرنكم العدد المحدود الذي ينشر عن الضحايا، إنما هو أكبر من ذلك بكثير، وقد احتجزوا عدداً في مصنع من المصانع يأخذونهم إلى حيث القتل، أو الاغتصاب، كما يريدون.
أيها المسلمون: إنهم يطلقون النار على المدارس، وقد قتل طلاب صغار في مدرسة ابتدائية في هذه الأحداث الأخيرة، وقد دخلوا بعض البيوت، ورسموا فيها الصلبان على الجدران، والعبارات المهددة بعودتهم عند الحاجة، وحصلت عمليات التشويه للقتلى المسلمين بشتى الأساليب، من قطع الرؤوس، وفك العيون، وكسر الأسنان، وتهشيم العظام، وقد حققوا مع رجل مسلم فسألوه عن عدد أولاده فلما أخبرهم بأن لديه إثنا عشر ولداً، عزموا على قتله، وقالوا له: اختر نقطع يديك أولاً، أو رجليك، وانكب أولاده عليه في مشهد مؤثر، ونحن في المعاصي، ونحن في الأسواق، وتضييع الأموال، ونحن في الشهوات، وإخواننا في تلك المحنة، لو استفدنا من تلك المحنة الرجوع إلى الله لكان ذلك عظيماً، ولكننا مسؤولون أيها المسلمون، ورغم ما أصاب إخواننا في تلك الديار فإن مقاومتهم، ولله الحمد ببسالة، وضراوة حتى ردوا الصرب في بعض المناطق، ولم يستطيعوا اقتحام قرى المسلمين، بعض قرى المسلمين، ولذلك هدأت الأمور هدوءاً نسبياً الآن، والقوات الصربية تواصل حشودها للعودة، وسيعودون، والنصارى يتفرجون، ويوزعون الأدوار، فهؤلاء لمباشرة القتل، وهؤلاء للمناورات، والمفاوضات، والكل مشتركون في الخطة، إضعاف المسلمين، وتهجير المسلمين، ونحن نتفرج، أيها الإخوة : إذا لم تثر هذه الأخبار فينا حمية للدين، أو عودة إلى الإسلام فلا خير فينا، وإذا لم تثر فينا الحمية بالدعاء لهم، أو الصدقة عليهم فما هو الخير فينا إذن؟
اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا، في يومنا هذا، بأسمائك الحسنى، وأنت القوي العزيز، أن تدمر الصرب، ومن شايعهم، اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم انصر المستضعفين من المسلمين، اللهم إنهم حفاة فاحملهم، وإنهم عالة فأغنهم، وإنهم ضعفاء، وارزقهم القوة، والنصر، والتمكين، اللهم ارزقهم العودة إلى الدين، اللهم أقم لواء الجهاد في البلقان، وفي غيرها من البلدان، لدحض اليهود، والنصارى، اللهم إنا نسألك أن تهلك أعداء الدين، اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اللهم انصر المسلمين على النصارى، واليهود يا رب العالمين، اللهم انصر المسلمين في الخليل، وفي القدس، اللهم إنا نسألك أن تعيد لنا المسجد الأقصى، اللهم ردنا إلى الإسلام رداً جميلاً، اللهم اجعلنا ممن نصرت به دينك، وسنة نبيك محمد ﷺ.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.