الجمعة 11 شوّال 1445 هـ :: 19 أبريل 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

زادك لأحكام ذي الحجة


عناصر المادة
الخطبة الأولى
آيات الحج في سورة الحج أحكام ومعاني
الأضحية: تعريفها وحكمها وأحكام أخرى فيها
التكبير في عشر ذي الحجة
اجتماع العيد والجمعة وحكم ذلك
الخطبة الثانية
الحث على استغلال عشر ذي الحجة
بماذا يثبت دخول الشهر؟
أحكام في الحج

الخطبة الأولى

00:00:04

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد: فإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد بن عبد الله ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

آيات الحج في سورة الحج أحكام ومعاني

00:00:52

قال الله تعالى: وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَحددنا له، وبينا مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ أي: بهذا البيت وَالْقَائِمِينَ أي: فيه للصلاة، وَالرُّكَّعِ السُّجُودِسورة الحـج26 وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّأعلمهم وارفع صوتك، فبلغ الله العالم صوت إبراهيم، يَأْتُوكَ رِجَالًا أي: مشاة وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ أي: بعيرمهزول أتعبه السفر، يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍسورة الحـج27. لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ أي: في الدين والدنيا، وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهأي: عند ذبح الهدايا والضحايا، فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ وهي أيام العشر، عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا، ولذلك يسن ويشرع الأكل منها كما أمر الله، فَكُلُوا مِنْهَاوَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَسورة الحـج28. أي: من الهدي، وقوله: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْأي: ليزيلوا الأوساخ من جراء السفر، والتنقل، وكذلك الأظافر في يوم العيد، ويحلقوا شعورهم.

قال: وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ كما إذا نذروا الحج، أو أعمال البر، وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِسورة الحـج29.

فهذا طواف الإفاضة، وهو الركن العظيم من أركان الحج، ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِأي: بإتمام حجه ونسكه، وعدم النقص، والتفريط، كما يفعل البعض اليوم، يريدون الانصراف قبل الثاني عشر، وأن يتعجلوا قبل الوقت الشرعي، وأن يرموا قبل الوقت الشرعي، وربما طافوا الوداع ولم يرم من وكلوه بالرمي عنهم، فكيف يكون الوداع قبل شيء من أعمال الحج قد تبقى، قال تعالى: وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِبإتمام حجه ونسكه، واستسمان هديه، وسلامته من العيوب، وترك المنكرات، فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ في الدار الآخرة إذا لقي الله، قال: وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ: الإبل، والبقر، والغنم،إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْالميتة، وما ذبح على غير اسم الله، ونحو ذلك، فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ نجاسة الشرك لا تزول إلا بالإيمان، وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِسورة الحـج30. أي: الباطل، حُنَفَاء لِلَّهِ مائلين إليه عن كل ما يعبد من دونه، غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء سقط في حضيض الكفر، فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ تأخذ من لحمه، وتقطعه بمخالبها، أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍسورة الحـج31.بعيد عميق، تتكسر عظامه، ويتقطع، هذا مثل المشرك بالله.

قال: ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِالعبادات عموما،ً فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِسورة الحـج32.هذا يدل على أن التقوى في قلبه عظيمة، لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّىالبدن عموماً، وركوبها، وحليبها، وصوفها، إلى وقت نحرها، إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِسورة الحـج33. نهايتها إلى منطقة الحرم حيث تذبح هناك، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًاعيداً يذبحون فيه قرابينهم، لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وحده ، عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ التي يذبحونها فيه، فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا أي: انقادوا وأطيعوا، وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَسورة الحـج34. أي: المتواضعين الخاشعين المخلصين، الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْخافت أشد الخوف،وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ أي: بالبلايا والمحن، وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَسورة الحـج35. وَالْبُدْنَ هذه الإبل، وقيل: المهداة إلى البيت العتيق، جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ قائمة معقولة اليد اليسرى، جاهزة للسقوط عند النحر، فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا سقطت على جنبها بعد نحرها، فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ الذي يرضى بما عنده ولا يسأل، وَالْمُعْتَرَّالمعترض للناس الذي يسأل، كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَسورة الحج36.لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَالا يبلغه اللحم، لا يصعد إليه اللحم، وَلَا دِمَاؤُهَا التي تنصب عند النحر، وَلَكِن يَنَالُهُيصعد إليه، ويبلغه، التَّقْوَى مِنكُمْ فيجازيكم عليه، كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّه وليقول الناحر عند الذبح: بسم الله، والله أكبر، ويكبر الناس ربهم على ما أرشدهم إليه من الشعائر، عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَسورة الحج37.

هذه الشعائر العظيمة من الحج، والهدي، والأضحية، وبالأضحية يشارك أهل البلدان حجاج بيت الله في بعض الشعائر، فالحجاج يتقربون إلى الله بذبح الهدايا، وأهل البلدان يتقربون إليه بالضحايا، وهذا من رحمة الله فلم يحرم أهل البلدان من الفضل العظيم، والأضحية: شكر لله على نعمة الحياة، وإحياء لسنة إبراهيم ، وتذكير المسلم بصبر إبراهيم، وإسماعيل، وإيثارهما طاعة الله، ومحبته على محبة الوالد، والولد، وتوسعة على النفس، وأهل البيت، ونفع للفقير، ومن سيهدى إليه، وأجر عظيم بالصدقة في ذلك اليوم العظيم.

يوم العاشر: أفضل أيام السنة على الإطلاق، وأفضل أيام العشر؛ لاجتماع عبادات فيه لا تجتمع لغيره، من طواف، وسعي، ورمي، وحلق، ونحر، وغير ذلك.

الأضحية: تعريفها وحكمها وأحكام أخرى فيها

00:08:32

الأضحية يا عباد الله: ما يذبح من بهيمة الأنعام أيام الأضحى ضحوة، في ذلك الوقت بسبب العيد، تقرباً إلى الله ، وهي من شعائر الإسلام العظيمة، وسنة النبي ﷺ، وإجماع المسلمين، تذكى يوم النحر، وأيام التشريق بعده بشرائط مخصوصة، تختلف عما ذبح للأكل، وذبح لقدوم الضيف، تختلف الأضحية عن الهدي الواجب على المتمتع، والقارن، تختلف الأضحية عما يذبحه الحاج، أو المعتمر عن ترك واجب، أو عن خطأ، ووجوب فدية عليه لترك واجب، أو فعل محظور من محظورات النسك، تختلف عن العقيقة، ولذلك لا تدخل هذه في هذه، كل منهما لها سببها الخاص، والأضحية أعظم من العقيقة، فتقدم عليها عند التعارض، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْسورة الكوثر2. انحر هذه الأضحية بعد صلاة العيد، قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَسورة الأنعام162. وقال النبي ﷺ: من ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين رواه البخاري [رواه البخاري 5546].

"وضحى النبي ﷺ بكبشين أملحين، ذبحهما بيده، وسمى وكبر، ووضع رجله على صفاحهما".  هكذا في البخاري ومسلم.[رواه البخاري 5565 ومسلم 1966].

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "أقام النبي ﷺ بالمدينة عشر سنين يضحي". رواه أحمد وهو حديث حسن. [رواه أحمد 4935 والترمذي 1507].

وهكذا أجمع المسلمون على مشروعيتها، قال ابن القيم: "القربان للخالق يقوم مقام الفدية للنفس المستحقة للتلف، فلم يزل ذبح المناسك، وإراقة الدماء على اسم الله مشروعاً في جميع الملل"وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِسورة الحج34. فهي في شرع من قبلنا إذن، ولا خلاف في كونها من شرائع الدين.

وهل واجبة أو مستحبة؟

قال عدد من أهل العلم بالوجوب، منهم الأوزاعي، والليث، وأبو حنيفة، وإحدى الروايتين عن أحمد، واختار ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وأحد القولين في مذهب مالك.

قال شيخ الإسلام: "والأظهر وجوبها فإنها من أعظم شعائر الإسلام، وهي النسك العام في جميع الأمصار، والنسك مقرون بالصلاة، وهي من ملة إبراهيم الذي أمرنا باتباعه"، وقد قال ﷺ: من كان ذبح أضحيته قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى رواه مسلم [رواه مسلم 1960] وقال: من وجد سعة فلم يضحي فلا يقربن مصلانا. حديث حسن [رواه أحمد 8074] وقال: إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية. وسنده قوي.[رواه الترمذي 1518 وأبو داود 2788 وابن ماجة 3125].

وقال جمهور العلماء: وأكثرهم وهو مذهب الشافعي، ومالك، وأحمد في المشهور عنهما: إنها سنة مؤكدة، لكن كثيراً من العلماء هؤلاء قد صرحوا بكره تركها للقادر.

وقال جابر : "صليت مع رسول الله ﷺ عيد الأضحى فلما انصرف أتي بكبش فذبحه فقال: بسم الله والله أكبر، اللهم هذا عني وعمن لم يضحِ من أمتي[رواه أحمد 14423].

وهذه الأضحية يشارك صاحبها المحرم في بعض أحكامه، وليس في كلها، وهو عدم الأخذ من الشعر، والأظفار، وكذلك لا يأخذ من بشرته، وأما غير ذلك من الطيب، وإتيان الزوجة، ولبس المخيط، فلا يحرم على المضحي.

وهذه الأضحية لا تجب على المعسر، وقد جاء في الحديث الصحيح: أن النبي ﷺ أمر بكبش أقرن، رجله سوداء، وركبته سوداء، كما جاء في الحديث: يطأ في سواد، ويبرك في سواد، وينظر في سواد - ما حول عينيه أسود - أتي به ليضحي، فقال لها: يا عائشة هلمِ المدية ، ثم قال: اشحذيها بحجر، ففعلت، ثم أخذها، وأخذ الكبش فأضجعه، ثم ذبحه، ثم قال: بسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد  ثم ضحى به.[رواه أبو داود 2792].

وقد جاء في الحديث الصحيح أيضاً: دم عفراء أحب إلي من دم سوداوين[رواه أحمد 9132].والعفراء: هذا اللون الأبيض المغبر، وليس في هذا تعارض مع الحديث الذي قبله؛ لأنه يمكن أن تكون أضحيته عفراء وفيها سواد في القدم، والركبة، وحول العين، والبشرى للفقير الذي لا يملك ثمن الأضحية بحديث النبي ﷺ: هذا عني وعمن لم يضح من أمتي[رواه أحمد 14423]. إذن ضحى النبي ﷺ عمن لم يضح من أمته.

وعن أبي رافع قال: "ضحى رسول الله ﷺ بكبشين أملحين موجوئين خصيين، فذبح أحدهما عمن شهد بالتوحيد، وله بالبلاغ، والآخر عنه، وعن أهل بيته" قال أبو رافع: "فكأن رسول الله ﷺ قد كفانا"[رواه أحمد 23348].والتضحية عن الأمة من خصائص النبي ﷺ، وأما المسلمون فيضحي كل واحد عن نفسه، وأهل بيته، ولا شك أن ذبحها أفضل من التصدق بقيمتها؛ لأنها شعيرة، وإنهار الدم أمر مقصود، عبادة تدل على التوحيد، إنهار الدم لله رب العالمين بنية الأضحية، فلو اشترى شاة من المسلخ قد ذبحت من قبل لم تذبح بنية الأضحية فليست بأضحية، الأضحية: ما ذبحت بنية الأضحية، وهذا الذبح أفضل من الصدقة بالثمن، ولو كان أعطى أكثر، وكذلك فإن الصدقة بالثمن يؤدي إلى طمس السنة، ولا بأس أن يوكل غيره بالذبح، أو أن يرسل مالاً لمن يذبح عنه، وهو مضحٍ يلزمه ما يلزم المضحي، لا بد أن تكون في الوقت، وأن تكون في ملك شرعي للمضحي، لا تكون مغصوبة، ولا مسروقة، وأن تكون من بهيمة الأنعام، بالغة السن المعتبرة شرعاً، ستة أشهر فما فوق من الضأن، وسنة فما فوق من المعز، وجاوزت السنتين في البقر، والخمس في الإبل، وفرق النبي ﷺ بينها، وبين شاة اللحم، إنها نسك، والتزام، وتوقيت عبادة، وتكون سالمة من العيوب المانعة للإجزاء، وهكذا ينتهي وقت الأضحية بغروب الشمس من آخر أيام التشريق، وهو اليوم الثالث عشر، والذبح في النهار أفضل، ويجوز الذبح في الليل، والأفضل أن يؤخر الذبح حتى تنتهي خطبتا العيد، وقد صلى النبي ﷺ، ثم خطب، ثم ذبح، والذين يذهبون إلى البر في هذه الإجازة يقدرون الوقت الذي يكون فيه المسلمون في أقرب مكان إليهم قد انتهوا من صلاة العيد، ثم يذبحون بعد ذلك، ويحرم بيع شيء منها؛ لأنها خرجت لله، والأفضل فيها عند بعض أهل العلم الغنم، ثم البقر، ثم الإبل، وقال بعضهم: الضأن، ثم المعز، ثم سبع البعير، ثم سبع البقر، والبقرة والجزور عن سبعة، تجزئان عن سبعة، إذا اشترك سبعة فيها أجزأت، أما الشاة فلا تجزئ إلا عن واحد، فلا اشتراك في الشاة.

عباد الله: لا بد لهذه الأضحية أن تكون على وفق السنة، وكلما كانت أكمل في ذاتها، وصفاتها، وأحسن منظراً فهي أفضل عند الله، ومن تعظيم شعائر الله، إنها تكفي لأهل البيت الواحد مهما كثر عددهم، ولو كانوا جماعة فيهم عوائل في مكان واحد، نفقتهم واحدة، مالهم واحد، وهم يجتمعون على طعامهم فإنه تكفيهم أضحية واحدة، وأما لو كانوا مستقلين في الدخل المالي، كل له راتبه، كل له دخله المالي، فعلى كل واحد أضحية إذا استطاع، ولا بأس أن يقبل الإنسان هدية غيره فيضحي بها، أو أنه يهدى مالاً فيضحي منه، أو أن تضحي الزوجة عن زوجها، وأهل البيت جميعاً، فلا بأس بذلك، وإن ضحى الأولاد كل عن نفسه، والزوجة عن نفسها، فلا يمنعون من ذلك، ولكن تكفي أهل البيت جميعاً أضحية واحدة.

هذه الأضحية التي ليست عوراء بين عورها، ولا مريضة بين مرضها، ولا عرجاء بين ضلعها، ولا عجفاء، ولا مقطوعة القرن، والأذن، ولا عمياء، وليست كسيرة، وليست عاجزة عن المشي لعاهة، ولا مقطوع شيء منها، هذه التي لم تشق أذنها، ولم تخرق، وقد يكون أحياناً الخرق لجعل رقم فيها، أو ترقيمها، فإن الأفضل أن لا تخرق، وأن يكون التمييز بشيء آخر غير الشق، والخرق، وكذلك لا يضحي بمقطوعة الذنب، ولا مقطوعة الإلية، أما ما لا إلية له أصلاً - بأصل الخلقة - فلا بأس بذبحه، ولا يجوز بيعها إلا أن تبدل بخير منها، وإذا ولدت فولدها حكمه حكمها، ولا يجوز الإضرار بها، وأيضاً تتعين بأن يقول لفظاً: هذه أضحية، أو بالنية، يستحب لمن له أضحية أن يأكل منها إذا تيسر له ذلك، لقول النبي ﷺ: ليأكل كل رجل من أضحيته[رواه الطبراني 12710]وأن يذبحها بيده إذا استطاع، وهذا سنة النبي ﷺ، فإن لم فليشهد ذبحها، وليجتنب أن يذبحها كافر، مرتد، مجوسي، هندوسي، بوذي، مشرك، فلا يجوز ذبح هؤلاء، أما ذبيحة المسلم الموحد، أو الكتابي الذي جاء استثناؤه فإنها جائزة، ولا يبيع منها شيئاً، ولا يجعله أجرة للأضحية، حتى الجلد من باع جلد أضحيته فلا أضحية له[رواه البيهقي 19233]. يقسمها، يأكل منها، ويهدي، ويتصدق، والصدقة مهمة جداً، فَكُلُوا مِنْهَاوَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَسورة الحج28.وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّسورة الحـج36.

والأضحية: الأصل أنها عن الأحياء، عنك، وعن أهل بيتك، وأما الميت فإما أن يكون في أضحيتك مشتركاً بنيتك، "عني وعن أهل بيتي" فيدخل الأحياء، والأموات، وإما أن تكون مستقلة للميت، كما إذا ترك مالاً، قال: ضحوا منه، فيلزم تنفيذ وصيته، فإنه لو لم يترك مالاً فلو أوصى لا تلزم الوصية، وإذا ترك مالاً ضحينا عنه في كل سنة حتى ينتهي المال، فإن كان أقل من الثمن، فإن تُبرِع بما يفي بثمنها فالمتبرع مأجور، وإلا تصدقنا بما بقي في العشر فهي عشر عظيمة.

عباد الله: إن هذه الذبيحة، وهذه الأضحية العظيمة لأهل البلدان، والحاج يكفيه الهدي، فإن كان أراد أن يضحي، أو يترك في بلده أضحية لأهله، ويذهب للحج فيهدي هناك هو فإنه لا يحلق رأسه إلا بعد أن تذبح أضحيته، وكذلك لا يأخذ من شعره، وأظافره في العشر إلا عند التحلل من عمرة التمتع، فإنه يأخذ من شعره وجوباً، أما إذا لم يكن للحاج أضحية، وإنما الهدي فقط، فإنه يأخذ ما شاء من شعره، وأظفاره مما يجوز له الأخذ منه طيلة الوقت قبل إحرامه.

عباد الله: إن الأضحية لو تلفت بغير تفريط من مالكها، بغير تفريط ممن أراد التضحية بها، أو سرقت بغير تفريط، فليس عليه بدلها، أما إذا فرط فإنه يأتي ببدل منها.

أيها المسلمون: إن هذه العبادة العظيمة حري بنا الاهتمام بها، فإنها نسك المسلمين.

التكبير في عشر ذي الحجة

00:24:07

وأما بالنسبة للأعمال الفاضلة في هذه العشر: فإن منها التكبير، وهو من أعظم شعائر هذه الأيام، إحياؤه في كل مكان يجوز فيه ذكر الله، ولذلك فإنه يجهر به في الأسواق، والمجامع، والأماكن المختلفة، ويذكر الناس، والتكبير في الأضحى مشروع من أول الشهر، إلى نهاية اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، لقوله تعالى: لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍسورة الحـج28وهي أيام العشر، وقوله : وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍسورة البقرة203 وهي أيام التشريق، إذن التكبير فيهما جميعاً، ولقول النبي ﷺ: أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله .[رواه مسلم 1141].

وعن ابن عمر، وأبي هريرة رضي الله عنهما "كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر فيكبران، ويكبر الناس بتكبيرهما". وكان عمر، وابنه عبد الله "يكبران في أيام منى في المسجد، وفي الخيمة، ويرفعان أصواتهما بذلك حتى ترتج منى تكبيراً"، وقد روي مرفوعاً، وجاء عن جماعة من الصحابة "التكبير في أدبار الصلوات الخمس، من صلاة الفجر يوم عرفة، إلى صلاة العصر من يوم الثالث عشر من ذي الحجة" وهذا في حق المقيمين، هذا هو التكبير المقيد، إذن التكبير المطلق لأهل البلدان في كل العشر، في كل وقت، لا يختص ببعد الصلوات، أما من فجر يوم التاسع، أهل البلدان من فجر يوم التاسع - يوم عرفة - إلى نهاية أيام التشريق يكبرون التكبير المقيد بعد الصلوات،

فبعد قوله: أستغفر الله، أستغفر الله ثلاثاً، اللهم أنت السلام، ومنك السلام، يقول: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، ينتهي هذا بنهاية تكبيره بعد صلاة العصر في اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، ثالث أيام التشريق، بعد ذلك تعود الأذكار إلى ما كانت عليه، أما بالنسبة للحاج فإنه يشتغل بالتلبية من إحرامه إلى رمي جمرة العقبة، وبعد ذلك يشتغل بالتكبير، فيكون التكبير المقيد بالنسبة لصلواته، من بعد ظهر يوم النحر إلى آخر أيام التشريق، وقد كان الصحابة يخلطون التلبية بالتكبير أيضاً، والأفضل في حق المحرم التلبية، وفي حق الحلال التكبير.

اجتماع العيد والجمعة وحكم ذلك

00:27:05

عباد الله: في سنتنا هذه يجتمع عيد، وجمعة في عيد الأضحى، فما هو الحكم في هذا الاجتماع؟

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، إذا اجتمع يوم الجمعة، ويوم العيد ففيهما ثلاثة أقوال للفقهاء:

أحدها: أن الجمعة على من صلى العيد، ومن لم يصله، كقول مالك، وغيره.

والثاني: أن الجمعة سقطت عن السواد الخارج عن المصر، كما يروى ذلك عن عثمان ابن عفان: أنه صلى العيد ثم أذن لأهل القرى في ترك الجمعة، واتبع ذلك الشافعي.

والثالث: أن من صلى العيد سقطت عنه الجمعة."

 وهذا هو الراجح، من صلى العيد سقطت عنه الجمعة، فالجمعة يجتمع الناس، ويشهدون هذه الصلاة العظيمة، فالذي صلى العيد، وشهد المشهد حضر الاجتماع العظيم، فلذلك سقط الاجتماع الآخر، فبقي عليه صلاة الظهر.

قال شيخ الإسلام: "لكن ينبغي للإمام أن يقيم الجمعة، ليشهدها من أحب، حتى إذا جاء الناس وجدوا جمعة"، قال: كما في السنن عن النبي ﷺ: أنه اجتمع في عهده عيدان فصلى العيد، ثم رخص في الجمعة [رواه النسائي بمعناه 1591]، وفي لفظ أنه صلى العيد، وخطب الناس، وقال: يا أيها الناس إنكم قد أصبتم خيرا وأجرا أي: بصلاة العيد، وإنا مجمعون فمن أراد أن يجمع معنا فليجمع، ومن أراد أن يرجع إلى أهله فليرجع[رواه الطبراني 13591]. فالأفضل أن يصليهما، إنا مجمعون، الإمام يصلي الجمعة أيضاً، فهذا بالنسبة لمن صلى العيد تسقط عنه صلاة الجمعة، ويبقى عليه الظهر، ولا تفتح المساجد لصلاة الظهر جماعة يوم الجمعة، فيصلي كل واحد في بيته جماعة بأهل بيته الظهر، إذا لم يرد أن يصلي الجمعة، أما إذا صلى العيد، وصلى الجمعة فهو أفضل، قال ﷺ: اجتمع عيدان في يومكم هذا فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون إن شاء الله. رواه أبو داود.[رواه أبو داود 1073] اللهم إنا نسألك الفقه في الدين، واتباع سنة سيد المرسلين، نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.

 أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:29:58

الحمد لله العلي الأعلى، أشهد أن لا إله إلا الله، القوي المتين، وأشهد أن محمداً رسول الله، البشير والنذير الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وأزواجه، وذريته، وخلفائه الطيبين الطاهرين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

الحث على استغلال عشر ذي الحجة

00:30:24

عباد الله: وأهل هلال ذي الحجة، ودخلنا في هذه العشر العظيمة، فأروا الله من أنفسكم خيراً، واغتنموا هذه الأيام في طاعة الله ما استطعتم، إن هذه العبادات العظيمة، في هذه الأيام العظيمة، فرصة كل مسلم، والاهتمام بها دليل قوة الإيمان في القلب، ترك الملهيات فضلاً عن المحرمات، والاشتغال بالطاعات، والحرص على العبادات، إنه الارتباط بالقوي العزيز، والالتجاء إليه، ذكره، كثرة تسبيحه، والتهليل، والتكبير، والتحميد، وكذلك سائر القربات المقربة إليه .

بماذا يثبت دخول الشهر؟

00:31:15

ودليل دخول هذا الشهر رؤية هلاله، أو إتمام الشهر الذي قبله ثلاثين.

وقال بعض الناس: رأيناه مرتفعاً أول ما رأيناه، فنقول: العبرة بالرؤية، أو بإتمام الشهر الذي قبله ثلاثين، فلا يمكن أن يقال للناس: إذا رأوا الهلال مرتفعاً أول ما رأوه، أن يقال لهم: اعتبروه هذا ثاني يوم، لا، إما أن يكون هو الأول، أو يعرف برؤية الهلال، أو يكمل الشهر الذي قبله ثلاثين، وعلى هذا بنت الهيئة العليا للقضاء حكمها  في دخول الشهر، فإنهم قالوا: لما لم يتقدم أحد بشهود هلال ذي القعدة، أكملنا شوال ثلاثين، ولما لم يتقدم أحد برؤية هلال ذي الحجة، أكملنا ذي القعدة ثلاثين، فستين يوم بعد رمضان ثم أعلن دخول ذي الحجة بناءً على هذا، وصحيح أنه قد كان غيم في آخر الشهر، وأول الذي بعده، لكننا لسنا مكلفين بما غاب عنا، فإن غم عليكم فأكملوا العدة[رواه البخاري 1907] ثم إن النبي ﷺ قال: الأضحى يوم تضحون[رواه الترمذي 697]. وقال: وعرفة يوم تعرِّفون[رواه البيهقي 9829]. إذن لما أعلن ذلك فإن الأضحى يوم يجتمع المسلمون على الأضحية، وعرفة يوم يقفون بعرفة، ولو فرض أن هنالك خطأ في دخول الشهر، لو فرض، فإن الأضحى يوم تضحون وعرفة يوم تعرِّفون، ولسنا مكلفين بما لا نستطيعه، ولا نزيد عما جاء في الشرع.

أحكام في الحج

00:33:22

عباد الله: حج بيت الله الحرام، هذه العبادة العظيمة التي من شروطها الإسلام، والعقل، والبلوغ، والحرية والاستطاعة، وإذا كانت عليه ديون، فذمته مشغولة فيقدم الدين، وإذا كان يحتاج لزواج، قدم الزواج، وكذلك المرأة التي يحتاج ولدها لرضاع ولا تستطيع تركه، وكل من كان له عذر في التأخر عن الحج فتأخر فلا إثم عليه، وأما من لا يكون عنده عذر، فإن العجب العجاب منه كيف تأخر، وقد هم عمر أن يضرب الجزية على غير الحجاج ممن قعدوا بغير عذر.

حج بيت الله الحرام، هذه العبادة العظيمة التي من شروطها الإسلام، والعقل، والبلوغ، والحرية والاستطاعة، وإذا كانت عليه ديون، فذمته مشغولة فيقدم الدين، وإذا كان يحتاج لزواج، قدم الزواج،

وكذلك المرأة التي يحتاج ولدها لرضاع ولا تستطيع تركه، وكل من كان له عذر في التأخر عن الحج فتأخر فلا إثم عليه، وأما من لا يكون عنده عذر، فإن العجب العجاب منه كيف تأخر، وقد هم عمر أن يضرب الجزية على غير الحجاج ممن قعدوا بغير عذر.

 

عباد الله: إن محرم المرأة واجب، يحفظها، وخصوصاً في هذه الأيام التي يوجد فيها من لا يخاف الله حتى عند البيت العتيق، حتى عند البيت العتيق، هناك من لا يخاف الله، وهذا موضع العبارة المشهورة، لتلك المرأة التي كانت تطوف بالبيت، فجاء شاب يريد أن ينال منها بسوء، فلما رأت ذلك منه قالت له: نحن نتوسخ هناك؛ لنأتي ونتنظف هنا، فإذا توسخنا هنا فأين نتنظف؟!!

عباد الله: إن هذه النسك العظيمة، أفضلها التمتع بلا شك، وأن تصوم ثلاثة أيام في الحج، كالسابع، والثامن، والتاسع، أو من أيام التشريق بعد العيد، ثم سبع هنا، أفضل من أن تنتقل إلى الإفراد، أفضل بلا شك، فلك أجر التمتع، وتصوم ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجعت، أفضل لك بلا شك، ومزيد من المعلومات حول موضوع الحج بعد الخطبة إن شاء الله.

عباد الله: إن الإعداد للمال الحلال لحج بيت الله، وانتقاء الأخيار في الرفقة، وترك النفقة للأهل، والاعتناء بتعلم المناسك، والسكينة والوقار عند الذهاب، وإقامة السنن، وتعظيم شعائر الله، والبعد عن المحرمات، إنها قضية مهمة، بالإضافة إلى إكمال النسك، وبعض الناس عنده وجود حجز العودة، أهم من إتمام النسك، مع أن إتمام النسك، أهم من حجز العودة؛ لأن الله أمرنا بإتمام ذلك، وجعله من تعظيم شعائره، وقال وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِسورة البقرة196.

فنسأل الله أن يجعلنا ممن يعظمون شعائره، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وكفر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار، اللهم انصر المجاهدين، وأعل كلمة الدين، وانصر عبادك الموحدين، واجعلنا في بلادنا آمنين مطمئنين، اللهم من أراد بلدنا بسوء فامكر به، اللهم من أراد بلدنا، وبلاد المسلمين بشر فاجعل كيده في نحره، اللهم نسألك أن تحيينا مؤمنين وأن تتوفانا مؤمنين، وأن تلحقنا بالصالحين.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.

1 - رواه البخاري 5546
2 - رواه البخاري 5565 ومسلم 1966
3 - رواه أحمد 4935 والترمذي 1507
4 - رواه مسلم 1960 
5 - رواه أحمد 8074 
6 - رواه الترمذي 1518 وأبو داود 2788 وابن ماجة 3125
7 - رواه أحمد 14423
8 - رواه أبو داود 2792
9 - رواه أحمد 9132
10 - رواه أحمد 14423
11 - رواه أحمد 23348
12 - رواه الطبراني 12710
13 - رواه البيهقي 19233
14 - رواه مسلم 1141
15 - رواه النسائي بمعناه 1591
16 - رواه الطبراني 13591
17 - رواه أبو داود 1073
18 - رواه البخاري 1907 
19 - رواه الترمذي 697
20 - رواه البيهقي 9829